الحديث صحيح
وخبرالواحد حجّة
وأسماء الله توقيفية
فيقول الحافظ ابن القيم : "القول على الله بلا علم فى أسمائه وصفاته وأفعاله، ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، فهذا أشد شيء منافاة ومناقضة لكمال من له الخلق والأمر، وقدح فى نفس الربوبية وخصائص الرب، [الجواب الكافي، ص253 ]
وقد شرح هذه القاعدة الشيخ ابن عثيمين شرحاً متقناً مبدعاً، إذ قال: "أن العقل لا مدخل له قي باب الأسماء والصفات: لأن مدار إثبات الأسماء والصفات أو نفيها على السمع؛ فعقولنا لا تحكم على الله أبداً؛ فالمدار إذاً على السمع؛ خلافاً للأشعرية والمعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل التعطيل، الذين جعلوا المدار في إثبات الصفات أو نفيها على العقل، فقالوا: ما اقتضى العقل إثباته، أثبتناه، سواء أثبت الله لنفسه أو لا! وما اقتضى نفيه؛ نفيناه، وإن أثبته الله! ما لا يقتضي العقل إثباته ولا نفيه؛ فأكثرهم نفاة، وقال: إن دلالة العقل إيجابية؛ فإن أوجب الصفة؛ أثبتناها، وإن لم يوجبها؛ نفيناها! ومنهم من توقف فيه، فلا يثبتها لأن العقل لا يثبتها لكن لا ينكرها؛ لأن العقل لا ينفيها، ويقول: نتوقف! لأندلالة العقل عند هذا سلبية، إذ لم يوجب؛ يتوقف ولم ينف!
فصار هؤلاء يحكمون العقل فيما يجب أو يمتنع على الله عز وجل.
فيتفرع على هذا: ما اقتضى العقل وصف الله به، وصف الله به وإن لم يكن في الكتاب والسنة، وما اقتضى العقل نفيه عن الله؛ نفوه، وإن كان في الكتاب والسنة.
والحاصل أن العقل لا مجال له في باب أسماء الله وصفاته فإن قلت: قولك هذا يناقض القرآن، لأن الله يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً} [المائدة: 50] والتفضيل بين شيء وآخر مرجعه إلى العقل وقال عز وجل: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} [النحل: 60] وأشباه ذلك مما يحيل الله به على العقل فيما يثبته لنفسه وما ينفيه عن الآلهة المدعاة؟
العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل؛ فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لابد أن يكون كامل الصفات، ولكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم الرب لابد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص.
فمثلاً: يدرك بأنه لا بد أن يكون الرب سميعاً بصيراً؛ قال إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ} [مريم: 42].
ولابد أن يكون خالقاً؛ لأن الله قال: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [النحل: 17] {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً} [النحل: 20].
يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم؛ لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20]؛ إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالفعل.
العقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنع على الله؛ لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عن العجز؛ لأنه صفة نقص إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز؛ فلا يمكن!
إذاً؛ العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصمم كذلك والجهل كذلك... وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع.
سؤال: هل كل ما هو كامل فينا يكون كاملاً في حق الله، وهل كل ما هو نقص فينا يكون نقصاً في حق الله؟
الجواب: لا؛ لأن المقياس في الكمال والنقص ليس باعتبار ما يضاف للإنسان؛ لظهور الفرق بين الخالق والمخلوق، لأن باعتبار الصفة من حيث هي صفة؛ فكل صفة كمال؛ فهي ثابته لله سبحانه وتعالى.
فالأكل والشرب بالنسبة للخالق نقص، لأن سببها الحاجة، والله تعالى عني عما سواه، لكن هما بالنسبة للمخلوق كمال ولهذا؛ إذا كان الإنسان لا يأكل؛ فلابد أن يكون عليلاً بمرض أو نحو هذا نقص.
والنوم بالنسبة للخالق نقص؛ وللمخلوق كمال، فظهر الفرق.
التكبر كمال للخالق ونقص للمخلوق؛ لأنه لا يتم الجلال والعظمة إلا بالتكبر حتى تكون السيطرة كاملة ولا أحد ينازعه ولهذا توعد الله تعالى من ينازعه الكبرياء والعظمة؛ قال: "من نازعني واحد منهما عذبته" رواه مسلم.
فالمهم أنه ليس كل كمال في المخلوق يكون كمالاً في الخالق ولا كل نقص في المخلوق يكون نقصاً في الخالق إذا كان الكمال أو النقص اعتبارياً."
أنظر: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، لابن العثيمين
قول المعتزلة هو أن الأسماء الله ليست توقيفية أي لا يجوز أن يسمى الله بكل اسم إذا كان متصفاً بمعناه ولم يوهم نقصاً وإن لم يرد توقيف من الشارع
مناظرة في أسماء الله هل هي توقيفية:
يذكر مترجموا أبي الحسن الأشعري أن من أسباب تركه الاعتزال مناظرته لشيخه أبي علي الجبائي في بعض المسائل، ومنها هذه المسألة فقد كان أبو الحسن الأشعري يرى أن أسماء الله توقيفية – بخلاف شيخه الجبائي – فمرة دخل رجل على الجبائي، فقال له: "هل يجوز أن يسمى الله تعالى عاقلاً؟"
فقال الجبائي: "لا لأن العقل مشتق من العقال، وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق".
فقال أبو الحسن الأشعري: " فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيماً لأن هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت – رضي الله عنه -:
فنحكم بالقوافي من هجانا = ونضربُ حين تختلط الدماء
وقول الآخر:
أبني حنيفة حكموا سفهاءكم = إني أخاف عليكمو أن أغضبا
أي نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم.
فإذا كان اللفظ مشتقاً من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق (حكيم) على الله سبحانه وتعالى".
قال: "فَلَمَ يجب الجبائي إلا أنه قال لي: فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه عاقلاً وأجزت أن يسمى حكيماً؟"
قال: "فقلت لهك لأن طريقي في مأخذ أسماء الله الإذن الشرعي دون القياس اللغوي فأطلقت حكيماً لأن الشرع أطلقه ومنعت عاقلاً لأن الشرع منعه ولو أطلقه الشرع لأطلقته". أ.هـ. ذكره السبكي في الطبقات (3/357) وعبد الرحمن بن بدوي في مذاهب الإسلاميين (1/500).
ومما سبق نستخلص قاعدة أخرى هي:
أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الإخبار لا يجب أن يكون توقيفياً كالقديم والشيء الموجود والقائم بنفسه فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه بعض ما لم يرد به السمع. ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد (1/162).
أنظر: المجلى في شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، ص118-120.
للحق وجه واحد
ومذهبنا صواب لا يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ لا يحتمل الصواب
"بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ"
Bookmarks