النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: الفيزياء ووجود الخالق:الفصل السابع/ماذا بعد الايمان بوجود الخالق؟

  1. افتراضي الفيزياء ووجود الخالق:الفصل السابع/ماذا بعد الايمان بوجود الخالق؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد:
    إليكم أيها الاخوة في المنتدى الفصل السابع من كتاب الفيزياء ووجود الخالق تأليف الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس حفظه الله ، ولقد قام الاخ ناصر الشريعة بوضع الفصل الأول منه على الرابط التالي
    http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=13844
    وقد قام الأخ صادق بوضع الفصل الثاني من الكتاب على الرابط التالي
    http://eltwhed.com/vb/showthread.php?t=14041
    الفصل السابع
    ماذا بعد الايمان بوجود الخالق؟

    هَبْ أن فيزيائياً غربياً لم يكن مؤمناً بوجود الخالق، ثم سمع حججاً مثل حججنا تلك، فقبلها عقله فأصبح صادقا في إيمانه بوجوده، وبأنه متصف بتلك الصفات على ما ذكرنا، فماذا يكون موقفه بعد ذلك؟

    إن بعض المعارف تتحول بطبيعتها إلى مشاعر ولا تبقى مجرد حقائق ذهنية يصدق بها الإنسان. إن الإنسان السوي الذي يعلم – أن فلاناً أنقذ ابنه من الغرق - وكاد أن يفقد حياته في سبيل ذلك، لا يملك إلا أن يشعر في قلبه بالشكر له، وإلا أن يعبر له عن هذا الشكر بلسانه، وربما تطور الأمر إلى حب يوثق العلاقة بينهما.

    وكذلك وأكثر من ذلك معرفة الإنسان بربه؛ كيف يؤمن الإنسان إيماناً صادقاً بأن له خالقاً هو الذي يطعمه ويسقيه ويحفظه ويراقبه، ثم لا يجد في نفسه أي شعور نحوه؟! إن مجرد معرفة الخالق بصفاته وأفعاله تولد في الإنسان شعورا بحمده وشكره وحبه وخشيته. وما أن يشعر الإنسان بهذه المشاعر إلا وتتملكه رغبة شديدة في القرب من خالقه هذا.

    وهنا يسأل نفسه : ولكن ما السبيل إلى ذلك؟
    يقول له عقله: إن خالقاً عالماً حكيماً وفَّر لك برحمته كل ما يحتاج إليه بدنك من طعام وشراب وكساء، وأرض وشمس وقمر وسماء، وجبال وزروع وحيوان وماء، كيف لا يوفِّر لك حاجات روحك وهو يعلم أن روحك أهم من جسدك ، وأن قوامها بهذا القرب منه الذي أحسست به؟! إذن لابد أن يكون في هذا العالم هدى من هذا الخالق نتعلم به كيف نتقرب إليه.
    ولكن أين هو هذا الهدى؟

    يقول له عقله: لابد أن يكون عند بعض هؤلاء الذين يؤمنون به ويعبدونه، لابد أن يكون عند بعض أصحاب هذه الأديان؛ فيبدأ في السؤال عن الأديان، فيقال له إنها نوعان: نوع يزعم أهله أن لديهم هدياً من السماء؛ ولذلك تسمى أديانهم بالسماوية، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام. ونوع لا يزعم أصحابه مثل هذا الزعم، ومن أشهرها البوذية والهندوسية.

    فيقول: لا حاجة بي إلى هذه الأخيرة لأن الذي أبحث عنه إنما هو هدي السماء.
    ثم يقول: فلأبدأ بدراسة النصرانية لأنها أقرب الأديان إليَّ، ولأن الناس في بلادي يدينون بها؛ فإن وجدت طلبي فيها فلا حاجة بي إلى البحث عن غيرها.

    فيسأل النصارى: أين الهدى الذي تقولون أنه من عند الله؟
    فيعطونه نسخة من الكتاب الذي يسمُّونه بالكتاب المقدس، ويقول له أحد المختصين في علم اللاهوت: إن هذا الكتاب ليس كما قد يتبادر إلى ذهنك كتاباً واحداً لمؤلف واحد وإنما هو كتابان، يتكون كل منهما من عدة كتب ورسائل وأشعار لمؤلفين مختلفين كتبوها في أزمان مختلفة وأماكن مختلفة.

    الكتاب الأول هو المسمَّى بالعهد القديم، وثانيهما المسمَّى بالعهد الجديد.
    فاليهود يؤمنون بأولهما ولا يؤمنون بالثاني، والنصارى يؤمنون بكليهما، لكنهم يركزون على الثاني.

    ثم يقول لي: دعني أقرأ لك فقرات مهمة من مقدمات كتبها المختصون لآخر ترجمتين حديثتين رسميتين أعدَّهما أكابر علمائنا المختصين بدراسة الكتاب المقدس، إحداهما أمريكية نشرت في عام 1952م، والأخرى بريطانية؛ نشر العهد الجديد منها عام 1960م، والعهد القديم عام 1970م. ثم إن كان لك سؤال أجبتك عنه قبل أن تبدأ في القراءة.

    يقول القس: هذا بعض ما جاء في مقدمة الترجمة البريطانية المسمَّاة بالترجمة الإنجليزية الحديثة للكتاب المقدس: ((يتكون العهد القديم من مجموعة من الكتابات التي يمتد عهدها من القرن
    الثاني عشر قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد. كتبت هذه الكتابات باللغة العبرية الكلاسيكية، ما عدا أجزاء قليلة كتبت باللغة الآرامية.
    لا توجد مخطوطات لأي من هذه الكتابات (يرجع تاريخها) إلى أوائل تلك الفترة. أقدم مخطوطات تحوي بعض أجزاء من العهد القديم توجد ضمن لفائف البحر الميت التي يمكن أن يرجع تاريخها إلى القرنين الثاني قبل الميلاد، وإن كان بعضها قد يكون أقدم وبعضها أحدث.
    في القرن الثاني بعد الميلاد، وربما قبل ذلك جمع الأحبار نصا [الكتاب المقدس] مما تبقى من المخطوطات بعد تخريب القدس في عام سبعين بعد الميلاد، وعلى هذا الأساس أقيم النص التقليدي.

    لكن هذا النص حوى الأخطاء التي وقع فيها النساخ على مدى قرون سابقة، وحوى أيضا – وبالرغم من العناية التي أضيفت عليه – أخطاء النساخ المتأخرين.

    أقدم مخطوطات بقيت لهذا النص يرجع تاريخها إلى الفترة من القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر بعد الميلاد، وقد استعملت هذه أساسا للترجمة الحالية هذه.
    هذا هو العهد القديم كما نراه اليوم ماثلا أمامنا، لكن من المؤكد أن هذا لا يمثل دائما ما كان قد كتب في البداية. [ولهذا] فإن على المترجم أن يذهب إلى ما وراء النص التقليدي [هذا] ليكتشف مراد الكاتب)).

    ثم يذكر الكاتب عدة مخطوطات في لغات أخرى – يستفيد منها المترجم ليحقق هذا الغرض. أقدم هذه المخطوطات هي الترجمة اليونانية ، وهي مفيدة كما يرى الكاتب بالرغم مما فيها من تحريفات.

