القلب الفاسق
فهو في كتاب الله نوعان......
مفرد مطلق .....ومقرون بالعصيان.......
المقرون بالعصيان .....قال الله تعالى 49 :7 {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
المفرد المطلق نوعان ...
فسوق كفر يخرج عن الإسلام .....وفسوق لا يخرج عن الإسلام .....
والمفرد الذي هو فسوق كفر يخرج عن الإسلام ....
كقوله تعالى 2 :26، 27 {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ}
وقوله عز وجل 2 :99 {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ}
وقوله 32 :20 {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}
وأما الفسوق الذي لا يخرج عن الإسلام...........
قال تعالى 2 :82 {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}
وقوله 49 6 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ}
فإن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط لما بعثه رسول الله إلى بني المصطلق بعد الوقعة مصدقا وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع القوم بمقدمه تلقوه تعظيما لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: إن بني المصطلق منعوا صدقاتهم... وأرادوا قتلى....
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ...وهم أن يغزوهم ...
فبلغ القوم رجوعه!!!!!!
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم... فقالوا يا رسول الله سمعنا برسولك....
فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله...
فبدا له في الرجوع... فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاء منك... لغضب غضبته علينا ..
وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.. فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وبعث خالد بن الوليد خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدومه ..وقال له انظر!!
فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم.. فخذ منهم زكاة أموالهم ..وإن لم تر ذلك ..
فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار!!!
ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء ..
فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير.. فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وأخبره الخبر فنزل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية.
و(النبأ) هو الخبر الغائب عن المخبر إذا كان له شأن....
و(التبين) طلب بيان حقيقة والإحاطة بها علما......
وههنا فائدة لطيفة !!!!!
وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه؟؟؟؟؟ ورد شهادته جملة ؟؟؟؟؟؟
وإنما أمر بالتبين !!!!!!!
فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق.... ولو أخبر به من أخبر....
فهكذا ينبغي الإعتماد في رواية الفاسق وشهادته......
وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم .....
بل كثير منهم يتحرى الصدق.... غاية التحري.. وفسقه!! من جهات أخر؟؟؟
فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته!!!!!
ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق... وبطل كثير من الأخبار الصحيحة....
ولا سيما من فسقه؟؟؟ من جهة الإعتقاد؟؟؟؟
والرأي وهو!!!! متحر للصدق!!!!! فهذا لا يرد خبره ولا شهادته.
وأما من فسقه من جهة الكذب ؟؟؟؟؟؟؟
فإن كثر منه وتكرر بحيث يغلب كذبه على صدقه.... فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته..
والفسوق الذي تجب التوبة منه.... أعم من الفسوق الذي ترد به الرواية والشهادة.....
وكلامنا الآن فيما تجب التوبة منه .....
وهو قسمان فسق من جهة العمل.... وفسق من جهة الإعتقاد.......
ففسق العمل نوعان: مقرون بالعصيان ومفرد.
فالمقرون بالعصيان: هو ارتكاب ما نهى الله عنه
والعصيان: هو عصيان أمره
كما قال الله تعالى 66 :6 {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}
وقال موسى لأخيه هارون عليهما السلام 20 :92، 93 {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}
وقال الشاعر:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فالفسق أخص بارتكاب النهى!!!!!!
ولهذا يطلق عليه كثيرا كقوله تعالى 2 :282 {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}
والمعصية أخص بمخالفة الأمر!!!!!!!
ويطلق كل منهما على صاحبه كقوله تعالى 18 :50 {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ ِفَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ }
فسمى مخالفته للأمر فسقا ......
وقال 20 :121 {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}
فسمى ارتكابه للنهي معصية ......
فهذا عند الإفراد ....فإذا اقترنا كان أحدهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النهي......
شفاء القلب الفاسق ....بإذنه تعالى ..هو !!!!!
(((((( التقوى )))))))))
اتقاء مجموع الأمرين... وبتحقيقها.... تصح التوبة من الفسوق والعصيان....
بأن يعمل العبد بطاعة الله ....على نور من الله....
يرجو ثواب الله ....
ويترك معصية الله على نور من الله...
يخاف عقاب الله......
ماسبق هو فسق من جهة العمل .....
أما الفسق من جهة الإعتقاد....
كفسق أهل البدع !!!!!!
الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر..... ويحرمون ما حرم الله .....ويوجبون ما أوجب الله.....
ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله ....جهلا !! وتأويلا!!! وتقليدا !!!! للشيوخ...
ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك......
وهؤلاء كالخوارج المارقة وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم.
وأما غالية الجهمية: فكغلاة الرافضة ليس للطائفتين في الإسلام نصيب.
فالتوبة من فسوق الإعتقاد,,,,,,
بإثبات ما أثبته الله لنفسه ورسوله من غير تشبيه ولا تمثيل وتنزيهه عما نزه نفسه عنه ونزهه عنه رسوله
من غير تحريف ولا تعطيل وتلقى النفي والإثبات من مشكاة الواحي لا من آراء الرجال
ونتائج أفكارهم التي هي منشأ البدعة والضلالة.
فتوبة هؤلاء الفساق من جهة الإعتقادات الفاسدة.....
بمحض اتباع السنة ولا يكتفى منهم بذلك أيضا حتى يبينوا فساد ما كانوا عليه من البدعة ....
إذ التوبة من ذنب هي بفعل ضده ......
ولهذا شرط الله تعالى في توبة الكاتمين!!!!!!
ما أنزل الله من البينات والهدى.....
البيان لأن ذنبهم لما كان بالكتمان كانت توبتهم منه بالبيان......
قال الله تعالى 2 :159، 190 {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ
فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ،
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
وذنب المبتدع .... فوق ذنب الكاتم....
لأن ذاك كتم الحق.... وهذا كتمه ودعا إلى خلافه.... فكل مبتدع كاتم ....ولا ينعكس.
وشرط في توبة المنافق.........
الإخلاص .....لأن ذنبه بالرياء ......
فقال تعالى 4 :45، 46 {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار}
ثم قال {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}
اللهم آت نفوسنا تقواها....وزكيها أنت خير من زكها ....أنت وليها ومولاها ....
تابع الموضوع القادم بإذن الله تعالى .
( ملخص من الجزء الرابع ..كتاب مدارج السالكين .. إبن القيم الجوزية )
Bookmarks