النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله

    الإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان كما جاء في القرآن الكريم، والسنة المتواترة.

    حكم الإيمان بالكتب :

    الإيمان بكتب الله التي أنزل على رسله كلها ركن عظيم من أركان الإيمان وأصل كبير من أصول الدين ، لا يتحقق الإيمان إلا به وقد دل على ذلك الكتاب والسنة

    قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].

    والمراد بالكتب , الكتب والصحف التي حوت كلام الله تعالى الذيَ أوحاه إلى رسله عليهم السلام . سواء ما ألقاه مكتوبا كالتوراة ، أو أنزله عن طريق الملك مشافهة فكتب بعد ذلك كسائر الكتب .

    وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:136].

    فأمر الله عباده المؤمنين في الآية بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه . فأمرهم بالإيمان بالله ورسوله وهو محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي أنزل على رسوله وهو القرآن ، والكتاب الذي أنزل من قبل وهو جميع الكتب المتقدمة : كالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ثم بين في ختام الآية أن من كفر بشيء من أركان الإيمان فقد ضل ضلالا بعيدا وخرج عن قصد السبيل ومن أركان الإيمان المذكورة الإيمان بكتب الله

    وقال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } (البقرة : 177) . فأخبر عز وجل أن حقيقة البر : هو الإيمان بما ذكر من أركان الإيمان ، والعمل بخصال البر الواردة في الآية بعد هذا . وذكر من أركان الإيمان : " الإيمان بالكتاب " قال ابن كثير : هو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء . حتى ختمت بأشرفها ، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب "


    تعريف الكتب

    ومعنى الكتاب في اللغة:"اسمٌ لما كتب مجموعاً، والكتاب مصدر، يقال: كتب يكتب كتاباً وكتابة والجمع كُتبُ وسمي القرآن كتاباً لما جُمع فيه من القصص والأمثال والعقائد والأمر والنهي والتشريع، أو لأنه اشتمل على جميع الكتب السابقة وكل شيء جمع بعضه إلى بعض سُمي كتاباً وقد جاء في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى: (وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)[الأنعام:59] .


    ويأتي بمعنى التوراة والإنجيل وبمعنى القرآن المجيد قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) [فاطر:32]، وبمعنى الرحمة والمغفرة قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام:54] وغير ذلك .

    والمراد بالكتب التي يجب الإيمان بها الكتب المنزلة على أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه عليهم، التي حوت الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وبيان شرائعه وأحكامه.

    وقد جاء الإيمان بالكتب في بعض سور القرآن الكريم في قوله تعالى:
    (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) [يونس:1-2].


    ومن الآيات أيضاً قولـه تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37] .

    ومحل الشاهد قولـه: (ولكن تصديق الذي بين يديه) ففي هذا إثبات الكتب السابقة وأن القرآن الكريم جاء مفصلاً لها ومهيمناً عليها ومبيناً ما وقع فيها من التحريف والتبديل، ومصدقاً لها "ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة، لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك، ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك .." -فتح القدير- .

    ومن الآيات أيضاً قوله تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس:94].

    فقوله: (يقرءون الكتاب) إثبات للكتب السابقة.


    ثمرات الإيمان بالكتب :

    وللإيمان بالكتب آثاره العظيمة على المؤمن فمن ذلك :

    1- شكر الله تعالى على لطفه بخلقه وعنايته بهم حيث أنزل إليهم الكتب المتضمنة إرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة .

    2- ظهور حكمة الله تعالى حيث شرع في هذه الكتب لكل أمة ما يناسبها ، وكان خاتم الكتب القرآن العظيم مناسبا لجميع الخلق في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة .

    3- إثبات صفة الكلام لله تعالى وأن كلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، وعجز المخلوقين عن الإتيان بمثل كلامه


    والإيمان بالكتب يتضمن ما يلي:

    أولاً: الاعتقاد الجازم بأن لله جل وعلا كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله.

    ثانياً: إن الله تعالى تكلم بها على الحقيقة وليس مجازاً، وأن منها المسموع بدون حجاب، ومنها ما سمعه الرسول البشري من الرسول الملائكي مبلغاً عن ربه جل وعلا، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى:51].

    ومنها ما خطه جل وعلا بيده قال تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) [الأعراف:145].

    ثالثاً: إن جميع هذه الكتب يصدق بعضها بعضاً قال تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37].


    رابعاً: إن نسخ هذه الكتب بعضها لبعض حق كما نسخ الإنجيل بعض شرائع التوراة وكما كان القرآن ناسخاً لجميع هذه الشرائع وأن النسخ جائز في القرآن الكريم فقد ينسخ بعضه بعضاً كما قال تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [البقرة:106].

    خامساً: إن جميع هذه الكتب قد اتفقت على الدعوة على توحيد الله عز وجل وإن اختلفت الشرائع.

    سادساً: الإيمان بأن لله كتباً كثيرة لا يعلم عددها إلا الله فنؤمن بها إجمالاً، ونؤمن بما ورد ذكره تفصيلاً كالتوراة، والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم، والقرآن. أما الإيمان بالقرآن الكريم فيشمل جميع ما سبق ويزيد عليها، بأنه يجب مع الإيمان به، امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتحكيمه في جميع شؤون البشر والعمل بمحكمه، والوقوف عند متشابهه، وأنه ناسخ لجميع الكتب السابقة ومهيمن عليها قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) [المائدة:48] ، وأنه محفوظ بحفظ الله تعالى له، وتلك مزية له خاصة حيث تكفل الله تعالى بحفظه كما قال عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
    فجميع ما في المصحف هو كلام الله تعالى لم يفت منه شيء .



    من هذه الكتب ..

    أ) التوراة : وهي كتاب الله الذي آتاه موسى عليه السلام . قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } (القصص : 43) . وفي حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا : « فيأتون إبراهيم فيقول : لست هُنَاكم ويذكر خطيئته التي أصابها ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما »، وقد ألقى الله التوراة على موسى مكتوبة في الألواح وفي ذلك

    يقول سبحانه { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } (الأعراف : 145) . قال ابن عباس (يريد ألواح التوراة) . وفي حديث احتجاج آدم وموسى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : « قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده » أخرجاه في الصحيحين من طرق كثيرة .

    والتوراة هي أعظم كتب بني إسرائيل وفيها تفصيل شريعتهم وأحكامهم التي أنزلها الله على موسى وقد كان على العمل بها أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا من بعد موسى كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } (المائدة : 44)

    والتوراة "لفظ عبراني بمعنى التعليم والشريعة" وهي منزلة على نبي الله موسى الكليم – عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه – .

    والتوراة تطلق اليوم عند اليهود على مجموعة الأسفار الخمسة، وهي سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر الأحبار، وسفر العدد، وسفر التثنية

    واليهود: هم قوم موسى – عليه السلام – وسموا بذلك الاسم نسبة إلى يهوذا ابن يعقوب وقيل: نسبة إلى الهود وهو التوبة والإنابة، وكان اليهود يعرفون ببني إسرائيل ثم أطلق عليهم يهود: وديانتهم أصلها صحيح، ولكنهم حرفوا وبدلوا في دين الله تعالى ما لم يشرعه .. وهم فرق كثيرة منها: العنانية والعيسوية، والمقاربة، والسامرة، وغيرها

    وقد أخبر الله تعالى بتحريفهم لها كما في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة:79]

    ويقـول تعــالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة:174].


    ومن الأدلة على أن التوراة الموجودة الآن محرفة ما يلي:

    1- ما جاء في وصف الرب تعالى بأوصاف لا تليق به تعالى ولا يمكن أن يصف بها نفسه جل وعلا في كتاب من كتبه، ومن أمثلة ذلك ما جاء في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد "فقال موسى للرب فيسمع المصريون الذين أصعدت بقوتك هذا الشعب من وسطهم 14- ويقولون لسكان هذه الأرض قد سمعوا أنك يا رب وسط هذا الشعب الذين أنت يا رب قد ظهرت لهم عيناً لعين، وسحابتك واقفة عليهم وأنت سائر أمامهم بعمود سحاب نهاراً وبعمود نار ليلاً"
    سفر العدد الإصحاح الرابع عشر الفقرة 13-14 .

    وما جاء في سفر التثنية في الإصحاح الرابع (24- لأن الرب إلهك هو نار أكله إله غيور) سفر التثنية الإصحاح الرابع الفقرة 24 .

    2- اتهامهم هارون – عليه السلام – بصناعة العجل، وحاشاه وهو نبي من أنبياء الله أن يفتري على الله ويدعو إلى الشرك والوثنية ولكن اليهود إخوان القردة والخنازير، لا يفتؤون يفترون على الأنبياء الكذب والزور، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج في الإصحاح الثاني والثلاثين: "1- ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه.
    2- فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها.
    3- فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون. 4- فأخذ ذلك من أيديهم وصوّرهُ بالأزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً
    " سفر الخروج الإصحاح الثاني والثلاثون الفقرة 1-4، وانظر الفقرة 21-26 .

    إلى آخر ما جاء في كتبهم من التحريف والتبديل، بالإضافة إلى انقطاع أسانيدها، وما فيها من التناقض والاختلاف في التواريخ، وقد شهد بعضهم من المنصفين على أن هذه التوراة كتبت في زمن سليمان – عليه السلام – لأن ما فيها شاهد على أن كاتبها ليس موسى – عليه السلام – .

    يتبع ..


    المادة مستفادة من مقال ل د. قذلة القحطاني
    واصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    ب) الإنجيل : وهو كتاب الله الذي أنزله على عيسى ابن مريم عليهما السلام . قال تعالى : { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } (المائدة : 46) .

    وقد أنزل الله الإنجيل مصدقا للتوراة وموافقا لها كما تقدم في الآية السابقة .
    قال بعض العلماء : لم يخالف الإنجيل التوراة إلا في قليل من الأحكام مما كانوا يختلفون فيه كما أخبر الله عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } (آل عمران : 50)

    وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم أن التوراة والإنجيل نصا على البشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } (الأعراف : 157) .

    والإنجيل: "اسم عبراني أو سرياني وقيل: وهو عربي وقيل "كلمة يونانية معربة معناها البشارة بالخير أو الخبر السار" والإنجيل قبل أن يحرف هو كتاب الله أنزله إلى نبيه عيسى – عليه الصلاة والسلام – وأما اليوم بعد تحريف النصارى وتبديلهم فأصبح يطلق على مجموعة الأناجيل الأربعة وهي:
    1- إنجيل متي.
    2- إنجيل مرقس.
    3- إنجيل لوقا.
    4- إنجيل يوحنا.

    -والنصارى: أمة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وقد مكث فيهم ثلاث سنين، وثلاثة أشهر تقريباً ثم رفعه الله بعد محاولة الصلب، فاختلف الحواريون بعده في أمرين:

    الأول: كيفية نزولـه، وتجسد الكلمة بأمه

    الثانية: كيفية صعوده واتصاله بالملائكة وكان نتيجة اختلافهم، قول بعضهم بإثبات الأقانيم الثلاثة. وسموها: الأب، والابن، والروح القدس، وزعموا أنه قُتل، وأن اليهود قتلوه حسداً وبغياً، وأن القتل وقع على الجزء الناسوتي، وقد انقسمت الكنيسة إلى شرقية وموقعها القسطنطينية وغربية وموقعها: روما، وهم فرق شتى منها: الملكانية، والنسطورية، واليعقوبية ومن الفرق الحديثة: الكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت.

    وهذه الأناجيل الأربعة، تحوي تاريخ حياة عيسى عليه السلام وبعض أعماله وأقواله، ممزوجة بالتحريف والتثليث، والكذب على الله تعالى، وتسمى العهد الجديد ويلحق بها عدة رسائل وقد اشتمل الإنجيل على التحريف، والتبديل، كالتوراة وثبت بالدليل القطعي، انقطاع السند بين كاتبه، الذي نقله وأنه لا يعرف له كاتب معروف

    وفيها من الدعوة إلى التثليث والإشراك بالله تعالى، وزعمهم أن عيسى عليه السلام ابن الله كما في إنجيل متى: في الإصحاح السابع والعشرين "29- وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم 40- قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك، إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب 42- خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به 43- قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده لأنه قال أنا ابن الله" إنجيل متى الإصحاح 27 الفقرة 39-43 .

    بل وزعمهم أنهم كلهم أبناء الله - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا – كما في إنجيل يوحنا الإصحاح الأول قولـه: "11- إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله. 12- وأمّا كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي "المؤمنون" باسمه 13- الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله" إنجيل يوحنا الإصحاح الأول الفقرة 11-13

    ومن أدلة التحريف، والتبديل ما جاء في كتبهم من وصف الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه – بالأفعال القبيحة التي لا تصدر من عامة الناس، فكيف بالأنبياء – عليهم صلوات الله وسلامه


    ج) الزبور : وهو كتاب الله الذي أنزله على داود عليه السلام . قال تعالى : { وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } (السماء : 163) . قال قتادة في تفسير الآية : " كنا نحدث أنه دعاء علمه الله داود وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود " .


    د) صحف إبراهيم وموسى :
    وقد جاء ذكرها في موضعين من كتاب الله ، الأول في سورة النجم في قول الله تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } (النجم : 36-39) . والثاني في سورة الأعلى ، قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } (الأعلى : 14- 19) . فأخبر الله عز وجل عن بعض ما جاء في هذه الصحف من وحيه الذي أنزله على رسوليه إبراهيم وموسى عليهما السلام . والعلم عند الله .



    يتبع ان شاء الله
    المادة مستفادة من مقال ل د. قذلة القحطاني
    واصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي


    3- القرآن الكريم:

    تعريفه:

    في اللغة: هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآناً ومعناه الجمع والضم، وسمي القرآن بذلك، لأنها جمعت سوره، وضُم بعضها إلى بعض "ومنه قولهم: ما قرأت هذه الناقة سَلىً قطُّ وما قَرأَتْ جنيناً قط، أي لم يضم رحمها على ولد"
    .
    وقد يطلق لفظ القرآن على القراءة والتلاوة "يقال قرأ قراءةً وقرآناً" .



    تعريف القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي والفرق بينهما :

    القرآن الكريم
    : هو كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله حقيقة ، سمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل ، ونزل به على خاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه المنقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين المكتوب في المصاحف المحفوظ من التغيير والتبديل .

    والحديث القدسي : هو ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه باللفظ والمعنى ونقل إلينا آحادا أو متواترا ولم يبلغ تواتر القرآن .

    ومثاله حديث أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : « يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا » .

    والحديث النبوي :
    ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف .


    والفرق بين القرآن والحديث القدسي والنبوي : أن القرآن متعبد بتلاوته معجز في نظمه متحدى به ، يحرم مسه لمحدث ، وتلاوته لنحو جنب ، وروايته بالمعنى ، وتتعين قراءته في الصلاة ، ويؤجر قارئه بكل حرف منه حسنة والحسنة بعشر حسنات . بخلاف الحديث القدسي والحديث النبوي فإنما ليسا كذلك .

    والفرق بين الحديث القدس والنبوي : أن الحديث القدسي من كلام الله بلفظه ومعناه بخلاف الحديث النبوي فهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظًا ومعنى ، وأن الحديث القدسي أفضل من الحديث النبوي وذلك لفضل كلام الله على كلام المخلوقين .


    خصائص القرآن الكريم

    1- اعتقاد عموم دعوته وشمول الشريعة التي جاء بها لعموم الثقلين من الجن والإنس لا يسع أحدًا منهم إلا الإيمان به ولا أن يعبدوا الله إلا بما شرع فيه . قال تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } (الفرقان 1) . وقال تعالى مخبرًا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } (الأنعام 19) . وقال تعالى إخبارًا عن الجن : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ } (الجن : 1 ، 2) .

    2 - اعتقاد نسخه لجميع الكتب السابقة فلا يجوز لأهل الكتاب ولا لغيرهم أن يعبدوا الله بعد نزول القرآن بغيره ، فلا دين إلا ما جاء به ، ولا عبادة إلا ما شرع الله فيه ، ولا حلال إلا ما أحل فيه ، ولا حرام إلا ما حرم فيه ، قال تعالى : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } (آل عمران : 85) . وقال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } (النساء : 105) . و في حديث جابر بن عبد الله نهي النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قراءة كتب أهل الكتاب وقوله : « والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني » .

    3 - سماحة الشريعة التي جاء بها القرآن ويسرها ، بخلاف الشرائع في الكتب السابقة . فقد كانت مشتملة على كثير من الآصار ، والأغلال التي فرضت على أصحابها . قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } (الأعراف : 157) .

    4 - أن القرآن هو الكتاب الوحيد من بين الكتب الإلهية الذي تكفل الله بحفظ لفظه ومعناه من أن يتطرق إليه التحريف اللفظي أو المعنوي . قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } (الحجر : 9) . وقال تعالى : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (فصلت : 42) . وقال عز وجل مبينًا تكفله بتفسيره وتوضيحه على ما أراد وشرع : { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } (القيامة : 17-19) .

    قال ابن كثير في تفسير الآية الأخيرة : " أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا " .

    وقد هيأ الله تعالى لحفظ كتابه من العلماء الجهابذة من قاموا بذلك خير قيام ، من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، فحفظوا لفظه وفهموا معناه ، واستقاموا على العمل به ، ولم يَدَعوا مجالا من مجالات خدمة القرآن وحفظه إلا وألفوا فيه المؤلفات المطولة ، فمنهم من ألف في تفسيره ، ومنهم من ألف في رسمه وقراءاته ، ومنهم من ألف في محكمه ومتشابهه ، ومنهم من ألف في مكيه ومدنيه ، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه ، ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه ، ومنهم من ألف في أسباب نزوله ، ومنهم من ألف في أمثاله ، ومنهم من ألف في إعجازه ، ومنهم من ألف في غريبه ، ومنهم من ألف في إعرابه ، إلى غير ذلك من المجالات التي تجسد من خلالها حفظ الله لكتابه بما هيأ له هؤلاء العلماء من خدمة كتابه وعلومه حتى بقي محفوظًا يقرأ ويفسر غضًّا طريًّا كما أنزل .

    5 - أن القرآن الكريم مشتمل على وجوه كثيرة من الإعجاز شارك فيها غيره من الكتب المنزلة ، وهو في الجملة المعجزة العظمى وحجة الله البالغة الباقية التي أيد بها نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى قيام الساعة ، على ما روى الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من الأنبياء نبي إلا أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة » .

    ومن صور إعجاز القرآن حسن تأليفه وفصاحته وبلاغته وقد وقع التحدي للإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو ببعضه على مراتب ثلاث : فقد تحداهم الله على أن يأتوا بمثله فعجزوا وما استطاعوا . قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } (الطور : 33 ، 34) .
    وقال عز وجل مقررًا عجزهم عن ذلك { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } (الإسراء : 88) .

    ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فما قدروا . قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (هود : 13) . ثم تحداهم مرة ثالثة بأن يأتوا بسورة منه فما استطاعوا . قال تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (يونس : 38) . فثبت بهذا إعجاز القرآن على أبلغ وآكده ، لما عجز الخلق عن معارضته بأدنى مراتب التحدي ، وهو الإتيان بسورة من مثله ، وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات .


    6 - أن الله تعالى يسر القرآن للمتذكر والمتدبر وهذا من أعظم خصائصه . قال تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } (القمر : 17) . وقال تعالى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } (ص : 29) . قال مجاهد في تفسير الآية الأولى : " يعني هونَّا قراءته " . وقال السدي : " يسرنا تلاوته على الألسن " .

    وقال ابن عباس : " لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله " . وقد ذكر الطبري وغيره من أئمة التفسير أن تيسير القرآن يشمل تيسير اللفظ للتلاوة وتيسير المعاني للتفكر والتدبر والاتعاظ ، وهو كذلك كما هو ملاحظ ومشاهد .

    7 - أن القرآن تضمن خلاصة تعاليم الكتب السابقة وأصول شرائع الرسل . قال تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } (المائدة : 48) . وقال تعالى : { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } (الشورى : 13) .


    8 - أن القرآن مشتمل على أخبار الرسل والأمم الماضية وتفصيل ذلك بشكل لم يسبق إليه كتاب قبله . قال تعالى : { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } (هود : 120) . وقال تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ } (هود : 100) . وقال تعالى : { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا } (طه : 99) .

    9 - أن القرآن هو آخر كتب الله نزولا وخاتمها والشاهد عليها . قال تعالى : { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } (آل عمران : 3 ، 4) . وقال تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } (المائدة : 48) .
    فهذه بعض خصائص القرآن الكريم على سائر الكتب الأخرى مما لا يتحقق الإيمان به إلا باعتقادها وتحقيقها علمًا وعملًا . والله تعالى أعلم .



    والقرآن في الاصطلاح:

    فالقرآن اسم لكلام الله تعالى، المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي عجز الجن والإنس أن يأتوا بمثله، وهو كلام الله حقيقة لا مجازاً، ليس بمخلوق، منه بدأ وإليه يعود، المسموع بالآذان، المتلو بالألسنة، المحفوظ في الصدور، المكتوب في المصاحف، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه السلف .

    وقد وصف الله تعالى القرآن في بعض السور بأنه حكيم في قوله تعالى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) [يونس:1] أي "المحكم المبين" وبأنه موعظة، وشفاء، وهدى ورحمة كما في قولـه تعالى:
    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57]



    وزعمت الجهمية، والمعتزلة ومن وافقهم أن القرآن مخلوق، قال القاضي عبدالجبار- المعتزلي-: "وأما مذهبنا في ذلك، فهو أن القرآن كلام الله تعالى ووحيه، وهو مخلوق محدث، أنزله الله على نبيه ليكون علماً ودالاً على نبوته .." ا.هـ واستدلوا بقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر:62].

    وقالوا القرآن شيء، فهو مخلوق، واستدلوا أيضاً بقولـه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) [الزخرف:3] وقالوا جعل خلق، ولهم أدلة أخرى وأما الأشاعرة ومن وافقهم فقالوا: إن القرآن "هو القول القائم بالنفس الذي تدل عليه العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات"

    وهناك فرقة الواقفة، وهم الذين يقولون لا نقول مخلوقاً ولا غير مخلوق وهم فرقتان:

    الأولى: تقول: لا نقول إنه مخلوق ولا غير مخلوق وهم الشاكة.

    الثانية: تقول: لا نقول هو مخلوق ولا غير مخلوق مع إيمانهم بأنه كلام الله. وقالوا ذلك تورعاً وجميع هذه

    الأقوال خالف أصحابها إجماع الأئمة، كما نصَّ على ذلك عدد منهم كما روى البخاري – رحمه الله – في خلق أفعال العباد – عن سفيان بن عيينة قال: "أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار يقولون: القرآن كلام الله، وليس بمخلوق"

    وقال القاسم الأصبهاني – رحمه الله : "أجمع المسلمون أن القرآن كلام الله،و إذا صح أنه كلام الله صح أنه صفة تعالى، وأنه عز وجل موصوف به، وهذه الصفة لازمة لذاته" ا.هـ .

    وروى عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه سمع عبدالرحمن بن مهدي يقول "من زعم أن الله لم يكلم موسى يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه".

    والسلف – رحمهم الله تعالى – قالوا: "منه بدأ" أي بمعنى أن الله تعالى هو المتكلم به فلم يخلقه في غيره، فيكون بدأ من هذا المخلوق وفي هذا رد على من قال بخلق القرآن، إذ لو كان بدأ من ذلك المحل لكان صفة له، وليس صفة للرب تعالى وأما أصوات العباد، وحركاتهم فهي مخلوقة

    قال البخاري – رحمه الله: "حركاتهم [أي العباد] وأصواتهم، واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب، الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق .." ا.هـ

    وقال أبو حنيفة – رحمه الله – : "والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب وفي القلوب محفوظ، وعلى الألسن مقروء، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزل، ولفظنا بالقرآن مخلوق، والقرآن غير مخلوق" ا.هـ

    وتفصيل ذلك أن اللفظ يطلق على المعنيين: الأول: الملفوظ وهو غير مخلوق قطعاً ولا استطاعة للعبد عليه. الثاني: التلفظ والتلاوة وهو فعل العبد، وهذا مقدور عليه وهو مخلوق

    ودليل ذلك من سورة يونس في قولـه تعالى: (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ) [يونس:16] الآية وقوله تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ) [يونس:61] الآية فأضاف التلاوة للعبد، وجعلها فعلاً له، ولاشك أن فعل العبد (التلاوة) مخلوق، وأما (المتلو) فليس بمخلوق فإن المبلغ لكلام غيره بلفظ صاحب الكلام، إنـما بلغ غيره كما يقول: روى الحديث بلفظه وإنما يبلغه بصوت نفسه لا بصوت صاحب الكلام" ا.هـ

    ومن الآيات الكريمة التي تثبت أن القرآن كلام الله قوله تعالى: (وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس:37].


    فقولـه: (مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) دليل على أنه كلام الله.

    وقوله تعالى: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [يونس:94] فأضاف إنزال القرآن إليه – تعالى – مما يدل على أنه كلامه كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ) [آل عمران:7] الآية.


    كقوله تعالى: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ) [الشورى:15] الآية، وليس هذا الإنزال كالإنزال المقيد بالسماء كقوله تعالى: ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) [يونس:24] الآية فهذا بمعنى العلو، وهو بمعنى نزول الماء من السحاب، وليس كالإنزال المطلق الذي قد يشمل إنزال ذكور الأنعام الماء في أرحام الإناث وإنزال الحديد والسكينة وغير ذلك ولهذا قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:102]

    وروح القدس هنا جبريل – عليه السلام – وهو الذي أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن الآيات في الرد على من قال إن القرآن مخلوق قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [يونس:38] .

    ولو كان مخلوقاً لأمكن مضاهاته، والإتيان بمثله، كيف، وقد جاء في معرض التحدي لأقوام برزوا في الفصاحة والبلاغة، مع شدة الحرص على تكذيبه؟: ومع ذلك لم يحاولوا ذلك، فدلَّ على أنه كلام الخالق جل وعلا، ثم إن القائل إن كلام الله تعالى مخلوق إما أن يقول: إنه خلقه في ذاته أو منفصلاً عنه، أو قائماً بغيره.

    والأول: باطل لأنه يستلزم أن يكون الرب تعالى محلاً للحوادث، فليس في ذاته شيء من خلقه، ولا في خلقه شيء من ذاته، بل هو سبحانه بائن من خلقه.

    والثاني: باطل شرعاً وعقلاً فالصفة لا تقوم بغير الموصوف، ومحال أن تقوم الأعراض بذاتها وهذا مما يعلم في بداهة العقول.

    والثالث: يلزم منه أن يكون كل كلام في الوجود كلامه الشعر والنثر والسب والشتم، ومن قال بالتفريق فعليه الدليل، وهذا من أبطل الباطل ومن مؤدى قول الحلولية -وهم فرقة من فرق الصوفية الغلاة، يرون في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم نصيب من العلم- قلت ويزعمون بحلول الرب في الشيخ حلول الملح في الماء تعالى الله عن كفرهم-
    ويدعون أنه قد حصل لهم الحلول والاتحاد ومنهم الحسين بن منصور الحلاج الذي أفتى العلماء بقتله، فصلب سنة 309هـ، وهم فرق كثيرة ترجع أغلب فرقها إلى غلاة الروافض كالسبابية، البيانية والجناحية والخطابية والنميرية، والروافض أول من أظهر هذه المقالة في الإسلام حيث ادعوا الحلول في الأئمة، انظر الفرق بين الفرق ص(2411-250) واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص116-117. -

    كما يلزم منه أن يكون قوله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه:14] هو قول الشجرة وهذا كفر، ولو جاز أن تقوم الصفة بغير الموصوف لجاز أن يسمى الأعمى بصيراً لأن البصر قد قام بغيره، ولجاز أن يسمى البصير أعمى لأن العمي قد قام بغيره وهذا واضح البطلان ولا يقول به عاقل .

    ومما يبطل زعمهم هذا قوله تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [النحل:40] فلو كان القرآن مخلوقاً لوجب أن يكون مقولاً له: "كن فيكون" ولو كان الله عز وجل قائلاً للقول (كن) لكان للقول قولاً، وهذا يوجب أمرين: إما أن يؤول الأمر إلى قول الله غير مخلوق، أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية، وذلك محال، وإذا استحال ذلك صح وثبت أن لله عز وجل قولاً غير مخلوق" .

    وأما استدلالهم بقولـه تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر:62] فهو استدلال باطل فقد قال الله تعالى في الريح التي أُرسلت على عاد: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا )[الأحقاف:25] ثم أعقبها بقولـه تعالىفَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) [الأحقاف:25]

    وقولـه تعالى في قصة بلقيس ملكة سبأ (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ) [النمل:23] ومعلوم أنها لم تؤت كل شيء، بل ملك سليمان يفوق أضعاف ملكها، وإنما المراد من كل شيء يصلح للملوك.

    ثم هؤلاء المعتزلة قد أخرجوا أفعال العباد من هذا العموم وجعلوها من خلق العباد كما سيأتي إن شاء الله فما دليلهم على هذا التفريق والمراد بكل شيء كل شيء مخلوق فيدخل في هذا أفعال العباد جزماً وقطعاً، ومعلوم أن الكلام صفة للرب تعالى، ولا يكون شيء من صفاته مخلوقاً بل هو تعالى – بذاته وصفاته الخالق للخلق أجمعين وكذلك استدلالهم بقوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف:3] .

    استدلال باطل وجهل باللغة العربية وكلام العرب لأن (جعل) لها عدة معان منها: صار وأوجد وخلق .. وإذا كانت بمعنى الإيجاد والخلق تعدت إلى مفعول واحد كقولـه تعالى: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) [الأنعام:1] أي بمعنى خلق، وأما إذا كانت بمعنى صير فهي تتعدى إلى مفعولين كقولـه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ولا يصح أن

    يقال: إنه بمعنى خلق وإلا لجاز أن نقول في معنى قولـه تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ) [النحل:91] أي خلقتم الله - تعالى الله علواً كبيراً – وهذا من أشنع الكفر ومسألة خلق القرآن إنما تفرعت من القول بنفي الكلام عن الله تعالى، ولم تظهر هذه البدعة إلا بعد ظهور الجعد بن درهم .

    - الجعد بن درهم مبتدع ضال زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليماً قتله خالد القسري في يوم الأضحى وقصته مشهورة معروفة، وإقرار العلماء على قتله دليل إجماعهم على كفره وكان ذلك سنة 118، انظر الفرق بين الفرق (204-211) والملل والنحل للشهر ستاني (1/86) والميزان 1/369 والأعلام (2/120).-

    ثم ظهور الجهم صفوان من بعده سنة 124هـ

    - الجهم بن صفوان، أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهمية قال الذهبي: "هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئاً، لكنه زرع شراً عظيماً" ا.هـ قتله سليم بن أحوز سنة 128هـ، "وعندما همَّ بقتله قال الجهم: إن لي أماناً من أبيك، فقال: ما كان له أن يؤمنك، ولو فعل ما أمنتك والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك" انظر الملل والنحل للبغدادي ص1455، وميزان الاعتدال (1/426) والبداية والنهاية (10/28) والأعلام (2/141).-

    ولما رأت الأشاعرة فساد هذا القول عدلوا إلى قول وسط جمعوا فيه بين رأي أهل السنة، ورأي مخالفيهم فجعلوا القرآن قديماً قائماً بذات الرب تعالى، وما في المصحف عبارة عنه فشابهوا النصارى في مسألة اللاهوت والناسوت وقولهم هذا باطل ومما يبين بطلانه من سورة يونس قوله تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [يونس:15]


    وقولـه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [يونس:38] فالإشارة في قوله تعالى: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا ) [يونس:15] بلا شك إلى القرآن الذي بين أيدينا، والرب جل وعلا يطالبهم بأن يأتوا بسورة من مثله فلو كان التحدي واقعاً على المعنى القائم بالنفس لقال المشركون، ومن يعلم بما في نفس الرب جل وعلا، وهذا تكليف بما لا يطاق، وما بالنفس لا يصح أن يشار إليه ثم لما طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدله لو كان من عنده – لقال ممكن لي أن أبدله من تلقاء نفسي، ولكن رد عليهم ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) [يونس:15]

    وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تتكلم" ففي الحديث تفريق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به، والمراد حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء، فعلم أن هذا الكلام في اللغة لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب" .

    ويقال لهم موسى عندما سمع كلام الله عز وجل هل سمعه كله، أو بعضه، فإن قالوا كله لزم ذلك أن يكون موسى عليه السلام قد اطلع على جميع علم الله، وإن قالوا بعضه، بطل مذهبهم، ويقال لهم أيضاً إن كان حقيقة الخبر هي الأمر، والنهي والاستفهام .. كان معنى قوله تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) [البقرة:43] هو معنى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32] الآية وهذا ظاهر بطلانه، ويلزم أيضاً من قولهم أن تكون آية الدين هي معنى آية الكرسي، ومعنى سورة اللهب لأن النوع عندهم واحد .

    ويقول تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) [الأعراف:11] الآية والترتيب (بثم) التي تقتضي الترتيب مع التراخي، تفيد أن الكلام مع الملائكة كان بعد خلق آدم عليه السلام، وقولهم هذا يلزم منه أن يكون قال الله عز وجل هذا قبل خلقه لآدم والملائكة، كذلك قوله تعالى: ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ)[ق:30]

    فهل قال الله تعالى للنار "هل امتلأت" قبل أن يخلقها، وهل قالت: "هل من مزيدٍ" قبل أن يخلقها؟ وهذا من فساد هذا القول وشناعته والنصوص متواترة في بيان فساد هذا القول من جميع الوجوه، ويكفي في ذلك أحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية والحساب وأحاديث تكليم الله لملائكته وأنبيائه ورسله، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله

    وأما بدعة الوقف في القرآن فقد أنكرها السلف وشددوا في النكير على من اعتقدها وكفروا الفرقة التي لا تقول: إن القرآن كلام الله، وبدعوا الثانية التي تثبت ذلك لأن المسألة ظاهرة لا خفاء فيها

    قال الآجري – رحمه الله – :"وأما الذين قالوا: القرآن كلام الله عز وجل ووقفوا وقالوا لا نقول غير مخلوق، فهؤلاء عند كثير من العلماء .. مثل من قال: القرآن مخلوق وأشر، لأنهم شكوا في دينهم .." ا.هـ

    وقال أيضاً: "القرآن كلام الله عز وجل، غير مخلوق ومن قال: مخلوق فقد كفر ومن قال: القرآن كلام الله عز وجل ووقف فهو جهمي ، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق جهمي كذا قال أحمد بن حنبل" ا.هـ .
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    1,574
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    فضائل القرآن الكريم :.

    1- القرآن كلام الله , منزّل من عنده عز وجل

    قال تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون" التوبة 6


    2- أنه حق وجاء بالحق ودعا إليه

    قال تعالى " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل
    " 108 يونس

    وقال تعالى " وبالحق أنزلناه وبالحق نزل " الاسراء 105

    وقال " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " فصلت41


    3- هو مفرّق بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام

    قال تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"
    وقال " تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"


    4- هو هدى موصل الى كل خير , وهاد الى سعادة الدارين

    قال تعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " 33 التوبة
    وقال " هذا بينا للناس وهدى وموعظة للمتقين " ال عمران 138
    وقال " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" البقرة 97

    وقال جل في علاه " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" الجن

    وقال فخر الدين الرازي عند تفسيره لقوله تعالى " وهذا كتاب أنزلناه مبارك " 92
    " جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسك به يحصل له عز الدنيا وسعادة الاخرة وانا نقلت أنواعا من العلوم النقلية والعقلية , فلم يحصل لي بسبب شيء من العلوم من أنواع السعادات في الدين والدنيا مثل ما حصل بسبب خدمة خذا العلم "


    5- التبيان والبيان لكل شيء يحتاجه الانسان دنيا واخرى

    قال جل وعلا " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء" النحل 89
    وقال " لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " النور 46
    وقال " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم " سورة الاعراف 52

    ففي القرآن الكريم تعريف بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله , وتوضيح لأمور العقيدة الاسلامية , واحكام العبادات والمعاملات والأخلاق , والشؤون الاجتماعية والاقتصادية , وكل ما يحتاجه البشر في كل زمان ومكان , وبيان لأحكام المعاد والبعث والنشور والحساب والجزاء والعقاب وغير ذلك


    6- القرآن الكريم رحمة من الله تعالى لعباده

    قال تبارك وتعالى " فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة " الانعام 157
    وقال " ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون " الاعراف 52
    وقال " تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين " لقمان 3


    7- القرآن نور كاشف لجميع الظلمات , مبين للحقائق
    قال سبحانه " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا" النساء 174


    8- هو بشير للمؤمنين بخيري الدنيا والاخرة , ونذير للكفار والمخالفين بالعذاب

    قال جل وعلا " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالاخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً " الاسراء 9-10
    وقال " فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لُداً" مريم مريم 97
    لُدا : أي عوجاً عن الحق , مائلين الى الباطل

    وقال سبحانه " كتاب فصلت آياتع قرآناً عربيا لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً " فصلت 4
    وقال " وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنبن " الاحقاف 12


    9- شفاء من أمراض القلوب والابدان لمن آمن بآياته وعمل بأحكامه
    قال الله " يا أيها الناس قد كاءتكم موعظة من ربكم وشغاء لما في الصدرو وهدى ورحمة للمؤمنين " يونس 57

    وقال " لو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى " فصلت 44

    وقال " وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خساراً "

    يقل ابن القيم رحمه الله عن شفاء القرآن الكريم لأمراض القلب " جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات والشهوات والقرآن شفاء للنوعين ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه .. فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك , ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه .. وأما شفاؤه لمرضى الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الاخرة , والامثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار , فيرغب القلب السليم اذا أبصر ذلك فيما ينفعه في معاشه ومعاده , ويرغب عما يضره , فيصير القلب محباً للرشد مبغضاً للغي "


    10 - هو الروح اللازمة للحياة النافعة

    قال تعالى "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور" الشورى 52

    11- هو خير عام لكل من آمن به وعمل بما فيه
    قال سبحانه " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً " النحل 30
    قال ابن كثير " أي أنزل خيراً , أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به "

    ومن فضائل هذا القرآن العظيم كا يحصل لقارئه من الاجر العظيم والثواب الجزيل

    ومن الايات التي تدل على عظم هذا القرآن وعلوه وشرفه قول الباري " وانه في أم الكتاب لدينا لعليّ حكيم "
    وام الكتاب هو اللوح المحفوظ قال ابن كثير " " لعليّ" أي ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل
    (حكيم ) أي محكم بريء من اللبس والزيغ وهذا تنبيه على شرفه وفضله كما قال الله " انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العاليمن "

    وقال الله " لو أنزلنا هذا القرآن على جيل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله "


    من عقيدة المؤمن , بواسطة كتاب التبرك
    وأيُّما جِهَةٍ أعرَضَ اللهُ عَنها ؛ أظلمت أرجاؤها , ودارت بها النُحوس !

    -ابن القيم-

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تنبيه: قائمة بالكتب النافعة، للباحثين المتقدمين في مجال الإلحاد الجديد - هشام
    بواسطة مجرّد إنسان في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-21-2014, 04:56 PM
  2. 100 من الأحاديث المشتهرة على الألسنة
    بواسطة ISLAMIC SERVICE في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-20-2008, 06:45 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء