ملاحظات حول الييبرالية
ملحوظات حول الليبرالية
العلمانية الليبرالية شأنها شأن المحافظة أو التدين تتوزعها مدارس و اتجاهات كثيرة ذات تباينات و اختلافات فيما بينها.و لهذا يفترض عند تناولها في عمومها أو التركيز على اتجاه بعينه من بين اتجاهاتها،بأن ذلك لا يتضمن التنكر للتباين و التعدد داخل العائلة الليبرالية.
لا تتطرق هذه الملحلوظات للأصل الفلسفي و المعرفي الذي يمكن إرجاع الليبرالية إليه أو الذي انحدرت منه.على أن هذه الورقة ستركز على خطورة الفكر الليبرالي على المجتمعات المعاصرة و الأجيال القادمة،لا سيما في تناولها لعلاقات الأفراد بالأفراد الاخرين، أو العلاقات بين المرأة و الرجل،أو أطروحاتها حول العائلة و التعليم و تربية الأطفال و حول الجريمة و العقوبة أو حول العلاقات الجنسية داخل الجنس الواحد.و تقدم الليبرالية موضوعاتها حول هذه القضايا تحت رايات الحداثة العصرية و التقدم و ما فوق الحداثة أو رايات حقوق الإنسان و حقوق المرأة،و حقوق الطفل و غيرها.
إن نقطة القوة الظاهرة في تأسيس شعاراتها تكمن فيما توجهه من نقد للفكر السياسي المحافظ،و للتقاليد الاجتماعية و القيم الدينية المطبقة في حياة الناس،مثل نقد التمييز العنصري ،أو التمييز ضد الأقليات أو مظاهر استبداد الرجل في العائلة،أو مظاهر النفاق الاجتماعي و الازدواجية في المعايير الأخلاقية،أو ما يتعرض له الصغار من إساءات على يد الآباء أو الأساتذة،أو جمود بعض طرق التعليم التقليدية.و ينال موضوع اضطهاد المرأة و التمييز ضدها حيزا و اسعا في النقد الليبرالي للفكر المحافظ،أو للتقاليد الاجتماعية أو للقيم الدينية المطبقة واقعيا.و تقدم ذلك كله باعتباره تقييدا للعقل و تكبيلا للفرد و انتهاكا لحقوق الإنسان و جمودا أمام التطور و من ثم تقدم الليبرالية نفسها حركة تحريرية تحرر الفرد و العقل و الإنسان و المجتمع و تمثل الحداثة و العصرنة و التقدم و المستقبل.
بيد أن الاشكال هنا لا يتمثل فيما تقدمه من نقد للسلبيات المذكورة وإن كان هنالك ما يؤخذ على أن كثيرا من ذلك النقد يتسم بأحادية الجانب و السطحية و التعميم المخل،و إنما يتمثل في الإشكال في البدائل المقترحة.فالنقد هنا،يقوم على بدائل مرتجلة مقطوعة الأواصر مع كل ما هو قبلها.فالليبرالية تضع المجتمع أمام مجهول في كل الميادين لا يستند إلى تجربة تاريخية و لم يخرج من امتحان الحياة.و إذا جاءت نتائج التطبيق العلمي خطيرة و مدمرة،أو أسوأ بكثير مما كان عليه الحال الذي هدم،فهنالك بديل آخر يتسم بما اتسم به الأول من ارتجالية و دخول في المجهول.
فالمدرسة الليبرالية التي تتسم بما تقدم لا يمكن اعتبار مشروعها أو مشاريعها خطى في طريق التقدم أو المعاصرة،فهي ليست بالحركة التجديدية لأنها قطيعة مع الماضي،و محاولة تطئ كل الصفحات (كل التجارب التاريخية و المرجعيات الدينية) لتخط على صفحة بيضاء تجربة فردية أو اجتماعية لا علاقة لها بتلك الصفحات سوى الموقف النقدي التقديمي العدائي.
من كتاب الحداثة و الخطاب الحداثي للأستاذ منير شفيق
يتبع..
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم
Bookmarks