صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 16 إلى 30 من 51

الموضوع: حوار مع صديقي الملحد

  1. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا، وأود أن أنبه أنني لا أوافق الدكتور مصطفى محمود في بعض ما جاء به في هذا الكتاب، ولكن الأمانة العلمية تقتضي أن ننقل النص كما هو دون تغيير فيه، وكما تفضل الأستاذ الفاضل أحمد المنصور فإن ليس من أسماء الله عز وجل "الصامد"،"الساكن" أو " الكل في حركة حوله"، فمعلوم أن أسماء الله عز وجل توقيفية..

    وأود أن يخبرنا الأخ الفاضل ما إذا كان هناك فصول أخرى مكتوبة ..أم هذه فقط؟

  2. #17
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    361
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أخى أحمد المنصور الأمر كما قالت الأخت أميرة الجلباب فعلى الرغم من بعض مخالفات د. مصطفى محمود إلا ان الامانة تقتضى أن نقوم بنقل كلامه كاملاً مع توضيح نقاط المخالفة وهذا ما لم افعله للاسف .

    الأخت أميرة ما نقلته هو اخر ما وضعه الأخ ولا ادرى هل ينوى اكمال النقل أم لا ، وينبغى الا نعتمد عليه فى اكمال باقى الكتاب لانه قد يتوقف فى أى وقت .

    سؤال اختاه : كم فصل لهذا الكتاب ؟
    كل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين

  3. افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجندى
    أخى أحمد المنصور الأمر كما قالت الأخت أميرة الجلباب فعلى الرغم من بعض مخالفات د. مصطفى محمود إلا ان الامانة تقتضى أن نقوم بنقل كلامه كاملاً مع توضيح نقاط المخالفة وهذا ما لم افعله للاسف .
    أخي هذه مجرد ملاحظة. عمومًا كان هذا أيضًا رأيي على تعليق الأخ جابر ولكن الأخ الموحد كان رأيه مخالف لرأيكم الآن. وهذه مجرد ملاحظة.

  4. #19
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    عدد فصول الكتاب :19 فصلاً.

  5. #20

    افتراضي

    بإنتظار المزيد بارك الله بكم

  6. #21
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    2,498
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    السلام عليكم يا اخوة.

    هذه تجربة قبل اكمال الكتاب.

    http://www.powow.com/jerusalem/mostafa-mahmoud.swf

    لانزال الكتاب : right mouse + save target as

    أية اقتراحات ترونها؟؟

    {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}

  7. #22
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    هذه تجربة قبل اكمال الكتاب.

    http://www.powow.com/jerusalem/mostafa-mahmoud.swf
    لانزال الكتاب : right mouse + save target as
    أية اقتراحات ترونها؟؟
    بارك الله فيكم ، لكن الحروف تظهر متداخلة ولم أفهم ما المقصود من استخدام برنامج الفلاش كتجربة.

  8. #23
    تاريخ التسجيل
    May 2005
    الدولة
    فلسطين
    المشاركات
    2,498
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    وبارك فيكم اختي اميرة الجلباب.
    التداخل يتم فقط في حالة تظليل جزء من السطر اما اذا اكملت تظليل السطر فلا يوجد تداخل. ويمكن اصلاح ذلك بالغاء التظليل..
    اما عن الميزة هو تصميم الكتاب في شكل "صفحات انترنت" لكن في ملف واحد فقط.
    هي تجربة ...

    {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}

  9. #24
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    هذا الفصل ترتيبه في الكتاب :التاسع؛ أي يسبق فصل (هل مناسك الحج وثنية).

    9/ الضميـــــر

    قال صاحبي:
    - أنتم تتكلمون عن الضمير في تقديس كما لو كان شيئًا مطلقًا مع أنه أحد المصنوعات الاجتماعية، عملة نحاسية لا أكثر صكت ودمغت وسبكت في فرن التعاملات الاجتماعية وهو عندنا شىء تتغير أحكامه وضوابطه وفق المصالح الجارية والقيمة التي تفيد نقول عنها خيرًا والقيمة التي تضر نقول عنها شرًا ولو كانت هذه القيمة هى العفة التى تتمسكون بها كعيونكم.

    قلت له فى هدوء:
    - نعم .. هذا هو رأى الفلسفة المادية على ما أسمع .. أن الضمير سلطة زجر وردع نبتت من الدواعى الاجتماعية .. مجرد تحصيل خبرة تتفاوت بين شخص وشخص وبين عصر وعصر وبين أمة وأمة.
    هذا كلامكم..

    ولكن الحقيقة غير ذلك..
    الحقيقة أن الضمير نور وضعه الله فى الفطرة ومؤشر ودليل وبوصلة نولد بها .. تهدينا إلى الحقائق وكل دور الاكتساب الاجتماعى أنه يجلو مرآة هذه البوصلة ويصقل زجاجها.
    ولنا على ذلك براهين تؤيدنا وتشجب كلامكم.

    انظر إلى عالم الحيوان حيث لا مجتمع، ترى القطة تتبرز ثم تستدير لتغطى فضلاتها بالتراب، فى أى مجتمع قططى تعلمت القطة هذا الوازع ؟
    وكيف ميزت بين القذارة والنظافة ؟
    وأنت ترى القطة تسرق السمكة فإذا ضبطتها وضربتها على رأسها طأطأت ونكست بصرها فى إحساس واضح بالذنب .. وتراها تلهو مع الأطفال فى البيت فتكسر فازة أثناء اللعب .. فماذا يحدث، إنها تجرى فى فزع وتختبىء تحت الكراسى وقد أدركت أنها أخطأت.

    كل هذه شواهد وملامح ضمير.

    وليس فى مملكة القطط دواع لنشأة هذه المشاعر .. ولا نرى حتى مجتمعًا قططيًا من الأساس.
    وتقاليد الوفاء الزوجى فى الحمام ..
    ونبل الحصان فى ارتباطه بصاحبه حتى الموت ..
    وكبرياء الأسد وترفعه عن الهجوم على فريسته من الخلف .. وخجل الجمل وتوقفه عن مضاجعة أنثاه إذا وجد أن هناك عينًا ترقبه ..

    ثم تلك الحادثة البليغة التى رآها جمهور المشاهدين فى السيرك القومى بالقاهرة .. حينما قفز الأسد على المدرب محمد الحلو من الخلف وأنشب مخالبه فى كتفه وأصابه بجرج قاتل ..
    وبقية الحادثة يرويها موظفو السيرك .. كيف امتنع الأسد عن الطعام .. وحبس نفسه فى زنزانته لا يبرحها .. وكيف نقلوه إلى حديقة الحيوان وقدموا له أنثى لتروح عنه فضربها وطردها .. وظل على صيامه ورفضه للطعام ثم انقض على يده الآثمة وظل يمزقها حتى نزف ومات .

    حيوان ينتحر ندمًا وتكفيرًا عن جريمته.
    من أى مجتمع فى دنيا السباع أخذ الأسد هذه التقاليد .. هل فى مجتمع السباع أن افتراس الإنسان جريمة تدعو إلى الانتحار.
    نحن هنا أمام نبل وخلق وضمير لا نجده فى بشر.
    ونحن أمام فشل كامل للتفسير المادى وللتصور المادى لحقيقة الضمير.
    ولا تفسير لما نراه سوى ما يقوله الدين .. من أن الضمير هو نور وضعه الله فى الفطرة وأن كل دور الاكتساب الاجتماعى أن يجلو صدأ النفس فتشف عن هذا النور الالهى.
    وهذا هو ما حدث بين الأسد ومدربه .. المعاشرة والمحبة والمصاحبة صقلت تلك النفس الحيوانية فأيقظت ذلك القبس الرحمانى .. فإذا بالأسد يحزن ويندم وينتحر كمدًا كالبشر .
    (( الحلال بين والحرام بين )) ... كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.
    ((استفت قلبك وإن أفتاك الناس )) .

    لسنا فى حاجة إلى كلية شريعة لنعرف الخطأ من الصواب والحق من الحلال .. فقد وضع الله فى قلب كل منا كلية شريعة .. وميزانا لا يخطىء .. وكل ما نحن مطالبون به أن نجلو نفوسنا من غواشى المادة ومن كثافة الشهوات فنبصر ونرى ونعرف ونميز بدون عكاز "الخبرة الاجتماعية" وذلك بنور الله الذى اسمه الضمير.

    ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ))[ الأنفال الآية 29]


    يقول الله فى الحديث القدسى للصوفى محمد بن عبد الجبار:
    " كيف تيأس منى وفى قلبك سفيرى ومتحدثى".
    الضمير حقيقة ثابتة والقيم الأخلاقية الأساسية هى بالمثل ثابتة فقتل البرىء لن يصبح يومًا ما فضيلة وكذا السرقة والكذب وإيذاء الآخرين والفحشاء والفجور والبذاءة والغلظة والقسوة والنفاق والخيانة كل هذه نقائض خلقية، وسوف تظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
    وكذلك سوف تظل المحبة والرحمة والصدق والحلم والعفو والاحسان فضائل .. ولن تتحول إلى جرائم إلا إذا فسدت السماوات والأرض وساد الجنون وانتهى العقل.

