من الأسئلة التي حاول مجموعة من الفلاسفة حسب إختلاف مذاهبهم الإجابة عنها , مصدر و منبع المعرفة , و من أين للفكر بكل هذه المعلومات , و من أين له بهذه المعرفة
و قد إختلفت المصادر و المنابع للمعرفة مع إختلاف المدارس الفلسفية , فمنهم من إعتبرها مسألة إستذكار كأفلاطون الذي ميز بين النفس و البدن و أن وجود النفس هو سابق لوجود البدن , فتمكنت النفس قبل إتصالها بالبدن أن تحصل على المعرفة ، و بعد إتصالها بالبدن نسيت كل شيء فبدأت رحلتها لتذكر.
و منهم من إعتبر المصدر الأساسي للمعرفة التجربة و منهم إعتبر الحس منبع لكل معرفة ، و منهم من إعتبر العقل المصدر الأساسي ، و منهم من جمع بين العقل و الحس ، و هي نظرية الإنتزاع التي يتبناها الفلاسفة المسلمون .
و لدراسة نظرية المعرفة من حيث المصدر و التصديق ، سنحاول تسليط الضوء على :
- المذهب العقلي
- المذهب الحسي
- المذهب التجريبي

1 : المذهب العقلي
من أهم من تبنى المذهب العقلي ، ديكارت و كانت ، و تنقسم المعارف حسب العقليين إلى طائفتين :
* معارف ضرورية أو بديهية ، و نقصد هنا أن النفس تضطر إلى تصديقها و الإعتراف بها و تقبلها دون أن تطالب بدليل أو تبرهن على صحتها ك : الكل أكبر من الجزء و الواحد نصف الإثنين و الحادث لا يوجد دون سبب و غيرها من المعارف
* معارف نظرية و هي معارف لا يمكن التصديق بها إلا بناءا على المعلومات الأولية ، فلو غابت هذه المعلومات فلا مجال لتوصل لمعرفة نظرية ك : الحركة سبب الحرارة .
و تسمى عملية إستنباط المعرفة النظرية من المعارف الأولية بعملية التفكير، فيكون التفكير بذلك منبع لتصديق المعرفة النظرية و ذلك إنطلاقا من معارف سابقة .
و تنقسم المعارف الأولية إلى نوعان :
- معارف سابقة أساسية من أهم ما يميزها مبدأ عدم التناقض ، و هو مبدأ لازم لتصديق المعرفة النظرية ، لأن التناقض إذا كان جائزا فمن المحتمل أن تكون القضية كاذبة في الوقت الذي نبرهن فيه على صدقها
- معارف سابقة تتعلق بمعلومات تخص المعرفة المراد تصديقها
فتكون بذلك علاقة سببية بين بعض المعلومات ، فكل معرفة تتولد عن معرفة سابقة إلى الوصول إلى معارف عقلية سابقة لا تنشأ عن معارف سابقة ، فتكون بذلك العلل الأولى للمعرفة .
و يمكننا تلخيص المذهب العقلي في نقطتين
1 : وجود معارف أولية عقلية ضرورية هي الركيزة الأساسية لكل معرفة و التصديق بها ، فتتجاوز بذلك الحس و التجربة ، رغم عدم نفي العقليين لدور التجربة ، لكن يعتبرونه غير كافي و بحاجة دائما إلى القوانين العقلية
2 : تسلسل تصاعدي للمعرفة وصولا إلى معارف عقلية أولية لا تحتاج إلى معارف سابقة ، فتكون بذلك العلل الأولى للمعرفة .

2 : المذهب الحسي
ظهر المذهب الحسي مع الفيلسوف الإنجليزي جون لوك ، و يرجع المذهب الحسي المعرفة إلى الإحساس ، فهو المصدر الوحيد لتصور ، فنحن نتصور التفاحة على الشجرة بالإحساس بها عن طريق الرؤية ، و معنى إحساسنا بها وجود صورتها في حواسنا ، و نحتفظ بعد ذلك بهذه الصورة في ذهننا فيكون وجودها تخيلا ، و نستطيع بعدها أن نحتفظ بمعناها العام فيسمى هذا التعقل .
و المعرفة الحسية عن طريق الحواس الخمس لابد أن تكون لها مقدار كمي أو شكل كيفي و هو ما يسمى بالمادة ، كالكائنات الحية و الغير الحية ، فتكون هذه الأشياء سابقة للوعي البشري الذي يفتح وعيه عليها .
و الحقيقة أن الحس لا يعد أن يكون لونا من ألوان التصور و لا يتجاوز حدوده التصورية و لا يؤدي إلى معرفة موضوعية ، فوجود صورة في مداركنا لا يعني وجودها بصورة موضوعية و مستقلة عنا في الخارج ، فعندما نضع عصى وسط الماء ، نتصورها حسب الرؤيا مكسورة ، لكنها في الحقيقة غير مكسورة
و إذا ما عادت بنا عجلة الزمان للوراء ، قبل تطور علوم الطبيعة و طرح سؤال : هل هناك مجموعة شمسية ؟ فسيكون الجواب لا لأن حواسنا لم تدركها ، لكن هل جوابنا صحيح ، قطعا لا لأن العلم الحديث برهن بالدليل عن وجود مجموعة شمسية ، و في هذه الحالة لا تكون حواسنا دليلا و برهان على نفي شيء لم ندركه ، فعدم العلم لا يساوي العلم بالعدم . كذلك الشيء بالنسبة للجنين فهو في بطن أمه لا يدرك إلا العالم المحيط به ، و لا يستطيع إدراك عالم خارجي أو أرض أو شمس أو قمر أو نجوم ، لأن في عالمه لا يستطيع أن يدرك هذه الأشياء و تكون بالنسبة له مستحيلا و ضربا من الجنون ، فهل عدم إدراكه لهذا العالم هو دليل على عدم وجوده ، أم هو قصور راجع لطبيعة تكوينه كجنين و عالمه الداخلي في بطن أمه ؟

3 : المذهب التجريبي
لا يعترف المذهب التجريبي بأية معارف أولية فطرية ، و يعتبر الإنسان يولد خاليا من أية معرفة ، فالتجريبيون يعتبرون التجربة المصدر لكل معرفة حقيقية و المقياس العام للتصديق .
و عكس المذهب العقلي ، فالفكر في المذهب التجريبي يسير من الخاص إلى العام . و يعتمد المذهب التجريبي على الطريقة الإستقرائية في الإستدلال و التفكير ، لأنها طريقة الصعود من الجزئي إلى الكلي، بينما يرفضون الإستدلال القياسي بحجة أنه لا يؤدي إلى معرفة جديدة .
و إعتبار التجربة مصدر لكل معرفة ، تجعل المذهب التجريبي ، أما سؤال وجب الإجابة عنه
إن كانت هذه القاعدة القائلة أن التجربة هي المقياس الأساسي لتميز الحقيقة ، معرفة أولية حصل عليها الإنسان دون تجربة سابقة ؟ أم أنها كسائر المعارف البشرية ليست فطرية و لا ضرورية ؟
فلو كانت هذه القاعدة معرفة أولية ، مستقلة عن التجربة ، إنهار المذهب التجريبي الذي يعتبر أن التجربة هي مصدر كل معرفة ، و كيف ثم تبني هذه القاعدة و إعتبارها أساس المذهب التجريبي دون إثبات
و إن كانت هذه القاعدة ثم التأكد منها عبر التجربة ، فهذا مستحيل لأن التجربة لا تؤكد نفسها
أيضا من الأشياء التي لا يمكن إثباتها بالتجربة ، مبدأ عدم التناقض مما سيؤدي إلى إنهيار كل المعارف و أيضا مبدأ العلية ، فهو قانون عقلي و ليس تجريبي