النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: تطهير عقول العقلاء من مايكروبات أهل الشقاء

  1. افتراضي تطهير عقول العقلاء من مايكروبات أهل الشقاء

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

    قال تعالى ( يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ )
    يقرأ المسلم / المسلمة هذه الآية موقناً أنه على صواب و أن الإسلام هو الدين الصحيح , ولأن المسلم بفطرته و شرعه و أسوةً بنبيه , يحب الخير للجميع مازال يقول أمّتي أمّتي , فما إن يرى ضالاً إلاّ ويهرع لنصحه و إرشاده و ربما دخل معه في حوار ينقلب إلى جدال ما يلبث إلاّ أن يخرج المسلم من هذا النزال مهزوماً موسوساً متشككاً و قد تمكّن مايكروب الشبهة من قلبه أو لامس عقله , ذلك لأن الإيمان لم يملأ قلبه بعد وهو قليل علمٍ بالدين بل جاهلاً في كثير من أموره و علومه .
    فبصاب بدوارٍ من عظيم التفكير , و يبكي بكاءً مريراً من التشكيك والحيرة , و تتراكم في ذهنه الأسئلة حول الشبهة وإذا بالمايكروب الصغير بنى له مستعمرة نتنه تصير خطراً يهدد صحة عقيدته .!

    فيهرع للتداوي , إما بكتب النور أو بكتب الضلال .
    فكتب النور وتوازيها المواقع الإلكترونية , تلك التي ترد الشبهات على إختلافها ومهما كانت مصادرها سواء أكانت فكرية أو عقائدية , فيبيت الليل و يصبح وهو يقرأها و يدرسها ويعلّم على المهم منها , وقد يصنع منها ملخصات و تصنيفات , حتى يسهل الرجوع إليها وقت الحاجة , وإذا به يحمد الله أن لم تتمكن منه مايكروب الشبهة و قد تدارك نفسه ,
    فإذا به بعد وقت من الزمن ضليعاً في تفنيد وتفكيك تلك الشبهة ومايكافؤها أكثر من معرفته بتفسير سور القرآن .
    و يحفظ الكثير من مقولات الأوغاد و سطورٍ من الرد عليها أكثر من معرفته بالأحاديث النبوية .
    ويعرف سيرة حياة صاحب النظريات التي تعلّم دحضها أكثر من معرفته بعملاقة التاريخ الإسلامي والعالمي الذين غيَروا العالم .
    ويعرف ما تعنيه المصطلحات الشيطانية أكثر من علمه بمفرادات لغته العربية

    فيخرج من هذا والدين عنده ( شبهة ورد ) , ولربما يدخل في ذات الدوّامة ويصاب بمايكروب جديد إذا ماواجه شبهةً حديثة .!


    وإمّا أن يهرع لكتب الضلال الذي نصحه بها أصدقاء السوء , وتوازيها المستنقعات الإلكترونية , فيحشو بها عقله , ويملأ قلبه بالمادة , فيغتال الأخلاق , ويكفر بالعواطف , و يشرك فيعبد مع المادة هوى نفسه , و قد سار خلف شيوخه من كبار أهل التيارات الفكرية الفلسفية النفسية , لا يناقشهم بالعقل ولا هم بطائلهم , ولا يكتفي بكومٍ من المقالات الصدئة و الدراسات المزوّرة , ويعيش ضالاً و يموت ضالاً .

    فيخرج من تجربته لمحاربة أهل الكفر بأن انتمى إليهم و ينحشر معهم إن لم يبحث عن الحقيقة .


    يسأل سائل , وما أنا بفاعل , أردت نصحهم فأثاروا الشبهات تباغتني في كل لحظةٍ وحين ؟!
    1- تذكر أنك مسلم و استعذ بالله مما أنت فيه ,
    عن النبي صلى الله عليه وسلم " لا يزال الناس يسألون حتى يقال هذا خلق الله فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله " على روايات " فليتفل عن شماله .." وفي رواية " فلينته " ... الخ
    2- راقب منهج تفكيرك , إن الله سبحانه أمرنا بالتفكر في الكون , ونهانا عن التفكير في الله , كيف , ولماذا , وماذا ... إلخ
    قال تعالى حتى يريح عقولنا ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .
    ونقل ابن رجب في جامع العلوم " قال إسحاق بن راهوية لا يجوز التفكر في الخالق ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم ولا يزيدون على ذلك لأنهم إن فعلوا تاهوا قال وقال الله عز و جل وإن من شيء إلا يسبح بحمده الإسراء ولا يجوز أن يقال كيف تسبيح القصاع والأخونة والخبز والمخبوز والثياب المنسوجة وكل هذا قد صح العلم فيهم أنهم يسبحون فذلك إلى الله أن يجعل تسبيحهم كيف شاء وكما شاء وليس للناس أن يخوضوا في ذلك إلا بما علموا ولا يتكلموا في هذا وشبهه إلا بما أخبر الله ولا يزيدوا على ذلك فاتقوا الله ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة فإنه يرديكم الخوض فيه عن سنن الحق"
    3- مهم جداً أن يتعلم المسلم عن دينه أكثر , فتتكامل عقيدة , و يمتليء قلبه بالإيمان , و يوقن إيقاناً صحيحاً لا شك فيه أن هذا القرآن من عند الله , و أن محمداً لم ينطق عن الهوى , و أن دينه منهج حياتي متكامل , فلا نقص فيه ولا علّة , ولا يحتاج للتعديل أو الإضافة وما به من نقصان قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ ) , ولهذا كان خطأ من تدارس كتب النور و إن كانت قد وفّت وردت على الملاحدة أنه ماتعلم شيء في دينه لم ويضف لمحصلته المعرفية الشرعية شيء .
    4- مهم جداً
    تذكر قواعد العقائد قبل الخوض في التفكير في أية شبهة ..
    من كتاب تعريف عام بدين الإسلام* للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ,

    القاعدة الأولى :
    ما أدركه بحواسي لا أشك في أنه موجود . هذه بديهية عقلية مسلّمة .
    ولكن المشاهد أني أمشي في الصحراء ساعة الظهيرة ، فأرى بركة ماء ، تلوح ظاهرة للعين ، فإذا جئتها لم أجد إلا التراب لأن الذي رأيته سراب . وأضع القلم المستقيم في كأس الماء ، فأراه منكسراً ، وهو لم ينكسر , والسحرة والمشعوذون يعرضون غرائب تراها ولا حقيقة لها .
    فالحواس إذن تخطئ ، وتخدع ، وتتوهم ، أو يتوهم صاحبها . فهل أشك لهذا في وجود ما أحس به ؟ .
    لا ، لأني إن شككت فيما أرى وأسمع وأحس ، تداخلت لديّ الحقائق والخيالات . وصرت أنا والمجنون سواء .
    ولكن أضيف شرطاً آخر لحصول العلم ( أي اليقين ) بوجود ما أحسه ، هو : ألاّ يحكم العقل بالتجربة السابقة أن الذي أحس به وهم أو خداع حواس ، والعقل يخدع أول مرة ، فيحسب السراب ماءً ، فإذا رآه مرة أخرى أدرك أنه سراب . والعقل يحكم بعد أن رأى القلم منكسراً أول مرة ، أنه لا يزال مستقيماً كما كان وإن بدا للعين منكسراً . والأمور التي تخطئ فيها الحواس أو تخدع ، أمور محدودة معدودة معروفة ، لا تبطل القاعدة ولا تؤثر فيها ، ومنها عمل سحرة فرعون ، وما يعمله سحرة ( السيرك ) في هذه الأيام .

    القاعدة الثانية :
    هناك أشياء ما شاهدناها ولا أحسسنا بها ، ولكن نوقن بوجودها كما نوقن بوجود ما نشاهده ونحس به . نوقن بوجود الهند والبرازيل ، ولم نزرهما ولم نرهما ، ونوقن بأن ( الإِسكندر المقدوني ) فتح بلاد فارس ، ( والوليد بن عبد الملك ) بنى الجامع الأموي ، ولم نحضر حروب الإِسكندر ، ولا شهدِنا بناء الجامع الأموي .
    ولو نظر كل واحد منا في نفسه لرأى أن ما يوقن بوجوده من الأشياء التي لم يرها ، أكثر من الأشياء التي رآها من الممالك والبلدان ، ومن حوادث التاريخ الذي كان ، ومما يقع الآن .
    فكيف أيقن بوجود هذه الأشياء ، وهو لم يدركها بحواسه ؟ .
    أيقن به حين نقله جماعات عن جماعات ، لا يتصور إمكان اتفاقهم ( في العادة ) على اختراع هذه الأخبار ، ونقلها كذباً .
    فالقاعدة الثانية : أن اليقين كما يحصل بالحس والمشاهدة ، يحصل بالخبر الذي نعتقد صدق صاحبه .

    القاعدة الثالثة :
    ما مدى العلم الذي تبلغه الحواس ؟ وهل تستطيع أن تصل إلى إدراك كل موجود ؟ .
    إن مثل النفس والحواس مع الموجودات ، كمثل رجل سجنه الحاكم في برج القلعة ، وسدّ عليه الأبواب والنوافذ ، ولم يترك له إلا شقوقاً في جدار البرج ، شقاً يطل منه على النهر يجري في الشرق ، وشقاً على الجبل الذي يقوم في الغرب ، وشقاً على القصر الذي يجثم في الشمال ، وشقاً على الملعب الذي يقع في الجنوب .
    السجين هو النفس ، والقلعة الجسد ، وهذه الشقوق هي الحواس : حسّ النظر يشرف منه على عالم الألوان ، وحسّ السمع على عالم الأصوات ، وحسّ الذوق على عالم الطعوم ، وحسّ الشم على عالم الروائح ، وحسّ اللمس على عالم الأجسام .
    1- والسؤال الآن : هل أدرك بكل حاسة من هذه الحواس كل ما في العالم الذي تشرف عليه ؟ السجين عندما ينظر من شق النهر ، لا يرى النهر كله ، ولكن جزءاً منه ، وكذلك العين حين تشرف على عالم الألوان ، لا تراه كله بل ترى بعضه .
    أنا لا أرى نملة تمشي على بعد ثلاثة أميال ، مع أن النملة موجودة , وإن لهذه النملة صوتاً ، ولكني لا أسمعه ، لأن أذني تلتقط الهزات من خمس إلى عشرين ألفاً ، فما نقص لا تسمعه ، وما زاد ثقب طبلة الأذن فبطل بذلك السمع . وأنا لا أشم للسكر رائحة ، مع أن النملة والذباب يشمه ويسرع إليه . فالحواس إذن لا تدرك من العوالم التي سُلّطت عليها إلا جزءاً منها .
    2- ثم ألا يمكن أن يكون بين عالم الألوان الذي تشرف عليه العين ، وعالم الأصوات الذي تطل عليه الأذن عالم آخر ، لا أدركه أصلاً لأنه ليس عندي الحاسة لإدراكه ؟ .
    الأكمه ( الذي ولد أعمى ) قد يستطيع بالسماع معرفة أن البحر أزرق والمرج أخضر ، ولكنه لا يستطيع أن يدرك ما هي الزرقة وما هي الخضرة . والأصم ، قد يعرف بالتعلم أن في الأنغام : البيات والرصد والسيكا ، ولكنه لا يستطيع أن يدرك حقيقة النغم . فهل يحق للأعمى أن يكر وجود الخضرة ، وللأصم أن يجحد حقيقة النغم لأنه لا يدركها ؟ .
    إن الغرفة التي تبدو لك ساكنة سكوناً عميقاً ، فيها - في جوّها - جميع الأغاني والأصوات التي تذاع الآن ، من جميع الإذاعات . أنت لا تحس بها لأنها ليست لوناً تراه بعينك ، ولا صوتاً تسمعه بأذنك . إنها اهتزازات من نوع آخر ، فيها صوت ولكن لا تدركه الأذن ، فإذا جئت بالرّاد (1) الذي يردّها عليك ، سمعتها .
    الضغط الجوي لا تحس باختلافه القليل ، لأنه ليس لديك حاسة تدركه بها ، فإذا جئت بـ ( البارومتر ) أدركته به . الهزات الخفيفة لا تدركها ، ولكن ( الرادار ) يدركها .
    ففي الوجود أشياء كثيرة لا تدخل في نطاق الحواس ؛ لأنها ليست لوناً يُرى ، ولا صوتاً يُسمع ، ولا جماداً يُلمس ، ولا رائحة تُشَم ، ولا طعماً يذاق ، فهل يحق لي أن أنكرها ، لأن حواسي المحدودة لا تدركها ؟ .
    3- والحواس هل هي كاملة ؟ كان الأقدمون يحصرونها في خمس حواس فقط ، لا يتصورون إمكان الزيادة عليها . ولكن كُشفت في الإِنسان الآن حواس أخرى أودعها الله فيه ، وما يقبل الزيادة يوصف بالنقصان .
    أنا أغمض عيني ، وأبسط يدي أو أقبضها ، فأحس بأنها مبسوطة أو مقبوضة ، لم ألمسها ولم أرها ، فبأي حاسة أحسست لها ؟ بما يسمى ( الحسّ العضلي ) . وأحس بالتعب والونى ، وبالغثيان ، وبالانبساط أو الانقباض ، وما أحسست بذلك بواحدة من الحواس الخمس ، بل ( بالحس الداخلي ) . وأمشي فلا أميل ، مع أن الطفل أول مشيه يميل ، وراكب الدراجة ولاعبو ( السيرك ) ، الذين يأتون بالعجائب ، بأي حاسة ضبطوا توازنهم ؟ إن هناك حاسة ثامنة هي ( حاسة التوازن ) ، وأذكر أنهم كشفوا موضعها ، الذي وضعها الله فيه . في الأذن الداخلية مادة سائلة قليلة ، بها يكون التوازن ، وأذكر أنهم في تجاربهم استخرجوها من أرنب ، فصارت تمشي الأرنب مترنّحة كأنها سكرى .
    _________
    (1) الراد : اسم فاعل من ردّ وضعتها لـ ( الراديو ) ، لانه يرد الصوت الذي يرسله المذياع .
    فالقاعدة الثالثة : هي أنه لا يحق لنا أن ننكر وجود أشياء لمجرد أننا لا ندركها بحواسنا .
    _________

    القاعدة الرابعة :
    قلنا : إن الحواس محدودة المدى ، فأنا لا أستطيع أن أرى ببصري كل مرئي ، وهذا صحيح ، ولكن الله أعطانا ( مَلَكة ) نتم بها نقص الحواس ، هي الخيال . أنا إن لم أستطع أن أرى داري في دمشق ، وأنا في مكة ، أستطيع أن أتخيّلها فكأنني أراها ، فالخيال يكمّل الحواس .
    الخيال عند علماء النفس خيالان : خيال مرجع ، كتخيّلي الدار في دمشق وأنا في مكة ، وخيال مبدع ، هو خيال الشعراء والقصاصين والرسامين ، وسائر أهل الفنون . فانظروا إلى خيالات هؤلاء الفنانين ، هل جاؤوا بشيء غير ما في الواقع ؟ الذي نحت تمثال ( فينوس ) جاء بصورة لم نر من يماثلها تماماً ، ولكن هل كانت جديدة ، أم أخذ أجزاءً من الواقع ، فألّف بينها ؟ أخذ أجمل أنف رآه ، وأجمل فم ، وأجمل جسم ، فجمع هذا إلى ذاك ، فجاء بجديد ، ولكن هذا الجديد مؤلف من أجزاء قديمة .
    وتمثال الثور المجنح الأشوري في متحف باريس ، ما فيه إلا أن ناحِتَهُ أخذ رأس رجل فوضعه على جسد ثور ، ووضع له أجنحة طائر . صورة جديدة ، ولكنها مؤلفة من أجزاء قديمة .
    بل إننا إذا أوغَلْنا في الإغراب في جمع هذه الأجزاء ، نجد الخيال نفسه قد عجز عن الإلمام بهذا الجمع ، خذوا - مثلاً - جزءاً من عالم الرائحة ، وجزءاً من عالم الصوت : فقولوا إن فلاناً المغني قد غنى نغمة معطرة بعطر الورد ، أو إن العطر الفلاني له رائحة لونها أحمر ، واعرضوا هذه الصورة على خيالكم ، تجدوا أنكم لم تستطيعوا أن تتخيلوها ، مع أنها جميعاً ما خرجت عن عالم الواقع .
    فنحن لا نستطيع أن نتخيل نغمة عطرة ، ولا رائحة حمراء ، فكيف إذن نتخيل الآخرة وما فيها ، وهي عالم يختلف عن عالمنا ؟!
    قال ابن عباس : ( ما في الدنيا مما في الآخرة إلاّ الأسماء ) . فلا خمر الآخرة كخمرة الدنيا ، ولا حورها كنسائها ، ولا نار جهنم كنارها ، ولا الصراط الممدود على جهنم كالجسور الممدودة على الأودية والأنهار .
    فالقاعدة الرابعة : أن الخيال البشري لا يستطيع أن يُلمّ إلاّ بما أدركته الحواس .

    القاعدة الخامسة :
    لما أبصرت العين العود المستقيم أعوج ، وهو في كأس الماء ، لم ينخدع العقل بما رأت العين ، بل عرف أنه لم يزل مستقيماً , ولما أبصرنا ساحر ( السيرك ) يخرج من فمه مئة منديل ومن كمّه عشرين أرنباً ، أدرك العقل أنها خدعة . فالعقل أصبح حَكَماً ، وحكمه أبعد مدى ، ولكن هل يحكم على كل شيء ، ويمتد مداه إلى غير ما نهاية ؟ .
    إن العقل لا يستطيع أن يدرك شيئاً ، حتى يحصره بين اثنين : الزمان والمكان . فما لم ينحصر بينهما ، لم يدركه العقل بنفسه . فلو قال لك مدرس التاريخ : إن حرباً وقعت بين العرب والفرس ، ولكنها لم تقع قبل الإِسلام ولا بعده ، ولم تقع في زمن من الأزمان ، ولكنها وقعت فعلاً ، لم تدرك ذلك ولم تصدقه ، ولم تقبله ، ولو قال لك مدرس الجغرافية : إن بلدة ليست في سهل ولا جبل ولا في برّ ولا بحر ، ولا في أرض ولا سماء ، ولا في مكان من الأمكنة ، ولكنها موجودة ، لم تدرك ذلك ، ولم تصدقه ، ولم تقبله .
    فالعقل لا يحكم إلا في حدود الزمان والمكان . فما كان خارجاً عنهما من مسائل الروح ، وأمور القدر ، وآلاء الله وصفاته ، فلا حكم للعقل عليه .
    ثم إن العقل محدود , ولا يستطيع أن يحيط به ، تصوّر خلود المؤمنين في الجنة ! إن عقل المؤمن موقن بأنه حقيقة ، وقد جاءه هذا اليقين من الخبر الصادق . ولكن انظر هل يحيط عقلك بالخلود ؟ ركّز فكرك فيه ، تجد أنك تتصور بقاءهم في الجنة قرناً وقرنين ، ومئة قرن ، ومليون ، وألف مليون ، ثم تجد عقلك يقف عاجزاً ، ويسأل : وبعد ؟ إنه يريد أن يضع لذلك نهاية . إنه لا يدرك الـ ( لا نهاية ) ، وإذا افترض الوصول إليها وقع في التناقض الذي يقول ببطلانه .
    أن العقل يختل ميزانه إن حاول الحكم على غير المحدود ، ويقع في التناقض المستحيل ، إذا بحث فيما لا ينتهي .
    فالعقل إذن لا يستطيع أن يحكم ، ولا يصح حكمه إلا في الأمور المادية المحدودة . أما ( ما وراء المادة ) ، أي عالم الغيب ( الميتافيزيك ) ، فلا حكم للعقل عليه .
    للمزيد : كتاب " شرح المواقف " للسيد ، ورسالة " المقصد الأسنى " للغزالي (1) ، وسائر كتب علم الكلام .