  10. #25
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    11 / لماذا لا يكون القرآن من تأليف محمد؟


    قال صاحبى وهؤ ينتقى عباراته:

    - لا أريد أن أجرحك فأنا أعلم اعتزازك بالقرآن وأنا معك فى أنه كتاب قيم.. ولكن لماذا لا يكون من تأليف محمد؟.. إن رجلا فى عظمة محمد لا يستغرب منه أن يضع كتابا فى عظمة القرآن.. وسوف يكون هذا منطقيا أكثر من أن نقول إن الله أنزله. فإنا لم نر الله ينزل من السماء شيئا.. ونحن فى عصر من الصعب أن نقنع فيه إنسانا بأن هناك ملاكا اسمه جبريل نزل بن السماء بكتاب ليوحى به إلى أحد.

    قلت فى هدوء:
    - بل نحن فى عصر يسهل فيه تماما أن نصدق بأن هناك ملائكة لا ترى، وبأن الحقائق يمكن أن تلقى إلى الإنسان وحيا.. فهم يتكلمون اليوم عن أطباق طائره تنزل على الأرض. كواكب بعيدة وأشعة غير منظورة تقتل، وأمواج لاسلكية تحدد الأهداف وتضربها.. وصور تتحول إلى ذبذبات فى الهواء ثم تستقبل فى أجهزة صغيرة كعلب التبغ.. وكاميرات تصور الأشباح.. وعيون ترى فى الظلام.. ورجل يمشى على القمر.. وسفينة تنزل على المريخ.. لم يعد غريبا أن نسمع أن الله أرسل ملكا خفيا من ملائكته.. وأنه ألقى بوحيه على أحد أنبيائه.. لقد أصبح وجود جبريل اليوم حقيقة من الدرجة الثانية.. وأقل عجبا وغرابة مما نرى ونسمع كل يوم.

    أما لماذا لا نقول إن القرآن من تأليف محمد عليه الصلاة والسلام.. فلأن القران بشكله وعباراته وحروفه وما احتوى عليه من علوم ومعارف وأسرار وجمال بلاغى ودقة لغوية هو مما لا يدخل فى قدرة بشر أن يؤلفه.. فإذا أضفنا الى ذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام كان أميا، لا يقرأ ولا يكتب ولم يتعلم فى مدرسة ولم يختلط بحضارة، ولم يبرح شبه الجزيرة العربية، فإن احتمال الشك واحتمال إلقاء هذا السؤال يغدو مستحيلا.. والله يتحدى المنكرين ممن زعموا أن القرآن مولف.

    "قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله" استعينوا بالجن والملائكة وعباقرة الإنس وأتوا بسورة من مثله ومازال التحدى قائما ولم يأت أحد بشىء... إلا ببعض عبارات مسجوعة ساذجة سموها "سورة من مثله"... أتى بها أناس يعتقدون أن القرآن مجرد كلام مسجوع.. و لكن سورة من مثله.. أي بها نفس الإعجاز البلاغي و العلمي..

    وإذا نظرنا إلى القرآن في حياد وموضوعية فسوف نستبعد تماما أن يكون محمد عليه الصلاة والسلام هو مؤلفه.
    أولا: لأنه لو كان مؤلفه لبث فيه همومه وأشجانه، ونحن نراه فى عام واحد يفقد زوجه خديجة وعمه أبا طالب ولا سند له فى الحياة غيرهما.. وفجيعته فيهما لا تقدر.. ومع ذلك لا يأتي لهما ذكر فى القرآن ولا بكلمة.. وكذلك يموت ابنه إبراهيم ويبكيه، ولا يأقى لذلك خبر فى القرآن.. القرآن معزول تماما عن الذات المحمدية.

    بل إن الاية لتأتى مناقضة لما يفعله محمد وما يفكر فيه.. وأحيانا تنزل الاية معاتبة له كما حدث بصدد الأعمى الذى انصرف عنه النبى إلى أشراف قريش:
    "عبس وتولى. أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى، 1- 4 عبس
    وأحيانا تنزل الاية فتنقض عملا من أعمال النبى:
    " ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" 67- 68- الأنفال
    وأحيانا يأمر القرآن محمد بأن يقول لأتباعه ما لا يمكن أن يقوله لو أنه كان يؤلف الكلام تأليفا:
    " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم" 9- الأحقاف
    لا يوجد نبى يتطوع من تلقاء نفسه ليقول لأتباعه لا أدرى ما يفعل ب ولا بكم.. لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا.. ولا أملك لكم ضرا ولا نفعا. فإن هذا يؤدى إلى أن ينفض عنه أتباعه.
    وهذا ما حدث فقد اتخذ اليهود هذه الآية عذرا ليقولوا.. ما نفع هذا النبي الذى لا يدرى ماذا يفعل به ولا بنا.. هذا رجل لا جدوى فيه. مثل هذه الآيات ما كان يمكن أن يؤلفها النبي لو كان يضع القرآن من عند نفسه.
    ثانيا: لو نظرنا بعد ذلك فى العبارة القرآنية لوجدنا أنها جديدة منفردة فى رصفها وبنائها ومعمارها ليس الا شبيه فيما سبق من أدب العرب ولا شبيه فيما أتى لاحقا بعد ذلك.. حتى لتكاد اللغة تنقسم إلى شعر ونثر وقرآن.. فنحن أمام كلام هو نسيج وحده لا هو بالنثر ولا بالشعر. فموسيقى الشعر تأتى من الوزن ومن التقفية فنسمع الشاعر ابن الأبرص الأسدى ينشد:
    أقفر من أهله عبيد فليس يبدى ولا يعيد
    هنا الموسيقى تخرج من التشطير ومن التقفية على الدال الممدودة، فهى موسيقى خارجية.. أما موسيقى القران فهى موسيقى داخلية: (والضحى. والليل إذ ا سجى) 1- 2- الضحى
    لا تشطير ولا تقفية فى هذه العبارة البسيطة، ولكن الموسيقى تقطر منها.. من أين؟ إنها موسيقى داخلية.

    اسمع هذه الآيات:
    "رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا"4- مريم
    وهذه الآيات:
    "طه. ما انزلنا عليك القران لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى. الرحمن على العرش استوى" 1-5- طه
    فإذا تناولت الآيات تهديدا تحول بناء العبارة ونحتها إلى جلاميد صخر. وأصبح للإيقاع صلصلة نحاسية تصخ السمع:
    "إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر. تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر"19- 20- القمر
    كلمات مثل "صرصرا".. "ومنقعر".. كل كلمة كأنها جلمود صخر. فإذا جاءت الآية لتروى خبرا هائلا كما فى نهاية الطوفان تقاصرت العبارات وكأنها إشارات "مورس " التلغرافية. وأصبحت الاية كلها كأنها تلغراف مقتضب له وقع هائل:
    "وقيل يأرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعى وغيض الماء وقضى ا لأمر"44- هود
    هذا التلون فى نحت الألفاظ وفى بناء العبارة وفى إيقاع الكلمات مع المعاني والمشاعر.. يبلغ فى القرآن الذروة ويأتي دائما منسابا لا تكلف فيه ولاتعمل.
    ثالثا: إذا مضينا فى التحليل أكثر فإنا سنكتشف الدقة البالغة والإحكام المذهل.. كل حرف فى مكانه لا تقديم ولا تأخير.. لا تستطيع أن تضع كلمة مكان كلمة، ولا حرفا مكان حرف.. كل لفظة تم اختيارها من مليون لفظة بميزان دقيق.
    وسنرى أن هذه الدقة البالغة لا مثيل لها فى التأليف.
    انظر إلى هذه الكلمة "لواقح " فى الآية:
    "وأرسلنا الرياح لواقح"22- الحجر
    وكانوا يفسرونها فى الماضى على المعنى المجازى بمعنى أن الرياح تثير السحب فتسقط المطر فيلقح الأرض بمعنى "يخصبها" ثم عرفنا اليوم أن الرياح تسوق السحب إيحابية التكهرب وتلقى بها فى أحضان السحب سالبة التكهرب فيحدث البرق والرعد والمطر.. وهى بهذا المعنى "لواقح " أيضا، ونعرف الان أيضا أن الرياح تنقل حبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة فتلقحها بالمعنى الحرفى، ونعرف أخيرا أن المطر لا يسقط إلا بتلقيح قطيرات الماء بذرات الغبار فتنمو القطيرات حول هذه الأنوية من الغبار وتسقط مطرا. كها نحن أولاء امام كلمة صادقة مجازيا وحرفيا وعلميا، ثم هى بعد ذلك جميلة فنيا وأدبيا وذات إيقاع حلو.
    هنا نرى منتهى الدقة فى انتقاء اللفظة ونحتها، وفى آية أخرى:
    (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )188- البقرة كلمة "تدلوا ".
    مع أن الحاكم الذى تلقى إليه الأموال فى الأعلى وليس فى الأسفل.. لا، إن القران يصحح الوضع، فاليد التى تأخذ الرشوة هى اليد السفلى ولو كانت يد الحاكم.. ومن هنا جاءته كلمة "تدلوا بها إلى الحكام " لتعبر فى بلاغة لامثيل الا عن دناءة المرتشى وسفله.
    وفى آية الجهاد:
    "ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثَّاقلتم إلى الأرض " 38- التوبة
    القرآن يستعمل كلمة " اثَّاقلتم " بدلا من تثاقلتم.. يدمج الحروف إدماجا، ويلصقها إلصاقا ليعبر عن جبن الجبناء الذين يلتصقون بالأرض "ويتربسون " فيها من الخوف إذا دعوا إلى القتال، فجاءت حروف الكلمة بالمثل "متربسة".
    وفى آية قتل الأولاد من الفقر نراها جاءت على صورتين:
    "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم" 151- الأ نعام
    "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم "31- الإسر اء
    والفرق بين الآيتين لم يأت اعتباطا، وإنما جاء لأسباب محسوبة.. فحينما يكون القتل من إملاق فإن معناه أن الأهل فقراء فى الحاضر، فيقول: نحن "نرزقكم " وإياهم. وحينما يكون قتل الأولاد خشية إملاق فإن معناه أن الفقر هو احتمال فى المستقبل ولذا تشير الآية إلى الأبناء فتقول نحن "نرزقهم " وإياكم. مثل هذه الفروق لا يمكن أن تخطر على بال مؤلف. وفى حالات التقديم والتأخير نجد دائما أنه لحكمة، نجد أن السارق مقدم على السارقة فى آية السرقة، فى حين أن الزانية مقدمة على الزانى فى آية الزنى.. وذلك لسبب واضح، أن الرجل أكثر إيجابية فى السرقة.. أما فى الزنى فالمرأة هى التى تأخذ المبادرة، من لحظة وقوفها أمام المرآة تضع " البارفان " ولمسات " التواليت " وتختار الفستان أعلى الركبة فإنها تنصب الفخاخ للرجل الموعود.
    "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " 2- النور
    "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"38- الماند
    وبالمثل تقديم السمع على البصر فى أكثر من 16 مكانا
    "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة"78- النحل
    "وجعلنا لكم سمعا وأبصارا وأفئدة" 26- الأحقاف
    "أسمع بهم وأبصر"38- مريم
    "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"36 الإسراء
    "وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم" 22- فصلت
    "ليس كمثله شىء وهو السميع البصير"11- الشورى
    دائما السمع أولا.
    ولا شك أن السمع أكثر إرهافا وكمالا من البصر.إننا نسمع الجن ولا نراه.والأنبياء سمعوا الله وكلموه ولم يره أحد.
    وقد تلقى محمد القرآن سمعا. والأم تميز بكاء ابنها فى الزحام ولا تستطيع أن تميز وجهه. والسمع يصاحب الإنسان أثناء النوم فيظل صاحيا فى حين تنام عيناه، ومن حاول تشريح جهاز السمع يعلم أنه أعظم دقة وإرهافا من جهاز البصر.
    وبالمثل تقديم المال على الولد:
    "يوم لاينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم" 88- 89- الشعراء
    "إنما أموالكم وأولادكم فتنة، والله عنده أجر عظيم " 15- التغابن
    "لن تغنى عنكم أموالكم ولا أولادهم من الله شيئا، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" 116- آل عمران
    "أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين. نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون"55- 56- المؤمنون
    "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد ألله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا" 55- التو بة
    "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته" 20- الحديد
    والأمثلة على هذا التقديم كثيرة والسر أن المال عند أكثر الناس أعز من الولد.

    ثم الدقة والخفاء واللطف فى الإعراب. انظر إلى هذه الآية:
    "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"9- الحجرات
    مرة عوملت الطائفتان على أنهما جمع "اقتتلوا" ومرة على أنهما مثنى "فأصلحوا بينهما" والسر لطيف.
    فالطائفتان فى القتال تلتحمان وتصبحان جمعا من الأذرع المتضاربة.. فى حين أنهما فى الصلح تتفصلان إلى اثنين.. وترسل كل واحدة عنها مندوبا، ومن هنا قال:
    وإن طائفتان من المؤمنين "اقتتلوا" فأصلحوا "بيهما"!
    حتى حروف الجر والوصل والعطف تأتى وتمتنع فى القرآن لأسباب عميقة، وبحساب دقيق محكم. مثلا تأتي كلمة "يسألونك " فى أماكن عديدة من ا لقرآن:
    "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"219- البقرة
    "يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى"85- الإسراء
    "يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج "189- البقرة
    دائما الجواب بكلمة "قل ".. ولكنها حين تأتى عن الجبال:
    "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا"105- طه
    هنا لأول مرة جاءت "فقل " بدلا من "قل ".
    والسبب ان كل الأسئلة السابقة كانت قد سئلت بالفعل، اما سؤال الجبال فلم يكن قد سئل بعد، لأنه من أسرار القيامة، وكأنما يقول الله: فإذا سألوك عن الجبال "فقل ".. فجاءت الفاء زاندة لسبب محسوب.
    أما فى الآية:
    " )وإذا سألك عبادى عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع " 186- البقرة
    هنا لا ترد كلمة "قل " لأن السؤال عن ذات الله.. والله أولى بالإجابة عن نفسه..
    كذلك الضمير أنا ونحن.
    يتكلم الله بضمير الجمع حيثما يكون التعبير عن "فعل " إلهى تشترك فيه جميع الصفات الإلهية كالخلق، وإنزال القرآن وحفظه:
    "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون،" 9- الحجر
    "نحن خلقناكم فلولا تصدقون" 57- الواقعة
    " إنا أنزلناه فى ليلة القدر" 1- القدر
    " أفرأيتم ما تمنون. أأنتم تخلقونه أم نحن الحالقون"58- 59- ا لواقعة
    "نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالم تبديلا" 28- ا لإنسان
    "ونحن " هنا تعبر عن جمعية الصفات الإلهية وهى تعمل فى إبداع عظيم مثل عملية الخلق.
    أما إذا جاءت الآية فى مقام مخاطبة بين الله وعبده كما فى موقف المكالمة مع موسى.. تأتي الآية بضمير المفرد
    "إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى" 14- طه
    الله يقول: "أنا" لأن الحضرة هنا حضرة ذات، وتنبيها منه سبحانه على مسألة التوحيد والوحدانية فى العبادة.
    ونجد مثل هذه الدقة الشديدة فى آيتين متشابهتين عن الصبر تفترق الواحدة عن الأخرى فى حرف اللام.

    يقول لقمان لولده:
    "واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، 17- لقمان وفى آية أخرى عن الصبر نقرأ:
    " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" 43- الشورى
    الصبر فى الأولى "من عزم الأمور" وفى الثانية "لمن عزم الامور".. وسر التوكيد باللام فى الثانية أنه صبر مضاعف، لأنه صبر على عدوان بشري لك فيه غريم، وأنت مطالب فيه بالصبر والمغفرة وهو أمر اشد على النفس من الصبر على القضاء الإلهي الذى لا حيلة فيه.
    ونفس هذه الملاحظة عن "اللام " نجدها مرة أخرى فى آيتين عن إنزال المطر وإنبات الزرع:
    "أفرأيتم الماء الذى تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون. لو نشاء جعلناه أجاجا"، "أى مالحا" 68- 70- الواقعة وفى آية ثانية:
    "أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حطاما" 63- 65- الواقعة فى الآية الأولى "جعلناه " أجاجا.. وفى الآية الثانية "لجعلناه " حطاما واللام جاءت فى الثانية لضرورة التوكيد، لأن هناك من سوف يدعى بأنه يستطيع أن يتلف الزرع كما يتلفه الخالق، ويجعله حطاما. فى حين لن يستطيع أحد من البشر أن يدعى أن فى إمكانه أن ينزل من سحب السماء مطرا مالحا فلا حاجة إلى توكيد باللام.
    ونفس هذه الدقة نجدها فى وصف إبراهيم لربه فى القرآن بأنه: "الذى يميتنى ثم يحيين" 81- الشعراء
    "والذى هو يطعمنى ويسقين"79- الشعراء.
    فجاء بكلمة"هو" جينما تكلم عن "الإطعام " ليؤكد الفعل الإلهى، لأنه سوف يدعى الكل أنهم يطعمونه. ويسمقونه، على حين لن يدعى أحد بأنه يميته ومجييه كما يميته الله ويجييه.
    ونجد هذه الدقة أيضا حينما يخاطب القرآن المسلمين قائلا:
    "اذكروني أذكركم "152- البقرة- ويخاطب اليهود قائلا:
    "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم"40- البقرة
    فاليهود ماديون لا يذكرون الله إلا فى النعمة والفاندة والمصلحة والمسلمون أكثر شفافية ويفهمون معنى أن يذكر الله لذاته لا لمصلحة.. وبنفس المعنى يقول الله للخاصة من أولى الألباب:
    "اتقون يا أولى الألباب "197- البقرة- ويقول للعوام:
    "اتقوا النار التى وقود ها الناس والحجارة"24- البقرة
    لأن العوام لا يردعهم إلا النار، أما الخاصة فهم يعلمون أن الله أقوى من كل نار، وأنه يستطيع أن يجعل النار بردا وسلاما إن شاء. ونجد مثل هذه الدقة البالغة فى اختيار اللفظ فى كلام إبليس حينما أقسم على ربه قائلا:
    "فبعزتك لأغوينهم أجمعين"82- ص
    أقسم إبليس بالعزة الإلهية ولم يقسم بغيرها، فأثبت بذلك علمه وذكاءه، لأن هذه العزة الإلهية هى التى اقتضت استغناء الله عن خلقه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولن يضروا الله شيئا، فهو العزيز عن خلقه، الغز عن العالمين.
    ويقول الله فى حديثه القدسى:
    "هؤلاء فى النار ولا أبالى، وهؤلاء فى الجنة ولا أبالى".
    وهذا مقتضى العزة الإلهية.
    وهى الثغرة الوحيدة التى يدخل منها إبليس، فهو بها يستطيع أن يضل ويوسوس، لأن الله لن يقهر أحدا اختار الكفر على الإيمان.. ولهذا قال "فبعزتك " لأغوينهم أجمعين.
    "لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم"16- 17 الأعراف
    ذكر الجهات الأربع، ولم يذكر من فوقهم ولا من تحتهم. لأن "فوق " الربوبية، "وتحت " تواضع العبودية.. ومن لزم مكانه الأدنى من ربه الأعلى لن يستطيع الشيطان أن يدخل عليه.
    ثم ذكر إبليس أن مقعده المفضل للإغواء سوف يكون الصراط المستقيم.. على طريق الخير وعلى سجادة الصلاة، لأن تارك الصلاة والسكير والعربيد ليس فى حاجة إلى إبليس ليضله، فقد تكفلت نفسه بإضلاله، إنه إنسان خرب.. وإبليس لص ذكى، لا يحب أن يضيع وقته بأن يحوم حول البيوت الخربة.
    متال آخر من أمثلة الدقة القرآنية نجده فى سبق المغفرة على العذاب والرحمة على الغضب فى القرآن.. فالله فى "الفاتحة" هو الرحمن الرحيم قبل أن يكون مالك يوم الدين.. وهو دائما يوصف بأنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء... تأقى المغفرة أولا قبل العذاب إلا فى مكانين فى اية قطع اليد: "يعذب من يشاء ويغفرلمن يشاء"40- المائده
    لأن العقوبة بقطع اليد عذاب دنيوى.. تليه مغفرة أخروية.. وفى كلام عيسى يوم القيامة عن المشركين الذين عبدوه من دون الله.. فيقول لربه: "إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر الم فإنك أنت العزيز الحكيم"
    فلا يقول فإنك أنت الغفور الرحيم تأدبا.. ويذكر الم العذاب قبل المغفرة.. لعظم الإثم الذى وقعوا فيه.
    ونجد هذه الدقة القرانية مرة أخرى فى تناول القرآن للزمن.. فالمستقبل يأتي ذكره على لسان الخالق على أنه ماض.. فأحداث يوم القيامة ترد كلها على أنها ماض:
    "ونفخ فى الصور"99- الكهف
    "وانشقت السماء فهى يومئذ واهية"16- الحاقة
    "وبرزت الجحيم للغاوين" 91- الشعراء
    "وعرضوا على ربك صفا"48- الكهف
    والسر فى ذلك أن كل الأحداث حاضرها ومستقبلها قد حدثت فى علم الله وليس عند الله زمن يحجب عنه المستقبل، فهو سبحانه فوق الزمان والمكان، والذا نقرأ العبارة القرآنية أحيانا فنجد أنها تتحدث عن زمانين نحتلفين، وتبدو فى ظاهرها متناقضة مثل:
    "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"1- النحل
    فالأمر قد أقى وحدث فى الماضى. لكن الله يخاطب الناس بألا يستعجلوه كا لو كان مستقبلا لم يحدث بعد.. والسر كما شرحنا أنه حدث فى علم الله، لكنه لم يحدث بعد فى علم الناس، ولا تناقض.. وإنما دقة وإحكام، وخفاء واستسرار، وصدق فى المعافى العميقة.
    هذه بعض الأمثلة للدقة البالغة والنحت المحكم فى بناء العبارة القرآنية وفى اختيار الألفاظ واستخدام الحروف لا زيادة ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، إلا بحساب وميزان، ولا نعرف لذلك مثيلا فى تأليف أو كتاب مؤلف، ولا نجده إلا فى القرآن.
    أما لمحات العلم فى القران وعجائب الآيات الكونية التى أتت بالأسرار والخفايا التى لم تكتشف إلا فى عصرنا، والتى لم يعرفها محمد! ولا عصره فهى موضوع آخر يطول، وله جلسة أخرى.

  11. افتراضي



    شكر الله لك أخيتي أميرة الجلباب ..

    شكر الله لكل الإخوة الفضلاء هنا ..

    أعتذر بشدة عن الانقطاع ..

    وأرجو أن تمهلوني لترتيب أفكاري والمساهمة معكم ..


    ممتنة لكم جميعاً ..




    .

    .



    .

  12. افتراضي



    أعتذر مجددا ً عن انقطاعي لظروف قاهرة ..


    واليوم سأضع لكم بإذن الله :


    12/ القرآن لا يمكن أن يكون مؤلفا ً

    14/ موقف الدين من التطور


    أما رقم 13 / شكوك [ فقد سبق نسخه ] ..


    .
    التعديل الأخير تم 08-05-2005 الساعة 04:05 PM

    .



    .

  13. افتراضي


    .

    12 / القرآن لا يمكن أن يكون مؤلفاً

    قلت لصديقي :
    ربما كان حديث اليوم عن لمحات العلم في القرآن أكثر إثارة لعقلك العلمي من جلستنا السابقة ..
    فما كان الفلك الحديث ، ولا علوم الذرّة ، ولا علوم البيولوجيا والتشريح معروفة حينما نزلت الآيات
    الكونية في القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة لتتكلم عن السماوات والأرض والنجوم والكواكب،
    وخلق الجنين وتكوين الإنسان بما يتفق مع أحداث العلوم التي جاء بها عصرنا .

    ولم يتعرض القرآن لهذه الموضوعات بتفصيل الكتاب العلمي المتخصص ، لأنه جاء في المقام الأول كتاب
    عقيدة ومنهج وتشريع ..
    ولو أنه تعرض لتلك الموضوعات بتفصيل ووضوح لصدم العرب بما لا يفهمونه .. ولهذا لجأ إلى أسلوب
    الإشارة واللمحة والومضة لتفسرها علوم المستقبل وكشوفه بعد ذلك بمئات السنين .. وتظهر للناس جيلاً
    بعد جيل كآيات ومعجزات على صدق نزول القرآن من الله الحق..

    { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ
    أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } 53/ سورة فصلت ..
    لأنهم لم يكتفوا بشهادة الله على كتابه .. فأصبح من الضروري أن نريهم ذلك بالآيات الكاشفة ..
    هكذا يقول الله في كتابه ..
    وما زال القرآن يكشف لنا يوماً بعد يوم مزيداً من تلك الآيات العجيبة .. وحول كروية الأرض جاءت هذه الآيات الصريحة التي تستخدم لفظ التكوير لتصف انزلاق الليل والنهار كنصفي كرة :
    { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } 5/ سورة الزمر
    ثم الآية التي تصف دحو الأرض ..
    { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } 30 سورة النازعات
    ودحا هي الكلمة الوحيدة في القاموس التي تعني البسط والتكوير معاً .. والأرض كما هو معلوم مبسوطة في
    الظاهر ومكورة في الحقيقة ، بل هي أشبه بالدحية " البيضة " في تكويرها..

    ثم نقرأ إشارة أخرى صريحة عن أن الجبال تسبح في الفضاء ، وبالتالي فالأرض كلها تسبح بجبالها حيث هي والجبال كتلة واحدة :
    { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } 88 / سورة النمل
    فالجبال التي تبدو جامدة ساكنة هي في الواقع سابحة في الفضاء .. وتشبيه الجبال بالسحب فيه لمحة أخرى
    عن التكوين الهش للمادة .. التي نعرف الآن أنها مؤلفة من ذرّات ، كما أن السحب مؤلفة من قطيرات .
    ثم الكلام عن تواقت الليل والنهار بدون أن يسبق أحدهما الآخر من مبدأ الخلق إلى نهايته .
    { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } 40/ سورة يـس
    إشارة أخرى إلى كروية الأرض .. حيث بدأ الليل والنهار معاً وفي وقت واحد منذ بدء الخليقة كنصفي كرة
    ولو كانت الأرض مسطحة لتعاقب النهار والليل الواحد بعد الآخر بالضرورة .

    ثم تأتي القيامة والأرض في ليل ونهار في وقت واحد كما كانت في البدء .
    { حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا
    فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ } 24 / سورة يونس
    وفي قوله تعالى ليلاً أو نهاراً .. تأكيد لهذا التواقت الذي لا تفسير له إلا أن نصف الأرض محجوب عن
    الشمس ومظلم ، والآخر مواجه للشمس ومضيء بحكم كونها كروية ، ولو كانت مسطحة لكان لها في كل
    وقت وجه واحد ، ولما صح أن نقول : { وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } 40/ سورة يـس
    ثم تعدد المشارق والمغارب في القرآن فالله يُوصَف :
    { بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } 40/ سورة المعارج
    { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } 17/ سورة الرحمن
    ولو كانت الأرض مسطحة لكان هناك مشرق واحد ومغرب واحد ، يقول الإنسان لشيطانه يوم القيامة :
    { يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ } 38 / سورة الزخرف
    ولا تكون المسافة على الأرض أبعد ما تكون بين مشرقين إلا إذا كانت الأرض كروية ..
    ثم الكلام عن السماء بأن فيها مسارات ومجالات وطرقاً :
    { وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ } 7 / سورة الذاريات
    والحبك هي المسارات..
    { وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ } 11/ سورة الطارق
    أي أنها ترجع كل ما يرتفع فيها إلى الأرض .. ترجع بخار الماء مطراً .. وترجع الأجسام بالجاذبية الأرضية ..
    وترجع الأمواج اللاسلكية بانعكاسها من طبقة الأيونوسفير .. كما ترجع الأشعة الحرارية تحت الحمراء
    معكوسة إلى الأرض بنفس الطريقة فتدفئها في الليل ..
    وكما تعكس السماء ما ينقذف إليها من الأرض كذلك تمتص وتعكس وتشتت ما ينقذف إليها من العالم
    الخارجي ، وبذلك تحمي الأرض من قذائف الأشعة الكونية المميتة ، والأشعة فوق البنفسجية القاتلة ..
    فهي تتصرف كأنها سقف ..
    { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا } 32 / سورة الأنبياء
    { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } 47 / سورة الذاريات
    وهو ما يعرف الآن باسم تمدد الكون المطرد ..

    وكان مثقال الذرة يعرف في تلك الأيام بأنه أصغر مثقال، وكانت الذرة توصف بأنها جوهر فرد لا ينقسم،
    فجاء القرآن ليقول بمثاقيل أصغر تنقسم إليها الذرة .. وكان أول كتاب يذكر شيئاً أصغر من الذرة :
    { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ } 3 / سورة سبأ

    كل هذه لمحات كاشفة قاطعة عن حقائق مذهلة مثل كروية الأرض ، وطبيعة السماء والذرة ..
    وهي حقائق لم تكن تخطر على بال عاقل أو مجنون في ذلك العصر البائد الذي نزل فيه القرآن ..
    ثم بصيرة القرآن في تكوين الإنسان وكلامه عن النطفة المنوية وانفرادها بتحديد جنس المولود :
    {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى } 45 / 46 سورة النجم
    وهي حقيقة بيولوجية لم تُعرف إلاّ هذا الزمان .. ونحن نقول الآن إن رأس الحيوان المنوي هو وحده الذي يحتوي على عوامل تحديد الجنس Sex Determination Factor .
    وتسوية البنان بما فيه من رسوم البصمات التي أوردها الله في مجال التحدي عن البعث والتجسيد :
    { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ . بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } 3 / 4 سورة القيامة

    بل سوف نجسد حتى ذلك البنان ونسويه كما كان .. وفي ذلك لفتة إلى الإعجاز الملحوظ في
    تسوية البنان بحيث لا يتشابه فيه اثنان ..
    وأوهن البيوت في القرآن هو بيت العنكبوت.. لم يقل الله خيط العنكبوت بل قال بيت العنكبوت ..
    وخيط العنكبوت كما هو معلوم أقوى من مثيله من الصلب أربع مرات .. إنما الوهن في البيت
    لا في الخيط .. حيث يكون البيت أسوأ ملجأ لمن يحتمي فيه .. فهو مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء ..
    وهو مقتل حتى لأهله .. فالعنكبوت الأنثى تأكل زوجها بعد التلقيح .. وتأكل أولادها عند الفقس ،
    والأولاد يأكل بعضهم بعض .
    إن بيت العنكبوت هو أبلغ مثال يضرب عن سوء الملجأ وسوء المصير .. وهكذا حال من يلجأ لغير الله .. وهنا بلاغة الآية :
    { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ
    لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } 41/ سورة العنكبوت
    وجاءت خاتمة الآية عبارة .. ( لو كانوا يعلمون ) .. إشارة إلى أنه علم لن يظهر إلا متأخراً .. ومعلوم أن
    هذه الأسرار البيولوجية لم تظهر إلا متأخرة .. كذلك نجد في سورة الكهف ..
    { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } 25/ سورة الكهف
    ونعرف الآن أن ثلاثمائة سنة بالتقويم الشمسي تساوي ثلاثمائة وتسعاً بالتقويم القمري باليوم والدقيقة
    والثانية..

    وفي سورة مريم يحكي الله تبارك وتعالى عن مريم وكيف جاءها المخاض فأوت إلى جذع النخلة وهي تتمنى
    الموت، فناداها المنادي أن تهز بجذع النخلة وتأكل ما يتساقط من رطب جنى :
    { فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا
    أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا .
    فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا } 23/26 سورة مريم
    ولمـاذا الرطـب ؟!!
    إن أحدث بحث علمي عن الرطب يقول : إن فيه مادة قابضة للرحم تساعد على الولادة ، وتساعد على
    منع النزيف بعد الولادة ، مثل مادة Oxytocin ، وأن فيه مادة ملينة .. ومعلوم طبياً أن الملينات النباتية
    تفيد في تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للقولون ..
    إن الحكمة العلمية لوصف الرطب وتوقيت تناول الرطب مع مخاض الولادة فيه دقة علمية واضحة .
    هذه الأمثلة من الصدق العلمي والصدق المجازي والصدق الحرفي هو ما أشار إليه الله سبحانه
    واصفاً القرآن بأنه : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } 42/ سورة فصلت
    وبأنه : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } 82/ سورة النساء
    اختلافاً بين الآيات وبين بعضها بمعنى تناقضها .. واختلافاً عن الحقائق الثابتة التي سوف تكشفها العلوم ..
    وكلا الاختلافين نجده دائماً في الكتب المؤلفة .. ولهذا يحرص المؤلف على أن يضيف أو يحذف أو يعدل
    كلما أصدر طبعة جديدة من كتبه .. ونرى النظريات تتلو بعضها البعض مكذبة بعضها البعض .. ونرى
    المؤلف مهما راعى الدقة يقع في التناقض .. وهي عيوب لا نجدها في القرآن .
    وهو بعد ذلك معجزة ، لأنه يخبرك عن ماض لم يؤرخ ويتنبا بمستقبل لم يأت ..
    وقد صدقت نبوءات القرآن المتعددة :
    عن انتصار الروم بعد هزيمتهم :
    { غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ َ} 2/ 4 سورة الروم
    و " بضع " في اللغة هي ما بين ثلاث وتسع .. وقد جاء انتصار الروم بعد سنين .
    وعن انتصار بدر :
    {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} 45/ سورة القمر
    وعن رؤيا دخول مكة :
    { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ
    وَمُقَصِّرِينَ } 27/ سورة الفتح
    وقد كان ..

    وما زلت في القرآن نبوءات تتحقق أمام أعيننا .. فهذا إبراهيم يدعو ربه:
    { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ
    فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } 37/ سورة إبراهيم
    لقد دعا بالرزق لهذا الوادي الجديب ..
    ثم جاء وعد الله لأهل مكة بالرخاء والغنى حينما أمرهم بمنع المشركين من زيارة البيت فخافوا البوار
    الاقتصادي والكساد ، " وكان أهل مكة يعتمدون في رواجهم على حج البيت "
    فقال ليطمئنهم :
    { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } 28/ سورة التوبة
    وهو وعد نراه الآن يتحقق أمامنا في البترول الذي يتدفق من الصحراء بلا حساب وترتفع أسعاره
    في جنون يوماً بعد يوم .. ثم في كنوز اليورانيوم التي تخفيها تلك الصحاري بما يضمن لها الرخاء
    إلى نهاية الزمان ..

    ثم نرى القرآن يحدثنا عن الغيب المطلسم في أسرار الجن والملائكة مما لم يكشف إلاّ لقلة من
    المخصوصين من أهل التصوف .. فإذا رأى هؤلاء فهم لا يرون إلا ما يوافق كلمة القرآن ..
    وإذا طالعوا لا يطالعون إلا ما يطابق أسراره .

    ثم هو يقدم لنا الكلمة الأخيرة في السياسة والأخلاق ، ونظم الحكم ، والحرب والسلم ، والاقتصاد
    والمجتمع ، والزواج والمعاشرة ، ويشرع لنا من محكم الشرائع ما يسبق به ميثاق حقوق الإنسان ..
    كل ذلك في أسلوب منفرد وعبارة شامخة وبنيان جمالي وبلاغي هو نسيج وحده في تاريخ اللغة .
    سألوا ابن عربي عن سر إعجاز القرآن فأجاب بكلمة واحدة هي : " الصدق المطلق " ..
    فكلمات القرآن صادقة صدقاً مطلقاً ، في حين أقصى ما يستطيعه مؤلف هو أن يصل إلى صدق نسبي ،
    وأقصى ما يطمع فيه كاتب هو أن يكون صادقاً حسب رؤيته .. ومساحة الرؤية دائماً محدودة ومتغيرة من
    عصر إلى عصر .. كل واحد منا يحيط بجانب من الحقيقة وتفوته جوانب ، ينظر من زاوية وتفوته زوايا ..
    وما يصل إليه من صدق دائماً صدق نسبي .. أما صاحب العلم المحيط والبصر الشامل فهو الله وحده ..
    وهو وحده القادر على الصدق المطلق .. ولهذا نقول على القرآن إنه من عند الله ، لأنه أصاب الصدق
    المطلق في كل شيء.

    سألوا محمداً عليه الصلاة والسلام عن القرآن فقال :
    " فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وهو الذكر الحكيم ،
    وهو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره
    أضله الله ، وهو الذي لا تلتبس به الألسن ، ولا تزيغ به العقول ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه
    العلماء ، ولا تنقضي عجائبه " ..

    عن انفجار شمسنا ونهاية الحياة على الأرض وقيام القيامة يقول ربنا في سورة الرحمن الآيات 37 إلى 44 :
    {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا
    جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا
    تُكَذِّبَانِ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ . يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } سورة الرحمن

    وتأتينا علوم الفلك الآن وبعد ألف وأربعمائة سنة من نزول القرآن .. بأن هذه نهاية النجوم التي تملأ السماء
    بألوانها المبهرة .. بل ويطلق الفلكيون على بعض هذه النجوم المنفجرة اسم Rosetta أي وردة ..
    من أي مصدر جاءت هذه النبؤات للرسول منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ..
    إلا أن تكون من رب الكون نفسه .. ويستطيع أي قارئ أن يرى هذه العجائب على الانترنت
    موقع NASA بابAstronomical picture of the day بعنوان Cats eye

    وهذا كلامهم وليس كلامنا ..
    وهذا هو كتابنا يا صديقــي ..
    ولهذه الصفات مجتمعة لا يمكن أن يكون مؤلفاً ..



    .

    .



    .

  14. افتراضي

    .

    14 / موقـف الـدين من التطــور


    قال صاحبي :
    - موقفك اليوم سيكون صعباً، فعليك أن تثبت أن خلق الإنسان جاء على طريقة جلا جلا ..
    أمسك الخالق قطعة طين ثم عجنها في يده ونفخ فيها فإذا بها آدم وهو كلام تخالفك فيه بشدة علوم التطور
    التي تقول : إن صاحبك آدم جاء نتيجة سلسلة من الأطوار الحيوانية السابقة، وإنه ليس مقطوع الصلة
    بأفراد عائلته من الحيوانات، وإنه والقرود أولاد عمومة يلتقون معاً في سابع جد ..
    وإن التشابه الأكيد في تفاصيل البنية التشريحية للجميع يدل على أنهم جميعاً أفراد أسرة واحدة .

    قلت وأنا أستعد لمعركة علمية دسمة :
    - دعني أصحح معلوماتك أولا فأقول لك إن الله لم يخلق آدم على طريقة جلا جلا ..
    ها هنا قطعة طين ننفخ فيها فتكون آدم .. فالقرآن يروي قصة مختلفة تماماً عن خلق آدم، قصة يتم فيه
    الخلق على مراحل وأطوار وزمن إلهي مديد، والقرآن يقول إن الإنسان لم يخرج من الطين مباشرة، وإنما
    خرج من سلالة جاءت من الطين : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ } 12/ سورة المؤمنون
    وأن الإنسان في البدء لم يكن شيئاً يذكر :
    { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان
    وأن خلقه جاء على أطوار ..
    {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا } 13/14 سورة نوح
    { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } 11/ سورة الأعراف
    { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }
    71/72 سورة ص
    معنى ذلك أن هناك مراحل بدأت بالخلق ثم التصوير .. ثم التسوية ثم النفخ ..
    " وثم " بالزمن الإلهي معناها ملايين السنين : { إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } 47/ سورة الحج
    انظر إلى هذه المراحل الزمنية للخلق في سورة السجدة .. يقول الله سبحانه إنه : { وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ .
    ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7/ 9 سورة السجدة.
    في البدء كان الطين ، ثم جاءت سلالة من ماء مهين هي البدايات الأولى للإنسان التي لم تكن شيئاً مذكوراً،
    ثم التسوية والتصوير، ثم نفخ الروح التي بها أصبح للإنسان سمع وبصر وفؤاد .. وأصبح آدم ..
    فآدم إذن نهاية سلسلة من الأطوار وليس بدءاً مطلقاً على طريقة جلا جلا ..

    { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } 17/ سورة نوح
    هنا عملية إنبات بكل ما في الإنبات من أطوار ومراحل وزمن ..
    ولكن اللغز الحقيقي هو .. ماذا كانت تلك المراحل بالضبط، وماذا كانت تلك الأطوار ؟
    هل كل شجرة الحياة من أب واحد ..
    هي كلها من الطين بحكم التركيب الكيميائي .. وكلها تنتهي بالموت إلى أصلها الترابي .. هذه حقيقة ..
    ولكننا نقصد من كلمة أب شيئاً أكثر من الأصل الطيني ..

    والسؤال هو هل تولدت من الطين خلية أولى تعددت وأنجبت كل تلك الأنواع والفصائل النباتية
    والحيوانية بما في ذلك الإنسان ؟
    أم أنه كانت هناك بدايات متعددة.. بداية تطورت إلى نباتات، وبداية تطورت إلى فرع من فروع الحيوان،
    كالإسفنج مثلاً، وبداية أخرى خرج منها فرع آخر كالأسماك، وبداية خرجت منها الزواحف،
    وبداية خرجت منها الطيور، وبداية خرجت منها الثدييات، وبداية خرج منها الإنسان،
    وبذلك يكون للإنسان جد منفصل، ويكون لكل نوع جد خاص به؟

    إن التشابه التشريحي للفروع والأنواع والفصائل لا ينفي خروج كل نوع من بداية خاصة، وإنما يدل هذا
    التشابه التشريحي في الجميع على وحدة الخالق، وأن صانعها جميعاً واحد، لأنه خلقها جميعاً من خامة واحدة
    وبأسلوب واحد وبخطة واحدة.. هذه هي النتيجة الحتمية.
    ولكن خروجها كلها من أب واحد ليس نتيجة محتمة لتشابهها التشريحي.. فوسائل المواصلات تتشابه فيما
    بينها العربة والقطار والترام والديزل كلها تقوم على أسس هندسية وتركيبة متشابهة، دالة بذلك على أنها
    جميعاً من اختراع العقل البشري .. ولكن هذا لا يمنع أن كل صنف منها جاء من أب مستقل ومن فكرة
    هندسية مستقلة..
    كما أننا لا يصح أن نقول إن عربة اليد تطورت تلقائياً بحكم القوانين الباطنة فيها إلى عربة حنطور، ثم إلى
    عربة فورد ثم إلى قطار، ثم إلى ديزل.

    فالواقع غير ذلك .. وهو أن كل طور من هذه الأطوار جاء بطفرة ذهنية في عقل المخترع، وقفزة إبداع في
    عقل المهندس، لم يخرج نوع من آخر.. مع أن الترتيب الزمني قد يؤيد فكرة خروج نوع من نوع..
    ولكن ما حدث كان غير ذلك فكل نوع جاء بطفرة إبداعية من العقل المخترع، وبدأ مستقلاً.
    وهذه هي أخطاء داروين والمطبات والثغرات التي وقع فيها حينما صاغ نظريته.

    ودعنا نتذكر معاً ما قال داروين في كتابه "أصل الأنواع" :
    كان أول ما اكتشفه داروين في أثناء رحلته بالسفينة "بيجل" هي الخطة التشريحية الواحدة التي بنيت عليها
    كل الفصائل الحيوانية .. فالهيكل العظمي واحد في أغلب الحيوانات الفقرية : الذراع في القرد هو نفس
    الجناح في الطائر، هو نفس الجناح في الخفاش، كل عظمة هنا تقابلها عظمة تناظرها هناك مع تحورات
    طفيفة، لتلائم الوظيفة، فالعظام في الطيور رقيقة وخفيفة ومجوفة وهي مغطاة بالريش .. ثم نجد رقبة الزرافة
    الطويلة بها سبع فقرات، ورقبة الإنسان سبع فقرات، ورقبة القنفذ التي لا تذكر من فرط قصرها هي
    الأخرى بها سبع فقرات، وهناك خمس أصابع في يد الإنسان، ونجد نفس التخميس في أصابع القرد،
    والأرنب، والضفدعة، والسحلية، وفترة الحمل في الحوت والقرد والإنسان تسعة أشهر، وفترة الإرضاع في
    الجميع سنتان، وفقرات الذيل في القرد نجدها في الإنسان متدامجة ملتصقة فيما يسمى بالعصعص، ونجد
    عضلات الذيل قد تحورت في الإنسان إلى قاع متين للحوض، ثم نجد القلب بغرفه الأربع في الحصان والحمار
    والأرنب والحمامة والإنسان، ونفس الخطة في تفرع الشرايين والأوردة، ثم نجد نفس الخطة في الجهاز
    الهضمي : البلعوم ثم المعدة .. ثم "الاثنى عشر" .. ثم الأمعاء الدقيقة .. ثم الأمعاء الغليظة .. ثم الشرج
    والجهاز التناسلي : نفس الخصية، والمبيض، وقنوات الخصية، وقنوات المبيض .. وكذلك الجهاز البولي :
    نفس الكلية، والحالب، وحويصلة البول .. والجهاز التنفسي : القصبة الهوائية والرئتين، ونجد أن الرئة في
    البرمائيات هي نفس كيس العوم في السمكة.

    كان طبيعياً بعد هذا أن يتصور داروين أن الحيوانات كلها أفراد أسرة واحدة تفرقت بهم البيئات فتكيفت كل فصيلة مع بيئتها ..
    الحوت في المنطقة الجليدية لبس معطفاً من الشحم .. والدببة لبست الفراء ..
    وإنسان الغابة في الشمس الاستوائية أسودّ جلده فأصبح كالمظلة الواقية ليقيه الشمس ..
    وسحالي الكهوف ضمرت عيونها لأنها لا تجد لها فائدة في الظلام فأصبحت عمياء في حين نجد سحالي
    البراري مبصرة.. والحيوانات التي نزلت الماء طورت أطرافها إلى زعانف.. والتي غزت الجو طورت أطرافها
    إلى أجنحة.. وزواحف الأرض طورت أطرافها إلى أرجل.


    ثم ألا يحكي الجنين القصة ؟ ففي مرحلة من مراحل نموه نراه يتنفس بالخياشيم ثم تضمر الخياشيم وتظهر فيه
    الرئتان ، وفي مرحلة نجد له ذيلاً يضمر الذيل ويختفي ، وفي مرحلة نراه يكتسي بالشعر ثم ينحسر بعد ذلك
    الشعر عن جسمه .

    ثم ألا تحكي لنا طبقات الصخور بما حفظت لنا من حفريات قصة متسلسلة الحلقات عن ظهور واختفاء هذه
    الأنواع الواحد بعد الآخر من الحيوانات البسيطة وحيدة الخلية، إلى عديدة الخلايا، إلى الرخويات،
    إلى القشريات ، إلى الأسماك ، إلى البرمائيات ، إلى الزواحف ، إلى الطيور ، إلى الثدييات ..
    وأخيراً إلى الإنسان..

    ولقد أصاب داروين وأبدع حينما وضع هذه المقدمة القيمة في التشابه التشريحي بين الحيوانات وأصاب
    حينما قال بالتطور.
    ولكنه أخطأ حينما حاول أن يفسر عملية الارتقاء، وأخطأ حينما حاول أن يتصور مراحل هذا الارتقاء
    وتفاصيله.
    كان تفسير داروين لعملية الارتقاء أنه يتم بالعوامل المادية التلقائية وحدها ، حيث تتقاتل الحيوانات بالناب
    والمخلب في صراع الحياة الدموي الرهيب فيموت الضعيف ويكون البقاء دائماً للأصلح..
    تلك الحرب الناشبة في الطبيعة هي التي تفرز الصالح والقوي وتشجعه .. وتبقي على نسله .. وتفسح أمامه
    سبل الحياة..
    وإذا كانت هذه النظرية تفسر لنا بقاء الأقوى فإنما لا تفسر لنا بقاء الأجمل، فإن الجناح المنقوش لا يمتاز بأي
    صلاحيات مادية أو معاشية عن الجناح الأبيض، وليس أكفأ منه في الطيران ..
    وإذا قلنا إن الذكر يفضل الجناح المنقوش، في التزاوج، فسوف نسأل ولماذا؟ .. ما دام هذا النقش لا يمثل
    أي مزيد من الكفاءة ؟
    وإذا دخل تفضيل الأجمل في الحساب فإن النظرية المادية تنهار من أساسها ..
    وتبقى النظرية بعد ذلك عاجزة عن تفسير لماذا خرج من عائلة الحمار شيء كالحصان .. ولماذا خرج من
    عائلة الوعل شيء رقيق مرهف وجميل كالغزال.. مع أنه أقل قوة وأقل احتمالاً .. كيف نفسر جناح الهدهد
    وريشة الطاووس وموديلات الفراش بألوانها البديعة ونقوشها المذهلة .. ونحن هنا أمام يد مصور فنان يتفنن
    ويبدع .. ولسنا أمام عملية غليظة كصراع البقاء وحرب المخلب والناب ..


    والخطأ الثاني في نظرية التطور جاء بعد ذلك من أصحاب نظرية الطفرة ..
    والطفرات هي الصفات الجديدة المفاجئة التي تظهر في النسل نتيجة تغيرات غير محسوبة
    في عملية تزاوج الخلية الأنثوية والخلية الذكرية ولقاء الكروموسومات لتحديد الصفات الوراثية ..
    وأحياناً تكون هذه الصفات الجديدة صفات ضارة كالمسوخ والتشوهات، وأحياناً تكون طفرات مفيدة
    للبيئة الجديدة للحيوان كأن تظهر للحيوان الذي ينزل الماء أرجل مبططة .. فتكون صفة جديدة مفيدة..
    لأن الأرجل المبططة أنسب للسباحة، فتشجع الطبيعة هذه الصفة وتنقلها إلى الأجيال الجديدة، وتقضي على
    الصفة القديمة لعدم صلاحيتها، وبذلك يحدث الارتقاء وتتطور الأرجل العادية إلى أرجل غشائية ..
    وخطأ هذه النظرية أنها أقامت التطور على أساس الطفرات والأخطاء العشوائية .. وأسقطت عملية التدبير
    والإبداع تماماً ..
    ولا يمكن أن تصلح هذه الطفرات العشوائية أساساً لما نرى حولنا من دقة وإبداع وإحكام في كل شيء ..
    إن البعوضة تضع بيضها في المستنقع .. وكل بيضة تأتي إلى الوجود مزودة بكيسين للطفو ..
    من أين تعلمت البعوضة قوانين أرشميدس لتزود بيضها بهذه الأكياس الطافية ؟
    وأشجار الصحارى تنتج بذوراً مجنحة تطير مع الرياح أميالاً وتنتثر في مساحات واسعة بلا حدود ..
    من أين تعلمت أشجار الصحارى قوانين الحمل الهوائي لتصنع لنفسها هذه البذور المجنحة، التي تطير مئات
    الأميال بحثاً عن أراض ملائمة للإنبات ؟
    وهذه النباتات المفترسة التي تصطنع لنفسها الفخاخ والشراك الخداعية العجيبة لتصيد الحشرات وتهضمها
    وتأكلها بأي عقل استطاعت أن تصطنع تلك الحيل ؟
    نحن هنا أمام عقل كلي يفكر ويبتكر لمخلوقاته ويبدع لها أسباب الحيل.. لا يمكن تصور حدوث الارتقاء
    بدون هذا العقل المبدع : { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } 50/ سورة طـه .


    والعقبة الثالثة أمام نظرية داروين .. هي ما اكتشفناه الآن باسم الخريطة الكروموسومية .. أو خريطة
    الجينات .. ونحن نعلم الآن أن لكل نوع حيواني خريطة كروموسومية خاصة به، ويستحيل أن يخرج نوع
    من نوع بسبب اختلاف هذه الخريطة الكروموسومية .


    نخلص من هذا إلى أن نظرية داروين تعثرت.. وإذا كان التشابه التشريحي بين الحيوانات حقيقة متفق عليها،
    وإذا كان التطور أيضاً حقيقة، فإن مراحل هذا التطور وكيفياته ما زالت لغزاً ..
    هل كانت هناك بدايات مستقلة أم أن بعض الفروع تلتقي عند أصول واحدة ؟
    والتطور وارد باللفظ الصريح في القرآن .. كما أن مراحل الخلق والتصوير والتسوية ونفخ الروح واردة ..
    ولكن لم يستقر العلم على نظرية ثابتة لتلك المراحل بعد .. وإذا عدنا لسورة السجدة التي تحكي عن الله
    أنه: { وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ
    وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } 7 / 9 سورة السجدة
    فإن معنى الآية صريح في أن البدايات الأولى للإنسان التي جاء منها آدم فيما بعد، وهي تلك التي جاء
    نسلها من ماء مهين، لم يكن لها سمع ولا أبصار ولا أفئدة ..
    وإنما جاءت هذه الأبصار والأسماع والأفئدة بعد نفخ الروح وهي آخر مراحل خلق آدم ..
    هي إذن بدايات أشبه بالحياة الحيوانية المتخلفة : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا
    مَّذْكُورًا } 1/ سورة الإنسان .
    هو تفسير لا يختلف كثيراً عن العلوم التي تتحدث عنها .. ولكن نفس الآية قد تعني معنى آخر هو أطوار
    الجنين داخل الرحم وكيف يتخلق من بدايات لا سمع فيها ولا بصر ثم يأتي نفخ الروح في هذه المضغة في
    الشهر الرابع فتستوي خلقاً آخر ..
    آيات الخلق إذن متشابهات والقرآن يحمل أكثر من وجه من وجوه التفسير .. والحقيقة بعد هذا ما زالت
    لغزاً .. ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه كشف الحقيقة .. والسؤال ما زال مفتوحاً للبحث، وكل ما جاء به
    العلم فروض ..
    وربما كانت أرجح الآراء أن التسوية المذكورة في القرآن { خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ . فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء
    رَكَّبَكَ } 7/8 سورة الانفطار.
    كانت تسوية سلالية بشيء أشبه بالهندسة الوراثية وأن الأمر ليس تطوراً كما يقول داروين ولكنه تطوير
    يحدث بتدخل وفعل إلهي لإعداد الحشوة الحية ( وهي في أصل المنشأ من الطين ) لتستقبل نفخة الروح
    وحلول النفس فيها لتكون آدم ..
    ثم النفس وحكايتها هي سؤال آخر أكثر ألغازاً ..
    هل يكون للنفس تصوير في القوالب الطينية فتكون لها تجسدات متعداة وتاريخ وتطور هي الأخرى ؟ ..
    أم أنها على حالها من علم الله بها منذ الأزل ..
    الله أعلم .. والموضوع كله عماء ..
    وربما كان أفضل فهم لعملية التطور أنها كانت تطويراً بفعل فاعل وبذات مبدعة خلاّقة ولم تكن تطوراً
    تلقائياً كما تصورها داروين وصحبه ولم تكن مراحل متروكة للصدفة .. وإنما كانت تخليقاً مراداً ومخططاً
    خالق قادر حكيم.. وإنها هندسة وراثية لمهندس عظيم ليس كمثله شيء..
    وما جاء في القرآن هو أصدق صورة لما حدث ..
    والقطع في هذه القضية مستحيل ..
    وما زال القرآن يفرض نفسه بلا بديل ..


    .
    التعديل الأخير تم 08-06-2005 الساعة 03:14 AM

    .



    .

  15. #30
    تاريخ التسجيل
    Sep 2004
    الدولة
    مِن كل بلاد الإسلام أنـا.. وهُـم مِنـّي !
    المشاركات
    1,508
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    2

    افتراضي

    15 / كلمة لا إله إلا الله


    قال صاحبى :

    - ألست معى فى أنكم تبالغون كثيرًا فى استخدام كلمة لا إله إلا الله وكأنها مفتاح لكل باب .. تشيعون بها الميت وتستقبلون الوليد وتطبعونها على الأختام وتنقشونها على القلائد وتصكون بها العملات وتعلقونها على الجدران .. من ينطق بها منكم تقولون أن جســمه أعتق من النار .. فإذا نطق بها مائة ألف مرة دخل الجنة وكأنها طلسم سحري أو تعويذة لطرد الجن أو قمقم لحبس المردة .. ثم هذه الحروف التى لا تعرفون لها معنى .. ا . ل . م .. كهيعص .. طسم .. حم .. الر .

    هل أنجو من العذاب إذا قلت لا إله إلا الله .. إذن فإنى أقولها وأشهدك وأشهد الحضور على ذلك .. لا إله إلا الله .. هل انتهى الأمر.

    - بل أنت لم تقل شيئـًا .

    إن لا إله إلا الله لمن يعمل بها وليست لمن يشقشق بها لسانه ..لا إله إلا الله منهج عمل وخطة حياة وليست مجرد حروف .. ودعنا نفكر قليلاً فى معناها .. إننا حينما نقول لا إله إلا الله نعنى أنه لا معبود إلا الله وبين لا وإلا بين النفى والإثبات فى العبارة بين هاتين الدفتين تقع العقيدة كلها لا النافية تنفى الألوهية عن كل شىء .. عن كل ما نعبد من مشتهيات فى الدنيا .. عن المال والجاه والسلطان واللذات وترف العيش والنساء الباهرات والعز الفاره .. لكل هذا نقول لا .. لا نعبدك .. لست إلهًا .. ثم نقول لا لنفوسنا التى تشتهى تلك الأشياء لأن الإنسان يعبد نفسه فى العادة ويعبد رأيه ويعبد هواه واختياره ومزاجه ويعبد ذكاءه ومواهبه وشهرته ويتصور أن بيده مقاليد الأمور وأقدار الناس والمجتمع .. ويجعل من نفسه إلهًا دون أن يدرى .. لهذه النفس نحن نقول لا .. لا نعبدك .. لست إلهًا.


    نقول ((لا)) – للمدير والرئيس والحاكم .. لا لست إلهًا .

    ومعنى كلمة ((إله)) أى ((فاعل)) .. والفاعل بحق عندنا هو الله، أما كل هذه الأشياء فوسائط وأسباب، المدير والوزير والرئيس والمال والجاه والسلطان والنفس بذكائها ومواهبها .. لكل هذا نقول لا .. لست إلهًا .

    ((إلا)) – واحد نستثنيه ونثبت له تلك الفاعلية والقدرة هـــو الله .
    وبين لا وإلا بين هذا النفى وهذا الإثبات تقع العقيدة كلها فمن كان مشغولاً بجمع المال وتكديس الثروات وتملق السلطان والتزلف للرؤساء وتحرى اللذات واتباع هوى نفسه وتعشق رأيه والتعصب لوجهة نظره .. فهو لم يقل لا لكل هــذه المعبودات وهو ساجد فى محرابها دون أن يدرى وحينما يقول لا إله إلا الله فهو يقولها كاذبًا .. يقول بلسانه ما لا يفعل بيديه ورجليه .

    ومعنى (( لا إله إلا الله )) أنه لا حسيب ولا رقيب إلا الله .. هو وحده الجدير بالخشية والخوف والمراقبة .. فمن كان يخاف المرض ومن كان يخاف الميكروب ومن كان يخاف عصا الشرطى وجند الحاكم فإنه لم يقل ((لا)) .. لكل تلك الآلهة الوهمية .. وإنما هو مازال ساجدًا لها وقد أشرك مع خالقه كل تلك الآلهة المزيفة .. فهو كاذب فى كلمة (( لا إله إلا الله )) .

    ومعنى ذلك أن (( لا إله إلا الله )) عهد ودستور ومنهج حياة.

    والمقصود بها .. العمل بها .

    فمن عمل بها كانت له طلسمًا بالفعل يفتح له كل الأبواب العصية .. وكانت نجاة فى الدنيا والآخرة ومدخلاً إلا الجنة .

    أما نطق اللسان بدون تصديق القلب وعمل الجوارح .. فإنه لا يغنى .

    و (( لا إله إلا الله )) تعنى أكثر من هذا موقفًا فلسفيًا .

    يقول الدكتور زكى نجيب محمود أن (( شهادة لا إله إلا الله )) تتضمن الإقرار بثلاث حقائق .. أن الشاهد موجود والمشهود موجود .. والحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة موجودون أيضًا أى أنها إقرار صريح بأن الذات والله والآخرين لهم جميعًا وجود حقيقى .

    وبهذا يرفض الإسلام الفلسفة المثالية كما يرفض الفلسفة المادية فى ذات الوقت .. يرفض اليمين واليسار معًا ويختار موقفـًا وسطا .
    يرفض المثالية الفلسفية .. لأن المثالية الفلسفية لا تعترف بوجود الآخرين ولا بوجود العالم الموضوعى كحقيقة خارجية مستقلة عن العقل .. وإنما كل شىء فى نظر الفلسفة المثالية يجرى كأنه حلم فى دماغ .. أو أفكار فى عقل .. أنت والراديو والشارع والمجتمع والصحيفة والحرب كلها حوادث ومرائى وأحلام تجرى فى عقلى .. لا وجود حقيقى للعــالم الخارجى .

    وهذا الموقف المثالى المتطرف يرفضه الإسلام وترفضه الشهادة لأنها كما قلنا إقرار صريح بان الشاهد والمشهود والحضور الذين تلقى أمامهم الشهادة أى الذات والله والآخرين حقائق مقررة .
    .

    كما يرفض الإسلام أيضًا الفلسفة المادية لأن الفلسفة المادية تعترف بالعالم الموضوعى ولكنها تنكر ما وراءه .. تنكر الغيب والله .

    والإسلام بهذا يقدم فلسفة واقعية وفكرًا واقعيًا فيعترف بالعالم الموضوعى ثم يضيف إلى هذا العالم كل الثراء الذي يتضمنه الوجود الإلهى الغيبى .. ويقدم تركيبًا جدليًا جامعًا بين فكر اليمين وفكر اليسار فى فلسفة جامعة ما زالت تتحدى كل اجتهاد المفكرين فتسبق ما سطروا من نظريات ظنية لا تقوم على يقين .

    شهادة (( لاإله إلا الله )) تعنى إذن منهج حياة وموقفًا فلسفيًا .

    ولهذا فأنت تكذب وأنت الرجل المادى الذى اخترت موقفـًا فلسفــيـًا ماديـًا وأنت تنطق بالشهادة كذبتين :
    الكذبة الأولى – أنك تشهد بما ينافى فلسفتك .
    والكذبة الثانية – أنك لا تعمل بهذه الشهادة فى حياتك قدر خردلة .

    أما حكاية .. ا . ل . م .. وكهيعص . حم . الر . فدعنى أسألك .. وما حكـاية س ص ولوغاريتم ومعادلة الطاقة ط = ك × س2 وهى ألغاز وطلاسم بالنســبة لمن لا يعرف شيئـًا فى الحساب والجبر والرياضيات .. وعند العالمين لها معانى خطيرة .

    كذلك هذه الحروف حينما يكشف لنا عن معناها .

    قال صاحبى فى سخرية :
    - وهل كشف لك عن معناها ؟
    قلن وأنا ألقى بالقنبلة :
    - هذه موضوع مثير يحتاج إلى كلام آخر طويل سوف يدهشك .

صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. حوار مع صديقي الملحد
    بواسطة darc في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-20-2011, 10:30 PM
  2. المنطق و صديقي الملحد
    بواسطة abdullah99 في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06-27-2011, 10:10 AM
  3. تلخيص كتاب حوار مع صديقى الملحد
    بواسطة ابن النعمان في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-02-2011, 12:00 AM
  4. نقد كتاب حوار مع صديقي الملحد ... أرجو الرد على النقد وتثبيت الموضوع
    بواسطة المتوكل بالله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-11-2008, 08:44 PM
  5. حوار مع صديقي الملحد
    بواسطة ســــاهر في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-06-2004, 06:58 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء