بسم الله والصلاة والسلام على نبي الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وجدت هذا الموضوع المؤلم والمخزي في نفس الوقت
وهو وإن كان خاصاً ببعض حالات أخواتنا في المغرب
إلا أنه عام في جميع أنحاء العالم الإسلامي
فأين الوفاء ...وأين رد الجميل...وأين السكن... وأين عشرة العمر والصبر على حلو الحياة ومرها...
وأين التأسي بسيد الخلق الذي كانت أولى زوجاته تكبره بخمس عشرة عاماً..وعندما توفيت تزوج امرأة مسنة أخرى لترعى بناته اليتيمات؟؟!!
ألم يقل ربنا في كتابه الكريم:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
والآن إلى الموضوع:
==================================


المغرب: في خريف العمر..ضاع الحب يا زوجي
فاطمة الزهراء الزعيم
قد يدوم الزواج لعقود من الزمن، وقد يصمد في وجه أعاصير الحياة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن أطراف هذا الزواج يعيشون في سعادة عارمة، فعندما يكبر الأبناء، ويصنع كل منهم عالمه الأسري الخاص لا يبقى في المنزل سوى الزوجين وجها لوجه، زوجة ظلت لعقود من الزمن تطحن جسدها وروحها وكبرياءها؛ لتسقي أفراد أسرتها عصارة التضحية والفناء، لتجد نفسها وهي على مشارف الخمسين تصارع في محاولات يائسة لمجابهة الأمراض وآثارها، في مقابل زوج ارتاح من هم الخبز والأبناء ليجد المجتمع مبتسما في وجهه، عارضا عليه أرشيف عائلات بأكملها لانتقاء زوجة أخرى تعوضه عن تلك التي أفنت عمرها في خدمته وخدمة أبنائه. من خلال هذا التحقيق نسلط الضوء على واقع العلاقة الزوجية في المغرب، عندما يشرف الأزواج على الشيخوخة وما يشوبها من تصادمات قد تؤدي إلى نهايات غير سعيدة.
ضحك وبكاء..
عندما تسقط الزوجة صريعة للمرض بعد سنوات من التضحية والتعب والصبر، يكون للمجتمع معها حسابات أخرى، فإذا ما هزمها المرض واستسلمت، وأعلنت عدم قدرتها على القيام بكل الأعمال الشاقة التي كانت تقوم بها دون أن تنبس ببنت شفة، فإن عليها أن تدفع ثمنا مضاعفا.
فلا أحد يكترث لكل ذلك الألم الذي يجتاح جسد السيدة فاطمة (64 سنة)، المنهكة من نضالاتها في حقول القرية من أجل توفير ضروريات العيش لأسرتها.
كانت هي من باعت ذهبها وغنمها من أجل أن توفر لزوجها "مصطفى" ما يمكنه من السفر لإسبانيا والعمل هناك، وكانت هي من ساعدت ابنها الأكبر "سعيدا"، وأهدته دملجها من أجل أن يتزوج بالبنت التي أحبها، وهي ذاتها من بكت حتى فقدت إحدى عينيها من أجل ابنها المدلل "ميمون" الذي سافر إلى ألمانيا للاستقرار هناك بعد أن تزوج فتاة من برلين.

بعد مرور السنين جاء يوم وجدت فيه نفسها وحيدة في غرفة مظلمة تشكو لله مرضها وتسأله الرحمة، وإلى جوارها بغرفة أخرى ينشغل زوجها "مصطفى" بمشاهدة التلفاز، والقهقهة مع أفراد العائلة.
كانت السيدة فاطمة تتعرض وهي في فراشها إلى أبشع أنواع الإرهاب النفسي، فكل من جاء لزيارتها يشعرها بأنها مشرفة على الموت، ويوصيها بمسامحته، كان جسدها النحيل يقاوم المرض العضال، وكان على قلبها الحنون أن ينصت إلى قهقهة زوجها وحديثه عن فحولته الجامحة في هذا الوقت بالذات.

البخيل.. وهي
بعد سنتين من مصارعة المرض رحلت فاطمة بكل آلامها وحقوقها التي لم تنلها بعد، فكان النواح والبكاء من الجميع يقابله صمت يسيطر على ملامح زوجها، يعلق مصطفى (70 سنة) قائلا: كانت دائمة السب والشتم، ولا أظن أننا عشنا يوما واحدا دون أن تنعتني بوصف سيئ، لقد كانت بالفعل امرأة صبورة ونشيطة جدا، لكنها صلبة وعنيدة أيضا.
لم يذرف السيد مصطفى دمعة واحدة عندما توفيت زوجته وهو يبرر ذلك بقوله: "علاقتنا الزوجية توفيت منذ عقود من الزمن، ما كان يجمعنا هو حياتنا تحت سقف واحد مع أبنائنا، كانت تتعنت أحيانا في منحي حقوقي كرجل عندما كانت تغضب مني، لكن مرضها جعلني أفقد هذه الحقوق تماما، وأعيش في وحدة قاتلة.
هذا الإحساس الذي يتحدث عنه الزوج كان وراء ما قاله ليلة الجنازة، وهو مجتمع بالمعزين على الكسكس "لمثل هذه الحالات يجب أن يكون للرجل أكثر من زوجة".. قالها بمزيج من الحسرة والسخرية جعلت الحاضرين يضحكون متناسين أمر تلك المرأة التي لم يمض على وفاتها بضع ساعات.
وهنا بدأ الجميع في التفكير الجدي في بديل للمرحومة فاطمة، كان الأبناء يبحثون لأبيهم عن زوجة لا تؤثر على مصالحهم المادية، ولا يكون بإمكانها الإنجاب حتى لا يقاسمهم شركاء جدد في الإرث.
أما السيد مصطفى فكان له رأي آخر: "لست بحاجة إلى زوجة عجوز، أنا أبحث عن امرأة تسد الفراغ الذي أشعر به، وتشبع حاجياتي الجسدية التي حرمت منها منذ سنوات، لكني أخشى أن أتزوج امرأة تنهش كل ثرواتي التي جمعتها من عرقي في إسبانيا".
وبعد خمس سنوات من رحيل "فاطمة" لا يزال مصطفى بدون زوجة؛ بسبب تعارض مصالح أبنائه، وعدم استعداده لدفع الصداق، ومستلزمات الزواج.

وحدي في القرية
لم تتمكن بعد السيدة "رقية" من التخلص من آثار الصدمة التي كانت واضحة على محياها، وهي تحكي قصتها بكثير من الأسى، فبعد مرور 45 سنة على زواجها بسعيد وجدت نفسها منبوذة في منزلها بعد أن هجر زوجها المدينة وعاد إلى القرية، وتزوج شابة من هناك.
لم تكن تصدق تهديداته عندما رفضت العودة معه للقرية، فمنذ ما يزيد على 40 سنة انتقلت برفقته إلى المدينة، وعاشا فيها معا، وربيا فيها أبناءهما الذين تزوجوا بدورهم، وأصبح لديهم أحفاد.
وتعلل رقية رفضها للعودة إلى القرية بعدم توفر شروط الحياة هناك، خاصة أنها تعاني من أمراض مختلفة تحتاج إلى زيارة الأطباء بصفة دورية، ولا تتيحها قريتها المعزولة بعيدا عن المدينة.

لكن الزوج كان مصرا على قراراه قائلا: "بعد أن استوفيت الستين وتقاعدت عن العمل، وجدت نفسي وحدي مع رقية التي لا تكف عن الشكوى من الأمراض، وقلقها الدائم على أبنائنا.. أحسست بالحنين إلى مسقط رأسي وأيام طفولتي بالقرية، صحيح أنها قرية معزولة لكنها تنبض بالحياة التي اشتقت لها بعد سنوات من العمل الروتيني في المدينة، فطلبت منها مرافقتي، لكنها رفضت ولم تقبل الأمر، فحزمت أمتعتي وتركتها للمدينة".
وجد السيد "سعيد" كل سكان القرية في استقباله، وكان من أهم المستقبلين فتيات في عمر الزهور ينبضن حياة وحيوية، صحيح أنه تجاوز الستين من عمره، لكن معاشه الكبير وممتلكاته تثير لعاب أجمل فتيات القرية.
يقول السيد سعيد بهذا الخصوص: "عندما وصلت إلى القرية أحسست أن الزمن عاد بي 40 سنة إلى الوراء، فقررت الزواج بفتاة من العائلة تقطن بجوار منزلي في القرية، ووافق أهلها بشكل فوري.. أنا أستمتع الآن بحياتي، وسعيد بزوجتي الجميلة التي لا تبخل علي بأنوثتها، ولست مستعدا لتحمل زيارات رقية المزعجة؛ لأنها تعكر مزاج زوجتي الجديدة، ولهذا طلبت منها عدم زيارتنا، وأن تكف عن طلب النقود، وتأخذ مصاريفها من أبنائها".
الدنيا لما تضحك
السيدة ربيعة (45 سنة) واحدة من اللواتي ابتسم لهن القدر بعد مشوار طويل من المحن، تحكي ربيعة المشاق التي كانت تعاني منها فتقول: "كنت أقوم برعي الغنم، وجميع الأشغال الفلاحية الشاقة كأي رجل في القرية، والدي توفي وأنا في العاشرة، عشت الحرمان، وكافحت من أجل أن أعيش أنا وأسرتي، تزوجت برجل عجوز ولم أنجب منه؛ لأنه كان عاجزا جنسيا، صبرت معه إلى أن تغمده الله برحمته، فكان علي أن أعود إلى بيت أهلي".
وعادت "ربيعة" لتواصل نضالها من جديد إلى أن جاءتها الفرصة الذهبية، تكمل حديثها وهي تبتسم وتشير بيديها -المزينتين بالحناء والمثقلتين بالذهب- إلى منزلها الجديد: "هذا الرزق بعثه الله لي لأكمل حياتي في رخاء، فبعد أن توفيت زوجة "علال" أشار عليه بعض الجيران بالزواج بي كامرأة طاهرة وعاقلة؛ لأحافظ على شمل أسرته، وهذا ما حدث بالفعل".
وحول علاقتها بعلال ومعاملته لها تجيب ربيعة ضاحكة "في الحقيقة لقد كان علال يراقبني ويغازلني قبل وفاة زوجته، لكنني كنت أمانع أن أكون زوجة ثانية احتراما لمشاعر أبنائه الذين كانوا يتألمون لمرض والدتهم، علال يتصرف معي كأي زوج شاب، إنه شديد الغيرة، ويطلب مني معاملته كطفل صغير.. كلما دللته أكثر كلما ازداد عطاؤه وكرمه معي".
معاناة الصمت
إذا كان من العادي جدا أن يتزوج الرجل بعد وفاة زوجته فإن الأمر يختلف عند المرأة، فالسيدة أمينة (60 سنة) ليس من حقها أن تفكر في الزواج بعد وفاة والد أبنائها.. لقد مرض زوجها قبل 15 سنة من وفاته، وكأي امرأة مغربية اعتنت به طوال هذه المدة، وكانت تحرص على مواعيد أدويته، وتسهر على راحته، على الرغم من أنه كان يدخن كثيرا، ويدمن شرب الخمر، صبرت على ذلك كله، وكانت تدعو الله أن يعفو عنه.
عن وضعها بعد وفاة زوجها تقول: "وجدتني بعد موته أعاني من الوحدة وكثرة التفكير في الموت حتى مرضت بالوسواس، وأصبحت أتناول الأدوية قبل النوم".
السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان هو ألم تكن تلك الوحدة التي تعيشها أمينة سببا وجيها يدفعها للتفكير في الزواج؟ حينما طرحنا هذا السؤال على أمينة توردت وجنتاها خجلا، ووضعت يدها فوق شفتيها لتمنع الابتسامة وأجابت: "وهل تتزوج المرأة وهي في الستين من عمرها؟ إن هذا الأمر غير وارد في مجتمعنا، ثم إن الرجال لا يفكرون أبدا بالزواج من امرأة عجوز، فالرجل يبقى صغيرا، وإن كان عمره كبيرا، أما المرأة فمن العيب أن تفكر في الزواج، وهي في الستين من عمرها، بل عليها أن تصلي وتدعو الله أن تموت وهي مستورة".
وكانت دراسة نفسية أجراها مجموعة من الأطباء الباحثين في مركز "ابن رشد" للأمراض النفسية في الدار البيضاء، على عينة من الأشخاص (655 امرأة ورجلا)، كشفت أن المعاناة الجنسية النسائية لا تقل أهمية وانتشارا عن معاناة الرجال.
وأهم نتائجها أن النساء ربما هن أكثر تكتما من الرجال في الخوض فيها؛ لأنهن -بحسب الباحثين- تلقين تربية اجتماعية رسخت لديهن رفض الرغبة الجنسية الكامنة فيهن، وكبح رغبات جسدهن، والخجل والخوف من البوح بها، على رغم من أنهن الأكثر ترددا على عيادات أطباء أمراض النساء والولادة".
لكن دراسة من هذا النوع لا يمكن أن تضع حدا لهذا التمييز ضد المرأة في حقوقها الشرعية، ليبقى السؤال حاضرا حول مدى إيجابية الدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام والعلماء في سبيل إنصاف المرأة من ظلم المجتمع الذكوري.
في خريف العمر
تعقب الدكتورة عائشة التاج باحثة سيسيولوجية وخبيرة تنمية بشرية بالمغرب على التجارب الزواجية السابقة قائلة: "من البديهي أنه لا يمكننا الحكم بشكل إطلاقي على فتور العلاقات بين الزوجين خلال خريف العمر، ذلك أن كل علاقة هي متفردة في تفاعلاتها الداخلية والخارجية، وتتحدد بدرجة الانسجام ما بين المعنيين بالأمر وبالقيم والمعتقدات التي توجه علاقتهما بغض النظر عن العمر والمكان والزمان.
أما عن الأسباب فيمكن سردها في هشاشة البنية الزوجية من حيث مرتكزاتها القيمية، فالمعتقدات المتداولة في الوطن العربي تتعامل مع المرأة باعتبارها جسدا للمتعة أولا، وبالتالي فقيمة المرأة تستمد تقليديا من جمال هذا الجسد، وكذا من خصوبته وقدرته على إنجاب أطفال، وحبذا أن يكونوا ذكورا؛ كي يضمنوا بقاء الإرث في نفس العائلة، وكذا استمرار نسلها، وبمجرد أن يبدأ هذا الجمال في الخفوت أو تغيب الخصوبة فإن القيمة الاجتماعية للمرأة في الوسط التقليدي تنحدر للصفر، ذلك أن العلاقة الزوجية مبنية على بناء تراتبي يكرس دونية المرأة وتفوق الرجل، مما يعطينا انطباعا بأنه زواج انتهازي؛ لأنه زواج مصالح لا مبادئ".
وتؤكد د.عائشة التاج أن غاية الزواج هو الارتباط في السراء والضراء، وضمان التعاون في كل الظروف، كما وصفه الشرع بأنه مودة وسكينة، وهذين الشعورين لا يتحققان إلا بوجود علاقات متكافئة بين الاثنين، واحترام كل منهما للآخر.
وتنبه إلى أن فكرة تعدد الزوجات التي يضمنها الشرع بشروط جد دقيقة غالبا ما يساء استعمالها؛ حيث ينجرف بعض الأزواج مع نزواتهم ويقبلون على هذا التعدد بدون مبررات حقيقية متناسين تضحيات الزوجة الأولى، ومستغلين الأوضاع الاجتماعية للعديد من الفتيات اللواتي يقبلن مكرهات بأوضاعهن على زوج كهل أو عجوز، طمعا في أمواله لا في حبه، مما يذكي الكثير من المشاكل العائلية، ويسبب التفكك الأسري في بعض الحالات.
النساء أكثر وفاء
وتخلص الباحثة الاجتماعية إلى أن النساء هن أكثر تشبثا بعش الزوجية، وأكثر وفاء وإخلاصا من الرجال، فغالبا ما تترمل النساء في سن مبكرة، لكنهن حرصا على مصلحة أبنائهن، ووفاء لأرواح أزواجهن، يرفضن الزواج ثانية، وهذه قمة الإيثار، بينما في المقابل نجد الأزواج غالبا ما يتحججون بمرض الزوجة، ويهرولون لزواج ثان مبينين ضعف نوازع الإخلاص والوفاء لديهم.
وتعتقد التاج أن خذلان الشريك في ظروف المرض والعجز والشيخوخة بعد عشرة طويلة اقتسم فيها الحلو والمر هو نوع من الانحطاط الخلقي ليس إلا، ولا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.

صحفية مغربية