من شرح النووي على مسلم :
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء ، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى ، وَفِي بَاطِن الْأَمْر ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة ، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر . وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك ، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس ، فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " وَاَللَّه أَعْلَم . اهـ
بمعنى أن هذا الكلام يجري على اللسان ولا يقصد به الدعاء
رغم ذلك خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب يوما
فدعا الله أنه إذا جرى على لسانه مثل ذلك أن لا يستجيب الله
وذاك من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته ودليل على كرم خلقه
Bookmarks