بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر

دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات
هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيراً في بلاد الحرمين


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن من أعظم نعم الله على عباده في بلاد الحرمين في هذا الزمان أن جعل ولايتهم في أسرة سعودية عظيمة قام بتأسيس هذه الدولة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود رحمه الله، وهي امتداد للدولة السعودية التي أسسها في منتصف القرن الثاني عشر الإمام محمد بن سعود رحمه الله بتأييد وتسديد من الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقد قامت الدولة السعودية في عهد الملك عبد العزيز وأبنائه من بعده على ما كانت عليه في عهد أسلافهم من تحكيم الكتاب والسّنّة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحافظة على الأخلاق الكريمة، ومن ذلك احتشام النساء واحتجابهن وبُعدهن عن مخالطة الرجال، وفي الآونة الأخيرة ظهر من بعض النساء الإخلال بهذا الأمر والانفلات من التمسك بهذه الأخلاق الكريمة وحصل منهن السفور واختلاطهن بالرجال في بعض الغرف التجارية وفي المنتديات والحوارات ومختلف اللقاءات وغير ذلك، ويزداد هذا الانفلات شيئاً فشيئاً مما يعود على هذه البلاد بالخطر والضرر، وقد تولى كبر ذلك دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات من أبناء هذه البلاد الذين أُعجبوا بما عليه النساء في بلاد الغرب والبلاد الإسلامية التي تابَعَتها في انفلات النساء.

ومحافظة النساء على الحجاب والبعد عن الاختلاط بالرجال هو الذي كان سائداً في البلاد الإسلامية إلى أثناء القرن الرابع عشر الهجري، حيث وقع فيه بدءُ انفلات النساء وتركهن الحجاب، يوضح ذلك ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته (5/226)، وهو أن النساء في بلاد الشام قبل الحرب العالمية الأولى كنَّ محتجبات، وأن اللائي يكشفن منهن وجوههن اليهوديات والنصرانيات، وأن أول مسلمة كشفت وجهها وكيلة مدرسة ثانوية للبنات، جاءت يوماً إلى المدرسة سافرة، فظهر استياء الناس والاحتجاج عند الدولة حتى ألزمتها بالحجاب وأوقعت عليها العقاب مع أنها لم تكشف إلا وجهها، وقد أوردتُ نصّ كلامه في رسالة ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم أسباب قيام الدولة السعودية وبقائها)) (ص: 31) وفي رسالة ((لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟)) (ص:6)، ثم حصل الانفلات في بلاد الشام شيئاً فشيئاً حتى صارت الحال كما هو مشاهد في تلك البلاد من التهتك والعري الذي وصل إلى حد إظهار بعض أفخاذ النساء، والذي وقع في بلاد الحرمين في هذا الزمن من بدء انفلات النساء هو الذي كان في بلاد الشام عند بدء انفلات النساء فيها.

ومما قاله الشيخ الطنطاوي متألماً مما آل إليه أمر نساء الشام من التهتك والعُري والانحلال: ((ألا مَن كان له قلب فليتفطر اليوم أسفاً على الحياء، مَن كانت له عين فلتَبْكِ اليوم دماً على الأخلاق، مَن كان له عقل فليفكر بعقله... فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدين والخلق، والعورات من أسر الحجاب والستر، إذا ظننتم ذلك من دواعي التقدم ولوازم الحضارة، وتركتم كل إنسان وشهوته وهواه، فإنكم لا تحمدون مغبة ما تفعلون...)).

وإنه لعار على أهل هذه البلاد حكومة وشعباً أن يبدأ انفلات النساء فيها بمكر من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات، ثم تتوالى فتنة النساء والتسيب والانحلال حتى تصل في المستقبل إلى ما وصلت إليه المرأة في بلاد الشام، مع أن هؤلاء الشراذم من المستغربين إذا ماتوا مات ذكرهم السيء معهم وأهملهم التاريخ، ويُنسب التفريط إلى من حصل بدء الانفلات في عهده ممن دخلوا التاريخ وأُثبت فيه ما لهم وما عليهم.

وأعظم المصائب المصيبة في الدين والأخلاق، ومن أعظم المصائب على هذه البلاد تحوُّل النساء فيها من الاحتشام والاحتجاب إلى الانفلات والاختلاط بالرجال، فما أعظم ذلك من مصيبة! وما أعظم جناية من كان سبباً في بدء هذا الانفلات في بلاد نزل فيها الوحي وشعَّ منها النور إلى أنحاء المعمورة، وفيها الحرمان الشريفان مكة والمدينة، وفيها المسجدان المقدسان، وفيها الكعبة المشرفة قبلة المسلمين التي يتجه المسلمون إليها من كل مكان، وفيها أماكن أداء مناسك الحج والعمرة، وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها عاش، وفيها قامت دولة الإسلام الأولى، وفيها ووري جسده الشريف صلى الله عليه وسلم ، فلا غرو ـ وفيها هذه الميزات ـ أن تبقى متمسكة بدين الإسلام وأخلاقه الكريمة، ولا يسوغ لها أن تتابع غيرها من الدول الإسلامية التي انفلتت فيها النساء تقليداً للغرب وتحقيقاً لرغباته، بل الواجب على أهل تلك البلاد متابعة هذه البلاد في الخير والتمسك بالدين والأخلاق، فالأصل أن تكون هذه البلاد متبوعة في الخير لا أن تكون تابعة في الشر، ولم يكن سفور النساء واختلاطهن بالرجال خيرا حُجب عن هذه البلاد، بل هو شر حفظها الله منه في الماضي، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يحفظها منه في المستقبل.