    ثم يقول: بالرغم من هذه الثروة من النُسخ، وحتى عندما تثبت الصورة الحقيقية لأقدم النصوص المعروفة؛ فإنه تبقى بعد ذلك أمور كثيرة غامضة في العهد القديم.
    إن الكلمات العبرية المعروفة اليوم قليلة، ونتيجة لذلك فإن معاني عدد هائل من الكلمات غير معروف أو غير يقيني)).

    ثم يذكر بعض الوسائل التي يستعين بها المترجم على معرفة معاني هذه الكلمات؛ من ذلك بعض اللغات، ومنها اللغة العربية لقربها من اللغة العبرية.

    ثم يقول: ((ولكن في نهاية المطاف فإن المترجم قد يضطر لأن يصل إلى معنى الكلمة من السياق وحده، أو قد يضطر حتى لإصلاح ما يراه خطأ بيِّناً أحيانا ولأسباب يبدو أنها كافية – غُيّر ترتيب الآيات [يعني عما كان عليه في الترجمة المتداولة])).
    يتبع...
    التعديل الأخير تم 08-23-2008 الساعة 04:16 PM

  2. #2

    افتراضي

    جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ
    ............................

  3. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وجزاك الله خيرا كذلك ونفع بك وبنا والمؤلف وبجميع المسلمين ..آمين
    أسأل الله ان يرضى عنا في الدنيا والآخرة وأن يغفر لنا وأن نكون من المهتدين والهادين إلى طريق الحق ..آمين..آمين

  4. #4

    افتراضي

    جزاك الله خيرا والمؤلف وبارك فيكما وأثقل بالحسنات موازينكم يوم العرض عليه .

  5. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
    وإياكم أستاذنا ناصر الشريعة ، وبارك الله في جهودك المميزة
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  6. افتراضي

    ثم يحدثه عن العهد الجديد فيقول إن أول ترجمة إنجليزية له هي الترجمة المسمَّاة بـ (ترجمة الملك جيمز) أو (الترجمة الرسمية) التي نشرت في عام 1611م، ثم الترجمة التي كانت مراجعة لها وتعديلاً والتي نشرت في عام 1881م. ثم يقرأ عليه فقرات – مما تقوله عن العهد الجديد – مقدمة آخر ترجمة لكتابهم المقدس (1): ((كانت هذه الترجمة المعدلة نهجاً جديداً على الأخص في إعراضها عما يسمَّى بالنص المتلقى بالقبول الذي كان سائداً منذ أن بدأت طباعة العهد الجديد،
    والذي جعله تطور دراسة نقد النصوص أمراً عفا عليه الزمن. فالمراجعون لم يتبعوا (كما فعل أسلافهم) النص الذي اتفقت عليه معظم المخطوطات؛ فقد كتبت هذه المخطوطات في أزمان متأخرة، وتعرضت لذلك ليس فقط للتحريفات التي تحدث مصادفة بسبب كثرة النسخ المستمر، بل لإصلاحات و((تحسينات)) متعمدة. وإنما اعتمدوا على عدد أقل من المخطوطات الأقدم زمناً، والتي رأوا أنها أحسن الموجود.
    ـــــــــــ
    (1) (ص v-vii)
    ـــــــــــ

    وأما كاتبو الترجمة الحديثة فلم يلتزموا بنص معين بل كان منهجهم أن يتخيروا ما يرونه أقرب الروايات إلى ما كتبه مؤلفو العهد الجديد، مستعينين على ذلك بالترجمات اليونانية القديمة، وبترجمات إلى لغات أخرى غير اليونانية، وبما استشهد به من العهد القديم الكتاب المسيحيون السابقون)).

    ذلك ما جاء في الترجمة البريطانية. وأما الترجمة الأمريكية الحديثة فتقول: ((لقد كتب الكتاب المقدس على مدى أربعة عشر قرنا))(1).

    ((كل أجزاء الكتاب المقدس الثلاثة تعبر عن ثقافة البحر المتوسط القديمة))(2).

    ((بينما نعرف المحيط الجغرافي والسياسي والثقافي لكتب الكتاب المقدس معرفة جيدة؛ فإن معرفتنا بالظروف الخاصة بتأليفها أقل بكثير, إن العادة الجارية في البِيَع و الكنائس من جعل مؤلفيها شخصيات مذكورة في الكتاب المقدس مثل موسى وداود وسليمان والحوارين لا يكاد يوجد لها من سند تاريخي. ومعظم ما يقول العلماء عن المؤلفين والتواريخ والأماكن مبني على الاستنتاج من النصوص نفسها ولهذا يبقى أمرا تقريبيا.

    معظم كتب الكتاب المقدس كانت في البداية لمؤلفين مجهولين أو منتحلين، وكثير منها ليس من تأليف مؤلف واحد بل مجموعة من المؤلفين، وكثير منها أُلِّف على مراحل متعددة))(3).

    ((معلوماتنا عن مؤلفي كتب العهد الجديد قليلة قلة مذهلة. لقد نمت وتأصلت المعتقدات فيهم منذ عهد مبكر، ووجد كثير منها طريقه إلى الكتاب المقدس في صورة عنوانات لكثير من كتبه، لكن هذه المعتقدات لا تثبت أمام الفحص الدقيق))(4).
    ـــــــــــ
    (1) (ص xxiv)
    (2) (ص xxv-xxvi)
    (3) (ص lxvii)

    ـــــــــــ

    ((معظم كتب العهد القديم كانت (كما كتبت أول مرة) غير معزوة إلى مؤلفين أو معزوة إلى مؤلفين منتحلين))(1).

    ثم يبين له أن أهم كتب العهد القديم هي تلك الأناجيل الأربعة المعزوة إلى كل من ماثيو ومارك ولوك وجون.

    لكن هنالك مؤلفات أخرى متأخرة بالعنوان نفسه لفِرَق نصرانية تعتبر مارقة، وجد كثير منها في نجع حمادي بمصر عام 1946م. درس العلماء هذه الأناجيل الأربعة دراسة دقيقة ، فكان: ((مما حظي بقبول واسع من نتائج هذه الدراسة أن هذه الأناجيل رويت في البداية شفاها، ثم كتبت في مصادر هي الآن مفقودة، لكنها كانت في حوزة كتَّاب الأناجيل))(2).

    ((كانت هذه الأناجيل تستعمل في البادية مستقلاً بعضها عن بعض))(3).

    يسأل الفيزيائي الباحث عن الهدى قائلاً: هل هذا الذي قاله علماؤكم المختصون هو ما يؤمن به كل النصارى؟
    يقول القس: كلا، فهنالك جماعة الأصوليين - مثلاً- الذين يعتقدون أن كل ما في الكتاب المقدس هو كلام الله تعالى.
    - هل يعتقدون أن هذا الذي بين أيديهم هو الذي نطق به السيد المسيح؟
    - كلا، ولكنهم يعتقدون أن من كتبوه كانوا مهملين؛ فلم يكتبوا إلا ما كان
    حقا.

    لكن هذا كما ذكرت لك اعتقاد لا سند تاريخياً له، فنحن لا نعرف من الذي
    كتب حتى نعرف إن كانوا ملهمين أو غير ملهمين!! وكيف يكون كل ما كتبوه حقاً
    من عند الله إذا كنا نجد فيما يقولون تناقضاً، ونجد فيه ما يخالف الواقع؟!
    ـــــــــــ
    (1) (ص lxvii).
    (2، 3) (ص lxix).

    ـــــــــــ
    ولا يمكن لكلام يقوله الخالق إلا أن يكون متسقاً لا تناقض فيه، ولا يمكن إلا أن يكون موافقا لحقائق الوجود التي خلقها هو تعالى.
    - فماذا تعتقدون فيه أنتم معاشر علماء اللاهوت إذن؟
    - نعتقد فيه ما قاله هؤلاء العلماء الذين قرأت لك أطرافاً من كلامهم: أنه من تأليف بشر تأثروا فيما كتبوا ببيئتهم وثقافتهم، وما ورثوه عن سلفهم، فهو لذلك يتضمن حقاً ما جاء به السيد المسيح، لكنه حق خلط ببعض الباطيل، وبما تأثر به المؤلفون من ثقافات محلية. ولهذا فنحن لا نؤخذ كل ما فيه على أنه حق ولا نفسره تفسيرا حرفيا، وإنما نخضع تفسيره لواقع عصرنا وثقافتنا.
    - ولكن كيف تفرقون بين ما فيه من حق وما دَاخَله من باطل؟
    - لا معيار لنا إلا الدراسة العلمية.
    - قد أعرف أن الإنسان يمكن أن يستدل بعقله على أن بعض الكلام لا يمكن أن يكون من كلام الله تعالى، لما يرى فيه من بعض صفات النقص؛ ولكن كيف يستطيع أن يثبت بالعقل وحده في كل كلام يعرض عليه ما إذا كان من كلام الله؟
    إنكم – يا أخي – لستم على يقين من أمر دينكم، فلا حاجة بي إليكم، إنني أبحث عن هدى أكون على يقين من أنه هدى الله تعالى.
    يقول هذا الفيزيائي الباحث عن الهدى لنفسه: لقد أيقنت بأن رحمة الله وحكمته تقتضي أن يكون في هذا الكون هدىً منه لعباده، ثم وجدت أن مظان هذا الهدى في أديان ثلاثة لا رابع لها، ثم لم أجده في اثنين منها؛ فهو إذن في ثالثها لا محالة. هذا أمر يوصلني إليه الدليل العقلي، لكن لا بأس من زيادة في البحث لمزيد من اليقين.
    يتبع..
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  7. افتراضي

    يذهب صاحبنا إلى عالم من علماء المسلمين، فيسأله:ماذا تعتقدون في كتابكم هذا؟
    - نعتقد أنه كله من أوله إلى آخره كلام الله تعالى.
    - هل هذا هو اعتقاد الأصوليين منكم؟
    - كلا بل هو اعتقاد المسلمين جميعاً، وإن شئت فاسأل أول مسلم تلقاه في قارعة الطريق تجده يقول بمثل ما قلت لك، وإن شئت فابحث عن سائر علمائنا واسأل من شئت منهم، وإن شئت فارجع إلى مراجع ديننا القديم منها والحديث، فلن تجد فيها ما يخالف هذا الذي قلت لك .. بل إننا نعتقد أن كل من يقول غير هذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وصار كافراً.

    - هذا الذي أبحث عنه، وهذا الذي كنت أتوقعه. لكن ليطمئن قلبي خبروني أولاً ما دليلكم على أن هذا الكتاب الذي بين أيديكم هو عينه الكتاب الذي زعم نبيكم أن الله أوحاه إليه؟ وكيف وصلكم هذا الكتاب؟ إن إخوانكم اليهود والنصارى خبروني أن ما ينسبونه إلى أنبيائهم هي كتب كتبها بعض من يعدُّونه من صالحيهم، وأنهم كتبوها بعد سنين طويلة من موت أولئك الأنبياء؟ فماذا تقولون أنتم عن كتابكم؟

    - إن رسولنا كان يتلقى الكلام من ربه، فيحفظه عن ظهر قلب، ثم يمليه على كُتَّابه،ثم يقرؤه على أصحابه، فيحفظه بعضهم عن ظهر قلب كما حفظه نبيهم، وقد كانوا قوما مشهورين بسرعة الحفظ وجودة الذاكرة. وعليه فعندما توفي رسولنا كان هذا الكتاب قد حُفظ كله في صدور عدد من أصحابه، كما كان قد كتب كله فيما تيسر لهم الكتابة عليه من العظام والجلود ولحى الأشجار، ثم احتفظ الخليفة الأول أبو بكر بكل هذه الوثائق التي كتب عليها القرآن كله، ثم ورثها منه الخليفة الثاني عمر، ثم أمر الخليفة الثالث عثمان بكتابة القرآن كله في مصاحف وتوزيعها على البلاد. فكل ما ترى من نسخ للقرآن الكريم الآن إنما هي نسخ من ذلك المصحف الذي يُسمَّى بـ (المصحف الإِمام).

    - هذا شيء مطمئن ولكنه يقودني إلى سؤالي الثاني: بعد أن عرفنا أن هذا الكتاب هو عينه الذي قال نبيكم إنه أنزل عليه؛ كيف نوقن أن ما قاله حق؟ كيف نعرف أن هذا القرآن كلام الله حقاً؟

    - تعرفه بوسائل كثيرة: منها أولاً معرفتك بسيرة الرجل الذي قال إنه رسول الله؛ إنك الآن بحمد الله مؤمن بالله، موقن بأنه وحده الذي يستحق أن يُعبد، وأن رحمته تقتضي أن يتفضل على الناس بهدي منه. فمحمد هذا هو واحد من آلاف الرجال الذين ظهروا في التاريخ وقالوا إن الله أرسلهم بهذا الذي تبحث عنه، فانظر في سيرة هذا الرجل لترى هل هو ممن يمكن أن يكذب على الله؟!

    - سأفعل هذا إن شاء الله، ولكن خبروني الآن عن أدلتكم الأخرى، إنني أريد دليلا من القرآن نفسه، لا من خارجه يدلني على أنه من عند الله.
    - أنت رجل عاقل كثير التفكر؛ فهل سألت نفسك ما المعايير التي تعرف بها ما إذا كان كتاب ما هو من عند الله أو من كلام البشر؟

    - نعم فعلت، وتوصلت إلى أن الكلام إذا كان من عند الله فلا يمكن أن يكون متناقضا لأن التناقض نقص والله منزه عن النقص، وتوصلت إلى أنه لا يمكن أن يقرر شيئاً يكون الواقع بخلافه؛ لأنه هو الذي خلق الكون فهو أعلم بما خلق، وحاشاه أن يكذب على عباده فيخلق الواقع على هيئة ثم يكون خبره عنه مخالفا لها.
    - وتوصلت إلى أنه لا يمكن أن يكون في كلامه دعوة إلى شيء يخالف مكارم الأخلاق التي فطرنا عليها، كما لا يكون فيه تناقض القواعد العقلية التي فطرنا عليها.
    هذه بعض المعايير التي خطرت ببالي حين بدأت بالتفكير في هذا الموضوع.

