بسم الله الرحمن الرحيـم
عــودة المنتصــر
ألفيتُ دنياناً لهيباً موقدا ******** يبغي له في كل قلب مقعدا
وكذا الأماني محض وهم صارخ ******** وترى لها باباً هنالك موصدا
فكأن دنيا اليأس باسقةُ الذرا ******** والروح في الأوصال آلت مرقدا
وأرى المآسيَ والنوائب مرتعاً ******** من كل سهم قد تراه مسدَّدا
في كل عين غيمة أو أدمع ******** تتناثر الأضواء عنها شُرَّدا
لكنْ إذا دهم الظلام بجنده ******** عادت جنود الصبح تستبق المدى
أبشر أُخَيَّ فقد تدانى موكب ******** للنور يجلو غيهباً متمردا
والصالحات من الرؤى قد أقبلت ******** سُحباً من الغيث الملحِّ تَجَدَّدا
وغداً يَفيء الحق من رقَداته ******** يعلو صداه على الزمان مردِّدا
الله أكبر هذه صلواتهم ******** ها إنهم في الليل دوماً هُجَّدا
يرعوْن فجراً قد تقادم عهده ******** يأبوْن ليلاً قد تطاول مُزْبدا
نَبْتُ الليالي الحالكات ضراوةً ******** كالزرع قام بسوقه مُتَشددا
ومن البلاء: أئمة وطلائع ******** للمكرمات تُرى حساماً أجردا
وتعيد للحق المهيض رُواءه ******** قد آن للطاغوت أن يتـنـهدا
* * *
والشام لم ترجعْ نجيعاً دافقاً ******** زفراتها قد تستمر ترصُّدا
أعراسها في كل درب ساطعٍ ******** أفراحها عيداً يجـئ مُجَدَّدا
والخاسئون أذلةٌ يوم الوغى ******** لايفتأون : تهالكاً وتبددا
هذي شآم العز ماهانت ولا ******** ذل الجناب وما تداعت موعدا
أرض الوفاء وأرض ميزان العلا ******** لاترتضي في الدهر عيشاً أنكدا
سكرت عيون الشرق من وهج الضحى********والنصر يأتي في الحقيقة منجدا
قَدَر الشآم بأن تكون هدايةً ******** للعالمين وقد سَها المتوردا
* * *
تلك الرؤى قد أُحكمت من شاعر ******** بث الهموم: توجعاً وتَسَهُّدا
ورجا بأنْ شامٌ عزيز قادم ******** ميعاد وثبته الجموحِ على العدا
* * *
تلك الأماني يا شآم عزيزة ******** لكنها قدر يبوء مجسَّدا
والمجد يحبو نحو بابِك ضارِعا ******** فلعله وجهاً يقبِّل أو يدا
إنا لنرنو في العلاء إلى غد ******** أعظم بقدس الله أن ينجو غدا
والباقيات من التراث طليعةٌ ******** في القدس لاخوف هناك أو اعتدا
لاتختشي فالحق جند غالب ******** والباطل المزْهوُّ يغدو مفردا
* * *
ولقد أمر على الديار يسوؤني ******** سيف يصول مجندِلاً ومهدِّدا
والآنسات يروعُهُنَّ ببطشه ******** والمحصنات ينالهن معربدا
قومي الأُلى من قبل طينة آدم ******** يأبوْن ضيماً أن يدوم ويُجْهِدا
نَجَداتهم في الأرض ريح عاصف ******** والدهر دوماً أن يكون مؤكِّدا
والليث قد يعثو الضباع بركنه ******** والثعلبانُ يُرى به مستئسداً
لكنْ إذا سمعوا الزئير تتابعوا ******** لايفتأون تلفتاً وتجمدا
والدهر إن تلقاه يوماً عابساً ******** تلقاه يوماً ضاحكاً متودِّدا
والنائبات إذا تُلِمُّ بأمتي ******** عادت عليها سلسبيلاً أبردا
تهفوا إلى الجلَّى وتعنو للذي: ******** برأ الأنام توحُّداً وتشهُّدا
ما إن تَرى الأيامَ إلا دُولةً ******** هذا تَرى يبكي وآخر منشدا
* * *
غِير هي الدنيا بريقٌ ظاهر ******** فيها اللجاجة والغواية مَرْصدا
يتنازع الأحياءُ حبَّ بقائها ******** ولكم يُرجِّي ظالم أن يَخْلدا
لايرعوي عن غَيِّه وضلاله ******** ويظل يطلب في العوادي مقعدا
لاينثني عن ملعب يَهْوي به ******** (في مرتع الطغيان) عاقبةَ الردى
إن الحياة مصارع ومقابر ******** للزائغين عن الرشاد … عن الهدى
* * *
حُزن هي الأيام، فرصة فاجر ******** يَهْوى يكونُ مهدِّماً مستَعْبِدا
ويُبيحُ للنفس الجموح هوايةً ******** قتلَ البريء كهولةً أو مولدا
أنا ماحييت أظل أبكي أنجماً ******** سقطت وكانت للبرية مصْعدا
من كل أروعَ ماجدٍ متأنق ******** أهدافه أن لايعيش مشردا
تأبى عليه شهامةٌ أن ينحني ******** أو ينزوي يهوى المذلة موردا
عصفت به رَيْبُ المنون مناضلاً ********ومضت به للمكرمات مجاهدا
أبكيه مابقي الشموخ معلِّماً ********وكذا الإباء مساعداً أو مسعدا
* * *
أتُرى نَرى عِبراً تهيج بناظر ******** ولنا تكون موجِّهاً ومسدِّدا
فلعلنا بالحق نفقه مبدءاً ******** ونُحيط بالأمر المهول توطُّدا
ونسير في دنيا المتاهة واللظى ******** ونَصد عن فيض العناء تعقُّدا
حِكم تراءى للعقول منارها ******** وسرت بها ضمن الدياجي منتدى
ولنا من التاريخ أصدق رائد ******** عثراته نوراً تكون وموقدا
أحداثه مرآة كل حقيقة ******** ونذير مُغْتَرٍّ يجيء مشدِّداً
والعاديات من الدهور كفيلة ******** تَنْهى عن الأوطار أن تتفندا
والدهر أشباه وفيه نظائر ******** من شاء يسمو أو يكونُ مسوَّدا
أو قد يكون ضليل فكر حائِر ******** نزغاته داء عَياءٌ سرمدا
ولنا من الجمع المشتِّ لوائحٌ ******** تُهدي إلى القيم الرفيعة مَحْتِدا
* * *
يا دار عزٍ قد تمادى فجرها ******** محن الليالي في دروبك رُصَّدا
ماتفتئين توجعاً وتألما ******** ماتنثنين تأبِّياً وتجلُّدا
حالٌ الرجالِ الأكرمين ترفعٌ ******** وتآزر والصبر يأتي أحمدا
بيضُ المعالي: همةً وإرادةً ******** وتُرى لدى سود الليالي أَمْجدا
والخالدون على الدهور منائر ******** من كل أروعَ في الخطوب وأصْيدا
وبهم تَدين الصالحات هدايةً ******** وتجيء كالطير الطليق مُغَرِّدا
* * *
والقانعون بعيش ذلٍ هابطٍ ******** يأتون كل الموبقات تَعَمُّدا
ولهم ضَياع يعتريهم جهرةً ******** وخسارةٌ فاقت مَدىً وتَمدُّداً
كم فيهمُ من أسْبقي جاهلٍ ******** يهوى الدناءة: فتنة وتصيُّدا
ويعيش دنيا السوء محضَ تفاهةٍ ********ويظل عن نيل المعالي مُقْعَدا
لاترتئيه سوى جبانٍ موْقفاً ******** وإذا تلوح الحربُ حقاً أُرْعدا
ينفضُّ عن كل المكارم كِبْرهُ ******** ما إن تَرى خصماً له أو حُسَّدا
أخلقْ بهذا الدهر إذ يمضي به ******** إلا يكون سعيرُه مُتَوقدا
* * *
وأرى بلاءً في البسيطة هادراً ******** كاليمِّ ليس لموجه أن يَنْفَدا
حربٌ ضروس والطغاة أئمةٌ ******** تجري على أيديهمُ حممُ الردى
هذي شعوب الأرض رهن سيوفهم ******** تبكى وقد عز الفِدا والمفْتدى
وجرت دماء الأبرياء سخيةً ******** وتناثرت أشلاؤهم يوم الندا
وإذا يكون البغيُ يوماً فَيْصلاً ******** كان الظلامُ مُدَعَّماً ومؤيَّدا
كالذئب يغدو في الخليقة راعياً ******** كاللص يبدو زاهداً مُتَعَبِّدا
إني إلى الله العليِّ ضراعتي ******** وأجيء في تَحْنانه مُسْتنجدا
وبجاه حق الحق ألتمس الرضى ******** وأرى الشفيعَ لدى الوجود مُحمدا
فلعل نصراً من علاه مُعَزَّزاً ******** ينفي الهمومَ: مُفَرجاً أو مُسْعدا
* * *
فيض العناية للإله تحنناً ******** وفعاله جلَّت هُدىً أو موعدا
قسيةُ الرحَموت عاليةُ السنا ******** تجري على نَسَقٍ وتَمْخَضُ أَزْيدا
أنا لم أرى في الخلق قطُّ تفاوتاً ******** وتناقضاً والحق دوماً مقتدى
والمجد كل المجد لله الذي ******** فلق النوى وهدى طريقاً أَرشَدا
والسوءُ من فعل الجهول سفاهةً ******** وضلالةً تأبى الحقيقةَ مَقْصِدا
والخلق إن سلكوا السبيل تعارفوا ******** وتعاونوا كلٌ يجيء مُضَمِّدا
فالله قد خلق الأنام محبةً ******** وأراد فيهم فضلَه أن يَنْجُدا
لكنهم سقطوا ضحية حاسد ******** وأبتْ نفوس الشانئين تَقَيُّدا
كم موكبٍ للحق جاء مبشراً ******** ومضى به ركب الزمان مُخَلِّدا
يهدى إلى الرشد وينذر معرضاً ******** قد صَدَّ عن أخراه.. يبغى مَشْهدا
دنيا المتاهة والعنا كم أسكرت ******** وترى الشقاء مُمَهَّداً ومُوَطَّدا
لكنَّ دنيا الحق أعظم مرجعاً ******** وأعز منطلقاً هناك مُنَضَّدا
والناس إما شانيء متهور ******** أو قد تراه مُشَتَّتاً ومُحَدَّدا
في كل ركن للحياة مخرب ******** يهوى الفساد تحملاً وتزوُّدا
وإذا نظرت تفكراً وتدبراً ******** خسئت عيون الناظرين تعدُّدا
ورجعتَ مكلوم الفؤاد مُروَّعاً ******** لاتفتأ العبرات منك توقُّدا
* * *
أستغفر الله الحليم تَنَدُّماً ******** وأرى البقية من مُناي هي الصدى
عُمُر تقضّى في التغرب حائراً ******** وأعَضُّ من طَرَفِ البنان مُنَدِّدا
همٌّ كموج البحر خُضْتُ عُبابه ******** وسلكت أقربه إليَّ وأبعدا
أيامَ أن كنتُ الصريعَ غِوايةً ******** وتركتُ خلفي مِنْ رسومي مَعْهدا
لم أدْرِ ماغِبُّ الجهالة مرتعاً ******** لم ألتمس في العُمْر نهجاً أجودا
حتى مضى ليلُ التجافي والهوى ******** فَدريتُ لَهوي كان حقاً أسودا
ومضى من العُمْر المديد بلاؤُّه ******** وطويتُ دهراً كان يوماً أَغْردا
قد ذقتُ من وقتي زلالاً صافياً ******** وكذا شراباً علقماً مُتَبدِّدا
ماكنتُ في الحالين إلا طائر ******** عَلِق الشَّراكُ برجله فَتقيدا
* * *
وأعود للشأن الكبير يَنوبني ******** ماكنت عنه مُعْرضاً مترددا
ويظل في اليوم العصيب منارةً ******** للسائرين وغوثَها.. المرشدا
تتفتح الآمال صوْب رحيقه ******** وِرْداً يلوح ومرتعاً متوردا
وأُراني في تَرحابه مُتفوقاً ******** نصراً يوافي أو فتوحاً يُبتدى
ماكنت إلا في الضراعة سادراً ******** وأبوءُ من درب التناجي مُجْهَدا
حـلــــب
شعر: الشيخ عبدالرحمن العيسى
الجمعة 9/11/2007 م
29 شوال/1428 هـ
Bookmarks