النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: كتاب "الله" سعيد حوى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي كتاب "الله" سعيد حوى

    المقدمة
    في السوق كتب كثيرة تدلك على وجود الله عز وجل ولكن الكثيرين من الذين يكتبون في هذا الموضوع لا يبنون البناء الصحيح على ما يقتضيه الإيمان بالله من إيمان برسله صلوات الله عليهم وإيمان بوحيه ودينه وشريعته ومن ثم كان هذا الكتاب سداً لهذه الثغرة إذ كان فيه تدليل ووضع لمحل الإيمان بالله في محله الصحيح في الحياة البشرية. وكثيرون من الذين كتبوا في موضوع الألوهية إما أنهم اقتصروا على التدليل على الوجود ولم يصلوا إلى التعريف على الصفات والأسماء، وإما أنهم تكلموا عن الصفات والأسماء ولم يدللوا على الوجود، فكان في كل من العملين ثغرة حاول هذا الكتاب أن يسدها، وكثيرون من الذين تكلموا في الدليل إما أنهم فاتتهم الاستفادة من معطيات عصرنا أو أنهم تكلموا ضمن معطيات علوم عصرنا دون أن يربطوا ذلك بمعطيات العصور، وكانت تلك ثغرة كذلك حاول هذا الكتاب أن يسدها.

    وكثيرون من الذين تكلموا في هذه الشؤون فاتتهم الدقة العلمية أو الدقة في التعبير فشطح بهم القلم نحو كلمة لا تليق أو كلمة ليست صحيحة أو كلمة فيها كفر أو إثم وذلك تناقض مع المضمون فبينما يقرأ الإنسان لتحقيق الإيمان إذا به يقع في الكفر وكان هذا الكتاب بريئاً من ذلك بفضل الله تعالى ومن ثم فان هذا الكتاب وان كان جديده قليلاً فان ميزاته هذه ذات وزن كبير عند أهل الإنصاف. وندر من عرض لموضوع الإيمان العقلي بالله من بدايته إلى نهايته بدايته التي تحدد الطريق للمعرفة العقلية ثم تبني هذه المعرفة من خلال الدليل ثم تصل إلى ما يوصل إليه العقل من تعرف على صفات الله وأسمائه ثم تبرهن على أن ما يصل إليه العقل من تعرف على صفات الله وأسمائه ثم تبرهن على أن ما يصل إليه العقل هو نفسه الذي يوصل إليه الوحي الصحيح ثم تبين الأخطاء التي وقع فيها البشر في هذا الشأن.

    إن كتابا فعل هذا كله ربما يكون نادراً وتلك ميزة أخرى لهذا الكتاب ثم إن هذا الكتاب عرض من وجهة نظر إسلامية محضة لهذه القضية وبقلم إسلامي كذلك فرفع بذلك وصاية الأقلام الخاطئة أو المنحرفة أو الكافرة عن المسلم المثقف الذي يرغب في أن يقرأ في هذا الموضوع فكانت تلك ميزة أخرى من ميزات هذا الكتاب لقد هدف كثير من المؤلفين إلى قضية جزئية في مؤلفاتهم لها صلة بهذا الموضوع وأردنا في هذا الكتاب أن نحقق مجوعة ما قصد إليه المؤلفون وكان ذلك ميزة لهذا الكتاب المختصر.

    ولقد حاولنا أن نقرأ كل ما استطعنا الوصول إليه من كتب تحدثت عن أي جانب من جوانب هذا الموضوع واستفدنا من الكثير منها، استفدنا من كتاب قصة الإيمان لنديم الجسر، ومن كتاب الله للعقاد، ومن كتاب العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون، ومن كتاب الله يتجلى في عصر العلم لمجموعة من العلماء، ومن كتاب الله والعلم الحديث لعبد الرزاق نوفل، ومن كتاب مصير البشرية ليكونت دي نوي، ومن كتاب مع الله في السماء لأحمد زكي، ومن كتاب العقائد للأستاذ البنا، ومن كتاب الوجود الحق للدكتور حسن الهويدي، ومن رسائل كثيرة أخرى وكتب كثيرة أخرى منها القديم ومنها الحديث ولقد سرت في هذا الكتاب مقرراً عقيدة الحق التي يجتمع عليها المسلمين تاركا البحوث التي حدث فيها خلاف بين الفرق الإسلامية لأن تلك البحوث والتقرير في شأن ما اختلف فيه منها محلا آخرا فمن طبيعة هذه السلسلة كلها أنها لا تحتمل مثل هذه البحوث إلا أن لنا كلاما في هذه الأمور في سلسلة أخرى إن شاء الله تعالى.

    سرنا في البحث بأن حددنا الطريق إلى معرفة الذات الإلهية وهي آثار الله التي تدل عليه وبينا أن هذه الآثار التي تدل عليه: الكون، القرآن، والمعجزات، والكرامات. وبينا أننا في هذا البحث نريد أن نعرض الظواهر الكونية فقط وكيف أنها تدلنا على الله عز وجل وفي البحث الثاني عن الرسول صلى الله عليه وسلم سنتعرض للقرآن وللمعجزات وبذلك يكتمل الكلام عن الظواهر التي تدل على الله. وإنما اقتصرنا في هذا البحث على ذكر الأدلة الكونية فقط كي لا نضطر لأن نعيد كلاما مرتين لأن الإعجاز القرآني كما يدل على الله يدل على أن محمدا رسول الله وان المعجزات والكرامات كما تدل على الله فإنها تدل على أن محمد رسول الله .

    وفي هذا البحث سنرى أن الظواهر الكونية وحدها كافية للدلالة على الله فكيف إذا اجتمع معها غيرها ومن خلال هذه القضية ندرك أن المسلم وحده هو الذي يمتلك التعليل الشامل والحق لكل شيء على خلاف الآخرين الذين يستطيعون التعليل لبعض الأشياء ويقفون عاجزين أمام غيرها ومع ذلك يملؤهم الغرور بسبب أنهم عرفوا بعض قوانين هذا الكون.

    ثم أنه بعد المقدمة التي حددنا فيها الطريق إلى معرفة الله وذكرنا فيها التصورات الخاطئة والمعاني التي تحول دون الإيمان عرضنا تسع ظواهر كونية كنماذج على الظواهر الكونية الكثيرة التي تدلنا على الله بما لا يقبل جدلا عند المنصف ثم بينا أن الظواهر الكونية تدلنا على أسماء الله وأن أسماءه تدلنا على ذاته فعرفنا بذلك الله عز وجل من خلال النظر في هذا الكون ثم برهنا بعد ذلك على أن ما أوصلنا إليه النظر العقلي في الكون من صفات الله وأسمائه هو الذي قرره القرآن وهو يعرفنا على أسماء الله عز وجل وصفاته فكان ذلك وحده آية على أن هذا الإسلام هو دين الله عز وجل.

    وعندما وصلنا إلى هذا أحببنا أن نقدم مقارنة بين العقيدة الإسلامية في موضوع الألوهية وبين غيرها مما يتبين منه سموها بما لا يقاس معها أو عليها غيرها من عقائد موجودة أو موروثة أو معروفة إن في عالم الأديان كما نقلت إلينا أو في اتجاهات الفلاسفة.

    وقد رأينا أن ننقل هذه المقارنة من كلام العقاد كشهادة من إنسان مستوعب لثقافة الحاضر والماضي وإنسان له شهرة في عالم الفكر والفلسفة والأدب وذلك لشعورنا أن ذلك أقوى في مخاطبة المثقف المعاصر في الأوضاع والظروف التي صدر فيها الكتاب فإن المؤلف لم يكن معروفا وبالتالي فان كلام العقاد في قضية فيها طابع المقارنة الشاملة سيكون أقوى في تحقيق غرض المؤلف وهو الإقناع في الدعوة إلى الإيمان وهذا وحده كاف لان يجعلنا نتجاوز بعض الأمور فنقلنا كلام العقاد في كتابه حقائق الإسلام وأباطيل خصومه في مقارنة للعقيدة الإسلامية في باب الألوهية مع غيرها مما يظهر أنها هي وحدها الحق وغيرها باطل وبذلك تم الكتاب ما بين مقدمة وعرض ظواهر وذكر دلالات الظواهر ومقارنات بعد ذلك فاستكمل الكتاب من المعاني ما تفرق في غيره وإذا كان قانون السببية هو أهم مبادئ العقل وإذا كان هذا المبدأ هو الأساس الذي يقوم عليه الإيمان العقلي والمعرفة العقلية لله فقد أعلنا له فصلا خاصا جعلناه بين الظواهر ودلالات الظواهر.

    وإذا كان التوحيد هو أهم ما خرقته أهواء البشر في باب معرفة الله فقد خصصناه كذلك بفصل جعلناه تاليا لظاهرة الوحدة. وإذا كان وهم الطبيعة قد سيطر على كثير من العقول القاصرة فقد خصصناها بكلام في نفس المكان من هذا الكتاب ومن ثم فقد قلنا في هذا المكان فيما بين الظواهر ودلالاتها كلاما للدكتور حسن هويدي وللشيخ سعيد النورسي نقطع فيه دابر الخرق السفيه لمبدأ السببية العقلي ودابر الخرق لقضية التوحيد ونهتك فيه حجاب الوهم حول قضية الطبيعة لقد كان كلامهما رائعا في هذه الأمور فنقلناه انطلاقا من قاعدتنا أنه حيثما وجدنا إحسانا عند أحد يخدم تسلسل أبحاث هذه السلسلة أو يخدم مواضيعها فإننا ننقله مستغنين بذلك أن نكتب نحن فيه.

    نقول: إن هذا البحث كاف في تحقيق غرضه في موضوع التعريف على الله عز وجل وبناء الإيمان العقلي ولكن موضوع الألوهية يحتاج إلى كثير من البحوث والكتابة فيه من خلال عقلية إيجابية تنقب في التاريخ طولا وعرضا دراسة كل ما أخرجته الحفريات زمانا ومكانا لتبرهن على أن التوحيد هو الأصل وإنما طرأ عليه ما طرأ بسبب من الأهواء والتحريف، كما أننا بحاجة إلى أن نضع كل نقطة فوق حرفها في عملية إقامة الحجة على كل فكر كافر في هذا العالم وفي كل جانب منه من خلال حوار شامل، قالوا ونقول نذكر هذا وذاك كنموذجين على بعض احتياجاتنا في هذا الموضوع. وللتدليل على أن هذا الكتاب يأخذ محله ولكن لا يغني عن غيره مما نحتاجه في عصرنا وفي حوارنا الشامل مع غيرنا.

    وأخيرا أقول: لقد كان هذا الكتاب والكتابان اللذان جاءا بعده في هذه السلسلة أثرا عن الشعور باحتياجات المسلمين وهذا الذي جعلنا نحرص على الإنجاز السريع مستفيدين مما كتبه غيرنا مفضلين ذلك على أن نعيش في أحلام الكتابة دون أن نقدم للمسلمين زادا يحتاجونه سريعا ولقد كررنا العذر مرة بعد مرة حول قضية كثرة النقول في هذه السلسلة لأننا نعلم أن كلاما ما يقال أو سيقال في هذا الشأن فأحببنا أن يعرف الناس عذرنا فإما كريم يعرف فيقصر وإما ناقد منصف يتكلم فيذكر نقده مع العذر ولندخل في البحث.
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    مدخل إلى معرفة الذات الإلهية

    معرفة الله هي المرتكز الذي يرتكز عليه الإسلام كله وبدون هذه المعرفة يكون كل عمل في الإسلام أو للإسلام غير ذي قيمة حقيقية إذ انه في هذه الحالة يكون فاقدا روحه وما قيمة عمل لا روح فيه ولكن كيف نعرف الله وما هو الطريق إلى هذه المعرفة إن الجواب على هذا شيء لا بد منه حيث أننا إذا لم نعرف الطريق لن نصل إلى الغاية التي نطلبها

    1- تصور الكافرين للطريق:
    أن ناسا في القديم وفي الحديث أنكروا وجود الله لأنهم لم يدركوه بحواسهم متصورين أن هذا هو الطريق إليه ورموا المؤمنين به بأنهم: واهمون وضالون وخرافيون ومشوشون وغير علميين إلى آخر السلسلة الطويلة من السب والهزء والسخرية والازدراء التي يوجهها الكافرون بالله إلى المؤمنين لأنهم آمنوا بالله عن غير طريق الحواس.

    إن أمثال هؤلاء الذين يقولون: انهم لا يؤمنون إلا بما أدركته حواسهم يكذبهم واقعهم المادي الذي يعيشونه فهم مثلا يؤمنون بالجاذبية وقوانينها ولم يشاهدوها بل رأوا آثارها ويؤمنون بالعقل ولم يروه بل رأوا آثاره ويؤمنون بالمغناطيسية وقد شاهدوا فقط انجذاب الحديد إلى الحديد دون رؤية الجاذب ويؤمنون بوجود الإلكترون والنيترون ولم يشاهدوا إلكتروناً أو نيتروناً فواقع أمرهم يدل على انهم آمنوا بأشياء لم تدركها حواسهم ولكن آثارها هي التي دلتهم عليها وهم فيها على يقين لا يخالطه شك وهذا يعني بوضوح أن كثيرا من حقائق الوجود يؤمن بها هؤلاء لإحساسهم بآثارها دون إحساسهم بها ذاتها والعقل وليس الحواس هو الذي عرفهم عليها وان كانت الحواس هي الآلة التي أعطت العقل أدوات الحكم حتى اصدر حكمه لكنه لولا العقل ما صدر حكم ولما كانت معرفة بل الحقيقة أن الحواس تعطينا أحياناً صورا كثيرة وهمية ولكننا نعرف الحقيقة بواسطة العقل وحده فالعصا المغمورة بالماء تبدو مكسورة والخطوط المتوازية على المدى البعيد تبدو غير متوازية والأرقام البيضاء تبدو أكثر من الأرقام السوداء وشعورنا دائما أننا نسير ورؤوسنا إلى أعلى سواء كنا في القطب الشمالي أو الجنوبي أو على خط الاستواء فمثل هذه الصور تبين لنا بوضوح أن الحواس لولا العقل لأعطتنا أخطاء بدلا من حقائق ولولا العقل لم تكن لنا أي معرفة فهل كان هؤلاء على صواب عندما حصروا المعرفة كلها بالحواس؟ وهل كانوا منطقيين مع أنفسهم عندما رفضوا الإيمان بالله لأنه لم تدركه حواسهم مع انهم بالآثار وحدها آمنوا بكل الحقائق التي لم يشاهدوها والتي تشكل اكبر الحقائق التي عرفها الإنسان قبل اختراع الجهاز الذي يكتشف الحقيقة؟ هل كانت الحقيقة غير موجودة وبالتالي فهل كان إنكاركم لها قبل اكتشاف الجهاز علميا؟ ثم هل كل حقيقة علمية تكشفها الحواس أو الجهاز؟ أليست الحقائق الرياضية وكثير من الحقائق الكونية لا طريق إليها إلا العقل والتأمل وربط النتائج بالمقدمات. ثم أليست كل قضية تحتاج إلى جهاز خاص يناسبها.

    أو لا يكفيكم جهاز العقل للوصول إلى الله ولو أنه كانت لكم قلوب لحدثناكم عن القلب ذاك وكيف أن أهل القلوب عندهم الجهاز الذي يعرف الله حق المعرفة معرفة ذوقية لا تعدلها أي معرفة أخرى ولكن قلوبكم هذه ميتة ولذلك فإننا لا نطمع في أن تفهموا كلامنا في شأنها ولا نقصد بالقلوب هنا القلوب التي تعرفونها بل هي قلوب أخرى مركزها القلب الصنوبر ولكنها غيره. إن هذا التصور الخاطئ لطريق معرفة الله قديما وحديثا من أكبر العوامل التي أبعدت كثيرا من الناس عن طريق الإيمان الصحيح بالله مع أن مثل هذا التصور خاطئ بالبداهة لأن العقل ببداهته يحكم أن الله خالق المادة ليس بمادة لان المادة لا تخلق مادة وإذا كان منتهى إدراك الحواس في عالمنا هذا المادة المحسوسة فقط فلن يكون الله محل إدراكها والذي يبدو انه ما من أمة من الأمم أو كافر من الكافرين إلا وعندهم هذه الشبهة حول التصور الحسي للطريق إلى معرفة الذات الإلهية، فلقد سمعنا في عصرنا هذه أفراداً يجعلون عدم الرؤية سببا للإلحاد، وسمعنا كذلك دولاً تصرح بهذا كما صرحت بذلك إذاعة الاتحاد السوفياتي عقب إطلاق قمرها الصناعي الأول إلى الفضاء.

    ومن طرائف أجوبة الفطرة على مثل هذا الاتجاه نكتة يقال أنها وقعت في مدرسة ابتدائية حيث وقف معلم ابتدائي يقول لطلاب السنة الابتدائية السادسة أترونني قالوا نعم قال: فإذن أنا موجود أترون اللوح قالوا: نعم قال: فاللوح موجود أترون الطاولة قالوا: نعم قال: فالطاولة إذن موجودة قال: أترون الله قالوا: لا قال: فالله غير موجود فوقف أحد الطلاب الأذكياء وقال: وترون عقل الأستاذ فقالوا: لا قال: فعقل الأستاذ غير موجود. وهذا الوهم الذي يتمسك به كثير من الكافرين قديم قدم الكفر كما انه أثراً عن أمراض في النفس والقلب وليس أثراً عن فكر سوي أو عقل مستقيم أو إنصاف في تحقيق فقد حدثنا القرآن الكريم أن الكافرين في كل عصر كانوا يشترطون للإيمان أن يحسوا عن طريق السمع أو الرؤية وقد ذكر القرآن علل هذا الاشتراط وهي ذاتها الأمراض التي ينتج عنها هذا التصور الفاسد والكلام الخاطئ ويحدد القرآن أسباب هذا الطلب بأنها الجهل والكبر والانحراف والظلم

    1- الجهل:
    قال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" البقرة : 118 يلاحظ في الآية أنها أشارت إلى أن هذا القول ليس كلام عالمين بل كلام جهال وان هذا الكلام ليس جديدا بل هو منطق الكافرين قديما وحديثا وذلك اثر عن تشابه القلوب وأخيراً فإنها تقرر أن الطريق إلى الله آياته أي آثاره التي تدل عليه.

    2- الكبر:
    قال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ" الفرقان : 21-22
    وكما رأيناهم في الآية الأولى يريدون أن يسمعوا نراهم هنا يريدون أن يروا ولكن من هم الذين يريدون أن يروا إنهم الذين يتصورون أن الحياة الدنيا هي كل شيء وليس وراءها إلا العدم وكما ردت الآية الأولى عليهم بطريق غير مباشر كذلك بينت هذه الآية أن عالما غير هذا العالم وفي قوانين غير هذه القوانين يرى الكافرون الملائكة أما قوانين هذا العالم العادية فليس فيها للحواس من عالم الغيب نصيب وإذا كان الملائكة في قوانين هذا العالم العادية لا ترى فأولى إذن أن تكون الذات الإلهية كذلك كما بينت الآية أيضاً أن الكبر وحده هو الذي دفعهم إلى مثل هذا المنطق وليس الوضع السوي للإنسان الذي يرغب بالحق ويسلك طريقه الصحيح.

    3-الانحراف:
    وآية أخرى تحدثنا عن أحد فراعنة مصر إذ يقول: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ" غافر : 36-37
    والآية كما ترى تضمنت الرد في قولها وصد عن السبيل فليس ما تصوره فرعون طريقا يعرف به الله هو الطريق الصحيح بل هو طريق خاطئ.

    4- الظلم:
    وآية أخرى تحدثنا أن اليهود طلبوا هذا الطلب ظلما: "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" البقرة : 55 وفي موضع آخر: "فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ" النساء : 153
    وكما ردت الآية الأولى على أمثال هؤلاء بشكل ضمني فكذلك هنا أشعرتنا بالرد بكلمة بظلمهم فليس العدل هو الذي دفعهم إلى أن يطلبوا مثل هذا الطلب بل الظلم؛ ظلم النفوس للحق إذ تعرفه وتتنكر له وكما طابق قول الكافرين اليوم قولهم قديما في هذا الموضوع كذلك يطابق تهجمهم في الماضي تهجمهم اليوم ففي الماضي يقص علينا القرآن قصة تهجمهم فيقول : "قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ" الأنبياء : 4-5 فقد اتهموا المؤمنين بالله بأنهم: متوهمون وكاذبون وعاطفيون وأصحابهم يتهمون المؤمنين بأنهم: غير علميين وغير صادقين ومشوشون ومخدوعون ولئن سار على هذه الدروب كثير من الناس فليس للمسلم صاحب القلب الكبير أن يقتفي أثر الضالين فيقع فيما حذره الله منه "أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" البقرة : 108

    2- الطريق إلى الله: آياته:
    وإذن فمثل ذلك الطريق لن يصل بنا إلى غاية في موضوع التعرف على الذات الإلهية فتحديد الطريق ومعرفته أساس لكي نصل إلى الهدف. إن الطريق إلى الله هي آثاره التي تدل عليه وهي طريق وحيد والعقل والفكر والعلم شروط أساسية لسالك هذا الطريق إذ بدون عقل لن نعرف الآية وبدون فكر لن يعرف صاحبها وبدون علم لن تكون معرفة للآية أو لصاحبها ولعل هذا الكلام مستغرب عند الملحدين إذ انهم يعطون لأنفسهم دائما ألقاب: العلمانيين والعقلانيين والأحرار والمفكرين ولكن الدعوى بدون دليل ليس لها أي قيمة علمية وسيكون في كل ما نكتبه في هذا البحث دليل إن شاء الله تعالى على صحة ما قلناه وهدم ما ادعوه: "وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ" الشورى : 16
    " وسيأتيك بيان ذلك أما الآن فنقول: المتأمل أدنى تأمل للقرآن يرى أن القران يلفت النظر بشكل واضح وواسع العقل والفكر والعلم والآثار وهي الشروط الأساسية لمعرفة الله "قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" الأحقاف : 46 أي هل هناك ذرة من علم تشهد أن غير الله هو الخالق فإذا ما أنكر الناس ربهم فليس ذلك دليلا على العلم بل هو دليل هو الجهل "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" الحج : 8 / لقمان : 20ولكنه ليس الجهل المطلق المجرد عن آية معرفة بل هو جهل خاص ذكره الله تعالى بقوله: "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" الروم : 7 وقوله تعالى: "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ" النجم : 29-30

    إن الإكثار من ذكر العلم والفكر والعقل في القرآن ظاهرة تلفت النظر لقوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" الرعد : 4 وقوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الرعد : 3 وقوله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" الروم : 22 وقوله تعالى: "قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" يونس : 101

    ومن ثم فإن المتأمل للقرآن يدرك أن الإسلام يفرض على المسلم أن يفكر ويفرض عليه أن يتعلم وأن العلم والفكر جزآن من شخصية المسلم في الوقت اللذان هما عند غير المسلم شهوة يتسلى بها أو باب معاش يرتزق منه أو هواية عند بعض الأفراد. وإذ يفرض الإسلام العلم فلأنه بالعلم يعرف الإسلام حقاً قال تعالى: "وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ" سبأ : 6

    وسندرس في الصفحات القادمة إن شاء الله تعالى آيات الله لنتبين الحقيقة السافرة تلك التي تقول إن الكافرين بالله أضلوا قلوبهم إذ لم يهتدوا إليه وان المؤمنين هدوا قلوبهم إذا اهتدوا إليه "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" التغابن : 11 وأن مثل الكافر الذي لم يشاهد الله بعقله بعد رؤيته آياته كمثل حامل أسفار لا يعرف قيمتها ولا مؤلفها فينسبها إلى المجهول المعدوم وسنرى كذلك إن شاء الله انه ليست قلة الآيات ولا غموضها هي التي أدت بالكثير إلى الكفر بل الآيات من الكثرة بحيث لا تعد ومن الوضوح بحيث لا تخفى ولكن السر في الإنسان ذاته السر في إعراضه هو عن الآية في كبره عن الاعتراف بالحق في عدم تعرفه على الحقيقة في انحرافه عن فطرة الإنسان وأخلاق الإنسان في انغلاق قلبه وعماه حتى لو حركته القدرة الإلهية بشكل معجز لبقي مصراً على الإنكار ويحدثنا القرآن عن أمثال هؤلاء فيقول تعالى: "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ" الحجر : 14-15 وقال تعالى: "وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ" القمر : 2 وقال تعالى: "وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف : 105
    وفي هذا المقام نحب أن نسأل: ترى هل الله هو الذي يحتاج إلينا كي نؤمن به أم نحن الذين نحتاج أن نؤمن من أجل أنفسنا؟ والجواب: "فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" آل عمران : 97
    وإذن فلنحرر أنفسنا من أجل أن نكون أهلاً لرؤية آيات الله:

    من الكبر: لأن الله لا يري قلباً متكبراً آياته قال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ" الأعراف : 146

    ولنحرر أنفسنا من الظلم والكذب "وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" آل عمران : 86 قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" الزمر : 3


    ولنحرر أنفسنا من الإفساد في الأرض ونقض العهد وتقطيع أواصر ما ينبغي أن يوصل قال تعالى: "وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" البقرة : 26- 27

    ولنحرر أنفسنا من الغفلة: إن أردنا أن تنكشف آيات الله كلها لنا فإن بعضاً من آيات الله يتكشف للإنسان بمجرد الفكر إن لم تكن هناك موانع أخرى بمجرد العقل: ومثال تلك وهذه كل آية في القرآن قد قال تعالى عنها: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الرعد : 3 وقال تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" الرعد : 4 ولكن آيات الله كلها لا تتكشف لقلب إلا إذا اجتمع لصاحبه فكر مع ذكر "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" آل عمران : 190-191
    وما أعرض معرض عن الله إلا لغفلة ولا غفلة إلا وراءها لعب ولهو والحياة الدنيا كلها لعب ولهو قال تعالى: "أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ" الحديد : 20
    قال تعالى: "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ" الأنبياء : 1-3

    ولنحرر أنفسنا من الإجرام قال تعالى: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" المطففين : 14 وكذلك قال تعالى: "كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ" الحجر : 12-13

    ولنحرر أنفسنا من التردد في قبول الحق إذا رأيناه صريحا "وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" الأنعام : 110 وساعتئذ فإن آيات الله من الإشراق بحيث تغمر كل جوانب قلبك بعد إذ أعددته لتلقي النور ولكن هيهات والقلب قلب شيطان أن يكون أهلا لهداية الرحمن ذلك أن الضباب الكثيف يمنع أشعة الشمس والعطب في العين يمنع الرؤية والمرض في الأذن يمنع السمع وليس الذنب ذنب الماء الفرات إذا وجده المريض مراً قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" المائدة : 41

    فالسر دائما في الإنسان نفسه قال تعالى: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" الصف : 5
    وأما آيات الله فواضحة بينة "وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ" الأنعام : 6
    وآيات الله نراها في ثلاث:
    الكون والقرآن والمعجزات والكرامات وقد عبر القرآن عن كل من هذه الثلاثة بأنه آية تدل عليه.
    الكون:
    قال تعالى: "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" الذاريات : 20-21
    وقال تعالى: "وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف : 105
    وقال تعالى: "وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ* وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ" يس : 37-39
    وقال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ* وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ" الروم : 22-23

    القرآن:
    "وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ* أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ" العنكبوت : 50-51
    وقال تعالى: "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" " العنكبوت : 49
    وقال تعالى: "وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ" آل عمران : 101

    المعجزات:
    "وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" آل عمران : 101 "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ" القمر : 1-2 "وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً" هود : 64 "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" آل عمران : 49 ونصوص القرآن تشير إلى أن في الكون آيات كثيرة وليس هو آية واحدة. وفي القرآن آيات وليس فيه آية واحدة فحسب والمعجزات آيات.

    إن عشرات الظواهر في الكون كل واحدة منها تدل على الله وعشرات الظواهر في القرآن كل ظاهرة منها كافية للدلالة على الله والمعجزات ظواهر تاريخية كل ظاهرة منها كافية للدلالة على الله وفي كل ظاهرة آلاف الإشارات كل واحدة منها تدل على الله فالله أقام الحجة على الناس قياماً كاملاً قال تعالى: "رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" النساء : 165
    وقال تعالى: "قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" غافر : 50

    في هذا الكتاب سنعرض آيات الله في الكون مقيمين الحجة على كل كافر ومعاند أن الله موجود وأن له صفات الكمال والجلال والجمال كلها وفي الكتاب الثاني الذي عنوانه الرسول سنرى بعض آيات الله في القرآن وبعض آياته في معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فكما أن القرآن آية تدل على الله وكما أن في المعجزة بشكل مطلق آية تدل على الله فإن في القرآن في الوقت نفسه شهادة على أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله وكذلك في معجزاته ولذلك فقد أخرنا هذين الموضوعين إلى الرسالة الثانية حيث إقامة الدليل على صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى ولا زالت الكرامات في هذه الأمة تتوالى وكل كرامة في هذه الأمة إنما هي معجزة لرسولها عليه الصلاة والسلام ومن ثم فكل كرامة هي في حد ذاتها دليل على صحة رسالة رسولنا ودليل على أن الله موجود إذ الكرامة كالمعجزة في كونها خرقا لعالم الأسباب ومن تأمل ما سنذكره في هذه السلسلة من هذه الظواهر وهي غيض من فيض فإنه لا يسعه إلا أن يكون مسلما مسلّماً لله ورسوله وبعد إذ تبينت لنا ماهية الطريق الموصلة إلى معرفة الله والإيمان به وبعد أن تبين لنا خطأ التصورات المنحرفة عن الطريق وبعد أن عرفنا كيفية انتظام الأدلة في هذه السلسلة ونوع الأدلة التي سيعرضها هذا البحث فلنبدأ عرض ماله صلة ببحثنا هذا بأن نستعرض ظواهر الكون التي تدلنا على الخالق العظيم.
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة الأولى
    ظاهرة حدوث الكون

    ظاهرة حدوث الكون: أي وجوده بعد إذ لم يكن.
    أول ظاهرة تدلنا على الله هي حدوث هذا الكون الذي يدلنا على أن له محدثا وكلما تقدم العلم أعطانا الدليل بشكل أدق وأعمق وأكثر إقناعا على هذه الظاهرة بل ما قدمه العلم من أدلة عليها جعلها في حكم البدهية إذ وضوح الأدلة وتعاضدها لم يبق مجالا للشك فيها فقوانين الحرارة وقوانين الإلكترون والطاقة الشمسية قد قدم كل منها دليلاً واضحا عليها وبتضافر هذه الأدلة يظهر الأمر ظهورا لا يبقى معه مجال للشك هذا عدا عن الأدلة الفطرية والعقلية والقطعية التي ذكرها الربانيون في كل عصر وسنحاول أن نستعرض هذه الجوانب واحدا تلو الآخر لنرى كيف يقدم كل منها الدليل على كون هذا الكون مخلوقا لخالق.

    1- قوانين الحرارة:
    يقول ليكونت دي نوي رئيس قسم الفيزياء في معهد باستور ورئيس قسم الفلسفة في جامعة السوربون في كتابه مصير البشرية: إن أحد وجوه النجاح العظيمة التي حققها العلم الحديث ربط قانون كارنوت كلوزيوس يدعى أيضا "بالقانون الثاني في الترموديناميك" الذي يعتبر مفتاح فهمنا للمادة غير الحية بحساب الاحتمالات وقد أثبت الفيزيائي الكبير بولتزمان أن التطور غير الحي وغير القابل للانعكاس الذي يفرضه هذا القانون يوافق تطورا نحوا حالات أكثر وأكثر احتمالا تتصف بازدياد التناظر وتوازن القدرة وهكذا فإن الكون يميل نحو التوازن حيث تزول جميع عدم التناظرات الموجودة في الوقت الحاضر وتقف جميع الحركات ويسود الظلام التام وقد عبر إدوار لوزكيل عن هذا القانون وكيف أنه يثبت به أن لهذا الكون بداية بما يلي:

    وقد يعتقد بعضهم أن هذا الكون هو خالق نفسه وعلى حين يرى البعض الآخر أن الاعتقاد بأزلية هذا الكون ليس أصعب من الاعتقاد بوجود إله أزلي ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي أي أزلية الكون فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا فهناك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام وينضب منها معين الطاقة ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية ولن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون لذلك فإننا نستنج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزلياً وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود وهكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية وهي بذلك تثبت وجود الله وما كان له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه ولا بد له من مبديء أو من محرك أول أو من خالق هو الإله واستدل فرانك الان عالم الطبيعة البيولوجية على عدم أزلية الكون كذلك بنفس القانون يقول: كثيراً ما يقال إن هذا الكون المادي لا يحتاج إلى خالق ولكننا إذا سلمنا بأن هذا الكون موجود فكيف وجوده ونشأته؟. هنالك أربعة احتمالات للإجابة على هذا السؤال:
    فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال وهو ما يتعارض مع القضية التي سلمنا بها حول وجوده.
    وإما أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم.
    وإما أن يكون أبديا ليس لنشأته بداية.
    وإما أن يكون له خالق.

    أما الاحتمال الأول فلا يقيم أمامنا مشكلة الإحساس والشعور فهو يعني أن إحساسنا بهذا الكون وإدراكنا لما يحدث فيه لا يعدو أن يكون وهما من الأوهام ليس له ظل من الحقيقة فالرأي الذي يدعي أن هذا الكون ليس له وجود فعلي وأنه مجرد صورة في أذهاننا وأننا نعيش في عالم من الأوهام لا يحتاج إلى مناقشة أو جدال.

    أما الرأي الثاني القائل بأن هذا العالم بما فيه من مادة وطاقة قد نشأ هكذا وحده من العدم فهو لا يقل عن سابقه سخفا وحماقة ولا يستحق هو أيضا أن يكون موضعاً للنظر أو المناقشة. والرأي

    الثالث الذي يذهب إلى أن هذا الكون أزلي ليس لنشأته بداية إنما يشترك مع الرأي الذي ينادي بوجود خالق لهذا الكون وذلك في عنصر واحد هو الأزلية وإذا فنحن إما أن ننسب صفة الأزلية إلى عالم ميت وإما أن ننسبها إلى إله حي يخلق وليس هناك صعوبة فكرية في الأخذ بأحد الاحتمالين أكثر مما في الآخر ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجا وأنها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ولا مناص عند حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو أساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو إذن حدث من الأحداث ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية عليم محيط بكل شيء قوي ليس لقدرته حدود ولا بد أن يكون هذا الكون من صنع يديه فالقانون إذن يثبت أن الكون ما دام فيه حرارة فلا يمكن أن يكون أزليا لأن الحرارة لا يمكن أن تنبعث تلقائيا في الكون بعد برودته ولو كان أزليا لكان بارداَ.

    2- قوانين الحركة الإلكترونية:
    والشهادة الأخرى التي تدل على حدوث الكون نجدها في كل ذرة من ذرات الوجود على الإطلاق وذلك أن ذرات الكون كلها مؤلفة من جزيئات كهربائية سالبة وموجبة. الموجبة يطلق عليها اسم البروتون والسالبة يطلق عليها اسم الإلكترون. وأنوية الذرات إلا ذرة الهيدروجين فيها زيادة على ذلك شحنة معتدلة تسمى نيترون والبروتون والنيترون يشكلان نواة الذرة بينما الإلكترونات تشكل الكواكب السيارة لهذه النواة وهي تدور حولها بسرعة هائلة بحركة دائرية إهليلجية وبسبب هذه السرعة الهائلة في حركة الإلكترون يبقى الإلكترون متحركا هذه الحركة إذ لولا هذا الدوران لجذبت كتلة النواة كتلة الإلكترون وعندئذ يكون العجب، إذ في هذه الحالة يصبح جرم كالكرة الأرضية حجم بيضة الدجاجة فالفراغ كبير جدا في عالم الذرة فكتل الجزيئات لا تأخذ إلا حيزاً صغيراً جداً من فراغ الذرة الواسع وذلك أن البعد بين النواة والإلكترونات الدائرة حولها كالبعد بين الشمس وكواكبها السيارة نسبياً. من هذه الدراسة الموجزة للذرة نصل إلى الحقائق التالية:

    أن الإلكترونات في أكثر ذرات الوجود إن لم يكن في كلها في حركة دائمة دائرية.

    وأنه ليس هناك أي دليل في الوجود يدل على أنه يمكن أن يكون هناك وضع آخر للإلكترون كان عليه أولا ثم انتقل إلى هذه الحالة إن لم نحكم باستحالة تصور آخر أقدم من هذا الوضع إذ لو كان لاحتجنا إلى مؤثر جعل إلكترونات الوجود تتحرك بعد خمود فتتوسع الذرة بعد ضيق


    أن في هذا الكون كله مؤلف من نفس الذرات التي عرفنا خصائصها هنا بل من نفس العناصر وهذه الحركة التي نجدها في الإلكترون نجدها في كل جرم في الفضاء وبعد هذه الحقائق نقول: إن الشيء الدائر لا بد أن تكون له نقطة بداية زمانية ومكانية بدأ منها دورته. ولما كانت الإلكترونات والأجرام كلها في حركة دائرية ولما كانت هذه الحركة غير مستأنفة كما يبدو فإذن لا بد أن تكون هناك بداية زمانية ومكانية لحركة الإلكترون وهذه البداية في الحقيقة هي بداية وجود الذرات نفسها وبهذا نكون قد وصلنا إلى أن لهذا الكون بداية ونشأة وخالقا من العدم إذ العدم لا ينتج عنه وجود.

    الطاقة الشمسية: نحب أولا أن نذكر كلمة توضح معنى الأزلية إنه لو وضعنا الرقم 1 وأمامه أصفار ممتدة منه إلى محيط الكرة الأرضية فإن هذا الرقم الكبير من السنين إنما يمثل جزءا كالصفر تقريبا بالنسبة إلى اللانهاية أو اللابداية ونفس الشيء لو كان الرقم 1 أمامه أصفار من أول الكون إلى نهايته فإن هذا الرقم لا يمثل إلا جزءا من اللانهاية يشبه الصفر وكذلك هو بالنسبة للأزل فالذين يقولون بقدم المادة إنما يعطونها هذا المعنى وهذا الذي تثبت الظواهر كلها استحالته حول خلافه والظاهرة هذه كالتي سنتكلم عنها تمثل إحدى هذه الظواهر: من أين تأتي الشمس بطاقتها؟ وكيف تحافظ على حرارتها؟


    وعندما نقول: الشمس فإنما نعني كل نجوم هذا الكون فنجوم هذا الكون كلها شموس صغيرة لبعدها عنا وشمسنا هذه نموذج عنها والسؤالان اللذان ذكرناهما مهمان جدا لأن كل الشموس في حالة عطاء دائم فهي تعطي دائما إشعاعا حراريا يشكل طاقة لقد أضيء معرض شيكاغو الذي أقيم عام 1933 بكامله بواسطة مفتاح ضخم يدار بواسطة شعاع ضئيل كان قد انبعث من نجم السماك الرامح منذ أربعين عاما فما سبب هذه الطاقة في الشموس؟ أجيب على هذا السؤال أكثر من جواب ولكنها لم تكن مقنعة حتى كان الجواب الأخير وهو إن ذرات هذه الشموس تتحطم في قلبها المرتفع الحرارة جدا وبواسطة هذا التحطم الهائل الواسع المستمر تتولد هذه الطاقة الحرارية التي لا مثيل لها وكما هو معلوم فإن الذرة عندما تتحطم تفقد جزءا من كتلتها حيث يتحول هذا الجزء إلى طاقة وإذن فإن كل يوم يمر على أي شمس معناه فقدان ولو جزء بسيط من كتلتها.

    إن الشمس مثلا تفقد كل يوم كذا كيلو غرام ومثلها بقية النجوم فلو كانت هذه الشموس قديمة أزلية فهل يمكن أن تكون في وضعها الحالي أو أنها تكون قد استنفدت وانتهى أمرها والأزل كما رأيناه هو الأزل ونحن لم ننس أن قسما من هذه الطاقة التي تصرفها الشموس يتحول إلى مادة ولكن نسبة التحول إلى غير التحول تبقى ضئيلة كنسبة النجوم إلى الفضاء وكلامنا ليس في جزء من الكون يفقد ويعوض فقد يوجد مثل هذا التوازن أحيانا ولكن كلامنا في الكون كله إذ ما دام الفضاء عظيما فحتما سيضيع قسم كبير من هذه الطاقة ولا يتحول: إلى مادة وما دام هناك شعاع واحد يمكن أن نتصوره لا يصطدم بمادة حتى يعيد تشكله المادي بشكل ما من جديد فإن تصور أزلية الكون القحالي مستحيلة إذ شعاع واحد على مدى الأزل كاف لاستنفاد طاقة الوجود كله أما الكلام بأن الكون كله كان في الأصل طاقة فتحولت إلى مادة وهو الآن مادة يتحول إلى طاقة ومن ثم سيكون مادة وهكذا فالمغالطات فيه واضحة ذلك أن الطاقة كطاقة إنما تظهر إذا وجدت مادة ما تقوم بها فالطاقة تحتاج إلى ذات وبدون ذات تكون أشبه بمعدوم أو بتعبير العلماء القدامى: الطاقة عرض تحتاج إلى جوهر لتظهر فيه فإشعاع الشمس عندما يصادف الأرض مثلا تأخذ ذرات الأرض حرارته وبهذا تصبح ذرات الأرض مشحونة بالطاقة الحرارية ولكن إذا لم يصادف هذا الشعاع مادة فهل سيتحول نفسه إلى ذرة مادية على الأقل لم يقل بهذا أحد حتى الآن وبهذا يتضح بما لا شك فيه أن هذا الكون ليس قديما وأن له بداية وأنه لا يتصور وجوده لولا أن له خالقا هذا الخالق هو ابتدأ خلقه ووجوده بعد إذ لم يكن.

    وقد عبر علماء التوحيد القدامى عن قضية حدوث الكون وابتدائه من العدم بقدرة الله على الشكل التالي: نظروا إلى الكون فوجدوا ما فيه على نوعين: نوع يقوم بذاته ونوع لا يقوم بلا ذات فمثلا الجسم يقوم بذاته لكن المرض لا يكون بلا جسم والذرة تقوم بذاتها ولكن الحرارة لا تكون بلا ذات وسموا ما يقوم بذاته الجوهر ومالا يقوم إلا بالجوهر عرض فالذرة جوهر وحرارتها عرض والجسم جوهر والصحة عرض وقالوا: إن الجوهر لا ينفك عن الأعراض فما رأينا جوهرا إلا ويلازمه عرض ما وكل عرض حادث فالظلام حادث فمنذ فترة كان قبله نهار والنهار حادث فمنذ فترة كان قبله ليل وحرارة الذرات مهما كانت فإن لها بداية وإذا كان لا جوهر إلا بعرض فلا جوهر إلا وله بداية فالكون جواهره وأعراضه كله حادث وليس أزليا

    مناقشة سؤال: ويثير الناس عند الوصول إلى هذه الحقيقة السؤال التقليدي: من خلق الله الذي خلق الخلق وفي مضمون السؤال الجواب عليه فالله حق وكونه خالقا يجعلنا لا نتصور أنه مخلوق إذ لو كان مخلوقا لما استطاع أن يخلق ألا ترى أن الإنسان مثلا مع كل ما أوتي من إمكانيات لم يستطع أن يخلق شيئا من عدم فكيف نتصور خالق هذا الكون مخلوقا.

    يقول الأستاذ البنا رحمه الله مجيبا هؤلاء الذين يسألون هذا السؤال: إذا وضعت كتابا على مكتبك ثم خرجت من الحجرة وعدت إلها بعد قليل فرأيت الكتاب الذي تركته على المكتب موضوعا في الدرج فإنك تعتقد تماما أن أحدا لا بد أن يكون قد وضعه في الدرج لأنك تعلم من صفات هذا الكتاب أنه لا ينتقل بنفسه احفظ هذه النقطة وانتقل معي إلى نقطة أخرى لو كان معك في حجرة مكتبك شخص جالس على الكرسي ثم خرجت وعدت إلى الحجرة فرأيته جالسا على البساط مثلا : فإنك لا تسأل عن سبب انتقاله ولا تعتقد أن أحدا نقله من موضعه لأنك تعلم من صفات هذا الشخص أنه ينتقل بنفسه ولا يحتاج إلى من ينقله احفظ هذه النقطة الثانية ثم

    اسمع ما أقول لك: لما كانت هذه المخلوقات محدثة ونحن نعلم من طبائعها وصفاتها أنها لا توجد بذاتها بل لا بد لها من موجد. عرفنا أن موجدها هو الله تبارك وتعالى ولما كان كمال الألوهية يقتضي عدم احتياج الإله إلى غيره بل إن من صفاته قيامه بنفسه عرفنا أن الله تبارك وتعالى موجود بذاته وغير محتاج إلى من يوجده وإذا وضعت النقطتين السابقتين إلى جانب هذا الكلام اتضح هذا المقام والعقل البشري أقصر من أن يتورط في أكثر من ذلك وقد كان علماء التوحيد يرون أن مثل هذا السؤال لا معنى له. فيقولون: إذا سرنا مع السائلين شوطا عندما سألوا: من خلق الله فقلنا لهم: غيره ومن خلق غيره غيره ومن خلق الثالث آخر وماذا بعد ذلك فإنه بالتالي لا بد أن نصل في النهاية إلى ذات لا بداية لها ولا خالق هذه الذات التي لا بداية لها ولا خالق هي الذات الإلهية وكل جواب في الوسط لا معنى له في النهاية.

    فهناك خالق ومخلوق ولا يمكن أن يكون للخالق خالق والحقيقة أن يسأل مثل هذا السؤال إما هازل والجواب عليه إعراض عنه أو متوهم والجواب عليه إزالة سبب التوهم وسبب توهمه أنه رأى كل شيء موجود محتاجا إلى خالق فتصور أن هذا القانون يسري على الخالق نفسه وهذا خطأ فليس شرطا حتميا أن تنطبق على الصانع نفس القوانين التي يخضع لها المصنوع إذ المصنوع والقوانين التي يخضع لها من صنع الصانع وفي حدود العالم نفسه نجد أن ما صنعه الإنسان لا تسري عليه حالات الإنسان فالإنسان يمشي تلقائيا ويريد ويعلم ويدرك ويفكر ويأكل ويشرب ويمس ويشتهي فهو شيء وما يصنعه شيء آخر ولكل خصائصه وهذا الكون شيء وخالقه شيء آخر وللكون خصائصه وللذات الإلهية صفاتها وفي غالب الأحيان يكون صاحب السؤال من الذين لا يؤمنون بالله

    والجواب على مثل هذا أن نقول له: إننا جميعا متفقون على أن هناك شيئا قديما لا بداية له ولا خالق أنت تقول: إن هذا الشيء القديم هو المادة ونحن نقول هذا الشيء القديم هو الله وقد أثبتت العلوم كلها أن المادة غير قديمة فلم يبق إلا أن يكون الله هو القديم وقد ذكرنا في الصفحات السابقة بعضا مما قالته العلوم وننقل الآن أقوالا أخرى لبعض علماء الطبيعة في نفس الموضوع مختتمين بها الحديث عن هذه الظاهرة يقول جون كوشران: تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية ومعنى ذلك أيضا أنها ليست أزلية إذ أن لها بداية وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية بل وجدت بصورة فجائية وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه المواد ويقول ايرفنج وليام: فعلم الفلك مثلا يشير إلى أن هذا الكون بداية قديمة وأن الكون يسير إلى نهاية محتومة وليس مما يتفق مع العلم أن نعتقد بأن هذا الكون أزلي ليس له بداية أو أبدي ليس له نهاية فهو قائم على أساس التغير هذا كلام هؤلاء على كفرهم إذ الإيمان بالله له مستلزمات لم يقم بها هؤلاء إلا أن علمهم بقوانين الكون أوصلهم إلى هذه الحقيقة الخالدة والقائمة في كل فطرة والبدهية عند كل عقل مستقيم والله عز وجل يقول: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" الطور : 35 . "أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ" الطور : 36
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة الثانية
    ظاهرة الإرادة

    إن هناك فرضيات ثلاث يمكن أن تذكر أثناء الحديث عن الكون وما فيه؛ كتعليل لوجوده على ما هو عليه :
    1- أن يكون من صنع الله
    2- أن يكون من صنع ذرات المادة وأجزائها وعناصرها عن قصد وإرادة وعناية منها أي أن عناصر المادة الأصلية فكرة دبرت واتفقت على صنع تنوعات هذا العالم بهذه الأشكال والصور التي نراها
    3- أن يكون الكون بما فيه قد يكون بطريق المصادفة أي أن الجزيئات الكهربية التي منها تتألف ذرات هذا كالكون وجدت مصادفة وكان بعضها سالبا والآخر موجبا والأخير معتدلا مصادفة وكل جزيء سالب التقى بجزيء موجب مصادفة ومجموعة متدرجة من الواحد إلى 238 من الجزيئات الموجبة شكلت مع بعضها نوى مصادفة والجزيئات السالبة أخذت تدور حول هذه النوى مصادفة وكان بين النواة والكهارب فراغات لولاها لكان جرم كالأرض بحجم البيضة مصادفة ووجود المدارات الثابتة لكل ثمانية كهارب كان مصادفة ووجود إمكانيات التحاد بين العناصر لتشكل مركبات جديدة بسبب نقص الالكترونات عن الثمانية في غلافات بعض الذرات كان مصادفة واتحاد العناصر واجتماعها لتتكون هذه الأجرام الهائلة من الشموس كان مصادفة والحرارة الموجودة في الشموس والإشعاع والترتيب كان مصادفة ثم الأرض بوضعها الحالي الصالح للحياة: قشرتها هواؤها ماؤها جبالها حجمها وجدت مصادفة ثم الحياة بتنوعها وتركيبها وأجهزتها المعقدة وجدت مصادفة ثم الإنسان: بعقله وفكره وتركيبه وروحه وأخلاقه واستعداداته الخيالية والتصويرية والعلمية وإمكاناته للتسخير كل هذا وجد مصادفة هذه افتراضات ثلاث لا يمكن أن يفترض غيرها لتعليل وجود هذا الكون على ما هو عليه.

    أما الفرض الأول: فيقول به المؤمنون وأما الفرض الثاني فلا يقول به أحد وأما الفرض الثالث فيقول به الماديون وإذن فنحن أمام فرضين فقط إما أن يكون هذا الكون بتنوعاته من صنع صانع له إرادة طبقا لمبدأ السببية وإما أن يكون نتيجة المصادفة ومهمتنا أن نرى أياً من الفرضين يقوم عليه البرهان وأياً منهما لا دليل عليه ولا برهان؛ إذ أن المصادفة في حد ذاتها تكون أحيانا ممكنة وتكون أحيانا في حكم المستحيلة عقلا وسنضرب أمثلة تبين حالة الإمكان وحالة الاستحالة: خذ لوحا واغرز فيه إبرة وضع في ثقبها إبرة ثانية أخرى وقل لي: إذا رأى الإنسان هاتين الإبرتين وسأل كيف أدخلت الثانية في ثقب الأولى فأخبره إنسان معروف بالصدق أن الذي أدخلها رجل وضعها بيده في شق الإبرة الأولى ثم أخبره إنسان آخر معروف بالصدق أيضا أن الذي ألقاها صبي صغير ولد من بطن أمه أعمى فوقعت في الشق بطريق المصادفة فأي الخبرين يصدق؟

    لا ريب أنه يميل إلى تصديق الخبر الأول ولكنه أمام صدق المخبرين يرى أن المصادفة ممكنة فلا يجزم بترجيح أحد الخبرين على الآخر ولكن إذا رأى هذا الرجل إبرة ثالثة مغروزة في شق الثانية أيضا فهل يبقى عدم الترجيح على حاله؟ الحقيقة أنه يتقوى ترجيح القصد على المصادفة ولكن لا يزال للمصادفة محل ولو كان ضعيفا فإذا ما رأى الرجل أن هناك عشر إبر كل واحدة منها مغروزة في ثقب الأخرى التي تليها فهل يبقى ترجيح فكرة القصد على وضعه السابق الحقيقة أن ترجيح فكرة القصد يتقوى لدرجة تكاد تتلاشى فيها فكرة المصادفة وكلما ازداد تعقيد المسألة أكثر دنت فكرة المصادفة من الاستحالة.

    فمثلا لو قلنا: إن الإبر العشر مرقمة بخطوط لكل واحدة منها رقم من الواحد إلى العشرة وقيل لنا في الخبر: إن الصبي الأعمى أعطي كيسا فيه هذه الإبر العشر مخلوطة مشوشة وإنه كان يضع يده في الكيس ويستخرج الإبر تبعا على ترتيب أرقامها بطريق المصادفة ويلقيها اعتباطا فتقع الأولى في شق المغروزة في اللوح وتقع الثانية في الأولى والثالثة في الثانية والرابعة في الثالثة وهكذا حتى أتم إدخال الإبر العشر بعضها في بعض على ترتيب أرقامها بطريق المصادفة ثم إذا تعقدت المسألة أكثر بحيث جعلنا بدل الصبي الهواء أو الماء أو العدم فماذا يكون موقف الإنسان في هذه الحالة هل يصدق خبر من يقول بالمصادفة أو خبر من يقول أن هناك ذاتا ذات إرادة وبصر هي التي فعلت هذا؟ لا شك أن الإنسان العاقل يرجح ترجيحا مطلقا بالبداهة أن الثاني هو الصادق وسبب هذا الترجيح يعود إلى أن للمصادفة قانونا رياضيا عاقلا لا يمكن الخروج عنه وهو: أن حظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانيات المتكافئة المتزاحمة فكلما قل عدد الأشياء المتزاحمة ازداد حظ المصادفة من النجاح وكلما كثر عددها قل حظ المصادفة فإذا كان التزاحم بين شيئين اثنين متكافئين يكون حظ المصادفة بنسبة واحد ضد اثنين وإذا كان التزاحم بين عشرة يكون حظ المصادفة بنسبة واحد ضد عشرة وذلك لأن كل واحد له فرصة للنجاح مماثلة لفرصة الآخر بدون أقل تفاضل طبعا وإلى هنا يكون الحظ في النجاح قريبا من المتزاحمين حتى لو كانوا مائة أو ألفا ولكن متى تضخمت النسبة العددية تضخما هائلا يصبح حظ المصادفة في حكم العدم بل المستحيل ولإدراك المسألة بشكلها الواسع الواضح فلنقرأ هذا المثال:

    افرض أنك تملك مطبعة فيها نصف مليون حرف مفرقة في صناديقها فجاءت هزة أرضية قلبت صناديق الحروف وبعثرتها وخلطتها ثم جاءك منضد الحروف يخبرك بأنه قد تألف من اختلاط الحروف بالمصادفة عشر كلمات متفرقة غير مترابطة المعاني فالقضية تكون في هذه الحالة قابلة للتصديق جدا ولو قال لك: إن الكلمات العشر ألفت جملة مفيدة كاملة تستبعد ذلك ولكن لا تراه مستحيلا ولكن لو أخبرك أن حروف المطبعة بكاملها تشكلت وكونت عند اختلاطها بالمصادفة كتابا كاملا من 500 صحيفة يتضمن قصيدة واحدة تؤلف بمجموعها وحدة كاملة مترابطة منسجمة بألفاظها وأوزانها لا شك أنك في هذه الحالة ترى الاستحالة بدهية وواضحة والسبب في رؤية الاستحالة يعود إلى قانون الصدفة نفسه فإذا علمنا أن نسبة خروج الأرقام العشرة متسلسلة في مسألة الإبر هو 1 إلى العشرة مليارات ولو كانت الإبر 12 لكان احتمال خروجها متتابعة واحد إلى ألف مليار ولو كانت 21 لأصبح حظ المصادفة بنسبة واحد ضد ألف مليار مليار فكيف بالتزاحم الذي يجري بين 500 ألف حرف لتكوين 125 ألف كلمة تقريبا بأشكال وترتيبات لا تعد ولا تحصى أبدا إن النتيجة هائلة لدرجة أن نسبة الاحتمالات في حدوث ذلك لا تحيط بها أرقام اللغة ولكي نعرف معنى كلمة 500 ألف وحرف و125 ألف كلمة و28 حرف هجائي لندرس هذا النقل العلمي.

    إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية وهي تتكون من خمسة عناصر هي: الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأوكسجين والكبريت ويبلغ عدد الذرات في الجزيء البروتيني الواحد 40000 ذرة ولما كان عدد العناصر الكيماوية في الطبيعة 92 عنصرا موزعة كلها توزيعا عشوائيا فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزيئا من جزيئات البروتين يمكن حسابه بمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطا مستمرا لكي تؤلف هذا الجزيء ثم لمعرفة طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد وقد قام العالم الرياضي السويسري تشارلز يوجين جاي بحساب هذه العوامل جميعا فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد إلا بنسبة 1 إلى 10 أي بنسبة واحد إلى الرقم 10 مضروبا في نفسه 160 مرة وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه بكلمات وينبغي أن تكون كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد أكبر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات.

    يقول ليكونت دي نوي: يجب أن تتصور حجما أكبر من الكون الأنشتايني بسكستيليون سكستيليون مرة ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات قدرها العالم السويسري بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين 10 أس 243 إن البروتينات تتكون من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية فكيف تتآلف ذرات هذه الجزيئات إنها إذا تآلف بطريقة أخرى غير التي تتآلف بها تكون غير صالحة للحياة بل تصير في بعض الأحيان سموما وقد حسب العالم الإنكليزي ج . ب ليتز الطرق التي يمكن أن تتآلف بها الذرات في أحد الجزيئات البسيطة من البروتينات فوجد أن عددها يبلغ الملايين 10 أس 48 وعلى ذلك فإنه من المحال عقلا أن تتآلف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئا بروتينا واحدا. ولقد ذكرنا هذا النص لنرد مباشرة على من يقول إن مالا يحدث في هزة واحدة يمكن أن يحدث في غيرها إلى ملايين الهزات لنبين الزمن الهائل الذي نحتاجه لتكوين جزيء واحد فيه خمسة عناصر مع ملاحظة أن أقصى تقدير لعمر الكون خمسة بلايين سنة فخمسة عناصر في جزيء واحد يمكن أن يكون تشكيلاتها 10 أس 48 نوع فكيف ب28 حرف هجائي تريد أن تشكل قصيدة مؤلفة من 125 ألف كلمة مجموع حروفها 500 ألف حرف بتسلسل معين بفكر معين بنظم معين وعلى ضوء هذا الذي ذكرناه نذكر كلمات علماء التوحيد المسلمين في هذا الموضوع فإن لها علاقة وثيقة بنظرية الاحتمالات للوصول بالنهاية إلى المراد. يتحدث علماء التوحيد عن الكون كحديثهم عن كل الممكنات التي يمكن أن تكون ويعددون هذه الممكنات فيقولون:
    الممــــكنـــــات المتقابلات وجودنا والعدم الصـفات
    أزمنـــة أمكـــــنة جهـات كذا المقادير روى الثقات

    فإذا كان هذا الكون من الممكنات فكل ممكن يمكن أن يكون موجودا ويمكن أن يكون معدوما ويمكن أن يكون على صفة ويمكن أن يكون على صفات كثيرة لا تعد ويمكن أن يكون في زمان ويمكن أن يكون في أزمنة أخرى ويمكن أن يكون في مكان ويمكن أن يكون في أمكنة أخرى ويمكن أن يكون بمقدار ويمكن أن يكون بمقادير أخرى وبالتالي فكل جزء من أجزاء هذا الكون تنطبق عليه هذه المعاني فإذا كان من بين هذه الممكنات كلها يختار دائما واحد هو الأحكم والأحسن والأكثر نظاما ولو كان غيره لكان الخلل والفوضى فلا بد إذن من وجود إرادة عليا رجحت أحد وجوه الاحتمال والمكان وبعد هذا كله وقبل أن نصوغ مسألتنا في صيغتها الأخيرة نقول: إن المسألة في موضوع الكون أعتقد بكثير من المثالين اللذين ضربناهم ففي مثال الطفل والإبر أو مثال المطبعة والحروف. الإبر موجودة بثقوبها بإمكانية الغرز فيها ذراتها متآلفة مع بعضها على ترتيب معين من معدن معين. والطفل موجود وعنده إمكانية الرمي وله إرادة تتوجه حتى يرمي وإن كان أعمى. وحروف المطبعة موجودة وهذا حرف كذا وذلك حرف معين وذراتها مجتمعة حتى تكون هذا الحرف وموجودة بجانب بعضها ومصفوفة في صناديقها وهناك شيء اسمه هزة أرضية لها قوانين. أما في موضوع الكون فإن القضية من التعقيد لدرجة لا تستطيع أن تحيط بها عقول البشر كافة مما يجعل الصدفة مستحيلة التصور في حد ذاتها بل الوقوع.

    ونبدأ الآن في صياغة المسألة: هذا الكون مؤلف من عناصر واحدة: بنجومه وشموسه ومجراته وأرضه يبلغ عدد هذه العناصر أكثر من مئة وهذه العناصر نفسها عبارة عن شحنات كهربائية بعضها موجب والآخر سالب وبعضها معتدل ويسمى الموجب البروتون والسالب إلكترون والمعتدل نيوترون وعدد الإلكترونات في مدار الذرة الخارجي يكون مطابقا لعدد البروتونات التي في نواتها فإذا كان في نواتها بروتون واحد كان في المدار إلكترون واحد كما في الهيدروجين وإذا كان في النواة بروتونان كان في المدار إلكترونان وهكذا يتدرج العدد واحد من أخف العناصر وزنا ذريا إلى أثقلها وهو الأورانيوم وبهذا التعادل العجيب بين الإلكترونات السالبة والبروتونات الموجبة تتعادل كهربائية الذرة أما النيوترونات المحايدة فإن عددها في نواة الذرة قل أو كثر لا يتعادل مع عدد الإلكترونات واختلاف العناصر أثر عن اختلاف عدد البروتونات والإلكترونات في ذرة كل منها فالفارق بين الهيدروجين والأورانيوم؛ أن الأول فيه بروتون واحد وإلكترون واحد بينما الأورانيوم فيه 238 بروتون و238 إلكترون والعناصر هذه التي يتشكل منها الكون كله وهي نفسها موجودة تقريبا في كل جرم فنفس العناصر الموجودة في الأرض موجودة في الشمس وكذلك في كل نجم موجود في هذا الفضاء وإذن فكل هذه المجموعة من العناصر تجتمع مع بعضها بكتل عظيمة لتشكل جرما وكل جرم له نفس القوانين التي للأجرام الأخرى وهذه الأجرام كلها لها مداراتها المنظمة لكل مداره الذي لا يصطدم فيه مع أي جرم آخر رغم السرعات الهائلة التي يسير فيها حتى إن احتمال اصطدام نجم مع آخر كاحتمال اصطدام سفينتين في المحيط الهندي والأخرى في المحيط الأطلسي وشمسنا نحن واحدة من هذه الأجرام التي لها نفس خصائصها وقوانينها ويتبع شمسنا كواكب سيارة إحداها الأرض التي نعيش عليها والتي ظهرت فيها الحياة ثم:

    لو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي عليه بمقدار بضع أقدام لامتص ثاني أكسيد الكربون والأكسجين ولما أمكن وجود الحياة.

    ولو كان الهواء أقل ارتفاعا مما هو عليه فإن بعض الشهب التي تحترق بالملايين كل يوم في الهواء الخارجي كانت تضرب في جميع أجزاء الكرة الأرضية وكان في إمكانها أن تشعل كل شيء قابل للاحتراق.


    ولو أن شمسنا أعطت نصف إشعاعها الحالي لكنا تجمدنا ولو أنها زادت بمقدار النصف لكنا رمادا منذ زمن بعيد.

    ولو كان قمرنا يبعد عنا 20000 ميلا بدلا من بعده الحالي ولم لا وقمر المريخ يبعد عنه 60000 ميل لكان المد يبلغ من القوة بحيث أن جميع الأرضي تغمر مرتين في اليوم بماء متدفق يزيح الجبال نفسها.


    ولو كان ليلنا أطول مما هو عليه الآن عشر مرات لأحرقت شمس الصيف الحارة نباتاتنا في كل نهار وفي الليل يتجمد كل ما نبت على الأرض.

    ولو كان الأوكسجين بنسبة 50 بالمئة أو أكثر من الهواء بدلا من 21 بالمئة فإن جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة أن أول شرارة في البرق تصيب شجرة لا بد أن تلهب الغابة كلها ولو كانت نسبة الأوكسجين 10 بالمئة لتعذر أن يكون التمدن الإنساني على ما هو عليه اليوم.


    ولولا المطر لكانت الأرض صحراء لا تقوم حياة عليها فلولا الرياح والبحار والمحيطات لما كانت حياة ولولا أن الماء يتبخر بشكل يخالف تبخر الملح لما كانت حياة ولولا أن البخار أخف من الهواء لما كانت الحياة.

    ولو كانت مياه المحيطات حلوة لتعفنت وتعذرت بعد ذلك الحياة على الأرض حيث إن الملح هو الذي يمنع حصول التعفن والفساد ولولا أن الكلور يتحد مع الصوديوم لما كان ملح وبالتالي ما كانت حياة.


    ولو كانت الأرض كعطارد لا يدير إلا وجها واحدا منه نحو الشمس ولا يدول حول محوره إلا مرة واحدة في خلال الدورة الكاملة للشمس أو بتعبير آخر لو كان قسم من الأرض ليلا دائما والآخر نهارا دائما لما عاش أحد حيث الليل قائم أو النهار دائم ولا كانت حياة.

    ولو لم تكن قوانين الجاذبية موجودة فمن أين تلتقي الذرات وجزيئات الذرات ومن أين تكون الشمس شمسا والأرض أرضا ولو كانت فمن أين تبقى في مكانها الحالي ولو بقيت فكيف تكون الحياة وكيف يسير الإنسان.


    وبوجود قانون الجاذبية لو كانت الأرض صغيرة كالقمر أو حتى لو كان قطرها ربع قطرها الحالي لعجزت عن احتفاظها بالغلافين الجوي والمائي اللذين يحيطان بها ولصارت الحرارة بالغة حد الموت.

    ولو كانت الإلكترونات ملتصقة بالبروتونات داخل الذرة والذرات ملتصقة ببعضها بحيث تنعدم الفراغات لكانت الكرة الأرضية بحجم البيضة فأين يمكن أن يكون الإنسان وغيره وعندما تكون المسألة كذلك يتغير كل ما نشاهده الآن على فرض وجود جرم بحجم الأرض بدون فراغات بين جزيئات ذراته.


    ولو كانت العناصر لا تتحد مع بعضها لما أمكن وجود تراب ولا ماء ولا شجر ولا حيوان ولا نبات إن مواقع الإلكترونات في غلاف الذرة أي في المدار الخارجي تنتظم في ترتيب معين فهي لا تزيد عن ثمانية إلكترونات إلا في المدار الأول فإنه لا يتسع لأكثر من إلكترونين فإذا بلغ عدد الإلكترونات في المدار الأخير الثمانية يفتتح مدار آخر فمثلا إذا كان للعنصر أحد عشر إلكترونا اتخذ اثنان المدار الأول والمدار الثاني يتسع لثمانية فقط فيتخذ الإلكترون المتبقي مدارا ثالثا وهكذا بحيث لا تزيد إلكترونات المدار الخارجي عن ثمانية علما بأن بعض المدارات الداخلية تتسع لأكثر من ثمانية إلكترونات واتحاد العناصر ببعضها يتماشى على أساس هذا الترتيب ذلك أن اتحاد العناصر يتم بواسطة الاتحاد بين إلكتروناتها فإذا كان عدد إلكترونات المدار الخارجي للعنصر أقل من ثمانية فإنه يستطيع أن يتحد مع عنصر آخر فالذي في مداره الخارجي سبعة يتحد مع الخارجي إلكترونان أما الذي في مداره الخارجي ثمانية فهو خامل ولا يستقبل إلكترونا واحدا.

    ولولا قوانين الحرارة لما بردت الأرض ولما كانت صالحة للحياة.


    ولولا الجبال لتناثرت الأرض ولما كان لها مثل هذه القشرة الصالحة للحياة.

    16- ولولا أن في الأرض أرزاقها لما استمرت الحياة.

    هذه كلها مقدمات للحياة إنها مقدمات أوصلت إلى نتيجة وكل مقدمة من هذه المقدمات لا يمكن أن تكون مصادفة في حساب الاحتمالات إلا بنسبة 1 إلى أرقام خيالية جدا وإننا نرى أن كل مقدمة من مقدمات الحياة في هذا الكون يمكن أن تكون على شكل ملايين الأشكال الأخرى ولكن واحدا فقط من هذه الممكنات هو الذي اختبر والمقدمة الثانية يمكن أن تكون على ملايين الاحتمالات. وبتضافر هذه المختارات من بين هذه الممكنات كلها وجد الجو المناسب للحياة ثم كانت حياة بأنواعها وأجناسها وتعقيداتها فهل يمكن تعليل هذا كله بغير الإرادة التي ترجح وجود ممكن على ممكن آخر. إنها الإرادة فقط.

    ولنعد مرة أخرى إلى ما قاله علماؤنا من قديم: إن كل شيء في هذا الوجود يمكن أن يكون على صفة ويمكن أن يكون في جهة وأن يكون في جهة أخرى ويمكن أن يكون في مقدار ويمكن أن يكون في مقدار آخر وإرادة الله وحدها هي التي يعلل بها ترجيح أحد وجوه الاحتمال حتى كان هذا الكون على أتم نظام وأكمله وكل شيء فيه على أجمل ترتيب وأروعه

    وأخيرا:
    إن الذين يقولون بأن حوادث هذا الكون كلها وليدة الصدفة إنما يعطون لهذه المصادفة علما محيطا وإرادة كاملة وقدرة مطلقة تعلم وتريد وتقدر وهي في كل ذلك تعمل بحكمة أكثر مما لو اجتمعت عقول البشر جميعا بنسبة ذكاء لا متناهية وإن بداهة العقل تحكم أنه حيث وجدت الإحكام كان العلم والإرادة والقدرة والحياة حيث وجدت هذه الصفات كانت الذات التي تقوم بها هذه الصفات إن القلم الذي تكتب به والذي تشعر أنه أعد خصيصا لكي تكتب به يد الإنسان ومخزن الحبر الذي أعد فيه لغاية والغطاء والثقب الموجود فيه اللذان أعدا لحكمة والنحاسة التي تعلقه بها في جيب سترتك وتجويف إبرة الكتابة وهذا العظم الذي فيها بخطوطه ذات الفائدة و ....... هذا القلم الذي فيه هذه الأشياء مجتمعة لو حاول إنسان أن يقنعك بأنه وليد مصادفة وليس وليد علم الإنسان وإرادة الإنسان وقدرة الإنسان وحياة الإنسان وذات الإنسان فإنك لا شك تحمقه أو تجهله فكيف يخطر ببال أن الإنسان هذه الآلة الضخمة والمعمل العظيم صاحب جهاز الهضم وجهاز الدوران وهذه الشجرة ذات الجذور والأوراق والساق بنسغها الصاعد والهابط وما يكون فيها من تنفس وتفاعلات وتشكلات وإنتاج زهر وثمر معمل أدق تركيبا من كل ما صنعه عقل الإنسان وعالم الذرة بما فيه من طاقات وتحركات وتركيبات وما ينتج عنه من تفاعلات وآلاف الأمثلة من أمثال هذا وملايينه كل هذا وليد مصادفات وهل يكون العقل الذي يقول بهذا علماني الاتجاه وهو يتحدى كل قواعد العلم
    قال تعالى : "قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ"عبس : 17 " أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ" يس : 77
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة الرابعة
    ظاهرة الإجابة

    هذه الظاهرة لكل واحد منا تجربته الخاصة فيها, فما من واحد منا نحن البشر سواء في ذلك المؤمنون منا وغير المؤمنون, إلا مرت عليه فترة فيها شدة وفيها اضطراب وفيها قلق توجه فيها إلى الله بقلب كله انكسار ورجاء وأمل, وإذا بالكرب يزول, الشدة تنتهي ويجعل الله من بعد عسر يسرا, ويعود الرخاء بعد الضراء. ولكنك تجد قلوبا بقيت شاكرة متذكرة زاد إيمانها, وأخرى عادت إلى غفلتها متناسية ما ذكرته ساعة المحنة.

    إن الأمر المسلم به, أنه ما من نفس إلا وتلجأ إلى الله ساعة الخطر وقد كرر القرآن هذا المعنى كثيرا فقال: "قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ" الأنعام : 40-41
    "وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" يونس : 12
    "وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا" الإسراء : 67
    "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ" يونس : 22-23
    "قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ" الأنعام : 63-64
    وقد جرت سنة الله أن يجيب المضطر إذا شاء , كائنا من كان حتى ولو كان كافرا بالمعنى الاصطلاحي ما دام قد توجه إليه قال تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" النمل : 62

    والحوادث التي أخبر أصحابها عما جرى لهم فيها مما له علاقة بهذه الظاهرة كثيرة لا تعد فما من إنسان إلا وله قصة أو قصص, أنا وأنت وهو. وإليك أمثلة نختارها من بين آلاف أمثالها مما يجري كل يوم, تدل على أن الإنسان ليس وحده, فالله يرعاه إن كان أهلا للرعاية, أو يستجيب له إن دعاه بقلب مضطر, أو يكله إلى نفسه, وما أكثر خسارة من وكله الله إلى نفسه؟ وفي كل حالة نجد رعاية غير متوقعة أو استجابة غير عادية فإن الإنسان يلمح آثار قدرة الله واستجابته وفي كل حادثة من هذا النوع يقع دليل على وجود الله عز وجل وهذه نقول لها علاقة بهذا المعنى:
    1- نشرت مجلة المختار ريدر دايجست في عدد أكتوبر 1944 تحت عنوان ألا تؤمن بالصلاة والدعاء هذه الحادثة التي صاغتها كما يلي:
    واليوم تتدفق الأدلة التي لا تنقض من كل ناحية, على فضل الدعاء وقوته وليس مما يدهش أن يتوجه الناس في ساعة الشدة والحاجة إلى القوة الخارجية, وإنما الشيء الوحيد المدهش في هذا هو أن نراه مدهشا وما يصنع هؤلاء المصلون الداعون من الجنود والبحارة والطيارين؛ إلا كما صنع لنكولن الذي قال في أحلك أيام الحرب الأهلية: بغير معونة من الله الذي هو معي لا أستطيع أن أنجح وبهذه المعونة لا يمكن أن أخفق ولا يكاد يوجد فوق الأرض مخلوق لا ينطوي على الشوق الروحاني أو على شعور باطن مبهم, بأن هناك قوة يتوجه إليها بفطرته. حدث لما اضطر الماجور ألن لندبرج من وستفيلد بولاية نيوجيرسي وهو يقود إحدى القلاع الطائرة للنزول في البحر في طريقه إلى استراليا أن ساد الاعتقاد بأنه هو والتسعة الذين معه قد فقدوا,

    وفي هذا يقول الماجور: تمكنا من الخروج على طوفين من المطاط وكدنا لا نفعل, ولم تكن معنا كسرة من خبز أو قطرة من ماء, وكان رجال الطائرة كلهم قلقين إلا الشاويش البرت هرنادز المدفعي الخلفي وقد عكف من فوره على الدعاء والابتهال وسرعان ما راعنا بقوله: إنه يعرف أن الله قد استمع إليه وأنه سيساعدنا, وظلوا يهيمون تحت شمس محرقة وقد تشققت شفاههم وورمت ألسنتهم فعجزوا عن مجاراة هرناندز في التهليل والتسبيح ولكنهم كانوا يدعون مع ذلك وبعد ثلاثة أيام وقبل دخول الليل لمحوا معالم جزيرة صغيرة, وما لبثوا أن شاهدوا ما لم يكن يجري لهم في خلد فأقبلت عليهم ثلاثة زوارق فيها رجال عراة الأجساد واتضح أن منقذيهم من أهل أستراليا الأصليين وهم صيادون سود الأجسام منفوشو الرؤوس وقد جاءوا من داخل البلاد على مسافات مئات الأميال, وقالوا إنهم دفعوا بدافع غريب إلى تغيير اتجاههم فجاءوا إلى هذا الشاطئ المرجاني الذي لا سكان فيه وهناك لمحوا لندبرج وزملاءه.

    2- أذاع راديو دمشق في 10 \ 1 \ 1965 الساعة الثالثة إلا ربعا بعد الظهر نقلا عن مجلة الأبحاث الطبية الصادرة في إنكلترا حادثة نشرتها المجلة المذكورة بتوقيع الطبيب الذي جرت معه الحادثة والقصة أن شابا بقي مريضا بمرض مزمن مدة ثلاثة عشر عاما وأعيا الأطباء دون أن يصل إلى نتيجة وقد دخل عليه آخر كطبيب الطبيب الذي يروي القصة, وبعد أن أتم فحصه رأى أنه لا أمل له, وهناك سأله المريض بلهجة يائسة: لا أمل يا دكتور؟ فقال الدكتور: هناك أمل واحد في السماء فجرب أن تدعوا, ألا تعرف أن تصلي؟ ولأول مرة يدعو الشاب الذي دام مرضه ثلاثة عشر عاما , وعندما زاره الطبيب بعد أسبوع وجد المريض معافى , وقد شفي من مرضه الذي لم يستطع الأطباء أن يعالجوه منه.

    3- وحدثنا شاب مصري ممن شاركوا في المقاومة السرية التي جرت في مصر في قناة السويس 1951 _ 1954 عن ثلاثة من المقاومين خرجوا لينسفوا سكة حيد في منطقة مكشوفة ... وكانت الليلة مقمرة والسماء صافية, والأرض صحرواية ترى حركات من فيها عن بعد, فيعرضهم ذلك لنيران العدو ومطاردته فقال أحدهم الثلاثة وهم ماضون: يا رب ولا غيمة, فلم يلبثوا أن شاهدوا سحابة تجلل وجه القمر فانتشر الظلام مما ساعدهم على القيام بمهمتهم ورجعوا وكلنا سمع ما حدث يوم الهجوم على مصر أثناء العدوان الثلاثي, إذ اشتعلت النيران في مدينة بور سعيد, وضاق الأمر بالناس ودعوا ربهم مخلصين, فكان المطر الذي أطفأ الحرائق يومذاك ....

    4- والناس في كل مكان يتحدثون, فما من مسلم إلا وله تجربة خاصة في هذا الأمر تضيق به السبل, فيلجأ إلى اللجوء إلى الله لجوء المضطر فتكون الاستجابة ويحصل الفرج. ومن أبرز مظاهر هذا المعنى قصص الاستسقاء حيث يلجأ المسلمون إلى الله في حالة القحط ولهم في ذلك آداب منها: التوبة, ومنها الصلاة والدعاء. ومنذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم, يتحدث المسلمون عن عجائب حصلت, وعن أناس مجابي الدعوة استجيب لهم, ومن تتبع حوادث ذلك وجدها صحيحة أدق مقاييس النقد التاريخي إن ظاهرة الاستجابة ظاهرة تتجدد دائما كلما توفرت شروطها, وهي تدل بشكل قطعي على وجود ذات عليا, تسمع نداء المنادينوتوسلات المتوسلين, وإذا شاءت تجيب المضطر أنى كان وكيف كان, مسلما كان أو كافرا. وتجيب المسلمين في كل الأحوال إذا كان متمتعا بشروط الاستجابة وكان في الاستجابة خير له, ولم يكن غيرها أحسن إليه منها: قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" البقرة : 186
    "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" غافر : 60
    استجب لله يستجب الله لك ونحيل من شاء التوسع في هذا الموضوع إلى كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي. ففيه ما يكفي. وإنما اختصرنا في هذه الظاهرة لكثرة الحوادث فيها وظهورها والآن في البحث الثاني عن الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج عنها.
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة الخامسة
    ظاهرة الهداية

    إننا عندما ندرس الكون نرى فيه هداية كاملة, من أصغر ذراته إلى أكبر أجرامه ,ومن أبسط أشكاله إلى أعقد مظاهره , فكيف نعلل هذه الهداية؟ كيف وجدت؟ كيف استمرت؟ كيف ثبتت ؟ إن هناك جواباً واحدا يقدمه العقل على ذلك, هو وجود ذات هداية.
    1- ثعبان الماء متى اكتمل نموه هاجر من مختلف البرك والأنهار, قاطعا آلاف الأميال في المحيط , قاصدا الأعماق السحيقة جنوب برمودا حيث يلتقي ثعابين الماء من كل أنحاء العالم, وهناك تبيض وتموت, أما صغارها تلك التي لا تملك وسيلة تتعرف بها على أي شيء, سوى أنها في مياه قفرة فإنها تعود أدراجها, وتجد طريقها إلى الشاطئ الذي جاءت منه أمهاتها . ومن ثم إلى كل نهر أو بركة صغيرة, ولذا يظل كل جسم من الماء آهلا بثعابين الماء, ولم يحدث قط أن صيد ثعبان ماء أمريكي في المياه الأوروبية أو العكس.

    2- الزنبور يصيد الجندب النطاط, وينخزه بإبرته في مكان مناسب بحيث يفقده وعيه مع بقائه حيا كنوع من اللحم المحفوظ , فلا يكثر السم فيه بحيث تميته, أو يسمم لحم الأولاد إذا أكلوا منه, ولا يقلله بحيث يبقى محتفظا بوعيه فيفر, وبعد ذلك يحفر له حفرة في الأرض, ثم تأتي أنثى الزنبور وتضع بيضا في المكان المناسب بالضبط, ثم تغطي هذه الحفرة وترحل فرحة, ثم تموت بعد أن أمنت وسيلة الحياة لأولادها. وهم صغار لا يستطيعون الحركة, ولا بد أن الزنبور قد فعل ذلك من البداية من يوم وجوده أول مرة وكرره دائما, وإلا ما بقيت زنابير على وجه الأرض.

    3- الجراد البالغ من العمر سبعة عشر عاما في ولاية نيوانكلاند. يغادر شقوقه تحت الأرض حيث عاش في ظلام مع تغير طفيف في درجة الحرارة, ويظهر بالملايين في 24 مايو من السنة السابعة عشرة تماما. بحيث يضبط مواعيده للظهور في اليوم تقريبا بهداية يعجز عنها الإنسان لولا أنه يستعمل التقويم.

    4- خطر لعالم أمريكي أن يستفرخ البيض دون حضانة الدجاج, بأن يضع البيض في نفس الحرارة التي نالها البيض من الدجاجة الحاضنة له, فلما جمع البيض ووضعه في جهاز للتفريخ, نصحه فلاح أن يقلب البيض إذ إنه رأى الدجاجة تفعل ذلك فسخر منه العالم, وأفهمه أن الدجاجة إنما تقلب البيض لتعطي الجزء الأسفل منه حرارة جسمها الذي حرمه, أما هو فقد أحاط البيض بجهاز يشع حرارة ثابتة لكل أجزاء البيضة.

    واستمر العالم في عمله حتى جاء دور الفقس وفات ميعاده ولم تفقس البيضة, وأعاد التجربة وقد استمع إلى نصيحة الفلاح أو بالأحرى إلى تقليد الدجاجة, فصار يقلب البيض حتى إذا واتى ميعاد الفقس خرجت الفراريج. وآخر تعليل علمي لتقليب البيضة أن الفرخ حينما يخلق في البيضة ترسب المواد الغذائية في الجزء الأسفل من جسمه إذا بقي دون تحريك أوعيته. ولذلك فإن الدجاجة لا تقلب البيض في اليوم الأول والأخير بهذه الهداية الكاملة في عملية البقاء الجنس, يبقى الدجاج في العالم, لأنه يعلم تماما ما ينبغي أن يفعله, ولا بد أن ذلك فعلته الدجاجة الأولى حتى استمر جنس الدجاج.

    5- حيوان الإكسيلوكوب , يعيش منفردا في فصل الربيع , ومتى باض مات ؛ فالأمهات لا ترى صغارها ولا تعيش لتساعدها في غذاها ودفاعها عن نفسها, وهي لا تستطيع الحصول على غذائها مدة سنة كاملة, لذلك ترى الأم تعمد إلى قطعة خشب, فتحفر فيها حفرة مستطيلة, ثم تجلب طلع الأزهار وبعض الأوراق السكرية, وتحشوا بها ذلك السرداب وتصنع بعد ذلك سردابا آخراً, فإذا فقست البيضة وخرجت الدودة كفاها الطعام المدخر لسنة.

    6- يمتص جذر النخلة العناصر الغذائية في التربة بالشعيرات الجذرية وتصعد العصارة بالضغط الاسموزي إلى الأعلى, ويتغذى جذع النخلة بما غلظ من هذه العصارة, أما الخلاصة فتصعد إلى حيث تغذي الأجزاء العلوية, وترتفع العصارة الدقيقة لتكون الثمرة وقمع البلحة هو مصفاتها التي تسمح بمرور المواد الغذائية تماما إلى الداخل تماما وهي التي تكون الحلو من البلحة وغير الحلو من النواة والتي منها ينشأ جسم البلحة الطري وهيكل النواة الصلب, وبين الحلو والمر والصلب والطري غلاف شفاف لا يكاد يرى, ولم يحدث إطلاقا أن أخطأت نخلة فكونت نواة البلحة في الخارج والبلحة من الداخل, أو كونت البلحة صلبة والنواة طرية
    7- الحيوان المنوي يشبه العلق في حركته, له رأس مفلطح وعنق قصير, وذيل طويل, ويتحرك بلولبية ذيله, وقد أمد بقوة مقاومة, إذ أنه في الأجواء غير الملائمة تستكن الحياة فيه ويفقد مظاهر نشاطه, فإذا ما وجد الوسط المناسب عادت له حيويته ونشاطه, ويستمر في الحياة عدة أيام متوالية في انتظار البويضة التي يدفع بها مبيض الأنثى – وهو جهاز التناسل عندها – ليقوم بإخصابها, ويتم كل ذلك بهداية منقطة النظير إذ لا دخل له بأي قوة _ كائنة ما كانت كيماوية أو حيوية أو عقلية أو ادراكية في توجيه الحيوان المنوي إلى بويضة الأنثى

    في عملية الرضاع كل شيء يتم بهداية . تنمو الغدد التي تصنع اللبن أثناء الحمل, يدفعها إلى هذا النمو مواد يفرزها المبيضان, وفي نهاية الحمل وبدء الوضع , تتلقى هذه الغدد النخامية الموجودة في قاعدة الجمجمة أمرا بالبدء في صنع اللبن, وما يكاد الطفل يولد حتى يبحث عن ثدي أمه بهداية لا حد لها, وعملية الرضاعة عملية شاقة, إذ أنها تقتضي انقباضات متوالية في عضلات وجه الرضيع ولسانه وعنقه, وحركات متواصلة في فكه الأسفل, وتنفسا من أنفه ,ويقوم الطفل بهذا كله بهداية تامة من أول رضعة لساعة فطامه.

    وقالوا: إن الرجل نفسه لا يستطيع أن يقوم بعملية الرضاع كما يقوم بها الطفل الذي لا يتجاوز عمره ساعات هذه أمثلة قصدنا بها لفت النظر إلى ظاهرة الهداية , فإذا ما التفت العقل ودرس الوجود كله بعمق , يرى هذه الظاهرة في كل شيء, فهي ظاهرة تنتظم شؤون الكون كله من الإلكترونات في الذرة , إلى الذرة, إلى العناصر, إلى الأرض, إلى الشموس, إلى المجرات بكل حوادثها إلى كل خلية من خلايا الحيوان, إلى كل جهاز من أجهزته, إلى كل حيوان من وحيد الخلية , إلى النحلة, إلى الإنسان قال تعالى: "قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه : 50 تلك كلمة القرآن وهي كذلك كلمة العقل, وهي كذلك كلمة العلم, إن هداية بلا هاد غير مقبولة لا عقلا ولا علما إن الله ظهر باسمه الهادي في كل شيء, ومع ذلك ضل الكافرون عن الله, وأضلوا قلوبهم, وهم في ضلالهم مهتدون إلى طرق الظلال والزيغ, إذ أن الإنسان بما أوتي من إرادة واختيار, وبما امتحن به في هذه الحياة كأثر ناتج عن هذه الإرادة, قد ركب تركيبا ظهر فيه اسم الله الهادي بما يتفق مع هذه الحرية في الإرادة ومع هذا الامتحان: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" الشمس : 7-10
    "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" النازعات : 40-41

    إن الكافرين قديما كانوا يعتبرون الدعوة إلى الله وتعليل كل شيء به نوعا من الافتراء والكذب والأسطورة قال تعالى: "قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ" الأنبياء : 4-5

    والكافرون اليوم: يعتبرون كل كلام غير كلامهم , لا يقوم على علم, بل تظهر منه رائحة الخرافة, أوفيه معنى الأسطورة. إن التشابه الكامل بين الموقفين في القديم والحديث دليل على وحدة النفس البشرية, وإن كان المحدثون أكثر فلسفة وأزهى زخرفا, كما أن فيه دليل على نوع من الهداية إلى الضلال, كهداية المهتدين إلى الهدى , (وذلد) ظهور اسم الله الهادي في عالم الإنسان قال تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" البلد : 10 "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" الإنسان : 3

    إن الكافر يرى أن بإمكانه أن يعلل كل ظاهرة من ظواهر هذا الكون بدون الله والذي لا يستطيع أن يعلله الآن يتصور أن باستطاعته أن يعلله في المستقبل, وصرف النظر عن كون هذه التعليلات علمية عقلانية أو ظنية حدسية, فإنه مقتنع بها ولا يقبل أي تفسير آخر ولو كان علميا وعقليا, لأن كثرة الاحتمالات عنده لا تبطل ظهور الممكن الواحد, وتعدد مظاهر الوجود يقنعه بأي تفسير يتوهمه كأثر عن استشعاره لذاته المتصفة بالعلم والقدرة والإرادة والحياة, فهو يخلع هذه المعاني على الكون متناسيا أن الطبيعة بمجموعها ليس لها علم ولا إرادة وقدرة وحياة . إنه يقول عن كل شيء يراه: إنه ممكن ونحن إن لم نقل بإمكانه نكفر (نخرج عن الإسلام) ولكن نقول بذلك: إذا وجد علم الله وإرادته وقدرته. أما بغير علم ولا إرادة فلا إن الله ظهر كثيرا وبطن كثيرا, ظهوره الكثير جعل المؤمنين به كأنهم يعاينون كشف الحجاب ما ازددت يقينا وبطونه الكثير جعل الكافرين على مثل اليقين بأن الأولين واهمون, ولا يمكن في حكم العقل إلا أن يكون الله ظاهرا وباطنا بآن واحد: ظاهرا للجنان, وخفيا عن العيان؛ يظهر للعيان خلقه , وخلقه يدل الجنان عليه لذلك قال الله تعالى: "وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" التغابن : 11
    ليس في خفاء الله حجة لكافر على كفر, وقد رأينا هذا في مقدمة أبحاثنا, وفي ظهوره الحجة الكاملة على الإيمان, وإذا كان في ضلال الضالين نوع هداية إلى الضلال, إذا حرموا أنفسهم الرؤية الصافية فشاهدوا الأمور معكوسة, فإن في هداية المهتدين المظهر الكامل للهداية التامة. ولكن كما أن في هداية المهتدين دليلا على ظاهرة الهداية, فإن في هداية الضالين إلى طرق الضلال دليلا عليها كما سنرى بعد, والكل يدل على أن هنالك ذاتا هادية. إن آيات الله التي تدل عليه واضحة جدا في كل شيء, ولكن الاهتداء إليها يحتاج إلى إنسانية أكثر, وإلى أخلاقية رفيعة قال تعالى: "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ" الأعراف : 146

    إنها الحقيقة التي لا ترد: الكبر والغفلة عن آيات الله هما طريق الكفر, والخضوع للحق وقبوله واليقظة على آيات الله هي طريق الإيمان. فبمزيد من أخلاق الإنسان, وبمزيد من التأمل, وبمزيد من طلب الحق, يصل الإنسان إلى الله. فإذا قيل: إن المرجع في الهداية إرادة الله.. قال تعالى: "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" السجدة : 13 تقول: إن المرجع في كل شيء إرادة الله , وليس في ذلك عذر لمعتذر أو متعلل أو متهرب أو متحلل من المسؤولية لقد قال الله: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ* لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ" التكوير : 27-28 فقال أبو جهل: ذلك إلينا إن شئت . فأنزل الله تتمة: "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" التكوير : 29 وهذا يعني أن مشيئة الله محيطة بكل شيء , ولكن لا يعني هذا إلغاء اختيار الإنسان ومشيئته.
    قال تعالى: "يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ" المائدة : 16
    "ضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ" البقرة : 26

    إن الله إذا أراد أن يضل إنسانا ظهر له في الوجود كله باسم المضل, حتى لم ير في آيات الله في كل خلقه ما يدله عليه: وكذلك في آياته في القرآن حتى لا يرى فيها آية تدله عليه, وليس في ذلك إجبار من الله له؛ بل ذلك لأن الإنسان ذاته اختار الطريق الآخر كبرا وظلما, فصار يرى الآيات معكوسة, فما فيه حجة على الإيمان صار يعتبره حجة له على الكفر, وذلك كأثر من إحاطة هداية الله في الطريقين, والذي يتحمل المسؤولية هو الإنسان ذاته.

    تعالى الله أن يسأل تغيير ما سن من سنته, وعلى الإنسان أن يحقق ما طلب منه ضمن هذه السنن ويقول الكافرون: إن الله قادر على أن يهدي الناس كلهم إلى ما يحب؛ فلم لم يهديهم؟ وإن الله قادر على أن يجعل العالم خاليا من كل شر؛ فلم لم يفعل, يقولون هذا حتى يقولوا أخيراً: كون العالم فيه ضلال وكونه فيه شر, فذلك دليلان على أن هذا العالم ليس من صنع الله ويقولون للمؤمنين: ما دمتم تؤمنون بالقضاء والقدر , فما نحن فيه من انحراف قدره الله علينا ولا مخرج لنا من قدره, فهو المسؤول إذن ولسنا المسؤولين فلا تلومونا ألم يقل: "يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء". ونقول: كلمتهم هذه قالها الكافرون من قبل, ورد عليهم القرآن أي رد: "وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ
    وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ " النحل : 35-36

    نفس اللغة القديمة للكافرين استعملها كفار عهد الدعوة الأول, واستعملها كفار عصرنا الحاضر: "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ" الأنعام : 148 ترى ما قيمة حجة المكذبين؟ يلاحظ في الرد القرآني أنه رماهم بالتكذيب لرسل الله صلوات الله عليهم, و أنه بلاغ الرسل – صلوات الله عليهم – فيه الحجة عليهم.

    إنهم نظروا إلى عموم مشيئة الله ولم ينظروا إلى مشيئتهم, فأرادوا أن يقيموا الحجة على الله بكماله, فأقام الله عليهم الحجة بمشيئتهم التي استعملوها في غير طريقها الصحيح. إن ما كتب الله, وما علم الله, وما أراد الله, لا يسلب الإنسان اختياره, كلاهما خطأ عظيم: أن نظن أن الله لا يعلم ما سيحدث, أو نظن بأن علمه بما سيحدث يسلبنا اختيارنا. فالعلم كاشف لا مجبر, وإذا كان علمه تعالى لا يسلبنا اختيارنا. فكذلك إرادته وكذلك قدرته, فالقدرة تبرز ما خصصته الإرادة والإرادة تخصص ما سبق به العلم إنه من الخطأ أن نفهم قوله تعالى: "يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء" فاطر : 8 بأنه يجبر على الهداية ويجبر على الضلال بل: "فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ" الصف : 5
    "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" الشمس : 9-10 "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ* لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" التكوير : 27-29
    إن إرادة الإنسان موجودة؛ ولا يعني هذا أن هناك شيئا يكون خارجا عن إرادة الله, وعموم الإرادة الإلهية حق؛ ولا يعني هذا سلب الإنسان حريته واختياره.

    وأخيراً: لقد خلق الله كل شيء, حسيا كان أو معنويا, ومن الأخلاق الفاسدة إلى الأخلاق الحسنة, إلى الإنسان, إلى الوجود كله, وأعطى كل شيء هدايته, فالكبر مهتد إلى طريقه,وكذلك الحسد, وكذلك الضلال, وكذلك كل نوع من أنواع الضلال, الشمس, وكذلك القمر. وبالنسبة للإنسان خاصة: ذاته, ونفسه, وجسمه, وكل شيء فيه مهتد إلى طريقه إذا ترك على سجيته, ولكن هذا الإنسان بما أوتي من ملكات أهلته للتكليف, جعل الخير والشر له فتنة قال تعالى: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً" الأنبياء : 35 ونتيجة لهذا فرض عليه أن يحاول التغلب على كثير من ميوله ورغباته وأهوائه وشهواته, وأن يكيف ذاته حسب هدى معين, حدده له الوحي الإلهي, ليقوم بدوره على هذه الأرض ضمن طريق مخصوص. وعلى هذا فانحراف الإنسان عن هذا الطريق ضلال, وإن كانت فروع هذا الضلال من الهداية التي أعطيت لكل شيء في موضوعه قال تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" البلد : 10 ولكن كون الإنسان يستطيع أن يتخلى عن هذا الضلال – ولو على حساب متعته – فإنه مفروض عليه أن يعمل كي يحقق معنى الابتلاء, ولذلك كان: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" رواه مسلم.

    وفي الظاهرة السابعة زيادة بيان إن شاء الله – وإنما قصدنا في هذه أن نشير إلى الهداية الكاملة لكل شيء – مخلوق حسي أو معنوي – تشير إلى ذات هادية: "أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى" طه : 50. فما من شيء إلا وعنده نوع هداية عامة. حتى الأشياء المعنوية خيرا كانت أو شرا, ولكن الإنسان كلف بنوع خاص من الهداية, وعليه أن يسعى لتحقيقه. والأهم بعد: أن يكون وضح لدينا الهداية في كل شيء لا يمكن أن تكون إلا بالله الهادي.
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    "]الظاهرة السادسة
    ظاهرة الإبداع

    أرأيت لوحة رسام قال الناس عنها: إنها أثر عظيم؟ قل لي: لماذا حكم الناس عليها هذا الحكم؟ سنقول لما فيها من إبداع في التصوير والتعبير والجو والظلال والتناسق والتفاعل والمعرفة, بما يثير الإعجاب في نفس المشاهد, إنك تقول بدهشة أو بإعجاب: لقد أبدع هذا الأثر فلان, ترى ألم يخطر ببالك وأنت أمام مشهد إبداعي عظيم من هذا الكون, أن تفكر في المبدع الأعظم الذي أبدع هذا الكون, أو أن الألفة أعمت البصر عن الرؤية؟ إنك لو تأملت لوجدت: أن الجمال والإبداع يبدوان ملازمين لكل شيء في الكون: السحب, قوس قزح, السماء الزرقاء, النجوم ذات الألوان وانتثارها وانتظامها وحركاتها وهندستها, القمر ساعة طلوعه عندما يكون بدرا أو هلالا أو ساعة توسطه قبة الفلك, الشمس في غروبها وشروقها, الفجر والأصيل, روعة الظهر, كل ذلك آثار إبداع عظيم. إن أعظم فنان هو الذي يستطيع أن يرسم جزءا مما في الكون للحظة من لحظاته بأمانة, أما الكون فكل مظهر من مظاهره التي تتكرر أو تتعاقب أو تتغير صور من الجمال تثير في النفس كل آن مباهج من الروائع. كل ورقة من أوراق الشجر منظمة أبدع نظام, مخططة أجمل تخطيط, تخطيط وإبداع يقلد ولا يصنع, تجده على أروع ما يكون في الأزهار, برشاقتها الفاتنة وتصميماتها الرائعة وألوانها الموزعة, بشكل يحافظ كل زهر معه على سمات جماله وتناسق ألوانه, وإنك لتجد في كل زهرة إحساسا جيدا, وهي بديعة عندما تجتمع جنسا واحدا, ورائعة عندما تكون أجناسا, فالورق والزهر والساق والغصون والفروع والثمار, كلها إبداع عجيب, منفردة كانت أو مجتمعة موصولة أو مقطوعة.

    والوادي الأخضر والنهر والأشجار الباسقة, والصخور والجبال يجلل قممها الثلج, أو التي تسبغ عليها السماء زرقتها من بعيد, وكثبان الرمال الفسيحة الممتدة في الصحراء, والتتابع المنسق الفاخر لأمواج المحيط وتلاطمها على أرض الشاطئ, والهدير والخرير والصفير والرفيف والحفيف, وصوت الرعد, ولمعان البرق: أليس ذلك كله جميلا وبديعا ومبهجا حتى عندما يخيف؟ والطيور فوق البحر أو فوق الغابة أو على الأرض هاربة منك أو مذللة بين يديك, ألوانها المتناسقة, أشكالها الزاهية, نقشاتها الفاتنة, تصميمها الجميل, أصواتها العذبة, حركاتها الفاتنة, في كل ريشة منها جمال, وفي كل شعرة فيها رونق, وفيها جناحها ساعة يمتد وساعة ينقبض يرتفع أو ينخفض؛ ما يجعل القلب يمور شعورا حيا واغتباط.

    قطع الثلج ذات الأشكال الهندسية المختلفة, والخطوط البلورية للعناصر والمركبات وألوان العناصر منفردة أو مركبة, وتركيباتها أجزاء وكتلا, كروية الأرض, وسحب المريخ, ووجه القمر, وكلف هذا الوجه, كل ذلك جميل جميل لدرجة مدهشة تحت المجهر أو بالعين المجردة. وفي الجمال جمال, وفي الغنم جمال, وفي البقر جمال, وفي الماعز جمال وفي الكلب جمال, وفي الهرة جمال, وفي كل خلق الله الجمال, في مراحه ومغداه, في سكونه وممشاه. في حركات السمك وتموجات حشائش البحر في الأعماق, أو تموجات حشائش البر إذا مر النسيم, في العظام المكسورة التي تشفى, في الجرح الذي يلتئم بعد إذ تمزق لحمه, في دورة الدم, في القلب الذي يتحطم, ثم ينجبر بعد كسر, في حبوب اللقاح, في النحل تمتص رحيق الزهر, في تقبيل الفراشة ميسم الزهرة, في انتقالها إلى ميسم آخر, في نقلها حب اللقاح على زهرة أخرى, في التلقيح, في التزاوج, في انجذاب القرين إلى قرينه, في كل شيء إبداع.

    إن التناسق الذي نراه في كل مخلوق, انسجام الأعضاء بعضها مع بعض, انسجام اللون مع الأعضاء جعل كل شيء في محله, كل ذلك إبداع يشير إلى مبدع.
    قال تعالى:"الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" السجدة : 7
    "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" الأنعام : 101
    "ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ" الزمر : 7
    إن هذا الإبداع من أجلك أيها الإنسان قال تعالى: "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" لقمان : 20
    "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا" النحل : 18.

    إنه من أجلك حتى تعرف ربك بأسمائه كلها وتشكره جل جلاله وتعبده بحب وعشق, ولذلك جعل فيك الإحساس بالإبداع, وحب الجمال, فكان ذلك من أروع الإبداع لو عقل الإنسان. لقد أعطي الإنسان الفكر والتصور والشعور, فصار يتذوق الجمال, ويسرح بخياله من البداية إلى النهاية, ويتذكر بسرعة البرق آلافا من لوحات الوجود, و يخترق بخياله حجب السماوات والأرض, مع الإدراك الذي يجعله يتفاعل مع كل شيء, فيهوى ويحب, يمل ويبغض, ويصمم تارة للبناء وتارة للهدم, فيجعل الحياة فنا والمعنى جهازا. إن في ذلك كله إبداعا سواء في ذلك باطن الإنسان أو ظاهره, أو ما يحيط به, وقد يرسم الرسام صورة الجميل فيبدع, وصورة القبيح فيبدع, وفي كلتا الحالتين يبقى الإبداع إبداعا وفي كليهما يكون محسنا, وفي الكون جميل وأجمل, وقبيح وأقبح, ولكن وفي ذلك كله يظهر الإبداع في ذلك أكثر, فلن يعرف الجميل إلا بالقبيح ولا الأجمل إلا بالجميل, وتعدد الصور أكثر إيماء, وأبقى تجديدا, وأدل في القدرة على الإبداع.

    فلا يفوتنك يا صاح أن ترى الإبداع ولا تعرف المبدع, أو تلمس الإحسان وتنسى المحسن, أو تعشق الجمال ولا يمتلئ قلبك بحب خالق الجمال, بل ترنم مع الحداة:
    عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب
    وأنت عندي كروحي بل أنت منها أحب
    حسبي من الحب أني لما تحب أحب
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة السابعة
    ظاهرة الحكمة

    قال تعالى: " قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ" يونس : 101
    "أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" الأعراف : 185
    "وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف : 105
    "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" الأعراف : 179
    إن الله لا يقبل من المسلم إلا أن يرى في كل شيء آية تدل عليه اعتقادا, وتدلنا إلى ذلك استشعارا, وإن لم يصل المسلم إلى هذا المستوى الرفيع, فإنه بحاجة إلى يقظة أكثر وإلى فكر أكثر, وإلى ذكر أكثر إن يد الله التي خلقت أرت نفسها في خلقها, وإرادة الله التي خصصت أرت نفسها في مبدعاتها , وحكمة الله ظهرت فلم تخف.

    وإن قلبا لم ير آثار الله في كل شيء أصبح قلبا أعمى قال تعالى: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" الحج : 46 ولعله محل للشفقة: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" الكهف : 6
    لقد أمرنا الله أن ندرس آياته في هذا الكون, والكون ذاته يستلفت النظر, ولقد درسه الكافرون والمؤمنون على السواء, وليس هناك من فارق بين الطرفين في العلم بهذا كثرة أو قلة, ولكن الفارق إنما هو في استعمال العقل وقوانينه للوصول إلى ما وراء الكون, أو بالجمود على رؤية الحس وعدم استعمال العقل والركون إلى التراب.

    ولئن أكثر القرآن من ذكر: إن في الكون آيات لقوم يعلمون, أو يتفكرون فقد أكثر كذلك من ذكر: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" النحل : 12 مما يدل على أن تحكيم قوانين العقل شرط لمعرفة آيات الله وعلى هذا فكل ظاهرة من الظواهر التي نذكرها في هذا الكون, لا ندعي أننا وحدنا نعرفها, فنحن والكافرون مشتركون في هذه المعرفة, ولكن الفارق أننا نعلل وجود هذه الظاهرة يلازمها العقل الذي لا بد منه, وهم يرفضون هذا التعليل دون دليل؛ كمهندسين وقفا أمام بناء جميل, فكلاهما يستوي في كون يعرف كل ما في البناء من أجزاء, من معرفته بكيفية الترتيب, إلى معرفته بكيفية التركيب, إلا أن أحدهما جزم أن هذا البناء قد كان دون أن توجد خبرة وعلم وإرادة وقدرة وإبداع وحكمة وذوات تقوم بها هذه الأشياء, والآخر حكم على البداهة بأن مهندسا عالما حكيما. قد أظهر هذا البناء. إن المسألة بكل بساطة في هذه, وعندما يناقش الأول عقليا في الحكم الذي أصدره يقول: إنني فيما يستقبل من الأيام سأكشف كيف قام هذا البناء بنفسه, مع أن العقل ببداهته يحكم أن زمانا أكثر سيعطينا تفصيلات أكثر في أمر البناء, تدلنا على صاحبه بشكل أوسع وأدق وأين يلغي الحكم البداهة أبدا.

    والكون كلما تكشف أكثر دل على الله أكثر, وهذه الظاهرة التي ندرسها الآن (ظاهرة الحكمة) خير شاهد على ما قلناه, فالإنسان العادي يرى أن في الكون حكمة فيتعرف بها على الله الحكيم, وكلما ازداد علما. زادت معرفته بهذه الحكمة؛ فما رأينا العلم إلا كاشفا للحكمة.
    وإن أكبر مصيبة ابتلي بها المؤمنون في هذا الزمان, هي دعوى الكافرين العلم حين يكفرون وأن المؤمنين لا يعلمون, وساعدهم على الظهور بهذه الدعوى أن أكثرية المؤمنين في زماننا أقل علما بظواهر الحياة الدنيا من الآخرين, ولكنه بدأ العصر الذي يصبح فيه المؤمنون أكثر علما بظواهر الحياة الدنيا, وبدأوا يثبتون أن مزيدا من العلم يعطي مزيدا من الإيمان.

    قالوا عن الحكمة: إنها وضع الشيء في محله, وبالنسبة للكون بإطلاق: ألا يكون شيء منه يمكن أن يكون أحسن في غير المحل الموجود فيه؟ وهذا واقع الكون, فكل ما فيه على غاية الحكمة, فليس بإمكان العقل أن يتصوره أحكم مما هو فيه. وادرس كل شيء فيه, أجزاء وكتلا, تجد الحقيقة ناصعة تقول لك على لسان حالها: ما أنا عليه من عين الحكمة وهذه أمثلة:

    1- لولا الموت ماذا يحدث؟ قالوا: لو أن ذبابتين توالدتا هما وأولادهما دون موت فإنه بعد خمس سنوات تتشكل طبقة من الذباب حول الكرة الأرضية ارتفاعها 5 سم, وهذا جنس واحد من المخلوقات, فكيف إذا كانت المخلوقات كلها تتوالد ولا تموت, ومن هذا نفهم حكمة المرض, وحكمة وجود مسببات الأمراض من جراثيم ونحوها, ويقول قائل: ترى لو كان الإنسان يموت بلا مرض أليس أحسن؟ أو لو كان يموت بمرض واحد فمتى أصيب بمرض كانت نهايته فيه؟ وقد غاب هؤلاء حكمة وجود الأمل, وحكمة الإنذار وحكمة البصر, وحكمة الاعتبار بهذا الواقع.

    2- ما يخرج من الإنسان وحده, كان يمكن أن يملأ الدنيا, لولا وجود أنواع البكتيريا والعوامل الكثيرة التي تؤثر في تحويل وإبادة هذا الخارج, ومن هنا نفهم حكمة وجود كثير من الموجودات التي يتصور الإنسان مبدئيا أنه لا ضرورة لها, وبالتالي يتوهم أنها موجودة لغير ما حكمة, إنه لو لم يكن في بعض المخلوقات إلا جمالها لكفى الجمال ولو لم يكن في بعض المخلوقات إلا أنها تخيف لكفى ذلك حكمة, إن وجود الخوف من أكبر الحكم, إذ يعلم الإنسان الحذر, وبالتالي ينمي قدراته, ولو لم يكن في بعض المخلوقات إلا أنها تريك محلها مع ما قبلها وما بعدها لتدلك على التناسق, لكان ذلك وحده حكمة, ولو لم يكن في بعض المخلوقات إلا أنك ترى فيها عجائب خلق الله وقدرته لكفى ذلك حكمة.

    3- ويقول بعض الناس: وحتى الشر فيه حكمة؟ وكذلك الألم؟ أليس العدل خيرا من الظلم, والرحمة خيرا من القسوة؟ والرعاية خيرا التيتم؟ والإيمان خيرا من الكفر؟ والقيام بالواجب خيرا من إهماله؟ وبالتالي فما الحكمة في وجود هذه النقائص وغيرها خير منها؟
    ويصل الأمر ببعضهم إلى أن يسألوا لم خلق الله الشر؟ وإلى أن يقولوا: إن وجود الشر دليل على لا إله لأن الإله ينبغي أن يكون خيرا, ولا يصدر عنه إلا كل خير ونقول: أن نحب معرفة الحكمة في كل شيء, أو نسأل حتى نعرف أو أن نحاول المعرفة, فهذا شيء لا غبار عليه مع ملاحظة أن القصور في معرفة الحكمة لا يعني عدم وجودها. وأما أن نسأل الله لم فعلت؟ فهذا لا, ولا يسأل هذا السؤال إلا الجاهل بجلال الله وإحاطة علمه ومتناس محدودية الإنسان بالنسبة لعدم تناهي كمالات الله, والعالم إذا فعل عن علم لا يسأله الجاهل لم فعلت؟ وكما قال الله عن الإنسان: "وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" الإسراء : 85 وإذن: "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" الأنبياء : 23

    وأما أن نقول: إن وجود الشر دليل على أن لا إله فإن هذا محض الجهل, ومحض الضلال, ومحض عدم المعرفة بقوانين الكون, فإن وجود الله قائم عليه من البراهين؛ بحيث يأخذ حكم البداهة عند كل إنسان لم تتعطل ملكاته. وإذن ففي دائرة التعرف على الحكمة نجيب على التساؤلات الآنفة: الزنى شر, فهل خلق آلاته شر؟ لقد خلق الله للرجل أعضاء تناسلية وكذلك لأنثى, وخلق عند الرجل شهوة وكذلك عند المرأة شهوة, والحكمة واضحة, فيما خلق الله، ولكن الإنسان هو الذي نقل استعمال هذه الآلات من الوضع الحكيم الذي خلقت له من أجل بقاء الجنس, على حالة الفوضى الجنسية, فليس الشر إذن من خلق هذه الأعضاء, وإنما الشر فيما فعله الإنسان متجاوزا الحدود التي خلقت الأشياء من أجلها.

    وشرب الخمر شر؛ فهل خلق العنب شر؟ إن العنب في حد ذاته شيء طيب جميل والحكمة في خلقه واضحة, والإنسان هو الذي نقل العنب من وضعه الصالح الطيب إلى الوضع الخبيث الفاسد, واستعمال الحديد في القتل غير المشروع شر, فهل خلق الحديد شر؟ عن وجود الحديد فيه من الحكم مالا يعد ولا يحصى, وإنما كان استعمال الإنسان له استعمالا خاطئا هو الشر.
    والحسد في حد ذاته الذي هو تمني زوال النعمة عن المحسود شر؛ فهل خلق ملكة التنافس عند البشر شر؟ إن ملكة التنافس عند الإنسان من أكبر العوامل التي تؤدي إلى ازدهار العمران وصلاح الإنسان, ولكن الإنسان هو الذي حرف هذه الملكة فيه فكان الشر. فالشر من صنع الإنسان وليس في وجود الملكة, والكبر الذي هو غمط الناس وبطر الحق شر, فهل خلق طلب الكمال والعلو المشروع شر؟ لقد خلق الله عند الإنسان استعدادا كي يطلب الكمال ويطلب العلو في الكمال؛ ولكن الإنسان هو الذي حرف هذا الاستعداد فجعله كبرا, فكان شرا.
    فالإنسان إذن هو الذي بتنكبه عن تحقيق الحكمة فما خلق الله, يحيل الخير إلى شر والصلاح إلى فساد .

    والسؤال الآن: ما الحكمة في جعل هذا الاستعداد الهائل عند الإنسان للخير والشر والجواب على ذلك:
    1- كي يستعمل الإنسان طاقاته كلها فلا تعطل طاقة, طاقة العقل, وطاقة الإرادة وطاقة الروح, وطاقة الفكر وطاقة الجسد فتظهر بذلك كمالات الإنسان في حالة استعمال كل طاقة في طريقها الصحيح, وفي إيجاد التوازن بين هذه الطاقات, وبالتالي يعرف فضل الله على الإنسان. أو في حالة تعطيل بعض الطاقات وإطلاق بعضها الآخر على غير طريق الحكمة يظهر قبح الانحراف عن سنن الله, وآثاره السيئة فيرجع الإنسان إلى الطريق الصحيح.
    2- وبهذا يعرف الإنسان الله حق المعرفة: إذ لا يعرف أن الله غفور إلا أن أخطأ الإنسان واستغفر, ولا يعرف أن الله تواب إلا إذا تاب الإنسان بعد الذنب وأيقن أن الله يتوب عليه, ولا تعرف قدرته المطلقة على خلق كل شيء من خير وشر وهدى وضلال, إلا إذا كان هدى وضلال وخير وشر, وبالتالي لا يعرف الله حق المعرفة إلا إذا كان الإنسان على ما هو عليه, ولذلك كانت حكمة الله في خلق الإنس والجن هي معرفته: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" الذاريات : 56
    إن الإنسان لا يعرف أن الله مجيب إلا إذا اضطر فدعاه واستجاب, ولا يعرف أن الله رزاق إلا إذا شاهد وصول الأرزاق إلى كل مخلوق. ومن هنا ندرك أسرار كثير من الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    3- والذين يطلبون أن يكون عالمنا هذا خيرا محضا يخطئون, إذ أن الحكمة من وجود هذا الكون والإنسان وحياته الأولى فيه هي الابتلاء, ولا ابتلاء إلا بوجود خير وشر, وإنما ينجح الإنسان في الامتحان إذا بذل جهدا إراديا للخلاص من الشر والإقبال على الخير: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" الأنبياء : 35 " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" الملك : 2 "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" الشمس : 7-10 "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى" النازعات : 40-41 فإذا ما نجح الإنسان في امتحان الحياة الدنيا؛ كان مرشحا للحياة في عالم الخير المطلق في الآخرة "لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ" الأنعام : 127 ومن سقط كان أهلا لدخول دار الجزاء على الشر "جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ" إبراهيم : 29 "جَزَاء وِفَاقًا" النبأ : 26

    4- وإن الإنسان إذا استعمل عقله بعلم, سيجد أنه من أصغر ذرات هذا الوجود, إلى كل جزء من أجزائه, إليه جميعا, مليء بالحكم, ولن يجد الإنسان شيئا فيه قد خلا من أجمل الحكم, والأمثلة التي ضربناها في ظاهرة الهداية أو الإرادة أو الإبداع , كلها تصلح أمثلة على الحكمة المبثوثة في كل خلق الله: "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" السجدة : 7 . "صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ" النمل : 88 وهذه أمثلة أخرى جزئية تصلح شاهدة على ظاهرة الحكمة في إطارها الكبير:
    1- ترى لو كانت عينا الإنسان في أعلى رأسه أو في أسفل ذقنه أو في مؤخرته أو ... ؟ أكان ذلك أحكم؟ أم كونهما في مكانيهما الحاليين؟ ترى هل هناك جزء من الإنسان كان خليقا أن يكون أحكم في غير محله؟ إن إنسان يحترم عقله لا يمكن أن يقول: نعم. ( وكأبسط مثال يضرب في تبيان مواطن الحكمة في أجزاء الإنسان يد الإنسان, إنه من الصعب جدا؛ إن لم يكن من المستحيل, أن تبتكر آلة تضارع اليد البشرية من حيث البساطة والقدرة وسرعة التكيف, فحينما تريد قراءة كتاب تتناوله بيدك, ثم تثبته في الوضع الملائم للقراءة, وهذه اليد هي التي تصحح وضعه تلقائيا, وحينما تقلب صفحاته تضع أصابع يدك تحت الورقة وتضغط عليها بالدرجة التي تقلبها بها, ثم يزول الضغط بقلب الورقة, واليد تمسك القلم وتكتب به, وتستعمل الآلة, ويأكل بها الإنسان, ويفتح بها النافذة, ويحمل بها ما يريد, ويلمس بها, وقد يستعملها في تحسس الجمال لنقل إحساساته إلى قلبه, حتى الأظافر فيها؛ تحمي الأطراف لأنها أكثر تعرضا للإصابة, وبدون الأظافر لا تستطيع أن تحك جلدك أو تلتقط الأشياء الدقيقة, وأخيرا فإن الأظافر هي الميزان الصحي للإنسان, إن كل ما فعله الإنسان ساعدت فيه إلى أكبر حد حركة إبهام يده, ولو كانت غير متحركة كإبهام القرد مثلا؛ فإنه لا يستطيع أن يفعل الكثير مما يفعله الآن)

    2- شفة الجمل العيا مشقوقة كي تساعده على أكل نباتات الصحراء الشوكية, وخفافه تناسب الرمل فلا تغوص فيه؛ بخلاف ما لو كان له ظلف أو حافر, وأهدابه الطويلة كالشبكة تحمي عينيه من ذرات الرمل, وسنامه يكنز غذاءه فيه لأمد طويل في غيبة الطعام.

    3- النتح في النبات عبارة عن تبخر الماء من النبات عن طريق الأوراق, الأمر الذي يساعد على صعود العصارات من الأرض خلال الجذور, وتتم عملية النتح بواسطة ثغور موجودة على الورقة, وهذه الثغور تختلف من نبات إلى نبات بحسب بيئته. لذلك يقل عدد ثغور النباتات الصحراوية عن عدد الثغور في نباتات الحقل, مما يقلل النتح في الأولى عن الثانية.

    4- إن الطير أخف من أي حيوان في حجمه, وقد اتضح نتيجة تشريحه أن عظام الطير رقيقة مجوفة؛ لتعمل على خفة جسمه وتجعله بذلك قادرا على الطيران.
    5- في القارة الجنوبية المتجمدة نوع من الطيور يسمى البانجو تضع الأنثى بيضها في أشهر الشتاء المظلمة – حيث تتلبد الثلوج في الأرض والسماء – في جيب جلدي في الطرف الأعلى من رجلها, ويبقى الصغار في ذلك الجيب إلى أن يقووا ويشتد مراسهم.

    6- إن للسمك خطا طوليا على كل جانب من جانبيه, وبفحص هذه الخطوط بالمجهر, وجدت أنها أعضاء دقيقة حساسة إلى درجة كبيرة, فإذا اقتربت السمكة من حاجز أو صخرة تحس هذه الأعضاء باختلاف ضغط الماء نتيجة اصطدامه بالحاجز مهما كان تماوج الماء قليلا, فتتفادى بذلك الاصطدام وتغير طريقها.

    7- يطير الخفاش في الليل حيث لا ضوء على ضعف بصره, ولا يصطدم الخفاش بالحواجز مهما كثرت, وقد تبين أن الخفاش يرسل اهتزازات ترجع إليه بالتصادم مع أي جسم يقابله, فيحس به دون أن يراه, إنه في هذا شبيه بالرادار.
    هذه أمثلة تعطينا صورة مبسطة عن الحكمة المبثوثة في كل شيء, وأن الإنسان كلما ازداد علما ازداد إدراكا لظاهرة الحكمة كما قلنا من قبل, ولكن القلوب العمي, والآذان الصم, والعقول المعطلة, تبقى عاجزة فلا تعي عن الله آية: "وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ" يوسف : 105 "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" الملك : 10

    ترى لو نسب إنسان إلى مجنون, أصم, أعمى, أخرس, صناعة الرادار ألا يشك في عقله؟ بل يجزم بجنونه, أو ليس ينسب اهتزازات الخفاش إلى المادة الصماء, العمياء البكماء, الميتة, أكثر جنونا. "إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" فصلت : 40

    إن في هذا الكون مليارات من شواهد الحكمة في الذرة والخلية, وفي اجتماع الذرات والخلايا, وفي كل نوع من أنواع الخلق وفي كل جزء منه, وفي اجتماع هذا كله, وكل شاهد من هذه المليارات لو نسبه إنسان إلى العدم لكان مجنونا, فكم هؤلاء مجانين أولئك الذين لا يؤمنون بالله الحكيم وكم هم سفهاء إذ يتهمون المؤمنين بخالق الحكمة أنهم مجانين؟ قال تعالى: "وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ* مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ* فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ* بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ* إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ* فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ" القلم : 1-8
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الْمُكَذِّبِينَ" القلم : 1-8
    الظاهرة الثامنة
    ظاهرة العناية

    1- كل نعمة وراءها منعم, وصف دواء لمريض نعمة وراءها طبيب, تأمين طعام لجائع نعمة وراءها مطعم, رعاية الطفل حتى يكبر ويستغني نعمة وراءها أب وأم, وجود بيت فيه كل وسائل الراحة نعمة وراءها ناس عملوا, وهكذا نجد أن المعطيات المصطنعة للإنسان كلها وراءها مباشرة من أعطى واعتنى. أترى هذه المعطيات الكثيرة التي ليست من صنع الإنسان للإنسان, أليس وراءها يد؟ إن مثل الكلام تعطيل للعقل أي تعطيل. ولما كانت هذه الظاهرة ظاهرة العناية والنعمة على الإنسان, من أكثر الظواهر تفصيلا في القرآن لما يترتب عليها من إظهار فضل الله وكرمه ورحمته وعطائه, وبالتالي يستخرج بها شكر العاقل لله العظيم, أو إقامة الحجة على الإنسان وكفره وظلمه وجحوده, وبالتالي استحقاقه كل عقاب؛ فلذلك نبقى في جو شرح القرآن لظاهرة النعمة على الإنسان, والعناية به وكون ذلك دليلا على الله.

    يقول الله تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" النحل : 18 "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" إبراهيم : 34 والملاحظ أن آية من الآيتين ختمت بأن الله لغفور رحيم بينما الأخرى ختمت بوصف الإنسان إن الإنسان لظلوم جهول فوضح من سياق الآيتين وختامهما معا:

    1- إن هذه النعم التي لا تعد ليست مصادفة بل هي من خلق الله, وعفو الله ورحمته هما اللذان يسعان الإنسان المؤمن, إذا لم يقم لله بحق المعرفة أو بواجب الشكر قياما كاملا.

    2- إن جهل الإنسان الذي ينتج عنه الكفر, وكبره الذي ينتج عنه الظلم, هو الذي يجعل الإنسان لا يرى بداهة نعم الله, ويجعله لا ينسبها إلى الله بإخلاص وتجرد, بل ينسبها إلى أي شيء, مهما كان تافها وباطلا: "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" الزمر : 45

    3- وقد أجمل الله ماهية عنايته بالإنسان ونعمه عليه في آيات منها: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا". "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" لقمان : 20 "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ" الجاثية: 13 وفي هذا الإجمال السريع يتبين:

    1- أول مظهر من مظاهر نعمة الله على الإنسان, خلقته على ما هو عليه من معان ظاهرة وباطنة.

    2- وثاني هذه المظاهر أن الأرض بما فيها والسماوات بما فيها مسخرة للإنسان.

    3- إن هذا الإنعام كله بجزأيه على الإنسان من الله عز وجل قال تعالى "وَأَسْبَغَ" وقال: "جَمِيعًا مِّنْهُ" ولا يمكن أن يكون إلا ذاك؛ لأن مناسبة الكون للإنسان وإمكانه تسخيره, لا يمكن أن يكون إلا بمسخر.

    4- وبعد هذا الإجمال, نذكر بعض تفاصيل هذين المظهرين من مظاهر نعمة الله على الإنسان في القرآن:
    1- "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً" الإسراء : 70 "الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" الرحمن : 1-4 "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" التين : 7 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم"فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ" رواه البخاري (6227) ومسلم (2841)
    أي على صفاته على رأي بعضهم, فالله له إرادة وللإنسان إرادة, والله له علم وللإنسان صفة علم, والله حي وللإنسان صفة حياة, والله سميع وللإنسان صفة سمع, والله بصير وللإنسان صفة بصر, والله متكلم وللإنسان صفة كلام, والله حليم وللإنسان صفة حلم, والله رحيم للإنسان صفة رحمة و ..... مع ملاحظة أن الله ليس كمثله شيء؛ وجودا وصفات وأسماء وأفعالا. فلم ينعم على مخلوق من المخلوقات كما أنعم عل الإنسان من حيث ما أعطي من معطيات خلقية ظاهرة وباطنة: "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" لقمان : 20 وكفى بالعقل للإنسان نعمة, وبسبب ما أعطي استطاع أن يسخر هذا الكون بما فيه.
    2- ويعدد الله عز وجل نعمه الكونية على الإنسان, وما أكثر الآيات في ذلك ويكفي أن نعرف أن سورة طويلة هي سورة الأنعام كلها تقريبا تتحدث عن هذا الموضوع, وكذلك سورة النحل, ولنذكر نماذج مختارة من القرآن الكريم: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ" يونس : 5
    "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر" الأنعام : 97 إن الطريق الوحيد للإنسان كي يتعرف على الطريق الصحيح في ظلمات البر والبحر هو النجم, وقد كانت المسألة قديما أوضح منها الآن لكثرة ما كان يستفيد الإنسان من الاهتداء بالنجم, ولكن في الحاضر وإلى الأبد سيبقى الاهتداء بالنجوم شيئا أساسيا. يهتدي بها قاطع الصحراء في سيره, والجندي في معركته هجوما أو انسحابا والإنسان حيث كان, إن السفينة في البحر إذ تسلك طريقها معتمدة على البوصلة وعلى خطوط الطول والعرض هي – حتى في هذه _ معتمدة على النجوم؛ إذ لولا نجم القطب ما عرف طولا ولا عرضا, ولولا النجوم الأخرى ما عرف نجم القطب. وبدون نجوم كم يتعذب الإنسان وكم يضل, وكم تشل حركته, وكم تتقلص دائرة عمله!!
    "وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ" النحل : 15-16
    "اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ* وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ* وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" إبارهيم : 32-34.

    "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ* وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ*
    وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ* وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" الأنبياء : 30-33

    "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ* وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ* هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ* وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ* أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" النحل : 3-18

    "أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ" النحل : 48

    "وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ* وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ* وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" النحل : 65-69

    "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" النحل : 72

    "وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ* وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ* فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ* يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" النحل : 78-83

    "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا* وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا* وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا* وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا* وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا* وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا* وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا" النبأ : 6-16

    "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَعِنَبًا وَقَضْبًا* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" عبس : 24-32

    "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" فاطر : 3

    "وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ" فاطر : 9

    "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ" فاطر : 27-28

    "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ" الأنعام : 141-144

    "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" الأنعام : 95 -96.

    "وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ" الأنعام : 98
    ونختم هذه الآيات بما ختمت به سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" الأنعام : 165

    وفي هذه الآية ترى إجمالا لنعم الله كلها:
    1- كون الإنسان خليفة على هذه الأرض, وفي هذه إشارة لنوعية النعم: نعمة الله على الإنسان في إعطائه الخصائص الظاهرة والباطنة التي استأهل بها تسخير الوجود, ونعمة الله على الإنسان إذ جعل الأرض بما فيها له.

    2-وكون الناس ليسوا سواء؛ بل رفع بعضهم فوق بعض درجات من أكبر النعم. وقد يشكل على بعض الناس كيف يكون جعل الناس بعضهم فوق بعض نعمة, وهذا من قصور الفهم؛ وذلك لأن الحياة الدنيا لا تقوم إلا على هذا, فلو كان الناس كلهم متساوين جمالا وذكاء وقوة وعقلا وعلما وإمكانات, وكانوا كلهم في الدرجة العليا من ذلك فإن وقتذاك لا يوجد كناس ينظف أرضا, ولا عامل يقيم عملا، لكن وجودهم متفاوتين جعل كلا مسخرا في حدود
    طاقاته , إلى جزء من العمل الذي تقوم به الحياة الدنيا ومصالح الخلق وبهذا التفاوت صلاح ناس للإمرة وناس للشورى وناس للجيش, وهكذا.

    ثم بينت الآية الحكمة في وجود هذا التفاوت بين المستخفلين؛ وهو الابتلاء فيما أوتي كل إنسان من مقام ومواهب وإمكانات, فمن استعمل هذه في طريقها الصحيح نجح وإلا فقد سقط, وقد يسقط إنسان أوتي من المكانة أعلاها, وينجح إنسان أوتي المكانة أدناها, ومن هنا ندرك أن أكبر نعمة أنعمها الله على الإنسان إرسال الرسل: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" الأنبياء : 107 "لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ" آل عمران : 164
    إن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم الذين يدلون كل إنسان على الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يستعمل فيه ملكاته كلها, بحيث لا يعطل شيئا منها, وبحيث لا يصطدم مع الآخرين الذين يحسنون استعمال الملكات, وبالتالي تتم نعمة الله على الإنسان بالاستفادة من كل ما سخر له, ولولا هذا لتضاربت محاولات الناس الاستفادة مما سخر الله لهم واصطدموا, وأصبح هذا الفضل على الإنسان بتسخير كل شيء له سببا في شقاء الإنسان كما هو واقع الآن.

    من كل ما تقدم نخرج بما يلي:
    هذا الإنسان هو أكمل مخلوقات هذا الكون, ودراسة كاملة لهذا الكون, تدلنا على أنه سماواته, وأرضه, وحيواناته, ونباتاته, كله مسخر للإنسان لا يشذ عن كل هذا ذرة من ذراته:
    فالنباتات قديمها وحديثها يستفيد منها الإنسان مباشرة أو بطريق غير مباشر ثمرها لغذائه, وساقها لسياراته وشقته وناره, وزهرها للنحل الذي يأكل منه الإنسان العسل وقد تكون غذاء للشاة التي يأكل لحمها, ويشرب لبنها ويستعمل صوفها لثيابه, ويستخرج منها الدواء ويصنع منها الأدوات, ولا ننسى أن البترول كان من الأشجار على رأي بعضهم.

    وهذه الأحياء ما علمنا منها وما لم نعلم؛ أليست كلها للإنسان يستفيد منها بطريق مباشر وغير مباشر: درا وطعاما, ومتعة ونظرا وقد نرى أصنافا من الأحياء لا نعرف الآن ماذا يستفيد منها الإنسان وكيف يستفيد وقد يعرف في المستقبل, ولعل في هذه القصة عبرة:
    (هناك نوع من الصبير يستعمل كسياج للمزارع, نقل إلى أستراليا ووزع هناك وكانت فاجعة إذ امتد بشكل هائل لدرجة أنه كاد يغطي كثيرا من الأراضي الصالحة للزراعة وحار العلماء في هذا الأمر, ثم عثروا على نوع من الجراثيم المرضية لا تعيش إلا على هذا النوع من النبات, فنقلوا هذه الجراثيم بواسطة النبات نفسه, وبدأت الجراثيم تعمل عملها حتى تقلص النبات إلى الوضع المناسب, والملاحظ أن الجرثوم لم يقض على النبات بل بقي النبات ولكن بالقدر الذي ينفع ولا يضر) ولعل في قصة اكتشاف البنسلين وفي وجوده عبرة أخرى , على أن كل شيء في هذا الكون يستفيد الإنسان منه بشكل أو بآخر الآن أو غدا, وعلى كل فإن الإنسان كما يتمتع باللقمة التي يأكلها والثوب الذي يلبسه يتمتع بالمنظر الجميل, وكما يتمتع بالمنظر الجميل, يتمتع بلذة المعرفة, ولئن لم يكن في بعض المخلوقات إلا أنها تدل على حكمة الله ورحمته وسعة عنايته بمخلوقاته, إيجادا وإمدادا , إحياء وإماتة ورزقا لكفى.

    ثم أليست عناصر هذا الكون: حديده ونحاسه, وأوكسجينه, وآزوته, وهيدروجينه, وذهبه, كلها مسخرة للإنسان؟! ثم الأرض بساطه ومأواه ومحل معاشه وقراره؟ ! وفي القمر للإنسان جذبه ونوره وجماله ومعرفتنا الوقت به؟ ! وفي الشمس للإنسان جذبها وحرارتها ونورها وطاقتها التي تبثها؟! وفي النجوم الهادية الجميلة؟! والمياه ودورتها؟! ثم كون هذا الإنسان على ما هو عليه من علم وإرادة وقدرة وحكمة وعقل بحيث عرف الكثير من الأشياء, وكيف يستفيد منها, أليس في هذا دليل كامل على أن هذا الكون خلق مسخرا للإنسان, وأن الإنسان خلق مسخرا لهذا الكون؟! أو ليس في هذا الدليل الكامل على أن هناك ذاتا رتبت هذا للإنسان وأوجدت الإنسان له؟! ذلك الله رب العالمين.
    قال تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ* وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" إبراهيم : 7-8
    "وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" سبأ : 13
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الظاهرة التاسعة
    ظاهرة الوحدة

    إن الدارس لهذا الكون , يرى أن فيه وحدة, تدل دلالة كاملة على أن ذاتا واحدة بعلم واحد وإرادة واحدة وقدرة واحدة قد أوجدته, ومظاهر هذه الوحدة كثيرة منها:
    1- التكامل في أجزاء هذا الوجود الذي يدلنا بدقة على أن خالقا واحدا قد رتب أجزاءه هذا الترتيب الدقيق المتكامل, يقول الأستاذ البنا رحمه الله:
    الملاحظة الأولى: هذا الهواء الذي نستنشقه مركب من عدة عناصر منها جزءان هامان: جزء صالح لتنفس الإنسان ويسمى باصطلاح الكيميائين الأوكسجين وجزء ضار به ويسمى الكربون, فمن دقائق الارتباط بين وحدات هذا الوجود المعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفسه النبات وهو نافع له, ففي الوقت الذي يكون الإنسان فيه يستنشق الأوكسجين ويطرد الكربون, يكون النبات يعمل عكس هذه العملية فيستنشق الكربون ويطرد الأوكسجين.
    وتتم عملية إيجاد التوازن بين الصادر والوارد من غاز الفحم (البحر) , فإنه يمتص كل زيادة موجودة في الجو إذا بلغت هذه الزيادة فوق الحد المناسب.
    فانظر إلى الرابطة التعاونية التكاملية بين الإنسان والنبات والبحر في شيء هو أهم عناصر الحياة وهو التنفس.

    الملاحظة الثانية: أنت تأكل الطعام وهو يتركب من عدة عناصر نباتية أو حيوانية, يقسمها العلماء إلى مواد زلالية ونشوية ودهنية مثلا, فترى أن الريق يهضم بعض المواد النشوية ويذيب المواد السكرية ونحوها مما يقبل الذوبان, والمعدة يهضم عصيرها المواد الزلالية كاللحم وغيره, والصفراء المفرزة من الكبد تهضم الدهنيات وتجزئها إلى أجزاء دقيقة يمكن امتصاصها, ثم يأتي البنكرياس بعد ذلك, فيفرز أربع عصارات تتولى كل واحدة منها تتميم الهضم في عنصر من العناصر الثلاثة النشوية أو الزلالية أو الدهنية, والرابعة تحول اللبن إلى جبن, فتأمل هذا الارتباط العجيب بين عناصر الجسم البشري وعناصر النبات والحيوان والأغذية التي يتغذى بها الإنسان.

    الملاحظة الثالثة: ترى الزهرة في النبات, فترى لها أوراقا جميلة جذابة, ملونة بألوان مبهجة فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأن هذا إغواء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتص رحيق الأزهار, لتسقط على الزهرة وحتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها, وانتقلت بذلك من الزهرة الذكر إلى الزهرة الأنثى فيتم التلقيح, فانظر كيف جعلت هذه الأوراق الجميلة في الزهرة حلقة اتصال بين النبات والحيوان؛ حتى يستخدم النبات الحيوان في عملية التلقيح الضرورية للإثمار والإنتاج.
    هذا التكامل تجده في كل شيء بين الليل والنهار, السماء والأرض, الشمس والقمر, الأعضاء المذكرة والأعضاء المؤنثة والإنسان والحيوان والنبات.

    إن في هذا الكون وحدة مظهرها تكامل أجزائه تدل على أن لها خالقا وأنه واحد. أما لم دلنا هذا على الوحدانية؟ يجيب على هذا الأستاذ البنا فيقول: (إن التعدد مدعاة الفساد والخلاف والعلو ولا سيما شأن الألوهية الكبرياء والعظمة, وأيضا فلو استقل أحد المتعددين بالتصرف تعطلت صفات الآخرين, ولو اشتركوا تعطلت بعض صفات كل منهم, وتعطيل صفات الألوهية يتنافى مع جلالها وعظمتها فلا بد أن يكون الإله واحدا لا رب غيره) وقد ذكر القرآن دليل التكامل ودلالته على الخالق ووحدانيته في أكثر من سورة:
    قال تعالى: "قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" النمل : 59-64.

    "أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ* لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ* أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ
    وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" الأنبياء : 21-25.

    "قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ* بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" المؤمنون : 84-92 .

    "قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً* سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا" الإسراء : 42-43.

    2- ومن مظاهر هذه الوحدة في الكون, ذلك التناسق والترتيب الذي ذكره الله في القرآن بقوله تعالى: "مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ
    ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ" الملك : 3-4

    وهذه أمثلة من هذا الكون تدلك على هذه الوحدة الشاملة المتناسقة فيه:
    1- إن الإلكترون يدور على عكس عقارب الساعة, والأرض تدول على عكس عقارب الساعة, والشمس تدور على عكس عقارب الساعة, والكواكب السيارة تدور على عكس عقارب الساعة, والقمر وكل الأقمار تدور على عكس عقارب الساعة, والنجوم كلها تدور عل عكس عقارب الساعة, ومجرتنا التي تضم بين أجزائها مجموعتنا الشمسية تدور على عكس عقارب الساعة, والإلكترون يدور على مدار بيضوي إهليجي والأرض تدور حول الشمس على مدار بيضاوي إهليجي, وكذلك الزهرة ونبتون والمشتري والكواكب السيارة, ومحور الأرض مائل. ومحور القمر مائل, ومحور المريخ مائل. ومحور الشمس مائل. والعجيب أن النسبة بين النوات وإلكتروناتها كالنسبة بين الشمس وكواكبها السيارة.

    2- إن ذرات الوجود كلها تقوم على الزوجية, كهرباء سالبة وكهرباء موجبة, فإذا ارتقينا إلى النبات وجدنا عنصر الزوجية, فإلى الحيوان كذلك, فإلى الإنسان كذلك وحتى في الأحياء المخنثة توجد أعضاء ذكرية وأخرى أنثوية قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ" يس : 36 وفي الأرض نفس العناصر التي تؤلف الشمس, ونفس العناصر التي تؤلف كل الكواكب, والكون بكل عناصره مؤلف من بروتونات وإلكترونات كعناصر أساسية, وهناك نيترونات كشحنات كهربائية معتدلة تكون في نواة معظم العناصر.

    3- في هذا الكون قوة ومنابع قدرة, وتحكمه قوانين, وإنك لتجد أدق معاني التناسق والوحدة بين هذه القوى والقوانين, كمثال:
    من منابع القوة والقدرة في هذا الكون: الضوء والحرارة والأشعة السينية, والأشعة اللاسلكية, والأشعة البنفسجية, وتحت الحمراء, هذه القوى كلها ترجع إلى شيء واحد هو تلك القوة الكهربائية المغناطيسية ولها جميعا سرعة واحدة وإنما اختلافها اختلاف موجة.
    ومن قوانين هذا الكون, قانون الجاذبية الذي يحكم الوجود كله من أصغر ذراته إلى أكبر أجرامه, والذي نصه: كل شيء له كتلة يجذب كل شيء آخر له كتلة, وقوة التجاذب التي بينهما تزداد ازديادا طرديا بزيادة أي الكتلتين, فالقوة تتناسب تناسبا عكسيا مع مربع البعد بينهما. والآن عرفنا أن هناك قوتين أو نوعين من القوى؛ القوة المغناطيسية الكهربائية وقوى الجاذبية وكلها ترجع إلى أصل واحد.
    يقول أينيشتاين: (إن روح العالم النظري لا تحتمل أن يكون في الوجود شكلان لقوى لا يلتقيان شكل للجاذبية القياسية, وشكل للمغناطيسية الكهربائية)

    4- وهاتان قصتان تدلا على التناسق أولا, وفي التشابه بينهما دليل على الوحدة الكونية:
    الأولى: إن لاختلاف العناصر الأصلية في هذا الكون, أثر عند اختلاف عدد إلكتروناتها وبروتوناتها , والوزن الذري أثر من آثار هذا العدد , وخواص كل عنصر أثر من آثار هذا العدد, وقد استطاع العالم الروسي مندليف أن يصنف العناصر بحسب وزنها الذري ووضع لها جدولا على هذا الأساس وكان ترتيب العناصر متدرجا صاعدا, ولكن مندليف فوجئ بفراغ كالفراغ الذي سنذكره بين المريخ والمشتري.
    إذ أنه وجد أن درجات السلم الدوري للعناصر تطرد بتتابع لا فراغ فيه, إلا في ثلاثة عناصر, فإما أن يكون هذا القانون الدوري غير مطرد وغير صحيح, وإما أن يكون صحيحا ومطردا, فلا بد حينئذ من وجود هذه العناصر المفقودة في نفس تلك الدرجات الفارغة, وكان مندليف واثقا من صحة قانونه الدوري, فأخذ يؤكد أن هذه العناصر الثلاثة المفقودة لا بد من وجودها على الأرض, بل إنه استطاع على أساس وزنها الذري الذي يأتي في الدرجات الفارغة أن يحدد كل الخواص الكيميائية التي لها كأنه يراها, وقد رأى مندليف قبل موته صحة نظريته العلمية, واكتشف العلماء العناصر المفقودة بكل خصائصها كما حددها مندليف.

    الثانية: أقرب الكواكب إلى الشمس عطارد وبعد 36 مليون ميل, فالزهرة ومتوسط بعدها 67 مليونا, فالأرض 93 مليونا, 6فالمريخ 142, فالمشتري 484 مليونا فزحل 887 مليونا فأورانوس 1782 مليونا, فنبتون 2792 مليونا من الأميال, ويهمنا أن نعرف النسبة في هذه الأعداد. إن أبعاد هذه السيارات عن الشمس جارية على نسب مقدرة ومطردة تسير وفق 9 منازل: أولها الصفر, ثم تليه ثمانية أعداد تبدأ بالعدد 3, ثم تتدرج متضاعفة هكذا 2-6-12-24-48-96-192-384 فإذا أضيف إلى كل واحد منها العدد 4 ثم ضرب حاصل الجمع بتسعة ملايين ميل, ظهر مقدار بعد السيارة التي في منزلة العدد عن الشمس؛ أي أنه بإضافة 4 إلى كل منزلة تصبح المنازل التسع هكذا: 4-7-10-16-28-52-100-196-388 فإذا أخذنا أعداد المنازل هذه, وضربنا كل عدد منه بتسعة ملايين, يظهر لنا بعد السيارة التي هي في منزلة ذلك البعد عن الشمس؛ فعطارد مثلا يبلغ متوسط بعده عن الشمس 36 مليون ميل, وبما أن منزلته في البعد هي الأولى فيكون رقمه 4, فإذا ضربنا 4×9 يكون حاصل الضرب 36 مليون ميل, وهكذا تسير النسبة في بعد كل سيار عن الشمس مع فروق مختلفة قليلة.

    ولكنهم وجدوا أن منزلة العدد (28) ليس فيها كوكب, بل تأتي بعد العدد 16 الذي صاحبه المريخ, العدد 52 الذي صاحبه المشتري, فما هو السر في هذا الفراغ؟ إما أن تكون النسبة التي اكتشفوها غير مطردة, وإما أن يكون هناك كوكب غير منظور في مرتبة العدد 28 على بعد 252 مليون ميل عن الشمس, أي بين المريخ والمشتري وأخيرا وجدوا هذا الشيء الذي لا بد من وجوده, ولكنهم لم يجدوه كوكبا كبيرا؛ بل وجدوا كويكبات صغيرة كثيرة تدور كلها في الفراغ المذكور الذي بين المريخ والمشتري, أي في نفس المنزلة التي حسبوها من قبل فارغة, فكأنه كوكب تحطم.
    هاتان قصتان متشابهتان في قضيتين مختلفتين, كل واحدة منها تتمم الأخرى لتكملا عندك الشعور؛ بأن يدا واحدة قد خلقت قوانين هذا الوجود وعناصر وجزيئاته وكلياته.

    وللنجوم قصة:
    (فقد عرف الإنسان شيئا من مواقع النجوم, وعرف أن لها أقدارا ثابتة بحسب نورها وعددها. عدوا منها في الماضي البعيد ستة أقدار ووقفوا, ثم ما زالوا يكتشفون الجديد حتى وصلوا إلى القدر العشرين, ثم إلى القدر الحادي والعشرين, والعجيب في هذه الأقدار أنها تسير مترقية أو متدنية - بحسب عدد النجوم تارة, وبحسب قوة نورها أخرى – في نسب مدهشة تطرد في عدد النجوم, فتزداد تباعا من قدر إلى قدر, فيكون عدد نجوم القدر الأول 14 نجما, ثم لا يزال يزداد حتى يبلغ في القدر العشرين 76 مليون نجم, ويبلغ في القدر الحادي والعشرين ملياري نجم, أما في قوة النور فقد شوهد أن تلك الأقدار تزداد باطراد من القدر الأول إلى القدر العاشر, فكلما زاد عدد النجوم في القدر زادت قوة النور, وأما بعد العاشر فتنعكس الآية وتأخذ قوة النور في التضاؤل.

    ومن مظاهر هذه الوحدة في هذا الكون اتصال أفق النبات بأفق الحيوان, واتصال أفق الحيوان بأفق الإنسان, فترى في عالم النبات تدرجا من أدنى إلى أعلى مع التشابه, وتجد أعلى آفاق النبات متصلا بأدنى آفاق الحيوان, وأعلى آفاق الحيوان متصلا _ نوع اتصال _ بأفق الإنسان, حتى حسب الحاسبون أن هناك بذرة أولى كان منها تطور وارتقاء حتى أصبحت الأحياء على ما هي عليه. وقد ناقشنا هذه النظرية وبينا بطلانها في ظاهرة الحياة, ولكن القول بها دليل على ما بيناه من أن في أحياء هذا الكون وترقياتها وحدة تدل على وحدة الصانع الذي خلقها أجناسا وأنواعا, وجعل بعضها أرقى من بعض: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم" الأنعام : 38

    ومن مظاهر الوحدة في هذا الكون أن المادة كلها من نور, إذ أن عناصر المادة كلها تؤول إلى ذرات وكهارب, وأن هذه الذرات والكهارب تنشق فتؤول إلى شعاع.
    ومن مظاهر الوحدة أنك تجد أن أجنة الحيوان والإنسان في الشهور الأولى من الحمل متشابهة تشابها تاما, فإذا بهذا التشابه يخرج منه ذلك الخلق المختلف.

    وهذه المظاهر كلها تدل على التنسيق والترتيب, فإذا أضفنا إليها ظاهرة التكامل, عرفنا جزما أن ذاتا واحدة، بعلم واحد, بإرادة واحدة, بقدرة واحدة, هي صانعة هذا كله.
    أما لم نسبنا هذا الوجود والوحدة فيه إلى خالق؟ ولم حكمنا أن هذا الخالق واحد؟ وما الرد على عباد الطبيعة؟ فهذا ما سيأتيك الجواب عنه في الفصول الثلاثة التالية بالتفصيل:
    1- السببية
    2- الطبيعة
    3- التوحيد
    وهذه الفصول الثلاثة منقولة من كتاب الوجود الحق للدكتور حسن هويدي.

    وإنما وقفنا عند هذه الموضوعات الثلاثة هذه الوقفة, لأن أعظم صراعات الإسلام المعاصرة, صراعه مع الماديين الذين ينكرون قانون السببية في حق الكون, ويعللون لحوادث الكون بأنها فعل الطبيعة, والصراع الضخم الآخر صراع الإسلام مع القائلين بالتعدد كالنصارى القائلين بالتثليث والمجوس القائلين بالثنوية والمشركين عموما, وللتأكيد على السببية وعلى دحض فكرة الطبيعة وعلى تعميق التوحيد نذكر فصلا رابعا نجعله تحت عنوان عود على بدء للشيخ سعيد النورسي.

    1- السببية
    منذ امتياز هذا الإنسان بالإدراك وإشراق أشعة عقله على الوجود, تساءل ولا يزال عن مبدئه ومنتهاه, فهو يتساءل من أين أتى وإلى أين يصير؟ وهو إذ ينصرف فكره إلى أن وروده المباشر إلى هذا العالم؛ إنما كان من رحم أمه, أو من نطفة أبيه, لا يقتنع بهذه النظرة السطحية القريبة, دون النظر إلى المبدأ الأول, والبحث عن السبب الأساسي الذي ترجع إليه جميع الأسباب.

    ولهذا الدافع العميق الممتزج بالنفس البشرية, والذي ولد معها, وما زال يلازمها, كان الجواب على هذا السؤال شغل المحققين الشاغل؛ فنشأت أحكام مختلفة, ونظريات متباينة وكان منهم مخطئ ومصيب. غير أننا إذا نظرنا إلى ما بين أيدينا من السماء والأرض؛ نرى أن المطر ينهمر من سحاب, وأن الثمر يحصل من شجر, وأن الشجر ينبت من الماء والتراب, وأن الماء ينشأ من عنصر الأوكسجين والهيدروجين ولم يشاهد الإنسان منذ فتح عينيه على الوجود أن حادثا حدث من غير سبب, أو أن شيئا وجد من غير موجد, حتى أضحى هذا المعنى بحكم الواقع القاهر لا يتصور العقل خلافه ولا يطمئن إلى غيره, ولا يأبى الإقرار به إلا عقل مريض شأن المعتوهين, أو عقل قاصر شأن الطفل الذي يكسر الإناء ثم يقول: إنه انكسر بنفسه؛ ولذلك وجدنا ذلك العربي قد أدرك هذه السببية بفطرته النقية فنادى نداءه المشهور: البعرة تدل على البعير, والأثر يدل على المسير, ليل داج, ونهار ساج, وسماء ذات أبراج, أفلا تدل على الصانع الخبير.

    لهذا الواقع الصريح , والإدراك القاهر , وجريان الحوادث أبدا على هذا القانون أضحى هذا المبدأ مسلما به في كتب الفلسفة, وسمي بمبدأ السببية وهو أول مبادئ العقل المديرة للمعرفة, لأنه أساس الأحكام العقلية والمحاكمات المنطقية, ولو التفت إلى كلماتك التي تخاطب بها الناس صباح مساء, والأحكام التي تنظم بها شؤون حياتك, لوجدتها لا تخلو في أي مرحلة من المراحل من الاستناد إلى مبدأ السببية.

    إذا, فقولنا: لا بد لكل حادث من محدث أمر يقيني مسلم به ولا يقبل العقل غيره, وبالتالي محال على حادث أن يحدث بذاته, وعلى شيء أن يوجد بغير موجد, وإليه الإشارة في القرآن الكريم "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" الطور : 35

    نقول بناء على هذه القاعدة: إن عالمنا هذا من أرض وجبال, وشجر ودواء وكواكب وشموس, لا بد له من محدث, وإن هذه الحوادث الفرعية الكثيرة, مندفعة عن أسباب, وهذه الأسباب مندفعة عنه أسباب أخرى أقل من الأولى, ولا بد أن نصل بالنتيجة إلى سبب لجميع هذه المسببات, ومحدث لجميع هذه الحادثات, لأننا كلما رجعنا إلى الأصل الذي اندفعت عنه المسببات, قلت العوامل الدافعة, حتى نصل أخيرا إلى مسبب واحد. كنظرك إلى أغصان الشجرة المتعددة المتشابكة, فكلما ذهبت تبحث عن أسبابها, ذهبت إلى قليل من كثير, حتى تنتهي إلى ساق واحدة, وإنك تجد لهذه أمثلة كثيرة, هي من الظهور بمكان لا تحتاج معه إلى الوقوف الطويل وضرب الأمثال.

    إذا, فإنكار محدث للحوادث, وموجد للوجود, تناقض مع العقل, وإقامة على الخطأ, ولعله لهذا الإلزام المنطقي الذي لا مناص منه, سماه ابن سينا بالواجب الوجود, حفاظا على حرمة العقل من أن يوصم بالتخليط والتناقض, أو البلاهة والتبلد إذ يستحيل أن ينبثق الوجود من العدم.
    هذا وإن قدم المبدأ, أو قول كثيرين به, أو ظهوره بمظهر البديهية لا يقضي عليه ولا يخرجه من الحق إلى الباطل, ما دام العقل يمليه, والواقع يؤيده, إلا إذا كان الداعي إلى الإنكار, استكبارا على كل قديم, أو عقوقا للمنطق السليم, أو جريا مع كل هوى سقيم, شأن الحمقى والمرضى والمغرورين.

    وقد يقول قائل: إن هذا المحدث لجميع الحوادث هو الطبيعة, وسيأتي الكلام على الطبيعة, أو يقول: إذا أقررنا بوجود الخالق, فمن الذي أوجد الخالق؟ وسيأتي تفصيل ذلك.
    والذي نريد أن نخلص إليه الآن واضحا مجزوما به: لا بد لكل حادث من محدث, إذن فلا بد لهذا العالم من خالق.

    هنا قد يثير بعض النقاد قضية قدم العالم وحدوثه, فيقول: إن هذه القاعدة تستقيم إذا سلمنا بحدوث العالم ولم نقل بقدمه.
    ونقول: إن البرهان ملزم بالقول بحدوث العالم ونفي قدمه, فقد قال الإمام الغزالي بناء على ملاحظة الحركة والسكون: إن دورة من الفلك: إما أن تكون شفعا أو وترا فإن كانت شفعا فقد أتمت عددا فرديا, وإن كانت وترا فقد أتمت عددا زوجيا, إذن فالعدد السابق على كلا الحالين محدود, ولما كان محدودا فهو حادث قطعا ولو استمر الناقد فقال: إن أصل العالم (هيولاه) قديم, والحركة طارئة, قلنا له: من أين طرأت الحركة به, فهو إذن إقرار منه صريح بوجود مرجح آخر أثر على العالم بإيجاد الحركة, بل هو استعجال فاصل للإقرار بوجود خالق للعالم, فالناقد بين أمرين: إما أن يرجع إلى قولنا بالحدوث فيعترف بالخالق, أو أن يقر بوجود المرجح وهو اعتراف بالخالق, إذن, فنقد الناقد واه لم يصل إلى القرارة ولم يثبت للنقد, والقول بقدم العالم باطل لا يسنده برهان, وهكذا تنهار المادية الجدلية التي تقول بقدم العالم, هربا من الإقرار بوجود خالق للعالم, وتفلتا من البرهان الملزم, والدليل القطعي.

    وقد تستغرب قولي بانهيارها بهذه السرعة, ولكني أقول: إن عقدا من النظام لو بلغ ألف حبة, لانفرط كله بحل العقدة الأولى. وإن لم ترد ذلك, فاحذف من المادية الجدلية كل ما بني على أساس قدم العالم من الأحكام, فأول حكم تهدمه من أحكامها الأساسية إلحادها في الخالق, وعند القول بخالق الوجود؛ تنشأ أحكام أخرى تهدم أحكامها الفرعية كما سترى, دون أن يكون البحث موجها إلى الفروع خاصة, ولكن بروز الحقيقة في الأصل يهدم بصورة عفوية كل باطل فرعي.

    2- الطبيعة
    بعد ما تبين لك, بما لا يقبل الشك, وجود الخالق الأول, وأنه الكامل المطلق, وأن السؤال عن خالق الكمال المطلق لا يصح, وتبددت أمامك تلك الشبهات, بقيت شبهة من شبهات العصر, وضلالة أخرى من ضلالته, وهي كما سيظهر لك مصطنعة كما تصطنع الأصنام, مخيمة على الأحلام كما تخيم الأوهام, ولكنها بكل أسف, مع اصطناعها هذا وعدم استنادها إلى أساس, نجدها مسيطرة على عقول كثير ممن يدعون الثقافة والمعرفة, وقد انطلت عليهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتمحيص. تلك الشبهة هي الطبيعة, إله العصر المزعوم.
    حينما تبادر أحد الطبيعين بالقول:
    من خلق السماوات والأرض؟ يقول لك: الطبيعة
    من خلق النبات والحيوان؟ يقول لك: الطبيعة
    من خلق الإنسان؟ يقول لك: الطبيعة
    من يدبر جميع هذه الأمور الفلكية, والحيوية والغريزية, وكل بحساب دقيق ونظام لا يحيد, فسيقول لك: الطبيعة.
    وهو يتذرع لك بهذا السبب لأنه لا يستطيع أن يقول لك: إنها تحدث بذاتها, أو من تلقاء نفسها, وينكر قانون السببية, فهو أصاب حين أقر بالسببية, وأخطأ حين جهل السبب, وليس شأننا حين البحث في هذا الأمر أن نكتفي بالتسفيه والتشنيع, ولكننا نناقش الأمر من جميع الوجوه, فما كان من حق أقررناه, وما كان من باطل فندناه, والعاقل الذي يصيخ إلى المنطق, والجاهل الذي يتبع هواه, ويقيم على الباطل ولو تبين له الحق.
    فما هي الطبيعة؟ وما هي مفاهيمها؟ وما هي حقيقة تأثيرها؟

    الطبيعة في اللغة: السجية والخلق. غير أن للطبيعة اليوم في عقول الناس حسب تفاوتهم مفهومين:

    المفهوم الأول: إنها عبارة عن الأشياء ذاتها فالجماد والنبات والحيوان, كل هذه الكائنات هي الطبيعة, وهو مفهوم غير دقيق, وحكم غير سديد كما سيتبين لك.

    المفهوم الثاني: إنها عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها؛ فهذه الصفات: من حرارة وبرودة, ورطوبة ويبوسة, وملاسة وخشونة, وهذه القابليات: من حركة وسكون, ونمو واغتذاء, وتزاوج وتوالد, كل هذه الصفات و القابليات هي الطبيعة.
    وسواء أكان القول الأول أو القول الثاني هو المعبر عن الطبيعة بحق, فما نصيب هذا القول من الحق؟

    أما القول الحق: فلا يخرج بالطبيعة بالنسبة لخلق الوجود عن تفسير الماء بالماء, فالأرض خلقت الأرض, والسماء خلقت السماء, والأصناف صنفت نفسها, والأشياء أوجدت ذاتها, فهي الحادث والمحدث, وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته, وبطلان هذا القول بين, فهو إما إدعاء بأن الشيء وجد بذاته عن غير سبب وقد تبين لك فساده بقانون السببية وإما إدماج الخالق والمخلوق في كائن واحد, فالسبب عين المسبب وهو مستحيل؛ بل هو من التهافت والتناقض بحيث لا يحتاج إلى الوقوف والشرح.

    وأما القول الثاني: وهو الاعتماد على قابليات الأشياء وخصائصها في التكوين, فنقول فيه: الحقيقة إن الذي يعزون الخلق إلى تلك القابليات والخصائص, لا يعدون عن كونهم وصافين لتلك الظواهر، لا يعرفون كنهها, ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقتها, ولو فعلوا ذلك لوجدوا أن القابلية التي اعتمدوا عليها في خلق الشيء سراب خادع يحسبه الظمآن ماء, حتى إذا جاء إليه لم يجده شيئا, ولإيضاح ذلك بالطريق العلمي نضرب المثال التالي:
    نضع حبة في التراب, ونسقيها بالماء فتنتفخ, وتنفلق, فيظهر منها الرشيم, ويندفع منه الجذر إلى الأسفل, والساق إلى الأعلى, وتنشأ الأوراق فالأزهار فالثمار, وتكون الحبة قد أنتجت تفاحة مثلا.

    فالقابلية التي كانت في الحبة هي الانتفاخ ثم الانفلاق ثم ظهور الرشيم. ولولا هذه القابليات المتوالية لما اطردت تلك الظواهر الحيوية, ولما نشأت عنها الثمرة. فلنأت إلى هذه القابلية بالذات نبحث عن حقيقتها: لو لم تنتفخ الحبة وتنفلق لما نشأ شيء. فمن الذي نفخها وفلقها؟ لو كان للحبة عقل وتدبير لقلنا: إن عقلها هو الذي هيا لها ذلك, ولو أن الماء هو الذي نفخها وفلقها, لأمكن للماء أن ينفخ في الحديد ويفلقه, إذن فلا بد من مؤثر وقبول لتأثير ذلك المؤثر, وإذا كانت الحبة بذاتها جدلا انتفخت وانفلقت, فلماذا لم تجمد وتضمر بدلا من أن تنتفخ وتنمو؟ ولكي يحصل التكاثر والبقاء, يحتاج الأمر إلى عقل وإدراك, ومنهاج مرسوم من قبل تلك البذرة, والبذرة لا تملك شيئا من ذلك! فكيف حصلت إذن ثمرة بعينها, بل كيف حصلت ثمار كثيرة متنوعة, وكيف كمنت الغاية المعينة والصفات المقصودة في صميم كل بذرة منها؟
    والحقيقة أن من أنعم النظر في تعبير الطبيعين المستندين إلى القابلية: طبع النبات على ذلك, انتفخت الحبة, وانفلقت, وتوالدت الخلايا, تميل الخلية الحية إلى الانقسام؛ يجد أنها جميعها أفعال مبنية للمجهول لجهل الفاعل الحقيقي, فكأن الطبيعي أغمض العين عن السبب الحقيقي, وبنى الفعل للمجهول تخلصا. فمن الذي نفخ الحبة؟ ومن الذي فلقها؟ ومن الذي أدى إلى التوالد؟ ومن الذي جبل الخلية على الانقسام؟ كل هذا التحقيق لا تصل إليه نظرة الطبيعين القصيرة بل المقتصرة على وصف الظواهر, دون الذهاب إلى أسبابها, بل المخطئة في جعل الصفة المنفعلة سببا فاعلا, والقابلية مؤثرا, والظاهرة المجهولة عاملا مكون, فالانتفاخ صفة, نشأت عن المؤثر الخارج عن الشيء, وعن قبول أثره في ذلك الشيء. والانفلاق صفة, والامتداد صفة.

    وما زاد الطبيعي على أن جعل من مجموع هذه الصفات مفهوما مركبا, سماه قابلية التوالد والنمو. فجعل من القابلية التي هي عرض من أعراض الشيء سببا في الخلق, ومن الصفة الانفعالية التي لا تعي ولا تدرك, سببا فاعلا واعيا في تكوين الأشياء! إذن فمن الذي ركز الطبيعة في العناصر؟ ومن الذي نوع تلك الطبائع؟ إن بذرة الأجاص, وبذرة المشمش, حين توضعان في التراب تنتج كل واحدة منهما ثمرا يختلف عن الآخر, بلونه وطعمه, ورائحته, مع أنه يسقى بماء واحد, ومع اتفاقنا على أنه ليس للبذرة عقل, ولا لجذر الشجرة إدراك, فكيف كان الجذر يمتص الماء, ويصطفي ذرات بعينها, وينضح النسغ ويسوقه إلى الثمر, ويكون العصارة, وينشئ الحلاوة؟! كل ذلك يجعلنا نسأل عن السبب, ولا نقف عند المجهول, ولا نكتفي بوصف الظواهر, بل لا نصف هذه الظواهر خطأ بأنها أسباب الخلق الحقيقية, ونحن نعلم أن القابلية ليست إلا صفة من صفات الشيء فكيف تختلقه؟ وأن الحبة بالنسبة للنبات جماد لا يعقل؛ فكيف تنوعه؟ وإذا لاحظت أننا مجبرون بحكم هذه النظرة إلى طبائع الأشياء, أن نسأل عن حقيقة تلك الطبيعة, وعمن طبع الأشياء عليها, وكيف تؤثر؟ وهل تبدع أم تصنف وتركب, وهل هي فاعلة بذاتها, أم منفعلة لغيرها؟ أدركت أن الطبيعين قد نقلونا من مجهول واحد إلى مجاهيل كثيرة, ومن الأصل الحاسم إلى الفروع التي لا تحسم الأمر, فبينما كنا نسأل عن خالق الحبة وفالق النواة, انتقلنا بتلك النظرة القصيرة المتجاهلة إلى صفات انفعالية ليس لها من القدرة على الخلق نصيب, ولولا قصر النظر عند الطبيعيين على هذه الأسباب الغريبة المحيرة دون مبرر؛ لوجدنا الجواب شافيا منطقيا منسجما مع ما تقدم من التحقيق العلمي في الآية الكريمة التالية: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" الأنعام : 95 وبذلك ترجع الأسباب كلها إلى الخالق الأول وتعرف المجاهيل, ويحسم الأمر.

    ولكي نزيد الأمر وضوحا , نضرب لذلك مثلا. محرك السيارة, فإن تحرك أجزاء المحرك, واحتراق البنزين, والقوة الدافعة في محصول الانفجار, كل تلك الخصائص قابليات وطبائع, فهل تجد أن القابلية غير ذات الشيء, وأنها إن كانت سببا في اندفاع الظواهر, وبروز المظاهر, فهو في حدود التركيب والتصنيف, لا في حدود الخلق والإبداع, وهي في المراحل الأخيرة, لا في المرحلة الأولى من خلق الوجود, ولذلك إذا أراد الطبيعي الخروج من هذا المأزق, وأقر معنا من أن هذه الطبائع أسباب فرعية في مجال التكاثر والتنويع, ولا تعدو في حقيقتها نوعية تساند الأسباب التي تكلمنا عنها في مبدأ السببية. قلنا له: رجعت إذن إلى الأصل الذي بحثنا عنه من قبل وأثبتناه, ولم تستطع أن تجد ضمن الكائنات من طبائعها ما يصح أن يكون سببا لإخراج الوجود من العدم. وإذا أردت أن تعرف العلة النفسية في تكوين هذا الإله الزائف الطبيعة لدى بعض الناس, وجدتها في السلسلة التالية.

    عاين الإنسان صفة الشيء, فأضاف الصفات بعضها إلى بعض, وكون من مجموع الصفات مفهوما, وسمى المفهوم قابلية أو طبيعة, ومالت النفس إلى الراحة والاختصار فجعلت من تلك الطبيعة في خيالها ذاتا مستقلة فعالة, وأسلم لها خاضعا, من بعد أن صنعه بيده كما يفعل عابد الوثن, يصنعها ثم يتخيل أن له النفع والضر, ثم يعبده.

    وما أشد التشابه بين من كان يعبد الأصنام من قبل ويجادل عنها, ومن يعبد الطبيعة اليوم ويجادل عنها, فالعلة النفسية واحدة, ونوعية الخطأ واحدة, ألا وهي الاصطناع في أول الأمر, وتوهم الاستقلال والتأثير في آخره, وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الخدعة في آيات كريمة منها:
    "مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" يوسف : 40
    "قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ" الأعراف : 70-71
    فانظر من أي ناحية ضل البشر من قبل, ومن أي ناحية يضلون اليوم, والقضية ليست إلا أسماء يسمونها في البداية, ثم يجادلون كحقيقة واقعة في النهاية.

    وخلاصة القول في الطبيعة: أنها إما قول بأن الأشياء حدثت بذاتها؛ وهو قول ساقط من كل اعتبار.
    وإما قول بأن الصفات تختلق الذات, وهو أشد تداعيا وسقوطا من القول الأول؛ لأنه إذا عجزت ذات الشيء عن خلقه, فكيف تستطيعه الصفات؟ وإما اعتبار للقابلية على أنها سبب متأخر كبقية الأسباب, فتفتقر إلى السبب الأول وهو الذي نقول به.
    إذن ففي الأحوال الثلاثة لا بد من الرجوع إلى الخالق الأول, وتأتي الطبيعة متأخرة منفعلة له مفتقرة إليه.
    وهكذا تجد أن الطبيعة – إله العصر المزعوم – لم تثبت أمام النقد المنطقي والشرح العلمي, وليست بالنسبة للموجودات سوى صفاتها وقابليتها وقوانينها التي تجري عليها, وأن طبائع الأشياء لا تخلقها.

    3 – التوحيد
    إذا كان سراب الطبيعة قد تبدد أمام ناظريك, وأصبح أفق معرفة الخالق الأول واضحا لديك, أمكنك أن تستكمل معرفتك هذه بالتعرف إلى صفاته عز وجل, التي يلزمك بها البحث, مستندا إلى الحقائق المتقدمة, وصفاته التي تستنتج من ذلك فنقول:

    هو الأول: ليس قبله شيء, لأن القول بشيء قبله يجعل له حدودا, والحدود من صفات الحوادث, وقد فندنا ذلك من قبل.

    وهو الآخر: وليس بعده شيء للمحذور نفسه, فهو إذن الأزلي الأبدي.

    وهو الحي: الحياة المطلقة, لأنه الواهب الحياة للأحياء, ولا يصح إلا أن تكو مطلقة, لأن النسبية من صفات الحوادث.

    وهو السميع العليم البصير القدير: لأن هذه الصفات لوازم صفة الحياة, ولما كان الإطلاق صفة لحياته, كان الإطلاق ملازما لجميع الصفات الأخرى, بحيث لا يعجز السمع أو البصر أو العلم أو القدرة معجز.

    وهو الواحد : الذي لا شريك له في الملك, ولما لهذه الصفة من أهمية عظيمة, وخطورة بالغة, نخصها بالتفصيل التالي:
    لعلك أدركت من تسلسل البحث, ومن ذكر الصفات المتقدمة, ومن الجزم بكمال الله المطلق, أن التوحيد حاصل ولا يحتاج إلى برهان, بل إن التعدد هو الذي يفتقر إلى الدليل, ولكننا على الرغم من ذلك, نعرض بالتثنية, فإن ثبتت التثنية, صح التعدد من غير حصر, وإن بطلت بطل التعدد أصلا, ولزم التوحيد.
    فالقول بالتثنية يلزم بوجود صفة مميزة بين الاثنين؛ لأن التساوي التام من جميع الوجوه باطل, ولا يصح بالتصور إلا إذا انطبق الأول على الثاني تمام الانطباق, فيبقى في النتيجة كائن واحد, ولما انعدمت الصفة المميزة انعدم التمييز, فإن قال مكابر: بإمكان التمييز بين اثنين حال التساوي التام, قلنا له: أقمت الحجة على نفسك حينما ميزت, وما ميزت إلا بإدراك صفة مميزة, ووجود صفة مميزة يبطل التساوي التام, ,إذا بطل التساوي التام, حصل التفاضل بين الاثنين فسقط المفضول وبقي واحد.

    والقول بالتثنية, من الوجهة الرياضية يفيد وجود إطلاقين, وذلك محال, لأن وجود أحدهما ينافي إطلاق الآخر, فهو إما أن يدخل في إطلاق الأول, فلا يبقى إلا الأول, وإما أن يخرج عن نطاق الأول, فيسقط إطلاق الأول المفترض, ويبقى الثاني, أي أن الإطلاق محيط, ولا يحاط به, والنتيجة, أنه لم يبق إلا إطلاق واحد.

    وهذا كما أنه دليل على التوحيد, فهو دليل على حدوث العالم ونفي قدمه, لأن القول بقدمه يفيد وجود إطلاقين, وذلك محال كما رأيت, ومن هنا نفهم المعنى العميق للآية الكريمة: "ألا له الخلق والأمر". أي أنه ليس تصريف الكون وحده حادثا فحسب, بل الكون كله: خلقا, وتصريفا مقهوراً للخالق, فهو حادث بمادته ومعناه.
    وإذا أردنا أن نجلي معنى هذا البرهان بالنسبة للتوحيد والتعدد, قلنا: حين وجود اثنين يترتب على أحدهما أن يحيط بالثاني قدرة وعلما؛ فإن عجز عن ذلك, فهو ليس بإله, وبقي واحد, وإن قدر على ذلك, سقطت ألوهية الثاني وبقي واحد وبعض الفلاسفة يسمى هذا بـ: برهان التمانع, فيقولون: لو كان هناك إلهان, يريد أحدهما قيام زيد في آن, ويريد الآخر قعوده في ذلك الآن, فمحال نفوذ الإراديتين, لاستحالة المراد, وجمع الأضداد, فإن غلبت إرادة أحدهما على الآخر, فهذا الآخر عاجز مقهور, فهو ليس بإله, وبقي واحد.

    وقد أورد عن ذلك ابن جرير الطبري, قال: لم يخل كل واحد من الاثنين من أن يكونا: قويين, أو عاجزين. فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور, وغير كائن إلها, وإن كانا قويين, فإن كل واحد منهما يعجزه عن صاحبه عاجز, والعاجز لا يكون إلها. فإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه, فهو بقوة صاحبه عليه عاجز.
    إذن لم يبق إلا الواحد المطلق الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء, وما قال ومن قال بالتعدد إلا عن عقلية ابتدائية, وفكرة وثنية, وتصور خيالي مصطنع, بعيد عن التحقيق, مصادم للعقل.

    ولم يبق في الدنيا من يلتزم العقل والمنطق يقول بالتعدد. بل إن التحقيق لا يرشد إلا إلى التوحيد, بريئا من صفات الحوادث, كالإلصاق والتفريع والولادة, فكما أن التعدد باطل, فطرقه من بعد أشد بطلانا وأقبح , وهكذا ينهار التعدد بجميع صوره كالتثنية والتثليث وغيرهما, على الرغم من إقامة كثير من البشر اليوم على هذه العقيدة الفاسدة بكل أسف, ولو رجعوا قليلا إلى العقل والمنطق لانهدمت أمامهم هياكل الوثنية وأساطير التعدد لقوة البرهان, وصراحة الحجة, وثورة العقل على هذا التناقض المشين, فليت شعري, متى يثور مفكروا العالم الأحرار وعقلاؤه المتجردون على هذه الوثنية النكراء, فيمزقوا غشاء العنكبوت, ويقودوا العالم إلى التوحيد؟!

    والقرآن الكريم هو الذي حمل لواء التوحيد للناس, ونص على ما تقدم من تفنيد التعدد وبطلانه, وتأكيد التوحيد وثبوته, في آيات كثيرة حملت أنصع بيان وأقوى برهان, منها:
    "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" الأنبياء : 22
    "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" المؤمنون : 91.
    "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الحديد : 3
    "أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ" فصلت : 54
    "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" الإخلاص : 1-4
    وهكذا تثبت حقيقة التوحيد للخالق القديم بما لا يدع مجالا للريب والتردد. والأحرى بالعالم المحقق, أن يدعوا الناس إلى ذلك, ويفند لديهم نحلة التعدد, ويفضح زيفها وبطلانها, لكي يخرجوا من الظلمات إلى النور, ومن التناقض المشين إلى الانسجام المنطقي المبين, وبذلك تخرج النفس البشرية مما تعانيه من الحيرة والتردد, والكبت والقلق, والجنوح بالنتيجة إلى السبل الشاذة, والمناهج السخيفة, المضحكة المبكية, والتي يثبت التحليل النفسي أنها ليست إلا صورة حسية تعبر عن إفلاس البشر في التماس طريق الحق.

    4- عود على بدء
    واستكمالا لكل جوانب الإقناع في هذه المسألة مسألة الطبيعة, والسببية, والتوحيد ننقل هذه الرسالة الجيدة لبديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله, قال: "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" إبراهيم : 10. تأمل في هذه الآية وما فيها من الاستفهام الإنكاري, إنها تدل على أن الحكم بوجود الله ووحدانيته, من أوضح البداية لكل من أبصر بعينه مرة هذه السماوات والأرض, غير أنه بالرغم من ذلك, فإن فيما يلفظ به بعض المسلمين اليوم كلمات, أقل ما فيها أنها تومئ إلى الكفر بهذه الحقيقة الكبرى.

    وسأتناول منها بالبحث ثلاث كلمات لا يرددها في الغالب إلا أحمق ذاهل عن حقائق الأمور, وملحد جعل من برذعة إلحاده حلة يفاخر بها ويتباهى بها: إحداها أوجدته الأسباب والثانية تشكل بنفسه, والثالثة اقتضته الطبيعة.

    إن محالات كثيرة تنبع من الأخذ بمبدأ هذه الكلمات الثلاثة القذرة, ولو ذهبت أعدها بتفصيل علي موسع؛ لتجاوزت تسعين محالا من المحالات التي لا يشك فيها علم عالم ولا عقل عاقل, ولكي سأكتفي من بيان ذلك كله بالعشر فقط أذكره في عبارات موجزة سريعة.
    أما الكلمة الأولى أوجدته الأسباب: فهناك بعض محالاتها:

    المحال الأول: الناتج عن كلمة أوجدته الأسباب يظهر جليا في هذا المثال وقع احتياج إلى معجون مستحضر من بضعة عقاقير وحشائش مختلفة الأنواع والمقادير, وقام الصيدلي بتحضير هذا المعجون طبق موازين دقيقة, بحيث لو أن بعض الأجزاء طغى على الحد المطلوب أو قل عنه, لأدى ذلك إلى عكس الفائدة المرجوة منه.
    فلو أن زلزالا مثلا وقع بين تلك القوارير التي استحضر منها الدواء, فتكسرت وسال ما فيها, وجرى بعضه إلى بعض, فاختلطت الأجزاء المتنوعة, وتلاقت إلى بعضها, فهل يمكن أن يكون المحصول المركب من ذلك الخليط مساويا لذلك الخليط الذي استحضره الصيدلي بميزانه الدقيق وخبرته العلمية وحسابه المنظم؟ وهل يقبل مثل هذه الدعوى سوى من فاتته نعمة التفكير والعقل؟!

    إن كل ذي حياة على هذه الأرض ما هو إلا معجون رائع, ركب من ملايين الأجزاء العجيبة المختلفة, أخذت بمقدار وضمت إلى بعضها بحكمة ونظام. فلا ريب أن إسناد هذا الشكل إلى عمل الأسباب المادية الجامدة والعناصر الميتة الصامتة, أشنع وأقبح من الإسناد في ذلك المعجون الذي حصل من تصادم القوارير وسيلان ما فيها.

    المحال الثاني: إن إسناد خلق الأشياء إلى أسبابها المادية, يستلزم أن يكون للكثير من العناصر والأسباب الدقيقة المتناقضة تأثير مباشر في وجود الأشياء. والحال أن تلاقي الأسباب المختلفة المتباينة على بعضها باتفاق من جهة, ودقة موزونة من جهة أخرى. في خلق البعوض مثلا إن لم يكن من أجلى المحالات, فهو من أشد الممتنعات؛ لأن جسم ذلك البعوض مع صغره ذو علاقة بأكثر العناصر والأسباب المادية المبثوثة في الكون, بل إنه بحق خلاصة وزبدة لها, فلو سلمنا ادعاء استناد هذا الموجود الصغير إلى تلك الأسباب؛ للزم أن تحتشد جميع العناصر والأسباب كلها بالذات عند إيجادها, بل يجب توافرها كاملة في جسمها, بل في حجيرة من حجيرات جسمها ولأن السبب المادي ينبغي أن يكون موجودا مع المسبب داخلا فيه, أي فينبغي أن تكون هذه العناصر المادية المتناقضة كلها مجتمعة على الدوام, تعمل عملها في كل حجيرة من حجيرات جسم البعوض, دون من يدفعها إلى هذا التلاقي والتفاعل.
    وهل هذا إلا وهم يستحي بلهاء السفسطائيين من الهذيان به.

    المحال الثالث: إن القاعدة البديهية تقول: إن الواحد لا يصدر إلا عن الواحد, أي كل ما يتصف بوحدة النظام والتنسيق والانسجام في مظهره وشكله, فلا بد أن يكون المؤثر فيه واحدا, ضرورة أن التأليف بين المتنافرات, والجمع بين المختلفات في وحدة نوعية أو جنسية, لا يمكن أن يتم إذا ما اجتمعت عليه أكثر من إرادة ويد واحدة, ولا ريب أن هذا العالم العظيم تجمعه كله وحدة الانسجام والتنظيم, فإسناد وجوده بعد ذلك إلى الأسباب الجامدة المختلطة, التي لا شعور لها ولا عقل, من أعظم الخرافات المضحكة. هذا إلى أن الأسباب المادية لا يمكن تأثيرها إلا بواسطة التماس والمباشرة, وغير خاف أن تجانسها إنما يكون بسطح الموجودات وظاهرها, مع أن في بواطنها ووراء حدود المحس منها من الانتظام والغرابة والانسجام ما ليس في ظواهرها, فأين أسبابها المادية الموجدة لها؟ بل أين من يستطيع أن يفرق في غوص ذلك الباطن, بين السبب المؤثر والسبب المتأثر, يفصلهما, ويفرق بينهما في الزمن والجوهر والحدود؟

    أما الكلمة الثانية تشكل بنفسه: فهي أيضا تنطوي على محالات لا تعمى عنها الأبصار. غير أن الفكر المعاند من شأنه أن يبلغ به الكبر مبلغا يلبسه برذعة الحمق. إن الإنسان العادي من شأنه أن لا يخضع لمحال واحد يتراءى لعقله, ولكن مثل هؤلاء المعاندين لا يبالي أن يدافع عن حشد من المحالات, النابعة عن الباطل الذي أقسم أن لا يتخلى عنه. إنك أيها الإنسان لست مادة بسيطة جامدة ملقاة على سطح هذا الوجود, إنما أنت جهاز معمل دقيق كبير. بلغ في دقته غاية الروعة والانسجام. إن في جسمك ذرات عاملة ساعية على الدوام. إن لجسمك تفاعلا في غاية الانتظام مع سائر مظاهر الوجود من حولك, إنها أشبه ما يكون بتفاعل على البيع والشراء والأخذ والعطاء. إن ملايين الذرات العاملة في جسدك تظل ساهرة على حفظ سير هذا التفاعل ودقة انتظامه, وهكذا نعلم أن الانسجام ليس بين ذرات جسمك وحده, بل بين مجموع هذه الذرات والوجود الخارجي من حولها, إن هذا يعني أن ثمة وحدة انتظام سارية بأتم دقة بين وجودك العضوي ووجود سائر الكائنات من حولك!

    فإذا رفضت أن توقن بأن الذرات الساعية في جسدك, إنما تتحرك فيه طبق قانون الخالق الأزلي العظيم, لزمك أن تقول إن للذرات التي تتفاعل في حجيرة واحدة من حجيرات عينك مثلا عقلا متفلسفا هائلا, وضع به قانون الانسجام والتطابق بين كل ذرة من جسدك من جهة, وذرة من ذرات الوجود من حولك من جهة أخرى, سواء كان ذلك الوجود هواء أو ضياء أو طعاما أو شرابا أو أي شيء آخر, كما ينبغي أن يكون لكل ذرة من هذه الذرات فكر, يدرك منابر دهرك, وعناصر آبائك وأجدادك, ويتصور ماضيك ومستقبلك. يا لخرافة العناد المتكبر!!
    أما إذا كان جوابك عن عالم الذرة ونظامها نفس جوابك عن عالمك الحسي هذا. أي أن له أيضا أسبابه المادية وتفاعله الذاتي, فإن السؤال سيلاحقك عن العالم الثالث الذي من ورائهما, والذي هو أدق من كليهما, وهكذا تتسلسل العوامل والأسباب إلى غير نهاية وتمتد إلى حيث يضل وراءها عناد المعاندين وجحود المتكبرين.

    أما الكلمة الثالثة اقتضته الطبيعة: فيتفرع عنها سلسلة من مظاهر التفاوت المضحك, نجمل بعضها فيما يلي:
    1-إن صاحب هذا القول ينبغي أن يلتزم أن كل ذرة من ذرات الوجود تنطوي على مجموعة العوامل والمؤثرات التي أبدعت هذه المجموعة الكونية, وأنها تشتمل على القدرة والطاقية الكافية لإبداع عالم كامل كالذي نراه من حولنا, وما على هذه القدرة إلا أن تنفذ ذلك وتعمل عملها.

    2- إذ ما دام في كل ذرة من ذرات هذا الوجود طبيعتها الخلاقة, المدبرة الحكيمة, منفصلة عن غيرها, غير مرتبطة بقيادة عامة لها ولأمثالها, فلا مناص من التزام هذه النظرية. تماما كالذي يرى شعاع الشمس يسطع من قطرات المياه, وقطع الزجاج والأجرام الشفافة, ويأبى إلا أن يزعم أن في كل جرم من هذه الأجرام طبيعته الشعاعية المستقلة بذاتها, فلا ريب أنه ينبغي أن يلتزم ويعترف بوجود شمس حقيقية مستقلة ضمن كل جرم من هذه الأجرام المضيئة كل على حدة.

    ومن أراد أن يضحك من خرافة هذه النتيجة؛ فليضحك قبل ذلك من خرافة المقدمة التي راح يزعمها ويتبناها.
    3- إن على صاحب هذا القول أن يلتزم بأن شبرا واحدا من أي أرض معينة, تنطوي على ما لا تنطوي عليه دول العالم كله من المصانع والمطابع والمواد الأولية المختلفة؛ ذلك أن قدحا واحدا من التراب الذي لا تزيد مساحته على شبر, يمكن أن تستنبت فيه معظم أنواع النباتات وأزهار العالم, على سبيل التناوب. فلو لم تكن قدرة الخالق العظيم هي التي تقذف في تلك الأرض قدرة التفاعل, مع ما تستقبله من مختلف النباتات والبذور, لتعطي كلا منها ذاته وشكله وخصائصه, إذا لكان لا بد أن توجد في تلك التربة عناصر وقابليات متناقضة, بل ينبغي كما قلت أن تكون طاقة الصناعات الأوروبية كلها محشورة في ذلك الشبر من الأرض, إذ من المعلوم أن مواد النطف والبذور واحدة لا تختلف, وهي عبارة عن مزيج: مولد الماء, ومولد الحموضة, والكربون, والآزوت, ومواد الماء, والهواء والحرارة والضياء, هي الأخرى بسيطة لا تختلف في جريانها حول نبت وآخر.
    ومع ذلك؛ فإن هذه النباتات تنبثق فوق ذلك الشبر من الأرض, كل واحد يحمل صفاتها وخصائصها ولونها ورائحتها, فلا بد أن يوجد في ذلك التراب شيء آخر غير المواد المعروفة للتراب والبذر والهواء, يمد هذه البذور بخصائص التشكل والتميز. فانظر وتأمل في مدى بعد هذا الكلام من الفكر والعقل!!

    4- أذكر هنا مثالا كنت كتبته في بعض الرسائل الأخرى, يوضح حالة المنتسبين إلى الطبيعة. لنفرض أن في قلب بعض الصحاري بناء رائعا, مشيدا على أحسن طراز وأدق هندسة. وصادف أن دخل هذا الصرح بدوي متوحش, لم يسبق أن رأى في حياته غير صروح الخيام, فتأمل في براعته ونقوشه ومظاهر إتقانه, ثم حدث نفسه أن ليس في هذه الصحراء كلها من يقدر أن يبدع مثل هذا الإبداع, فلا بد أن الباني يجثم في جوف البناء نفسه. ثم راح ينظر ويفتش عنه في الغرف من حوله, فلم ير أحدا, ولكنه عثر على أوراق فيها: خارطة البناء, ومواده, وتفاصيل هندسته, ففكر قليلا أن هذه الأوراق لا يد لها ولا بصر, فليس من شأنها أن تشيد بناء. ولكنه ما لبث أن عاد فتعلق بها قائلا: ولكن هاهي ذي تبحث عن قوانين تشييده وكيفية تأليفه, إذا فليس ثمة غيرها المشيد والباني. فكذلك يدخل بدوي متوحش لم يهضم عقله إلا اسم الطبيعة إلى صرح هذا الكون العظيم, فيدهشه أنه يرى إبداعا لا يجد من حوله بسبب عقله القاصر من أبدعه، ويتأمل في ثناياه وأطرافه, فيعثر على اللوح الذي سجلت فيه قوانين الفطرة الإلهية وقواعد صنعته الإبداعية المسماة خطأ بالطبيعة فينبهر لها, ويحدث نفسه وهو في غيبوبة عقلية تامة أن لا بد أن هذا اللوح بقوانينه هو الذي أبدع هذا الإبداع, وصنع هذا الصنع.
    ونحن نقول: أيها السكران الأحمق, ارفع رأسك عن بئر الطبيعة, وانظر وراءك إلى صانع الكون. إن ذلك الذي بنى هذا الصرح, ووضع أمام عينيك في جنباته, قانون تشييده, ودستور إيجاده, إنما هو الخلاق الأزلي إله العالمين جل جلاله, لا الطبيعة التي أنت أجحد منها وأجهل.
    إن الطبيعة صنعة لا صانع, نقش لا ناقش, حكم لا حاكم, شريعة لا شارع, مخلوق لا خالق, منفعل لا فاعل, مصدرة لا مصدر. انتهى كلام الشيخ سعيد النورسي رحمه الله تعالى.
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    دلالات الظواهر الكونية
    على أسماء الله وصفاته

    كل ظاهرة من الظواهر الكونية تدل على اسم الله عز وجل, وهذه الأسماء التي تدل عليها الظواهر توصلنا إلى صفات الله عز وجل, وصفات الله عز وجل كثيرة منها ما تدلنا عليه النصوص وحدها وهي الصفات السمعية, ومنها ما تدلنا عليه الظواهر الكونية والنصوص وهي صفات الفعل, وصفات الفعل توصلنا إلى ثلاث عشرة صفة: واحدة منها يسميها العلماء نفسية وهي الوجود, وخمس منها يسميها العلمية سلبية وهي القدم والبقاء والوحدانية والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث, وسبع منها يسميها العلماء صفات معاني أو صفات وجودية وهي العلم والإرادة والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام.

    والله عز وجل متصف بصفات الكمال والجلال والجمال ولا يسمى إلا باسم سمى به نفسه ومن هذا كله نصل إلى أسماء الله الحسنى التي بعضها صفة فعل, والتي بعضها صفة معنى, والتي بعضها صفة سلبية والتي بعضها صفة جلال أو كمال أو جلال, وكل ذلك تدل عليه الظواهر بشكل مباشر أو بشكل ضمني, وهذا البحث يسير بك في هذا كله مع استطرادات يقتضيها المقام فلنبدأ عرض المسألة من بدايتها:

    هناك قاعدة تقول: إن الآثار تدل على الأسماء, والأسماء تدل على الصفات, والصفات تدل على الذات, ولنضرب على هذه القاعدة مثلا يوضحها: لو أخذنا كتابا ودرسناه, فإننا بواسطة دراستنا للكتاب, نستطيع أن نتعرف على كثير من صفات صاحبه, وبالتالي نتعرف عليه تعرفا ما, فإذا كان في الكتاب أدب, حكمنا على صاحبه أنه أديب, وإذا كان مبتكرا, حكمنا أن صاحبه مبدع, وإذا كان لا يخرج على قواعد النحو حكمنا بأنه نحوي, وإذا كان بليغا, حكمنا على صاحبه بأن بليغ وإذا كان فيه إحاطة في موضوعه, قلنا عن صاحبه بأنه محيط, وإذا كان فيه دقة في العرض وجمال, حكمنا على صاحبه بأنه ذواقة ودقيق, وإذا كان الكتاب مرتبا منسجما متسلسل الأفكار, حكمنا على صاحبه بأنه ناضج, وإذا كان في الكتاب علم كثير, حكمنا على صاحبه بأنه عليم, وهكذا, فكل ظاهرة في الكتاب, تدلنا على صفة من صفات صاحبه, نسمي صاحبها بسببها اسما مشتقا منها, له علاقة بها, وبالتالي نكون قد عرفنا صاحب الكتاب نوع معرفة.
    ولنطبق القاعدة الآنفة الذكر على بحثنا.

    فقد استعرضنا في الصفحات الماضية تسع ظواهر كونية, كل ظاهرة من هذه الظواهر تدل على اسم من أسماء الله أو أكثر, فالكون من آثار الله وحوادثه من آثار الله كذلك, قال تعالى: "فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ" الروم : 50. وآثار الله تدل على أسمائه وأسماؤه تدلنا على صفاته, وصفاته تدلنا على ذاته.

    فظاهرة القدم وحدوث العالم, تدل على اسم الله الأول والخالق, وظاهرة الحياة تدل على اسم الله المحيي والبارئ والمميت, وظاهرة الهداية, تدل على اسمي الله الهادي والمضل وظاهرة الإبداع, تدل على اسم الله البديع, وظاهرة الإجابة, تدل على اسم الله المجيب, وظاهرة النعمة, تدل على اسم الله المنعم المعطي وظاهرة الوحدة, تدل على اسم الله الواحد, وظاهرة الحكمة, تدل على اسم الله الحكيم.

    وعلى هذا؛ فكل ظاهرة في الكون ذكرناها أو لم نذكرها, تدل على اسم من أسماء الله تعالى فظاهرة رزق كل مخلوق, تدل على اسم الله الرزاق, وظاهرة الإعزاز والإذلال, تدلان على اسمي الله المعز والمذل, وظاهرة ثبات القوانين في الكون, تدل على اسم الله المهيمن, وظاهرة وجود المخلوقات, تدل على اسمي الله القادر والمقتدر, وظاهرة ترتيب الأشياء بعضها وراء بعض, تدل على اسمي الله المقدم والمؤخر, وظاهرة الندم, تدل على أسماء الله التواب والغفار والعفو, وظاهرة الانتقام, تدل على اسم الله المنتقم, وظاهرة النفع والضر, تدل على اسمي الله النافع والضر, وظاهرة إمهال المخالفين عن أمر الله تدل على اسم الله الصبور, وهكذا فما من ظاهرة إلا وتدل على صفة لله واسم.

    غير أن دلالة الظواهر على الأسماء والصفات, تختلف باختلاف المتعلق, واختلاف الارتباط: فمنها ما يدل على صفات الفعل.
    ومنها ما يدل على صفات الذات الوجودية.
    ومنا ما يدل على صفات الذات السلبية, وكلها تدل على موجود.
    والتوضيح الفروق بين هذه الصفات, نقول: لو قلنا: عن إنسان بأنه قاتل, فتلك صفة فعل من أفعاله, ولو قلنا: إنه سميع, فتلك صفة وجودية له, ولو قلنا: إنه لا يشرب الخمر, فتلك صفة سلبية له, ولكن الأنواع الثلاثة من الصفات, تدل على وجود إنساني معين.
    والحقيقة أننا نعرف الصفات الوجودية بصفات الفعل, والصفات السلبية بصفات الفعل ونعرف الذات بكل الصفات.
    وقبل أن نطبق ما قلناه على قضية التعرف على الله, نحب أن نذكر ماذا نعني بكلامنا: صفات وجودية, أو صفات فعلية, أو صفات سلبية.

    المراد بالصفة السلبية بالنسبة للذات الإلهية: الصفات التي تدل على سلب ما لا يليق به سبحانه وتعالى, كالوحدانية فإنها تنافي التعدد فتسلب عن الله ما ينافي الوحدانية.

    والمراد بالصفات الوجودية بالنسبة للذات الإلهية: الصفات التي تدل على معنى زائد على الذات, كالعلم والسمع.

    والمراد بصفات الفعل: تعلقات القدرة بالممكنات, فكل تعلق لقدرة الذات الإلهية بممكن, يدل على اسم وصفة وفعل.
    فكل الظواهر التي نراها في هذا الكون, تدل على أربع صفات وجودية:
    العلم والإرادة والقدرة والحياة ، فلولا القدرة ما كان هذا الكون, ولولا تخصيص الإرادة الأشياء على ما هي عليه ما كان هذا الكون, ولولا العلم ما كان شيء , فأي جزء من أجزاء العالم يدل على علم سبق, وإرادة خصصت, وقدرة أبرزت, ومن لوازم اتصاف ذات بالعلم والإرادة والقدرة أن يكون لها حياة.
    والظواهر كلها تشير, إلى أن هذه الذات المتصفة بالعلم والإرادة والقدرة والحياة، والتي خلقت هذا الكون, متصفة كذلك بالقدم فلا أول لها, والبقاء فلا نهاية لها, والوحدانية فلا ند لها, ومخالفتها لمخلوقاتها, فلا يشبهها شيء من خلقها, وقيامها بنفسها, فلا تحتاج إلى موجد أو مخصص.
    والظواهر كلها تشير, إلى أن هذه الذات, كاملة منزهة عن كل نقص, ومن النقص العمى, فهي بصيرة, ومن النقص الصمم, فهي سميعة, ومن النقص البكم، فهي متكلمة. والظواهر كلها تشير إلى موجود متصف بهذه الصفات.

    موجود لا بداية له فهو الأول, ولا نهاية له فهو الآخر, ولا ند له فهو واحد, ولا مشابه فهو قدوس, ولا حاجة به لأحد فهو القيوم.

    موجود متصف بالقدرة فهو قادر, وبالحياة فهو حي, وبالسمع فهو سميع, وبالبصر فهو بصير, وبالكلام فهو متكلم, وبالعلم فهو عليم, وبالإرادة فهو مريد.

    ومقتضى كثرة أفعال الله التي هي أثر عن العلم والإرادة والقدرة, أن يكون لله أسماء كثيرة, ولكن الأدب مع الله ألا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه, بالوحي الثابت؛ لأنه لا يعرف جلاله إلا هو, ولكي لا ننسب إلى الله إلا ما يليق بذاته, الخير كله بيديك والشر ليس إليك, فلا نسميه إلا بما سمى به ذاته, ومجموع ما سمى به ذاته, يطلق عليه اسم: الأسماء الحسنى قال تعالى: "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى" طه : 8. "قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى" الإسراء : 110. "وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ" الأعراف : 180. وما من اسم من هذه الأسماء الحسنى الواردة في الكتاب والسنة, إلا وفي الكون ظاهرة تدل عليه, أو يصل العقل إليه.

    وهذه الأسماء كما وردت في الكتاب والسنة تعبر عن صفات سلبية أحيانا, وعن صفات وجودية أحيانا, وعن صفات كمال أحيانا, وعن صفات فعل أحيانا, فهي قد جمعت أمهات هذه الصفات كلها.

    والأسماء الحسنى لله الواردة في الكتاب والسنة كثيرة, ومع هذا فهي ليست كل أسماء الله. فقد ورد في الحديث: "اللهم إني عبدك وابن عبدك ... أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك".
    ومن هنا نعلم أن ما ذكر ليس هو كل الأسماء الحسنى, فإن جلال الله لا يتناهى, ولكن ما ذكر, تدلنا عليه ظواهر الكون بشكل صريح أو ضمني, فإذا اجتمعت دلالة العقل مع دلالة النص واتفقا, فذلك برهان سلامة العقل وحقيقة النص, على أنه في معرض الحديث عن الأسماء والصفات, ينبغي أن نلاحظ هاتين النقطتين اللتين أشار إليهما الأستاذ البنا رحمه الله يقول الأستاذ البنا تحت عنوان بين صفات الله وصفات الخلق:

    والذي يجب أن يتفطن له المؤمن, أن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تبارك وتعالى, يختلف اختلافا كليا عن المعنى الذي يقصد بهذا اللفظ عينه في صفات المخلوقين فأنت تقول: الله عالم والعلم صفة لله تعالى, وتقول: فلان عالم والعلم صفة لفلان من الناس, فهل ما يقصد بلفظة العلم في التركيبين واحد؟ حاشا أن يكون كذلك؛ وإنما علم الله تبارك وتعالى علم لا يتناهى كماله, ولا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه. وكذلك الحياة, وكذلك السمع, وكذلك البصر, وكذلك الكلام, وكذلك القدرة والإرادة, فهذه كلها مدلولات الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخالق, من حيث الكمال والكيفية اختلافا كليا, لأنه تبارك وتعالى لا يشبه أحدا من خلقه فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق, ولست مطالبا بمعرفة كنهها؛ وإنما حسبك أن تعلم آثارها في الكون, ولوازمها في حقك, والله نسأل العصمة من الزلل وحسن التوفيق. وكذلك يقول الأستاذ تحت عنوان التفكر في ذات الله:
    عن ابن عباس رضي الله عنهما, "أن قوما تفكروا في الله عز وجل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم تفكروا في خلق الله, ولا تتفكروا في الله, فإنكم لن تقدروا قدره, قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف, ورواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب بإسناد أصح منه ورواه أبو الشيخ كذلك, وهو على كل حال صحيح المعنى.
    وليس ذلك حجرا على حرية الفكر, ولا جمودا في البحث ولا تضييقا على العقل ولكنه عصمة له من التردي في مهاوي الضلالة, وإبعاد له عن معالجة أبحاث لم تتوفر له وسائل بحثها, ولا تحتمل قوته مهما عظمت علاجها, وهذه هي طريقة الصالحين من عباد الله العارفين بعظمة ذاته وجلال قدره.

    فاحصر همتك في إدراك عظمة ربك, بالتفكير في مخلوقاته, والتمسك بلوازم صفاته.
    ونحب أن نذكر في هذه الفقرة عن القرآن والسنة, على اعتبار أنهما المصدران الوحيدان للمعرفة عن طريق الوحي الصادق الذي يقوم عليه الدليل الكامل, كما سنرى في كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم مجمل صفات الله كما وردت في القرآن, وبعضا من أسمائه الحسنى كما وردت في الكتاب والسنة, لنرى أن ما دلتنا عليه الظواهر بالعقل, دلنا عليه الكتاب والسنة بالوحي عن طريق النقل.

    يقول الأستاذ البنا تحت فصل مجمل صفات الله في القرآن:
    أشارت آيات القرآن الكريم إلى بعض الصفات الواجبة لله تعالى, والتي يقتضيها كمال الألوهية, وإليك بعض هذه الآيات الكريمة:
    1- وجود الله تعالى: قال الله تعالى: "اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ* وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" الرعد : 2-4.
    "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ* وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ* وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" المؤمنون : 78-80. فكل هذه الآيات تنبئك بوجود الله تبارك وتعالى, وتستدل عليه بما ترى من تصرفاته في شئون هذا الكون العجيب.

    2-3 – قدم الله تعالى وبقاؤه: قال الله تعالى: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الحديد : 3. "وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" القصص : 88.
    "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" الرحمن : 26-27. وفي هذه الآيات الكريمة إشارة إلى صفتي القدم والبقاء لله تبارك وتعالى.

    4- مخالفة الله للحوادث: قال الله تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" الإخلاص : 1-4.
    "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" الشورى : 11.
    وفي ذلك إشارة إلى مخالفته تبارك وتعالى للحوادث من خلقه وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير.

    5- قيام الله تعالى بنفسه: قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" فاطر : 15.
    "مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا" الكهف : 50.
    ونضيف قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا" فاطر : 40.
    "اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" آل عمران : 2.
    وفي ذلك إشارة إلى قيامه تعالى بنفسه واستغنائه عن خلقه, مع حاجتهم إليه.

    6- وحدانية الله تعالى: قال الله تعالى: "وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ* وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ* وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ" النحل : 51- 53.
    وقال الله تعالى: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" المائدة : 73-74.

    "أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ* لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ* أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ* وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" الأنبياء : 22-25.
    وقال تعالى: "قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ* بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" المؤمنون : 84-92.

    وقال تعالى: "قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ* أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" النمل : 59-64.
    إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت أنه تعالى واحد في ذاته, واحد في صفاته واحد, في أفعاله وتصرفاته لا رب غيره ولا إله سواه.

    7- قدرة الله تعالى: قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ" الحج : 5-7.

    "مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا" الكهف : 50.
    "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ" ق : 38
    "وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا* وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا" الفرقان : 53-54

    "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ* يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ* وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" النور : 43-45.
    إلى غير ذلك من الآيات الدالة عل عظيم قدرته تبارك وتعالى, وباهر عظمته.

    8- إرادة الله تعالى: قال الله تعالى: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس : 82.
    "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" الإسراء : 16.

    وقال تعالى حكاية عن الخضر في قصته مع موسى عليهما السلام: "فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا" الكهف : 82.

    "يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا* يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا" النساء : 26-28 .
    إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تشير إلى إثبات إرادة الله تعالى, وأنها فوق كل إرادة ومشيئة: "وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" التكوير : 29.
    9- علم الله تعالى: قال الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ* يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ" سبأ : 1-2 .
    "يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" التغابن : 4.

    وقال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ" لقمان : 16. وقال تعالى في حكاية ما وقع بين شعيب وقومه: "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ* قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ" الأعراف : 88-89.

    "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" المجادلة : 7.

    "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" يونس : 61.
    إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على سعة علمه تبارك وتعالى, وإحاطته بكل شيء, قل أو كثر, دق أو عظم.

    10 - حياة الله تعالى: قال الله تعالى: "اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ" البقرة : 255.
    "الم* اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ* مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ" آل عمران : 1-4 .

    "اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ* هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" غافر : 64-65. إلى غير ذلك من آيات كثيرة , تدل على أن الله تبارك وتعالى ، متصف بالحياة الكاملة , التي ليس ثم أكمل منها".

    11-12 سمع الله تعالى وبصره: قال الله تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" المجادلة : 1.
    "أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى" العلق : 11-14.

    وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين أرسلهما إلى فرعون: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى* قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى* قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى" طه : 43-46 .

    "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ* وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" غافر : 19-20.
    إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على اتصافه تبارك وتعالى بصفة الكلام.

    وقد سمى الله عز وجل ذاته في القرآن بأسماء كثيرة غير التي ذكرناها. فمن الآيات التي ذكرت أسماء الله في قوله تعالى: "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" الحشر : 22-24.
    "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" الأعلى : 1.
    "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" الواقعة : 96.

    والآيات في هذا الباب كثيرة كما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء كثيرة. في أحاديث صحيحة – وهو أعرف الناس بذات الله عز وجل – منها "لله تسعة وتسعون اسما, مائة إلا واحدا, لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة, وهو وتر يحب الوتر" وفي رواية أخرى "من أحصاها", ورواها الترمذي وزاد "هو الله الذي لا إله إلا هو, الرحمن, الرحيم, الملك, القدوس, السلام, المؤمن, المهيمن, العزيز, الجبار, المتكبر, الخالق, البارئ, المصور, الغفار, القهار, الوهاب, الرزاق, الفتاح, العليم, القابض, الباسط, الخافض, الرافع, المعز, المذل, السميع, البصير, الحكم, العدل, اللطيف, الخبير, الحليم, العظيم, الغفور, الشكور, العلي, الكبير, الحفيظ, المقيت, الحسيب, الجليل, الكريم, الرقيب, المجيب, الواسع, الحكيم, الودود, المجيد, الباعث, الشهيد, الحق, الوكيل, القوي, المتين, الولي, الحميد, المحصي, المبدئ, المعيد, المحيي, المميت, الحي, القيوم, الواجد, الماجد, الواحد, الصمد, القادر, المقتدر, المقدم, المؤخر, الأول, الآخر, الظاهر, الباطن, الوالي, المتعال, البر التواب, المنتقم, العفو, الرؤوف, مالك الملك, ذو الجلال والإكرام, المقسط, الجامع, الغني, المغني, المانع, الضار, النافع, النور, الهادي, البديع, الباقي, الوارث, الرشيد, الصبور"

    وهذه الصفات التسعة والتسعون, ليست كل ما ورد في أسماء الله تبارك وتعالى, بل نجد الأحاديث التي تزيد على هذه الصفات. ففي رواية أخرى للحديث السابق: "الحنان, المنان, البديع", وورد من كذلك من أسمائه تعالى: "المغيث, الكفيل, ذو الطول, ذو المعارج, ذو الفضل، الخلاق"

    قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي, حاكيا عن بعض أهل العلم: إنه جمع من الكتاب والسنة من أسمائه تعالى ألف اسم, وفي كلام صاحب القصد المجرد ما يفيد ذلك, وأشار الشوكاني إلى ذلك تحفة الذاكرين, ثم قال: وأنهض ما ورد في إحصائها الحديث المذكور, وفيه الكفاية, وعلى اعتبار أن كل اسم من أسماء ذاته القدسية, إنما يدل على صفة من صفاته تعالى ويعبر عنها, فإن كل اسم من هذه الأسماء: إما أن يدل على صفة كمال, أو على صفة وجود, أو على صفة سلب, أو على صفة فعل, ومرجع هذه الصفات كلها وهذه الأسماء إلى الثلاث عشرة صفة, المذكورة في الفقرة السابقة, فإليها ترجع صفات الفعل, والسلب, والكمال, والوجود, والمعاني.

    ومرة ثانية نحب أن نؤكد, أن الخالق غير المخلوق, وأن الله لا يشبه خلقه في شيء: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" . وأن من أسس ضلال البشر في باب الاعتقاد, اعتقاد مشابهة الله لخلقه, وقد رد الله في القرآن على أي تصور من هذه التصورات؛ فمثلا زعم اليهود أن الله خلق الخلق, واستراح في اليوم السابع بعد ستة أيام خلق _ وهذا نوع تشبيه _ فرد الله عليهم بقوله: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ" ق : 38. أي تعب , ورد على النصارى اعتبارهم أن الله مؤلف من أجزاء, وأن من عباده من هو جزء منه, فقال: "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ" الزخرف : 15. فالمسلم يثبت لله ما أثبته لذاته من صفات وأسماء, وينزه الله عز وجل بما نزه به نفسه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: "سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" المؤمنون : 91. "سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ" الصافات : 159-160. فالله تعالى موجود وجوده ليس كمثله شيء, وبصير وبصره ليس كمثله شيء, وسميع وسمعه ليس كمثله شيء, وهكذا في كل صفة لله عز وجل, وإنما نعرف الله عز وجل بالعقل وبما عرفنا هو جل جلاله على ذاته وصفاته وأسمائه بكتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله لا يناقض بعضه, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تناقض الكتاب, بل كلاهما يفسر الآخر, وكل منهما يفسر بعضه, وإنما نعرف الله بمجموع ما ورد فيهما, دون أن نفهم فهما نجعل كتاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يتناقضان بعضهما بعضا.

    ولا نحب التكلف في فهم النصوص ولا التعسف, ولا نحب الخوض أصلا في قضية لها علاقة بالذات الإلهية, إلا بما يفيد الإيمان والتسليم والتنزيه, وعقيدتنا لذلك سهلة بسيطة مجمع عليها, لا ينكرها علينا أحد. فالله موجود ووجوده ليس كمثله شيء, وسميع وسمعه ليس كمثله شيء, وبصير وبصره ليس كمثله شيء, ومستو على المعنى الذي أراده بالاستواء؛ واستواؤه ليس كمثله شيء, ويجيء ومجيئه ليس كمثله شيء, وقريب وقربه ليس كمثله شيء, وهكذا في كل اسم أو صفة وصف الله بها ذاته: "وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا" طه : 110 .

    هكذا كان أدب الصحابة في هذا الشأن, فلا نتجاوزه إلى غيره.
    عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم، يقال له صبيغ بن عسل قدم المدينة، وكان عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر، فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل فلما دخل عليه قال‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا عبد الله صبيغ، قال عمر وأنا عبد الله عمر وأومأ إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه وجعل الدم يسيل على وجهه، فقال‏:‏ حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي أجد في رأسي‏.‏ ‏‏الدارمي ونصر والأصبهاني معا في الحجة وابن الأنباري واللالكائي‏‏.‏

    لقد أدرك عمر ما يترتب على سؤال هذا الرجل من أمور, وهذا واقعنا شاهد على أن الأمة, منذ بحثت هذه الأمور، اختصمت وتفرقت؛ لذلك قال مالك للسائل عن الاستواء: والسؤال عنه بدعة نسأل الله أن يطهر قلوبنا من البدع.
    ونحب أن نختم هذا البحث بذكر ملاحظتين: إحداهما حول ما يذكره بعض الناس عن خواص أسماء الله, الثانية حول اسم الله الأعظم.
    1- قضية خواص أسماء الله الحسنى:
    يقول الأستاذ البنا: "يذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواصا وأسرارا, تتعلق به على إفاضة فيها أو إيجازا, وقد يغالي البعض فيتجاوز هذا القدر, إلى زعم أن لكم اسم خادما روحانيا, يخدم من يواظب على الذكر به, وهكذا, والذي أعلمه في هذا _ وفوق كل ذي علم عليم _ أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرفة, لها فضل على سائر الكلام, وفيها بركة وفي ذكرها ثواب عظيم, وأن الإنسان إذا واظب على ذكر الله تعالى، طهرت نفسه وصفت روحه, ولا سيما إذا كان ذكره بحضور قلب وفهم للمعنى, أما ما زاد على ذلك فلم يرد في كتاب ولا سنة. وقد نهينا عن الغلو في الدين, والزيادة فيه, وحسبنا الاقتصار على ما ورد"

    2- قضية اسم الله الأعظم:
    يقول الأستاذ البنا: "ورد ذكر اسم الله الأعظم في أحاديث كثيرة منها:
    1- عن بريدة رضي الله عنه, قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول "اللهم إني أسألك ؛ بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت , الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد. قال: فقال: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم, الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال المنذري: قال شيخنا أبو الحسن المقدسي: هو إسناد لا مطعن فيه ولا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه, وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث أرجح ما ورد في هذا الباب من حيث السند.

    2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ورجل قد صلى وهو يدعو ويقول في دعائه: لا إله إلا أنت , المنان, بديع السماوات والأرض, ذا الجلال والإكرام, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتدرون بم دعا الله ؟ دعا الله باسمه الأعظم, الذي إذا دعي به أجاب, وإذ سئل به أعطى" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

    3- عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: "وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم" البقرة : 163.
    "الم* اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" آل عمران : 1-2. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

    4- عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم, يقول: "هل أدلكم على اسم الله الأعظم, الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى؟ الدعوة التي بها يونس, حيث نادى في الظلمات الثلاث: لا إله إلا أنت, سبحانك, إني كنت من الظالمين" فقال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة, أم للمؤمنين عامة؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع قول الله عز وجل: فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. فأنت ترى من هذه الأحاديث ومن غيرها, أنها لم تعين الاسم الأعظم بالذات, وأن العلماء مختلفون في تعيينه, لاختلافهم في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض, حتى اختلفوا على نحو أربعين قولا. والذي نأخذه من هذه الأحاديث الشريفة, ومن أقوال الثقات من رجال الملة, أن الاسم الأعظم دعاء مركب من عدة أسماء من أسمائه تعالى, إذا دعا به الإنسان, مع توفر شروط الدعاء المطلوبة شرعا, استجاب الله له, وقد صرحت به الأحاديث الشريفة في عدة مواضع. وإذا تقرر هذا, فما يدعيه بعض الناس من أنه سر من الأسرار, يمنح لبعض الأفراد فيفتحون به المغلقات, ويخرقون به العادات, ويكون لهم به من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس, أمر زائد على ما ورد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وإذا احتج هؤلاء البعض بالآية الكريمة وهي قول الله تعالى: "قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" النمل : 40. على القول بأن معنى: عنده علم من الكتاب أنه اسم الله الأعظم, تقول لهم: قد صرح المفسرون بأن ذلك المدعو به كان يا حي يا قيوم. أو الله لا إله إلا هو الحي القيوم. وادعى بعضهم: أنه سرياني, لفظه آهيا شراهيا. وهي دعوى بغير دليل, فلم يخرج الأمر عما ورد في الأحاديث الصحيحة.

    وخلاصة البحث: إن بعض الناس ولعوا بالمعميات, وادعاء الخصوصيات, والزيادة في المأثورات, فقالوا ما لم يرد في كتاب ولا سنة, وقد نهينا عن ذلك نهيا شديدا, فلنقف مع المأثور.

    والآن وقد استعرضنا تسع ظواهر كونية, كل ظاهرة تدلنا على الله من وجه, واستعرضنا دلالات الظواهر, وأن كل ظاهرة ذكرناها أم لم نذكرها, تدل على اسم من أسماء الله, وذكرنا لك بعضا مما له علاقة بالأسماء والصفات والذات الإلهية كما وردت في الكتاب والسنة, يبقى أن نقارن بين هذا المفهوم الصحيح عند المسلمين عن الذات الإلهية, والمفاهيم الأخرى الخاطئة عند غيرهم؛ ليتبين أن المسلمين وحدهم عرفوا الله حق المعرفة, معرفة قائمة على العلم والعقل والبديهة, لا تجد جانبا من جوانبها فيه مغمز, وذلك آية على أن هذا الإسلام دين الله, وعلى أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم, أرسله الله ليرد الناس عن الباطل في كل شيء إلى الحق في كل شيء.

    وقبل أن نبدأ المقارنة نحب أن نلخص بعض ما مر معنا في هذه الفقرة:
    1- إن ظواهر هذا الكون, تدل على أسماء الله الحسنى, وأسماؤه تدل على صفاته وصفاته تدلنا على ذاته.

    2- مما تدلنا عليه ظواهر الكون, أن الله عز وجل متصف: بالعلم, والإرادة, والقدرة, والحياة, والسمع, والبصر, والكلام, والوحدانية, والبقاء, والأولية, القيومية, والمخالفة للحوادث وأن من أسمائه: المذل والمعز والرزاق والمعطي والمنعم...
    3- ونظرة إلى ما وصف الله عز وجل به ذاته, أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ترينا انطباق ما دلتنا عليه الظواهر بدلالة العقل, على ما دلنا عليه النص مع زيادة في النص ترتقي بعقولنا إلى منتهى الكمال والأدب, ودين يأخذ بيد العقل في هذا الموضوع إلى مثل هذه الذروة, لا يبقى عند الإنسان شكاً بأنه وحي.

    4- وفي كل ما مر, آية على أن المسلم في هذا الموضوع وغيره قد اجتمع له صواب العقل, وصفاء الفهم, وهداية الوحي الذي يأخذ بيد العقل والفهم إلى الطريق السوي.
    مقارنات

    تحت عنوان العقيدة الإلهية كتب عباس محمود العقاد في كتابه حقائق الإسلام وأباطيل خصومه بحثا, قارن فيه العقيدة الإسلامية في الله جل جلاله بعقيدة غير المسلمين في باب الألوهية, والملاحظ أن المقارنة منصبة على بعض عقائد الفلاسفة, وعلى العقائد الدينية في وضعها الذي صارت إليه كما يفهمه أهلها زمن الرسالة الإسلامية, لا كما هي في أصولها عند الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أصحاب هذه الرسالات _ إن كانت في الأصل عن رسل _ إذ إننا نعتقد أن موسى وعيسى عليهما السلام وكل رسول لله عقيدتهم في الذات الإلهية هي نفسها عقيدة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ كلهم رسول لرب واحد, ولكن هذه العقيدة حرفت وبدلت بعده, كما حرف وبدل غيرها, فأصبحت تحتاج إلى تصحيح, فكانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي هذا التصحيح الكامل, فالانحراف الكامل في تصور الذات الإلهية في العالم كله من ناحية, والتصحيح الكامل لهذا الانحراف من ناحية ثانية, دليل على أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله. ونحن هنا لن ننقل بحث العقاد كله, وإنما سنختار منه, مع ملاحظة أن ما ننقله هو كلامه نفسه, وكل تعليق في أسفل الصحيفة من كلامنا, يقول العقاد:
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    1,733
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    العقيدة الإلهية
    العقيدة في الإله رأس العقائد الدينية بجملتها وتفصيلها. من عرف عقيدة قوم في إلههم فقد عرف نصيب دينهم من رفعة الفهم والوجدان, ومن صحة المقاييس التي يقاس بها الخير والشر, وتقدر بها الحسنات والسيئات، فلا يهبط دين وعقيدته في الإله عالية, ولا يعلو دين وعقيدته في الإله هابطة, ليست مما يناسب صفات الموجود الأول الذي تتبعه جميع الموجودات.

    ولقد كان النظر في صفات الله, مجال التنافس بين أكبر العقول من أصحاب الفلسفة الفكرية وأصحاب الحكمة الدينية, وقد كانت مهمة الفلاسفة أيسر من مهمة حكماء الأديان, لأن الفيلسوف النظري ينطلق في تفكيره وتقديره غير مقيد بفرائض العبادة وحدود المعاملات التي يتقيد بها الحكيم الديني, ويتقيد بها من يأتمون به من أتباعه في الحياة العامة والمعيشة الخاصة, فظهر بين الفلاسفة النظريين من سما بالتنزيه الإلهي صعدا إلى أوج لا يلحق به الخيال, فضلا عن الفكر والإحساس.
    وجاء الإسلام من جوف الصحراء العربية بأسمى عقيدة في الإله الواحد الأحد صححت فكرة الفلسفة النظرية كما صححت فكرة العقائد الدينية, فكان تصحيحه لكل من هاتين الفكرتين _ في جانب النقص منهما _ أعظم المعجزات التي أثبتت له في حكم العقل المنصف والبديهة الصادقة أنه وحي من عند الله.

    يقال على الإجماع: إن صفات الإله قد ارتفعت إلى ذروتها العليا من التنزيه والتجريد في مذهب أرسطو الفيلسوف اليوناني الكبير.
    والذين يرون هذا الرأي لا ينسون مذهب أفلوطين إمام الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وشيخ الفلسفة الصوفية بين الغربيين إلى العصر الأخير. غير أنهم لا يذكرونه في معرض الكلام على التنزيه في وصف الله؛ لأن مذهبه أقرب إلى الغيبوبة الصوفية منه إلى التفكير الجلي والمنطق المعقول, وطريقته في التنزيه أن يمعن في الزيادة على كل صفة يوصف بها الله, فلا يزال يتخطاها ثم يتخطاها كلما استطاع الزيادة اللفظية, حتى تنقطع الصلة بينها وبين جميع المدلولات المفهومة أو المظنونة, ويرجح الأكثرون أن أفلوطين نفسه لم يكن يتصور ما يصوره من تلك الصفات, وإنما كانت غايته القصوى أن يذهب بالتصور إلى منقطع العجز والإعياء.
    فمن ذلك أنه ينكر صفة الوحدانية؛ ليقول بصفة الأحدية, ويقول: إن الواحد غير الأحد؛ لأن الواحد قد يدخل في عداد الاثنين والثلاثة والعشرة, ولا يكون الأحد إلا مفردا بغير تكرار.
    ومن ذلك أنه ينكر صفة الوجود, ليقول: إن الله لا يوصف بأنه موجود, تنزيها له عن الصفة التي يقابلها _ العدم _ وتشترك فيها الموجودات أو الموجدات.

    لهذا يضربون المثل بأرسطو في تنزيه الإله, ولا يضربون المثل بأفلوطين؛ لأن مذهبه ينقطع في صومعة من غيبوبة الذهول, لا تمتزج بحياة فكرية ولا بحياة عملية.
    ومذهب أرسطو في الإله أنه: كائن أزلي, مطلق الكمال, لا أول له ولا آخر, ولا عمل له ولا عمل له ولا إرادة. منذ كان العمل طلبا لشيء, والله غني عن كل طلب, وقد كانت الإرادة اختيارا بين أمرين, والله قد اجتمع عنده الأصلح الأفضل من كل كمال, فلا حاجة به إلى الاختيار بين صالح وغير صالح, ولا بين فاضل ومفضول, وليس مما يناسب الإله في رأي أرسطو أن يبتدئ العمل في زمان؛ لأنه أبدي سرمدي لا يطرأ عليه طارئ يدعوه إلى العمل, ولا يستجد عليه من جديد في وجوده المطلق بلا أول ولا آخر, ولا جديد ولا قديم, وكل ما يناسب كماله فهو السعادة بنعمة بقائه التي لا بغية وراءها ولا نعمة فوقها ولا دونها, ولا تخرج من نطاقها عناية تعنيه.

    فالإله الكامل المطلق الكمال: لا يعنيه أن يخلق العالم, أو يخلق مادته الأولى وهي الهيولي ولكن لهذه الهيولي قابلية للوجود, يخرجها من القوة إلى الفعل شوقها إلى الوجود الذي يفيض عليها من قبل الإله, فيدفعها هذا الشوق إلى الوجود, ثم يدفعها من النقص إلى الكمال المستطاع في حدودها, فتتحرك وتعمل بما فيها من الشوق والقابلية ولا يقال عنها: إنها من خلقة الله إلا أن تكون الخلقة على هذا الاعتبار. كمال مطلق لا يعمل ولا يريد. أو كمال مطلق يوشك أن يكون هو والعدم المطلق على حد سواء..

    ولنذكر أنه أرسطو صاحب هذا المذهب قبل كل شيء.
    ولنذكر أنه ذلك العقل الهائل الذي يهابه من يحس قدرته, فلا يتجرأ عليه بالنقد والتسفيه, قبل أن يفرغ جهده في التماس المعذرة له من جهل عصره وقصور الأفكار حوله, لا من جهله هو أو قصور تفكيره؛ فإنه لم يعودنا في تفكيره احتمالا قط لا يتقصاه إلى (قصاره) مداه, ولا يستوفي مقتضياته وموانعه جهد ما في الطاقة الإنسانية من استيفاء.
    لنذكر أنه أرسطو؛ لكي نذكر أن هذا العقل النادر, لم يؤت من نقص في تصور الصفات العلوية؛ إلا أنه عاش في زمان, لم تتكشف فيه المعرفة عن خصائص هذه الكائنات الأرضية السفلى التي نحسها ونعيش بينها, ولو أنه عرف ما هو لاصق بها من خصائصها وأعراضها, لكان له رأي في الكمال العلوي غير ذلك الرأي الذي ارتآه بمحض الظن والقياس على غير مقيس.

    لقد كان يفهم من كمال الكائنات العلوية _ السماوية _ أنها خالدة باقية لا تفنى: لأنها من نور والنور بسيط لا يعرض له الفناء كما يعرض على التركيب.

    ولو أن أرسطو عاش حتى علم أن المادة الأرضية _ السفلى _ كلها من نور, وأن عناصر المادة كلها تؤول إلى الذرات والكهارب, وأن هذه الذرات والكهارب تنشق, فتؤول إلى شعاع؛ لما ساقه الظن والقياس إلى ذلك الخطأ في التفرقة بين لوازم البقاء ولوازم الفناء أو بين خصائص البساطة وخصائص التركيب.

    ولعل إدراكه لذاك الخطأ في فهم لوازم البساطة والكمال, ولوازم البقاء والفناء, كان خليقا أن يهديه إلى فهم خطئه في تصور لوازم الكمال الإلهي, فلا يمتنع في عقله أن يجتمع الكمال الواحد من صفات عدة كالصفات الحسنى التي وصف بها الإله في الإسلام, ومنها الرحمة والكرم والقدرة والفعل والإرادة, ولا يمتنع في عقله أن يكون لهذه الصفات لوازمها ومقتضياتها, إذ لا تكون قدرة بغير مقدور عليه, ولا يكون كرم بغير إعطاء, ولا تكون مشيئة بغير اختيار بين أمرين, وإذا اختار الله أمرا فهو لا يختاره لذاته سبحانه وتعالى, بل يختاره لمخلوقاته التي تجوز عليها حالات شتى لا تجوز في حق الإله, وإذا خلق الله شيئا في الزمان فلا ننظر إلى الأبدية الإلهية بل ينبغي أن ننظر إلى الشيء الموجود المخلوق في زمانه, ثم لا مانع عقلا من أن تتعلق به إرادة الله الأبدية على أن يكون حيث كان في زمن من الأزمان.
    لقد كان مفهوم البساطة الأبدية الباقية عند أرسطو, غير مفهومها الذي لمسناه اليوم لمسا في هذه الكائنات الأرضية _ السفلية _ فلا جرم يكون مفهوم الكمال المطلق عندنا, غير مفهومه الذي جعله أرسطو أشبه شيء بالعدم المطلق وغير عامل ولا مريد ولا عالم بسوى النعمة والسعادة .. قانع بأنه منعم سعيد.

    وعلى هذا يبقى لنا أن نسأل: هل استطاع أرسطو بتجريده الفلسفي أن يسمو بالكمال الأعلى فوق مرتبته التي يستلهمها المسلم من عقيدة دينه؟
    تقول عن يقين: كلا؛ فإن الله في الإسلام إله صمد لا أول له ولا آخر, وله المثل الأعلى, فليس كمثله شيء, وهو محيط بكل شيء.

    ثم يبقى بعد ذلك أن نسأل: هل تغض العقيدة الدينية من الفكرة الفلسفية في مذهب التنزيه؟
    والجواب: كلا, بل الدين هنا فلسفة أصح من الفلسفة إذا قيست بالقياس الفلسفي الصحيح؛ لأن صفات الإله التي تعددت في عقيدة الإسلام لا تعدو نفيا للنقائص التي لا تجوز في حق الإله, وليس تعدد النقائص مما يقضي بتعدد الكمال المطلق الذي ينفرد ولا يتعدد. فإن الكمال المطلق واحد, والنقائص كثيرة ينفيها جميعا ذلك الكمال الواحد وما إيمان بأن الله عليم قدير فعال لما يريد كريم رحيم, إلا إيمانا بأنه جل وعلا قد تنزه عن نقائص الجهل والعجز والجحد والغشم, فهو كامل منزه عن جميع النقائص, ومقتضى قدرته أن يعمل ويخلق, ويريد لخلقه ما يشاء, ومقتضى عمله وخلقه أن يتنزه عن تلك العزلة السعيدة التي توهمها أرسطو مخطئا في التجريد والتنزيه, فهو سعيد بنعمة كماله, سعيد بنعمة عطائه, كفايته لذاته العلية لا تأبى له أن يفيض على الخلق كفايتهم من الوجود في الزمان, أي من ذلك الوجود المحدود الذي لا يغض من وجود الله في الأبد بلا أول ولا آخر ولا شريك ولا مثيل.

    ومن صفات الله في الإسلام, ما يعتبر ردا على فكرة الله في الفلسفة الأرسطية, كما يعتبر ردا على أصحاب التأويل في الأديان الكتابية وغير الكتابية.

    فالله عند أرسطو يعقل ذاته ولا يعقل ما دونها, ويتنزه عن الإرادة لأن الإرادة طلب في رأيه, والله كمال لا يطلب شيئا غير ذاته, ويجل عن علم الكليات والجزئيات, لأنه يحسبها من علم العقول البشرية, ولا يعني بالخلق رحمة ولا قسوة. لأن الخلق أحرى أن يطلب الكمال بالسعي إليه. ولكن الله في الإسلام عالم الغيب والشهادة.
    قال تعالى: "وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ" يونس : 61.
    "وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" يس : 79.
    "وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ" المؤمنون : 17.
    "وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا" الأعراف : 89.
    "أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ" الأعراف : 54.
    "عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" الملك : 13.
    وهو كذلك مريد وفعال لما يريد.
    قال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ" المائدة : 63.
    وفي هذه الآية رد على يهود العرب بمناسبة خاصة تتعلق بالزكاة والصدقات, كما جاء في أقوال بعض المفسرين, ولكنها ترد على كل من يغلون إرادة الله على وجه من الوجوه, ولا يبعد أن يكون في يهود الجزيرة من يشير إلى رواية من روايات الفلسفة الأرسطية بذلك المقال.
    وقد أشار القرآن الكريم إلى الخلاف بين الأديان المتعددة فجاء فيه من: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" الحج : 16.

    وأشار إلى الدهر بين فجاء في سورة الأنعام: "وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ" الأنعام : 29.

    وجاء في سورة الجاثية: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ" الجاثية : 24.

    فكانت فكرة الله في الإسلام, هي الفكرة المتممة لأفكار كثيرة موزعة في هذه العقائد الدينية وفي المذاهب الفلسفية التي تدور عليها؛ ولهذا بلغت المثل الأعلى في صفات الذات الإلهية, وتضمنت تصحيحا للضمائر وتصحيحا للعقول في تقرير ما ينبغي لكمال الله بقسطاس الإيمان وقسطاس النظر والقياس.

    ومن ثم كان فكر الإنسان من وسائل الوصول إلى معرفة الله في الإسلام, وإن كانت الهداية كلها من الله.

    ومجمل ما يقال عن عقيدة الذات الإلهية التي جاء بها الإسلام: أن الذات الإلهية غاية ما يتصوره العقل البشري من الكمال في أشرف الصفات. وقد جاء الإسلام بالقول الفصل في مسألة البقاء والفناء. فالعقل لا يتصور للوجود الدائم والوجود الفاني صورة أقرب إلى الفهم من صورتيهما في العقيدة الإسلامية, لأن العقل لا يتصور وجودين سرمديين, كلاهما غير مخلوق, أحدهما مجرد والآخر مادة, وهذا وذاك ليس لهما ابتداء وليس لها انتهاء.
    ولكنه يتصور وجودا أبديا يخلق وجودا زمانياً.
    وقديما قال أفلاطون وأصاب فيما قال: إن الزمان ليس محاكاة للأبد. لأنه مخلوق والأبد غير مخلوق.
    فبقاء المخلوقات بقاء في الزمن, وبقاء الخالق بقاء أبدي سرمدي لا يحده الماضي والحاضر والمستقبل, لأنها كلها من حدود الحركة والانتقال في تصور أبناء الفناء, ولا تجوز في حق الخالق السرمدي حركة ولا انتقال.
    فالله هو: "الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ" الفرقان : 57.
    "وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ" المؤمنون : 80.
    و"كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" القصص : 88.

