السلام عليكم ورحمة الله
من الممكن أن يبنى الظن على اليقين , فعلى سبيل المثال أنا اؤمن بالآخرة وبيوم القيامة والحساب وعلى يقين منه وبناء على هذا اليقين أنا أظن أنني ملاق ذلك اليوم , وهذا هو الظن الذي يفيد اليقين كقوله تعالى ( الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم ) ( اني ظننت اني ملاق حسابيه ) .
ولكن الذي لا تقبله الفطرة السليمة ولا يقبله العقل هو أن يبنى اليقين على الظن , لأن الحق لا يعرف بالظن بل باليقين وفي ذلك قوله تعالى ( ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ) ( ان الظن لا يغني من الحق شيئا ) , ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوجد برهان أو دليل لا يقين فيه والا لما كان برهانا ولما كان دليلا , وديننا عرفناه بالبرهان وبالبينة . وواقع الأمر هو أن الظن يظل ظنا واليقين يقينا , فلا يمكننا أن نتيقن من أمر بناء على الظنون والشكوك خصوصا في العقيدة لأن ذلك يعد مجازفة خالية من المصداقية والدليل .
الايمان والاعتقاد عند كل الأديان الباطلة وعند كل ممارسات الدجل مبني على تصديق قلبي مع تغييب عقلي أما الايمان والاعتقاد في الاسلام ( دين الحق ) فهو تصديق قلبي وتنوير عقلي وان كان التصديق القلبي هو الأهم والأولى انما تميز الاسلام بالحق وبنعمة تنوير العقل الذي كلف به الانسان لحمل الأمانة , لذا لا يجوز اهمال العقل مطلقا في فهم أمور الدين والعقيدة حتى وان استعصت بعض الامور أو غابت عن الادراك الا ان صلة ما يجب أن تتوفر بين قنوات العقل والمنطق لدى الانسان كما ذكر القرآن البصيرة والتدبر والتفكر جنبا الى جنب الايمان والتصديق .
بالنسبة الى مسألة الحديث وهي المقصودة من الموضوع , هي مسألة ليست بالهينة حقيقة ( حسب اعتقادي على الأقل ) ولكنها ليست بالعسرة لدرجة مستحيل فهمها .
القرآن يقيني الثبوت عن رسول الله لأسباب رئيسية :
1_ الحجج والبراهين _ الاعجازية _ في هذا الكتاب , والتي يعجز المرء عن الاتيان بمثل سورة منه .
2_ الحجج والبراهين العقلية التي أبدعها الله في اسلوب القرآن الكريم وسرده للمعطيات .
3_ التواتر النقلي الغير مختلف عليه عند الغالبية العظمى من كل فرق المسلمين تقريبا , فتجده هو نفس الكتاب في أي بلاد اسلامية .
4_ القرآن كتاب منزل كما هو بترتيب سوره وحروفه السبع وهو ليس باجتهاد عالم أو مجموعة علماء .
الحديث ظني الثبوت :
فقد غاب عنا اليقين بين قول الرسول أو فعله وبين ما نجده في كتب الحديث وبقي الظن والاحتمال , وكتب الحديث هي في الواقع اجتهادات ومحاولات لتوصيل أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام انما ليست بحق اليقين كما هو القرآن , وليست كتب منزلة من السماء , والغالبية العظمى من الأحاديث الموجودة فيها ان لم يكن كلها أحاديث آحاد وغير متواترة , والاحاديث المتواترة غير متفق عليها , وكذلك لم يتم كتابة الحديث بشكل معتبر الا بعد قرنين من وفاة الرسول .
وهنا لنا وقفة لتبيين أمر ما :
1_ لا يمكننا القطع بيقين صحة الحديث بناء على ما سبق الا اذا اتفق مع القرآن الكريم .
2_ لا يمكننا القطع بيقين عدم صحة الحديث الا اذا تعارض صراحة مع القرآن الكريم .
واذا ما جزمنا أو عممنا في الحكم بعدم صحة الأحاديث المنسوبة للنبي في كتب الحديث _ كما يفعل بعض المتطرفون_ نكون قد بنينا يقينا كذلك على ظن فنكون قد أيقنا بأن الرسول لم يقل وهو ربما قد قال عليه الصلاة والسلام .
فلو وجدنا الأحاديث التي تخص العبادات والتطبيق العملي لها لرسول الله في ما لا يعارض القرآن فهذا يعني أنه من المرجح أن الرسول قد قام بها والله سبحانه وتعالى أمر الصحابة عليهم رضوان الله باتباع الرسول في القرآن وفي غير القرآن وكذلك نحن _ مع وجود الفارق في عدم رؤيتنا للرسول ومع وجود خصوصية للنبي في بعض أمور حياته لا تعمم على كل زمان _ .
أما ما يخص الاعتقاد في الله سبحانه وتعالى فلا أظن أن القرآن قد فرط في تبيانها ولم يفرط في غيرها انما وجد تطبيق الرسول العملي للعبادات وغيره كاضافة وليس كتكملة .
بدأ أهل الكتاب من قبلنا باعتماد نصوص يشكون في صحتها حتى ولو خالفت نصوصا أخرى عندهم وحتى ولو خالفت العقل والفطرة , فها هي النتيجة أنهم أفسدوا عقيدتهم بأنفسهم .
ويبقى السؤال :
كيف يبنى يقين على ظن ؟
Bookmarks