بسم الله الرحمن الرحيم
نتناول اليوم مسألة تعدد الزوجات وسيرى القارئ الكريم فيها فهما جديدا بإذن الله تعالى : وذلك تأويل قوله تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ [النساء : 3] " حيث نرى أن هذه الآية مخصوصة بحكم مخصوص وهو الوارد فيها وهو المتعلق بخوف عدم القسط في اليتامى , أما إذا لم تكن هذه الحالة موجودة فإنا نجد أن القرآن سكت عن حكم الزواج وعدده فيها , فنخرج من هذا بأن الزواج من المباحات وكذلك عدد الزوجات من المسائل التي تختلف من فرد لآخر.
وهذه الآية وإن كانت ليست ملحة في عصرنا هذا ولكنا نذكرها ردا على هؤلاء المتهتكين الذين يريدون إلغاء تعدد الزوجات جريا وراء الحضارة الغربية , ونبدأ في تأويل هذه الآية: يقول الله تعالى " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " : و الخطاب هنا بداهة إلى الأوصياء على اليتامى بعد وفاة الأب , و لكن اختلف هنا اختلافا شديدا في العلاقة بين عدم الإقساط في اليتامى وبين النكاح , ولكن من فهم أن القرآن وحدة واحدة ظهر له العلاقة , فالله عزوجل قال في آية أخرى في سورة النساء " وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً [النساء : 127] ". والربط بين هاتين الآيتين يظهر العلاقة بينهما ويكون معنى الآية : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى بسبب أمهاتهم , اللاتي ترغبون أن تنكحوهن ولا تؤتونهن أجورهن , فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .
إذا فيكون المراد من النساء في هذه الآية النساء أمهات اليتامى وليس النساء عامة , فيكون الأمر بوجوب التزوج منهن في حالة التيقن من العدل , فإذا لم آمن العدل فواحدة أو ملكت يميني. ونضرب على هذا مثلا : إذا مات أخ لي وترك زوجه وأولاده اليتامى أي القاصرين الذين لم يبلغوا الحلم , وكنت أنا الوصي على مال أولاد أخي وعلى رعايتهم , ولكن أنا أخشى ألا أقسط في اليتامى بسبب زوج أخي فهي أجنبية بالنسبة لي , ففي هذه الحالة يجب علي عند التيقن من العدل أن أنكحها ويجوز لي أن لا أعطيها صداقا . إذا فالآية في هذه المسألة واردة في حالة مخصوصة . ويمكن أن تفهم هذه الآية فهما آخر ولكن مع وجود نفس العلاقة , أي إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى بسبب رفض أمهاتهم النكاح بدون أجر , ففي هذه الحالة يجب عليكم عند أمن العدل أن تنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .
قد يقول البعض : يفهم من كلامك أنه لا يجوز للإنسان أن يعدد في الأزواج إذا لم يتوفر هذا الشرط . نقول : على الفهم الأول لا نقول بهذا طبعا , فالأمر عند وجود هذه الحالة على سبيل الوجوب والإلزام , أما في حالة عدم هذه الحالة يصير الزواج لأي سبب مباحا , فمن شاء تزوج ومن لم يشأ ظل على زوجة واحدة , وإذا كان الأمر كذلك وأن الآية لا علاقة لها بالزواج المطلق في الإسلام بل هي في حالة خاصة , فيكون عدد الزوجات غير محدد فالأصل في الأشياء الإباحة ما لم يقم دليل على الحظر أو التحريم , فمن استطاع أن يتزوج عشرا بشرط العدل المادي " مالا وصحة وتفرغا إلى آخره ", فليفعل .
وعلى الفهم الثاني فالمراد من النساء هو النساء الأخريات فيكون الأمر أيضا على سبيل الوجوب , وفي حالة عدم الوجوب ينزل الأمر إلى الجواز لا إلى المنع أو الحظر .
وعند النظر في هذه الآية وجدنا أن الله عزوجل يقول " فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ " , ولكن هذا الحكم كما قلنا مرتبط بهذه الحالة أما ما عداها من الحالات التي يريد الإنسان فيها الزواج فلا يوجد تحديد معين , وإنما يشترط فقط للراغب المقدرة والعدل. قد يقول قائل : ولكن المجمع عليه هو أن الرجل لا يجوز أن يجمع بين أكثر من أربع أزواج نقول : لا يوجد إجماع في هذه المسألة , فهناك طوائف من الظاهرية قالت أن الرجل يجوز له أن يتزوج تسع نساء وقالت طوائف أخر يجوز للرجل أن يتزوج ثماني عشرة امرأة , فالفرقة الأولى فهمت أن المراد 2 +3 +4=9, فقالت يجوز الزواج من تسع نساء . والفرقة الثانية فهمت : مثنى أي اثنتين اثنتين , وثلاث أي ثلاثة ثلاثة , ورباع أي أربعة أربعة , فقالت يجوز الجمع بين ثمان عشرة امرأة . والذي نراه ويؤيده القرآن و الثابت من سيرة النبي
أنه يجوز للرجل أن يجمع أي عدد يحلو له من النساء بشرط العدل , فإذا نحن نظرنا في سيرة النبي
وجدنا أنه كان جامعا لتسع نساء في مرة واحدة , و طبعا الرد جاهز بأن هذا من خصوصيات النبي
.
ونسأل ما الدليل على أن هذا من خصوصيات النبي
؟
لا يوجد دليل على أن هذا من خصوصيات النبي
, فهذا من قول الفقهاء من أجل التوفيق بين الروايات التي لا تبيح الجمع بأكثر من أربع نساء وبين النص القرآني , بل إن الواضح من القرآن أنه كان يجوز له أن يتزوج أكثر من ذلك , فنزل القرآن مخصصا النبي
دونا عن الأمة بقوله تعالى " لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً [الأحزاب : 52] " فخصصه الله عزوجل بعدم جواز زواجه من بعد إلا في هذه الحالات المذكورة , فانظر إلى الفرق بين القول : أن النبي
خصص وحدد له عدد معين من النساء بخلاف باقي الأمة , وبين القول أن المسلمين يجوز لهم الزواج من أربع نساء فقط أما النبي
فحالة خاصة فيجوز له أكثر , وأنا أعرف ظروف هذه الزيجات وأسبابها , ولكن هناك انطباع لا يمكن محوه إلا بصعوبة شديدة جدا عند إسماع هذ الجملة لغير المسلمين , وهم يركزون على هذه النقطة كثيرا " النبي النكاح الشهواني " , أما إذا قلبنا الطاولة عليهم وقلنا لهم : النبوة تكليف ومشقة فحدد للنبي
عدد من النساء لا يتجاوزه بخلاف الأمة فسيصمتون ويضعون ألسنتهم في أفواههم. أما الأحاديث التي حددت عدد الزوجات بأربعة فهي أحاديث ضعيفة سندا ولا تخلو كلها من مطعن , وإلا كيف قال الفقهاء منذ زمن طويل بجواز الجمع بأكثر من أربعة ؟
إذا نخرج من هذه الآية على جميع أوجه فهمها أنه يجوز للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع أزواج في الحالات العادية وفي حالة خوف عدم القسط في اليتامى يجب عليه عند أمن العدل أن ينكح ما طاب له من النساء ويجوز له أن لا يعطيهن أجورهن نظرا للبعد الإنساني في هذه المسألة , فهذه الزيجة قبل أي شيء هي من أجل اليتامى , فينبغي على الأم أن تضحي من أجل مصلحة أولادها , والله أعلم .
غفر الله لنا الزلل والخلل .
Bookmarks