    القاعدة السادسة :
    ولقد قرأت في مجلة ( المختار ) ، المترجمة عن مجلة ( ريدرز دايجست ) ، مقالةٌ نشرت أيام الحرب ، لشاب من جنود المظلات ( يوم كانت المظلات والهبوط بها شيئاً جديداً ) يروي قصته فيقول : إنه نشأ في بيت ليس فيه من يذكر الله أو يصلي ، ودرس في مدارس ليس فيها دروس للدين ، ولا مدرّس متدين ، نشأ نشأة ( علمانية ) مادية ، أي مثل نشأة الحيوانات التي لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح ، ولكنه لما هبط أول مرة ، ورأى نفسه ساقطاً في الفضاء قبل أن تنفتح المظلة ، جعل يقول : يا الله يا رب ، ويدعو من قلبه ، وهو يتعجب من أين جاءه هذا الإيمان ؟ .
    وبنت ( ستالين ) نشرت من عهد قريب مذكّراتها ، فكرت فيها كيف عادت إلى الدين ، وقد نشأت في غمرة الإلحاد ، وتعجب هي نفسها من هذا المعاد . وما في ذلك عجب ، فالإيمان بوجود إله ، شيء كامن في كل نفس ، إنه فطرة ( غريزة ) من الفِطر البشرية الأصلية , ولكن هذه الفطرة ، قد ( تغطيها ) الشهوات والرغبات والمطامع ، والمطالب الحيوية المادية ، فإذا هزتها المخاوف والأخطار والشدائد ، ألقت عنها غطاءها فظهرت ، ولذلك سمي غير المؤمن ( كافراً ) ، ومعنى الكافر في لسان العرب ( الساتر ) .
    في قرارة نفس كل إنسان الإيمان بإله ، هذه حقيقة نعرفها نحن المسلمين ؛ لأن الله خبرنا أن الإيمان فطرة فطر الناس عليها . وقد عرفها الإفرنج من جديد ، ( دور كايم ) أستاذ الاجتماع الفرنسي المشهور (1) له كتاب في أن الإيمان بوجود إله بديهية . لا يمكن أن يعيش الإنسان ويموت من غير أن يفكر في وجود إله لهذا الكون ، ولكن ربما قصر عقله فلم يهتد إلى المعبود بحق ، فعبد من دونه أشياء ، عبدها على توهم أنها هي الله ، أو أنها تقرب إلى الله .
    و( فرعون ) تكبر وتجبر ، وقال : { أنا ربكم الأعلى } ، فلما أدركه الغرق ، قال : { آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل .. } .

    القاعدة السابعة :
    هي أن الإِنسان يدرك بالحَدْس أن هذا العالم المادي ليس كل شيء ، وأن وراءه عالماً روحياً مجهولاً ، يدك منه لمحات تدل عليه . ذلك أن الإِنسان يرى اللذات المادية محدودة ، إذا هي بلغت غايتها ووصلت إلى حدها . لم تعد اللذة لذة ، ولكن صارت ( عادة ) ، فذهب طعمها ، وبطل سحرها ، وصارت كالنكتة المحفوظة ، والحديث المعاد .
    يبصر الفقير سيارة الغني تمر به ، وعمارة الغني يمر بها ، فيحسب أنه يحوز الدنيا إن حاز مثلها ، فإن صارت له ، لم يعد يشعر بالمتعة بها . ويسهر المحب يحلم بوصل الحبيب ، يظن أن متع الدنيا كلها بحبه ، والأماني كلها في قربه ، فإذا تزوج التي يحب ، ومر على الزواج سنتان ، اضمحلت تلك الأماني ، وماتت تلك المتع ، ولم يبق له منها إلا ذكرها .
    ثم يجد أنه يسمع الأغنية الحالمة ، في الليلة الساجية ، قد خرجت من قلب مغنٍّ عاشق ، فهزت من سامعها حبّة القلب ، وأطلت به على عالم الروح . ويقرأ القصة العبقرية للأديب البارع ، فيحس كأنها تمشي به في مسارب عالم مسحور ، فيه مع السحر شعر وعطر ، فإذا انتهت القصة رأى كأنه في حلم لَذٍّ فتان ، وصحا منه ، فهو يحاول عبثاً أن يعود إلى لذته وفتونه .
    وإذا بالنفس تتشوق أبداً إلى هذا ( العالم الروحي ) العلوي ، العالم المجهول ، الذي لا تعرف منه إلا هذه اللمحات ، التي لا تكاد تبدو لها حتى تختفي ، وهذه النفحات التي لا تهبّ حتى تسكن ، فيعلم أن اللذات المادية محدودة ، وأن اللذات الروحية أكبر منها كبراً ، وأعمق في النفس أثراً . ويُوقن ( بالحدس النفسي ، لا بالدليل العقلي ) أن هذه الحياة المادة ليست كل شيء (1) ، وأن العالم المجهول ، المختبئ وراء عالم المادة ، حقيقة قائمة ، تحنُّ إليها الأرواح ، وتحاول أن تطير إليها ، ولكن هذا الجسد الكثيف يحجبها عنها ، ويمسكها عن أن تنطلق وراءها ، وهذا هو الدليل النفسي على وجود العالم الآخر .
    القاعدة الثامنة :
    الاعتقاد بوجود الحياة الآخرة نتيجة لازمة للاعتقاد بوجود الله ، وبيان ذلك أن الإله لا يقرّ الظلم ، ولا يدع الظالم بغير عقاب ، ولا يترك المظلوم من غير إنصاف . ونحن نرى أن في هذه الحياة من يعيش ظالماً ويموت ظالماً لم يعاقَب ، ومن يعيش مظلوماً ويموت مظلوماً لم ينصَف . فما معنى هذا ؟ وكيف يتم هذا ما دام الله موجوداً ، وما دام الله لا يكون إلا عادلاًَ ؟ معناه أنه لا بد من ( حياة أخرى ) يكافأ فيها المحسن ويعاقَب المسيء ، وأن ( الرواية ) لا تنتهي بانتهاء هذه الدنيا . ولو أنه عُرض ( فلم ) في الرائي ( التلفزيون ) ، فقطع من وسطه وقيل ( انتهى ) ، لما صدق أحد من المشاهدين أنه انتهى ، ولنادوا ماذا جرى للبطل ؟ وأين تتمة القصة ؟ ذلك لأنهم ينتظرون من المؤلف أن يتم القصة ، ويسدد حساب أبطالها . هذا والمؤلف بشر ، فكيف يصدّق عاقل أن ( قصة ) الحياة تنتهي بالموت ؟ كيف ، ولم يسدد بعد الحساب ، ولا اكتملت الرواية ؟ .
    فأيقن العقل من هنا ، أن لهذا الكون رباً ، وأن بعد الدنيا آخرة ، وأن ذاك العالم المجهول ، الذي لمحت الروح ومضة من نوره في الأغنية الحالمة ، والقصة البارعة ، واستروحت نفحة من عطره ، في ساعة التجلي ، ليس عالم المثل (1) الذي كان خيالاً صاغه أفلاطون ، ولكنه عالم الآخرة , الذي هو حقيقة أبدعها خالق أفلاطون . ورأى الإِنسان أن أكبر لذائذ الدنيا ، لذة الوصال ، لا تدوم إلا نصف دقيقة ، فعلم أنها ليست إلا مثالاً من لذات الآخرة , وإن هذه اللذة التي لا تدوم إلا نصف دقيقة ، مثال مصغر للذّات العالم الآخر ، التي تدوم أبداً ، والتي لا حد لها تقف عنده ، والتي تبقى ( لذة ) دائماً ، ولا تصير ( عادة ) ، كما تصير اللذات في الدنيا عادات .


    قد يشقّ على الفرد أو يشعره بالملل أن يستنفر الجهود مطلقةً لتحصيل العلم الشرعي من غير كتب الرد على الشبهات , بصراحة أنا من هؤولاء , وجدت في كتب العلم الشرعي أن الإسلام راسياً راسخاً كالجبال بل أكثر , وعميقاً كأعماق البحار فكلما تعمّقت في البحر وجدت العجب العُجاب من مخلوقات الله بألوان جميلة و أشكال جذابة لا تملك أن تقول إلاّ سبحان خالقها وهكذا هو اللإسلام سبحان الذي وضعه و أنزله , قال تعالى (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) , بل إنك إن تفكرت في اللآية التي دفعتك لمواجهة الملاحدة (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ ) لوجدت أنك قدّمت أمر على أمر إذ كيف تحصل التقوى بدون معرفة بالعلم الشرعي , وفي كتب الرد على الشبهات متعة كبيرةً جداً تغمرني وأنا أقرأها , إذاً مالحل ؟
    هو في تقسيم وقتك مابين هذا وذاك .
    وفقني الله وإيّاكم إلى مايحبه و يرضاه ,
    بارك الله فيكم ونفّع بكم ,

    تحيتي للموحدين المسلمين .


    * سأضع ملخص الكتاب في مكتبتنا - إن شاء الله - .


    ------------------------------
    روابط قد تحتاج إليها ..
    الموسوعة العلمية في منهج الطلب // صيد الفوائد .
    دليل الموسوعة الذهبية // فرسان السنّة
    سؤال حول عن طلب العلم الشرعي
    كتب في عقيدة أهل السنة و الجماعة .
    مكتبة إسلامية عملاقة
    أمهات كتب الفقه
    منتديات الكتاب الإسلامي الإلكتروني
    -----------------------------
    أخواننا و أخواتنا من محاورين و طلاّب علم ومن لهم خبرة الوقت في المجال , تذكروا
    ياحفظكم الله أن ( الدين النصيحة ) . فأنصحونا بما تجود به أنفسكم علينا , تقدّم منتديات البشارة مشروع رائع , و أنا أرجو أن يبدأ منتدى التوحيد بإستنفار الجهود بتجيد الجنود .
    التعديل الأخير تم 05-07-2010 الساعة 01:30 AM
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    egypt
    المشاركات
    2,149
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا .

  3. #3

    افتراضي

    مقال بديع ما شاء الله ..!
    جزاكِ الله خيرًا .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  4. افتراضي

    من اجمل ما قرأت في هذا المنتدى

    جزاك الله خيراً

  5. #5

    افتراضي

    مــــاشاء الله ....
    بوركت أناملك يامميزة ... بديع جدا ماكتبت هنا وفقك الله
    وننتظر التلخيص الذي وعدت به ..
    بارك الله فيك أختي الفاضلة

    تحياتي للموحدين
    أعظَم مَن عُرِف عنه إنكار الصانع هو " فِرعون " ، ومع ذلك فإن ذلك الإنكار ليس حقيقيا ، فإن الله عزّ وَجَلّ قال عن آل فرعون :(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)
    وبُرهان ذلك أن فِرعون لَمّا أحسّ بالغَرَق أظْهَر مكنون نفسه ومخبوء فؤاده على لسانه ، فقال الله عزّ وَجَلّ عن فرعون : (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

  6. افتراضي

    جزاك الله خيرا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    مصر . القليوبية
    المشاركات
    182
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيرا
    قال تعالى أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون )


  8. افتراضي

    وجزاكم الله خيراً و بارك فيكم
    رفع الله قدركم ..
    قال الله سُبحانه وتعالى { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء:18


    تغيُّب

  9. #9

    افتراضي

    عرفت الله منذ صغري إذ كنت أذهب إلى المسجد القريب من منزلنا لقد كان إحساس غريب ينتابني كنت أشعر بوجود الله أشعر به قريب مني
    ولم يكن أحد من أسرتي يعلم سر ذهاب إلى المسجد باستمرار .لازال هذا الاحساس يلازمني إلى يومنا هذا مما أعطاني هدوءا نفسيا مهما يقع
    وشجاعة لاشيئ يزعزع نفسي ونقاء روحي دائما أشعر بقربي من الله ولايمكن أن يتخلى عني. ولا أعطي أهمية لما يقوله الملحدون لأنهم يعيشون في دوامة من ا لحيرة لايعرفون الهدوء النفسي فأنا أشفق عليهم لأنهم حرموا من نعمة الايمان.

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تطهير الاعتقاد من أدران الالحاد
    بواسطة عائدة لله في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-04-2013, 07:29 PM
  2. تطهير السر - لابن قدامة
    بواسطة أبو الحسام في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-17-2011, 09:42 PM
  3. سر حيّر العقلاء
    بواسطة وليد الدلبحي في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-10-2010, 08:39 PM
  4. حديث السقاء عن الزنا
    بواسطة الطائر في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 04-08-2008, 05:29 PM
  5. معايير العقلاء ( 1 )
    بواسطة شريف المنشاوى في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-03-2006, 04:58 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء