لفظ الشيعة في القرآن ومعناه:
ومادة شيع وردت في كتاب الله العظيم في اثني عشر موضعاً [انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص 18.]، وقد أجمل ابن الجوزي [أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي التيمي البغدادي، المعروف بابن الجوزي، صاحب التصانيف الكثيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها، منها: جامع المسانيد، والمنتظم وغيرهما، توفي عام 597هـ. انظر: ابن العماد/ شذرات الذهب: 4/329 ، اليافعي/ مرآة الجنان: 3/489 -492 ، معجم المؤلفين: 5/157.] معانيها بقوله: "وذكر أهل التفسير أن الشيع في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها: الفرق، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} [الأنعام، آية: 159.] وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} [الحجر، آية: 1.] وقوله: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص، آية: 4، قال ابن جرير الطبري {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يعني بالشيع: الفرق، تفسير الطبري: 20/27، وانظر أبو عبيدة/ مجاز القرآن: 1/194.] وقوله: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم، آية: 69.].
والثاني: الأهل والنسب، ومنه قوله تعالى: {هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص، آية: 15 ، قال ابن قتيبة: ومعنى {هَذَا مِن شِيعَتِهِ} أي: من أصحابه بني إسرائيل (تفسير غريب القرآن ص329)، وانظر: أبو حيان/ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب ص: 153.] أراد من أهله في النسب إلى بني إسرائيل.
والثالث: أهل الملة، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم، آية: 69.]، وقوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} [القمر، آية: 51.]، وقوله: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} [سبأ، آية: 54.]. وقوله: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات، آية: 83.].
والرابع: الأهواء المختلفة، قال تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام، آية: 65.]" [ابن الجوزي/ نزهة الأعين النواظر: 376-377، وزاد الدامغاني وجهاً خامساً وهو: الشيع والإشاعة، واستشهد لهذا بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} يعني أن تفشو الفاحشة، كما أن ابن الجوزي ذكر في الوجه الثاني أن من معاني الشيع الأهل والنسب، واستشهد لها بقوله سبحانه: {هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}، بينما نجد الدامغاني ذكر أن من معاني الشيعة: الجيش، واستدل لذلك بنفس الآية. وقد اتفقا فيما سوى ذلك من معاني التشيع.].
ويشير ابن القيم [محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، توفي سنة 751هـ، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد.] - رحمه الله - في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والأشياع غالباً ما يستعمل في الذم، ويقول: ولعله لم يرد في القرآن إلا كذلك، كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، وكقولـه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا}، وقوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ}. ويعلل ابن القيم لذلك بقوله: "وذلك والله أعلم لما في لفظ الشيعة من الشياع، والإشاعة التي هي ضد الائتلاف والاجتماع، ولهذا لا يطلق لفظ الشيع إلا على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم" [بدائع الفوائد: 1/155. وهذا في الغالب لأنه ورد في القرآن: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ}.].
هذه ألفاظ الشيعة في كتاب الله ومعانيها، وهي لا تدل على الاتجاه الشيعي المعروف، وهذا أمر يدرك بداهة، ولكن الغريب في الأمر أن نجد عند الشيعة اتجاهاً يحاول ما وسعته المحاولة أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب الله بطائفته، ويؤول كتاب الله على غير تأويله، ويحمل الآيات ما لا تحتمل تحريفاً لكتاب الله وإلحاداً فيه، فقد جاء في أحاديثهم في تفسير قوله سبحانه: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات، آية: 83.] قالوا: أي إن إبراهيم من شيعة علي [البحراني/ تفسير البرهان: 4/20، وانظر: تفسير القمي: 2/323، المجلسي/ بحار الأنوار: 68/12-13، عباس القمي/ سفينة البحار: 1/732، البحراني/ المعالم الزلفى ص: 304، الطريحي/ مجمع البحرين: 2/356، وقد نسبوا هذا التفسير - كذباً وافتراءً - إلى جعفر الصادق، ودينه وعلمه ينفيان ذلك.]، وهذا مخالف لسياق القرآن، وأصول الإسلام، وهو نابع عن عقيدة غلاة الروافض الذين يفضلون الأئمة على الأنبياء [انظر: البغدادي/ أصول الدين ص: 298، القاضي عياض/ الشفاء ص: 290، ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/177.]، فهذا التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل والأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، يجعله من شيعة علي... وهو أمر يعرف بطلانه من الإسلام بالضرورة، كما هو باطل بالعقل، والتاريخ.. وهو من وَضع وضَّاع لا يحسن الوضع.. ولا يعرف كيف يضع.
والذي قاله أهل السنة في تفسير الآية والمنقول عن السلف أن إبراهيم من شيعة نوح عليه السلام وعلى منهاجه وسنته [انظر: تفسير الطبري: 23/69، تفسير ابن كثير: 4/13، تفسير القرطبي: 15/91، ابن الجوزي/ زاد المسير: 7/67.] وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع سياق الآية، لأن الآيات التي قبل هذه الآية كانت في نوح عليه السلام، ويلاحظ أن مفسـري الشيعة من أخذ بقول أهل السنة، وأعرض عما قاله قومه في تأويل الآية [وهناك قول ضعيف في الآية نسب إلى الفراء بأن المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم. قال الشوكاني: ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق (فتح القدير: 4/401) وقال الألوسي: "وذهب الفراء إلى أن ضمير (شيعته) لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والظاهر ما أشرنا إليه (وهو أن يعود على نوح عليه السلام) وهو المروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وقلما يقال للمتقدم: هو شيعة للمتأخر (روح المعاني: 23/ 99-100).].
لفظ الشيعة في السنة ومعناه:
ورد لفظ الشيعة في السنة المطهرة بمعنى الأتباع.. كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في الرجل [هو: ذو الخويصرة التميمي.. أصل الخوارج. (انظر: مسند أحمد: 12/4).] الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لم أرك عدلت.." قال فيه عليه الصـلاة والسلام: "سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه".. الحديث [مسند أحمد: 12/3-5 قال عبد الله بن الإمام أحمد: ولهذا الحديث طرق في هذا المعنى صحاح. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المصدر السابق)، ورواه ابن أبي عاصم في السنة: 2/454، قال الألباني: إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات.]، وكذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود في المكذبين بالقدر.. وفيه: "وهم شيعة الدجال" [سنن أبي داود 5/67، فال المنذري: وفي إسناده عمر مولى غفرة لا يحتج بحديثه، ورجل من الأنصار مجهول (المنذري) مختصر أبي داود 6/61، ورواه أيضاً الإمام أحمد 5/407.].
فالشيعة هنا مرادفة للفظ الأصحاب، والأتباع، والأنصار.
ومن خلال مراجعتي لمعاجم السنة لم أر استعمال لفظ الشيعة على الفرقة المعروفة بهذا الاسم إلا ما جاء في بعض الأخبار الضعيفة أو الموضوعة والتي جاء فيها لفظ الشيعة كدلالة على أتباع علي، مثل حديث: "فاستغفرت لعلي وشيعته" [قال العقيلي: لا أصل له، وذكره الكناني من الأحاديث الموضوعة: (تنزيه الشريعة: 1/414).]، وحديث: "مثلي مثل شجرة أنا أصلها وعلي فرعها.. والشيعة ورقها" [أورده ابن الجوزي في الموضوعات: 1/397، والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص: 379.]، وحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنت وشيعتك في الجنة" [وهو حديث موضوع، انظر: ابن الجوزي/ الموضوعات: 1/397، الذهبي/ ميزان الاعتدال: 1/421، ترجمة جميع بن عمر بن سوار، الشوكاني/ الفوائد المجموعة ص: 379.].
وقـد ورد في بعض الأخبار أنه سيظهر قوم يدعون الشيعة لعلي يقال لهم الرافضة [سيأتي بيان معنى الرافضة.]، فقد روى الإمام ابن أبي عاصم أربع روايات في ذكر الرافضة [مثل حديث: "بشر يا عليّ أنت وأصحابك في الجنة، ألا إن ممن يزعم أنه يحبك قوم يرفضون الإسلام يقال لهم: الرافضة، فإذا لقيتهم فجاهدهم فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله، ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون الجمعة، ولا جماعة ويطعنون على السلف"(السنة لابن أبي عاصم: 2/475) وهذا الحديث قد أورده الشوكاني في "لأحاديث الضعيفة"ص : 380-381.]، وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لأسانيدها بأنها ضعيفة [انظر: السنة لابن أبي عاصم: 2/474-4766.].
وقد أخرج الطبراني - بإسناد حسن كما يقول الهيثمي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، قاتلوهم فإنهم مشركون" [مجموع الزوائد: 10/22، وانظر الحديث في المعجم الكبير للطبراني: 12/242، رقم ( 12998) ولكن في اسناده الحجاج بن تميم وهو ضعيف (انظر: تقريب التهذيب:1/152).].
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تييمة إلى كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة، لأن اسم الرافضة لم يعرف إلا في القرن الثاني [منهاج السنة: 1/8.]، وفي ظني أن هذا لا يكفي في الحكم بكذب الأحاديث، إذ لو صحت أسانيدها لكانت من باب الإخبار بما سيقع، وأن الله أخبر نبيه بما سيكون من ظهور الروافض، كما أوحى الله إليه بشأن ظهور فرقة الخوارج [ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها، وساقها جميعاً ابن القيم في تهذيب السنن: 7/148-153.]، وإن كانت بذرة الخوارج وجدت في حياته - عليه الصلاة والسلام – [كما دلت على ذلك بعض الأحاديث في قصة الرجل الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوزع بعض الغنائم: اعدل يا محمد.. انظر الحديث في ذلك في صحيح البخاري (مع فتح الباري) ج12 ص290، وصحيح مسلم (بشرح النووي ) ج‍7 ص 165

نقل عن كتاب اصول مذهب الشيعة الاماميه الاثنى عشرية
تاليف الدكتور:ناصر بن عبدالله بن علي القفاري