يقول روجيه جارودي :- ( إن شرط نمو الغرب إنما كان بالضرورة وليد نهب ثروات العالم الثالث ونقلها إلى أوربا وأمريكا الشمالية فالغرب هو الذي جعل العالم الثالث متخلفا .......... النمو والتخلف عنصرا منظومة الرأسمالية )
فالتقدم الغربي هو ثمرة نهب العالم الثالث ( ولا ننسى أن السرقات التي سرقتهـا انجلترا من الهند تفوق كل ما انتجته انجلترا منذ الثورة الصناعية .. ولم تحقق أمريكا طفرتها الكبرى إلا من خلال عشرات الملايين من السود الذين جلبتهم من أفريقيا لزراعة ملايين الهكتارات بلا مقابل .. والرجل الأبيض الرائد pioneer الذي يذهب إلى البرية ليبيد شعبها ويستقر فيها ولا يحمل سوى مسدسه فهو دارويني نيتشوي مثالي ونسينا أن الرجل الأبيض هو الغرب وأن البرية هي العالم الثالث وسكان أمريكا الأصليين والشعوب بأكملها ) ومحاولة تفسير ظاهرة التقدم الغربي دون استرجاع الامبريالية كمقولة تحليلية ستكون محاولة ناقصة إلى حد كبير فالإمبريالية الغربية ليست أنحرافا عن مسار الحضارة الغربية الليبرالي ..الإمبريالية جزء عضوي من هذه الحضارة فإبادة الشعوب الأخرى ليست إنحرافا وإنما نمط عام متكرر ملايين الهنود في الأمريكتين – السكان الأصليون في أستراليا – سكان الخانات التركية المجاورة لروسيا – هيروشيما ونجازاكي – الفلسطينيون – فيتنام – البوسنه – سربنيتشا - وحاليا العراق وأفغانستان
ولا ننسى أن أهم صناعة إنتاجية في العالم الآن أفرزتها الليبرالية العلمانية الغربية هي صناعة السلاح فأهم أشكال الإنتاج الآن في العالم الغربي هو انتاج أشكال الدمار
ولقد كان المدفع والبارود همـا أول إنتـاج نراه من الحضارة الغربية فالمدفع الذي حمله نابليون بونابرت في حملته الفرنسية على مصر كان أول منتج علماني يراه الشرق والبواخر الغربية التي مخرت عرض النيل لاول مرة حملت المدافع لا الخبز .. وهذا بالضبط ما أدركه الشيخ الجزائري الذي أخبروه بأن القوات الفرنسية إنما جاءت لبلده لتنشر في ربوعها العلم والاستنارة فقال باقتضاب شديد :- لم أحضروا كل هذا البارود إذن
لكن لماذا الدمــار والإبـادة يقترنان دائمـا بتاريخ العلمانية والإلحـاد يجيب الدكتور عبد الوهاب المسيري عن هذا السؤال في كتابه رحلتي الفكرية قائلا:- ( القلق وعدم الإيمان كما يقول ماكس فيبر يولد نزعة امبريالية في الانسان تجعله يود غزو العالم وتملكه وهزيمته والهيمنة عليه وعلى نفسه ليثبت لنفسه تفوقه فيحقق شيئا من الاتزان ) والعلمانية الليبرالية الغربية هي نموذج قائم على الأمر
العلمانية الغربية الملحدة هي حضارة النموذج العقلاني المادي هذه العقلية الملحدة مكنت الغرب مع الوقت من استبعاد كثير من العناصر الاخلاقية والانسانية وظهرت مع الوقت مشاكل غير قابلة للحل الأزمة البيئية – الحروب العالمية – فقدان الاتجاه – تحول الوسائل إلى غايات – ظهور العبثية والعدمية ( 50% من الأطفال في الغرب أبنـاء غير شرعيين - الشذوذ الجنسي لم يعد ظاهرة بل صـار أحد أنواع الزواج الرتيبة - نسبة الإنتحـار أعلى نسبة يسجلها التاريخ في عصرنا الحديث )
يقول الدكتور عبد الوهـاب المسيري في كتابه رحلتي الفكرية :- ( مخاوفنا من العصر الحديث تنبع من معرفتنا لا بسيناريو التحديث وحسب وإنما بعواقبه أيضا فنحن نقرأ الصحافة الغربية وندرس المجتمع الغربي وغير المتخصصين يسمعون عن المخدرات والجريمة والمتخصصون يقرءون عن ازمة المعنى في الغرب ولذا حينما نتحرك في العصر الحديث فإننا لا نتحرك بتفاؤل شديد إذ أن معرفتنا المأساوية بما حدث هناك وبالثمن الفادح الذي سيُدفع يقلل من حماستنا بعض الشيء.. إن أول ماكينة معاصرة واجتنها هي المدفع الذي حمله الجندي الغربي الذي جاء إلى بلادنا منذ قرنين من الزمان لا ليجلب النور والاستنارة وإنما لينهب الوطن إننا إذا طبقنا المقولات الغربية بحذافيرها كما يتغنى الملاحدة دومـا .. هذه المقولات التي أفرزت المخدرات والعدمية والإنسحاق الروحي ونصف الشعب غير الشرعي ( 50% من أطفال الغرب غير شرعيين ) فإذا سرنا في نفس الطريق وارتكبنا نفس الأخطاء وانتهينا نفس النهاية فلن نكون أبطالا ولا مأساويين وإنما سنكون مهرجين لا نستحق أي عطف أو رثاء إن هذا الموقف سيجعلنا بشرا من الدرجة الثالثة للأبد .... )
لقد أفرز الغرب عالما من العدمية والقلق والعبثية.. والخلاصة كما قال جارودي :- فإن الحضارة الغربية قد خلقت قبرا يكفي لدفن العالم .
فالهيمنة الغربية هي هيمنة داروينية نيتشوية فاوستية تحـاول أن تجعل من العالم مادة استهلاكية وغايتها تحقيق اقصى اسباع ممكن والذين يملكون أسلحة تبيد العالم عشرات المرات يعترفون على أنفسهم بالجنون بعينه فإذا تم تدمير العالم مرة واحدة لا يمكن تدميره مرة ثانية ... لقد أفرز الإلحـاد نوعـا من العبثية والقلق واللاغائية لم يمر بتاريخ الأرض مثلها فالملاحدة هم أكثر الناس حديثا عن اللاوعي واللاعقل والمخدرات والعبث والاساطير والذوبان في الكون ومابعد الحداثة
الملاحدة هم الذي أسسوا لفرانكشتاين ذلك المسخ الذي أنتجه العلم ثم بدأ يحارب العالم وينتصر عليه
الملاحدة هم الذين أسسوا لفاوستوس الذي باع روحه للشيطان
الملاحدة هم الذين أسسوا لداروين الذي أدخل الإنسان غابة البقاء للأقوى وصراع الحيوانات
الملاحدة هم الذين أسسوا لفرويد الذي جعل الغابة داخل عقل الإنسان وجعل من الإنسان بهيمة تنقاد لأعضائها التناسلية دون وعي
الملاحدة هم الذين أسسوا لبنتام الذي رأى أن اللذة لا نحصل عليهـا إلا بالمادية النفعية
الملاحدة هم الذين أسسوا لهوبز الذي يرى الإنسان ذئب لأخيه الإنسان
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }الأحزاب72 فالإنسان هو المركز والطبيعة هي الهامش
عندما يقرر الملحد أن يعيش بحواسه فقط ويؤمن يالمادية المجردة ويعيش اللحظة فهو قد اختار ألذ طريقة للإنتحار
Bookmarks