بالعقل لا نستطيع معرفة الحقيقة, لكن بالعقل نستطيع أن نعرف كيف نصل إلى الحقيقة و السؤال هو عقل من؟؟ فالعقل يخطئ و يصيب كما أن الجسد كله يصح و يضعف و كما أن الايمان يزيد و ينقص أو قد ينعدم.
يقول محمد الغزالي في كتابه 'هذا ديننا' :
.. ما هو الإسلام ؟ إن هذا الاسم الجديد الذى تسامع الناس به منذ أربعة عشر قرنا عنوان لحقيقة قديمة بدأت مع الخليقة ٬ وسايرت حياة البشر ٬ وتسلسلت مع جميع الرسالات التى وصلت الناس بربهم الأعلى ٬ وعرفتهم ما يريده الله منهم ... وعماد هذه الوحدة الشائعة على اختلاف الأزمنة والأمكنة هى الفطرة. أجل.. إن الفطرة السليمة هى دين الله. والفطرة ليست شيئا جديدا فى الإنسان ٬ إنها قلب سليم ٬ وفكر سليم.. وحسب. وصلاحية المرء للحياة الحاضرة ٬ أو للحياة الأبدية لا تتم إلا بهذه السلامة ... التدين الحقيقى أساسه الأول صحة هذه الأجهزة المعنوية وبراءتها من كل تشويه وافتعال قال تعالى: “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” والتعاليم التى جاء بها الإسلام تستهدف حماية الفطرة من الجراثيم الغريبة التى لا تفتأ تهاجمها٬ كما يتناول الإنسان الأغذية والأدوية لا لتصنع له جسما جديدا ٬ أو تحوله مخلوقا آخر ٬ بل ليظل كيانه الأصيل باقيا ناميا ٬ كما ذرأه الله : . ولذلك أتبع الله جل شأنه آية الفطرة السابقة بجملة من الوسائل التى تصونها وتحفظها "منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون".
إن التعاليم الدينية بالنسبة إلى الفطرة ٬ كعلوم الكون والحياة بالنسبة إلى العقل. فكما أن الفكر الإنسانى تتسع آفاقه ٬ وتصدق أحكامه بهذه العلوم ٬ فكذلك الفطرة تصفو وتتألق ٬ وتعرف طريق الرشد ٬ بتعاليم الدين . ولذلك لابد من القيام بالتكاليف التى شرعها الله لضمان هذه السلامة الإنسانية المنشودة . قال تعالى :
“ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور” . وقال : “ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا” أرأيت ؟؟ .. إن القرآن الكريم يرد أصل الفطرة فى التدين إلى النبوات الأولى . ولذلك قلنا : إن الإسلام عنوان جديد لحقيقة قديمة .
العقل يحتاج إلى نور ليتعقل كما تحتاج العين الى النور لترى, إن الانسان الكنود قد ينظر بعقله الى الآفاق فيعود ليقول لنا إن الكون فيه أخطاء فالأرض مهددة في كل وقت وحين بضربة قاضية من النيازك أو أن الأرض فيها تشوهات لأن طفلا ولد مشوها أو أن أرضا شاسعة لا تنفع للعيش لا للحياونات و لا للإنسان و لا تقدم أي شيء فلا يمكن إذن إله عليم حكيم خلق هذا!!!! إن المشكلة هنا في العقل؟ لا. الفطرة عكرة و مشوهة بالهوى و العناد .. القصر كله جميل و رائع إلا أن مسمارا هناك على حائط وضع بدون حكمة و شوه المنظر (فهو لا يعرف الحكمة من وجود المسمار), ثم يبني على ذلك استنتاج أحمق غبي و هو أن القصر لا صانع له!
يقول محمد الغزالي في نفس الكتاب:
أن يكون العالم مادة قديمة (القول بقدم العالم ظن لم تتوافر له الأدلة ٬ والثابت أن المادة تتلاشى وتتحول إلى طاقة) ٬ ليس لوجودها أول ولا انتهاء ٬ تنشأ عنها صنوف الخلق بأساليب طويلة المراحل معقدة الشرح..!! وهذا الاحتمال يجعل الكون فاعلا و منفعلا فى وقت واحد!! أو هو ينظر مثلا إلى القصر المشيد ٬ ثم يخلع على جدرانه جميع صفات العبقرية والدقة والمهارة التى ينبغى أن تنسب إلى المهندس ٬ لا إلى الرمل والطين والسقوف والنوافذ !!! هذا الاحتمال يتصور الكمال غير المتناهى ٬ المتضمن للقدم الأزلى والبقاء الأبدى ٬ والحكمة العالية ٬ والعلم الشامل ٬ ثم ينسب هذه الأوصاف مثلا للتراب الذى ندوسه ٬ أو الهواء الذى نستنشقه ٬ بوصفهما يخلقان ويعدمان !!! والعقل الإنسانى إذا أيقن بأن إنبات الزرع على الصورة التى نراها يحتاج إلى توافر صفات معينة ٬ فإن هذه الصفات من قدرة ومشيئة ٬ لا يجوز أن تنسب إلى الطين والماء. بل البداهة الأولى توجه هذه النسبة إلى كائن غيرهما...
Bookmarks