المسجد الأقصى

سمي المسجد الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة , وقيل في الزمن , وقيل لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة , وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث , وقيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة , وبيت المقدس أبعد منه

وأقرب هذه الأقوال هو الأول

ويسمى الأقصى ببيت المَقدس , أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب , والمقدس : المطهر , أو بيت مكان الطهارة , وتطهيره : إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها

وقد كان المسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين قبل أن يتحولوا عنها إلى الكعبة بأمر من الله سبحانه وتعالى


تحديد موضع هذا المسجد

قال شيخ الإسلام ابن تيمية " فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان ـ عليه السلام، وقد صار بعض الناس يسمى الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في مقدمه، والصلاة في هذا الم صلى الذى بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد"

وأحب هنا أن أنبه على أنه من الخطأ وصف المسجد الأقصى بأنه حرم , أو ثالث الحرمين , كما هو شائع , ولم ينقل عن أحد من علماء المسلمين أنه أطلق عليه ذلك , وإنما الحرم مكة والمدينة خاصة , كما قرر ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله


تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

قال الله "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم"


قال ابن كثير في التفسير " يقول تعالى: إنما شرعنا لك -يا محمد -التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي: مرتدا عن دينه { وإن كانت لكبيرة } أي: هذه الفعلة، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك

بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال الله تعالى: { وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم } [ التوبة : 124 ،125] وقال تعالى: { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى } [ فصلت : 44] وقال تعالى: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } [ الإسراء: 82].

ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب، من سادات الصحابة. وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين.
وقال البخاري في تفسير هذه الآية:

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. فتوجهوا إلى الكعبة .

وقد رواه مسلم من وجه آخر، عن ابن عمر. ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده: أنهم كانوا ركوعا، فاستداروا كما هم إلى الكعبة، وهم ركوع. وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل، رضي الله عنهم أجمعين."


عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون قال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم }
بخاري



فضائل المسجد الأقصى:-

فضل الصلاة فيه ومضاعفتها :



وقد اختلفت روايات الأحاديث في مقدار مضاعفة الصلاة فيه

فروي أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة ( ضعفه الألباني )

وروي بألف صلاة ( قال الالباني موضوع)

وروي بخمسين ألف , وروي غير ذلك

وعلق ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف
" وهو حديث مضطرب إن الصلاة فيه بخمسين ألف صلاة وهذا محال لأن مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضل منه والصلاة فيه تفضل على غيره بألف صلاة "

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال في نقد الرجال " هذا منكر جداً "

قلت : وكذا الحكم في رواية " ألف صلاة لأن فيها مساواة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم

وروى النسائي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا حكما يصادف حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة"



عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا و نحن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم أو مسجد بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه و لنعم المصلى و ليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه - في رواية " مثل قوسه"

من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير من الدنيا و ما فيها


"الشَّطن " الحبل , ولجمع أشطان"
اخرجه الحاكم في المستدرك وصححه الألباني

قال هشام العارف " والحديث أصح ما ورد في ثواب الصلاة في المسجد الأقصى , فكان ما في هذا الحديث يدل على أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كأربع صلوات في المسجد الأقصى , يعني أن الصلاة في المسجد الأقصى كمئتي صلاة وخمسين في الثواب"


وقال أيضاً " وهذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم , أن يتمنى المرء المسلم أن يكون له من الأرض هذا القدر الصغير حتى يرى منه بين المقدس

قال الدكتور محمد طاهر مالك في تحقيقه مشيخة ابن طهمان " ومن المؤسف أن وقائع الأحداث تشير إلى أننا في طريق تحقيق هذا الحديث الذي هو من دلائل النبوة , وان من مؤامرات الأعداء على المسجد الأقصى وبيت المقدس ستستمر وتتصاعد وتشتد لدرجة أن يتمنى المسلم أن يكون له موضع صغير يطل على بيت المقدس أو يراه منه , ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا جميعا , ولا شك أن يكون بعد ذلك الفرج والنصر إن شاء الله , ولله الأمر من قبل ومن بعد , والله غالب على أمره ولك أكثر الناس لا يعلمون"

قلت :وهذا الذي قاله محمد طاهر مالك كان سنة 1403 هـ الموافق 1983م , وأن هذه الوقائع التي تخمّنها أصبحت جاثمة , وتشير حقاً الى مطابقة الحديث لهذا الزمان , ولاشك ان الفرج والنصر الذي تحدث عنه , مرهون بعودة المسلمين الى دين الله , عودة حميدة الى الكتاب والسنة بفهم سلف الامة , والتمني الصادق للمسلم أن يكون له هذا المقدار من الأرض يرى منه بيت المقدس مشروط بفهمه لعقيدته علماً وعملاً

وحين بيضت تخريج الحديث بتاريخ 5-محرم- 1418هـ الموافق 12-أيار- 1997م : تنامى الى علمنا ان اليهود يخططون لضم مستوطناتهم المحيطة بالقدس , الى القدس في بلدية مركزية موحدة , وذلك عقب شروعهم بناء مستوطنة جديدة في جبل أبو غنيم , وتعتبر هذه المستوطنة هي بمثابة إغلاق سلسلة المستوطنات المقامة حول القدس

فتصبح القدس بعد ذلك محاطة بالمستوطنات , كالسوار في المعصم , بعد أن حاصروا المدينة أيضاً ومنذ ست سنوات بنقاط تفتيش العسكرية لمنع سكان الضفة الغربية من فلسطين من الدخول الى القدس أو الصلاة في المسجد الأقصى

مع العلم أن جماعات كثيرة من اليهود بمسميات مختلفة تحاول استمرار التحرش بالمسليمن داخل المسجد الأقصى بزعم إقامة صلوات لهم فيه , وحدثت مواجهات عديدة في المسجد بين المسلمين وجنود اسرائيلين وقع نتيجتها قتلى ومصابون , وكان آخر هذه المواجهات حين فتح اليهود منذ احتلالهم الجزء الشرقي من القدس في 5- حزيران- 1967 بعد احتلال الجزء الغربي لها في 15-ايار- 1948 منع المسلمين التوسع بالبناء , والاستيطان , وهدم بيوت تبنى من غير ترخيص منهم ومحاولة التضييق عليهم لهجر المدينة والسكن خارجها , واعتبار المقيم خارجها من المهاجرين منها , والله تعالى المستعان

بعد حرب 67 قام اليهود بتوسيع القسم الشرقي من القدس وضم لها 66 ألف دونماً من الاراضي الضفة المجاورة , لتصبح مسحة القدس 72 ألف دونماً , وعمل اليهود على إضافة ثلاثة يهود مقابل كل عربي في القدس الشرقية , لذا فإن الهجرات المتلاحقة للقدس الشرقية من اليهود لا تزال مستمرة إضافة الى الاجراءات التي يتخذها مكتب وزارة الداخلية بعدم جمع شمل العائلات في القدس , ورفض بلدية القدس
اعطاء رخص للبناء , وهدم البيوت غير المرخصة .

وبناءا على ذلك نجحت هذه الاجراءات وأجبرت الكثير من سكان القدس على الهجرة الى ضواحي خارج حدود بلدية القدس مثل "الرام , وضاحية البريد , وأبو ديس و العيزيرة "

ان تقسيم اراضي الضواحي الى أراضي تابعة للقدس , واخرى للضفة الغربية , والصعوبات الموضوعة أمام سكان القدس للتوسع في البناء , دفع سكان الضواحي للتوسع في البناء في القسم التابع للضفة الغربية حيث إن قوانين الخاصة بالبناء هي أقل صعوبة , والفرق واضح وهو نقل واخراج اداري لسكان القدس الى الضواحي الواقعة في الضفة الغربية بطريقة تدريجية الهدف منها تقليل نسبة الفلسطينين في القدس

مهمة المستوطنات التي بنيت حول القدس الشرقية في اراضي الضفة الغربية مثل مدينة "معالي ادوميم , جبعات زئيف ..الخ "

وهي مستعمرات بنيت لتكون مدن يهودية في اراضي الضفة محاصرة للقدس , وموازية لها فقد بنيت في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينات مدن " معالي ادوميم الى الشرق من القدس , وجبعات زئيف الى الشمال الغربي , ومدينة" إفرات" الى الجنوب , ولكل مدينة
من هذه المدن مهام مختلفة ومتعددة :

1- فمدينة "معالي ادوميم " بنيت لفصل القدس الشرقية عن اراضي الضفة الغربية , ولتشكل حاجزا يمنع الاتصال السكاني بين السكان العرب في الشرق في القدس الشرقية والضفة الغربية , وكذلك لمنع اتساع الاحياء العربية في شرق القدس بحيث يتم تقيّدها ووضع التوسع والتطور والنية تتجه لتوسيع حدود مدينة " معالي أدوميم "
لتصل بسجات زئيف , والنبي يعقوب , بحيث يتم اغلاق المنطقة الشرقية نهائياً , وذلك بهدف اكمال الحاجز او الفاصل بين القدس والضفة .


2- ومدينة " جبعات زئيف " جاءت لتحقيق عدة وظائف أخرى اضافة الى وظيفة الاستيطان اليهودي ومن هذه الوظائف :

أ- الحد من تطور الريف الفلسطيني من الناحية الشمالية الغربية بواسطة مصادرة الاراضي

ب- منع الاتصال العضوي بين تجمعات الفلسطينية بعضها ببعض في الريف الفلسطيني القريب من القدس

جـ- -منع الاتصال العضوي بين راملة والقدس بواسطة زرع هذه المدينة في هذا الموقع


3- مدينة بيتار وإفرات , وظيفة هاتين المدينتين هي :

أ - اقامة تكتل من التجمعات اليهودية على الحدود الجنوبية الغربية للقدس , وايعاق أي امكانية للتوسع الفلسطيني في القدس

ب - الحفاظ على اتصال أراضي وسكاني يهودي بين القدس وبين ما يسمى " غوش عتصيون " الى الجنوب الغربي من القدس "


إخبار الله تعالى بأن البركة حوله

قال تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله "



والمراد بالبركة هنا البركة الدنيوية

أي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم , وأقواتهم , وحروثهم , وغروسهم

قال ابن الجوزي " ومعنى { باركنا حوله } : أن الله أجرى حوله الأنهار ، وأنبت الثِّمار . وقيل : لأنه مَقَرُّ الأنبياء ، ومَهْبِطُ الملائكة ."

وقيل البركة الدينية أيضاً لأنه مقر الأنبياء والصالحين , ومهبط الملائكة ويدخل فيما حوله من هذه البركة أكثر بلاد الشام


ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام

وأنه ليس بينهما إلا أربعون سنة , كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه المخرج في الصحيحين , قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال المسجد الحرام قال قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم كان بينهما قال أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله فإن الفضل فيه"



الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم إليه ثم عروجه إلى السماء


كما قال تبارك وتعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"


قال شيخ الإسلام "وليس في بيت المقدس مكان يقصد للعبادة سوى المسجد الأقصى لكن إذا زار قبور الموتى وسلم عليهم وترحم عليهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه فحسن فإن النبي عليه السلام " كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم "


كما أنبه أيضا إلى أن زيارة القدس لا تعلق لها بالحج , فإن من العوام , وخاصة من أهل الشام , من يقصد تلك الزيارة مع الحج تقرباً , ويطلقون على ذلك " تقديس الحج"


وقد نص بعض العلماء على حكم هذه المسألة

قال الإمام النووي رحمه الله " زيارة القدس مستحبة , لكنها غير متعلقة بالحج , وقول بعض العامة إذا حج : أقدّس حجي , ويذهب فيزور بيت المقدس , ويرى ذلك من تمام الحج , هذا باطل



وقال الامام ابن تيمية رحمه الله
: وأما " زيارة بيت المقدس " فمشروعة في جميع الأوقات ؛ ولكن لا ينبغي أن يؤتى في الأوقات التي تقصدها الضلال : مثل وقت عيد النحر ؛ فإن كثيرا من الضلال يسافرون إليه ليقفوا هناك والسفر إليه لأجل التعريف به معتقدا أن هذا قربة محرم بلا ريب وينبغي أن لا يتشبه بهم ولا يكثر سوادهم .

وليس السفر إليه مع الحج قربة وقول القائل : قدس الله حجتك قول باطل لا أصل له"



استحباب زيارته حتى لو شد الرحال إليه

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى"

وقد اتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى البيت المقدس , للعبادة المشروعة فيه , كالصلاة , والدعاء , والذكر , وقراءة القرآن , والإعتكاف فيه



مخالفات الشرعية , واعتقادات الباطلة

تقدم ان الصلاة في المسجد الأقصى تضعف فيه , وأنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال اليها قال صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى"

فعلى هذا يستحب السفر الى المسجد الأقصى للصلاة فيه , ونحو ذلك من العبادات المشروعة التي تفعل في سائر المساجد , وما عدا هذا لا يجوز , كبعض مظاهر التبرك المبتدعة

قال ابن تيمية " والسفر إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب في أي وقت شاء سواء كان عام الحج أو بعده .
ولا يفعل فيه وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يفعل في سائر المساجد . وليس فيها شيء يتمسح به ولا يقبل ولا يطاف به هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة ولا تستحب زيارة الصخرة بل المستحب أن يصلي في قبلي المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين .

ولا يسافر أحد ليقف بغير عرفات ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا المشايخ ولا غيرهم باتفاق المسلمين بل أظهر قولي العلماء أنه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور .

ولكن تزار القبور الزيارة الشرعية من كان قريبا ومن اجتاز بها"



الصخرة :

روى الامام احمد في مسنده عن عبيد بن آدم قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب أين ترى ان أصلي فقال ان أخذت عنى صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر رضي الله عنه ضاهيت اليهودية لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتقدم إلى القبلة فصلى ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس" ا

لحديث ضعيف فيه أبو سنان عيسى بن سنان وهو ضعيف وضعف الاثر الالباني والارناؤوط والمعلمي


وقد كانت الصخرة قبلة اليهود , وكانوا يعظمونها , فجعلها النصارى مزبلة مكافأة لليهود الذين كانوا يلقون القمامة على قبر المصلوب , الذي شبّه لهم بعيسى عليه السلام


قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية " وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لانها قبلة اليهود حتى ان المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهى المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلاجل ذلك سمى ذلك الموضع القمامة وانسحب الاسم على الكنيسة التى بناها النصارى هنالك


وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بايلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في القاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت الى محراب داود قال لهم انكم لخليق ان تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو اسرائيل على دم يحيى بن زكريا ثم امروا بازالتها فشرعوا في ذلك فما ازالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون فازالها عمر بن الخطاب.."

وقد روي في فضائل هذه الصخرة وتعظيمها كثير من الاسرائليات , حتى روى بعضهم عن كعب الاحبار : إن الله قال للصخرة " أنت عرشي الأدنى "

ولما سمع عروة ابن الزبير هذا , قال سبحان الله يقول الله " وسع كرسيه السماوات والارض " وتكون الصخرة عرشه الأدنى "


ولهذا قال ابن القيم رحمه الله
" كل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى "

ومما زعموا أن على الصخرة أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم عندما صعد منها ليلة المعراج


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الل
ه منكراً ذلك وأمثاله " وما يذكره بعض الجهال فيها من أن هناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر عمامته، وغير ذلك، فكله كذب، وأكذب منه من يظن أنه موضع قدم الرب ."



وقال ابن القيم " والقدم الذي فيها كذب موضوع، مما عملته أيدي الْمُزَوِّرين، الذين يُرَوِّجُون لها ليكثر سواد الزائرين"


والمقصود أنه ليس للصخرة مزية في الإسلام , ولا خصوصية في العبادة , وإنما هي كانت قبلة منسوخة


يقول ابن القيم "وأرفع شيء في الصخرة: أنها كانت قِبْلَةَ اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة الْمُحَمَّدِيَّةَ الكعبة البيت الحرام"
ولهذا فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يصلّ عند الصخرة , كما ورد في الحديث السابق , لأن هذا تعظيماً لها


قال الامام ابن كثير رحمه الله بعد سياقه لذلك الحديث " فلم يعظم الصخرة تعظيما يصلي وراءها وهي بين يديه كما أشار كعب الأحبار وهو من قوم يعظمونها حتى جعلوها قبلتهم, ولكن من الله عليه بالإسلام فهدي إلى الحق, ولهذا لما أشار بذلك, قال له أمير المؤمنين عمر: ضاهيت اليهودية ولا أهانها إهانة النصارى الذين كانوا قد جعلوها مزبلة من أجل أنها قبلة اليهود, ولكن أماط عنها الأذى وكنس عنها الكناسة بردائه. وهذا شبيه بما جاء في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"

فعلى هذا لا يجوز تعظيم الصخرة , ولا التبرك بها بأي وجه كان , كالصلاة عندها , أو تقبيلها , أو التمسح بها , أو الطواف حولها , ونحو ذلك , ولم يفعل ذلك الصحابة , ولا التابعون لهم بإحسان


قال ابن تيمية
" ولم يصل عمر ولا المسلمون عند الصخرة ولا تمسحوا بها ولا قبلوها بل يقال أن عمر صلى عند محراب داود عليه السلام الخارج

وقد ثبت أن عبد الله بن عمر كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه وصلى فيه ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها ولا يقرب شيئا من تلك البقاع وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين كعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم
وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها عن بعض إلا ما بنى عمر رضي الله عنه لمصلى المسلمين "


وأما بناء القبة على الصخرة

فإنه لم يوجد إلا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم

ذكر ابن تيمية رحمه الله أن لم يكن على عهد الخلفاء الراشدين على الصخرة قبة , بل كانت مكشوفة في خلافة عمر , وعثمان , وعليّ , ومعاوية , ويزيد , ومروان , ثم ذكر أنه لما تولى ابنه عبد الملك الشام بنى القبة على الصخرة , وكساها في الشتاء والصيف , ليرغب الناس في زيارة بيت المقدس "

وقال في موضع آخر " وظهر ذلك الوقت تعظيم الصخرة وبين المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه بمثل هذا , وجاء بعض الناس ينقل الإسرائليات في تعظيمها... "


وقد ذكر بعض المؤرخين أن الذي حمل عبد الملك على بناء الصخرة هو إشغال الناس بزيارة بيت المقدس عن الاجتماع بابن الزبير بمكة وقت الحج , حتى قيل إن عبد الملك منع الناس من الحج الى مكة


قال ابن كثير في البداية والنهاية " وفيها ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى وكملت عمارته فى سنة ثلاث وسبعين وكان السبب فى ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة وكان يخطب فى أيام منى وعرفة ومقام الناس بمكة وينال من عبد الملك ويذكر مساوى بنى مروان ويقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه
وكان يدعو إلى نفسه وكان فصيحا فمال معظم أهل الشام إليه وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤسهم ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه وكان يشنع عليه بمكة ويقول ضاهى بها فعل الأكاسرة فى إيوان كسرى والخضراء كما فعل معاوية

ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه وجمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة
وأمر رجاء بن حيوة ويزيد ان يفرغا الأموال إفراغا ولا يتوقفا فيه فبثوا النفقات وأكثروا فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء وفرشاها بالرخام الملون وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء وآخر من أدم للصيف وحفا القبة بأنواع الستور وأقاما لها سدنة وخداما بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة والسلاسل الذهب والفضة شيئا كثيرا وجعل فيها العود القمارى المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة

وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياما ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس وأنه دخل الصخرة وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج وبحيث كانوا لا يلتفتون فى موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس وافتن الناس بذلك افتنانا عظيما وأتوه من كل مكان وقد عملوا فيه من الأشارات والعلامات المكذوبة شيئا كثيرا مما فى الآخرة فصوروا

فيه صورة الصراط وباب الجنة وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووادي جهنم وكذلك فى أبوابه ومواضع منه فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا وبالجملة أن ضخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض ومنظرا وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيء كثير وأنواع باهرة ولما فرغ رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوه فضل من المال الذى أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال وقيل ثلاثمائة ألف مثقال فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك فكتب إليهما قد وهبته منكما فكتبا إليه إنا لو استطعنا لزدنا فى عمارة هذا المسجد من حلى نسائنا

فكتب إليهما إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث فلما كان فى خلافة أبى جعفر المنصور قدم بيت المقدس فى سنة أربعين ومائة فوجد المسجد خرابا
فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التى على القبة والأبواب وأن يعمروا بها ما تشعت في المسجد ففعلوا ذلك وكان المسجد طويلا

فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد فى عرضه ولما أكمل البناء كتب على القبة مما يلي الباب القبلى أمر ببنائه بعد تشعيثه أمير المؤمنين عبد الملك سنة اثنتين وستين من الهجرة النبوية وكان طول المسجد من القبلة إلى الشمال سبعمائة وخمسة وستون ذراعا وعرضه أربعمائة وستون ذراعا وكان فتوح القدس سنة ستة عشر والله سبحانه وتعالى أعلم "




استفيدت هذه المادة من فصول من كتاب التبرك انواعه واحكامه للجديع
واتحاف الانام بفضائل المسجد الاقصى والشام