الإيمان بالدين كظاهرة غيبية.. وهم أم يقين؟
* محمد مهدي الآصفي
للدين في حياة الإنسان طرفان:
طرف منه يتصل بعقيدة الإنسان ويقينه، وطرف آخر منه يتصل بسلوكه وحياته الاجتماعية.
وليس من شك أن ظاهرة التدين والإيمان بالغيب كان أقدم ما عرفه الإنسان في حياته، ومن أكثر الظواهر ثباتاً وشيوعاً في حياة الإنسان.
ورغم اختلاف مظاهر التدين في حياة الانسان فقد كان الانسان يؤمن في هذه الحالات جميعاً بوجود مبدع غيبي ما وراء الطبيعة، وما وراء المظاهر المادية.
ورغم ان الحواس لا تباشر غير المادة والطاقة، فإن الانسان يؤمن بحقيقة ثالثة، ليس هو بمادة ولا طاقة، وإنما هو مبدأ للمادة والطاقة معاً، وذلك هو الغيب الذي يؤمن به الانسان، دون أن يقع له عليه حس، ودون أن يباشره بشيء من حواسه.
* * *
والسؤال الذي نود أن نطرحه هو أن الإيمان بالدين كظاهرة غيبية هل هو شيء أصيل في حياة الانسان، نابع من أعماق شخصية الانسان وفطرته، أم هو شيء طارئ على حياة الانسان، نتيجة بعض الظروف والأوضاع الاجتماعية؟
وهل يؤمن الانسان حقاً بالدين، أم هو وهم، يبدو للانسان على شكل يقين؟
وهل الإيمان بالغيب أمر ثابت في حياة الانسان، ثبات الغرائز والنوازع الأصيلة، أم هو مرحلة في حياة الانسان، كما يقول (أوجست كنت)، حيث يرى أن الانسانية مرت بثلاث مراحل في حياتها، دور الفلسفة الدينية، ودور الفلسفة التجريدية، ودور الفلسفة الواقعية؟
ومرد هذه التساؤلات جميعاً إلى التساؤل عن أصالة التدين في شخصية الانسان.
ولا شك أن اكتشاف هذه النقطة الجوهرية ينفعنا كثيراً في فهم حقيقة الدين وإثبات واقعية التدين والإيمان بالغيب، وإثبات واقعية الدين في حد ذاته أيضاً.
* * *
وبذلك فإن أصالة النزوع الديني في الشخصية يكشف عن حقيقتين جوهريتين في هذا المجال:
الحقيقة الأولى أن التدين حقيقة ثابتة في شخصية الانسان، وأن النزوع الديني نزوع صادق، وليس وهماً أو سراباً في النفس.
وصدق هذا النزوع وأصالته في الشخصية وإن كان لا يثبت الواقعية الموضوعية للدين إلا أنه يكشف بلا شك عن واقعية التدين الذاتية في نفس الانسان.
كما يكشف عن أن التنكر للدين شيء طارئ على الشخصية، وعرض من الأعراض النفسية والروحية التي تصيب الانسان، وشذوذ في الشخصية وليس حالة عامة في الانسان.
والحقيقة الثانية ان هذا النزوع بهذا الشكل من القوة والأصالة لا يمكن أن يكون خاطئاً. فلا يمكن أن تنزع الفطرة عبثاً وراء غيب لا حقيقة له.
فإننا لو أثبتنا أصالة هذا النزوع في الشخصية.. فلا يمكن أن ينفك عن واقعية هذا الغيب الذي ينزع إليه الانسان.
والواقعية هنا، بخلاف الصورة الأولى، واقعية موضوعية وإن كان الطريق إلى إثبات هذه الواقعية الموضوعية طريقاً ذاتياً وجدانياً.
ولذلك فإن النظريات الدينية تقع في اتجاه معاكس للاتجاهات المادية في تسير الدين دائماً.
فإن النظريات الدينية تفسر هذه النزعة دائماً بالفطرة، وتؤكد صلتها الوثيقة بالكينونة الانسانية وأصالتها في الشخصية، بينما تحاول النظريات المادية توجيه هذا النزوع بعوامل خارجة عن شخصية الانسان وطارئة عليه.
المصدر :http://www.balagh.com/
Bookmarks