وإن مما يؤسف له الاتجاه في الآونة الأخيرة إلى التوسع في ابتعاث الطلاب للدراسة في بلاد الغرب وغيرها، فيزداد بذلك الطين بلة والخرق اتساعاً، وتزداد بذلك أعداد المستغربين الذين تتلوث أفكارهم بما يُلقى عليهم في الغرب من شبهات، وتفسد أخلاقهم بما هو مبذول عندهم من شهوات، فيرجعون بعقول غير العقول التي ذهبوا بها وأخلاق غير الأخلاق التي ذهبوا بها، ويزهدون فيما في بلادهم من أخلاق كريمة وفطر مستقيمة وتقيد بالأحكام الشرعية التي أتى بها سيد البرية صلى الله عليه وسلم، وقد قلت للملك فهد رحمه الله إبان ولايته للعهد عقب وفاة الملك فيصل رحمه الله عندما كنت مسئولا في الجامعة الإسلامية بالمدينة، قلت: ((الملك فيصل رحمه الله قتله الابتعاث))؛ لأن الذي قتله تلوث فكره في الغرب.

ولا يُنكر وجود فئة من الذين ابتُعثوا في الماضي حفظهم الله من الذوبان والاغترار بالغرب، فرجعوا سالمين ولكنهم قلّة قليلة، فلا يهوَّن أمر الابتعاث بالإشارة إلى هذه النماذج؛ لأن النادر لا حكم له، وبحمد الله حصل التوسع في عهد خادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله بافتتاح الجامعات حتى شملت مناطق المملكة كلها على وجه لم يسبق له مثيل، وبذلك يمكن الاستغناء عن الابتعاث، ويبقى أبناء هذه البلاد فيها فلا يُخرَجون من النور إلى الظلمات.

وإن مما يؤسف له أيضاً قيام بعض الجامعات بتقليص الدراسات الإسلامية وإيقاف القبول بها أو إلغائها بدعوى توجيه الدارسين والدارسات إلى تخصصات أخرى لعدم تيسُّر وظائف لخريجي هذه الدراسات وهو ما أسموه متطلبات سوق العمل، والذي ينبغي الإبقاء على الموجود منها في بعض الجامعات وإيجاد ما كان مفقوداً في بعضها؛ لأن التفقه في الدين مطلب مهم، سواء حصل معه وظيفة أو لم يحصل، والمأمول من الجامعات تحقيق هذا المطلب العظيم ومن ولاة الأمور التوجيه بذلك.

ومن كانوا من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات قريبين من ولاة الأمر في إدارة أو استشارة أو وزارة أو غير ذلك فهم في الحقيقة بطانة سيئة وجلساء سوء، وخطرهم على الراعي والرعية أشد من خطر المجذوم على الصحيح، والفرار منهم أولى من فرار الصحيح من المجذوم؛ للبون الشاسع بين خطرهم وخطر المجذوم، قال صلى الله عليه وسلم : ((ما استُخلف خليفة إلا كان له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله)) رواه البخاري (6611)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة)) رواه البخاري (5534) ومسلم (6692)، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((وفِرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد)) رواه البخاري (5707)، وفي حلية الأولياء لأبي نعيم (5/336) عن الأوزاعي قال: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: ((من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عوناً، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحداً، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس، فإذا كان كذلك فحيهلا به، وإلا فهو في حرج من صحبتي والدخول علي)).

وأما حالهم في الآخرة، فقد قال الله ـ عز وجل ـ في أمثالهم: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ).

ولم يأت ذكر اتباع الشهوات واتباع الأهواء في القرآن الكريم إلا على سبيل الذم، ومن ذلك قول الله ـ عز وجل ـ : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) ، وقوله: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) ، وقوله: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) ، وقوله: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، وقوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) ، وقوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ )، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حُفَّت الجنّة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)) رواه مسلم (7130).

بعد ذكر هذه الأدلة على ذم اتباع الأهواء واتباع الشهوات أقول: قد أظهرت الأفاعي أخيراً رؤوسها في هذه البلاد، ووُجد من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات مَن يدعو بقوله وفعله إلى وأد الفضيلة ونشر الرذيلة بتحوُّل النساء من الحجاب والقرار في البيوت إلى السفور والاختلاط بالرجال، معرضين عما جاء به الكتاب والسّنّة من الأدلة الدالة على المحافظة على الفضائل والتحذير من الوقوع في الرذائل، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن! قال: فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) رواه أهل السنن وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال الترمذي (1731): ((هذا حديث حسن صحيح))، فإذا كان النساء أُمرن بتغطية أرجلهن، فإن تغطية الوجوه أولى؛ لأنها محل الزينة والجمال، ومن ذلك تعليل فرض الحجاب على أمهات المؤمنين بكونه أطهر لقلوبهم وقلوبهن؛ فإنه إذا عُلِّل احتجابهن بذلك مع أنهن محل الطهر والعفاف الذي لا شك فيه، فإن سَتر من سواهن وجوههن عن الرجال الأجانب أولى وأولى؛ لما يُخشى عليهن من الفتن والشرور التي لا تحمد عقباها في الدنيا والآخرة.

وروى البخاري (870) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مُقامه يسيراً قبل أن يقوم، قال: نرى ـ والله أعلم ـ أنَّ ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال)) ورواه النسائي (1333) ولفظه: ((أنَّ النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ إذا سلّمن من الصلاة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال))، وقد جاء في القرآن الكريم أنَّ ترك الاختلاط بين الرجال والنساء كان في الأمم السابقة، قال الله ـ عز وجل ـ عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ) [القصص:23-24]، ففي هذه القصة أنَّ هاتين المرأتين احتاجتا إلى سقي غنمهما وانتظرتا حتى ينتهي الرجال من سقي أغنامهم، واعتذرتا لموسى عليه الصلاة والسلام بأنَّ أباهما شيخ كبير لا يتمكن من الحضور لسقي الغنم مع الرجال، فسقى لهما موسى عليه الصلاة والسلام، ولا يُستدل لجواز الاختلاط بمرافقة النساء محارمهن في الطواف والسعي ورمي الجمرات خشية ضياع بعضهم عن بعض؛ فإن ذلك تقتضيه الضرورة، ويدل لمنع الخلوة بالنساء وسفرهن بدون محرم قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله! إني أريدُ أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج؟ فقال: اخرج معها)) رواه البخاري (1862) ومسلم (3272) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا يخلونَّ أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما)) رواه الإمام أحمد (114) وغيره بإسناد صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، والحمو المحرَّم دخوله على المرأة كل قريب للزوج سوى آبائه وأبنائه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((الحمو الموت)) أن الخطر فيه أعظم؛ لأن دخوله في بيت قريبه لا يُستغرب، وأضر فتنة على الرجال حذَّر منها الرسول صلى الله عليه وسلم فتنة النساء، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) رواه البخاري (5096) ومسلم (6945) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وأخبر أن أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم (6948) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وكما كانت فتنة النساء أوّل فتنة لبني إسرائيل في جاهليتهم القديمة، فهي في جاهليتهم الجديدة أعظم وأشد؛ إذ انفلتت النساء في هذا الزمان في الغرب، فابتعدن عن كل فضيلة، ووقعن في أنواع الرذائل من التهتك والعري دون أن يكون لهن صادٌّ ولا رادٌّ، وقلّدتهم في ذلك الدول الإسلامية، ولم يبق على جادة السلامة والاستقامة في ذلك إلاّ المملكة العربية السعودية، ومع ذلك يتردد بين الفينة والفينة من بعض الناس في الداخل والخارج التساؤل عن انفرادها بذلك دون غيرها، وفيهم من يلهث وراء ذوبانها كما ذاب غيرها، فتطفح الصحف بنشر صور النساء سافرات ومختلطات بالرجال وبالإشادة بانفلاتهن والدعوة إليه، وهذه تواريخ بعض الصحف المشتملة على شيء من ذلك:

الوطن: (8/8/1426هـ)، (15/11/1426هـ)، (27/11/1426هـ)، (28/11/1426هـ)، (1/2/1427هـ)، (15/3/1427هـ)، (9/4/1427هـ)، (1/8/1427هـ)، (18/9/1427هـ)، (14/11/1427هـ)، (18/6/1428هـ)، (20/6/1428هـ)، (23/6/1428هـ)، (9/11/1428هـ)، (20/11/1428هـ)، (9/5/1429هـ)، (30/5/1429هـ)، (6/6/1429هـ)، (14/1/1430هـ)، (14/2/1430هـ). عكاظ: (13/9/1426هـ)، (29/11/1426هـ)، (16/1/1427هـ)، (15/3/1427هـ)، (22/11/1427هـ)، (4/6/1428هـ)، (8/6/1428هـ)، (15/1/1430هـ)، (20/1/1430هـ)، (22/1/1430هـ). الرياض: (30/2/1426هـ)، (6/11/1427هـ)، (13/11/1427هـ)، (18/2/1428هـ)، (5/5/1428هـ)، (14/5/1428هـ)، (20/2/1429هـ)، (8/6/1429هـ)، (1/2/1430هـ). الجزيرة: (13/5/1426هـ)، (13/10/1426هـ)، (21/2/1427هـ)، (19/2/1428هـ)، (20/4/1428هـ)، (15/3/1428هـ)، (16/6/1428هـ)، (13/6/1428هـ)، (27/6/1428هـ)، (26/6/1429هـ)، (27/6/1429هـ). المدينة: (15/1/1427هـ)، (23/5/1428هـ)، (28/6/1428هـ)، (25/6/1429هـ). الشرق الأوسط: (10/6/1427هـ)، (22/6/1427هـ)، (2/2/1428هـ)، (24/5/2007م). الحياة: (20/10/1426هـ)، (5/11/1426هـ)، (27/3/1428هـ)، (7/4/1428هـ)، (2/6/1428هـ)، (15/6/1428هـ). الاقتصادية: 8/6/1429هـ)، (14/6/1429هـ). اليوم: (2/7/1428هـ). وهذه الكثرة والقلة في الصحف حسب ما اتفق وصوله إليَّ.

ولا يوقف هذا الزحف على الفضائل والأخلاق في هذه البلاد من دعاة التغريب ومتبعي الأهواء والشهوات بإذن الله إلا وقفة حازمة وعزمة صادقة ممن ليس فوق يده إلا يد الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله، تبقى فيها النساء في هذه البلاد على ما كانت عليه في عهد والده وإخوانه الذين ولوا الأمر من قبله رحم الله الجميع؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه (البداية والنهاية لابن كثير 2/301)، وقد قال حفظه الله في كلمته في أول ولايته عند وفاة الملك فهد رحمه الله في (26/6/1426هـ): ((إنني إذ أتولى المسئولية بعد الراحل العزيز وأشعر أن الحمل ثقيل وأن الأمانة عظيمة، أستمد العون من الله ـ عز وجل ـ أسأل الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير في النهج الذي سنّه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، واتبعه من بعده أبناؤه الكرام رحمهم الله، وأعاهد الله ثم أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين جميعاً بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالباً منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وألا تبخلوا علي بالنصح والدعاء)).

وقد أمر الله بالوفاء بالعهود وأثنى على الموفين بها، فقال: ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ )، وقال: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) ، وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) ، وقال: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) ، وقد أحسن حفظه الله إلى الرعية في أمور دنياها ومعاشها بأنواع من الإحسان من زيادة في الرواتب وخفض في أسعار البنزين وإعانة في تخفيض أسعار بعض المواد الغذائية وفي تسديد بعض ديون المسجونين وإعانة المتضررين من البرد وغير ذلك، والمأمول منه حفظه الله الإحسان إليها في كل ما فيه تمسكها بدينها ومحافظتها على الأخلاق الكريمة الذي هو زادها إلى الآخرة كما قال الله ـ عز وجل ـ : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )، ومن ذلك منع النساء مما حصل منهن أخيراً من سفورهن واختلاطهن بالرجال في المنتديات والحوارات ومختلف اللقاءات وفي مجلس التعليم العالي ومسيرات التخرج وبعض الغرف التجارية وفي وزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات الحكومية والشركات.

وتقدم إيراد بعض الأدلة من الكتاب والسّنّة على منع سفور النساء واختلاطهن بالرجال، وأما كلام العلماء في التحذير من الاختلاط وبيان خطره فمن ذلك قول ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص: 280): ((ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال))، وقال (ص:281): ((ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة))، وقال: ((فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين ـ لكانوا أشد شيء منعاً لذلك))، وما أجمل هذا الكلام ولاسيما الجملة الأخيرة منه من هذا العالم الرباني الذي عرف الداء وأوضح الدواء، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ).

وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (3/503) بعد كلام له: ((على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين؛ لأن المرأة متاع، هو خير متاع الدنيا، وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضاً للخيانة، لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكراً، فتعريضها لأن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل، وكذلك إذا لمس شيئاً من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية، ولا سيما إذا كان القلب فارغاً من خشية الله تعالى، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدراً، وتحريك الغرائز بمثل ذلك النظر واللمس يكون غالباً سبباً لما هو شر منه؛ كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام، وتركت الصيانة، فصارت نساؤها يخرجن متبرجات عاريات الأجسام إلا ما شاء الله؛ لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق، ومن كل سوء، ودعوى الجهلة السفلة: أن دوام خروج النساء بادية الرؤوس والأعناق والمعاصم والأذرع والسُّوْق ونحو ذلك يذهب إثارة غرائز الرجال؛ لأن كثرة الإمساس تذهب الإحساس، كلام في غاية السقوط والخسة؛ لأن معناه: إشباع الرغبة مما لا يجوز، حتى يزول الأرب بكثرة مزاولته، وهذا كما ترى، ولأن الدوام لا يذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء؛ لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادهما، ولا تزال ملامسته لها ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته، كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

وقد أمر رب السماوات والأرض، خالق هذا الكون ومدبر شؤونه، العالم بخفايا أموره، وبكل ما كان وما سيكون بغض البصر عما لا يحل، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... ) الآية، ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) ونهاهن عن لين الكلام لئلا يطمع أهل الخنى فيهن، قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) )).


وقال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ((...ذلك أنَّ من المعلوم بأنَّ نزول المرأة للعمل في ميدان الرِّجال يُؤدي إلى الاختلاط المذموم والخلوة بهنَّ، وذلك أمرٌ خطير جدّاً له تبعاته الخطيرة وثمراته المُرَّة وعواقبه الوخيمة، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصُّها وفطَرَها الله عليها، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال...))، ثم ذكر أدلة من الكتاب والسّنّة على ذلك تقدم ذكر جملة منها، ثم قال: ((وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب الابتعاد عن الاختلاط المؤدّي إلى الفساد وتقويض الأُسَر وخراب المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير، وصارت تتحسَّر على ما فعلت، وتتمنّى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليه الآن وخصَّنا بها الإسلام، لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مُهانة مبتذَلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تقوم في غير وظيفتها، لقد نادى العُقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيَّأها الله له وركبها عليه جسميّاً وعقليّاً، ولكن بعد ما فات الأوان، ألا فليتَّق اللهَ المسؤولون عن المرأة والتخطيط لعملها وليُراقبوه سبحانه، فلا يفتحوا على الأمّة باباً خطيراً من أبواب الشرِّ إذا فُتح كان من الصعب إغلاقه، وليعلموا أنَّ النصحَ لهذا البلد حكومة وشعباً هو العمل على ما يُبقيه مجتمعاً متماسكاً قويّاً سائراً على نهج الكتاب والسّنّة وعمل سلف الأمَّة، وسد أبواب الفساد والخطر، وإغلاق منافذ الشرور والفتن، ولاسيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين، وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون الله ودفعه عنّا شرور أعدائنا ومكائدهم، فلا يجوز لنا أن نفتح أبواباً من الشرِّ مغلقة)).

وللّجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بيان حول المرأة مؤرخ في 25/1/1420هـ هذا نصه:
((الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فمما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، ما تعيشه المرأة المسلمة تحت ظلال الإسلام، وفي هذه البلاد خصوصاً، من كرامة وحشمة وعمل لائق بها، ونيل لحقوقها الشرعية التي أوجبها الله لها، خلافاً لما كانت تعيشه في الجاهلية، وتعيشه الآن في بعض المجتمعات المخالفة لآداب الإسلام، من تسيب وضياع وظلم.

وهذه نعمة نشكر الله عليها، ويجب علينا المحافظة عليها، إلاَّ أن هناك فئات من الناس، ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب، لا يرضيهم هذا الوضع المشرِّف، الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء، وستر، وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة والبلاد العلمانية، فصاروا يكتبون في الصحف، ويطالبون باسم المرأة بأشياء تتلخص فيما يلي:

1ـ هتك الحجاب الذي أمرها الله به في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) ، وبقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ، وبقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) الآية، وقول عائشة رضي الله عنها في قصة تخلفها عن الركب، ومرور صفوان بن المعطل رضي الله عنه عليها، وتخميرها لوجهها لما أحست به قالت: ((وكان يراني قبل الحجاب))، وقولها: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات، فإذا مرَّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه))، إلى غير ذلك مما يدل على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة من الكتاب والسنّة، ويريد هؤلاء منها أن تخالف كتاب ربها وسنّة نبيها، وتصبح سافرة يتمتع بالنظر إليها كل طامع، وكل من في قلبه مرض.

2ـ ويطالبون بأن تمكن المرأة من قيادة السيارة رغم ما يترتب على ذلك من مفاسد، وما يعرضها له من مخاطر لا تخفى على ذي بصيرة.

3ـ ويطالبون بتصوير وجه المرأة، ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي، ويطمع فيها كل من في قلبه مرض، ولا شك أن ذلك وسيلة إلى كشف الحجاب.

4ـ يطالبون باختلاط المرأة والرجال، وأن تتولى الأعمال التي هي من اختصاص الرجال، وأن تترك عملها اللائق بها والمتلائم مع فطرتها وحشمتها، ويزعمون أن في اقتصارها على العمل اللائق بها تعطيلاً لها.

ولا شك أن ذلك خلاف الواقع، فإن توليتها عملاً لا يليق بها هو تعطيلها في الحقيقة، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنع خلوة المرأة بالرجل الذي لا تحل له، ومنع سفر المرأة بدون محرم؛ لما يترتب على هذه الأمور من المحاذير التي لا تحمد عقباها.

ولقد منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في مواطن العبادة، فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال، ورغب في صلاة المرأة في بيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ))، كل ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة وإبعادها عن أسباب الفتنة.

فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على كرامة نسائهم، وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضلّلة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات وانخدعت بها، من عواقب وخيمة، فالسعيد من وعظ بغيره، كما يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء، ويمنعوا من نشر أفكارهم السيئة؛ حماية للمجتمع من آثارها السيئة وعواقبها الوخيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ))، وقال عليه الصلاة والسلام: (( استوصوا بالنساء خيراً ))، ومن الخير لهن المحافظة على كرامتهن وعفتهن، وإبعادهن عن أسباب الفتنة.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه)).
وهذا البيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله مؤرخ في 25/1/1420 هـ، وعليه ختمه، حصل قبل وفاته بيومين، فهو يعتبر نصيحة مودّع من هذا الرجل الفاضل الناصح لهذه البلاد حكومة وشعباً ولسائر المسلمين، غفر الله له ورحمه وجزاه خير الجزاء ولا فتن المسلمين بعده.

وللملك عبد العزيز مؤسس هذه الدولة رحمه الله بيان بليغ رصين في بيان خطورة الاختلاط، قال: ((أقبح ما هنالك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية: من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة ـ الذين هم فلذات أكبادهن وأمل المستقبل ـ إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا ـ والله! ـ ليس هذا (التمدن) في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة أن يرى زوجته أو أحداً من عائلته أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة تدفع بالأمة إلى هوَّة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلاَّ رجل خارج عن دينه، خارج من عقله، خارج من تربيته، فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شمم أن يدافع عنها.

إننا لا نريد من كلامنا هذا التعسف والتجبر في أمر النساء، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقاً يتمتعن بها، لا توجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة، وإذا اتبعنا تعاليمه كما يجب، فلا نجد في تقاليدنا الإسلامية وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي إذا وجَّهنا المرأة إلى وظائفها الأساسية، وهذا ما يعترف به كثير من الأوروبيين، من أرباب الحصانة والإنصاف، ولقد اجتمعنا بكثير من هؤلاء الأجانب، واجتمع بهم كثير ممن نثق بهم من المسلمين وسمعناهم يشكون مرَّ الشكوى من تفكك الأخلاق وتصدع ركن العائلة في بلادهم من جراء المفاسد، وهم يقدِّرون لنا تمسكنا بديننا وتقاليدنا، وما جاء به نبينا من التعاليم التي تقود البشرية إلى طريق الهدى وساحل السلامة، ويودون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها، وتنذر ملكهم بالخراب والدمار والحروب الجائرة، وهؤلاء نوابغ كتَّابهم ومفكريهم قد علموا حق العلم هذه الهوة السحيقة التي أمامهم، والمنقادين إليها بحكم الحالة الراهنة، وهم لا يفتأون في تنبيه شعوبهم بالكتب والنشرات والجرائد على عدم الاندفاع في هذه الطريق، التي يعتقدونها سبب الدمار والخراب.

إنَّني لأعجب أكبر العجب ممن يدّعي النور والعلم وحب الرقي لبلاده، من الشبيبة التي ترى بأعينها وتلمس بأيديها ما نوَّهنا عنه من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم، ثم لا ترعوي عن ذلك، وتتبارى في طغيانها، وتستمر في عمل كلِّ أمر يخالف تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والعربية، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاءنا به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وهدى لنا ولسائر البشر، فالواجب على كل مسلم وعربي فخور بدينه، مُعتزٍّ بعربيته، ألاّ يخالف مبادئه الدينية، وما أمر به الله تعالى بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه، فالرقي الحقيقي هو بصدق العزيمة، والعلم الصحيح، والسير على الأخلاق الكريمة، والانصراف عن الرذيلة وكل ما من شأنه أن يمس الدينَ والسمتَ العربي والمروءةَ، والتقليدِ الأعمى، وأن يتبع طرائق آبائه وأجداده، الذين أتوا بأعاظم الأمور باتباعهم أوامر الشريعة، التي تحث على عبادة الله وحده، وإخلاص النية في العمل، وأن يعرف حق المعرفة معنى ربه، ومعنى الإسلام وعظمته، وما جاء به نبينا: ذلك البطل الكريم والعظيم صلى الله عليه وسلم ، من التعاليم القيمة التي تسعد الإنسان في الدارين، وتُعَلِّمُه أن العزّة لله وللمؤمنين، وأن يقوم بأود عائلته، ويصلح من شأنها، ويتذوق ثمرة عمله الشريف، فإذا عمل فقد قام بواجبه وخدم وطنه وبلاده))
(من كتاب المصحف والسيف: مجموعة من خطابات وكلمات ومذكرات وأحاديث جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، جمع وإعداد: محي الدين القابسي ص 322).

وأما الملك فهد رحمه الله فله خطاب تعميمي في منع الاختلاط برقم 759/8 وتاريخ (5/10/1421 هـ) موجَّه أصلا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله إبان ولايته للعهد وقد أعطي منه نسخة لكل وزارة ومصلحة حكومية أو مؤسسة عامة للاعتماد، ونصه:

تعميم

صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/5/1403 هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن سواء كانت سعودية أو غير سعودية لأن ذلك محرّم شرعاً ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه، المؤكد عليه بالأمر رقم 2966/م في 19/9/1404 هـ.

وحيث رفع لنا سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء بخطابه رقم 46/س/2 في 28/4/ 1421 هـ حول ما تقوم به النساء من عمل لا يتناسب مع الدين والخلق، وهو توظيفهن مندوبات للتسويق لدى عدد من التجار والمؤسسات الخاصة والشركات، وأن الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفاد سماحته بأن ذلك صحيح وواقع، وما أشار إليه سماحته من أن هذا منكر ظاهر يجب منعه حماية لنساء المسلمين مما لا تحمد عقباه عليهن وعلى المجتمع، وأنه قد صدر من هيئة كبار العلماء القرار رقم (172) في 2/8/1412 هـ بمنع تولي النساء للأعمال والوظائف التي تتنافى مع الحياء والحشمة مما فيه اختلاط بالرجال وشغل النساء عن أعمالهن اللائقة بهن والتي لا يقوم بها غيرهن مما يفوت على المجتمع مرفقا هاماً، وأشار سماحته إلى الأمرين سالفي الذكر وطلب تجديد الأمر بالتقيد بموجبه والتأكيد على ذلك ومحاسبة من يخالفه حفاظاً على كرامة الأمة وإبعادا لها عن أسباب الفتن والشرور.

ونرغب إليكم التأكيد على المسؤولين لديكم بالتقيد بما قضى به الأمران المشار إليهما فأكملوا ما يلزم بموجبه.



رئيس مجلس الوزراء



نسخة لكل وزارة ومصلحة حكومية أو مؤسسة عامة للاعتماد



ولم يغز المسلمين أعداؤهم بمثل غزوهم ببعض أبنائهم الذين تربوا على أيديهم وأفكارهم، فقاموا بالنيابة عنهم بالدعوة في بلادهم إلى وأد الفضائل ونشر الرذائل، وهؤلاء الغزاة من أبناء هذه البلاد يسعون إلى ميلها العظيم، وقد قال الله ـ عز وجل ـ : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) ، وفي حديث حذيفة رضي الله عنه الذي كان يسأل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر، أخبر صلى الله عليه وسلم عن وجود دعاة إلى الشر بقوله: ((دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)) ووصفهم بأنهم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا رواه البخاري (3605) ومسلم (4784)، ويسعون إلى الإفساد في بلاد الحرمين بعد إصلاحها، وقد قال الله ـ عز وجل ـ : (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) في آيتين من سورة الأعراف، قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى: ((ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى عن ذلك))]، ويسعون ـ إن لم يؤخذ على أيديهم ـ إلى خرق السفينة وإغراقها بمن فيها من الحكام والمحكومين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) رواه البخاري (2493)، وقال الله ـ عز وجل ـ : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ، ويسعون إلى تقويض البنيان الشامخ لهذه الدولة العظيمة التي أسسها الملك عبد العزيز رحمه الله التي عشنا وعاش آباؤنا وأجدادنا في ولايتها في أمن وأمان وتقيد بأحكام الشرع وأخذ بالفضائل وبعد عن الرذائل، فأنا الآن في سن السابعة والسبعين وقد توفي والدي سنة ( 1428هـ ) عن مائة عام، وتوفي جدي سنة (1350هـ)، وتوفي جدي جد أبي سنة (1329هـ) أي بعد بدء ولاية الملك عبد العزيز بعشر سنين رحم الله الجميع، ويكبرني خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بعشر سنين أو تزيد، ولا أعلم في ولاة الدولة السعودية في عهودها الثلاثة ـ وهم اثنا عشر والياً ـ من وصل إلى الولاية وهو في هذه السن، أمد الله في عمر خادم الحرمين على خير له وللإسلام والمسلمين في داخل المملكة وخارجها، ووقى الله بلاد الحرمين شر الأشرار وكيد الكفار؛ إنه سبحانه وتعالى هو الواحد القهار، ويسعون إلى تغيير في هذه البلاد يؤدي إلى تغيير، قال الله ـ عز وجل ـ : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، وقال: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )، وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ )، وقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ).

ومن وسائلهم السيئة للوصول إلى مآربهم الخبيثة الإرجاف بديمقراطية الغرب والنعيق بها وبحقوق الإنسان، وهذا من عمل الشيطان، قال الله ـ عز وجل ـ : (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )، وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ )، وقال: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ )، والعدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة ونعيقها بحقوق الإنسان، وقد كتبت في ذلك رسالة بعنوان ((العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة))، وهي ضمن ((مجموعة كتبي ورسائلي)) (6/329-375) نشر دار التوحيد بالرياض، ذكرت فيها جملة من الأدلة على شمول الإسلام كل ما يتعلق بحقوق الإنسان، وذكرت أن الديمقراطية المزعومة بُنيت على الحرية المطلقة في الرأي ولو كانت إلحاداً أو انحلالاً، وعلى المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، وعلى تحرر المرأة فيها من أسباب الفضيلة وانغماسها في الرذيلة، وذكرت فيها جملة من كلمات عقلاء الغربيين وعاقلاتهم في التألم من انفلات نسائهم، ودعوة بعض الكتاب إلى البدء من حيث انتهى الغربيون، وأنه ليس للنساء ولاية على الرجال ولا المشاركة في توليتهم، وختمتها ببيان أن ((السعادة في نور الوحي والشقاء والظلام فيما سواه)).

ومن أمثلة الظلم والعدوان الذي اتصفت به الديمقراطية المزعومة أنه لما تطاول حثالة من أسفه سفهاء الغرب على جناب من أرسله الله رحمة للعالمين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ وهو أعظم إنسان وأفضل إنسان ـ كان حظهم من ديمقراطية الغرب السلامة من العقوبة على هذا الإجرام المتناهي في الإجرام، ولا يضر السحاب في السماء نبح الكلاب في الأرض، ومن أمثلته أنه لما تسلط بعض أحفاد قتلة الأنبياء قريباً على التقتيل والتدمير في قطاع غزة حيث قُتل أكثر من ألف وثلاثمائة إنسان وجُرح أكثر من خمسة آلاف إنسان، كان حظهم من الديمقراطية المزعومة السلامة من العقاب، بل إن ديمقراطيتهم لم تُجمع على اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، وقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله في كلمته في المؤتمر الاقتصادي المعقود في الكويت قريباً : ((لقد نسي القتلة ومن يناصرهم أن التوراة قالت، إن العين بالعين، ولم تقل التوراة، إن العين بمدينة كاملة من العيون)) يشير بذلك إلى قول الله ـ عز وجل ـ : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ) ... الآية، وليس من الحكمة إطلاق صواريخ من غزة لا تضر اليهود شيئاً فيترتب على ذلك حصول التدمير والتقتيل لسكان قطاع غزة.

وكل تنازل من المسلمين عن شيء من دينهم فإنه يسخط ربهم ويُعجب أعداءهم، لكنه لا يكفيهم منهم ولا يرضيهم إلا شيء واحد أخبر الله عنه في قوله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ).

وقد ابتليت بلاد الحرمين في هذا الزمن بطائفتين منحرفتين، إحداهما دعاة التغريب ومتبعو الشهوات الذين يسعون إلى قتل الفضائل ونشر الرذائل وهم المعنيون بهذه الكلمة، وقد بينتُ باطلهم وحذّرت منهم هنا وبالرسائل الثلاث التي تقدم ذكرها وبرسالة رابعة هي ((الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال)) وهي ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (7/395-427).

والطائفة الثانية أصحاب الشبهات الذين يسعون في الأرض فسادا بالتكفير وتدمير المنشآت وقتل الأنفس من المسلمين والمستأمنين بدعوى أن هذا من الجهاد، وهو في الحقيقة جهاد في سبيل الشيطان، وقد نصحت لهم وكشفت باطلهم وحذرت منهم برسالتين هما: ((بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً؟! ويحكم أفيقوا يا شباب!)) و((بذل النصح والتذكير لبقايا المفتونين بالتكفير والتفجير)) وهما ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (6/225-279).

وهذه الكلمة الناصحة ستبقى بعد ذهاب قائلها ومن قيلت فيهم ومن قيلت لهم، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يتجاوز عن قائلها ويعفو عنه، وأن يهدي من قيلت فيهم إلى الصواب ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن يوفق من قيلت لهم إلى قبول نصح الناصحين والحذر من كيد الكائدين ومكر الماكرين، والمستقبل كشاف كما قيل، فإن كشف عن قبول لهذا النصح فذلك ما أرجوه وأؤمله ولله الفضل والمنّة على توفيقه لولاة الأمر، وإن كشف عن غير ذلك ـ وأرجو ألا يكون ـ فقد أديت ما عليَّ وبذلت نصحي، وأذكر الجميع بقول الله ـ عز وجل ـ : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) وهي آخر ما نزل من القرآن على أشهر الأقوال، وأول رسالة نصح لولاة الأمر كانت للملك فيصل رحمه الله في 2/10/1383هـ، وقد أجاب عليها رحمه الله برسالة مذيلة بتوقيعه مؤرخة في 16/10/1383هـ، وهي ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (7/446)، وأسأل الله ـ عز وجل ـ أن يحفظ بلاد الحرمين حكومة وشعباً من كل سوء، وأن يوفقها لكل خير إنه سبحانه وتعالى جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

18/2/1430هـ



-------

(( شبكة الرد )) الثلاثاء 6 ربيع الأول 1430هـ الموافق 3/3/2009م