    - كيف إذا قلنا لك أن هذه التي عددتها معايير عقلية محايدة، موجودة بعينها في القرآن الكريم؟ خذ معيار عدم التناقض مثلاً تجده في هذه الآية الكريمة: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾. [النساء:82]

    فالآية تدلك على أن عدم وجود الاختلاف – والاختلاف أعم من التناقض – هو نفسه دليل على أن القرآن كلام الله. لماذا؟ لأن وقوع الاختلاف أمر لازم لكل منهاج للحياة هو من تأليف البشر؛ وعليه فإذا كان وجود التناقض يدل على أن الدين من صنع البشر؛ فإن خلو الدين منه دليل على أنه من عند الله هذا معيار مهم، فدعنا نغوص قليلاً في تفاصيله. ما الذي يزيد –في رأيك – من احتمال وقوع التناقض والاختلاف في كلام البشر؟

    أول ما يخطر ببالي طول الكلام، فإذا كان الكلام قصيراً كان احتمال وقوع التناقض فيه أقل مما لو طال، لأنه إذا طال قد ينسى الإنسان ما قاله أولاً، فيقول في وسط كلامه أو آخره قولاً ينقض ما جاء في أوله ، أو يقول في آخره ما يخالف ما قال في أوله أو وسطه.

    ويخطر ببالي ثانياً المدة التي يقال فيها الكلام، فكلما طالت المدة كان احتمال التناقض أكبر، وكلما قصرت كان أقل.
    - حقا إنك لرجل موفق، فكل ما قلت صحيح. ولكن ألا ترى أن موضوع الحديث أيضاً له دخل بهذا الأمر؟
    - كيف؟
    - أعني أنه إذا حصر الإنسان نفسه في مسألة واحدة وكان كلامه كله فيها، كان احتمال خطئه أقل مما لو تعددت المسائل. ولو كان العلم الذي يتحدث فيه واحداً كالفيزياء مثلا.
    فكيف إذا لم تتعدد المسائل فحسب، بل تعددت الموضوعات التي يتطرق إليها المتحدث فيكون كلامه عن الفيزياء تارة وفي علم النفس أخرى وفي التاريخ ثالثة, ويتكلم في الأخلاق كما يتكلم في السياسة، ويتكلم في شؤون هذه الحياة كما يفكر فيما يمكن أن يحدث بعدها، وهكذا.

    - هذا داخل في موضوعنا بلا شك. ولكن لِمَ سألتموني هذه الأسئلة، ولِمَ فصَّلتم في هذا الموضوع؟

    يتبع...
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    الدولة
    مــصــر
    المشاركات
    292
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكِ الله خيراً وزادك من فضله وأعاننا جميعاً على خدمة دينهِ بالوجه الذي يرضيه عنا.
    {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فاطر8

    {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27

  9. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صادق مشاهدة المشاركة
    جزاكِ الله خيراً وزادك من فضله وأعاننا جميعاً على خدمة دينهِ بالوجه الذي يرضيه عنا.
    آمين وإياكم وجزاك الله خيرا على نسخك للفصل الثاني وبارك في جهودك وكذلك الأستاذ ناصر الشريعة وكل من كان له يد في نشر هذا الكتاب
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  10. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    بقية الجزء السابع :
    - لأننا نريد أن نطبق هذا المعيار على القرآن الكريم.
    - لعلك لا تعلم أن القرآن الكريم لم ينزل على نبينا دفعة واحدة وإنما نزل منجماً بحسب المناسبات، وأنه ظل يوحى به إليه على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، هل تعلم من بشر ظلَّ يكتب في موضوع ما أو يحدِّث الناس عنه على مدى عشرين عاما ثم لم يجد هو ولا غيره في كلامه من تناقض؟!
    - كلا فالذي أعلمه عكس ذلك تماما.
    - فماذا إذا كان هذا القرآن فيه كل أنواع العلوم فهو يحدثك عن الله تعالى، وعن رسله الذين أرسلهم، وعن الملائكة والدار الآخرة، وعن الأمم السابقة، ويحدثك عن العبادة وعن القيم الخلقية، وعن النفس البشرية، وعما ينبغي على الناس الالتزام به من أنواع السلوك الفردي والجماعي، وعن المبادئ التي ينبغي لهم الالتزام بها في حياتهم السياسية والاقتصادية، وعلاقاتهم الدولية، ويحدثك عن الكون المشاهد وغير المشاهد، وينبئك ببعض ما سيقع في المستقبل إلى آخر ما هنالك من موضوعات لا يكاد يحصيها العاد.

    هل تعرف بشراً تطرق إلى موضوعات متنوعة هذا التنوع وظل يكتب على مدى عشرين عاماً ثم لم يوجد فيما قاله من اختلاف؟

    - مرة أخرى أقول أن الذي أعرفه هو عكس ذلك تماماً. خذ ذلك المفكر المشهور الذي أثَّرت كتاباته في الآلاف أن لم نقل الملايين من سكان المعمورة في عصرنا هذا, أعني: (كارل ماركس), تجد في كلامه من التناقض والاختلاف ما لا يحصيه إلا رب العباد.

    لكن أهم اختلاف تميزت به كتاباته أن الاشتراكية التي دعا إليها في الاقتصاد كانت - على عكس ما أراد و قدَّر - متنافية تماما مع ما أراد تحقيقه في مجال السياسة. لقد كتب (ماركس) عن الحرية كلاما شاعريا محلقاً, ظن أنه سيتحقق كله عند تطبيق الاشتراكية ثم الشيوعية, لكن تبين لمن فحصوا نظامه الاقتصادي بفكرهم الثاقب, أنه لن يوصل إلى ما أراد, بل لعله سيقود إلى عكس ما أراد, ثم جاء التطبيق الواقعي فصدق ظنهم, فلم تكن الاشتراكية كما أراد لها (ماركس) تحريراً للإنسان, وتخليصاً له في النهاية حتى من كل أنواع الحكومات, كما زعم (ماركس), بل أنتجت أكثر أنواع الحكومات جوراً وقهراً وعدواناً على حريات الناس وكرامتهم. فماذا إذا قلنا لك إن القرآن لا يتميز بخلوِّه من التناقض فحسب, بل من خلوِّه من أية مخالفة لأية حقيقة عينية ثبت وجودها ثبوتاً قطعياً, وذلك على الرغم من كثرة تعرضه للحقائق الدنيوية, وبالرغم من تطاول الزمان منذ أن نزل القرآن حتى الآن, تطاولاً تطورت فيه معرفة الإنسان بأمور دنياه , وتكاثرت الحقائق التي أكتشفها كثرة تعد بالأرقام الفلكية لا العادية.

    بل إن فيه فوق ذلك لشيئاً أدل على الإعجاز, أعني تقريره لحقائق ما كان للناس أن يعرفوها في زمان النبي  بوسائلهم البشرية العادية.

    ولكن عندما تطورت معارف الناس ووسائلهم استطاعوا أن يكتشفوا تلك الحقائق, فوجدوها مطابقة لما قرره القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، وهذا الذي نسميه في عصرنا بالإعجاز العلمي للقرآن, وهو موضوع طويل لكن دعنا نكتفي لك الآن منه بمثَل واحد, هو وصف المراحل التي يمر بها الجنين في مثل قوله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}﴾ [المؤمنون:12-14].

    لقد كان هذا المثال وحده كافياً لدخول أحد الأطباء الفلبينيين في الإسلام. سمعنا هذا الطبيب يقول في مؤتمر طبي عقد بمدينة الرياض كلاما فحواه أنه كان قد درس على الطبيب الكندي (كيث مور), وأنه كانت بينهما صلة حتى بعد تخرجه ورجوعه إلى بلده, وأن (مور) ذكر له أن في القرآن الكريم شيئاً عن تطور الأجنة يستحق التأمل. يقول إنه رجع إلى ترجمة للقرآن الكريم فقرأ الآيات التي أشار (مور) إليها, فقال في نفسه إن هذه حقائق ما كان يمكن أن يعرفها بشر في الزمن الذي عاش فيه محمد؛ لأن الأجهزة التي تُعرف بها لم توجد إلا في عصرنا هذا ولذلك لا تجد شيئاً من هذه الحقائق في أي كتاب من الكتب قبل عصرنا هذا؛ وإلا فلا بد أن محمداً تلقى هذه الحقائق من مصدر يعرف الحقائق بطريقة غير الطريقة البشرية, ولا يمكن أن يكون هذا غير الله تعالى, فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

    - حُقَّ له أن يشهد هذه الشهادة بعدما عرف هذه الحقيقة المعجزة.
    - ولكن هنالك ما هو أهم من هذا كله.
    - فماذا عساه أن يكون؟
    - إن الذي دعاك للبحث في هذه الأديان هو طلبك للهدى. لقد أردت بعد أن هداك الله للإيمان بوجود الخالق, وكونه وحده الذي يستحق أن يعبد، أن تعرف كيف تعبده، وكيف تعيش حياة مُرضية له. أليس كذلك؟
    - بلى.

    - فالاختبار الحقيقي لكل كتاب يقال إنه من عند الله تعالى هو ما فيه من هدى يهدي إلى الله. ورأس هذا الهدى هو معرفة الله تعالى؛ إذ كيف يعبده من لا يعرفه؟!
    - وكلما كانت المعرفة أتم كانت العبادة أكمل. أليس كذلك؟
    - بلى.

    ونحن نزعم لك أنك لن تجد في كتب الدنيا كلها – الديني منها والفلسفي, وغير الديني وغير الفلسفي – كتاباً مثل القرآن الكريم في وصفه للذات العليَّة. إنك واجد فيه كل ما يمكن أن يعرفه بشر في هذه الحياة الدنيا من صفات الكمال الموصوف بها هذا الخالق تعالى, وواجد فيه تنزيهاً له لا يدانيه تنزيه؛ ولهذا تجد حتى عند متوسطي التدين من المسلمين من تعظيم الله – تعالى - ما لا تجده عند عظماء المتألهين من أصحاب الديانات الأخرى.

    إن بعض الديانات تنسب إلى الله الأبناء وبعضها ينسب إليه البنات، لكن القرآن الكريم يقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4}﴾ [الإخلاص:1-4].

    ولا يكفي بتقرير هذه الحقيقة بل يفصل في الأدلة عليها، وتزييف قول القائلين بها. فيبين أنه إذا كان الله خالق كل شيء فإنَّ صلته بغيره هي صلة الخالق بالمخلوق لا غير، فكل شيء غيره فهو مخلوق وعبد له.
    ﴿قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{68}﴾ [يونس:68].

    وإذا كان له ولد فلا بد أن يكون له زوج: ﴿ بدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{101}﴾ [الأنعام:101].

    وإذا كان له ولد فلا بد أن يكون ولده مشابهاً له، أي لا بد أن يكون إلهاً مثله، ولكن الله تعالى ليس كمثله شيء، كما يعرف الناس بفطرتهم، وكما تدلهم على ذلك عقولهم. ويستحيل عقلاً أن يكون هنالك إلهان مستحقان للعبادة.
    ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ{22}﴾ [الأنبياء:22].

    يتبع إن شاء الله...
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  11. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    والأمر الثاني الضروري للهداية هو معرفة رسل الله. كيف يعرف الإنسان رسالة الله إذا لم يعرف الرسول الذي جاء بها؟ إن معرفة العبد لرسول الله مكملة لمعرفته بالله. فالخطأ في تصور صفاتهم يدل على خلل في تصور صفات مرسلهم.

    وهذا هو الذي تجده في الديانات الأخرى. بعضهم غلا في تعظيم من آمن به من رسل الله حتى جعله ابناً لله , وحتى عبده من دون الله. وبعضهم حطَّ من قدرهم حتى نسب إليهم من الجرائم ما لا يرتكبه بشر سوي, دعك من إنسان ذي دين قوي؛ فكيف من رسول من عند الله أو نبي!

    لكن القرآن وصف الرسل – على تفاوت بينهم – بأعلى ما يمكن أن يتصف به بشر من صفات الكمال, فهم موصوفون في القرآن الكريم بالصدق والأمانة والوفاء بالعهد, والزهد في الدنيا وما عند الناس, والشجاعة والكرم, والرحمة بالخلق والحرص على هدايتهم، وموصوفون بالعقل وحسن الفهم وهكذا. قال تعالى عن رسولنا محمد : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4}﴾ [القلم:4].

    لكنه – تعالى - يذكرنا مع ذلك بأنهم مهما بلغوا من درجات الكمال والقرب من الله – تعالى - يظلون بشراً وعبيداً لله. ولهذا وصف رسولنا بأنه عبدا لله، وهو في أعلى حال لا من حالات التكريم التي منَّ بها عليه الله. فقال عنه في حال إسرائه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{1}﴾ [الإسراء:1].

    وقال عنه في حال دعوته إلى الله: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً{19} قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً{20} قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً{21} قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً{22} إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً{23}﴾ [الجن:19-23].

    وقال عنه في حال تلقيه الوحي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا{1}﴾ [الكهف:1].
    ﴿تبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً{1}﴾ [الفرقان:1].

    إن الذي ينسب الجرائم إلى رسل الله لا يقدِّر الله حق قدره ؛ لأنه إما أن ينسب إليه الجهل بحال هؤلاء الذين اختارهم لتبليغ رسالته, وإما أن ينسب إليه سوء الاختيار, وكلا الأمرين منقصة يتنزه الخالق – تعالى- عنها.

    بعد معرفة الإنسان بربه, وبرُسُل ربه, تأتي معرفته بكيفية عبادته. ولن تجد على وجه الأرض دينا فيه دعوة إلى عبادة الله, وبيان مفصل لكيفيتها مثل ما أنت واجد في دين الإسلام هذا.


    يتبع إن شاء الله...
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  12. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    لكن الناس لا يصلح أمرهم في هذه الدنيا بالشعائر التعبدية وحدها وإن كانت هي أساس كل خير بعد معرفة الله ومعرفة الرسل الله.

    لا بد للناس من قيم خُلُقية يتعاملون بها، ولا بد لهم من هدي في معاملاتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يعرفون به كيف يحفظون لكل إنسان حقه، ويعرفون به كيف يعيشون إخوة مؤتلفين لا أعداء متحاربين, ويجتنبون به ما يضرهم في دينهم ودنياهم من أنواع المآكل والمشارب والمناكح والعلاقات.

    والإنسان يريد أن يعرف ماذا له إن هو اتبع هدى الله ، وماذا عليه إن هو خالف أمره؟ وفي القرآن الكريم بيان مفصل للدار الآخرة، وما أعد الله فيها لعباده المؤمنين من أنواع النعيم، وما أعد للكافرين من أنواع العذاب الأليم. وفيه حجج عقلية على إمكانية البعث، وعلى ضرورته، كما بيَّنا شيئاً من ذلك في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

    ولن تجد في غير القرآن الكريم هذا الهدي الشامل للحياة بأكملها مثل ما أنت واجد في القرآن الكريم.

    يقرأ الفيزيائي الباحث عن الهدى كتاب الله، فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, ويقيم مع المسلمين الصلاة. لكنه يرجع إلى العالم الذي هداه الله به فيخبره أن قراءته للقرآن واتصاله بجماعة المسلمين أثارت في ذهنه أسئلة, فهو يريد الإجابة عنها.

    يقول له العالم المسلم :هات ما عندك فإن وفقنا الله للإجابة عنه أجبناك, وإلا أحلناك إلى من هو أعلم بالأمر منا .

    يقول :لقد وجدت الله يخبرنا في آيات كثيرة من كتابه الكريم أنه أرسل محمداً ليبين لنا كلامه, ووجدته يأمرنا بأن نطيع أمره, ووجدته يقول إن محمداً خاتم النبيين فلا نبي بعده, فقلت في نفسي, إن محمداً قد مات, ولكن الله - تعالى - عليم حكيم لا يمكن أن يعلِّق فهمنا لكتابه على بيان لم يحفظه لنا كما حفظ كتابه, ولا يمكن أن يأمرنا باتباع رجل قد مات من غير أن يحفظ لنا كلامه.
    - كيف عرفت هذا؟
    - قلت لك إن الله – تعالى - عليم حكيم, والرجل الحكيم من عباده لا يكتب كتابا ويقول للناس إن كتابه مختصر لا يمكن أن يُفهم إلا بالهوامش الشارحة له, ثم ينشر الكتاب من غير تلك الهوامش. فالله أجلُّ من أن يفعل هذا الفعل الذي يتنزه عنه الحكماء من عباده, وهو رب العالمين, الحكيم العليم. فلا بد إذن أن يكون قد حفظ لنا ما قاله نبيه لأن ديننا لا يتم إلا به.
    - تعني أنك الآن تؤمن بأن سنة الرسول محفوظة حتى قبل تقرأ عنها شيئا, وقبل أن تعرف كيف حُفظت؟
    - أجل يا سيدي. إن معرفتي بربي وإيماني به, يدلاني على أنه لا يمكن أن يضيع سنَّة رسول جعله خاتم النبيين وأرسله رحمة للعالمين, وجعل سنَّته ضرورية لفهم كتابه الكريم.
    - إنك لرجل موفق حقاً. لقد أدرك بعقلك المؤمن ما لا يزال يرتاب فيه أناس ولدوا في الإسلام وتربوا عليه, بل أناس يزعمون أنهم من الدعاة إليه المدافعين عنه, بل إنهم ليحسبون أن دفاعهم عنه لا يتأتى إلا بإنكار ما قاله رسوله كله أو بعضه. فالحمد لله الذي هداك لما ضل عنه وارتاب فيه الكثيرون.

    إن هذا الذي دلّك عليه فهمك الموفق لكتاب الله – تعالى - هو الذي يصدِّقه الواقع. فالسنَّة - يا أخي - محفوظة ، وقد وصلت إلينا بمنهج علمي لا يشك عاقل يتطلع عليه أن ما أوصل إليه حق لا ريب فيه. فإن شئت ذكرت لك أسماء كتب تعرف بها هذا المنهج وكتب تطّلع فيها على السنة الصحيحة التي أوصلنا إليها هذا المنهج.

    - جزاك الله خيراً. وسأبدأ في هذه الدراسة فور حصولي على هذه المراجع. ولكن ألا تستطيع أن تعطيني الآن فكرة عن هذا المنهج أستعين بها على دراستي؟
    - أجل. إنك رجل مختص بعلم الفيزياء ، فأنت تعلم أن مناهج العلوم تحددها طبيعة المادة المدروسة إنها ليست كما يظن بعض الجهلاء أمراً متروكاً لأمزجة العلماء، فهذا يقول أنا أُفضِّل هذا المنهج، وذاك يقول لكنني اخترت منهجاً غير منهجك. فالذي يدرس الحقائق الطبيعية المحسوسة الموجودة أمامه لا بد أن يجعل المشاهدة جزءا من منهجه، ثم إذا استطاع أن يضيف إليها التجربة فهذا خير، لكن خيار التجربة ليس متاحاً لمن يدرس الفلك أو المجتمعات البشرية كما هو متاح لمن يدرس الكيمياء مثلاً.

    ودارس التاريخ لا يستطيع أن يبني علمه على المشاهدة المباشرة أو التجربة لأن ما يحدث فيه قد حدث وانتهى فهو لا يشاهد الآن وإن أمكن مشاهدة بعض آثاره. لكن العلماء جميعا مهما كانت
    طبيعة مادتهم التي يدرسونها، ومهما كان اختلاف مناهجهم يتفقون في استعمال الطرق العقلية لاستنباط حقائق لا يعرفونها من حقائق قد عرفوها.

    والآن كيف نعرف أن محمداً قال كذا أو فعل كذا أو قرأ كذا. لقد مات محمد كما يموت سائر البشر؛ فكيف نعرف سنَّته؟
    إن الطريق الأساس لمعرفتها هو الطريق الأساس لمعرفة أي أمر تاريخي: إنه الرواية.

    أقول الأساس لأن هنالك طرقاً أخرى كالآثار الكتابية أو الصورية أو الحسية لكنها جميعاً طرق ثانوية تصلح شاهدة على الحقائق التاريخية لا دالة عليها.

    يتبع إن شاء الله....
    التعديل الأخير تم 08-28-2008 الساعة 12:32 AM
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  13. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:

    ما الرواية؟
    يشهد المعاصر للواقعة حدوثها فيصفها لمن لم يشاهدها، ويصفها هذا لمن بعده وهكذا حتى يصل الأمر إلينا في صورة أخبار مروية بهذه الطريقة المتسلسلة.

    لكن السؤال المهم بالنسبة لنا ولك ومن لم يشهد الحادثة ممن سبقنا هو: كيف نعرف أن ما روي لنا هو الذي حدث فعلاً؟

    إن الناس يكذبون، وهم ينسون ويَهِمون. لا طريق لنا نسلكه إلى هذه المعرفة إلا بأن نتحقق من صدق الرواة ومن جودة ذاكرتهم. فإذا اجتمع في الرَّاوية الأول هذان الأمران تأكد من سمع منه من صحة خبره، وهكذا الأمر في كل رَاوية مع من يليه. وهذا هو لب المنهج الذي سلكه علماؤنا في التحقق من صحة ما نسب إلى الرسول . لكنهم جوَّدوا هذا المنهج تجويدا لم يَرقَ إليه - فيما نعرف - منهج غيره سلكته أمة في معرفة تاريخها.

    لم يقل علماؤنا ((الصدق)) وإنما قالوا ((العدالة))، وهي أشمل من الصدق، ولم يكن مقياس العدالة عندهم أمراً ذوقياً، وإنما قاسوها بالمقاييس الشرعية.

    فالعدل عندهم ليس على من عُرف بالصدق فحسب، بل من كان غير متهم في دينه، أي من كان معروفا بمحافظته على أداء الشعائر الإسلامية، ومن لم يعرف عنه ارتكاب لمحرم .. وهكذا.

    والذاكرة أيضاً - التي وسَّعوا معناها فجعلوها (ضبطاً) - وضعوا لها مقاييس صارمة، فقد يقبلون رواية الشخص الواحد في فترة من حياته ولا يقبلونها في فترة أخرى عرف فيها ضعف ذاكرته وضبطه.

    ثم اشترطوا شروطاً أخرى هي بمثابة مزيد من التثبت من صدق الرواة.

    فاشترطوا فيمن يروي عن شخص معاصرته له، بل اشترط بعضهم كالإمام البخاري أن يكون قد التقى به فعلاً. وهذا قادهم لتأسيس علم كامل يسمى علم الرجال يدرسون فيه حال كل راوية من الرواة على مَرِّ العصور، تاريخ ميلاده ووفاته، وشيوخه وخلقه ودينه .. وهكذا.

    ثم اشترطوا لصحة الحديث أن تكون سلسلة رواته متصلة ممن تحققت فيه شروط الضبط والعدالة. واشترطوا فيما رووه أن يكون خالياً من عيوب الشذوذ والعلة، أي ألا يروي الراوي شيئا يخالف فيه رواية لمن هو أوثق منه من الرواة، وألا يكون فيما روى علة قادحة إذا ما قيس بحقائق الدين القاطعة.

    وقد ساعد على تحقق الثقة من صحة ما يروى عن النبي أمور, منها:
    أنه كان يتكلم كلاماً بيِّناً لو أراد العاد أن يعده لفعل, كما وصفته زوجه السيدة عائشة رضي الله عنها, وأنه كان كثيراً ما يكرر كلامه, إما في الجلسة الواحدة أو في مناسبات أخرى.

    وأن أصحابه كانوا عرباً تعودوا على الاعتماد على ذاكرتهم, فكانوا يحفظون ما لا يحفظ سائر الناس في العادة, وأنهم سمعوا الله - سبحانه وتعالى - يحثهم على الاستماع إلى الرسول, وسمعوا الرسول يحذرهم أشد الحذر من الكذب عليه, ويتوعد من يفعل ذلك بأشد العذاب؛ لذلك كان الواحد منهم لا يروي عن الرسول إلا إذا كان جازماً بأنه سمعه منه، وإذا شك في كلمة أو عبارة بيَّن ذلك؛ لهذا ولأن الله – تعالى - مدح أصحاب النبي ووثقهم لم يحتج العلماء لأن يطبقوا عليهم الشروط التي طبقوها على من جاء بعدهم، بل كان يكفي عندهم أن تثبت للإنسان صحبة لرسول الله ليكون عدلاً يؤخذ منه الحديث.

    على أن الذين رووا الغالبية العظمى من أحاديث الرسول هم عدد قليل منهم، ومن أحسن الناس علماً وضبطاً.

    يذهب الفيزيائي المهتدي فيدرس بعض المراجع في السنَّة النبوية ثم يأتي لشيخه فيقول:

    - قد عرفت المنهج الذي اتُّبع في التحقق من وصول القرآن والسنَّة إلينا؛ فهل كان للمسلمين منهج علمي لفهمهما؟
    - أجل، وقد كان الحياد عن بعض مقومات هذين المنهجين وما زال هو سبب ضلال كثير من الأفراد والجماعات المنتسبة إلى الإسلام. فبعض الضلال سببه انحراف عن المصدر؛ أي أن ينكر الإنسان السنَّة كلها ويزعم أن القرآن يغنيه عنها ، أو أن ينكر أشياء منها إما لجهله بثبوتها عن الرسول بذلك المنهج العلمي، وإما لاعتقاده الفاسد أن الرسول قالها برأيه ولم يبين ذلك لأمته.

    لكن الإنسان قد يؤمن أن القرآن الكريم كلام الله، ولا ينكر ما ثبت له أنه سنَّة رسول الله ويكون مع ذلك ضالاً إذا هو لم يعرف المنهج العلمي لفهمهما، بل ظنه منهجاً نسبياً يتغير بتغير الأحوال والأوقات والمحال والأذواق. فالدين القويم هو أن تؤمن بكتاب الله وسنة رسول الله على منهج أصحاب رسول الله.
    وقد كان منهجهم هذا هو المنهج الذي سار عليه كبار أئمة أهل السنَّة من المفسرين والمحدِّثين والفقهاء والأصوليين والمتكلمين.

    - هذا هو المنهج الذي أسأل عنه الآن.
    - سأعطيك فكرة وجيزة عنه ثم أترك التفاصيل للمراجع الموسعة التي أرجو أن يوفقك الله للاطلاع عليها.
    - جزاك الله خيراً، وكلي لك آذان.
    - أول قاعدة في هذا المنهج: هي الالتزام باللغة العربية لأن القرآن أنزل بلغة العرب؛ فما ينبغي أن تعطى كلمة من كلماته أو تركيب من تراكيبه معنى لا تعرفه منها العرب، وإلا كان تفسيراً له بغير لغته.
    - يبدو أن هذا أمر بديهي.

    - نعم، ولكن ما أكثر الانحرافات التي حدثت بسبب التعامي عن البديهيات. إنك إذا فتشت في كل الاتجاهات التي انحرفت عن الإسلام وإن تسمَّت به، وجدتها كلها تضطر للإخلال بهذه القاعدة البدهية لتجد في النصوص تأييداً لمذاهبها الباطلة. فغلاة المتصوفة يعتمدون على أذواقهم وأهوائهم في تفسير الكلمات القرآنية فيسمِّي أحدهم الريح راحة، والعذاب الأليم عين النعيم، وغلاة الشيعة يفسرون البقرة بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَة ﴾ [البقرة:67]

    ويفسرون يأجوج ومأجوج في قوله – تعالى -: ﴿ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف:94]. بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

    والمعطلة يفسرون قوله – تعالى -: ﴿ اسْتَوَى ﴾ [طه:5] باستولى، والفلاسفة يفسرون الحكمة بالفلسفة لكي يقولوا إن الله - تعالى - مدح الفلسفة في مثل قوله – تعالى -: ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾ [البقرة:269].

    يتبع إن شاء الله...
    التعديل الأخير تم 08-29-2008 الساعة 12:19 AM
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  14. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    إليكم الجزء الأخير من الفصل السابع وهو آخر جزء في الكتاب، أسأل الله أن يجزي مؤلفه وكل من ساهم في نشره خير الجزاء.

    - أما القاعدة الثانية فهي تفسير القرآن بالقرآن وذلك لأن القرآن بما أنه كلام الله تعالى؛ فلا اختلاف فيه ولا تناقض كما ذكرنا، فما ينبغي أن تفسر آية منه تفسيراً يجعلها متناقضة مع آية أخرى. ولأن من عادة الله – تعالى - في كتابه هذا أن يجمل الأمر في آية ويبينه ويفصله في آية وآيات أخرى.

    - وأما القاعدة الثالثة: فهي تفسير القرآن بالسنَّة النبوية وهذا أيضاً أمر بدهي؛ لأن الرسول لم يؤمر بتبليغ نَصِّ القرآن فحسب وإنما أمر أيضاً ببيانه، فكل أقوال الرسول وأعماله هي بمثابة البيان للقرآن. فإنكار السنَّة هو في حقيقته إنكار مغلف للقرآن الكريم. ولكن فهم القرآن من غير السنَّة ممكناً لما بعث الله محمداً رسولاً, ولأنزل على كل بشر نسخة من القرآن، كما طالب بذلك المشركون: ﴿ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَة ﴾ [المدثر:52].

    - وأما القاعدة الرابعة: فهي تفسير القرآن بأقوال الصحابة. لماذا هذه المكانة لأقوال الصحابة؟ ما الذي يميزهم عن غيرهم من الأجيال التي جاءت بعدهم؟ إن الصحابة ليسوا معصومين، فقد كتب الله – تعالى - العصمة للنبي وحده، لكنهم خير القرون بشهادة الرسول ، والخيرية تشمل العلم ضرورة، فقد قال رسول الله : ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين))(1)؛ فأصحاب رسول الله هم الذين كان ينزل القرآن بلغتهم وهم الذين كانوا يشهدون المناسبات التي ينزل فيها الوحي، وتقال فيها الأحاديث، وتحدث فيها الأعمال النبوية .

    فهم إذن ذوو فقه يفضلون به على غيرهم، وهم ذوو خشية تمنعهم من أن يقولوا في الدين برأي لا يعرفون له سنداً. لذلك كانت أقوال الصحابة من أصول كل إمام من أئمة المذاهب المتبوعة.

    لم تكن هذه القواعد قواعد نظرية وإنما كانت هي المنهج العلمي الذي سار عليه كبار المفسرين من أمثال الطبري والقرطبي وابن كثير، وكانت هي المنهج الذي اتبعه كبار الفقهاء ولا سيما أئمة المذاهب المشهورة، وكان هو الذي اتبعه كل من كتب في أصول الدين من أئمة السنة كالإمام أحمد والدارمي وابن تيمية.

    يعود الفيزيائي المهتدي بعد فترة من الزمان ليقول لشيخه: بعد أن درست كتاب الله وسنة رسوله بالمنهج الذي بينته لي تكوَّن لدي تصورات لبعض المسائل أحب أن أعرضه على فضيلتكم لكي أتحقق من صحته.

    - هات ما عندك، زادنا الله وإياك هدى وتقى وتوفيقاً.
    - كنت قبل أن يهديني الله إلى الإسلام أعدُّ الكون وحده مصدراً للمعرفة، وقد وجدت الإسلام يقر هذا المصدر، فقلت إذن كل ما أوصلنا إليه الدليل الحسي أو العقلي فهو حق بمقياس ديني كما كان حقاً بمقياس العلم الطبيعي؛ فهل هذا صحيح؟
    - أجل لا شك في ذلك.
    ـــــــــــ
    (1) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب: من يرد الله خيراً يفقه في الدين، رقم 71.ـــــــــــ

    - ثم قلت لكنني الآن لا أكتفي بالكون المشاهد مصدراً للمعرفة، بل أضيف إلى ذلك ما يخبرني الله عنه في كتابه وعلى لسان رسوله، فالكون الآن في نظري ليس قاصراً على ما عرفناه بوسائلنا العلمية التجريبية العقلية، بل هو يشمل كل ما أخبرنا الله – تعالى - به من عرش وكرسي، وملائكة وجن، وجنة ونار، هكذا.

    وأرى أن هذا ينبغي أن يكون منهجا لكل مسلم يختص بعلم من العلوم الطبيعية أو الاجتماعية.
    - ليت علماءنا الدنيويين جميعاً فعلوا هذا. لكن الواقع الآن أنهم انقسموا في تصورهم لهذه العلوم إلى قسمين، فمنهم من يفصل فصلاً كاملاً بين ما يعتقده ديناً وما يراه علماً طبيعياً أو اجتماعياً. فهو في منهجه العلمي وتصوره للعلوم علماني، لكنه في حياته الخاصة مسلم. ومنهم من ظن أن ما يسمَّى بأسلمة العلوم إنما هو تحويل العلوم الدنيوية إلى علوم فقهية لا بد من إقامة الدليل النقلي على كل حقيقة من حقائقها كما يفعل الفقهاء في أبواب الطهارة والصلاة والحج وغيرها. لكن قلة منهم أدركت ما أدركت الآن فكان منهجها كمنهجك، وهذا هو الأمر الوسط الصحيح.
    - لكنني أرى أن هذا المنهج لا يقتصر تطبيقه على العلوم، بل ينبغي أن يكون منهجاً لحياتنا العملية كلها.
    - ماذا تعني؟
    - أعني أننا نجد في كتاب ربنا وسنَّة نبيه أوامر ونواهي تتعلق بحياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وبصلاتنا بالأفراد والأمم والجماعات غير الإسلامية؛ فكيف نكون مسلمين إذا لم نأخذ هذه الأوامر والنواهي كلها مأخذ الجد ثم ننفذ منها ما استطعنا؟
    - إن الإسلام إنما هو الاستسلام - بقدر الوسع والطاقة - لأوامر الله ونواهيه، فلا يكون مسلماً من علم شيئاً منها ثم تمرد عليه أو احتقره أو لم يأبه به أو سوَّاه بغيره عن قصد منه واختيار. لكن ما ذكرته أنت عن العلوم الطبيعية والاجتماعية ينسحب على هذه المسائل العلمية.
    - ما تعني؟
    - أعني أنه كما أنك في دراستك لأي مسألة دنيوية تعدُّ حقا كل ما دلك عليه دليل حسي أو عقلي، فإنك في المسائل العلمية تستفيد من تجربتك وتجربة غيرك في حل المشكلات التي تواجه مجتمعك ما دمت لا تجد فيها ما يعارض أوامر الله ونواهيه، إن الإسلامية في المسائل العلمية التي يسمِّيها الفقهاء بالمعاملات ليست محصورة فيما دلت عليه النصوص دلالة مباشرة، بل إنها لتشمل كل ما لا يتعارض مع النصوص مما فيه فائدة للفرد أو المجتمع.

    فباب المعاملات يختلف عن باب العبادات، لأنك في باب العبادات لا يحل لك أن تقدم على فعل لم يأمرك به الشرع، فلا يحل لك إذن أن تبتدع فيها شيئاً جديداً.

    وأما في باب المعاملات فإنك لا يحل لك أن تفعل ما نهاك عنه الشرع، لكنه يحل لك أن تفعل كل ما لم ينهك عنه طالما كان تقديرك أن المصلحة فيه راجحة؛ لذلك ترى علماءنا يقولون إن القاعدة في العبادات ألا تفعل إلا ما يأمرك به الشرع، وأما في المعاملات فلك ألا تنتهي إلا عما نهاك عنه الشرع.
    ما أروع هذا الإسلام من دين فيه صلاح الدنيا وصلاح الدين، لكن أكثر
    الناس - مع الأسف - لا يعلمون!
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

  15. افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته أجمعين وبعد:
    جزا الله خيرا كل من أعانني على النسخ والخروج بالفصل السابع على هذه الصورة ، أسأله تعالى أن يوفقهم لخير الدنيا والآخرة، بارك الله بك يا أستاذ ناصر الشريعة والأخ صادق ، والأخت الغالية قرآن الفجر
    بارك الله بكم جميعا يا من ساعدتم على نشر هذا الكتاب
    ---------------------
    اللهم صلي على نبينا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على نبينا محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
    يا أمة محمد

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الفيزياء ووجود الخالق (2) : أدله وجود الخالق
    بواسطة صادق في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 01:19 AM
  2. كتاب الفيزياء ووجود الخالق
    بواسطة انا المسلم في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-24-2010, 06:29 PM
  3. الفيزياء ووجود الخالق
    بواسطة مسلم مصري في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 02-17-2010, 09:44 PM
  4. الفيزياء ووجود الخالق: الفصل الخامس/ رد اعتراضات وتبديد شبهات
    بواسطة محبة الاسلام في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 12-17-2008, 05:10 PM
  5. الفيزياء ووجود الخالق - الفصل السادس -
    بواسطة amro في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 09-11-2008, 11:39 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء