النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: المنافقـون

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي المنافقـون

    المنافقـون

    نزلت سورة لتفضحهم الا وهي التوبة وسميت سورة اخرى باسمهم "المنافقون" وذلك لما لهم من اضرار على الدين والمجتمع

    وفي اللسان " المُنافق في الدين والنِّفاق بالكسر فعل المنافِق والنِّفاقُ الدخول في الإسلام من وَجْه والخروُج عنه من آخر مشتقّ من نَافِقَاء اليربوع- ينفق فيه أي يدخل في النفق- وقد نافَقَ مُنافَقَةً ونِفاقاً وقد تكرر في الحديث ذكر النِّفاق وما تصرّف منه اسماً وفعلاً
    وهو اسم إسلاميّ لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به وهو الذي يَسْترُ كُفْره ويظهر إيمانَه وإن كان أَصله في اللغة معروفاً يقال نافَقَ يُنافِق مُنافقة ونِفاقاً وهو مأْخوذ من النافقاء لا من النَّفَق وهو السَّرَب الذي يستتر فيه لستره كُفْره"

    قلت وقال اقوام انه كذلك لما له من ابطان المآرب التي لا تظهر


    فعن عمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" ابوداود وصححه الالباني

    قال النووي " هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة
    قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الناس فهو محمود.."


    وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل" المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد" مسلم

    قال النووي" وأما ( تميلها وتفيئها ) فمعنى واحد ، ومعناه : تقلبها الريح يمينا وشمالا ، ومعنى ( تصرعها ) تخفضها ، و ( تعدلها ) بفتح التاء وكسر الدال ، أي : ترفعها ، ومعنى ( تهيج ) تيبس . وقوله صلى الله عليه وسلم ( تستحصد ) بفتح أوله وكسر الصاد ضبطناه ... أي : لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه . وأما ( الأرزة ) فبفتح الهمزة وراء ساكنة ثم زاي ، هذا هو المشهور في ضبطها... قال أهل اللغة والغريب : شجر معروف يقال له : الأرزن يشبه شجر الصنوبر ، بفتح الصاد يكون بالشام وبلاد الأرمن ، وقيل : هو الصنوبر . وأما ( المجذبة ) فبميم مضمومة ثم جيم ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ، وهي الثابتة المنتصبة ، يقال منه : جذب يجذب وأجذب يجذب والانجعاف : الانقلاع .
    قال العلماء : معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله ، وذلك مكفر لسيئاته ، ورافع لدرجاته ، وأما الكافر فقليلها ، وإن وقع به شيء لم يكفر شيئا من سيئاته ، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة ."



    صفاتهـم...

    "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" البقرة 14-15

    وللاسف هي صورة منتشرة بشكل بشع تجده ان رأى أهل الصلاة تظاهر بأنه من أهلها وإن رأى أهل الصلاح تظاهر انه منهم فتارة يلهج بذكر الله واخرى يتصنع الخشوع وهكذا ... فما هي الا دقيقات حتى تراه يعض على سيجارته ويخوض في أعراضهم...



    يقول الله "الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " النساء 141-143


    قال ابن كثير " يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكفر عليهم، وذهاب ملتهم { فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ } أي: نصر وتأييد وظَفَر وغنيمة { قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } أي: يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة { وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإنّ الرسل تبتلى ثم يكون لها العاقبة { قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } أي: ساعدناكم في الباطن، وما ألوناهم خبالا وتخذيلا حتى انتصرتم عليهم.
    وقال السدي: { نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ } نغلب عليكم، كقوله: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ } [المجادلة: 19] وهذا أيضًا تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء؛ ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وقلة إيقانهم.


    قال الله تعالى: { فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أي: بما يعلمه منكم -أيها المنافقون-من البواطن الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهرًا في الحياة الدنيا، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويُحَصَّل ما في الصدور...

    ويحتمل أن يكون المراد: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا } أي: في الدنيا، بأن يُسَلَّطُوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر: 51، 52].

    وعلى هذا فيكون ردا على المنافقين فيما أملوه وتربصوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين، خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } [المائدة: 52] ...

    وقوله: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إَلا قَلِيلا } هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها...

    وقوله: { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ } يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك { كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } الآية [البقرة: 20].


    قال السعدي " { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } أي: مترددين بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين. فلا من المؤمنين ظاهرا وباطنا، ولا من الكافرين ظاهرا وباطنا. أعطوا باطنهم للكافرين وظاهرهم للمؤمنين، وهذا أعظم ضلال يقدر. ولهذا قال: { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } أي: لن تجد طريقا لهدايته ولا وسيلة لترك غوايته، لأنه انغلق عنه باب الرحمة، وصار بدله كل نقمة.

    فهذه الأوصاف المذمومة تدل بتنبيهها على أن المؤمنين متصفون بضدها، من الصدق ظاهرا وباطنا، والإخلاص، وأنهم لا يجهل ما عندهم، ونشاطهم في صلاتهم وعباداتهم، وكثرة ذكرهم لله تعالى. وأنهم قد هداهم الله ووفقهم للصراط المستقيم. فليعرض العاقل نفسه على هذين الأمرين وليختر أيهما أولى به، وبالله المستعان."


    وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان"
    بخاري

    قال الحافظ في الفتح" في الحديث ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانه منحصر في ثلاث القول والفعل والنيه فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانه وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق..."


    قد تكون فيك خصلة فاجتهد بالتخلص منها...


    عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" متفق عليه

    ( وإذا خاصم فجر ) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب قال أهل اللغة وأصل الفجور الميل عن القصد

    قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم " ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم" إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار "وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم "وقال صلى الله عليه و سلم "إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" وقال صلى الله عليه وسلم "إن من البيان لسحرا "

    فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله.."


    وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان" احمد وقواه الارناؤوط
    قال المناوي " أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب فاسد العقيدة يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب تباعه خلق كثير في الزلل..."


    عقوبتهم...

    يقول الله"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " النساء 138-139

    ويقول ايضا"إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " النساء 145

    وقال"وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم" التوبة 68


    مدى أضرارهم وتحطيمهم الهمم ...

    "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين " الفاضحة 47

    قال القرطبي " هو تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم
    والخبال : الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف وهذا استثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال وقيل : المعنى لا يزودوكم فيما يترددون فيه من الرأي إلا خبالا فلا يكون الاستثناء منقطعا

    قوله تعالى : " ولأوضعوا خلالكم " المعنى لأسرعوا فيما بينكم بالإفساد والإيضاع سرعة السير وقال الراجز
    يا ليتني فيها جذع --- أخب فيها وأضع
    " يبغونكم الفتنة " مفعول ثان والمعنى يطلبون لكم الفتنة أي الإفساد والتحريض...
    " وفيكم سماعون لهم "... وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم..."


    ويقول الله "المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون" التوبة 67
    هذا شأنهم وديدنهم الاجتماع على النجاسات والتلذذ بها فهم داعون للرذائل ناهون عن الفضائل ...

    قال السعدي " لأنهم اشتركوا في النفاق، فاشتركوا في تولي بعضهم بعضا، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم.
    ثم ذكر وصف المنافقين العام، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير، فقال: { يأمرون بالمنكر } وهو الكفر والفسوق والعصيان.
    { وينهون عن المعروف } وهو الإيمان، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، والآداب الحسنة. { ويقبضون أيديهم } عن الصدقة وطرق الإحسان، فوصفهم البخل.
    { نسوا الله } فلا يذكرونه إلا قليلا { فنسيهم } من رحمته، فلا يوفقهم لخير، ولا يدخلهم الجنة، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار، خالدين فيها مخلدين.

    { إن المنافقين هم الفاسقون } حصر الفسق فيهم، لأن فسقهم أعظم من فسق غيرهم، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم، وأن المؤمنين قد ابتلوا بهم، إذ كانوا بين أظهرهم، والاحتراز منهم شديد.
    { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم } جمع المنافقين والكفار في النار، واللعنة والخلود في ذلك، لاجتماعهم في الدنيا على الكفر، والمعاداة لله ورسوله، والكفر بآياته."


    فضرب بينهم بسور له باب...

    انتهت الدنيا وسقطت الاقنعة الزائفة وبليت الاعمال الخاوية الا ما كان منها خالصا لله الواحد القهار وفق ما أراد وشرع
    وتفرق الجمع وتميز الفريقان وظهر أصحاب الأعمال المخبئة والصلاة المسدلة بسدل الليل متوجهين بها الى من يرفع اليه عمل النهار قبل عمل الليل فشتان شتان بين المؤمن التقي والمنافق الشقي قبحه الله ما اخزاه
    وظهر الصادقون بصدقهم وخُزي الدجالون بكذبهم وأضيئت وجوه المتوضئين وأظلمت وجوه المسيئين

    قال الله " { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير } الحديد

    قال السعدي " يقول تعالى -مبينا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامة-: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } أي: إذا كان يوم القيامة، وكورت الشمس، وخسف القمر، وصار الناس في الظلمة، ونصب الصراط على متن جهنم، فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بأيمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب، كل على قدر إيمانه، ويبشرون عند ذلك بأعظم بشارة فيقال: { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم } فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم، وألذها لنفوسهم، حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب، ونجوا من كل شر ومرهوب

    فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين، قالوا للمؤمنين: { انظرونا نقتبس من نوركم } أي: أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به، لننجو من العذاب، فـ { قيل } لهم: { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } أي: إن كان ذلك ممكنا، والحال أن ذلك غير ممكن، بل هو من المحالات، { فضرب } بين المؤمنين والمنافقين { بسور } أي: حائط منيع، وحصن حصين، { له باب باطنه فيه الرحمة } وهو الذي يلي المؤمنين { وظاهره من قبله العذاب } وهو الذي يلي المنافقين، فينادي المنافقون المؤمنين، فيقولون لهم تضرعا وترحما: { ألم نكن معكم } في الدنيا نقول: { لا إله إلا الله } ونصلي ونصوم ونجاهد، ونعمل مثل عملكم؟
    { قالوا بلى } كنتم معنا في الدنيا، وعملتم في الظاهر مثل عملنا، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين، من غير إيمان ولا نية صادقة صالحة، بل { فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم } أي: شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا، { وغرتكم الأماني } الباطلة، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين، وأنتم غير موقنين، { حتى جاء أمر الله } أي: حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة.

    { وغركم بالله الغرور } وهو الشيطان، الذي زين لكم الكفر والريب، فاطمأننتم به، ووثقتم بوعده، وصدقتم خبره.
    { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } فلو افتديتم بمثل الأرض ذهبا ومثله معه، لما تقبل منكم، { مأواكم النار } أي: مستقركم، { هي مولاكم } التي تتولاكم وتضمكم إليها، { وبئس المصير } النار."
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    تحذيرات وتنبيهاته وتعرية لهم ...

    قال ابن القيم في المدارج " وأما النفاق : فالداء العضال الباطن الذى يكون الرجل ممتلئا منه وهو لا يشعر فإنه أمر خفي على الناس وكثيرا ما يخفى على من تلبس به فيزعم أنه مصلح وهو مفسد ...

    وفي المنافقين ثلاث عشرة آية لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله فإن بلية الإسلام بهم شديدة جدا لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ! وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ! وكم من علم له قد طمسوه ! وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه ! وكم ضربوا بمعاول الشبه فى أصول غراسه ليقلعوها ! وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها !

    فلا يزال الإسلام وأهله منهم فى محنة وبلية ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية ويزعمون أنهم بذلك مصلحون "ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون البقره : 12 يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون "الصف : 8

    اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون "وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون "المؤمنون : 53 "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا الأنعام : 112 ولأجل ذلك "اتخذوا هذا القرآن مهجورا الفرقان : 30 درست معالم الإيمان في قلوبهم فليسوا يعرفونها ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها وأفلت كواكبه النيرة من قلوبهم فليسوا يحيونها وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم فليسوا يبصرونها لم يقبلوا هدى الله الذي أرسل به رسوله ولم يرفعوا به رأسا ولم يروا بالإعراض عنه إلى آرائهم وأفكارهم بأسا خلعوا نصوص الوحي عن سلطنة الحقيقة وعزلوها عن ولاية اليقين وشنوا عليها غارات التأويلات الباطلة فلا يزال يخرج عليها منهم كمين بعد كمين نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام فقايلوها بغير ما ينبغي لها من القبول والإكرام وتلقوها من بعيد ولكن بالدفع فى الصدور منها والأعجاز وقالوا : ما لك عندنا من عبور ...

    لبسوا ثياب أهل الإيمان على قلوب أهل الزيغ والخسران والغل والكفران فالظواهر ظواهر الأنصار والبواطن قد تحيزت إلى الكفار فألسنتهم ألسنة المسالمين وقلوبهم قلوب المحاربين ويقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين البقره رأس مالهم الخديعة والمكر وبضاعتهم الكذب والختر وعندهم العقل المعيشي أن الفريقين عنهم راضون وهم بينهم آمنون" يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون "البقره : 9

    قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك فعجز عنه الأطباء العارفون" في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" البقره : 10 من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق ومن تعلق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق ففسادهم في الأرض كثير وأكثر الناس عنه غافلون" وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا : إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون "البقره : 112

    المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر مبخوس حظه من المعقول والدائر مع النصوص عندهم كحمار يحمل أسفارا فهمه في حمل المنقول وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة وما هو عندهم بمقبول وأهل الاتباع عندهم سفهاء فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم يتطيرون "وإذا قيل لهم : آمنوا كما آمن الناس قالوا : أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون "البقره : 13

    لكل منهم وجهان وجه يلقى به المؤمنين ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين وله لسانان : أحدهما يقبله بظاهره المسلمون والآخر يترجم به عن سره المكنون "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا : إنا معكم إنما نحن مستهزئون" البقره : 14

    قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاء بأهلهما واستحقارا وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحا بما عندهم من العلم الذى لا ينفع الاستكثار منه أشرا واستكبارا فتراهم أبدا بالمتمسكين بصريح الوحى يستهزئون "الله يستهزىء بهم ويمدهم فى ظغيانهم يعمهون "البقره : 15

    خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات فركبوا مراكب الشبه والشكوك تجري بهم في موج الخيالات فلعبت بسفنهم الريح العاصف فألقتها بين سفن الهالكين" أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين "البقره : 16 أضاءت لهم نار الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقع الهدى والضلال ثم طفىء ذلك النور وبقيت نارا تأجج ذات لهب واشتعال فهم بتلك النار معذبون وفي تلك الظلمات يعمهون" مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله : ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون "البقره : 17

    أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر فهي لا تسمع منادي الإيمان وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى فهي لا تبصر حقائق القرآن وألسنتهم بها خرس عن الحق فهم به لا ينطقون" صم بكم عمي فهم لا يرجعون "البقره : 18 صاب عليهم صيب الوحي وفيه حياة القلوب والأرواح فلم يسمعوا منه إلا رعد التهديد والوعيد والتكاليف التي وظعت عليهم في المساء والصباح فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وجدوا فى الهرب والطلب فى آثارهم والصياح فنودي عليهم على رءوس الأشهاد وكشفت حالهم للمستبصرين وضرب لهم مثلان بحسب حال الطائفتين منهم : المناظرين والمقلدين فقيل : "أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين" البقره : 19

    ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصيب من بروق أنواره وضياء معانيه وعجزت أسماعهم عن تلقي وعوده وعيده وأوامره ونواهيه فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التيه لا ينتفع بسمعه السامع ولا يهتدي ببصره البصير" كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير "البقره : 20 لهم علامات يعرفون بها مبينة في السنة والقرآن بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان قام بهم والله الرياء وهو أقبح مقام قامه الإنسان وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلا" وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا النساء : 142

    أحدهم كالشاة العائرة بين الغنمين تيعر إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تستقر مع إحدى الفئتين فهم واقفون بين الجمعين ينظرون أيهم أقوى وأعز قبيلا "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا "النساء : 143 يتربصون الدوائر بأهل السنة والقرآن فإن كان لهم فتح من الله قالوا : إلم تكن معكم واقسموا على ذلك بالله جهد ايمانهم وان كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا : ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم وان النسب بيننا قريب فيا من يريد معرفتهم ! خذ صفتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلا : الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا النساء

    يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه ويشهد الله على ما في قلبه من كذبه ومينه فتراه عند الحق نائما وفي الباطل على الأقدام فخذ وصفهم من قول القدوس السلام : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام "البقره : 204 أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد" وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" البقره : 205

    فهم جنس بعضه يشبه بعضا يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه كم ذكرهم الله بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليتجنبوه فاسمعوا أيها المؤمنون " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا لله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون "التوبه : 67 إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله رأيتهم عنه معرضين

    فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدا بعيدا ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضا شديدا وإذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا" النساء : 61 فكيف لهم بالفلاح والهدى بعد ما أصيبوا في عقولهم وأديانهم وأنى لهم التخلص من الضلال والردى ! وقد اشترا الكفر بإيمانهم فما أخسر تجارتهم البائرة ! وقد استبدلوا بالرحيق المختوم حريقا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله : إن أردنا لا إحسانا وتوفيقا النساء : 62 نشب زقوم الشبه والشكوك فى قلوبهم فلا يجدون له مسيغا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا النساء : 63

    تبا لهم ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان ! وما أكذب دعواهم للتحقيق والعرفان فالقوم فى شأن وأتباع الرسول في شأن لقد أقسم الله جل جلاله في كتابه بنفسه المقدسة قسما عظيما يعرف مضمونه أولو البصائر فقلوبهم منه على حذر إجلالا له وتعظيما فقال تعالى تحذيرا لأوليائه وتنبيها على حال هؤلاء وتفهيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما تسبق يمين أحدهم كلامه من غير أن يعترض عليه لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه فيتبرأ بيمينه من سوء الظن به وكشف ما لديه وكذلك أهل الريبة يكذبون ويحلفون ليحسب السامع أنهم صادقون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون المنافقون : 2

    تبا لهم برزوا إلى البيداء مع ركب الإيمان فلما رأوا طول الطريق وبعد الشقة نكصوا على أعقابهم ورجعوا وظنوا أنهم يتمتعون بطيب العيش ولذة المنام في ديارهم فما متعوا به ولا بتلك الهجعة انتفعوا فما هو إلا أن صاح بهم الصائح فقاموا عن موائد أطعمتهم والقوم جياع ما شبعوا فكيف حالهم عند اللقاء وقد عرفوا ثم أنكروا وعموا بعد ما عاينوا الحق وأبصروا
    "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون "المنافقون : 3

    أحسن الناس أجساما وأخلبهم لسانا وألطفهم بيانا وأخبثهم قلوبا وأضعفهم جنانا فهم كالخشب المسندة التى لا ثمر لها قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها لئلا يطأها السالكون "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم ! قاتلهم الله أنى يؤفكون "المنافقون : 4

    يؤخرون الصلاة عن وقتها الأول إلى شرق الموتى فالصبح عند طلوع الشمس والعصر عند الغروب وينقرونها نقر الغراب إذ هي صلاة الأبدان لا صلاة القلوب ويلتفتون فيها التفات الثعلب إذ يتيقن أنه مطرود مطلوب ولا يشهدون الجماعة بل إن صلى أحدهم ففي البيت أو الدكان وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان هذه معاملتهم للخلق وتلك معاملتهم للخالق فخذ وصفهم من أول المطففين وآخر والسماء والطارق الطارق : 1 فلا ينبئك عن أوصافهم مثل خبير "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير "التوبه : 73

    فما أكثرهم ! وهم الأقلون وما أجبرهم ! وهم الأذلون وما أجهلهم ! وهم المتعالمون وما أغرهم بالله ! إذ هم بعظمته جاهلون "ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون "التوبة : 56 إن أصاب أهل الكتاب والسنة عافية ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمهم وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحص به ذنوبهم ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم ولا يستوي من موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون" إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا : قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل : لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" التوبه

    وقال تعالى فى شأن السلفين المختلفين والحق لا يندفع بمكابرة أهل الزيغ والتخليط "إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط "آل عمران : 120 كره الله طاعاتهم لخبث قلوبهم وفساد نياتهم فثبطهم عنها وأقعدهم وأبغض قربهم منه وجواره لميلهم إلى أعدائه فطردهم عنه وأبعدهم وأعرضوا عن وحيه فأعرض عنهم وأشقاهم وما أسعدهم وحكم عليهم بحكم عدل لا مطمع لهم في الفلاح بعده إلا أن يكونوا من التائبين فقال تعالى ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ثم ذكر حكمته في تثبيطهم وإقعادهم وطردهم عن بابه وإبعادهم وأن ذلك من لطفه بأوليائه وإسعادهم فقال وهو أحكم الحاكمين "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين "

    ثقلت عليهم النصوص فكرهوها وأعياهم حملها فألقوها عن أكتافهم ووضعوها وتفلتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها وصالت عليهم نصوص الكتاب والسنة فوضعوا لها قوانين ردوها بها ودفعوها ولقد هتك الله أستارهم وكشف أسرارهم وضرب لعباده أمثالهم واعلم أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم فذكر أوصافهم لأوليائه ليكونوا منها على حذر وبينها لهم فقال ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم
    هذا شأن من ثقلت عليه النصوص فرآها حائلة بينه وبين بدعته وهواه فهي في وجهه كالبنيان المرصوص فباعها بمحصل من الكلام الباطل واستبدل منها بالفصوص فأعقبهم ذلك أن أفسد عليهم إعلانهم وإسرارهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم
    أسروا سرائر النفاق فأظهرها الله على صفحات الوجوه منهم وفلتات اللسان ووسمهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها على أهل البصائر والإيمان وظنوا أنهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجوا على الصيارف والنقاد كيف والناقد البصير قد كشفها لكم أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم
    فكيف إذا جمعوا ليوم التلاق وتجلى الله جل جلاله للعباد وقد كشف عن ساق ودعوا إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون أم كيف بهم إذا حشروا إلى جسر جهنم وهو أدق من الشعرة وأحد من الحسام وهو دحض مزلة مظلم لا يقطعه أحد إلا بنور يبصر به مواطيء الأقدام فقسمت بين الناس الأنوار وهم على قدر تفاوتها في المرور والذهاب وأعطوا نورا ظاهرا مع أهل الإسلام كما كانوا بينهم في هذه الدار يأتون بالصلاة والزكاة والحج والصيام فلما توسطوا الجسر عصفت على أنوارهم أهوية النفاق فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور فضرب بينهم وبين أهل الإيمان بسور له باب

    ولكن قد حيل بين القوم وبين المفاتيح باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة وما يليهم من قبلهم العذاب والنقمة ينادون من تقدمهم من وفد الإيمان ومشاعل الركب تلوح على بعد كالنجوم تبدو لناظر الإنسان انظرونا نقتبس من نوركم لنتمكن في هذا المضيق من العبور فقد طفئت أنوارنا ولا جواز اليوم إلا بمصباح من النور" قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا "حيث قسمت الأنوار فهيهات الوقوف لأحد في مثل هذا المضمار كيف نلتمس الوقوف في هذا المضيق فهل يلوي اليوم أحد على أحد في هذا الطريق وهل يلتفت اليوم رفيق إلى رفيق فذكروهم باجتماعهم معهم وصحبتهم لهم في هذه الدار كما يذكر الغريب صاحب الوطن بصحبته له في الأسفار ألم نكن معكم نصوم كما تصومون ونصلي كما تصلون ونقرأ كما تقرؤون ونتصدق كما تصدقون ونحج كما تحجون فما الذي فرق بيننا اليوم حتى انفردتم دوننا بالمرور

    قالوا بلى ولكنكم كانت ظواهركم معنا وبواطنكم مع كل ملحد وكل ظلوم كفور "ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير "لا تستطل أوصاف القوم فالمتروك والله أكثر من المذكور كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم لكثرتهم على ظهر الأرض وفي أجواف القبور فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات وتتعطل بهم أسباب المعايش وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات سمع حذيفة رضي الله عنه رجلا يقول اللهم أهلك المنافقين فقال يا ابن أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك

    تالله لقد قطع خوف النفاق قلوب السابقين الأولين لعلمهم بدقة وجله وتفاصيله وجمله ساءت ظنونهم بنفوسهم حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما يا حذيفة نشدتك بالله هل سماني لك رسول الله منهم قال لا ولا أزكي بعدك أحدا

    وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل ذكره البخاري

    وذكر عن الحسن البصري ما أمنه إلا منافق وما خافه إلا مؤمن ولقد ذكر عن بعض الصحابة أنه كان يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن يرى البدن خاشعا والقلب ليس بخاشع
    تالله لقد ملئت قلوب القوم إيمانا ويقينا وخوفهم من النفاق شديد وهمهم لذلك ثقيل وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم وهم يدعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل
    زرع النفاق ينبت على ساقيتين ساقية الكذب وساقية الرياء ومخرجهما من عينين عين ضعف البصيرة وعين ضعف العزيمة فإذا تمت هذه الأركان الأربع استحكم نبات النفاق وبنيانه ولكنه بمدارج السيول على شفا جرف هار فإذا شاهدوا سيل الحقائق يوم تبلى السرائر وكشف المستور وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور تبين حينئذ لمن كانت بضاعته النفاق أن حواصله التي حصلها كانت كالسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب
    قلوبهم عن الخيرات لاهية وأجسادهم إليها ساعية والفاحشة في فجاجهم فاشية وإذا سمعوا الحق كانت قلوبهم عن سماعه قاسية وإذا حضروا الباطل وشهدوا الزور انفتحت أبصار قلوبهم وكانت آذانهم واعية

    فهذه والله أمارات النفاق فاحذرها أيها الرجل قيل أن تنزل بك القاضية إذا عاهدوا لم يفوا وإن وعدوا أخلفوا وإن قالوا لم ينصفوا وإن دعوا إلى الطاعة وقفوا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدفوا وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا فذرهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران فلا تثق بعهودهم ولا تطمئن إلى وعودهم فإنهم فيها كاذبون وهم لما سواها مخالفون ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه بما كانوا يكذبون "
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    العلاج من هذا المرض..

    ما من داء الا وله دواء ولكن المرض يكمن في المريض وفي ارادته للشفاء اما اذا تشرب قلبه هذا المرض فأنى له الشفاء فلا بد من تشخيص المرض وتبين عواره حتى يعزم على مفارقته
    ومن العلاج:

    1- قراءة كتاب الله وحفظه وتدبره ودراسته ففيه الهدى والرشاد والعافية والشفاء والسمو والاخلاق وانشراح الصدر وسكينة القلب
    " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة 16
    "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" فصلت 44"
    ويقول الله "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" يونس 57

    2- التبصر بأن هذا المرض رديء وأنه يدعي الى انعدام الشخصية وانه حري بأن يوصف بأنه امعة او منافق " بئس الاسم الفسوق بعد الايمان"

    3- التخلق بأخلاق اهل الفضل وحمل النفس عليها ومجانبة اهل الزيغ والنفاق و مواطن الشبهات والافكار اللتي تخرم المروءة والدين

    4- المحافظة على الواجبات وخاصة الصلاة وترك المنهيات
    فعن أبي هريرة قال
    قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا..." بخاري

    وعن انس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق" الترمذي وحسنه الالباني
    ( وبراءة من النفاق ) قال الطيبي أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويوفقه لعمل أهل الاخلاص وفي الاخرة يؤمنه مما يعذبه المنافق ويشهد له بأنه غير منافق يعني بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى وحال هذا بخلافهم


    5- البحث الدؤوب حول ما أشكل والتضرع الى الله في كشف ما لبس به الشيطان واعوانه والاستعانة بأهل الاختصاص في ازالة ما علق في القلب والفكر مع الاخلاص في ذلك فقمن ان ينصع القلب وان ينشرح الصدر وان يضيء الوجه
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    الحجاز
    المشاركات
    181
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    موضوع غاية في الأهمية شكرا لك أخي ماكولا
    وقد أعجبني ترتيب الموضوع وتناسق ألوانه
    جزاك الله خيرا
    قال تعالى: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) صدق الله العظيم


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء