يقول جل في علاه " فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ " القلم (8-9)
ينقل القرطبي في تفسيره لمعنى المداهنة" قال ابن عباس و عطية و الضحاك و السدي : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم
وعن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك
وقال الفراء و الكلبي : لو تلين فيلينون لك
والإدهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين قاله الفراء
وقال مجاهد : المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب فيكذبون وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك و الحسن : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم وعنه أيضا : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم زيد بن سالم : لو تنافق وترائي فينافقون ويراءون
وقيل : ودوا لو تضعف فيضعفون قاله أبو جعفر وقيل ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم قال القتبي وعنه : طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة فهذه اثنا عشر قولا..."
فمن هنا يتبين ان مداهنة الكفار على حساب الدين أمر لا يجوز شرعا ولا عقلا
فقد قال تعالى" قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)"
وقد نقل المفسرون أن المشركين من جهلهم دَعَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة
من صور هذه المداهنة...
يقول تعالى "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا" النساء (140)
أي: وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } أي: يستهان بها.
وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها، وهذا المقصود بإنزالها، وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله، فضد الإيمان الكفر بها، وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها...(السعدي)
فإذا كان الامر على هذا فلا بد للمؤمن التقي ان يجمع عليه جراميزه وان لا يذل نفسه حيث اعزه الله ولا يحقر نفسه حيث أكرمه الله فالإسلام يعلو ولا يعلا عليه وجاه المؤمن عظيم عند الله
ولا يأمن المؤمن من قارعة تصيبه من مداهنة اعداء الله مما يعلق به من الاذى فيوسم بها العمر ويشار اليه بالبنان بما يشينه ! فلا جرم وقد نبه من ذلك ولكن الطبع غلاب فلا يصحو ولا يتنبه الا اذا اتاه ما يقض مضجعه ويشوش فكره ويديم حزنه...
ويقول تعالى" وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " الانعام (68)
قال الشنقيطي: نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة عن مجالسة الخائضين في آياته ، ولم يبين كيفية خوضهم فيها التي هي سبب منع مجالستهم ، ولم يذكر حكم مجالستهم هنا ، وبين ذلك كله في موضع آخر فبين أن خوضهم فيها بالكفر والاستهزاء بقوله : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ } [ النساء : 140 ]
وبين أن من جالسهم في وقت خوضهم فيها مثلهم في الإثم ...
بقوله : { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [ النساء : 140 ] ، وبين حكم من جالسهم ناسياً ، ثم تذكر بقوله هنا : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين }..."
فهذا كله فيمن جلس معهم ولم ينكر فهذا بمثابة الاقرار اما من نسي او قد مرت عليه الهفوة وذكر فلا بد من ان يتذكر ويعرض ولا يتمادى ويشجع هؤلاء الكفرة على خوض لا في قليل ولا في كثير ولا حتى بنصف كلمة
وقد قال تعالى" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة (2)
Bookmarks