    وأيا كان المرتقى الذي ارتفع إليه تنزيه الفكرة الإلهية في مذهب أرسطو كما شرحناه بعض الشرح, أو مذهب أساتذة أفلاطون كما أومأنا إليه بعض الإيماء, فهذا التنزيه الفلسفي كاد أن يكون خيالا جامحا بالنسبة إلى العقائد الإلهية التي كانت فاشية بين الكهان والمتعبدين من أبناء اليونان.

    فلا شك أن صورة جوبيتر رب الأرباب عندهم, كانت أقرب إلى صورة الشيطان منها إلى صورة الأرباب المنزهين, ولو لم يبلغ وصف التنزيه عندهم نصيبا ملحوظا من الكمال.
    كان جوبيتر حقودا لدودا, مشغولا بشهوات الطعام والغرام, لا يبالي من شؤون الأرباب والمخلوقات إلا ما يعنيه على حفظ سلطانه والتمادي في طغيانه, وكان يغضب على أسقولاب إله الطب, لأنه يداوي المرضى فيحرمه جباية الضريبة على أرواح الموتى الذين ينتقلون من ظهر الأرض إلى باطن الهاوية, وكان يغضب على برومثيوس إله المعرفة والصناعة, لأنه يعلم الإنسان أن يستخدم النار في الصناعة, وأن يتخذ من المعرفة قوة تضارع قوة الأرباب, وقد حكم عليه بالعقاب الدائم فلم يقنع بموته ولا بإقصائه عن حظيرة الآلهة, بل تفنن في اختراع ألوان العذاب له, فقيده إلى جبل سحيق, وأرسل عليه جوارح الطير تنهش كبده طوال النهار, حتى إذا جن الليل عادت سليمة في بدنه, لتعود الجوارح على نهشها بعد مطلع الشمس ... ولا يزال هكذا دواليك في العذاب الدائم مردود الشفاعة مرفوض الدعاء. ومما رواه الشاعر الفيلسوف هزيود عن علة غضب الإله على برومثيوس أنه قسم له نصيبه من الطعام في وليمة الأرباب, فأكثر فيه من العظام, وأقل فيه من اللحوم الشحوم, فاعتقد جوبيتر أنه يتعالم عليه بمعرفته وفطنته, لأنه اشتهر بين الآلهة بمعرفة وافرة وفطنة نافذة, لم يشتهر بها الإله الكبير, ولا يغيب عنا ونحن نروي أخبار الإله الكبير منقولة عن هزيود أن هذا الشاعر الفيلسوف, قد اجتهد قصارى اجتهاده في تنزيه جوبيتر وتصويره للناس في صورة من القداسة والعظمة, تناسب صورة الإله المعبود بعد ارتقاء العبادة شيئا ما في ديانة اليونان الأقدمين.

    ومما رواه الرواة المختلفون عن جوبيتر أنه كان يخادع زوجته هيرة ويرسل إله الغمام لمداراة الشمس في مطلعها, حذرا من هبوب زوجته الغيرى عليه مع مطلع النهار, ومفاجأته بين عشيقاته على عرش الأولمب.. وحدث مرة أنها فاجأته وهو يقبل ساقيه جانمييد راعي الضأن الجميل الذي لمحه في الخلاء, فاختطفه وصعد به إلى السماء. فلم يتنصل جوبيتر من تهمة الشغف بساقيه, ومضى يسوغ مسلكه لزوجته بما جهلته من لذة الجمع بين رحيق الكأس ورحيق الشفاه.

    ومثل الأمم القديمة كمثل اليونان في بعد الفارق بين صورة الإله في حكمة الفلاسفة, وبين صورته في شعائر الكهان والمتعبدين.

    فالهند القديمة كانت تطوى هياكلها ومعابدها على طوائف من الأرباب: منها ما يلحق بالحيوان وعناصر الطبيعة, ومنها ما يلحق بالأوثان والأنصاب, وكثير منها يتطلب من سدنته أن يتقربوا إليه بالبغاء المقدس وسفك الدماء.

    وقد انتهت هذه الأرباب المتعددة إلى الثالوث الأبدي الذي اشتمل على ثلاث من الصور الإلهية, هي الإله براهما في صورة الخالق, والإله فشنو في صورة الحافظ, والإله سيفا في صورة الهادم. فجعلوا الهدم والفساد من عمل الإله الأعلى الذي يتولاه حين يتشكل لعباده من تلك الصورة. وزادوا على ذلك أنهم جعلوا لكل إله قرينا يسمونه الشاكتي أو الزوجة أو الصاحبة ينسبون إليها من الشرور ما ينزهون عنه قرينها أو صاحبها.

    فهذه الأرباب صور لا تتباعد المسافة بينها وبين صور الشياطين والعفاريت والأرواح الخبيثة المعهودة في أقدم الديانات, فإذا ارتفعنا في معارج التنزيه والتجريد بلغنا منها ذروتها العليا في صورتين مختلفتين: إحداهما صورة الكارما والصورة الأخرى النرفانا وكلتاهما تحسب من قبيل المعاني الذهنية, وقل أن توصف بوصف الذات الإلهية. فالكارما هي القدر الغالب على جميع الموجودات ومنها الآلهة وأفلاك السماء, وهذا القدر هو في الواقع حالة من الحالات العامة, يمكن أن نعبر عنها بأنها هي ما ينبغي أو هي الوضع الحاصل على النحو الأمثل, فليس القدر المسمى بالكارما عندهم ذاتا إلهية معروفة الصفات, ولكنه مرادف لكلمة الإنبغاء أو كلمة الواجب كما وجب في الحوادث والموجودات.

    والنرفانا حالة عامة كحالة الكارما, إلا أنها إلى العدم أقرب منها إلى الوجود, لأنها الحالة التي تنتهي إليها جميع الأرواح حين تفرغ من عناء الوجود, وتتجرد من شواغل الأجساد وشواغل الأرواح على السواء, وتتساوى أرواح الآلة وأرواح البشر في حالة النرفانا هذه, كلما سعدت بنعمة الخلود غير محسوس ولا مشهود.

    ولسنا نريد في هذه الصفحات القليلة, أن نتتبع صورة الإلهية والربوبية كافة بين أمم الحضارات الأولى, وإنما نجتزئ منها بالنماذج الدالة عليها فيما ارتقت إليه من التنزيه, وفيما هبطت إليه من التجسيم أو التشبيه أو التشويه, ولهذا يغنينا عن الاسترسال في شرح عادات الأقدمين أن نضيف إلى ما تقدم مثلا آخر يتمم أمثلة اليونان والهند, وذلك هو مثل الديانة المصرية القديمة من أبعد عهود الفراعنة إلى عهد الديانات الكتابية, وهي أي الديانة المصرية القديمة أرفع الديانات فيما نعلم ترقيا إلى ذروة التوحيد والتنزيه, وإن كانت في عبادتها الشائعة تهبط أحيانا إلى مهبط الديانات الغابرة من عبادة الطواطم والأنصاب, وعبادة الأرواح الخبيثة والشياطين. بلغت ديانة مصر القديمة ذروتها العليا من التوحيد والتنزيه في ديانة آتون التي بشر بها الفرعون المنسوب إليه إخناتون.

    ويؤخذ من صلوات إخناتون المحفوظة بين أيدينا, أنه كان يصلى إلى خالق واحد, يكاد يقترب في صفاته من الإله الخالق الذي يلي له العارفون من أتباع الديانات الكتابية, لولا شائبة من العبادة الوثنية علقت به من عبادة الشمس, فكانت هذه الشمس الدنيوية رمزا ومرادفا لاسمه في معظم الصلوات.

    هذه الشواهد من التاريخ القديم, شواهد تمثيل لا شواهد حصر وتفصيل, وهي مغنية في الدلالة على المدى الذي وصل إليه تنزيه الفكرة الإلهية في أمم التاريخ القديم جميعها, لأنها تدل على ما وصلت إليه الفكرة الإلهية المنزهة في أرفع الحضارات الأولى, وهي الحضارة المصرية والحضارة الهندية والحضارة اليونانية.

    وجملة الملاحظات على تنزيه الفكرة الإلهية عند الأقدمين, أنه كان تنزيها خاصا مقصورا على الفئة القليلة من المفكرين والمطلعين على صفوة الأسرار الدينية.

    ثم يلاحظ عليه بعد ذلك؛ أنه تنزيه لم يسلم في كل آن من ضعف يعيبه عقلا, ويجعله غير صالح للأخذ به في ديانات الجماعة على الخصوص.

    ففي الديانة المصرية, لم تسلم فكرة التوحيد من شائبة الوثنية, ولم تزل عبادة الشمس ظاهرة الأثر في عبادة آتون.

    وديانة الهند لم تعلم الناس الإيمان بذات الإلهية معروفة الصفات, وليس في معبوداتها أشرف من الكارما والنرفانا, وهما بالمعاني الذهنية أشبه منها بالكائنات الحية, وإحداهما وهي النرفانا إلى الفناء أقرب منها إلى البقاء.

    والتنزيه الفلسفي الذي ارتقت إليه حكمة اليونان في مذهب أرسطو, يكاد يلحق الكمال المطلق بالعدم المطلق, ويخرج لنا صورة للإله لا تصلح للإيمان بها ولا للاقتناع بها على هدى من الفهم الصحيح.

    وكل أولئك لا يبلغ بالتنزيه الإلهي مبلغه الذي جاءت به الديانة الإسلامية, صالحا للإيمان به في العقيدة الدينية وصالحا للأخذ به في مذاهب التفكير.

    والديانة الإسلامية كما هو معلوم ثالثة الديانات المشهورة باسم الديانات الكتابية مكانها في علم المقارنة بين الأديان مرتبط بمكان الديانتين الأخريين وهما الموسوية والمسيحية, وتجري المقارنة بين الإسلام وبينهما فعلا في كتابات الغربيين, فلا يتورع أكثرهم من حسبان الإسلام نسخة مشوهة أو محرفة من المسيحية أو الموسوية.
    والمسألة بعد مسألة نصوص محفوظة وشعائر ملحوظة, لا تحتمل الجدل الطويل في ميزان النقد والمقارنة؛ وإن احتملته في مجال الدعوة والخصومة العصيبة , ولا حاجة في المقارنة بين هذه الديانات إلى أكثر من ذكر العقيدة الإلهية في كل منها المعلم الصحيح بمكانها من التنزيه في حكم الدين وحكم المعرفة النظرية.

    إن المراجع التي تلقينا منها عقائد العبريين كما يدين بها أتباع الموسوية إلى يومنا هذا, مبسوطة بين أيدي جميع القادرين على مطالعتها في لغاتها الأصلية أو لغاتها المترجمة, وأشهرها التوراة والتلمود. فصورة الإله في هذه المراجع من أوائلها إلى أواخرها هي صورة يهوا إله شعب إسرائيل.

    وقد وصفوه في كتبهم المقدسة, فقالوا عنه مرة: إنه يحب ريح الشواء, وقالوا عنه مرة أخرى: إنه يتمشى في ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها, وقالوا عنه غير هذا وذاك. إنه يصارع عباده ويصارعونه, وإنه يخاف من مركبات الجبال كما يخافها جنوده, وغيروا ردحا من الدهر وهم يسوون بينه وبين عزازيل شيطان البرية, فيتقربون إليه بذبيحة, ويتقربون إلى الشيطان بذبيحة مثلها.

    وجمد العبريون على عقيدتهم الإلهية, فظل يهوا إلها عبريا, يستأثر به أبناء يعقوب ابن إسحاق, ولا يرجو الخلاص بمعونة منه إلا الذين يدينون بالولاء لعرش داود وذريته من بعده, فلم يتغير هذا الاعتقاد بين العبريين قبل عصر الميلاد المسيحي, ولم يأت التغيير فيه من قبل أبناء إسرائيل المحافظين على عقيدتهم الأولى؛ بل أتى هذا التغيير من قبل المصلحين المجددين في الدين اليهودي, وقام به من بينهم رسول مغضوب عليه في شرعتهم منهم بالمروق من زمرتهم, وهو عيسى بن مريم صلوات الله عليه وسلامه.

    وابتدأ عيسى بن مريم دعوته الأول مختصا بها بني إسرائيل دون سواهم من العالمين, وذكرت لنا الأناجيل تفصيل الحوار الذي دار بين المسيح وبين المرأة الكنعانية التي توسلت إليه أن يخرج الشيطان من ابنتها, فروى إنجيل مرقص في الإصحاح السابع:
    (أن امرأة بابنتها روح نجس, سمعت به, فأتت وخرت عند قدميه, وكانت المرأة أممية أي من أبناء الأمم غير الإسرائيلية وفي جنسها فينيقية سورية, فسألته أن يخرج الشيطان من ابنتها, وأما يسوع, فقال لها: دعي البنين أولا يشبعون؛ لأنه ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب, فأجابت وقالت له: نعم يا سيد, والكلاب أيضا تحت المائدة تأكل من فتات البنين, فقال لها: لأجل هذه الكلمة, اذهبي قد خرج الشيطان من ابنتك ....)
    ورواية متى لهذه القصة تشبه رواية مرقص حيث جاء في الإصحاح الخامس عشر من الإنجيل المنسوب إليه:

    إن السيد المسيح (خرج من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء, وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني يا ابن داود. ابنتي مجنونة جدا. فلم يجيبها بكلمة. فتقدم تلاميذ وطلبوا إليه قائلين: اصرفها لأنها تصيح وراءنا, فأجاب وقال: لم أرسل إلى إلا خراف بني إسرائيل الضالة, فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد أعني. فأجاب وقال: ليس حسن أن يؤخذ خبز البنين ويطرح الكلاب, فقالت: نعم يا سيد. والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها, حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة. عظيم إيمانك, ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة)

    ونحن نعلم من هذه القصة ومن جملة أخبار التلاميذ في الإنجيل, أن السيد المسيح قد ثابر على اختصاص بني إسرائيل بدعوته, ولم يتحول عنهم إلى غيرهم إلا بعد إصرارهم على رفضه ولجاجتهم في إنكار رسالته, فوجد بعد اليأس منهم أنه في حل من صرف الدعوة عنهم إلى الأمم المقيمة بينهم, وضرب المثل لذلك بصاحب الدار الذي أقام وليمة العرس في داره, وأرسل الدعوة إلى ذويه وجيرانه, فتعللوا بالمعاذير والشواغل ولم يستجيبوا لدعوته, غير معرفة بهم ولا صلة بينه وبينهم, حتى امتلأت بهم الدار ولم يبق على الموائد مكان لمن اختصهم بالدعوة فأعرضوا عنها.
    ويلاحظ في قصة المرأة الكنعانية أنها كانت تدعو المسيح بالسيد ابن داود, وأن عقيدة العبريين لم تزل آمالهم بالخلاص على يد رسول من ذرية داود ومن سلالة يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم.
    ومضى عصر المسيح, وجاء بعده عصر بولس الرسول, وعقيدة الخلاص الموقوف على سلالة إبراهيم الخليل باقية مسلمة بين العبريين الجامدين على تقاليدهم وبين المسيحيين المتحررين من تلك التقاليد, وإنما أضيف إليها تفسير جديد لهذه البنوة, وهو أنها بنوة روحية لا تتوقف على بنوة الجسد, ولا فارق فيها بين من يحيون سنة إبراهيم الخليل من العبريين أو من الأميين الذين يسميهم العبريين بالجوييم. أي القوم الغرباء.

    فالعقيدة الإلهية كما دان بها العبريون وجمدوا عليها إلى عصر الميلاد؛ إنما هي عقيدة شعب مختار بين الشعوب في إله مختار بين الآلهة, وليس في هذه العقيدة إيمان بالتوحيد, ولا هي مما يتسع لديانة إنسانية, أو مما يصح أن يحسبه الباحث المنصف مقدمة للإيمان بالإله الذي يدعوا إليه الإسلام.

    ثم تطورت هذه العقيدة الإلهية بعد ظهور المسيحية, فانتقلت من الإيمان بالإله لأبناء إبراهيم في الجسد, إلى الإيمان بالإله لأبناء إبراهيم في الروح, وانقضى عصر السيد المسيح وعصر بولس الرسول, واتصلت المسيحية بالأمم الأجنبية وفي مقدمتها الأمة المصرية, فشاعت فيها على أثر ذلك عقيدة إلهية جديدة في مذهب العبريين؛ وهي عقيدة الثالوث المجتمع من الأب والابن والروح القدس, وفحواها: أن المسيح المخلص هو ابن الله, وأن الله أرسله فداء لأبناء آدم وحواء, وكفارة عن الخطيئة التي وقعا فيها عندما أكلا من شجرة المعرفة في الجنة بعد أن نهاهما عن الاقتراب منها.

    وظهر الإسلام وفحوى العقيدة الإلهية كما تطورت بها الديانة المسيحية: أن الله الإله واحد من أقانيم ثلاثة هي: الأب والروح القدس والابن, وأن المسيح هو الابن من هذه الأقانيم, وهو ذو طبيعة إلهية واحدة في مذهب فريق من المسيحيين, وذو طبيعيتين إلهية وإنسانية في مذهب فريق آخر.

    ومن البديهي أن الباحث الذي يريد تطبيق علم المقارنة بين الأديان على المسيحية والإسلام, مطالب بالرجوع إلى حالة الديانة المسيحية حيث ظهرت دعوة الإسلام في الجزيرة العربية, فلا يجوز لأحد من هؤلاء الباحثين, أن يزعم أن الإسلام نسخة محرفة من المسيحية؛ إلا إذا اعتقد أن نبي الإسلام قد أخذ من المسيحية كما عرفها في بيئته العربية, وفيما اتصل به من البيئات الأخرى حول جزيرة العرب. ومهما يكن من تطور العقائد المسيحية في سائر البيئات ومختلف العصور, فالعقيدة المسيحية التي يجوز لصاحب المقارنة بين الأديان أن يجعلها قدوة للإسلام, إنما هي عقيدة المسيحيين في الجزيرة العربية وما حولها, وقد وصف جورج سيل مترجم القرآن إلى اللغة الإنجليزية حالة المسيحيين في الحجاز وفي سائر الأنحاء القريبة منه, فقال ما ننقله من ترجمة مقدمته للقرآن:

    (إنه من المحقق أن ما ألم بالكنيسة الشرقية من الاضطهاد واختلال الأحوال في صدر المائة الثالثة للميلاد, قد اضطر كثيرين من أنصارها أن يلجأوا إلى بلاد العرب طلبا للحرية, وكان معظمهم يعاقبه, فلذا كان معظم نصارى العرب من هذه الفرقة. وأهم القبائل التي تنصرت: حمير وغسان وربيعة وتغلب, وبهراء, وتنوخ, وبعض طيء, وقضاعة, وأهل نجران, والحيرة.. ولما كانت النصرانية بهذه المثابة من الامتداد في بلاد العرب لزم عن ذلك ولا بد أنه كان للنصارى أساقفة في مواضع جمة, لتنظم بهم سياسة الكنائس, وقد تقدم ذكر أسقف ظفار, وقال بعضهم: كانت نجران مقام أسقف, وكان لليعاقبة أسقفان؛ يدعى أحدهما: أسقف العرب بإطلاق اللفظ, وكان مقامه باكولة وهي الكوفة عند ابن العبري, أو بلدة أخرى بالقرب من بغداد عند أبي الفداء وثانيهما يدعى: أسقف العرب التغلبيين ومقامه بالحيرة. أما النساطرة فلم يكن لهم على هذين الكرسيين سوى أسقف واحد تحت رئاسة بطريركهم)
    إلى أن يقول:
    (أما الكنيسة الشرقية, فإنها أصبحت بعد انفضاض المجمع النيقاوي مرتبكة بمناقشات لا تكاد تنقضي, وانتقض حبلها بمحاكاة الأريوسيين والنساطرة واليعقوبية وغيرهم من أهل البدع. على أن الذي ثبت بعد البحث أن كلا من بدعتي النساطرة واليعقوبية, كانت بأن تدعه اختلافا في التعبير عن المعتقد, أولى من أن تدعى اختلافا في المعتقد نفسه, وبأن تدعى حجة يتغلب بها كل من المتناظرين على الآخر, أولى من أن تدعى سببا موجبا لالتئام مجامع عديدة, يتردد إليها جماعة القساوسة والأساقفة, ويتماحكون, ليعلي كل واحد منهم كلمته, ويحيل القضايا إلى هواه. ثم إن نافذي الكلمة منهم وأصحاب المكانة في قصر الملك, كان كل واحد منهم يختص نفراً من قواد الجيش. أو من أصحاب الخطب, يكون له عليهم الولاء ويتقوى بهم, وبذلك صارت المناصب تنال بالرشى, و النصفة تباع وتشترى جهارا. أما الكنيسة الغربية فقد كان فيها من تهالك دماسوس وأرسكينوس, في المشاحنة على منصة الأسقفية _ أي أسقفية روما _ ما أفضى إلى احتدام نار الفتنة, وسفك الدماء بين حزبيهما. وكان أكثر ما تنشأ المناقشات من القياصرة أنفسهم, ولا سيما القيصر قسطنطينوس, فإنه إذ لم يقدر أن يميز بين صحيح الدين المسيحي وخرافات العجائز, ربك الدين بكثير من المسائل الخلافية. هذا ما كان عليه حال النصرانية في غير بلاد العرب. أما في بلاد هذه الأمة التي هي موضوع بحثنا, فلم تكن خيرا من ذلك. فكان كفي نصارى العرب قوم يعتقدون أن النفس تموت مع الجسد وتنشر معه في اليوم الآخر, وقيل إن أوربيجانوس هو الذي دس فيهم هذا المذهب, وكم وكم من بدعة انتشرت في جزيرة العرب حتى لا نقول نشأت فيها!! فمن ذلك بدعة كان أصحابها بألوهية العذراء مريم, ويعبدونها كأنما هي الله, ويقربون لها أقراصها مضفورة من الرقاق يقال لها: كليرس, وبها سمي أصحاب هذه البدع كليرين. وفضلا عن ذلك, فقد اجتمع أيضا في جزيرة العرب عدد وافر من الفرق المختلفة الأسماء, لجأوا إليها هربا من اضطهاد القياصرة ....)

    كانت عقائد الفرق المسيحية في جزيرة العرب, وفي العالم المترامي حول جزيرة العرب, على هذا النحو الذي وصفه رجل متعصب على الإسلام, لا يتهم بمحاباته, ولا يظن به أنه يتجانف على المسيحية وهو قادر على مداراتها, ومن الواضح البين أن عقائد الفرق المسيحية على ذلك النحو, لم تكن مما يغري بالإعجاب, أو مما يدعو إلى الإقتداء. ومن الواضح البين أن موقف الإسلام, كان موقف المصحح المتمم, ولم يكن موقف الناقل المستعير بغير فهم ولا دراية.
    فقد جاء الإسلام بالدعوة إلى إله منزه عن لوثة الشرك, منزه عن جهالة العصبية وسلالة النسب, منزه عن التشبيه الذي تسرب من بقايا الوثنية إلى الأديان الكتابية.

    فالله الذي يؤمن به المسلمون, إله واحد لم يكن له شركاء, و"سبحانه عما يشركون"
    وما هو برب قبيلة ولا سلالة يؤثرها على سواها بغير مأثرة, ولكنه هو رب العالمين خلق الناس جميعا ليتعارفوا ويتفاضلوا بالتقوى, فلا فضل بينهم لعربي على أعجمي, ولا لقرشي على حبشي, إلا بالتقوى.

    "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" الحجرات : 13
    وهو واحد أحد: "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" الإخلاص : 3-4

    لا يأخذ إنسانا بذنب إنسان, ولا يحاسب أمة خلفت بجريرة أمة سلفت, و لا يدين العالم كله بغير نذير.
    "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" الزمر : 7

    "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" البقرة : 134

    "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" الإسراء : 15

    ودينه دين الرحمة والعدل, تفتتح كل سورة من كتابه باسم الله الرحمن الرحيم
    "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" فصلت : 46

    "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ" الحديد : 3

    "وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا" الأنعام : 80

    "وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" يس : 79

    وللباحث في مقارنات الأديان؛ أن يقول ما يشاء عن هذا الإله الواحد الأحد, رب العالمين, ورب المشرقين والمغربين, إلا أن يقول: إنه نسخ مستمدة من عقائد عرب الجاهلية, أو عقائد الفرق الكتابية التي خالطت عقائد الجاهليين على النحو الذي وصفه جورج سيل في مقدمته لترجمة القرآن الكريم, فإن العقيدة الإلهية التي تستمد من تراث الجاهليين؛ لن تكون لها صبغة أغلب من صبغة العصبية, ولا مفخرة أظهر من مفاخر الأحساب, ولن تخلو من لوثة الشرك, ولا من عقابيل العبادات التي امتلأت بالخبائث, وحلت فيها الرقى والتعاويذ محل الشعائر والصلوات.

    ومعجزة المعجزات؛ أن الإسلام لم يكن كذلك, بل كان نقيض ذلك في صراحة حاسمة جازمة, لا تأذن بالهوادة ولا بالمساومة, فما من خلة كانت أبغض إليه من خلة العصبية الجاهلية, والمفاخرة الجاهلية, والتناحر الجاهلي على فوارق الأنساب والأحزاب.

    فمن صميم بلاد العصبية خرج الدين الذي ينكر العصبية.
    ومن جوف بلاد القبائل والعشائر, خرج الدين الذي يدعو إلى إله واحد رب العالمين. ورب المشرق والمغرب, ورب الأمم الإنسانية جمعاء, بغير فارق بينها؛ غير فارق الصلاح والإيمان.

    على أن الباحثين الذين يصطنعون سمت العلم من علماء المقارنة بين الأديان في الغرب يطلقون نعوتهم على الإسلام سماعا _ فيما يظهر _ من مقرراتهم أو من مكرراتهم التقليدية التي لا يبدو منها أنهم كلفوا عقولهم جدا وقحا, أن تلم إلمامة واحدة بهذا الدين في جملة أو تفصيل.

    ففي كتاب من أحدث الكتب عن أديان بني الإنسان, ألفه أستاذ للفلسفة في جامعة كبيرة, يقول المؤلف المتخصص لهذه الدراسات _ بعد الإشارة إلى السيف والعنف والاقتباس من النصرانية والصائبية والمجوسية _:
    (إن محمداً أسبغ على الله _ ربه _ ثوبا من الخلق العربي, والشخصية العربية ...)

    ويقول المؤلف:
    (إن الحقيقة التي أقررها هنا, تتجلى للباحث كلما تقدم في دراسة هذا الدين العربي وهذه الشخصية الإلهية العربية)

    بهذا النعت التقليدي ينعت المؤلف إله الإسلام, بعد أن تقدم في دراسته على حد قوله. فماذا كان عساه قائلا لو أنه لم يسمع باسم الإسلام إلا على الإشاعة من بعيد؟!

    لعله لم يكن بحاجة إلى التقدم وراء البسملة في سورة الفاتحة: ليعلم أن المسلم يدين برب العالمين, وأنه يصف ربه بالرحمة مرتين عند الابتداء بكل سورة من سور كتابه.
    ولعله كان يحسن المقارنة جدا, وحقا, لو أنه قنع بهذه الصفة من صفات إله الإسلام, وقارن بينهما وبين دين الصفات التي يختارها غير المسلمين, فلا يذكرون الله في مفتتح دعواتهم بغير صفة القوة والجبروت.

    فالله رب العالمين, مالك يوم الدين, لم يكن نسخة محرفة من صورة الله في عقيدة من العقائد الكتابية _ كما زعموا _ بل كان هو الأصل الذي يثوب إليه من ينحرف عن العقيدة في الإله, كأكمل ما كانت عليه, وكأكمل ما ينبغي أن يكون.
    ومن ثم كانت هذه العقيدة الإلهية في الإسلام, مصححة متممة لكل عقيدة سبقتها في مذاهب الديانات, أو مذاهب الفلسفة ومباحث الربوبية.

    فهي عقيدة كاملة, صححت وتممت عقيدة الهند في الكارما والنرفانا؛ لأنها عقيدة في خواء, أو فناء مسلوب الذات لا تجاوب بينه وبين أبناء الحياة.

    وهي عقيدة كاملة, صححت وتممت عقيدة المعلم الأول بين فلاسفة الغرب الأقدمين؛ لأنه كان على خطأ: في فهم التجريد والتنزيه, ساقه هذا الخطأ إلى القول بكمال مطلق كالعدم المطلق في التجرد من العمل, والتجرد من الإرادة.

    ودين يصحح العقائد الإلهية, ويتممها فيما سبقه من ديانات الأمم وحضاراتها ومذاهب فلاسفتها؛ تراه من أين أتى, ومن أي رسول كان مبعثه ومدعاه؟
    من صحراء العرب.

    ومن الرسول الأمي بين الرسل المبعوثين بالكتب والعبادات.
    إن لم يكن هذا وحيا من الله, فكيف يكون الوحي من الله؟!

    ليكن كيف كان في أخلاد المؤمنين بالوحي الإلهي حيث كان, فما يهدي رجل أمي في أكناف الصحراء إلى الإيمان بالله, أكمل من كل إيمان تقدم, إلا أن يكون ذلك وحيا من الله. وإنه لحجر على البصائر والعقول, أن تنكر الوحي على هذه المعجزة العليا؛ لأنه لا يصدق عليها في صورة من صور الحدس أو الخيال. انتهى كلام العقاد.

    وبعد: فمن العجيب الغريب المضحك المبكي, أن نضطر لمقارنة عقيدة الإسلام في باب الربوبية, مع سخافات البشر في هذا الباب!!

    أليس عجيبا أن نقارن ديانة فيها مثل هذا النص:
    قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ" لقمان : 27
    بداية تقول عن الله: بأنه يجامع, أو يصارع خلقه, ويكادون يغلبونه, أو أن له ولدا, أي وزوجة. مثل هذا الكلام التافه يمكن أن يقارن به ذلك الكلام العظيم؟!

    إن أي نص عن الذات الإلهية في القرآن تدرسه, يدلك على أن هذا النص لا يمكن أن يكون إلا من عند الله ذاته, كلاما ووحيا.

    ولكن ما العمل إذا ألف الناس العمى لدرجة أنهم لا يحبون معه الإبصار؟!
    لقد درسنا ظواهر الكون, فدلتنا على صفات الله, فلما عدنا إلى كتاب الله ازداد الفهم عمقا, وأدركنا من أبعاد الموضوع أكثر, ولا شك أنه لولا أننا مسلمون, قد استقرت في أذهاننا معرفة الله كأثر عن الوحي, ما سرنا في هذا البحث على مثل هذا السير. فدين يأخذ بيد العقل على هدى العلم؛ ليدله على أن يربط الفروع بأصولها, ويرجع بالأصول إلى مصدرها دين لا يمكن أن يكون إلا حقا.

    إن هناك ناسا لا يسمعون ولا يعقلون ولا يفكرون, عقائدهم سخيفة, فإذا ما دعوا إلى مثل هذا الصفاء, وإلى مثل هذا المنطق الحكيم, رفضوه لأنهم درجوا على عقيدة خاطئة, وألفوها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث, فهؤلاء كما قال الله عنهم " إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم" الزخرف : 22. كل أصحاب عقيدة باطلة يقولون هذا: أفما ينبغي لهؤلاء أن يعيدوا النظر؟! فالقضية ليس قضية خيار؛ وإنما هي قضية مصير الإنسان: إما إلى جنة, أو إلى نار ستحرقهم أبدا, إن لم يهتدوا.

    إن الوثنين والمشبهين, والذين يعطون صفات الله لخلقه. إن الذين لم يعرفوا صفات الله العليا, وأسماءه الحسنى, ووجوده الكامل, وهيمنته الدائمة, وإمداده العظيم, وتدبيره لشؤون خلقه ابتداء وانتهاء. إن الذين لا يرون آيات الله في كل ما خلق. هؤلاء كلهم لا يعرفون الله.
    إننا نحن المسلمين فقط نعرف الله حق المعرفة, وننزهه حق التنزيه, ونعبده حق العبادة, ومن قرأ الكتابين اللاحقين من هذه السلسلة الرسول, الإسلام سيرى حقا عجبا, لا يمكن أن يكون, لولا أن الله عز وجل, هو الذي أوحى, ويسر, وأراد ما أراد لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وبهذا الدين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تم بحمد الله
    الله هو الواجب فلا موجود احق منه تعالى ان يكون موجودا فهو احق بالوجود من مثبتيه ونفاته ومن كل ما يتثبه المثبتون.وليس في الدنيا احمق واضل من نفاته او الشاكين في وجوده اذ يمكن كل شيء الا يكون موجودا او يشك في وجوده لانه ممكن يقبل الوجود والعدم ليس وجوده اذا اكان موجودا ,ضروريا ولا عدمه اذا كان معدوما ,,ولا يمكن الا يكون الله موجودا ,ولو فرض عدمه كان هذا فرض عدم من يجب وجوده ,وهو تناقض محال.(الشيخ مصطفى صبري).يقول حجة الإسلام الغزالي ( إن رد المذهب قبل فهمه و الاطلاع على كنهه هو رمي في عماية )

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. خبر: سلسلة بعنوان "دراسات في البدعة والمبتدعين " للشيخ محمد بن سعيد رسلان
    بواسطة المهاجر إلى ربه في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-12-2010, 02:19 PM
  2. كتاب مهم جدا عن كتاب الله "الفرقان في بيان منزلة القران"
    بواسطة حيدر حيدر حيدر في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-24-2007, 08:18 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء