حكاية(1): الله أكبر
النص: (نشر النص فى 26/11/1997)
(حين سمعت خبر الاعتداء على السائحين بالأقصر) " ... هبطت بى الأرض جزعا وكأنى أتكوم، حططت على أريكة غاصت بى حتى كدت أنفذ من قعرها، وضعت يدى على خدى وصمتّ، ولاحظت زوجتى ما حل بى فسكتت، فهى تعرفنى حين أحزن هذا الحزن فلا أنبس، لكن حفيدى "على" (أربع سنوات) -... تقدم و قال لى فى حذر:"جدى إنت زعلان؟", رددت فى اقتضاب "أيوه", فلم تكفه الإجابة إذ يبدو أن جلستى ووجهى بيّنا له درجة من الحزن فوق تصوره، فتمادى:"إنت زعلان قوى؟" , فكررت ردى بنفس الاقتضاب ومازالت يدى على خدى، والأرض تغوص بى أكثر فأكثر: "أيوه", لم تكفه الإجابة برغم أن صوتى كان أعلى، يبدو أنه لم يَخَفْ، فمضى يقول:"إنت زعلان أكتر من كل حاجة ؟", قلت بنفس الطريقة، و بصوت أعلى :"أيوه", وكدت أزيحه بيدى بهدوء بعيدا عنى حتى لا أضطر إلى نهره جدا. يبدو أن حزنى كان أوضح وأشد من أن يجعله يدعنى وحدى، فاستمر مندهشا متعجبا: " إنت زعلان أكبر من كل حاجة؟ يعنى أكبر من ربنا ؟" فقلت مفحما: لا ", فقال على الفور: أيوه كده، عشان ما فيش حاجة أكبر من ربنا . فهدهدت ظهره ولم أستطع تقبيله، لكن رسالته وصلتنى. ....
القراءة
.. حين قرأت هذا النص الآن بعد ما يقرب من عشر سنوات رحت أتساءل عما نفعله بأطفالنا الذين يقولون بتلقائية مثل هذا الكلام فى سن 4 سنوات، ثم نراهم عكس ذلك تماما بعد خمسة عشرة عاما أو عشرين؟؟ لم أربط آنذاك بين حفيدى فى الرابعة من عمره، وبين "القتلة /الضحايا" الذى دارت حولهم هذه الحكاية. ألم يكونوا يوما ما أطفالا مثل هذا الطفل؟. ما الذى يجرى لهذا الطفل حين يكبر؟ لماذا لم تصل هؤلاء الشباب القتلة تلك الحقيقة البسيطة التى أوصلها لى "على" أن "الله أكبر"، فخفف عنى بكل يقين، لقد كان أحرى – لو وصلهم مثل ذلك- أن يكونوا غير ذلك. "الله أكبر" !!! تلك الكلمات نقولها فى الأذان، وفى كل تكبيرة صلاة، ومع كل ركعة، وسجدة، وفى حروب التحرير، وعند مواجهة الظلم، لكن يبدو أننا نقولها ونحن منفصلون عنها. هؤلاء الشباب القتلة من الأقصر إلى شرم الشيخ قد يكونون قد قالوها مئات الآلاف من المرات دون أن تصلهم أصلاً، بل ربما هم قالوها وهم يطلقون رصاصهم،أو يفجرون أنفسهم. الله أكبر فى المكبرات ربما تخترق الليل ولا تصل إلى وعيهم، تخترق الظلام لكنها لا تضيئ بصيرتهم لأنها تصلهم مغتربة عن حركية الفطرة إلى وجه الله. "، الله أكبر المفرغة من معناها وفاعليتها تخترق السكون فلا تحركه، وإنما تجمده فى تعصب متشنج جاهز للتفجر فالقتل، فى حين أن "الله أكبر" التى قالها لى حفيدى، والتى نرددها فى كل صلاة، وفى كل أذان يحترم الناس ليلا ونهارا، ، هى أكبر من كل ذلك ومن غير ذلك
Bookmarks