السلام عليكم هذه مناقشة نقلتها إليكم
أرجو منكم التعقيب و التصحيح على ما ورد فيها


قال الأول

العقلية العربية متخلفة ومنذ زمن طويل , لماذا ؟

هذا هو السؤال المنطقي

وليس ان نقول لسنا متخلفين ونظل نردد نحن اصحاب حضارة الخ فهذا لم يعد يجدي نفعا ,

الوصف هنا ليس وصفا عنصريا بالطبع

ولكن هو وصف للحالة والطريقة التي يسير بها شعوب المنطقة العربية

سواء العرب الاصليون (اليمن + الجزيرة العربية قاطبة)

او حتي الدول التي تتحدث اللغة مثل مصر والشام والعراق والمغرب العربي

التخلف هنا ليس من بعض عقود بل منذ قرون ومش هقدر احدد بالضبط كم قرن

لكن دة لا يهم لان وضع العالم قديم كله منذ امثر من 5 قرون كان متقارب

سواء اوروبا او المنطقة العربية او حتي شرق اسيا

الحضارة العربية والاسلامية ازدهرت ليست لانها كانت عسكرية

والا اعتبرنا الامبراطورية الرومانية اعظم حضارة في التاريخ كلة لو كان هذا هو المعيار

لكن لعوامل ظهور الحضارة عند العرب هي احتكاكهم بشكل اساسي بالاجناس الغير عربية

وهم الفرس والهند وبالطبع العلوم اليونانية سواء الفلسفة الارسطية او الافلاطونية

وعلم المنطق الذي كان نواه بداية المنطلق العلمي فيما بعد ,,,

ودة لم يحدث الا مع تطور حركة الترجمات في الدولة العباسية

ووجود دولة الاندلس الاموية اليت سهلت اقتباس العلوم الاغريقية ومحاولة الاضافة عليها

ويوازي ذلك ايضا ظهور حركة الفلاسفة المسلمون والمعتزلة التي اسست علم الكلام

ودة كان صاحب الاثر الاهم لظهور كل الابداعات الفكرية والعلمية في هذا الوقت

وللاسف عدد كبير من رموز الابداع العربي والاسلامي في الفلسفة والعلوم التجريبية

مثل ابن سينا وابن رشد والتوحيدي وابن حيان وابن الراوندي وغيرهم

كانت متهمة بالزندقة وذلك للصراعات المذهبية والاستبداد السياسي التي وأدت استمرار

النهضة الوليدة وطبعا نتاج ذلك كلنا نعلمة من انهيار الدولة العباسية وتصارع دويلات

لمنافستها في منطقة الشرق الاوسط , وايضا تفتت الدولة الاندلسية الي ملوك طوائف

ودويلات صغير متناحرة بينها وبين بعضها حتي تمت ازاحتهم بالكلية

واعادة سيرة الاندلس للاسبان مرة اخري الذين استفادوا هم من العلوم الدفينة التي ترجمها

واضاف اليها العرب (دون ان يستفيد العرب انفسهم سوي شكليا منها للمفارقة )

فيبدو ان البداية كانت من علوم يونانية وفارسية وهندية ثم ارتدت مرة اخري للاوروبيين

وحاليا الهنود والاسيويين , لكن ما يسمي العرب عادوا للمربع صفر مرة اخري

وملحوظة اخري : الفلسفة الواقعية التي أدت الي ظهور الفلسفة العلمية والتجريبية بدايتها الحقيقية

كانت في اوروبا علي يد فلاسفة النهضة الالمان والفرنسيين والانجليز وحتي الامريكان

الذين بدأت من عندهم الفلسفة العلمية والفلسفة البراجماتية علي يد ويليام جيمس ,,

تساؤل : لما لم يستمر العرب ويطوروا من علومهم اذا كانت ذات فائدة ويصبحوا اصحاب شأن اليوم ؟

تساؤل أخر : اليابان صنعت نهضتها الحديثة بمساعد الولايات المتحدة

بعد الحرب العالمية الثانية وبوصاية امريكية كما حدث ايضا

من تبني اخر لكوريا الجنوبية وانظر كيف هي الان ,

ودة شيء معروف

وانظر للحضارة اليابانية هي حضارة غربية بكل معني الكلمة من نم سياسية واجتماعية وعلمية

لا بأس من احتفاظهم بفلكلورهم وتراثهم لكن دة شيء أخر

لا يجعلهم يجوروا علي روح العصر , كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة

ماليزيا , والهند ايضا تسير علي نفس الخطي , مصر لم تستطع صنع نهضة حقيقية

رغم بشائرها وملامحها في بداية القرن العشرين , ودة تم وأده مع وصول الثورة 1952

وبدل الخروج من ملكية الي نظام جمهوري ديموقراطي يساعد علي استكمال بذور النهضة

خرجنا لنظام جمهوري ديكتاتوري قمعي اوصلنا لما نحن فية الان ...

لابد لكي تظهر عندنا حضارة ودولة حديثة حقا , ان نفعل الديموقراطية ونثبت ألياتها

ان نحول نظام تعليمنا الي نظام حديث وليس ما هو مستمر حاليا بلا تطوير منذ ما يقرب 20 عام

المشكلة عندنا في مصر وهي الاهم بالنسبة لي كمصري تحتاج موضوع كبير للوصول

لافضل السبل للخروج من الانهيار المستمر الذي نسير فية ...

من ينجح من شبابنا وافراد وطننا

أو حتي أي دولة عربية لابد ان يجد فرصة لابداعه وحريتة لكي تنمو وتكبر في مناخ ملائم

لابد مثلا ان يكون هاجر لاي بلد اوروبي او امريكي حتي يصنع ذلك

طبعا في قلة حققوا ذلك ضمن ظروف غاية في الصعوبة في وطنهم لكن دة ليس القاعدة ,

لكن التفكير ببقائة هنا فهو بقاء في بقعة التخلف المستمرة الي مدي لا يعلمه الا الله ..

وشكرا لك
-
_______________________________________

ورد الثاني

____________________________________________




أخي ... أنت تقرر بأن الحضارة الإسلامية لم تبدأ إلا بعد نشاط الترجمة في عهد المأمون ودخول الفلسفة أما قبل ذلك ( القرن الأول وما بعده ) فلم تكن ثم حضارة وإنما انتصارات عسكرية
ونص كلامك : (الحضارة العربية والاسلامية ازدهرت ليست لانها كانت عسكريةوالا اعتبرناالامبراطورية الرومانية اعظم حضارة في التاريخ كلة لو كان هذا هو المعيار .....)




