الحمد لله رب العالمين ..
المقصود من هذه الآيات - وهي كثيرة في القرآن - هو العلم الذي عليه الحساب وتقوم به الحجة ..
فمعناها كما ذكر غير واحد من المفسرين هو :
ليعلم علمًا يحاسبهم عليه وتقوم به الحجة عليهم ..
وهذا يتفق مع العديد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تحكي عن الملائكة التي تسجل الأعمال ..
هذا رغم أن الله لا يحتاج هذه التسجيلات ليعلم ما يفعله العباد ..
إنما هو لإقامة الحجة عليهم بما لا سبيل فيه للتهرب أو الإنكار ..
وكذلك ما يحدث يوم الحساب للمجرمين عندما تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم وبقية جوارحهم ..
وفي هذا المزيد من إقامة الحجة وتوكيدها ..
وفيه إذلالٌ عظيمٌ للمجرمين كذلك ..
وفي هذا كله لا يحتاج الله العليم الخبير لمن يسجل أو يكتب أو يشهد ..
ومن لم يدرك هذه الحكمة العظيمة يعسر فهمه ويضيق أفقه ..
وفي هذا الإطار نفهم ما نجده يوم الحساب من أمر الله تعالى الكفارَ بالسجود ..
فهم يعجزون عنه في هذا اليوم العصيب ..!
كما نفهم أمره لقارئ القرآن أن يقرأ ويرتل ويرتقي في قراءته كما كان يفعل في الدنيا ..
فيفعل ويكون أجره بحسب ارتقائه في القراءة ..
وهذا كله ليس لنقص في علم الله تعالى - حاشاه عز وجل ..
إنما هو لإقامة الحجة عليهم وزيادة في توكيدها ..
فالله سبحانه لا يحاسب العباد بما في علمه الغيبي أنه يصدر منهم ..
إنما يحاسبهم بما صدر منهم فعلاً وسجلته الملائكة في دفاترها وشهد به الناس عليهم ..
ثم شهدت به جوارحهم وأعضائهم أمام العزيز الحكيم ..
فتكون حجة فوق حجة وبينة على بينة ..
وهذه حكمة عظيمة ..
من لا يدركها يجد نفسه أمام كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية متعثرًا متخبطًا متلعثمًا ..
وتجده يستشكل ويتعثر لأنه غير فاهم ..!
وهذه من جوانب عظمة هذا القرآن العظيم الذي يهدي به المؤمن ويضل به الكافر ..
فنفس الآية التي تخشع لها قلوب المؤمنين وتسيل لها دموعهم هي نفسها التي يجادل فيها الكافرون ..
هذا لأن الذين آمنوا عرفوا أنه الحق من ربهم ..
أما الذين كفروا فيتسائلون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ..
وما يُضل الله بهذا الكتاب إلا الفاسقين ..!
Bookmarks