المقدمة
في السوق كتب كثيرة تدلك على وجود الله عز وجل ولكن الكثيرين من الذين يكتبون في هذا الموضوع لا يبنون البناء الصحيح على ما يقتضيه الإيمان بالله من إيمان برسله صلوات الله عليهم وإيمان بوحيه ودينه وشريعته ومن ثم كان هذا الكتاب سداً لهذه الثغرة إذ كان فيه تدليل ووضع لمحل الإيمان بالله في محله الصحيح في الحياة البشرية. وكثيرون من الذين كتبوا في موضوع الألوهية إما أنهم اقتصروا على التدليل على الوجود ولم يصلوا إلى التعريف على الصفات والأسماء، وإما أنهم تكلموا عن الصفات والأسماء ولم يدللوا على الوجود، فكان في كل من العملين ثغرة حاول هذا الكتاب أن يسدها، وكثيرون من الذين تكلموا في الدليل إما أنهم فاتتهم الاستفادة من معطيات عصرنا أو أنهم تكلموا ضمن معطيات علوم عصرنا دون أن يربطوا ذلك بمعطيات العصور، وكانت تلك ثغرة كذلك حاول هذا الكتاب أن يسدها.
وكثيرون من الذين تكلموا في هذه الشؤون فاتتهم الدقة العلمية أو الدقة في التعبير فشطح بهم القلم نحو كلمة لا تليق أو كلمة ليست صحيحة أو كلمة فيها كفر أو إثم وذلك تناقض مع المضمون فبينما يقرأ الإنسان لتحقيق الإيمان إذا به يقع في الكفر وكان هذا الكتاب بريئاً من ذلك بفضل الله تعالى ومن ثم فان هذا الكتاب وان كان جديده قليلاً فان ميزاته هذه ذات وزن كبير عند أهل الإنصاف. وندر من عرض لموضوع الإيمان العقلي بالله من بدايته إلى نهايته بدايته التي تحدد الطريق للمعرفة العقلية ثم تبني هذه المعرفة من خلال الدليل ثم تصل إلى ما يوصل إليه العقل من تعرف على صفات الله وأسمائه ثم تبرهن على أن ما يصل إليه العقل من تعرف على صفات الله وأسمائه ثم تبرهن على أن ما يصل إليه العقل هو نفسه الذي يوصل إليه الوحي الصحيح ثم تبين الأخطاء التي وقع فيها البشر في هذا الشأن.
إن كتابا فعل هذا كله ربما يكون نادراً وتلك ميزة أخرى لهذا الكتاب ثم إن هذا الكتاب عرض من وجهة نظر إسلامية محضة لهذه القضية وبقلم إسلامي كذلك فرفع بذلك وصاية الأقلام الخاطئة أو المنحرفة أو الكافرة عن المسلم المثقف الذي يرغب في أن يقرأ في هذا الموضوع فكانت تلك ميزة أخرى من ميزات هذا الكتاب لقد هدف كثير من المؤلفين إلى قضية جزئية في مؤلفاتهم لها صلة بهذا الموضوع وأردنا في هذا الكتاب أن نحقق مجوعة ما قصد إليه المؤلفون وكان ذلك ميزة لهذا الكتاب المختصر.
ولقد حاولنا أن نقرأ كل ما استطعنا الوصول إليه من كتب تحدثت عن أي جانب من جوانب هذا الموضوع واستفدنا من الكثير منها، استفدنا من كتاب قصة الإيمان لنديم الجسر، ومن كتاب الله للعقاد، ومن كتاب العلم يدعو للإيمان لكريسي موريسون، ومن كتاب الله يتجلى في عصر العلم لمجموعة من العلماء، ومن كتاب الله والعلم الحديث لعبد الرزاق نوفل، ومن كتاب مصير البشرية ليكونت دي نوي، ومن كتاب مع الله في السماء لأحمد زكي، ومن كتاب العقائد للأستاذ البنا، ومن كتاب الوجود الحق للدكتور حسن الهويدي، ومن رسائل كثيرة أخرى وكتب كثيرة أخرى منها القديم ومنها الحديث ولقد سرت في هذا الكتاب مقرراً عقيدة الحق التي يجتمع عليها المسلمين تاركا البحوث التي حدث فيها خلاف بين الفرق الإسلامية لأن تلك البحوث والتقرير في شأن ما اختلف فيه منها محلا آخرا فمن طبيعة هذه السلسلة كلها أنها لا تحتمل مثل هذه البحوث إلا أن لنا كلاما في هذه الأمور في سلسلة أخرى إن شاء الله تعالى.
سرنا في البحث بأن حددنا الطريق إلى معرفة الذات الإلهية وهي آثار الله التي تدل عليه وبينا أن هذه الآثار التي تدل عليه: الكون، القرآن، والمعجزات، والكرامات. وبينا أننا في هذا البحث نريد أن نعرض الظواهر الكونية فقط وكيف أنها تدلنا على الله عز وجل وفي البحث الثاني عن الرسول صلى الله عليه وسلم سنتعرض للقرآن وللمعجزات وبذلك يكتمل الكلام عن الظواهر التي تدل على الله. وإنما اقتصرنا في هذا البحث على ذكر الأدلة الكونية فقط كي لا نضطر لأن نعيد كلاما مرتين لأن الإعجاز القرآني كما يدل على الله يدل على أن محمدا رسول الله وان المعجزات والكرامات كما تدل على الله فإنها تدل على أن محمد رسول الله .
وفي هذا البحث سنرى أن الظواهر الكونية وحدها كافية للدلالة على الله فكيف إذا اجتمع معها غيرها ومن خلال هذه القضية ندرك أن المسلم وحده هو الذي يمتلك التعليل الشامل والحق لكل شيء على خلاف الآخرين الذين يستطيعون التعليل لبعض الأشياء ويقفون عاجزين أمام غيرها ومع ذلك يملؤهم الغرور بسبب أنهم عرفوا بعض قوانين هذا الكون.
ثم أنه بعد المقدمة التي حددنا فيها الطريق إلى معرفة الله وذكرنا فيها التصورات الخاطئة والمعاني التي تحول دون الإيمان عرضنا تسع ظواهر كونية كنماذج على الظواهر الكونية الكثيرة التي تدلنا على الله بما لا يقبل جدلا عند المنصف ثم بينا أن الظواهر الكونية تدلنا على أسماء الله وأن أسماءه تدلنا على ذاته فعرفنا بذلك الله عز وجل من خلال النظر في هذا الكون ثم برهنا بعد ذلك على أن ما أوصلنا إليه النظر العقلي في الكون من صفات الله وأسمائه هو الذي قرره القرآن وهو يعرفنا على أسماء الله عز وجل وصفاته فكان ذلك وحده آية على أن هذا الإسلام هو دين الله عز وجل.
وعندما وصلنا إلى هذا أحببنا أن نقدم مقارنة بين العقيدة الإسلامية في موضوع الألوهية وبين غيرها مما يتبين منه سموها بما لا يقاس معها أو عليها غيرها من عقائد موجودة أو موروثة أو معروفة إن في عالم الأديان كما نقلت إلينا أو في اتجاهات الفلاسفة.
وقد رأينا أن ننقل هذه المقارنة من كلام العقاد كشهادة من إنسان مستوعب لثقافة الحاضر والماضي وإنسان له شهرة في عالم الفكر والفلسفة والأدب وذلك لشعورنا أن ذلك أقوى في مخاطبة المثقف المعاصر في الأوضاع والظروف التي صدر فيها الكتاب فإن المؤلف لم يكن معروفا وبالتالي فان كلام العقاد في قضية فيها طابع المقارنة الشاملة سيكون أقوى في تحقيق غرض المؤلف وهو الإقناع في الدعوة إلى الإيمان وهذا وحده كاف لان يجعلنا نتجاوز بعض الأمور فنقلنا كلام العقاد في كتابه حقائق الإسلام وأباطيل خصومه في مقارنة للعقيدة الإسلامية في باب الألوهية مع غيرها مما يظهر أنها هي وحدها الحق وغيرها باطل وبذلك تم الكتاب ما بين مقدمة وعرض ظواهر وذكر دلالات الظواهر ومقارنات بعد ذلك فاستكمل الكتاب من المعاني ما تفرق في غيره وإذا كان قانون السببية هو أهم مبادئ العقل وإذا كان هذا المبدأ هو الأساس الذي يقوم عليه الإيمان العقلي والمعرفة العقلية لله فقد أعلنا له فصلا خاصا جعلناه بين الظواهر ودلالات الظواهر.
وإذا كان التوحيد هو أهم ما خرقته أهواء البشر في باب معرفة الله فقد خصصناه كذلك بفصل جعلناه تاليا لظاهرة الوحدة. وإذا كان وهم الطبيعة قد سيطر على كثير من العقول القاصرة فقد خصصناها بكلام في نفس المكان من هذا الكتاب ومن ثم فقد قلنا في هذا المكان فيما بين الظواهر ودلالاتها كلاما للدكتور حسن هويدي وللشيخ سعيد النورسي نقطع فيه دابر الخرق السفيه لمبدأ السببية العقلي ودابر الخرق لقضية التوحيد ونهتك فيه حجاب الوهم حول قضية الطبيعة لقد كان كلامهما رائعا في هذه الأمور فنقلناه انطلاقا من قاعدتنا أنه حيثما وجدنا إحسانا عند أحد يخدم تسلسل أبحاث هذه السلسلة أو يخدم مواضيعها فإننا ننقله مستغنين بذلك أن نكتب نحن فيه.
نقول: إن هذا البحث كاف في تحقيق غرضه في موضوع التعريف على الله عز وجل وبناء الإيمان العقلي ولكن موضوع الألوهية يحتاج إلى كثير من البحوث والكتابة فيه من خلال عقلية إيجابية تنقب في التاريخ طولا وعرضا دراسة كل ما أخرجته الحفريات زمانا ومكانا لتبرهن على أن التوحيد هو الأصل وإنما طرأ عليه ما طرأ بسبب من الأهواء والتحريف، كما أننا بحاجة إلى أن نضع كل نقطة فوق حرفها في عملية إقامة الحجة على كل فكر كافر في هذا العالم وفي كل جانب منه من خلال حوار شامل، قالوا ونقول نذكر هذا وذاك كنموذجين على بعض احتياجاتنا في هذا الموضوع. وللتدليل على أن هذا الكتاب يأخذ محله ولكن لا يغني عن غيره مما نحتاجه في عصرنا وفي حوارنا الشامل مع غيرنا.
وأخيرا أقول: لقد كان هذا الكتاب والكتابان اللذان جاءا بعده في هذه السلسلة أثرا عن الشعور باحتياجات المسلمين وهذا الذي جعلنا نحرص على الإنجاز السريع مستفيدين مما كتبه غيرنا مفضلين ذلك على أن نعيش في أحلام الكتابة دون أن نقدم للمسلمين زادا يحتاجونه سريعا ولقد كررنا العذر مرة بعد مرة حول قضية كثرة النقول في هذه السلسلة لأننا نعلم أن كلاما ما يقال أو سيقال في هذا الشأن فأحببنا أن يعرف الناس عذرنا فإما كريم يعرف فيقصر وإما ناقد منصف يتكلم فيذكر نقده مع العذر ولندخل في البحث.
Bookmarks