يحسن بنا أولا أن نلقي نظرة على ماهية الحضارة



يعرف ويل ديوارنت الحضارة بأنها (الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة : الموارد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء ..) قصة الحضارة الجزء الأول صـ3



إذا فالحضارة على رأي ديوارنت تشمل الإنتاج الثقافي الاقتصادي والسياسي والخلقي والعلوم وتبدأ حيث يبدأ الأمن وتحرر النفوس




ويعرفها الفيزيائي الفليسوف ألبرت شفايتزر بأنها : ( بذل الجهود بوصفنا كائنات إنسانية من أجل تكميل النوع الإنساني وتحقيق التقدم على أن نهب العالم والحياة معنى حقيقيا )
ويرى أن طابع الحضارة أخلاقي في أساسه فهناك إذن ارتباط بين الحضارة و نظرتنا إلى الكون وإلى الحياة فإن المعتقدات لا الانجازات التكنولوجية هي القوة الدافعة للحضارة )

ويعلل أذمة الحضارة الحالية فيقول :

( أما تعليل أذمة الحضارة فيقوم على اعتبار التقدم المادي أكبر بكيثر جدا من تقدمها الروحي بينما لا يتحدد الطابع الجوهري للحضارة بانجازاتها المادية بل باحتفاظ الأفراد بالمثل العليا لكمال الإنسان وتحسين الأحوال الاجتماعية و السياسية للشعوب وللإنسانية في مجموعها) أهـ من كتاب فلسفة الحضارة ترجمة عبد الرحمن بدوي نقلا عن كتاب الأخلاق بين الفلاسفة وعلماء الإسلام ص23 -24




ويقول الدكتور حسين مؤنس في كتابه الحضارة (أحاول في هذه الصفحات أن يعرف القارئ أن الحضارة لا تتمثل فحسب في عظام المنشآت كالأهرام أو قصور فرساي أو العمائر الشاهقة التي تصعد في الجو كأنها تنطح السحاب في نيويورك بل هي تتمثل في صورة أوضح وأصدق في صغار الاكتشافات التي تقوم عليها حياة البشر ......والعبرة في منجزات البشر بما ينفع أكبر عدد من الناس وييسر لهم أسباب الاستقرار والأمن لا بما يبهر العيون ويرد الإنسان إلى الشعور بالقلق .......الأهرام أو قصور فرساي أو ناطحات السحاب فماذا تعني ؟فأما الأهرام تعني أن ألوف البشر ظلوا يعملون عشرات السنين لينشئوا قبرا لإنسان واحد وقصورا فرساي تعني أن جهود ألوف أخرى قد صرفت على عمل منشآت يزهو بها ملوك لم يعرفوا في حياتهم غير الظلم واحتقار الناس وأما نواطح السحاب فقد ثبت بالبرهان أن العيش فيها يصيب النفس بالكآبة وضيق النفس وجفاف الطبع الإنساني ...) أهـ كتاب الحضارة صـ8




وهناك تعريفات أخرى أقل شمولا



فمثلا (أرنولد تونبي يفسرها "برد معين تقوم به أحدى الأمم لمواجهة تحد معين " ) مالك بن نبي شروط النهضة صـ64

و سبنجلر الألماني يفسرها ("باعتبار نتاج عبقرية عصر معين لا باعتبار عبقرية جنس معين" ) شروط النهضة صـ64



إلى غير ذلك من التعريفات




لو تأملنا في تاريخ الأمة الإسلامية
لوجدنا أن الحضارة نشأت بالفعل منذ فجر الإسلام وبالإسلام نفسه


بل إنها الحضارة الوحيدة التي استطاعت إقامة علاقة سوية في التصور والسلوك مع الله ومع البشر ومع البيئة المحيطة بما فيها من كائنات حية


وهذا هو المحرك الذي هيئ لها الانتشار السريع
فالفضل للإسلام وليس لقدرة العرب العسكرية
وإلا فأين كانت قدرة العرب قبل الإسلام ؟
ومن هم حتى يناطحوا أعتى قوتين على الأرض آنذاك (فارس والروم) ؟


ثم لو كان الأمر مجرد قدرة عسكرية لا قوة حضارية فما الذي جذب الناس للدخول في دينهم وتعلم لغتهم مع انعدام الإكراه - في حين لم يستطع الإغريق في عهد الإسكندر أن يستبدلوا عقائد ولغات الأمم التي احتلوها ولم يستطع التتار كذلك نشر لغتهم وثقافتهم في المناطق الإسلامية التي حكموها بل إن مما يثير الدهشة أن التتار أنفسهم أسلموا بعد ذلك وكان منهم العلماء و القادة المخلصين للدين مع أنهم كانوا هم الغالبين -؟ !!

جاء الإسلام في زمن يوصف بأنه أحط أدوار التاريخ بلا خلاف

(فلقد كان الفساد يصبغ وجه الأرض، فساد الأفكار والتصورات وغلبة الوثنيات، وفساداجتماعي يتجسد في طبقيات عنيفة وحقوق مهضومة وانحلال أخلاقي مقيت، وقوانين تلبيرغبات الأقوياء ومجادلات دينية لا تنتهي..)


في هذا الزخم جاء الإسلام وحقق الحضارة بشمولها

فرض العدل وأزال الظلم عن كثير من الشعوب المقهورة تحت الرومان وفارس
حيث كان ينظر لهذه الشعوب على أنها أشياء وظيفتهم في الحياة تلبية ملذات أسيادهم


جاء الإسلام بمنظومة أخلاقية فريدة تراعي التوازن بين الجانب الجسدي والروحي
ودعا للمساواة بين البشر ورفض مبدأ العنصرية
فالناس في الإسلام سواسية كأسنان المشط
ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى
(مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أبيض بحمرة لم يكن أسود أو أسمر)

وضع الإسلام أصول النظم الراقية لتنظيم حياة الأسرة والمجتمع والدولة
نشر التوحيد وقضى على الخرافات
(بالمناسبة حتى عند الملحدين الذين ينظرون للدين كنظم وضعية
يعتبرون التوحيد أرقى هذه النظم أما خلاف ذلك فهي عندهم أديان بدائية متخلفة)
أسس الإسلام المنهج التجريبي بالحض على التأمل في الطبيعة واكتشاف أسرارها

هذه المبادئ وغيرها هي التي قامت عليها الحضارة الإسلامية منذ القرن الأول وبسببها انتشر الإسلام بصورة تعز على التصديق فلا يمكن أبدا مقارنة الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابة والتابعين بالاستعمار الروماني أو الفارسي


يقول الدكتور جمال حمدان رحمه الله : ( خرج عرب الإسلام من قلب الجزيرة ليبنوا دولة لم تسبقها من قبل دولة في الامتداد والرقعة ولم تلحقها من بعد إلا إمبراطوريات العصر الحدث وحدها بل هي في نظر (ماكيندر) الإمبراطورية العالمية world empire الأولى في التاريخ ..........)


( ويجادل كثير من الكتاب الغربيين في لجاج مفهوم بأن هذه الدولة كانت إمبراطورية استعمارية لم تخرج عن كونها غزوا وإخضاعا وتبعية أجنبية والحقيقة أن الدولة العربية كانت إمبراطورية تحريرية بكل معنى الكلمة كما قد نقول فهي التي حررت كل هذه المناطق من ربقة الاستعمار الروماني أو الفارسي المتداعي واضطهاده الوثني وابتزازه المادي وبعدها لم تعرف الدولة الجديدة عنصرية أو حاجزا لونيا بل كانت وحدة مفتوحة من الاختلاط والتزاوج الحر وما عرفت قط شعوبية أو حاجزا حضاريا حيث كانت وسطا حضاريا متجانسا مشاعا للجميع لا ولم تخلق نواة متروبولية سائدة تتميز على سائر المقاطعات والأقاليم في شئ بل إن نواة جغرافية سياسية ما لم تحتكر السلطة قط على العكس كانت السلطة دولة بين الجميع بلا استثناء إن صح التعبير........)



(واضح إذن أن أخوة الدين كان يقابلها إخوة الأقاليم وسواسيه الناس كانت تترجم سياسيا إلى سواسية الولايات والمقاطعات والحقيقة أن الدول العربية الإسلامية كانت شركة مساهمة بين كل أعضائها وأطرافها ولعلنا لا ندفع بالتشبيه إلى ابعد من حدوده السليمة إذا قلنا إنها كانت أول كومنولث في التاريخ بالمعنى الحديث مع الفارق الهام جدا وهي أنها لم تمر بالمرحلة الاستعمارية المشينة التي مر بها كومنولث اليوم والحقيقة أخيرا أن دولة العرب الإسلامية هي فصل -أول فصل - في جغرافية التحرير وأبعد شئ عن جغرافية الاستعمار ......)



(كيف أمكن أن تقول هذه الدولة الماموث التي بالمقياس الجغرافي والإحصائي وحده تسبق زمانها وعصرها بقرون أكانت حقا فلتة شيطانية كما يصور بعض أعدائها ؟......لا شك أن مما يدعو الى الحيرة والتساؤل حقا أن تستطيع قوى الصحراء الطاردة – قاعدة أرضية شبه خاوية وموارد طبيعية شحيحة وكثافة سكانية هزيلة شفافة- أن تقهر وتخضع قوى البر والبحر التقليدية العتيدة فارس شرقا والروم غربا .......)



(لا شك أن جذوة الحماس الديني المتقدة هي التي ألهبت خيال المؤمنين حتى تحولت بهم إلى شعلة ملتهبة وتحولوا هم بها الى مشعل مضئ...)إستراتيجية الاستعمار والتحرير صـ ,52,30,29,26


يقول الدكتور محمد عمارة (لم يعرف الإسلام (حروبا دينية ) لقهر المخالفين على الإيمان به ..... أما كل معارك الفتوحات الإسلامية في القرن الأول فإنها كانت ضد جيوش القوى الاستعمارية التي قهرت الشرق سياسيا وحضاريا ودنيا وثقافيا لأكثر من عشرة قرون ضد جيوش القيصرية الرومانية والكسروية الفارسية ولم تدر معركة واحدة بين جيوش الإسلام وبين أهل البلاد المفتوحة بل لقد وقف أهل تلك البلاد وهم على دياناهم القديمة مع جيوش الفتح الإسلامي وشاركوا في هذه الفتوحات وأوا فيها تحريرا لأوطانهم من القهر الاستعماري الروماني وتحريرا لضمائرهم وعقائدهم من القهر الديني والحضارى ....وبهذه الحقيقة شهد الأسقف يوحنا النقيوسي وهو شاهد عيان على الفتح الإسلامي لمصر ... ) عوامل امتياز الإسلام شهادات غربية صـ20


يقول ماكس مايرهوف في كتابه العالم الإسلامي يكاد يكون مستحيلا أن نفهم كيف أن أعرابا منتمين إلى عشائر ليست عندهم العدد والأعتدة اللازمة يهزمون في مثل هذا الوقت القصير جيوش الرومان والفرس الذين كانوا يفوقونهم مرارا في الأعداد والعتاد وكانوا يقاتلونهم وهم كتائب منظمة) المد والجزر للندوي صـ37



ويقرر المستشرق الانجليزي هاملتون جب (وهو من المتعصبين) أن التاريخ الإسلامي سار في وجهة معاكسة تماما للتاريخ الأوربي على نحو يثير الاستغراب حيث قال (كلاهما قام على أنقاض الإمبراطورية الرومانية في حوض البحر الأبيض المتوسط ولكن بينهما فرقا أصيلا :فبينما خرجت أوربا على نحو متدرج لا شعوري وبعد عدة قرون من الفوضى الناجمة عن غزوات البرابرة انبثق الإسلام انبثاقا مفاجئا في بلاد العرب وأقام بسرعة تكاد تعز على التصديق في أقل من قرن من الزمان إمبراطورية جديدة في غربي آسيا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط الجنوبية والغربية) هاملتون جب دراسات في حضارة الإسلام صـ4



ويقول الكاتب الأمريكي استودارد في كتابه حاضر العالم الإسلامي (كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دون في تاريخ الإنسان ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان وبلاد منحطة الشأن فلم يمض على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقا ممالك عالة الذرى مترامية الأطراف وهادما أديانا قديمة كرت عليها الحقب والأجيال ومغيرا ما بنفوس الأمم والأقوام بانيا عالما حديثا متراص الأركان هو عالم الإسلام كلما زدنا استقصاء باحثين في سر تقدم الإسلام وتعاليه زادنا ذلك العجب العجاب بهرا فارتددنا عنه بأطراف حاسرة , عرفنا أن سائر الأديان العظمى إنما نشأت ثم أنشأ تسير في سبيلها سيرا بطيئا ملاقية كل صعب حتى كان أن قيض الله لكل دين منها ما أراده له من ملك ناصر وسلطان قاهر انتحل ذلك الدين ثم أخذ في تأييده والذب عنه حتى رسخت أركانه ومنعت جوانبه , بطل النصرانية قسطنطسن والبوذية أسوكا ... كل منهم ملك جبار ايد دينه الذي انتحله بما استطاع من القوى الأيد
إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام الإسلام الذي نشأ في بلاد صحروية تجوب فيها شتى القبائل الرحالة التي لم تكن من قبل رفيعة المكانة والمنزلة في التاريخ فلسرعان ما شرع يتدفق وينتشر وتتسع رقعته دون في الأرض مجتازا أفدح الخطوب وأصعب العقبات دون أن يكون من الأمم الأخرى عون يذكر ...)
نقلا عن كتاب المد والجزر للندوي صـ 20


وبقول الدكتور عبد الحليم منتصر في كتابه دعوه إلى تصحيح تاريخ العلم (إن بناء المسلمين لدولة امتدت من حدود الصين شرقا إلى حدود فرنسا غربا في أقل من قرن من الزمان إنما كان لك بالإسلام أولا وبالعلم ثانيا بالإسلام دينا وعقيدة و قيما وخلقا من أمانة وصدق ووفاء وشهامة وكرم وبالعلم من حساب وجبر ورياضيات ومن فيزياء وكمياء وطب ...ومن وضع لأسس المنهج التجريبي والطريقة العلمية )
نقلا عن مناهج البحث في العلوم الإنسانية مصطفى حلمي صـ44


ويقول الأمير شكيب أرسلان في كتابه لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ( إن أسباب الارتقاء كانت عائدة في مجملها إلى الديانة الإسلامية التي كانت قد ظهرت جديدا في الجزيرة العربية فدان بها قبائل العرب وتحولوا بهدايتها من الفرقة إلى الوحدة ومن الجاهلية إلى المدنية ومن القسوة إلى الرحمة ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد ... وفتحوا نصف كرة الأرض في نصف قرن ولولا الخلاف الذي عاد فدب بينهم منذ أواخر خلافة عثمان وفي خلافة على رضي الله عنهما لكانوا أكملوا فتح العالم ولم يقف في وجههم واقف ) لماذا تأخر المسلمون صـ 38


ولعل في ماذكرت قدر كافي في أن الدولة الأولى لم تكن إمبراطورية استعمارية
توسعت كما توسع الرومان أو الفارس فلا مجال للمقارنة

تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه (اليوم وبعد انصرام ألف ومائتي عام لا يزال الغرب النصراني متمسكا بالحكايات المختلقة الخرافية التي كانت الجدات يروينها حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية بعد موت محمد نشرت الإسلام بالنار وبحد السيف البتار ........ "لا إكراه في الدين" تلك هي كلمة القرآن الملزمة فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه فكان للنصراني أن يظل نصرانيا ولليهودي أن يظل يهوديا كما كانوا من قبل ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم وما كان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك ولم يكن أحد لينزل أذي أو ضرر بأحبارهم أو قساوستهم .....لقد كان أتباع الملل الأخرى وبطبيعة الحال من النصارى واليهود هم الذين سعوا سعيا لاعتناق الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين ولقد ألحوا في ذلك شغفا وافتنانا أكثر مما أحب العرب أنفسهم فاتخذوا أسماء عربية وثيابا عربية وعادات وتقاليد عربية واللسان العربي وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهاديتن لقد كانت الروعة الكامنة في أسلوب الحياة العربية والتمدن عربي والسمو والمروءة والجمال – وباختصار السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية بغض النظر عن الكرم العربي والتسامح وسماحة النفس كانت هذه كلها قوة جذب لا تقاوم) الله ليس كذلك للمستشرقة الألمانية زيجريد هونكه صـ 40-41


الشاهد من هذا كله
أن الحضارة الإسلامية ظهرت مبكرا قبل دخول الفلسفة وقبل عصر المأمون
و لم تكن مجرد انتصار عسكريا بل حضارة

ومع ذلك فلا أنفي أبدا استيعاب الحضارة الإسلامية بعد ذلك لميراث الحضارات الأخرى فالحضارة الإسلامية ليست بالحضارة الجامدة المتحجرة فقد انفتحت على ثقافات الأمم الداخلة تحت عباءتها واستفادت من علومهم بلا شك ولكن لولا أن الإسلام نفسه ينسجم مع العلم ويحض عليه لكان الحال كحال الغرب في العصور الوسطى



يقول المستشرق الألمانيّ فرانس روزنتال (ليس يكفي الدافع النفعي العملي أو النظري ليعلل لنا ظاهرة العملية الواسعة لترجمة الكتب الأجنبية بل لابد من فهم موقف الدين الإسلامي ذاته من العلم وموقفه هذا كان المحرك الأكبر لا للحياة الدينية فحسب بل للحياة الإنسانية في جميع جوانبها وموقف الإسلام هذا هو الدافع الأكبر في السعي وراء العلوم وفي فتح الأبواب للوصول إلى المعارف الإنسانية ..) نقلا عن كتاب عوامل امتياز الإسلام محمد عمارة صـ 34


إن الإسلام قد فتح باب العلم على مصراعيه
وترك الله تعالى لنا مجالا واسعا للبحث والتأمل
قال تعالى ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق )
فإذا ما اكتشف أحد نظرية الانفجار العظيم أو عمر الأرض أو عمر الإنسان إلخ
غيرها فلن يأتي أحد ويقول له أيها الكافر لقد خالفت النص المقدس الذي يقول إن عمر الإنسان كذا سنة
وعمر الأرض كذا سنة كما هو الواقع في الكتب الأخرى
فلا تعارض عندنا أبدا بين العلم والدين فهما من رب واحد (ألا يعلم من خلق )



تقول كارين أرمسترونج (ويحث القرآن المسلمين على بذل الجهد في مخيلتهم وفي أذهانهم على النظر إلى العالم من حولهم نظرة رمزية (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ....الآية إن القرآن لا يطلب من المسلمين أن يتخلوا عن العقل فالآيات موجهة إلى قوم يعقلون ولقوم يعلمون ...وقد ساعد هذا الاتجاه على تنمية عادة التأمل والاستطلاع الذكي التي مكنت المسلمين من إرساء وتصوير تراث رائع في العلوم الطبيعية والرياضيات ولم ينشأ في يوم من الأيام أي صراع بين البحث العلمي العقلاني وبين الدين في التراث الإسلامي ) كارين أرمسترونج (محمد) صـ 153-154


ثم إن موضوع الإضافة والتطوير هذا شئ طبيعي فالمعرفة الإنسانية معرفة تراكمية مشتركة فلا يوجد شئ اسمه البداية عند اليونان بل إن من فلاسفة اليونان أنفسهم من تعلموا و درسوا في مصر كطاليس وفيثاغورث مثلا و كان أرسطو يرسل تلاميذه مع الإسكندر المقدوني أثناء غزواته ليأتوا له بكل ما شاهدوا في تلك البلاد الشرقية



(فالحضارة نشأت في دائرة الشرق الأوسط القديم مصر والعراق وفينيقيا ثم انتقلت إلى كريت فاليونان فروما ) كما يقول د جمال حمدان الإستراتيجية صـ56


ولكن حضارتنا قد أعطت أكثر مما أخذت وكان لعلمائها ابتكاراتهم الخاصة

وهنا سؤال يطرح نفسه إذا كان الإسلام يحض على العلم فلم تصدى علماء الشريعة لبعض الفلاسفة من أمثال ابن سينا والفارابي بل واتهموهم بالزندقة ؟؟


لابد لنا أولا من تحرير معنى الفلسفة التي أنكرها هؤلاء العلماء

ولكن قبل ذلك أذكرك بما قلته من قبل من أن
الحضارة الوحيدة التي استطاعت إقامة علاقة سوية في التصور والسلوك مع الله
هي حضارة الإسلام
فلن تجد وصفا دقيقا واضحا لله تعالى كما وصف به نفسه في كتابه الكريم ولن تجد إجابات مريحة شافية لأسئلة الإنسان الأزلية إلا في القرآن الكريم (ما الخير ما الشر ولماذا جعل الخير والشر ..... )


والآن نعود لمعنى الفلسفة التي أنكرها العلماء
الفلسفة التي أنكروها وحاربوها ليست التي بمعنى النظر و الاستدلال العقلي
أبدا وإنما المراد هنا
1- المباحث الميتافيزيقية (الإلهيات) 2- المباحث الأخلاقية
هذا الجزء من الفلسفة هو الذي تصدى له علماء الشريعة

أراد بعض الفلاسفة كابن سينا والفارابي وغيرهم ممن تأثروا بفلاسفة اليونان وخاصة أرسطو وأفلاطون أن يدمجوا هذه الفلسفة بالعقدية الإسلامية ويوفقوا بينها ولكن أنى لهم ذلك ؟
فروح الفلسفة اليونانية تختلف عن روح الإسلام كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي


ومباحث فلاسفة اليونان في الأمور الغيبية (الإلهيات)
لا تستند على أدلة و ليس لهم فيها إلا مجرد الخيال الواسع

آمن أرسطو بأزلية المادة وقدم العالم

و بالإله المستقيل الذي أعطى إشارة البدء للكون ثم تنحى منطويا على نفسه كالآلة الصماء الخرساء لا صلة له بالعالم من جهة التدبير ولا من جهة العلم فهو لا يعلم شيئا عن خلقة ولا يعلم إلا نفسه لأن هذا العالم ملئ بالنقائص والعلم به لا يليق بذاته حيث أن الذات تتنزه هن إدراك النقائص !!!


فالإله عند أرسطو عقل مجرد تجريدا تاما فهو عقل محض وماهية مجردة فهو عقل وعاقل ومعقول أما أنه عقل فلأنه ذات مجردة عن المادة فلا تحتجب ذاته بذاته وأما أنه عاقل لذاته فأنه مجرد لذاته وأما أنه معقول لذاته فلأنه غير محجوب عن ذاته بذاته أو ذات غيره وهو يعقل العالم دفعة واحدة وأنه لا يعقل الأشياء


فأين ذلك من العقيدة الإسلامية الواضحة البسيطة
التي أيقظت شعور سام لدى الإنسان بما بينه وبين الخالق عز وجل


وحتى مباحثهم في الطبيعة لم تخلوا من الخرافة والأساطير
فقد أثبتوا للكواكب والأفلاك نفوس عاقلة (آلهة أو وثيقة العلاقة بالآلهة )
كما يقول برتراند راسل في كتابة تاريخ الفلسفة الغربية صـ65


لقد اتهم أرسطو بالإلحاد في نهاية الأمر وحق لهم
فما قيمة هذا الإله الذي لا يعلم شيئا ؟ وما منزلته ؟ وما الفائدة من الإيمان به ؟



كذلك الحال بالنسبة للفلسفة أفلاطون
حيث أنه شطح بخياله في المثل وأنكر العالم المحسوس إلى آخره


ولقد تأثر ابن سينا والفارابي والمعتزلة وغيرهم بهذه الفلسفات فظهرت لهم نظريات غريبة تماما على العقيدة الإسلامية كنظرية الفيض والأفلاك العاقلة وغير ذلك فمنهم من اتجه للإلحاد ومنهم من أنكر النبوات والحشر والميعاد ومنهم من اعتقد بأزلية المادة وأن الله لم يخلق من عدم ناهيك عن تصورهم الفاسد لله تعالى فقد نفوا صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة ليوافقوا كلام أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان وكأن كلامهم وحي من السماء فجعلوا الإله كالصنم الذي لا يبصر ولا يسمع ولا يتكلم بحجة أن العقل يؤيد ذلك !


ولكن أي عقل ؟!


فالعقول تختلف وتتفاوت فأنا قد يتقبل عقلي ما لم تتقبله أنت
والعكس صحيح ولو سيرنا العقيدة بهذا الشكل لضاع الدين
فكل واحد يسرح بعقله كيفما شاء ليخترع ما يشاء من تصور عن الله !


فالله عندهم ليس برحمن ولا برحيم
ولا يحب عبادة ولا يرضى عنهم .....
لأن هذه الصفات تستلزم النقص بحسب عقولهم المريضة
لقد أفسدوا على المسلمين تصورهم وجمدوا العلاقة بين الله تعالى وبين عبادة
وبسببهم كثرت الفرق والنزاعات في أمور الدين وكان ذالك من الأسباب الرئيسية لضعف المسلمين


الغيبيات لا تحس ولا تشاهد ولا يمكن التأكد من صحتها في المعامل والمختبرات
و ليس لنا في الغيبيات إلا محاولة الفهم أما الاختراع والإنشاء فليس من اختصاص العقل


الشاهد أنه لم تكن المشكلة مع الفلاسفة لأجل العلوم التجريبية من طب وكيمياء وحساب بل كانت المشكلة في المباحث الميتافيزيقية
ففي كتاب ربنا ما يغنينا عن هذه الخرافات

يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر سابقا ( إذا كان العلم المادي التجريبي يتأكد منه بالتجربة فما هو مقياس علم الفلسفة ؟ لا شئ ولقد شعر بذلك أرسطو فقام بمحاولات لإيجاد هذا المقياس فكان المنطق )
ثم أخذ يناقش فساد المنطق وأنه ظني لا يفيد اليقين

وقال : (درست الفلسفة في أوربا ثم درستها فترة طويلة من الزمن وخرجت من كل ذلك بم خرج به أسلافنا رضوان الله عليهم ) ( عارض الفلسفة جميع المحدثين وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل كما عارضها كثير من كبار المفكرين وعلى رأسهم ابن تيمية ولقد كان الإمام ابن تيمية فضل كبير وأثر بالغ في بيان فساد علم المنطق الذي كان سائدا في الأوساط الإسلامية منذ أن كان الكندي والفارابي وابن سينا ولقد كتب الإمام ابن تيمية فيه كتبا من أنفس ما يكون وعلى وجه الخصوص كتاب الرد على المنطقيين ولم يقتصر على نقد المنطق وإنما عمل جهده على تسفيه كل فكرة منحرفة من أفكارهم ثم إنه من الذين بينوا في وضوح موافقة المنقول لصريح المعقول وكذلك فعل الإمام ابن حزم فقد نقد أيضا المنطق وتصدى لانحرافات الفلاسفة ..) الفلسفة عبد الحليم محمود صـ3-4


وهنا أسال الذين يزعمون أن الفلسفة هي سبب اختراعات المسلمين وتطورهم
وأن تركها كان السبب لانهيار دولتهم

أقول لهم ما هي القيمة العلمية لهذه المباحث الميتافيزيقية ؟؟
وما علاقة ميتافيزيقا اليونان بالعلوم التجريبية ؟
ما علاقة تطور الهندسة والفيزياء بعقيدة أرسطو في الإله ؟
ما علاقة تطور الطب والكيمياء بعقيدة المثل لأفلاطون ؟
هل سيتطور علم الفلك إذا اعتقدنا بأن في الكواكب نفوس عاقلة كأرسطو؟
هل سيتطور علم الطب إذا أنكرنا العالم المحسوس كأفلاطون ؟
هل سنكتشف ما في الكون إذا اعتقدنا أن أصل الحياة النار الأثيرية كهيرقليطس ؟
ليت الفلاسفة سخروا كل طاقتهم العقلية لدراسة العلوم النافعة من طب وفلك وخلافة
بدلا من الخرافات والأساطير و الجدل في أمور لا طاقة لهم بها

إن الغرب لم ينهض إلا بعد أن طرح المنطق اليوناني العقيم جانبا وأخذ بالمنهج التجريبي

يقول الدكتور مصطفى حلمي (والقياس الأرسطي لا يتضمن إلا شكل الدليل وصورته إذ إن الكليات تقع في النفوس بعد معرفة الجزئيات المعينة أي أن النظريات العلمية العامة لا يتوصل إليها إلا بعد معرفة الجزئيات في العلوم المختلفة والتوصل منها إلى استنباط القانون العام الذي ينتظمها جميعا .... وفي العصر الحديث عارضه –أي أرسطو - مناطقة فلاسفة أمقال بيردي لامي .... وديكارت الذي اتهم القياس الصوري بالعقم والإجداب لأنه يفسر لنا ما نعلمه ولا يكشف لنا عما نجهله وهو نفس ما انتهى إليه جون استيورت مل وكذلك الدكتور زكي نجيب محمود ) أضواء على ثقافة المسلم المعاصر صـ69




ويقول د حسين مؤنس متحدثا عن فرانسيس بيكون (ومن أكبر كتبه التي أحدثت انقلابا في اتجاه الفكر الأوربي كتابه المسمى تقدم التعليم The Advancement of Learning وقد نقض فيه مذهب أرسطو في الوصول إل حقائق الأشياء عن طريق المنطق وحده وقال إن البحث والتجربة وحدهما هما اللذان يصلان بالإنسان إلي علم صحيح ...) الحضارةصـ168-167




يقول الدكتور حسين على ( كان لابد لقيام نهضة علمية من تجاوز نظرة أرسطو إلى الطبيعة فلقد كانت الطبيعة في نظره نسيجا من الجواهر والصور الكيفيات وكان الغرض من العلم هو تصنيف هذه الصور والكشف عن علل ظهورها واختفائها وكان العلم بكل مقوماته الجواهر الصور العلل ثابتا بثبات الطبيعة ذاتها وهكذا كانت العقلية العلمية جامدة لا تنشد أي تغيير في الطبيعة أو أي تقدم علمي .... ومما زاد من وطأة هذا الجمود أنه أضاف إلى البناء العلمي الكيفي بناء ميتافيزيقيا ضخما قوامة المبادئ الأولية والجواهر الثابتة والعلل البعيدة ولقد أكمل هذا البناء بفكرة المحرك الأول الذي يحرك العالم بحركة العشق لا كعلة فاعلة بل كعلة غائية للكون والطبيعة ويقتضينا الإنصاف أن نقول إن سيادة الفكر الأرسطي طوال ما يقرب من ألفي عام وتأخر العلم هذه القرون العديدة لم يكن مسئولية أرسطو المباشرة بقدر ما كانت مسئولية أولئك المفكرين والعلماء الذين سلموا تسليما أعمى بكل ما قال به أرسطو ولم يحاولوا فحصه ونقده ومحالة تجديده ) مفهوم الاحتمال د حسين على صـ35-36


وإن كان علماء الغرب لم يقوموا بالنقد إلا متأخرا فقد قام به علماء الإسلام على أتم وجه
وعملوا بالمنهج التجريبي قبل أن يولد بيكون وأوجست كونت فكانت الإبداعات الإسلامية في مجال العلوم التجريبية

ولم تقتصر الإبداعات الإسلامية على العلوم التجريبية فقط بل كذلك في العلوم الإنسانية والشرعية
وكان المسلمون لقرون حاملين لواء العلم وكانت اللغة العربية لها السيادة المطلقة على العالم لكونها لغة العلم والمعرفة كما


يقول المفكر محمد لإقبال (ولقد كان الإشراقي وابن تيمية هما اللذان نهضا إلى نقد المنطق اليوناني نقدا علميا منظما ولعل أبا بكر الرازي كان أول من نقد الشكل الأول عند أرسطو واعترض عليه باعتراض جاء به في زماننا هذا جون ستيورت مل ....وفي كتال التقريب في حدود المنطق يؤكد ابن حزم أن الحس أصل من أصول العلم ) ويقول مبينا فضل الحضارة الإسلامية على النهضة الحديثة ( ومن أين استقى روجر بيكون ما حصله من العلوم ؟ من الجامعات الإسلامية في الأندلس والقسم الخامس من كتابه Cepus Maius الذي خصصه للبحث في البصريات هو في حقيقة الأمر نسخة من كتاب المناظر لابن الهيثم وكتاب بيكون في جملته شاهد ناطق على تأثره بابن حزم ....أخيرا جاء الاعتراف بهذه الحقيقة وسأتلو عليكم فقرة أو فقرتين من كتاب بناء الإنسانية Making Of Humanity الذي ألفه بريفولت Briffault يقول( إن روجر بيكون درس اللغة العربية والعلم العربي والعلوم العربية في مدارس أكسفورد على خلفاء معلميه العرب في الأندلس وليس لورجر بيكون ولا لسميه الذي جاء بعده الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي فلم يكن روجر بيكون إلا رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميين إلى أوربا المسيحية وهو لم يمل قط من التصريح بأن تعلم معاصريه للغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد للمعرفة الحقة والمناقشات التي دارت حول واضعي المنهج التجريبي هي طرف من التحريف الهائل لأصول الحضارة الأوربية .... فأول نقطة هامة نلاحظها في روح الحضارة الثقافية الإسلامية هي أنها في سبيل الحصول على المعرفة تجعل المحسوس المتناهي نصب أعينها وواضح كذلك أن ظهور منهج الملاحظة والتجربة في الإسلام لم ينشأ عن توافق بين العقل الإسلامي والعقل اليوناني ....... ولهذا فإني أود أن أستأصل تلك الفكرة الخاطئة التي تزعم أن الفكر اليوناني شكل طبيعة الثقافة الإسلامية وقد وقفتم فيما سلف على بعض الأدلة التي سقتها في هذا الصدد وسأضع أمام أنظاركم ما بقى منها ...)التجديد في الفكر الإسلامي صـ156


يقول جون ام هوبسون (أثر الفكر الإسلامي بشكل مباشر على النهضة الأوربية وساعد بوضوح على ثورة أوربا العلمية ففكرة بيكون بأن العلم يجب أن يبنى على التجربة وأن أقصى فائدة يمكن الحصول عليها تأتي عن طريق تقسيم العمل كانت تقريبا نفس المبررات التي أوردها العلماء المسلمون الأوائل وتكاد تكون بنفس الألفاظ ) الجذور الشرقية للحضارة الغربية صـ214


وتقول المشتشرقة الألمانية زيجريد هونكه مبينة مدى إنبهار شباب أوربا بالعلوم العربية في الشرق والغرب
(لقد ساء ذلك الأباء الروحيين النصارى فقد كانوا شهود عيان في الأندلس لقوة جذب المد الروحي والفكري العربي الذي سقط ضحيته رعاياهم النصارى طوعا وعن طيب خاطر يشهد بذلك أسقف قرطبة (ألقارو) الذي راح يجأر بشكواه بكلمات مؤثرة تصور بلواه : (( إن كثيرين من أبناء ديني يقرؤون أساطير العرب ويتدارسون كتابات المسلمين من الفلاسفة وعلماء الدين ليس ليدحضوها وإنما ليتقنوا اللغة العربية ويحسنوا التوسل بها حسب التعبير القويم والذوق السليم وأين نقع اليوم على النصراني من غير المتخصصين – الذي يقرأ التفاسير اللاتينية للإنجيل ؟ بل من ذا الذي يدرس منهم حتى الأناجيل الأربعة والأنبياء ورسائل الرسل ؟ واحسرتاه إن الشبان النصارى جميعهم اليوم الذين لمعوا وبذوا أقرانهم بمواهبهم لا يعرفون سوى اللغة العربية والأدب العربي إنهم يتعمقون دراسة المراجع العربية باذلين في قراءتها ودراستها كل ما وسعهم من طاقة منفقين المبالغ الطائلة في اقتناء الكتب العربية ...))

ثم تقول : (إن أسلوب المعيشة العربي ذاك قد اجتذب إلى فلكه الصليبين إبان وقت قصير كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي (فولشير الشارتي) وها نحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين ثم راح يصور أحاسيسه وقد تملكه الإعجاب بالسحر الغريب لذلك العالم العجيب بما يعبق به من عطر وألوان تبعث النشوة في الوجدان ثم يتساءل بعد ذلك مستنكرا ( أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب ؟! بعد ما أفاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق ) ) الله ليس كذلك صـ 40 -41




ويقول د جمال حمدان في أثناء حديثه عن الكشوفات الجغرافية (غير أن كثيرا من الكتاب الغربيين يحلو لهم أن يردوها إلى حيوية وتطلع غير عادي في شعوب غرب أوربا وإلى حب الاستطلاع ومغامرة وتفوق جنسي هم بمعنى آخر يثيرون تفسيرا عنصريا إلا أن الحقيقة أن أوربا الغربية خرجت إلى الكشوف بسبب عدة ضوابط وضواغط ... فحضاريا لا جدال في أن الكشوف نتيجة من نتائج النهضة الأوربية وهذه بدورها وبالقطع نتيجة من نتائج الاحتكاك الحضاري بالعرب فمن مركز الحضارة العالمية في العصر الوسيط – العالم العربي – تسربت عناصر الحضارة المادية وغير المادية إلى أوربا عبر البحر الأبيض المتوسط مع التجارة والانتقالات ولكن بصورة درامية حاسمة في الحروب الصليبية التي أيقظت أوربا من سباتها وتخلفها ويكفي كمجرد مثال أن نذكر أن أسبانيا ما عرفت البارود والأسلحة النارية التي ستبني بها إمبراطوريتها إلا نقلا عن العرب أثناء صراعها معهم وقد انعطفت أوربا بعد ذلك على ذلك الدرس الحضاري وتمثلته ثم طورته ما شاء لها التطوير وبفضل ذلك التراث وبما فيه من فنون البحر بالذات استطاعت أن تخرج إلى المحيط ) إستراتيجية الاستعمار والتحرير صـ60-61


الآن يأتي أحدهم ويقول : إذا الأمر كما تقول فما الذي جرى وقلب مقاليد الأمور ؟!!

تكلم العديد من المفكرين في أسباب انحطاط الدولة الإسلامية ومن وجهة نظري أرى أن مرجعها إلى أمرين

1 ضعف العقيدة واختلالها 2 فساد الأخلاق

هذين العاملين أديا بدورهما إلى انحلال الدولة في الاتجاهين

الإنحلال الرأسي والإنحلال الأفقي

أما الرأسي فسببه وهن الحكام وجمود سياستهم وافتقادهم للعدل وذاك راجع بالطبع لضعف دينهم وفساد أخلاقهم
وكما يقول ابن تيمية رحمه الله (وأمور الناس تستقيم فى الدنيا مع العدلالذى فيه الاشتراك فى أنواع الاثم أكثر مماتستقيم مع الظلم فى الحقوق ؛ وإن لم تشترك فى إثم ،ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانتمسلمة ،ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم معالظلم والاسلام)

يقول د حسين مؤنس حاكيا انتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين (فلم يكن الانتقال خطوة حضارية إلى الأمام بل رده إلى الوراء وبدلا من أن يعود الحكم إلى الفكر السياسي الإسلامي كما يتجلى في القرآن الكريم وسيرة الرسول ودستور المدينة عاد إلى الوراء واستوحى عهد أردشير وهو وصية كسرى من أكاسرة فارس ... وهي وثيقة موضوعة في الأغلب ولكنها أصبحت دستورا غير مكتوب للحكم الجديد ومعنى ذلك أن دولة الإسلام التي قامت لتمحو التجارب السياسية البالية الماضية وتقيم نظاما جديدا للحكم وقضت في سبيل ذلك على حكم الأكاسرة عادت إلى الحكم الكسروي لأن الإعداد الحضاري لم يسبق الحركة التاريخية .. ومهما قلنا عن التقدم الحضاري الذي حققته الأمة الإسلامية خلال العصر العباسي فقد بقى أهم جانب من جوانب التقدم الحضاري العام جامدا لم يتحرك بل ارتد إلى الوراء ونريد بذلك تقدم الفكر والتطبيق السياسيين وانعدام التقدم في هذين الميدانين جعل بقية وجوه التقدم واهية ضعيفة بطيئة وهذا هو السبب في أن حضارة أمم الإسلام تدهورت لأن الإطار السياسي السليم هو ضمان كل تقدم ومن دونه لا يمكن اطراد مسيرة الحضارة ولو أن المسلمين التزموا بالنظام السياسي المستقي من شريعتهم وسنة رسولهم لما انتكست حضارتهم ولا تدهور مجتمعهم قط ) الحضارة صـ98-99

مع ضعف الحكام وجمود نظامهم السياسي كان لابد للدولة ذات الرقعة الكبيرة أن تتفكك خاصة أن ضخامة الدولة وفرط تراميها في حد ذاته عامل ضعف وتفكك في النهاية

ولكن مع ذلك كانت توجد وحدة حضارية ثقافية فكان علم الشرق (حيث الخلافة) ينتقل إلى الغرب (الأندلس) وكان بإمكان المسلم التنقل بين البلاد الإسلامية كيفما شاء

وأما التفكك الأفقي فسببه تفرق الأمة الواحدة إلى فرق وجماعات

كما يقول الدكتور جما حمدان (ولعل جزءا من السبب في هذا التفتيت أن نطاق العقدية قد اتسع كثيرا عما كان عليه في صدر الإسلام )
بعض الجماعات بدأت سياسية كالشيعة ثم أخذت منحا عقائدي بعد ذلك خاصة مع ترجمة الفلسفات اليونانية والفارسية والهندية
وقد كان ظهور الفرق في بادئ الأمر ضعيفا حيث تصدى لها الصحابة و التابعون بقوة ولكن مع بعد العهد بالنبوة ونشاط حركة الترجمة ودخول الفلسفة وتداخلها مع العقيدة
زادت هذه الفرق وزاد انحرافها وغلوها

فظهرت الإسماعيلية و الحشاشين واختلط علم الكلام لدى المعتزلة بمصطلحات الفلسفة اليونانية وأجبروا الناس في عهد المأمون على القول بخلق القرآن !
ودخلت الخرافات والشعوذة للتصوف بعد ما كان التصوف يقتصر على الزهد والتنسك فظهرت نظريات الحلول والاتحاد والأقطاب إلى غير ذلك
وهناك صور أخرى من صور الانحلال كالجمود المذهبي ووقوف حركة الاجتهاد والتجديد واتساع رقعة الجهل تدريجيا إلى غير ذلك
الشاهد أن الذاتية الإسلامية المتضمنة للعقيدة والسلوك ضعفت لدى الكثيرين وحلت محلها أفكارا فلسفية أجنبية أو مذاهب كلامية متطرفة فأضعفت من أثر العقيدة في النفوس وأخمدت الشعلة المضيئة التي فتح بها الجيل الأول البلاد

وقد تنبأ البني صلى الله عليه وسلم بكل هذا
فأخبرنا بشأن افتراق الأمة وأرشدنا إلى التمسك بما كان عليه هو وأصحابه رضوان الله عليهم

ولكن مع ذلك لم تخل فترة من التاريخ الإسلامي من مجددين قادة أوعلماء يجددون لهذه الأمة دينها

فالحضارة الإسلامية لازالت حية - كما يقول أرنولد توينبي - وإن كانت في دور من أحط أدوارها التاريخية ولكن أصول الإسلام لازالت محفوظة وبإمكان المسلمين أن يرجعوا إليها

يقول د حسين مؤنس في معرض حديثه عن انهيار الحضارات وتوارثها ( ...وحضارات العالم الجديد من أمثال الأندية والأزتيك والمايا التي تلاشت تماما وذابت حضاراتها في كيان الحضارة الغربية التي غزتها و قضت عليها ونستثني من ذلك كله حضارة الإسلام لأن أساسها ليس عنصرا بشريا يناله الضعف والبلى ولكن أساسها العقيدة وهي لا تزال تتجدد وتتعاقب على حمل رايتها الأجيال وأداتها هي اللغة العربية لغة القرآن وبفضله عاشت وقدر لها أن تنجو من الضياع وبفضل الإسلام والعربية ظلت حضارة الإسلام حية لأن العقيدة لا تبلى ما دام هناك من يؤمنون بها وما دامت العقيدة حية في عالم الإسلام فاللغة العربية حية أي أن عنصري الحضارة الإسلامية الأساسيين باقيان لا ينال منهما كر الغداة ومر العشي وتعاقب الأجناس وتغير الظروف وهذا مبحث واسع يحتاج إلى كتاب قائم بذاته فلنكتف بهذا القدر في هذا المجال ) الحضارة صـ24


بالنسبة لموضوع البرجماتية هي مرض من أمراض الحضارة الغربية
فهي امتداد للسوفطائية والرواقية حيث الحقيقة نسبية وتحددها التجربة الإنسانية
فما أتعس البشرية بهذه النظرية التي لا ترحم

إن تعليق الحق على النجاح بصرف النظر عن طبيعة الهدف تجعل من المجتمع غابة من الوحوش الضارية يأكل بعضها بعضا إذ تتنافس على التفوق والغلبة ولا تتفق إرادتها على تحقيق أي قيمة من القيم الفاصلة
العدل والإيثار وغيرها من الفضائل الإنسانية الثابتة في ذاتها

ولعلك ترى ما تقوم به أمريكا في العالم من سرقة ونهب وتدمير وقتل
فلا يهم طالما أنه ذلك يجلب لهم النجاح والازدهار الاقتصادي

نعم هم تفوقوا تكنولوجيا وبنوا حضارة ولكن على حساب من ؟
أنت تعلم طبعا ماذا فعلوا بشعوب القارة الأمريكية الأصليين وتعلم ماذا فعلوا بحق الأفارقة والهنود
تعلم بالتأكيد كيف كانوا يأسرون الأفارقة والهنود في القرن المنصرم ليقاتلوا بالنيابة عنهم في منازعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل انظر مثلا الحرب العالمية الأولى
تعلم أنهم كانوا منذ عهد قريب في القرن الماضي يتلذذون بتعذيب السود وحرقهم أحياءا لمجرد أنهم سود انظر أفلام العنصرية للبي بي سي
تعلم أن فرنسا أجرت تجاربها النووية في الجزائر وتحديدا في رقان ولا يزال الناس هناك بل والأرض إلى الآن يتضررون من الإشعاع
وإلا الآن لم يصدر حتى مجرد اعتذار من فرنسا

انظر كيف يعاملون (الدكتاتوريين) بكل مودة ولكن عندما تتغير مصالحهم يحاربونهم بحجة نشر الديمقراطية

ولو تكلمنا في هذه الأمور لن ننتهي

ثم هل وجد الإنسان الغربي سعادة المنشودة؟
من آثار هذه البرجماتية أنها زادت الضغوط النفسية على الإنسان الغربي مما جعله في قلق و صراع دائم خوفا من أن يداس عليه بالأقدام وهذا مما شجع العنف وزكاه



بالتأكيد أنت تعلم مدى انتشار جرائم الاغتصاب والقتل و المخدرات والشذوذ الجنسي ناهيك عن الانتحار بمعدلات كبيرة


وقد أقلقت هذه الأحوال مفكريهم فباتوا يبحثون عن علاج للإنسان الغربي المريض
والغريب أن تجد من مفكريهم من يصف المخدرات كعلاج ومنهم من يرى أن الخمر تنتج خبرة غامضة إلى حد ما (وعلى فكرة ده وليم جيمس اللي بيقول كده ) بينما يرى آخرين كأرنولد توينبي الحل في الدين ... انظر كتاب ما بعد اللا منتمي لكولن ولسن صـ 209-15-200-



شئ جميل أن يدعو وليم جيمس إلى المثابرة و التحلي بالأمل والشجاعة إلى غير ذلك ولكن وفق أي مبدأ ؟ تلك هي نقطة الخلاف معه فنعتقد بثبات القيم أولا ثم نسير في الطريق بإرادتنا لتحقيقها
وما أجمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (استعن بالله ولا تعجز)


بالنسبة لليابان باختصار شديد
اليابان ما قبل الحرب العالمية شئ وما بعدها شئ آخر
فالنهضة الأولى -والتي انطلقت في حكومة توكوجاوا بعد ما وحد الجزر اليابانية- بدأت بالعزلة الطوعية الشهيرة خوفا من التغريب ومن ثم الاحتلال أو التبعية فقد كان ملك البرتغال يرغب في ضم اليابان لحكمه للحصول على الذهب والفضة واتخذ التبشير كوسيلة لنشر للتغريب في اليابان ولكن حكام اليابان تنبهوا لذلك وقاموا بتصفية دموية لكل المبشرين و المتنصرين وطردهم وفرضوا العزلة التي دامت قرنين تقريبا وفيها تراكمت الثروات المحلية وظهرت شرائح جديدة برجوازية من التجار والحرفيين ثم لما جاء عهد الميجي انفتحوا على الغرب من حيث أخذ التكنولوجيا ورفضوا كل مظاهر التغريب


كان اليابانيون يفتخرون بأنفسهم يحتقرون الأوربيين معتبرين إياهم برابرة خاصة أنهم - (الأوربيون التجار الذين وصلوا اليابان ) - كانوا لا يستحمون لعدة أشهر في حين كان الياباني يستحم بصورة شبه يومية كانوا ينظرون إلى أنوف الأوربيين الطويلة مستقبحين أيها



أما اليابان بعد الحرب العالمية الثانية فكما تقول أخي
ولكن طبقا للبرجماتية الأمريكية فإن مساعدة أمريكا لليابان وغير اليابان لن تكون بلا ثمن
يمكننا القول بأن اليابان بعد الحرب أصبحت محمية عسكرية بلا سيادة ولا كرامة
أو كما يقول أحد اليابانيين (اليابان أضحت إحدى الولايات الأميركية)


فهي القاعدة الأمامية لأمريكا في المحيط الهادي
و منعها الأمريكيون من تكوين جيش ووضعوها تحت الحماية الأمريكية
وقاموا بتمليك السلطة لأناس فاسدين كان من المفترض أنهم أتوا بعد الحرب لتطهيرهم

وقمعوا المعارضة السياسية لخوفهم من أن تنال اليابان سيادتها الحقيقة فتختار الحياد في الحرب الباردة كسويسرا ناهيك عن عبث الجنود الأمريكان ووقاحتهم ولعلك تعلم عن قصة اغتصاب الفتاة اليابانية ذات 12 سنة من ثلاثة جنود أمريكان في قاعدة أمريكية عسكرية في جنوب اليابان

يقول باتريك سمث عن يابان ما بعد الحرب ( فساد مستشر , سيطرة السوق تتملك كل شئ , مدمرة بيئيا , الفردية فيها تختنق , متعثرة سياسيا , بلا قيادة , عاجزة عن اتخاذ القرارات ) صـ25 اليابان رؤية جديدة



ويقول (وقد درجت اليابان على تأييد الأهداف الأمريكية حتى ولو كانت تتعارض مع المصالح اليابانية ونحن نتظاهر بأننا مقتنعون بأن اليابان دولة مستقلة لكنها أساسا ليست إلا محمية عسكرية وهو أمر يدركه اليابانيون كما تدركه غالبية الأمم الأخرى إلا الأمريكيين وتوسيع النفوذ الأمريكي في الداخل أيضا فقد فعلت أمريكا في اليابان بعد الاحتلال ما كانت تفعله في كثير من دول العالم الثالث أثناء الحرب الباردة على مدى حوالي عشرين عاما حيث قدمت دعما نشيطا وإن يكن غير معلن للنخبة السياسية التي كانت قد أعادتها إلى السلطة العام 1948 ثم دعت بقية العالم لكي يتظاهروا مع الأمريكيين بأن اليابان دولة تعمل فيها الديمقراطية بشكل جيد ) صـ28



(كان هذا شبيها بالمنطق الذي استخدم أثناء الحرب الفيتنامية حيث كنا نحرق القرى من أجل إنقاذها فنحن هنا نقلب الديمقراطية من أجل إنقاذها ) صـ29



ولقد أثرت الثقافة الأمريكية على المجتمع الياباني فلم يعد هو ذلك المجتمع المترابط الذي يقدس العلاقات الأسرية ولم تعد الأسرة الممتدة التي تجمع بين ثلاثة أجيال (الأجداد والأبناء والأحفاد) هي النمط السائد في اليابان، فيعيش الأقارب بعيدين بعضهم عن بعض. وفي الغالب لا يسمح الوقت وارتباطات العمل بالزيارات العائلية ولذا تفككت الأواصر الأسرية كما أن مبادئ حسن الجوار التي كانت سائدة في الماضي قد تلاشت بتلاشي القيم التقليدية. وأصبح الأب يخصص وقتاً قصيراً لعائلته بسبب انشغاله ومال المراهقون إلى استخدام العنف


ولعلك تعجب إذا علمت أن الشعب الياباني من أكثر شعوب العالم انتحارا
فأكثر من 34 ألف شخص قتلواأنفسهم خلال عام 2003 وحده بحسب موقع البي بي سي



في النهاية أعيد وأكرر و أقول


إنني أحترم وأقدرالجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية


وأرى أنه عليناالاستفادة منها واستيعابها


ولكن دون أن نفقد هويتنا ودن أن نحقر من حضارتنا