الدين العلماني ومعالمه في المجتمع الإسلامي
الدكتور ماهر خميس
يضم العالم الإسلامي على اتساع رقعته العديد من الأديان والثقافات المختلفة ويضم بشكل أساسي الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي ........ويمكن أن نضيف إليهم دين رابع هو الدين العلماني.
دين علماني أم أديان علمانية....؟؟!!
لعل أحدهم يستغرب كيف نصف العلمانية بالدين مع أنها لا تعترف بإله معين ولا كتاب مقدس وليس لها طقوس دينية مشابهة للأديان الأخرى كما أن أتباعها غير معروفين بحيث أننا لا نستطيع أن نشير إلى أي مجموعة أو منطقة بأنها ذات توجه ديني علماني ......؟
الجواب على ذلك بسيط :
الدين بالمفهوم العام هو كل ما يعتقده الشخص من أفكار ومعتقدات وتصورات حول الكون والحياة والوجود والعدم ...........
وليس من أسس الدين - بالتعريف العام – وجود إله بالمعنى المعروف أو طقوس أو كتاب مقدس كما هو معروف لدى الأديان الكبرى بل هنالك أديان شبيه بالديانات الطوطمية أو الشامانية بحيث تعد العلمانية في شكلها الحالي نكوص ديني يعود بالإنسان المعاصر إلى تلك الحقبة من الديانات المتعددة ولكن بشكل فكري أكثر منه بشكل مادي وطقوسي.
والأصح أن نقول الأديان العلمانية لأن معظم الأفكار العلمانية لا تتفق مع بعضها البعض وتتخبط في الزمان والمكان تتقدم تارة باتجاه وتتراجع باتجاه آخر ثم تعود لتتقدم وتتراجع في اتجاهات مختلفة ......
ولكننا سنعبر بلفظ الدين العلماني – بصيغة المفرد – للدلالة على أحد هذه الأديان بصيغة المجهول (س) أو (X) ونقدم تحليلاتنا وتصوراتنا بشكل عام بحيث تنطبق على أغلب هذه الأديان، تماماً كما ندرس الطوطمية أو الشامانية.
مفهوم الإله في الدين العلماني:
لا يعرف إله معين في الدين العلماني بل كل شخص علماني يمثل بحد ذاته إله فكري أو تابع لأحد الآلهة الفكرية الأخرى سواءً كانت غربية – وهو الغالب – أو محلي – وهو الأقل –
ويشبه العبد العلماني الشامان الذي هو مصدر المعرفة الوحيدة ويمتلك وحده سر الوجود والحياة والنور والظلمة وأن ذاته الفكرية تغوص في الماضي كما تغوص في المستقبل وأن الحقيقة الكاملة تتمثل في ذاته الفكرية ....
وعليه فإن الإله العلماني حقيقة متغيرة بتغير الأشخاص والأفكار ، يتحول حسب طبيعة الزمان والمكان ، ليس له معالم واضحة ، ووجوده فكري بشكل أساسي ، ويحتل المثل الأعلى في الدين العلماني ، فالآلهة في الدين العلماني متعددة تعدد الأفكار والتحولات.
وكما هو الحال في الأديان الوثنية فإن الآلهة العلمانية تموت وتحيا وتتزوج وتنجب آلهة أخرى ....وهكذا........ بلا نهاية .
النصوص المقدسة في الدين العلماني:
بما أن الإله العلماني هو إله فكري متفرد لذلك فإن ما يصدر عن هذا الإله هو نص مقدس
بمعنىً آخر:أن ما يصدر عن العقل الشخصاني للشامان العلماني هو بحد ذاته النص المقدس –لا يأتيه الباطل- لذلك نجد كثيراً من العبيد العلمانيين يتمسكون بأفكارهم أو أفكار آلهتهم الأخرى بشكل كبير ويضيفون عليها القداسة والحقيقة ........
لذلك فالنص المقدس في الدين العلماني متعدد تعدد الآلهة وقابل للتطور والتغيير والحذف والإضافة تبدل مزاج الآلهة وتطورها من مرحلة إلى أخرى .....
أركان الدين العلماني:
يقوم الدين العلماني على عدة أركان مشتركة أهمها:
1ـ شخصانية الفكر والعقل: فكل عقل وفكر علماني هو الحقيقة المتفردة ،والحياة والكون وسرهما ينبع من هذا العقل الشخصاني الذي يرسم لذاته معالم وجده وعدمه وهو محور الكون وحوله تتمحور جميع الأفكار والتصورات والحقائق.
2- أنسنة الآلهة والنصوص المقدسة الأخرى: كل ما يصدر عن غير الإله العلماني هو إنساني سواءً تسمى تحت مسميات الأديان السماوية أو غيرها [فالله إنسان والقرآن إنتاج إنساني] وكل ما هو مطروح في الساحة الفكرية والدينية هو إنتاج إنساني لا يستحق التعب ويمتاز بالعبثية الإنسانية ويبقى الإله العلماني هو "المطلق" الوحيد في الكون.
3- تقويض المقدس: لا توجد مقدسات ولا حرمات خارج الدين العلماني فكل شيء قابل للتقويض والدمار والنهاية، وكل شيء يعتبر واقع إنساني ينتهي بنهاية الإنسان نفسه.
4- الإغراب والتغريب: ليكون الإله العلماني موجوداً يجب أن يكون غريباً لم يسبق أن عُرف من قبل إلا من خلال ما يبثه العقل الشخصاني من تصورات حول هذا الإله، لذلك نجد أصحاب الديانات العلمانية يتبارون في إظهار آلهتهم الجديدة بمظاهر غير مألوفة يتجاوزون من خلاله كل الخطوط الحمراء والسوداء والبيضاء......... لكي يكون إلههم هو المنتصر والمعروف في النهاية ، وعلى الأغلب يستعير العرب آلهتهم من آلهة الغربيين بعد أن يبولوا عليها.
5- تمجيد الآلهة العلمانية وتقديسها: مع أن الديانات العلمانية تقوض كل ما هو مقدس بنظرها إلا أنها تقع في نفس ما تنتقده ، فهي تقدس آلهتها وتمجدها وتسمو بها فوق كل الآلهة وتدافع عنها وترمى أعدائها بالتخلف والرجعية والأصولية .... فلا إله عنده إلا إلههم الفكري الخاص.
6-العلمانيون "شعب إلههم المختار": لا أحد يمثل الحقيقة المطلقة إلا الإله العلماني ولا يعطي تلك الحقيقة إلا لشعبه المختار الذي قد لا يتجاوز الفرد الواحد أو عدة أفراد ، فهم ورثة الحقيقة من هذا الإله الحقيقي وكل ما عداهم من البشر فهم غوغاء يتخبطون بين الأفكار والآلهة ....لم يمتن عليهم ذلك الإله العلماني بالحقيقة ، فهم يمثلون العبثية الإلهية البشرية.
طقوس الدين العلماني:
لا يوجد في الدين العلماني طقوس دينية تقليدية معروفة كما في بقية الأديان كالصلاة والصيام... بل طقوسه فكرية بحتة تتجلى من خلال ما يبثه من أفكار وتصورات ، فعند مطالعة أي نص علماني نجد أن ذلك العبد العلماني يمارس طقوساً خاصة ومن أهمها:
1- التأكيد على الأنسنة الفكرية.
2- الاستهزاء بالمقدسات عامة.
3- رفض الآخر ووصفه بالضلال الفكري والكفر العلماني.
4- التقية الفكرية والدينية.
والنقطة الرابعة تعد الأهم لأن غالبية العبيد العلمانيين يمارسون ذات الطقوس الباطنية القديمة فهم يبطنون غير ما يظهرون – في أغلب الأحيان- ويحاولون من خلال التقية الفكرية بث نصوص آلهتهم الفكرية المقدسة من خلال كتاباتهم .....
وهذه هي أزمة الأديان العلمانية في عالمنا الإسلامي فالكل تقريباً يصر ويؤكد ويلتزم على احترام الإسلام والله والقرآن ولكن عندما نحلل ما يكتبون نخدهم يمارسون الطقوس العلمانية بحذافيرها ..........
فلنحذر من هذه التقية العلمانية التي تكاد تكون الطقس الرئيسي ومثلها مثل الصلاة "عماد الدين العلماني"
الشرك والكفر في الدين العلماني:
معظم العبيد العلمانيين في العالم الإسلامي مشركون وغير مخلصين لإلههم العلماني فتراهم ينكرون الكثير من أفكار إلههم ويتبرؤون منه عندما يتعلق الموضوع بقيمة وجودهم في الحياة وخاصة عندما تتناقض أفكار إلههم وتصطدم بالواقع وخاصة الواقع الإسلامي فهم لا يعبدون إلههم إلا من خلال الكتابة دون المواجهة، ومن جهة أخرى تراهم يمارسون الطقوس الدينية للأديان السماوية التي نشؤوا منها سواءً مسلمين أو مسيحيين وغالباً ما يكفرون بهذا الإله وخاصة عندما يردون إلى أرذل العمر ....وهذا المشهد متكرر دائماً ليبيض هؤلاء الآباء العلمانيون ويموتون ليكبر الأبناء العلمانيون على هذا البيض ويلونوه بألوان جديدة أو يبيضوا غيره وهكذا ......


في النهاية:
إن تخبط الأديان العلمانية في واقعنا الإسلامي واضح وجلي وتكاد تتعدد الأديان بتعدد الأشخاص وغالبية الآلهة العلمانية مستوردة من الخارج ومنحوتة على شكل شرقي يتناسب مع الدين العلماني الجديد ......
ظهرت العديد من الأديان العلمانية وبادت الكثير وما تزال أفراخ تلك الديانات تظهر بين الحين والآخر ...على كل حال "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".


Maher_khamis@hotmail.com