بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأعزاء الأفاضل المشرفون على المنتدى من السادة العلماء والإداريين والفنيين وبقية زملائهم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأحمد الله عز وجل أن يسر لي التعرف إليكم عن طريق الأخ الدكتور أحمد إدريس الطعان، الذي حباه المولى العلم والأدب والخلق الكريم، فله الشكر على هذا، والشكر موصول إليكم أن أتحتم لي فرصة اللقاء والتعاون على البر والتقوى في خدمة الإسلام والمسلمين في ميدان العلم الذي هو سبيل نهضة أمتنا في هذا العصر كما كان سـبيلها فيما مضى مصداقاً لقول رسـول الله : « من يرد الله به خيراً يفقهـه في الدين »( )، وقوله : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،والأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف »( ).
وسأحاول الإجابة عن الأسئلة المطروحة بعون الله وتوفيقه:
السؤال الأول:
ماذا عن أمس السنة النبوية وحاضرها ومستقبلها؟
الحق أن الصحابة تحملوا عن الرسول  السنة القولية والتقريرية والفعليـة ( العملية ) بحب وشغف واهتمام كبير، وعناية فائقة، وقد فصلت القول هذا في كتابي السنة قبل التدوين من خلال:
منهج الرسول  العلمي التربوي وتجاوبه مع دعوته  وحبه لأصحابه، وحرصه على تبليغ الرسالة إلى الناس جميعاً، وبمختلف الوسائل التربوية، فكان الأسوة الحسنة لأصحابه، ولهذا أثر كبير في رسوخ المادة العلمية في نفوس طلبتها، هذا إلى جانب الدوافع الذاتية للصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم بسبب موقف الإسلام من العلم ورفعه منزلة العلماء ورعايته طلاب العلم وترغيب الأمة بالعلم وحض الرسول  عليه، وبيان الأجر المترتب على طلبه وعلى تبليغه، ووصية الرسول  العلماء بطلاب العلم وحسن رعايتهم وتعليمهم، ويتجلى في منهج الرسول  في تعليم أصحابه أمور تربوية لها أثرها البالغ في ترسيخ ما تلقاه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من أهمها:
1- التدرج في تعليم الصحابة.
2- سعة ميادين التعليم وتعددها.
3- حسن تربية الرسول  أصحابه والرفق في تعليمهم.
4- التنويع والتغيير في الأساليب والموضوعات.
5- التطبيق العملي لكل ما يقرره الرسول  على أصحابه.
6- مراعاته المستويات المختلفة للحضور ومراعاته الفروق الفردية واللغوية والزمانية والمكانية.
7- اتسام منهج الرسول  في التربية والتعليم بالتيسير وعدم التعسير، والتبشير وعدم التنفير.
8- كان يعلم الكبار والصغار والرجال والنساء، ويتخول أصحابه بالموعظة والتعليم كلما أتيح له ذلك، ومؤيدات هذه الأسس المنهجية وشواهدها كثيرة جداً في أبواب العلم من كتب الصحاح والسنن والمصنفات المتنوعة وقد فصلت القول فيها في كتابي السنة قبل التدوين ص 38 وما بعدها، والوجيز في علوم الحديث ص57 وما بعدها.
وتستطيع أن تقول بكل اطمئنان وثقة بأن السنة حفظت في عهد الرسول عند الصحابة جنباً إلى جنب مع القرآن الكريم، وأن الصحابة أحاطوا بالسنة وحفظوها على أحسن وجه وتكفلوا بنقلها إلى التابعين، وتميز منهج الصحابة والتابعين في المحافظة على السنة باحتياطهم في رواية الحديث، وبتثبتهم في قبوله، والتزامهم بالتمسك بالسنة، وأخبارهم في هذا كثيرة جداً ( انظر السنة قبل التدوين ص 92 – 125 )، وسار التابعون على منهجهم، إلى أن ظهرت طلائع التصنيف في الحديث النبوي في مطلع القرن الهجري الثاني وتتابع المصنفون في إخراج كتبهم على مناهج متنوعة واشتهرت الموطآت والجوامع الصحيحة والسنن والمصنفات والمستدركات والمستخرجات وكتب الأطراف والمجاميع وكتب الزوائد، وتتالت كتب الشروح الكثيرة حتى زخرت المكتبة العربية الإسلامية بكتب الحديث بما لم تعهده مكتبة على وجه الأرض، ومع كل هذا كانت مجالس الحديث ومجالس الإملاء لأكابر الحفاظ والمحدثين تعقد في مشارق الأرض ومغاربها، في حواضر دول الإسلام وعواصمها وسائر مدنها، هذا إلى جانب رحلات العلماء والطلاب في طلب الحديث، والمناظرات ولقاء الشيوخ وأكابر الحفاظ، وقد حفظت كتب التراجم والطبقات الكثير الطيب من ذلك كله ... وقد اشتهر المحدثون في بلاد الشام ومصر والمغرب واليمن والهند وباكستان وفي الحجاز والعراق، واتسعت حلقاتهم العلمية وحققوا وخرجوا كثيراً من كنوز السنة، وتخرج بهم علماء أفاضل تابعوا مسيرتهم، وكثرت في القرن العشرين ومطلع هذا القرن الدراسات العلمية في موضوعات الحديث وعلومه، وسجلت رسائل كثيرة جداً كان لها أثر عظيم طيب في إيجاد وعي حديثي – إن صح هذا التعبير – لدى الشباب المسلم من العلماء والدارسين مما شحذ هممهم، وشد من عزائمهم في طَرْق أبواب التخصص المتنوعة في دراسة السنة وعلومها، وتفنيد شبه خصومها، وتجلى الحق والحقيقة أمام أبناء أمتنا، وإذا بمجالس التحديث تعقـد – من جديد – في أكثر البلاد الإسلامية، ويتجه التدريس إلى بيان الصناعة الحديثية والفقهية والتحليلية لما يقرر في تلك المجالس، ومما يزيدنا تفاؤلاً الحرص على الفهم والتطبيق والالتزام بالسـنة – عن فهم ووعي – في الحياة العملية، وقد رأيت من طلاب العلم في بعض البلاد العربية والإسلامية من ينص الحديث بسنده ومتنه عن ظهر قلب مع معرفة غريبه ودلالاته، وقد شاركت الإناث في هذا الميدان مشاركة فاعلة متقدمة في الإقبال على دراسة الحديث وعلومه وتدريسه وحفظه بما لم يسبق له نظير في القرن الماضي، حتى إن عدداً من المحدثات في بلاد الشام يحفظن الكتب الستة بأسانيدها، ولله الحمد مما يبشر بالخير إن شاء الله تعالى، كما أن بعضهن يقمن بدراسات علمية في السنة وعلومها على مستوى الدراسات العليا بما يشرح الصدور، ويطمئن القلوب، بأن السنة تأخذ مكانها اللائق بين المسلمين إن شاء الله تعالى، سائلاً الله عز وجل أن يوافق العمل العلم، يزينه الإخلاص والحب في الله لتؤدي أمتنا دورها العظيم في ريادة الإنسانية إلى الخير بعون الله تعالى وتوفيقه.
كل هذا إلى جانب الجامعات والكليات الإسلامية ودُور الحديث المختلفة في العالمين العربي والإسلامي، التي وضعت مناهج ممتازة لدراسة الحديث وعلومه، وإلى جانبها المعاهد الشرعية الكثيرة، وأقسام التخصص المتنوعة في الدراسات العليا، ولا بد من الإشارة إلى مراكز السنة والسيرة ومراكز القرآن والسنة الحكومية والخاصة، والمتخصصين في إعداد برامج الحديث المتنوعة على الحاسوب، كل هذا يدل على وعي معاصر ممتاز إن شاء الله للمحافظة على السنة ونشرها والعمل بها، ومع كل هذا لا بد من مرجعية علمية متخصصة يستفاد منها كلما اقتضى الأمر ذلك.

السؤال الثاني:
هل هناك علم يسمى تفسير الحديث، أو تفسير السنة، وما هي أهم المراجع المقترحة ...؟ فقد رأيت قبل عشر سنوات ( رؤية ) يأمرني فيها الرسول  بتفسير الحديث عنه ... ومن ترشحون ممن يحمل مسمى أمير المؤمنين في الحديث النبوي من السابقين واللاحقين؟
أولاً: توافق العلماء على إطلاق التفسير على تفسـير القرآن الكـريم أو تأويلـه – بالمعنى الاصطلاحي – على العلم الذي يتناول بيان القرآن الكريم وتفسيره بالمنقول عن الرسول  وعن الصحابة والتابعين، وبما ثبت معناه في اللغة العربية، وأما بيان الحديث النبوي فقد تكفلت به كتب شروح الصحاح والسنن والموطآت وغيرها ومن أشهرها:
آ- شروح صحيح البخاري:
1- فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( 773 – 852هـ ) من أجل شروح صحيح البخاري، استغرق تأليفه نحو خمس وعشرين سنة، له مقدمة هامة تقع في جزء كبير باسم ( هدي الساري ) تناولت أهم الأمور التي تعلقت بالصحيح، وكشف ابن حجر عن أسرار كثيرة في صنيع البخاري من الناحية الحديثية والفقهية، وفي الكتاب فوائد كثيرة، الكتاب مطبوع عدة مرات في سبع عشرة مجلدة.
2- عمدة القاري شرح صحيح البخاري: لأبي محمد بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي ( 762 – 855 هـ ) استغرق تأليفه سبعة وعشرين عاماً، يبدأ بشرح ترجمة الباب، ومناسبتها وصلتها بالباب الذي يليه ثم يورد الحديث ويشرح غريبه، ويبين طرقه، والاختلاف في لفظه إن وجد، كما يعرض لإعراب ما يحتاج منه إلى إعراب، ويعرض لاستنباط الأحكام، إلى غير هذا مما له صلة بالرواة ولطائف الإسناد ... ويتجلى اهتمام الشارح بأحاديث الأحكام وبيان المسائل الخلافية بين المذاهب الفقهية، الكتاب مطبوع في عشر مجلدات كبيرة.
3- إرشـاد السـاري: لشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ( 851– 923 هـ ) قدم الشارح لشرحه بيان فضل أهل الحديث، وأول من دون الحديث والسنن، وعرض لبعض المصطلحات الحديثية، وعرض لشرح البخاري وترجمته، اهتم الشارح بضبط الكلمات وبيان دلالاتها، ويتعرض أحياناً لإعراب ما يحتاج إلى إعراب ليسهل على القارئ فهم المراد، شرح مختصر ذو فوائد كثيرة، طبع في عشر مجلدات.
4- شرح صحيح البخاري: لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي الأندلسي المشهور بابن بطال ( - 449هـ )، مالكي المذهب، واسع الدراية في الحديث وعلومه، يذكر طرق الحديث ويبين غريبه ويجمل معناه ويذكر ما فيه من أحكام كما يبين أقوال أهل العلم في فقهه، شرح جامع فيه فوائد كثيرة طبع في عشر مجلدات بالرياض.
5- أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي ( - 388هـ ) تحقيق ودراسة محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، مركز إحياء التراث سنة ( 1409هـ ) في أربع مجلدات كبيرة، شرح قيم جامع.
ب- شروح صحيح مسلم:
1- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج: للإمام أبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي ( 631 – 676هـ ) المشهور بشرح النووي، شرح قيم تناول طرق الحديث ورواته وبين المعنى اللغوي ومجمل معنى الحديث واستنبط أحكامه، وبين أقوال العلماء وأئمة المذاهب في فقهه، وفيه من الفوائد واللطائف الحديثية والعلمية الكثير، طبع في ثمانية عشر جزءاً في مصر وفي الرياض وغيرها.
2- المعلم بفوائد مسلم: لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري ( - 536هـ ) من علماء المغرب الأقصى مالكي، شرح مختصر مفيد اعتنى بإزالة ما يبدو متعارضاً بين ظاهر الأحاديث، وعرض للمسائل الفقهية، تفرد ببعض الاستنباطات الغريبة، ومع هذا فالشرح مشهور مطبوع في ثلاثة أجزاء كبيرة.
وهناك شروح أخرى للقاضي عياض ( - 544هـ ) وللإمام السيوطي ( 848 – 911هـ ) وللإمام أحمد بن عمر القرطبي ( - 656هـ ).
حـ- أهم شروح موطأ الإمام مالك بن أنس الأصبحي المدني إمام دار الهجـرة ( 93 – 179هـ ):
1- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي ( - 463هـ ) في ست وعشرين مجلدة مع الفهارس، تحقيق وتعليق مصطفى أحمد العلوي وآخرين، الرباط،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ( 1387 – 1406هـ ) وطبع في بيروت، دار الكتب العلمية ( 1419هـ / 1999م ) ط2، يعد أهم شرح للموطأ جمع فيه ابن عبد البر بين الحديث والفقه، ورتبه بطريقة الإسناد على أسماء شيوخ الإمام مالك، الذين روى عنهم في الموطأ، ثم أورد أحاديث كل شيخ مرتباً أسماء الشيوخ على حروف المعجم، واقتصر في هذا الشرح على الأحاديث المرفوعة سواء أكانت متصلة أو منقطعة دون البلاغات والآثار وفقه الإمام مالك، وذكر ابن عبد البر في مقدمة شرحه بعض مسائل في مصطلح الحديث، وهو كتاب متميز جامع في منهجه وأسلوبه، وكان محل ثناء العلماء.
2- الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار: للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي ( - 463هـ )، اهتم في هذا الكتاب بالجانب الفقهي، وبأقوال أئمة الفقه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، طبع في ثلاثين مجلدة في بيروت.
3- المنتقى في شرح الموطأ: للإمام سليمان بن خلف الباجي ( - 474هـ ) اختصر الباجي هذا الكتاب من كتابه الكبير ( الاستيفاء في شرح الموطأ ) وهو في حكم المفقود، جمع المصنف في المنتقى فوائد كثيرة تتعلق بمذهب الإمام مالك، طبع في سبعة أجزاء كبيرة بالقاهرة سنة ( 1331هـ ) ويتميز هذا الشرح بعرض كثير من المسائل الفقهية وما يتفرع عنها.
4- القبس في شرح موطأ مالك بن أنس: للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي المالكي المعافري الأندلسي ( 468 – 543هـ ) شرح مختصر، عرض فيه الشارح المسائل الفقهية والأصولية، وأحسن ترتيبها تحت عناوين واضحة، طبع ببيروت في ثلاث مجلدات،كما قام السيد محمد ولد عبد الكريم بتحقيق الكتاب بإشراف عبد العال أحمد عبد الله بجامعة أم القرى ونال به درجة الدكتوراه.
5- تنوير الحوالك شرح موطأ مالك: للحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 – 911هـ ) شرح غريب الحديث وناقش بعض المسائل الفقهية، طبع بالقاهرة في مجلدين.
6- شرح الزرقاني على الموطأ: للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني ( - 1122هـ ) شرح وجيز فيه فوائد كثيرة جيدة، استفاد المؤلف من كتب شروح الموطأ التي تقدمته ومن كتاب فتح الباري لابن حجر.
7- المسوى: للشيخ ولي الله أحمد بن شاه بن عبد الرحيم الدهلوي ( - 1176هـ ) كتاب مختصر شرح بعض الألفاظ الغريبة، وتكلم على بعض المسائل الفقهية، طبع في بيروت في جزأين.
8- أوجز المسالك إلى موطأ مالك: للشيخ محمد زكريا بن محمد الكاندهلـوي ( - 1982م ) يعد من أوسع شروح الموطأ، استوفى بيان المذاهب الأربعة، وتناول بالمناقشة كثيراً من المسائل الخلافية، وذكر الفوائد الإسنادية، وأفاد ممن سبقه إلى شرح الموطأ كابن عبد البر والباجي والقاضي عياض وغيرهم، وذكر أقوال شراح الموطأ من علماء الهند، وقدم للكتاب بمقدمة جامعة في علوم الحديث وتدوينه، وبما يتصل بالموطأ ومؤلفه من فوائد ولطائف، طبع الكتاب في خمس عشرة مجلدة، ط3، مكة المكرمة، المكتبة الإمدادية، شهار نفور، الهند، المكتبة اليحيوية ( 1400 – 1408هـ )، وبيروت دار الفكر.


د- شروح سنن الترمذي:
1- عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي: لأبي بكر محمد بن عبد الله ( ابن العربي ) القاضي ( - 543هـ ) من أهم شروح سنن الترمذي وأكثرها نفعاً، له مقدمة ضافية عرض فيها لقضايا الرواية، وخصائص سنن الترمذي، ثم شرح الأحاديث شرحاً وافياً تناول الأسانيد والرواة والمتون وبيان غريبها، واستنباط ما يمكن استنباطه من الأحكام الفقهية، كما عرض لدلالات الأحاديث وغير هذا، الكتاب مطبوع في ( 13) جزءاً كبيراً.
2- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي: للشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ( - 1353هـ ) قدم الشارح لشرحه بمجلدة جليلة الفائدة، عرض فيها لقضايا كثيرة في علم الحديث وكتبه وأخبار الحفاظ والمحدثين، ثم ذكر في باب خاص كل ما يتعلق بالإمام الترمذي وخصائص سننه ومزاياها، ثم شرح السنن شرحاً وافياً اهتم بتفصيل أقوال الفقهاء ورجح ما لم يعرض الترمذي لترجيحه، الكتاب مفيد طبع في عشر مجلدات كبيرة.
هـ- شروح سنن أبي داود: لسنن أبي داود عدة شروح أهمها:
1- معالم السنن: لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي ( - 388هـ ) شرح جامع مختصر حيث يشرح الخطابي حديثاً واحداً في الباب من الناحية اللغوية، وقد يعقب على بعض العلماء، يعرض لفقه الحديث فيذكر أقوال العلماء ومذاهبهم في دلالة الحديث، ويستنبط بعض الأحكام، ويدلي برأيه إن اقتضى الأمر، طبع الكتاب في أربع مجلدات كبيرة بمصر وفي غيرها.
2- عون المعبود على سنن أبي داود: للشيخ محمد بن أشـرف العظيم آبـادي ( - 1349هـ ) شرح سنن أبي داود على حواشي الكتاب شرحاً وسطاً جيداً يذكر أقوال العلماء في المسائل الفقهية، وترجيحها أحياناً، واستفاد من تعليقات الإمام عبد العظيم المنذري ( 581 – 656هـ ) على السنن، كما أنه يخرج الأحاديث غالباً ويبين مواضعها من كتب السنن، وهناك شروح عدة لسنن أبي داود: المنهل العذب المورود للشيخ محمود محمد خطاب السبكي ( - 1352هـ )، وتكملته لولده أمين السبكي طبع الشرح والتكملة في ثمانية أجزاء، وبذل المجهود في حل سنن أبي داود للشيخ خليل الأنصاري الهارنفوري، طبع في عشرين مجلدة.
و- بعض شروح سنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ( 215 – 303هـ ):
1- شرح سنن النسائي لأبي العباس أحمد بن الوليد بن رشد ( - 563هـ ).
2- شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن ( - 804هـ ) شرح فيه زوائد سنن النسائي على الكتب الأربعة: الصحيحين وسنن أبي داود وسنن الترمذي.
3- زهر الربى على المجتبى: للإمام جلال الدين السيوطي ( 849 – 911هـ ) شرح مختصر، عليه تعليقات موجزة للشيخ أبي الحسن محمد بن عبد الله السندي ( - 1136هـ ) مطبوعان على حاشية السنن، اعتنى به ورقمه ووضع فهارسه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ط3، بيروت دار البشائر الإسلامية 1409هـ، جزءان في مجلدة.
4- سنن النسائي بالتعليقات السلفية: باعتناء الشيخ محمد عطاء الله الفوجياني الأمرتسري، ط المطبعة السلفية بلاهور باكستان ( 1376هـ ).
ز- بعض شروح سنن ابن ماجه:
1- شرح سنن ابن ماجه: للحافظ علاء الدين مغلطاي ( - 762هـ ) شرح قسماً منه في خمس مجلدات.
2- شرح الحافظ ابن رجب الحنبلي: ( - 795هـ ) ذكر هذا أبو الحسن السندي كما جاء في ( ما تمس إليه الحاجة ص 178 ).
3- شرح الحافظ ابن الملقن الشافعي: ( - 804هـ ) زوائده على الكتب الخمسة في ثمانية أجزاء، وسماه ( ما تمس إليه الحاجة على سنن ابن ماجة )، ضبط المشكل من الأسماء والكنى وما يُحتاج إليه من الغرائب.
4- المفسرة بإنجاح الحاجة: حاشية على سنن ابن ماجة للشيخ محمد بن إسماعيل ابن عبد الغني الدهلوي ( - 1247هـ ) طبع دهلي سنة ( 1273هـ ).
ثانياً: أما رؤيتك منذ سنوات في منامك أن رسول الله  يأمرك بتفسير الحديث عنه، فأسأل الله عز وجل أن يفتح عليك ويجعلك من حملة كتابه الكريم، وحفظة حديثه الشريف، وسبيلك مجالسة العلماء وكثرة المطالعة والعمل بما تتعلم، والإخلاص في طلب العلم والعمل، والدعوة إلى الله عز وجل بصدق لتكون في عداد من قال فيهم رسول الله  لعلي : « فو الله لأن يَهْدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ من حُمْرِ النعم » متفق عليه( ).
ولا نقع فيما حذر عنه الرسول  ورهب منه فيما يرويه أبو هريرة  قال: قال رسول الله : « من تعلم علماً مما يُبْتَغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصب به عرضاً من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنةِ يوم القيامة »( ).
ثالثاً - من يحمل مسمى أمير المؤمنين في الحديث النبوي، ومن ترشحون من السابقين واللاحقين؟
أفضل أن أعرض ألقاب أهل الحديث هنا حتى تتضح لنا منزلة ( أمير المؤمنين في الحديث ).
آ- ألقاب أهل الحديث:
1- طالب الحديث: هو من شرع في طلب الحديث.
2- المُسْنِد – بضم الميم وكسر النون -: وهو من يروي الحديث بإسناده سواء أكان عنده علم به أم لم يكن( ).
3- المحدث: هو من مهر في الحديث رواية ودراية، وميز سقيمه من صحيحه، وعرف علومه واصطلاحات أهله، والمؤتلف والمختلف من رواته، وضبط ذلك عن أئمة هذا العلم، كما عرف غريب ألفاظ الحديث، وغير ذلك، بحيث يصلح لتدريسه وإفادته( ).
4- الحافظ: هو من اجتمعت فيه صفات المحدث، وضم إليها كثرة الحفظ وجمع الطرق، كي يصدق عليه اسم الحافظ، وقد فرق بعض المتأخرين، فرأى أن الحافظ من وعى مئة ألف حديث متناً وإسناداً، ولو بطرق متعددة، وعرف من الحديث ما صح، وعرف اصطلاح هذا العلم.
وقال المِزِّي: الحافظ ما فاته أقل مما يعرفه.
5- الحجة: فإذا وعى الحافظ أكثر من مئة ألف، وأصبح ما يحيط به ثلاث مئة ألف حديث مسندة، فهو حافظ حجة( ).
6- الحاكم: هو من أحاط بجميع الأحاديث المروية، متناً وسنداً، وجرحاً وتعديلاً وتاريخاً( ).
7- أمير المؤمنين في الحديث: يطلق هذا اللقب على من اشتهر في عصره بالحفظ والدراية، حتى أصبح من أعلام عصره وأئمته، وقد لقب بهذا اللقب عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان المدني ( أبو الزِّناد ) ( ت: 131هـ )، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والإمام مالك بن أنس، والإمام البخاري، وغيرهم، وهؤلاء من أبرز أعلام أئمة الحديث، وقد شهد لهم كبار الأئمة وجمهور الأمة بالإمامة والتقدم والرسوخ في هذا العلم( ).
ب- وأما من أرشح لهذا اللقب من السابقين واللاحقين فهذا أمر كبير جداً، دونه تقطع أعناق الإبل، ولا أزال على عتباته، فهم قمم وجبال في الحفظ والرسوخ والدراية، فإني أنهل من بحورهم وأغتذي بعلومهم، وأفيد كثيراً من مروياتهم ومصنفاتهم رحمهم الله تعالى، ورفع منازلهم في جنات الخلد، وحسبي هنا أن أوجز لك ما ذكره العلامة الشيخ أبو المواهب شمس الدين محمد حبيب الله بن الشيخ عبد الله بن أحمد مايابي الجكني الشنقيطي ( 1295 – 1363هـ / 1944م ) في رسالته هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث، طبعت بعناية وتعليق الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية رحمه الله في دار البشائر الإسلامية سنة ( 1410 هـ ) في ( 44 ) صفحة بيروت.

باب
ذكر أمراء المؤمنين في الحديث
وحصرهم بالعَدِّ
فمَـالِكٌ إمَامُنا المقـَدَّمُ( ) وشـيخه أبو الزِّنادِ العَلَمُ( )
ثُمَّ إمامُ العارفينَ الثَّوْري( ) مَنْ زانَهُ الزُّهدُ كَزَيْن النَّورِ( )
فشُـعْبَةُ المحقِقُ الإمـامُ من ازدهت بعلمِهِ الأيـامُ( )
كذاكَ إسْحقُ الإمامُ الحًنْظَلِي( ) ثُمَّ هِشامُ الَّدسْتَوَائِيُّ العَلِي( )
وابْنُ دُكَيْنِ الفَضْلُ( ) الألمعي( ) كذا ابنُ يَحْيى الحَافِظُ الذُّهْلِيُّ( )
ثُمَّ البُخَارِيُّ( ) الشَّهيرُ الفَخْمُ( ) والدَّارَقُطْنِيُّ الإمَـامُ الشَّـهْمُ( )
ثُمَّ ابنُ إسْـحقَ إمَامُ السِّـيْرَهْ مَنْ كـانَ ذا بَصِيرَةٍ مُنـيرَه( )
قد قالَ ذاكَ الذَّهَبِي في التَّذْكِرَه( ) وغَيرُهُ( ) إذ حازَ تِلكَ المفْخَرَه
والوَاقِدِيُّ الشَّـهْمُ ذُو البَصيرَه مِنهمْ وكانَ مَاهراً في السِّيرَه( )
كمَـا لِذَاكَ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَقَـرّ كَمَا لهُ العَيْنِيُّ تَصْريحـاً ذَكَرْ
وهكذَا حَمَّادُ نَجْلُ سَـلَمَه( ) فابنُ المُبَارَكِ وكَمْ مَّنْ عَظَّمَهْ( )
والدَّرَاوَرْدِيُّ لِذَاكَ يصلُـحُ( ) قَدْ قَالَهُ مَعْنُ بنُ عِيسَى المُفْلِحُ( )
وكادَ مُسْـلمٌ بهـذَا اللَّقَبِ( ) يُدعَى كَمَا لِبَعْضِهِمْ ومَا اجْتُبِي( )

ونجْـلُ عَلاَّنَ المُحَقِّقُ ذَكَـرْ( ) مِن أمـراءِ المُؤمِنينَ ابْنَ حَجَرْ( )
قُلْتُ ولا يَبْعُدُ فِي السُّيُوطِي ذاكَ لِمَا حَازَ مِنْ الشُّرُوطِ( )
وأحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى صِفَهْ تُعْطِيهِ ذَا مَعْ وَرَعٍ وَمَعْرِفَه( )
وابنُ مَعِينٍ مِثْلُهُ فِيمَا سَلَفْ( ) ولمْ أجِدْ هَذَا( )لَهُمْ عَنِ السَّلَفْ
هَذَا الَّذِي حرَّرْتُهُ مِنْ أُمَرَا ءِ المُؤمِنِينَ في الحَديثِ الكُبَرَا( )
أسْـألُ رَبِّي أنْ أرَى أميرَا فِيهِ وَلَوْ أَتَيْتُـهُ أخِــيرَا
وأنْ أنَالَ بِالحَدِيثِ الرَّحْمَهْ في جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ فَهْيَ النِّعْمَه
أَكْمَلْتُـهُ في بَلْدَةِ الخَلِيْـلِ مُقْتَبِسـاً من نُورِهِ الجَمِيـلِ
عَلَيهِ مِنِّي صَلَوَاتٌ بَاهِـرَه وآلِهِ الغُرِّ النُّجُـومِ الزَّاهِـرَهْ
وإنَّني ضَيْـفٌ لإبْرَاهِيْمَـا وَلَـمْ يَزَلْ لِضَيْفِـهِ كَرِيمَـا

الجواب عن السؤال الثالث:
1- خبر أم قرفة من بني فزارة وأن النبي  أرسل إليها زيد بن حارثة فربطها بحبل بين جملين ...
هذا الخبر لا يصح ولم يرد في كتاب معتمد، وكونها من بني فزارة الذين يعادون النبي ، فإن معاداتهم الرسول  لا تحمله على أن يقتل تلك المرأة، ومعاملته  لبني فزارة تدحض هذا المنقول افتراءً، أخرج الإمام مسلم في غزوة ذي قرد أن عبد الرحمن الفزاري أغار على لقاح رسول الله  - وهي إبلُ الصدقة – وهي ترعى بذي قَرَدٍ – ماء على نحو يوم مما يلي غطفان – فانطلق الصحابي الشاب سلمة بن الأكوع – وكان عداءً لا يُسبق ورامياً لا تُخطئ رميته – وراءهم يرميهم بالنبال حتى استنقذ اللقاح منهم، وجاء الرسول والمسلمون مدداً، فقال سلمة: يا رسول الله  إني حَمَيْتُ القومَ الماء – أي منعتهم الماء – وهم عطاشٌ، فابعث إليهم – أي رجالاً يقاتلونهم – السـاعة، فقال : « يا ابن الأكوع ملكتَ فأسجحْ » أي تغلبت على العدو فأحسن وأرفق( ).
وقد تكلم ابن حجر في رواية الفزاري عن ابن المنكدر، وعنه محمد بن سلمة، وفيما ذكر من تعصب عطية بن سعد يُرَدُّ الخبر، هذا إلى جانب كثرة خطئه.
وورد خبر أم قرفة أن أبا بكر  هو الذي أمر بقتلها كيف يكون هذا علماً بأن راوي الخبر لم يدرك أبا بكر فما رأيكم؟ فالخبر منقطع ضعيف إن لم يكن موضوعاً، انظر الورق المرفق ( أحاديث مختلفة ) وما ورد عنه  من النهي عن قتل النساء ص1 و2 من الملحق.
2- وأما عصماء بنت مروان هذه الذي وردت عند الدارقطني باسم ( أم مروان ) ففي حديث الراوي وهم كما قال العقيلي، ومهما يكن آمل أن تذكر لنا المصدر الذي أورد الخبر مع الشكر سلفاً.
3- موضوع قتل أبي رافع بن أبي الحقيق ( سلام بن أبي الحقيق ). ما من أحد إلا يعلم دور اليهود في تحزيب الأحزاب يوم الخندق وتخذيل المسلمين، إنه عدو ينكي بالمسلمين، هل يتصور عقلاً وعرفاً أن يسعى في الأرض فساداً ويعمل على تفريق كلمة المسلمين والإساءة إليهم ويقف الرسول  مكتوف اليدين!!؟ ليتك تقف على موقفهـم – أي يهود المدينة – في غزوة الخندق في سيرة ابن هشام وعلى مقتل سلام بن أبي الحقيق في سيرة ابن هشام 3/286 وما بعدها، وانظر ص3 من الملحق.
4- أما كنانة بن الربيع من يهود بني النضير، فقد سأله الرسول  عن كنز بني النضير فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود إلى رسول الله  فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداةٍ، فقال رسول الله  لكنانة: أرأيتَ إن وجدناه عندك أقتلك؟ قال: نعم، فأمر رسول الله  بالخربة فحضرت، فأُخرِجَ منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه إليه( ).
من الواجب أن توضع أي مسألة في إطارها الكلي وفي موضعها لا أن تجتزأ بقصد إبراز جانب السوء فيها أو الخير، فهنا حالة حرب ومعركة بين المسلمين وأعدائهم الذين يمطرونهم من حصونهم بالحجارة والصخور والنبال ... وكنانة بن الربيع أحد وجهائهم وقادتهم وتحت يديه بعض أموالهم يعرض عليه الرسول أمر الأموال وينكرها، ويعلمه أنه إن وجدها عنده قتله لجحوده فكنانة هو الذي اختار مصيره !!! كما يجب أن ندرك أن بين الرسول  واليهود الصحيفة ( الوثيقة ) التي دونت بعد الهجرة تنص على حقوق وواجبات الجميع وأن المرجعية في ما ينشب من خلاف إلى الله ورسوله ... واليهود هم الذين خانوا المسلمين وغدروا بهم، فانتهكوا حرمة سيدة من نساء الأنصار في سوق بني قينقاع، فكانت غزوة بني قينقاع، وتآمر بنو النضير على قتل الرسول  حين كان في ديارهم، وتآمر بنو قريظة وبنو النضير على المسلمين، ونقضوا العهد أيام الأحزاب، كما كان يهود خيبر أكبر مهيج للأحزاب ضد رسول الله فكانت غزوة خيبر ..
فلم يقتل الرسول  كنانة بن الربيع إلا لما كان له من إنكار، وعملاً بما اتفقنا عليه، وليت السائل اطلع على رحمة الرسول  آنذاك، فقد جاء بلال بن رباح بصفية ابنة حيي بن أخطب وبسبية أخرى معها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماراً في طريقه على قتلى من اليهود ففزعت السبية الأخرى وصاحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: « أنزعت منك الرحمة يا بلال، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟» ولما علم  بصفية ألقى عليها رداءه، فعرف المسلمون أن رسول الله  اصطفاها لنفسه، فهي بنت أحد زعماء اليهود وزوجة أحد أعيانها، والأليق لها وبها أن تكون في صَفِي رسول الله  تطييباً لخاطرها، ولمكانتها في قومها( ). قال ابن اسحاق: ( كانت صفية قد رأت في المنامِ وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمراً وقع في حجرها، فعرضت رؤياها على زوجها فقال: ما هذا إلا أنك تَمَنَّينَ مَلِكَ الحجازِ محمداً، فلطم وجهها لطمةً خَضَّرَ عينها منها، فأتي بها رسول الله  وبها – أي بصفية – أثر منها – أي من لطمها – فسألها ما هو؟ فأخبرته هذا الخبر( ).
5 و6- أناس معادون للرسول يعدون العدةَ لغزوه، أو يتآمرون على المسلمين لتثبيط هممهم وتخذيلهم عن الخروج مع الرسول  لقطع طمع الرومان بشمال دولة الإسلام لا بد من ردعهم ومنعهم من تنفيذ خططهم، هذا لا يتنافى مع الرحمة التي أرسله الله بها إلى العالمين، إن في عقابهم رحمة لغيرهم من المسالمين، ألا ترى أن في عقاب الجاني والمعتدي رحمةً بالمجتمع، وأن التسامح معه ظلم لغيره لأن إجرامه وعدوانه سيمتد إلى غيره من أبناء المجتمع الآمن، وما أبلغ قول الله تعالى:  ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألبـاب  [ البقرة: 179 ] هذا شرع الله يطبق بعدل بين عباد الله، وما وضعت قوانين العقوبات في البلاد غير الإسلامية إلا لحماية المجتمع من أن تنتهك حرمات أبنائه.
7- ما قرأته في صحيح البخاري صحيح وقد أخرجه في مواطن عدة كما أخرجه غيره من أئمة الحديث وجاء في السيرة أنهم بايعوا الرسول  وكانوا سقاماً مصفرَّةً ألوانهم، عظيمة بطونهم فلم يوافقهم هواءُ المدينة فأمر لهم  بإبل الصدقة ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فذهبوا وفعلوا ما أمرهم، ولما تمَّ شفاؤهم قابلوا الإحسان بكفر النعمة وقتلوا الراعي ومثَّلوا به، واستاقوا الإبل ... في سائر النصوص الواردة تدل على ما يلي( ):
1- نقضوا بيعة الرسول  بفعلهم ذلك.
2- قتلوا الراعي.
3- مثَّلوا به.
4- استاقوا الإبل أي أخذوا الأموال العامة.
5- بفعلهم هذا حاربوا الله ورسوله.
6- أوقعوا الرعب في المسلمين.
فينطبق عليهم قوله عز من قائل:  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرضِ فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم  [ المائدة: 33].
وما جاء من غضبه  كبشـر لا خلاف فيه وأنه من رحمته  بإخوانـه قال: « اللهم إنما أنا بشر فأي من المسلمين لعنته أو سـببته فاجعله له زكاةً وأجراً »، وقـال: « إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة » أخرجه مسلم، وما كان يغضبُ  لنفسه بل يغضب إذا انتهكت حرمة الله، وقد أخرج الشيخان عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: « ما خُيِّرَ رسول الله  بين أمرين قط، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم رسول الله  لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمةُ الله، فينتقم لله بها »( ).

السؤال الرابع:
الأخ الفاضل: أشكركم لثنائكم على بعض مؤلفاتي كالسنة قبل التدوين والمحدث الفاضل، ونفع المولى بك العباد والبلاد.
1- تقول: برزت في الآونة الأخيرة هجماتٌ تتكلم عن تناقض السنة وغير ذلك، فهل ترون أن الهجوم على السنة قد أخذ طابعاً جديداً غير السابق؟ وأن مسألة التدوين قد رأى المغرضون أنه قد أجاب عنها العلماء ولم يترك لهم أي شبهة فيها؟
2- كنت كتبتُ موضوعاً في هذا المنتدى اسمه ( السنة وحي الله ) ذكرتُ فيه بعض الأدلة على أن السنة وحي من الله عز وجل كالقرآن تماماً، فاعترض عليَّ بعضهم بأن النبي  قد عاتبه ربه في بعض المواقف مثل أسارى بدر مثلاً فقال المعترض: الوحي لا يخطئ ... فكان ردي عليه: ( بأن الوحي هنا هو الذي أنزله الله عز وجل على نبيه  في آخر الأمر، وأما الأول فكان اجتهاداً من النبي  قبل نزول الوحي ).
الجواب:
1- إن التصدي للسنة من أعداء الإسلام ومن بعض المغرضين له وجوه كثيرة، وكلها يلتقي عند محاولة تشكيك المسلمين بسنة رسول الله  المبينة للقرآن الكريم، فإذا تم هذا – لا سمح الله ولن يتم – سَتُجَهَّلُ الأجيال الصاعدة بدينها، وحينئذ يبتعد المسلمون عن دينهم وهو الحصن المنيع للمسلمين، والدرع القوي الذي تتحطم عليه سهام أعدائهم المغرضة.
وكتب رد الشبهات والدفاع عن السنة كثيرة جداً، ووعي المسلمين بدينهم والتزامهم بما صح عن الرسول  كفيل بتهافت تلك الشبهات وردها، من هذه الكتب:
1- أبو هريرة راوية الإسلام: الدكتور محمد عجاج الخطيب، سلسلة أعلام العرب رقم 23، وزارة الثقافة مصر 1963.
2- الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، المطبعة السلفية بالقاهرة 1378هـ، وعالم الكتب بيروت 1403هـ / 1983م.
3- الحديث والمحدثون: د. محمد أبو زهو، دار الكتاب العربي بيروت 1404هـ / 1984م.
4- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: الدكتور مصطفى السباعي، دار العروبة القاهرة 1380هـ / 1961م.
5- السنة قبل التدوين: الدكتور محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة مصر 1383هـ / 1963م.
6- السنة المطهرة والتحديات: الدكتور نور الدين عتر، دار المكتبي دمشق 1419هـ / 1999م ط1.
7- ظلمات أبي رية: الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، المطبعة السلفية مصر 1372هـ / 1953م.
8- قصة الهجوم على السنة: علي أحمد السالوس، دار السلام القاهرة 1408هـ / 1987م ط1.
2- كل ما جاء عن الرسول  - سوى القرآن الكريم – من بيان لأحكام الشريعة، وتفصيل لما في الكتاب الكريم، وتطبيق له هو السنة أو الحديث النبوي، وهو بوحي من الله تعالى، أو باجتهاد من الرسول ، إلا أن الرسول  لا يُقِرُّ على اجتهاد خطأ، وعلى هذا فمرد السنة إلى الوحي، فالقرآن الكريم هو الوحي المتلو المتعبد بتلاوته، والسنة وحي غير متلو، لا يتعبد بتلاوتها، قال الإمام ابن حزم: ( لما بينّا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع، نظرنا فيه فوجدنا فيه إيجاب طاعةِ ما أمرنا به رسول الله ، ووجدنا عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله   وما ينطق عن الهوى  إن هو إلا وحيٌ يوحى  [ النجم: 3-4 ] فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله  على قسمين أحدهما: وحيٌ متلو، مؤلف تأليفاً معجزَ النظام، وهو القرآن.
والثاني: وحي مروي، منقولٌ غير مؤلف، ولا معجز النظام، ولا متلو ولكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا، قال الله تعالى:  ليُبَيِّنَ للناسِ ما نُزِّل إليهم  [ النحل: 44 ] ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني كما أوجبَ طاعةِ القسمِ الأوَّلِ ولا فرقَ )( ).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ( وما سَنَّ رسول الله  فيما ليس لله فيه حكمٌ فبحكم الله سنه، وكذلك أخبرنا الله تعالى في قوله:  إنك لتَهْدي إلى صراطٍ مستقيم صِراطِ الله  [ الشورى: 52 – 53 ] .. وقد سنَّ رسول الله مع كتاب الله، وسَنَّ فيما ليس فيه بعينه نصُّ كتابٍ، وكل ما سَنَّ فقد ألزمنا الله إتباعه، وجعل في إتباعه طاعته، وفي العُنودِ – أي الميل والانحراف – عن إتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من إتباع سنن رسول الله مخرجاً )( ).
وقال عز من قائل:  فلا ورَبِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما  [ النساء: 65 ] فما كان فيه نص من القرآن الكريم واضحٌ بأنه وحيٌ من الله عز وجل، وما لم يَرِدْ فيه نص فهو سنة من الرسول  سنها بوحي من الله تعالى غير متلو، وبأمر منه سبحانه وتعالى، وما كان باجتهاد من الرسول  فإن المولى لا يقر الرسول  على خطأ فيتنزل الوحي مصححاً لاجتهاده، أو معلماً إياه بما يجب أن يفعله، فكل ما ثبت عن الرسول  في أمور الشرع أحكاماً وآداباً وأخلاقاً مما لم يرد فيه نص، ولم يرد ما يثبت نسخه في عهد التشريع – في حياته  - يجب العمل به كما يجب العمل بما نزل فيه من قرآن كريم، عملاً بقوله عز وجل:  وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون  [ النور: 56 ].
3- ما هي أوجه الشبه والتباين بين الرامهرمزي والخطيب البغدادي والقاضي عياض في كتبهم: ( المحدث الفاضل ) ( الكفاية ) ( الإلماع )؟
سؤال جيد آمل أن تعقد موازنة بين هذه الكتب الثلاثة مع ملاحظة عصر كل منهم، فالرامهرمزي عاش ( 265 – 360هـ ) والبغدادي في ( 392 – 463هـ ) والقاضي عياض في ( 476 – 544 هـ ) واختلاف مواطنهم،إن هذا الموضوع يستحق أن يكون رسالة تخرج للمرحلة الجامعية الأولى، مع ملاحظة أن للخطيب عدة كتب أخرى كـ ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ) و ( شرف أصحاب الحديـث ) و( تقييد العلم ) إلى جانب مؤلفاته في التراجم والرجال ... قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: ( كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه )( ).
- سؤالك عن خبر الواحد، وهل تبع الخطيب في ذلك المتكلمين ...كما قال عنه ابن الصلاح في كلامه عن المشهور: إن العلوم الإسلامية يعضد بعضها بعضاً والخطيب البغدادي من المتقدمين، لِمَ لا يكون بعض المتكلمين قد شاركوه فيما ذهب إليه، ومع كل هذا فالمشهور نسبي كما تعلم وقد ذكر هذا السيوطي في تدريب الراوي ( ص 369 – 370 ).
بالنسبة للمتواتر: ورد في كلام المحدثين المتقدمين تواتر عن الرسول  كذا وكذا، وأن الحديث الفلاني متواتر ( تدريب الراوي 271 )، وأنه وقع في كلام الخطيب ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ( قاله ابن الصلاح )، ما الضرر في أن يتوافق كلام الخطيب مع كلام الأصوليين، أو أنه استعمل مصطلحهم؟ فقد ذكرت لك أن التخصصات في العلوم الإسلامية يعزز بعضها بعضاً، ورأى بعض المحدثين أن علم الإسناد علم يبحث في صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يترك، وأن البحث في المتواتر لا يدخل تحت علم الإسناد، لأن ناقليه حصل العلم بصدقهم ضرورة لاستحالة تواطؤهم على الكذب.
- بالنسبة للشبهات المثارة حول السنة أسلم طريق في دفعها أن يقرر الموضوع على حقيقته بشواهده وأدلته، ليعي القارئ أو السامع حقيقة الموضوع المعالج أو المطروق، فيدرك مَنْ يطلع على الطعن في الموضوع أنه افتراء وتغيير للواقع، أو سوء فهم لمن حمل الأمر على غير حقيقته، ولا بأس أنه يعرض الموضوع ويبين الكاتب بعده شبهة بعض الباحثين حوله ويعقب عليها، ومثاله: ( قالوا حديثان مختلفان: قالوا رويتم أن رسول الله  قال: « لم يتوكل من اكتوى واسترقى » ثم رويتم أنه كوى أسـعد بن زُرارة وقال: « إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي بزغةِ حجام أو لذعة بنار » قالوا: وهذا خلاف الأول. قال أبو محمد ( ابن قتيبة ): ونحن نقول إنه ليس ههنا خلاف ولكل واحد موضع، فإذا وضع به زال الاختلاف. والكيُّ جنسان: أحدهما كيّ الصحيح لئلا يعتل، كما يفعل كثير من أمم العجم فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم يرون أن ذلك الكي يحفظ لهم الصحة ويدفع عنهم الأسقام .... وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعلُ شبيهاً بذلك في الإبل إذا وقعت النَّقبة فيها، وهو جرب، أو العُرُّ وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها، فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ منها ما به العرُّ أو النقبة، وقد ذكر ذلك النابغة في قوله للنعمان:
فحملتني ذنبَ امرئٍ وتركتَهُ كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتع
وهذا الأمر الذي أبطله رسول الله  وقال فيه: « لم يتوكل من اكتوى » لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيح يدفع عنه قدر الله تعالى، ولو توكل عليه وعلم أن لا منجى من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكوِ موضعاً لا علة به ليبرأ العليل.
وأما الجنس الآخر فكي الجرح إذا نَغِلَ – أي فسد – وإذا سال دمه فلم ينقطع، وكي العضو إذا قُطع أوحسمه،وكي عروق من سُقي بطنه وبدنه ( أي أصيب بانتفاخ البطن الاستسقاء ) وهذا هو الكي الذي قال النبي  إن فيه الشفاء، وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول، ول يقال لمن يعالج عند نزول العلة به لم يتوكل، فقد أمر النبي  بالتعالج وقال: « لكل داءٍ دواء » ... )( ).
ما هي الطريقة المثلى في التعامل مع المعتزلة الجدد ... الذين ينكرون من السنة ما لا يوافق عقولهم؟
من المعلوم أن اجتهاد العالم يكون في دلالة النص بعد ثبوته، يعمل العقل فيه، ويحلل ويستنبط، بالطرق المؤدية إليه، وإلا إذا حكَّم هواه في الموضوع فإنه لا يعمل بالنص، ولا نَقْلبُ الأمر إلى تقديم العقل على ما ثبت بالنص، ثم بعقل من نأخذ؟ فنحن متبعون لا مبتدعون ولا مقلدون نعمل بالدليل النقلي الثابت.
- قضية إنكار الدجال ونزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان لما ثبت بالنقل، يفسق منكره لأن يُكذّبُ الرواة الناقلين لذلك الحديث عملاً بقول الرسول : « قتال المسلم كفر وسبابه فسوق » وتكذيب من ثبت ضبطه وعدالته يندرج تحت السباب، وتصديقه يوجب العلم الراجح.
ما جاء في الجواب السابق يكفي جواباً عما ورد في آخر الصفحة 5 والصفحة 6 و7، وأن بعضهم تدرج من الدليل القطعي القرآن والسنة إلى اتخاذ العقل دليلاً قطعياً، وهذا لا يقول به أهل العلم على الإطلاق، وفيه من المغالطات الكلامية ما لا يخفى على طلاب العلم ناهيك عن العلماء المخلصين.
- سؤال: أهلاً بالشيخ الفاضل وجزى الله من أتاح هذه الفرصة خير الجزاء، سؤالي هو: قال عز وجل:  واذْكُرْنَ ما يُتلى في بيوتِكُنَّ من آياتِ اللهِ والحكْمةَ إنَّ الله كان لطيفاً خبيراً  [ الأحزاب: 34 ].
نعرف أن الحكمةَ هي السنة المطهرة وأن نبينا الكريم عليه أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم نهى المسلمين عن كتابةِ شيءٍ غير القرآنِ الكريمِ على نفس المادة التي كتبوا عليها آياتٍ قرآنية، وذلك للمحافظة على كتاب الله.
فهل كانوا يكتبون ما يصدر عن النبي  من أقوالٍ وأفعال؟ وهل وصلنا شيء منه؟
الجواب: صحيح ورد عن بعض أهل العلم أن المراد بالحكمـة في الآية الكريـمة ( السنة )، وقد عاش الصحابة مع الرسول  في جميع أحواله يرون أفعاله ويسمعون أقواله ويدركون تقريراته، فنقلوا كل هذا عنه  نقلاً دقيقاً حفظاً وعملاً، ومنهم من كتب عنه، فقد كان بعض الصحابة ممن يحسن الكتابة يكتب بين يدي رسول الله  ما يسمعه منه، منهم: الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ، أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كلَّ شيء سمعته من رسول الله ، ورسول الله  بشرٌ يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتابة، فذكرت ذلك للرسول ، فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: « اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقٌ »( ).
قال أبو هريرة: ( ما من أصحاب النبي  أحدٌ أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتبُ ولا أكتب )( ).
- وخطب رسـول الله  عام فتح مكة خطبة طويلة، فجاء رجلٌ من أهـل اليمن فقـال: اكتب لي يا رسـول الله - أي هذه الخطبـة – فقال: « اكتبـوا لأبي فلان )( ).
وكان عند الصحابة مدوناتٌ كثيرة ( صحف ) كتبوا فيها الحديث النبوي، كما أن الرسول  أمر بكتابة العهد بينه وبين اليهود في المدينة أول أيام الهجرة، كما أرسل الكتب لولاته وعماله، كما كتب إلى الملوك والأمراء، وأربت هذه الكتب على ( 280 ) مائتي كتاب وثمانين كتاباً( )، وكان لعلي بن أبي طالب صحيفة فيها ( العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر )( )، وذكرتُ صحفاً كثيرة للصحابة والتابعين وأتباعهم في كتابي السنة قبل التدوين ( ص343 – 360 ).
واشتهر من مدونات الصحابة ( الصحيفة الصادقة ) لعبد الله بن عمرو بن العاص ( 7ق.هـ - 65هـ ) ضمت نحو خمس مائة حديث، وقال ابن الأثير تضم صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث، والراجح أن المقصود بما فيها من مكرر( ).
وكان عبد الله بن عمر ( 10ق.هـ - 73هـ ) إذا خرج إلى السوق نظر في كتبه وكانت في الحديث( )، كما اشتهرت صحيفة ( مدونة ) جابر بن عبد الله الأنصاري ( 16ق.هـ - 78هـ )( )، واشتهرت من مدونات التابعين بين يدي الصحابة صحيفة همـام بن منبة ( 40 – 131هـ ) كتبها عن أبي هريرة  ( 19ق.هـ - 59هـ ) فيها ( 138 ) مائة وثمانية وثلاثون حديثاً( ).
- سؤال حول ما أثير عن الحجامة، وهل هي سنة عن النبي  أم هي مجرد اجتهاد طبي من أمور دنيانا كما تشدق البعض؟ فالرجاء توضيح هذه المسألة، وإفادتنا بالمراجع الصحيحة – من بين الغث والسمين – عن الحجامة من النواحي الشرعية والفنية والعملية والطبية وجزاكم الله خيراً كثيراً.
أقول وبالله التوفيق:
وردت أحاديث عدة في الحجامة أهمها وأشهرها:
1- أخرج الإمام البخاري عن أنس بن مالك  قال: حَجَمَ أبو طيبة رسـول الله ، فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله ( أي أولياءه ) أن يخففوا من خراجه( ).
2- وأخرجه مسلم عن ابن عباس، وفيه: ( ... فأعطاه النبي  أجره .... ولو كان سحتاً لم يعطه النبي  )( )، وعند البخاري: ( لو كان حراماً لم يعطِهِ ).
3- وأخرجه مسلم عن أبي هريرة : ( أن أبا هند حَجَمَ النبي  في اليافوخ فقال النبي : « يا بني بياضة – موالي الحجام – أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه » وقال: « إن كان في شيء مما تداوونَ به خير فالحجامة »( )، وفي رواية: « إنَّ أفضل ما تداويتم به الحجامة »( )، وعند أحمد: « لو كان حراماً لم يعطه » حديث ( 3278 ).
4- عن أنس رضي الله عنهما: أنه سئل عن أجر الحجام؟ فقال: احتجم رسول الله ، حجمه أبو طيبة ... وقال: « إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري » وقال: « لا تعذِّبوا صبيانكم بالغَمْزِ من العذرةِ وعليكم بالقسط »( ).
5- عن أبي رافع عن جَدَّتِهِ سلمى خادم رسول الله  قالت: ما كان أحدٌ يشتكي إلى رسول الله  وجعاً في رأسه إلا قال: « احتجم »، ولا وجعاً في رجليه إلا قال: « اخْضِبْهُما »( ).
6- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( احتجم رسول الله  في الأخدَعين وبين الكتفين )( ).
7- وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.( )
8- وأخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتجم رسول الله  وهو محرم.( )
9- وعن معقل بن سنان الأشجعي قال: مَرَّ عليَّ رسول الله  وأنا أحتجم في ثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فقال: « أفطر الحاجمُ والمحجوم »( )، وأخرج الترمذي عن رافع بن خديج عن الرسول  قال: « أفطر الحاجم والمحجوم »، قال الإمام الترمذي، وفي الباب عن علي وسعد وشداد بن أوس وثوبان وأسامة بن زيد وعائشة ومعقل بن سنان – ويقال ابن يسار – وأبي هريرة وابن عباسٍ وأبي موسى وبلال وسعد رضي الله عنهم أجمعين، قال أبو عيسى – الإمام الترمذي – وحديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح( ).
قال الإمام الترمذي: ( وقد كره قومٌ من أهل العلم من أصحاب النبي  وغيرهم الحجامة للصائم، حتى إنَّ بعض أصحاب النبي احتجم بالليل منهم: أبو موسى الأشعريُّ، وابن عمر، وبهذا يقول ابن المبارك .. وقال عبد الرحمن بن مهدي: من احتجم وهو صائم فعليه القضاء، وهو قول أحمد وإسحاق – أي بن راهويه – ، وقال الشافعي: لو توقى رجلٌ الحجامةَ وهو صائم كان أحبَّ إليَّ، ولو احتجم صائمٌ لم أر ذلك أن يفطره، قال أبو عيسى – أي الترمذي -: هكذا كان قول الشافعي ببغداد، وأما بمصر فمال إلى الرخصة، ولم يرَ بالحجامة للصائم بأساً، واحتج بأن النبي  احتجم( ) في حجة الوداع وهو محرمٌ صائم.( )
وحمل بعض أهل العلم قوله : « أفطر الحاجم والمحجوم » على الكراهة مخافة أن يضعف المحجوم عن متابعة صيامه،وقد يتسبب الحاجم له بهذا، من باب الاحتياط.
قال الترمذي: وقد رخَّص قومٌ من أهل العلم في الحجامة للمحرم، قالوا لا يحلق شعراً. وقال مالك: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورةٍ. وقال سفيان الثوري والشافعي:لا بأسَ أن يحتجم المحرم ولا يَنْزِعُ شعراً( ).
فالحجامة لمن يحتاج إليها أمرٌ مشروع، وقد وَجَّه الرسول  إليها لمن يحتاج إليها، فإن احتجم المريض لدى المتخصص، عملاً بنصح الرسول  واستجابة لتوجيهه لا شك أن يؤجر لهذا، ومثاله أن الرسول  كان إذا تكلم تكلم بكلام فصل لو عدَّه العاد لأحصاه، فلو أن المعلم أو الداعية أو العالم تأسى به حباً له  لا شك أنه يؤجر على هذا إن شاء الله، أما الحجامة للحجامة بذاتها لغير محتاج إليها فلا يؤجر عليها إلا إذا فعل هذا مرة في العمر عملاً بما ثبت عنه  كما فعل الإمام أحمد والله تعالى أعلم.
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أ.د. محمد عجاج الخطيب أدام الله توفيقه لكل خير، أشكر لكم تفضلكم بهذا اللقاء سائلاً الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتكم وأن يسبل عليكم عافيته وتوفيقه الدائمين أبداً، وآمل التفضل برأيكم حول الآتي:
تعلمون أن الأصل في نقل القرآن الكريم السماع لا الكتابة، مع وجود الكتابة أيضاً، وقد قرأتُ هذا الرأي أيضاً حول السنة أيضاً لبعض الباحثين المصريين، يقول: الأصل في نقل السنة السماع كالقرآن، والتدوين عملية لاحقة على السماع، بل ويقول هذا الباحث: بأنه سواء دونت السنة أم لم تُدوَّن كتابياً فلا تأثير لهذا على السنة النبوية التي تم نقلها عن طريق السماع كابراً عن كابر، وأتى التدوين كعامل مساعد لحفظ ما في السماع، لا أنه الأصل في نقل السنة. انتهى كلامه في كتاب له أسماه ( تاريخ السنة ) ومن بروفته ( تجربة الطباعة ) نقلتُ، وهو مقدم الآن للطبع، فما رأيكم في هذا الرأي بارك الله فيكم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لا شكر على واجب، ولكم مثل ما دعوت لي ولسائر المسلمين أضعافاً مضاعفة، وبعد:
لا شك أن الرسول  كان يتنزل عليه الوحي بالقرآن الكريم، وكان له كتاب للوحي يملي عليهم  ما يتنزل عليه من القرآن الكريم، ثم يعلم الصحابة ما تنزل عليه، يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى: أخبرنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن الكريم – أي من الصحابة – كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي  عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، أو كما قال، فواضح جداً أن استحفاظ القرآن الكريم كان جنْباً إلى جنب مع حفظ القرآن الكريم كتابة، وكانت الألواح واللخاف تحفظ في بيت رسول الله ، وكان جبريل عليه السلام يراجع الرسول  بما نزل عليه في رمضان من كل عام، وفي العام الذي انتقل به إلى الرفيق الأعلى راجعه بالقرآن الكريم مرتين، كما كان بعض الصحابة يدون لنفسه ما يسمعه عن الرسول  من القرآن الكريم لمزيد الحفظ والاستيثاق كمصحف عبد الله بن مسعود، ثم كان جمع القرآن الكريم من الجلود واللخف والرقاع التي حفظت في بيت رسول الله ،ومن صدور الرجال الحفاظ زمن أبي بكر  بعد وقعة اليمامة واستشهاد نحو سبعين قارئاً – أي حافظاً للقرآن – من الصحابة، ثم كان نسخ المصاحف على حرف زمن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وعن سائر صحابة رسول الله  مخافة انتقال اختلاف القرّاء في أرجاء العالم الإسلامي في القراءات إلى اختلافهم في القرآن ذاته، بناءً على اقتراح حذيفة بن اليمان على عثمان ، وقد نسخت المصاحف وفق منهج علمي دقيق ووزعت على الآفاق، وأحرق الصحابة مصاحفهم الخاصة خوفاً من الاعتماد عليها – وفيها وجوه متعددة للقراءة – بإجماع الصحابة، فكان في كل إقليم مصحف ( إمام ) يرجع إليه الحفاظ والقراء، فالواقع أن القرآن الكريم نقل حفظاً كما نقل في المصاحف، وقد تعاضد الحفظ في الصدور مع التدوين في المصاحف جنباً إلى جنب إلى يومنا هذا، ولا تنافي بين الأمرين قط، وهذا فضل من رب العالمين مصداقاً لقوله جل وعلا:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  [ الحجر: 9 ].
- والسنة أو الحديث النبوي الشريف كما تعلمون فيه أقوال رسول الله  وأفعاله وتقريراته.
وكان  بعد صلاة الغداة كما يروي لنا أنس بن مالك  يتحلق حوله الصحابة الكرام فيعلمهم  القرآن والسنن – الحديث – والفرائض، فيحفظون ما يسمعون، وكانوا يتذاكرون دائماً ما يسمعون من رسول الله . قال أنس : ( كنا نكون عند النبي  فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه )( ). وكان بعضهم يكتب الحديث بين يدي رسول الله  ويحفظ ما يكتب عنده، بعضهم كان يحفظه في صندوق له حلق ... كما أسلفنا في جواب سابق.
وأما السنة العملية والتقريرية وهي كثيرة جداً فكانوا يرون أفعال الرسول  ويتأسون به، عملاً بقوله : « صلوا كما رأيتموني أصلي »( )، وقوله: « خذوا عني مناسككم »( ).
ومعلوم أن التربية بالقدوة والتأسي بالمعلم لها الأثر البعيد في حسن التلقي، وتثبيت المأخوذ عنه في النفس والسلوك لأن الموضوع في الجانب العملي التطبيقي، وقد أمرنا الله عز وجل بالتأسي برسوله الكريم  في قوله:  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً  [ الأحزاب: 21 ]
فقد حفظت السنة في صدور أكثر الصحابة، كما حفظ كثير منها في مدونات الصحابة كما أسلفت في الإجابة عن السؤال الأسبق، هذا إلى جانب حفظها في صدورهم.
وأظن أن صاحب كتاب ( تاريخ السنة ) – الذي لا يزال تحت الطبع – يريد التأكيد على أن السنة حفظت في صدور الحفاظ، حفظاً جيداً، حتى إنه لو لم تدون لا يخشى عليها، لمزيد ثقته بجودة الحفظ، وما بينته – إن شاء الله تعالى – يزيل اللبس.
ولا بد من الإشارة إلى أن تدوين السنة بشكل فردي كان قديماً منذ عهد الرسول ، وكذلك تصنيف الأحاديث في أبواب كان أواخر القرن الهجري الأول، وأن طلائع التصنيف في الحديث على الأبواب كان منذ مطلع القرن الهجري الثاني، ثم تتالت المصنفات الحديثية منذ مطلع القرن الهجري الثاني بدلالة ظهور مسند زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( -122هـ ) وتتالت المصنفات بعده وفق مناهج متعددة ( انظر السنة قبل التدوين ص 337- 340 ) ( المصنفون الأوائل في الحديث ) وص357 وما بعدها منه.
- سؤال: أستاذنا الحبيب الدكتور محمد عجاج الخطيب:
كثيراً ما نجد بعض المسلمين حين يتناولون السنة خاصة ما يتعلق بجانب العقائد أو بعض الأمور العملية، يبدون اعتراضاً كبيراً ويحتجون بكون ما جاء في هذه الأحاديث هو مخالف للعقل، ومخالف حتى للكتاب، ولكم في ذلك المسيح الدجال وكيفية خروجه، وما يكون منه، وكثير من ذلك من الأمور التي يقولون إنها لا تقبلُ عقلاً، وبالتالي فالسنة لا يمكن أن تكون مصدراً للعقائد وحتى للأحكام، نستطيع أن نردَّ عليهم فيما يتعلق بجانب الأحكام، لكن الذي يعجزنا هو كيفية إثبات كونها مصدراً للعقائد أيضاً.
وتقبلوا أستاذنا الكريم عظيم عرفاننا وامتناننا، وإقرارنا بفضلكم وسبقكم.
الجواب: كل ما يتعلق بالعقيدة: الإيمان بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله، وما وراء هذا من الموضوعات التي يقوم بدراستها علم العقيدة الإسلامية:
1- الإلهيات
2- النبوات
3- السمعيات: وهي المسائل العقدية التي يجب الإيمان بها والتصديق بوقوعها، مع أن دليلها السماع فقط من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة الصحيحة، والإجماع، هي أمور لا تثبت بالدليل العقلي، ودليلها النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، لأن أغلب مسائل السمعيات أمور غيبية لا يمكن إثباتها بالعقل الإنساني المجرد، ولا بالإحساس والمشاهدة، كالإيمان بالملائكة والجن، وأحوال يوم القيامة: البعث والحساب والثواب للمحسن والعقاب للمسيء والجنة والنار مما ورد في القرآن الكريم فيجب الإيمان بها ... ومع هذا فإن الإيمان بالحياة الآخرة ... يثبته العقل الصريح البعيد عن الميول والأهواء، فإن الله عز وجل موصوف بالعدل، ولا يظلم ربك أحداً، وخلق الله سبحانه وتعالى العباد وكلفهم بأوامر ونهاهم عن منهيات، والمكلفون منهم من أطاع الله عز وجل وعمل بما أمره واجتنب ما نهاه عنه، ومنهم من عصى الله عز وجل ... فليس من العدالة أن يسوي الله تعالى بين المطيعين والعصاة فسيجازي الله عز وجل كل فرد على عمله ... وما دام العبد مؤمناً بالله عز وجل فيسلم بهذا ويؤمن به، وأما الملاحدة فلا شأن لنا بهم لإتباعهم أهواءهم وشهواتهم، وحجبوا عقولهم عن الحق لعروض دنيوية يسعون إليها ... وما أبلغ قول الله تعالى:  أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون  [ الجاثية:23 ] فكل أمور العقيدة وردت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، أما ما يرد في السنة من بيان أو شرح فحكمه حكم غيره من أمور الدين.
وإذا شدد الجمهور على أنه لا يثبت في أمور العقيدة إلا ما جاء به القرآن الكريم والسنة المتواترة، لأن الأمر يدور بين الإيمان والكفر، وفي هذا من الاحتياط ما لا يخفى، وكل الخوض في هذا لا يجدي نفعاً، لأن الجدل فيه عقيم، وما دامت أموراً غيبية فالبيان من الله تعالى ورسوله .
وموضوع المسيح الدجال وخروجه لا يخالف القرآن الكريم، وما كان من أخبار غيبية لا مدخل للعقل فيها، ومع هذا في أخباره تحذير من الوقوع في الفتن وعدم الانسياق وراء الكفار والمنافقين، وترغيب بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله والتزام الجماعة، وبشارة بتغلب الأمة عليه وانتصار الحق على الباطل، وقد ورد خبره في أخبار آحاد صحيحة.
- سؤال: أرجو إلقاء الضوء على ثالوث ( المستشـرقون – منكرو السنة – الطابور الخامس ) وجزاكم الله خيراً.
الجواب: في المستشرقين معتدلون وغير معتدلين، ومع كل هذا فنظرتهم إلى حضارتنا ومعتقداتنا من خلال عقائدهم إلا من رحم الله وهم قلة، وقد مهد كثير منهم في بحوثه لبسط نفوذ أبناء جلدتهم على خيرات المسلمين، وأما منكرو السنة من غير المسلمين فهذا المتوقع منهم، ومن المسلمين هم إمَّعات لا وزن لهم يغلب عليهم الجهل، وكثير منهم باع دنياه بدينه، وناظمنا في هذا الموضوع حديث رسول الله : « من كانت الآخرة نيته جعل الله تعالى غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيـا إلا ما كتب الله له » ( أخرجه أحمد والترمذي عن زيد بن ثابت ) .. وأما الطابور الخامس فملحق بالعوام من منكري السنة ممن لم يكتب له الوعي العلمي، ممن تتأرجح بهم الأهواء الشخصية والعروض الدنيوية. وعلينا توعية الأمة بمكانة السنة، ودورها في بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة، ومن أنجع السبل لهذا الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، ودلالات رجال الدعاة الواعين أقوى بكثير من مقالاتهم، نسأله سبحانه وتعالى السداد والرشاد، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
سؤال: هل حقاً شربَ الرسول ‏‏ الخمر في المسجد؟ هناك حديث يسوقه كل ‏من هب ودبَّ يدل على أنَّ الرسول ‏‏ أمر عائشة رضي الله عنها بمناولته الخمر وهو في ‏المسجد... أيضاً رجاء رجاء الرد على الاستفسـار الذي قدَّمه أحد الأخوة حـول ‏الرحمة ... والسلام عليكم.‏
الجواب: أخي الفاضل ثق بالله عز وجل أنه لا يوجد أي خبر أو أثر حول أمر ‏رسول الله ‏‏ السيدة عائشة بمناولته الخمر وهو في المسجد، والصواب أن بعضهم لا يفهم ‏ما يقرأ – إذا قرأ – أو لا يدرك ما يقال إذا سمع، فالمصيبة في فهم السامع، أو القارئ.‏ فالخمرة الواردة في الحديث تعني سجادة الصلاة وليس الخمروهذا واضح من نص الحديث :
107493 - أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أناوله الخمرة من المسجد . فقلت : إني حائض . فقال " تناوليها . فإن الحيضة ليست في يدك " .
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 298

ويؤيد ذلك أحاديث أخرى مثل :
155613 - جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] - المحدث: أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5247

111711 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة .
الراوي: ميمونة بنت الحارث - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 381

لم يشرب نبي الله الخمر . نحن اليوم في رمضان ننقع ( النقوع ) أي المشمش الجاف في ‏الماء، أو القمر دين ونجعله شراباً نتناوله عند الإفطار مساءً أو على السحور، وهذا منتشر ‏في كل أنحاء العالم الإسلامي، ومنهم من ينقع الزبيب، أو التمر وغير هذا، وما نسميه ‏اليوم ( نقوعاً ) كانوا يسمونه نبيذاً، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنا ننبـذ ‏‏– أي ننقع – لرسول الله ‏‏ في سقاءٍ غدوةً فيشربُهُ عشيةً، وعشيةً فيشربه غدوةً، فإن ‏فضل مما يشربُ عن عشائه مما نبذناه بكرةً سقاه أحداً، ثم ننبذ له بالليل، فإذا تغدى شربه ‏على غدائه، وكنا نغسل السقاءَ كل غدوةٍ وعشيةٍ مرتين في اليوم )(‏ ‏).‏
وعن السيدة عائشة قالت: ( كنتُ آخذُ قبضةً من تمرٍ، وقبضةً من زبيب فألقيه في ‏إناء ( فأمر به )، ثم أسقيه النبي ‏‏ )(‏ ‏).‏
فما رأيك أيها الأخ الفاضل فيمن فهم أن الرسول ‏‏ ‏أمر السيدة عائشة رضي الله عنها بمناولته الخمر وهو في ‏المسجد؟؟ أليس في سوء فهمه ونقله إساءةٌ للرسول ‏‏ ‏وللإسلام!!؟
ومع هذا أسوق لكم ما قاله الإمام النووي رحمه الله تعالى: ( حديث ابن عبـاس: ‏‏« كان رسول الله ‏‏ ينتبذ له أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء ‏والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادمَ أو أمر به فَصُبَّ » ‏والأحاديث الباقية بمعناه. في هذه الأحاديث دلالة على جواز الإنتباذ، وجواز شرب النبيذ ‏ما دام حلواً لم يتغيّر، ولَمْ يَغْلِ، وهذا جائز بإجماع الأمة، وأما سقيه الخادم بعد الثلاث ‏وصبِّه: فإنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيرُه، وكان النبي ‏‏ يتنزه عنه بعـد الثلاث، وقولـه: ‏‏( سقاه الخادم أو صبه ) معناه: تارةً يسقيه الخادم، وتارةً يصبه، وذلك الاختلاف ‏لاختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغيرٌ ونحوه من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ‏ولا يريقه، لأنه مال تحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهاً، وإن كان ظهر فيه شيء من مبادئ ‏الإسكار والتغيير أراقه، لأنه إذا أسكر صار حراماً ونجساً فيراق ولا يسقيه الخادم لأن ‏المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه ... ) صحيح مسلم بشرح النووي ‏‏4/2073 بتحقيق د. مصطفى ديب البغا ط1 سنة 1418هـ / 1997م دمشق.‏

- وقد سبق الرد على الاستفسار الذي قدمه أحد الأخوة حول الرحمة في الجواب عن السؤال الثالث ص15 وما بعدها، وفقك الله تعالى ووفقنا إلى كل خير.
- سؤال: كيف نطمئن إلى أن الله تكفل بحفظ السنة؟ وهل الصحاح هي ما حفظ السنة؟ وإن كان الله عز وجل لم يتكفل بحفظ السنة فهل يحاسبنا الله على شيء لم يتكفل بحفظه؟
شكراً لإتاحة الفرصة للتساؤلات.
الجواب
1- قال الله عز وجل:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون  [ الحجر: 9 ]
2- وقال سبحانه وتعالى:  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناسِ ما نُزل إليهم ولعلهم يتفكرون  [ النحل: 44 ]
3- وقال عز من قائل:  من يُطِعِ الرسولَ فقد أطاعَ الله  [ النساء: 80 ]، وقال:  يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر  [ النساء: 59 ].
4- وقال عز وجل:  ومـا آتاكم الرسـول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهـوا  [ الحشر: 7 ].
نص سبحانه وتعالى على أنه يحفظ القرآن الكريم فلا يرفع من صدور الحفاظ ومن المصاحف، ولا يعتريه أي تغيير أو تبديل، كما بين سبحانه أنه أنزل القرآن الكريم على الرسول  ليبين للناس ما أنزل الله تعالى ليتعبدوا الله تعالى به، وهذا البيان إنما هو السنة أو الحديث الشريف، كما يأمرنا ربنا سبحانه بطاعة الرسول  بما ورد في القرآن الكريم وفي بيانه له، وما بينه الرسول  مما ليس في القرآن الكريم، والسنة وحي غير متلو، وما كان باجتهاد من الرسول  فإن الله عز وجل لا يقر الرسول  على خطأ.
من هنا نؤكد أن كل ما ثبت عن الرسول  من المتواتر والصحيح والحسن محفوظ بحفظ الله عز وجل، بما هيأ له من حفاظ وأئمة أثبات، وبما هيأ للأمة من مصنفين جمعوا الحديث النبوي في مؤلفات الحديث المتنوعة.
فاطمئن يا أخي أن كل ما صح عن الرسول  والحسن محفوظ بحفظ الله تعالى، لأنه بيان لما أنزل الله سبحانه الذي تكفل بحفظه، لذلك لم يبقَ أي مبرر للجانب الثاني من السؤال.
وأما سؤالك عن الصحاح وأنها هي حفظ السنة: قبل التصنيف كانت السنة محفوظة في صدور الأئمة الحفاظ الأثبات من عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم وأهل العلم بعدهم الذين انتشروا في مشارق الدنيا ومغاربها، فقبل التدوين والتصنيف كانت السنة محفوظة في صدورهم، وبعد التصنيف حفظت في المصنفات إلى جانب حفظها في الصدور، وكل ما ثبتت صحته عن الرسول  في كتب الحديث والتفسير يشمله حفظ الله تعالى له، بحفظه القرآن الكريم.
- سؤال: ما قول فضيلتكم في خبر الآحاد وفيمن ينكره؟ بارك الله فيكم.
الجواب: خبر الآحاد كل خبر لم تتوفر فيه شروط التواتر والشهرة، فيتناول المتواتر إذا اختل شرط التواتر في أي طبقة منه، واختل شرط الشهرة فيه، وهو المشهور إذا لم تتوفر فيه شروط الشهرة، ولا يعني أن خبر الآحاد ما يرويه راوٍ عن آخر من أوله إلى نهايته، من غير شذوذ ولا علة، وعرف العلماء الصحيح بأنه: ما اتصل سنده بالعدل الضابط من أوله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، وهو يفيد الظن ويوجب العمل ويفسق جاحده، فإذا أنكر أحدهم حديثاً صح عن الرسول ، فكأنه يكذب نقلته العدول الضابطين، وفي هذا ينطبق قول الرسول : « سباب المسلم فسوق، وقتاله كفـر » وهل هناك أسوأ سبٍ من تكذيب الصادق العدل الضابط!!؟
- سؤال: أشكر السائل الفاضل على ترحيبه بي في هذا الملتقى، وعلى حسن ظنه بي في الدفاع عن السنة المشرفة، أسأله عز وجل أن أكون عند حسن ظن العلماء المخلصين، وأن نكون جميعاً في خدمة هذا الدين الحنيف، الذي هو شرف وعز لنا مصداقاً لقوله عز وجل:  وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون  [ الزخرف: 44 ].
ولي سؤال يمكن أن نعتبره تأريخاً للحرب الدائرة بين الإسلام وأعدائه:
من وجهة نظركم ماذا ترون في تاريخ هذه الحرب من حيث:
1- النقاط التي انتصر فيها المسلمون بأبحاثهم وردودهم العلمية على أعدائهم بشبهاتهم وتخرصاتهم؟
2- وما هي النقاط التي لا زال الزمام فيها بأيدي شبهات الأعداء وهي بحاجة لمزيد من البحث الجاد والنشط لإعادة الأمر إلى مساره الصحيح؟ سواء كان ذلك في مجال القرآن أو السنة النبوية؟
3- وما موضع قضية التدوين للقرآن والسنة اليوم في هذه الحرب؟ وهل تغير موضعها عن وقتها حينما ألفتم كتابكم الفذ ( السنة قبل التدوين )؟
4- ولي سؤال ثانٍ إن سمحتم لي: هل ترون مرحلة ادعاء الأعداء لتحريف النصوص قد انتهت، وبدأت مرحلة تحريفهم لمعاني النصوص؟ بمعنى هل ترون أن مرحلة التشكيك في وصول السنة وحفظها قد انتهت بالنسبة للمستشرقين ومنكري السنة وغيرهم وبدأت مرحلة أخرى لهم تهتم الآن بتحريف معاني النصوص ومحاولة تشكيك الناس في تناقض معاني الأحاديث فيما بينها، أو فيما بينها وبين القرآن الكريم؟
5- وبماذا يمكن أن نسمي هذه المرحلة إن وافقتم عليها ورأيتم صحتها؟ فهل هي مرحلة تغير جذري في مناهج أعداء الإسلام؟ أم حصل هذا بناءً على ردود الباحثين المسلمين على الشبهات السابقة؟
الجواب:
1- الحوار العلمي الهادف إلى الحقيقة لا خلاف في أنه السبيل الوحيد للوصول إلى الحق، ولكن الجدل القائم على الميول والأهواء ووضع النتائج قبل المقدمات، والغايات تبرر الوسائل لا محل لكل هذا في بناء الحضارة والوقوف على الحق، فالمغرضون من الباحثين في حرب مع الحق، والتضاد بين الحق والباطل قائم منذ زمن بعيد، كما هو التضاد بين الخير والشر، والواقع أن العلماء والباحثين المسلمين في القرنين الأخيرين قدموا بحوثاً قيمة، وحققوا كتباً لها مكانتها في الذب عن القرآن الكريم والسنة بطريق مباشر وغير مباشر، هذا إلى جانب مقالات علمية ممتازة نشرت في المجلات العامة والمحكمة كمجلة ( دعوة الحق ) التي تصدر في المغرب، و ( منار الإسلام ) في الإمارات، ومجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، ومجلة ( الرسالة ) و ( الفتح ) و ( الأزهر ) ومجلات جامعات الأزهر الكثيرة في أنحاء مصر، ومجلات الجامعات والكليات الإسلامية في الأردن وفي الهند، كل هذه أسهمت إسهاماً ممتازاً في دحض الشبهات والافتراءات، فالخصم في ساحة المعركة يهمه الغلبة فلا يتقيد باستعمال سلاح دون غيره كل ما يراه مناسباً للوصول إلى غايته يمتطي ظهره – إن صح التعبير – ليصل إلى بغيته، وإذا اتضح في العقدين الأخيرين الصراع الحضاري – لا التواصل الحضاري - ندرك أن موضوع المراحل التي وردت في الأسئلة نظرية.
2- ليس في أيدي الخصوم نقاط من الشبهات إنما يتلمسون الشبهات ويبحثون عنها ويصنعون بعضها من حيث ثبوت النصوص، أو التعارض بينها – أو كيفية فهمها – اصطناعاً وليس لهم حول القرآن ما يدعونه – في أيامنا هذه – فتوجهوا نحو السنة المشرفة بإثارة بعض الشبهات حولها.
ولا بد من أن أشير إلى ظهور محاور جديدة في ميدان البحث العلمي لدى علماء المسلمين هي غرة في جبين الحضارة العلمية الإسلامية المعاصرة منها: التفسير الموضوعي، والإعجاز العلمي والبياني وغيرها في القرآن الكريم، وقررت مواد التفسير الموضوعي وأنواع الإعجاز القرآني في كثير من الجامعات والكليات والمعاهد الإسلامية، كما اعتمد مقرر ( الحديث الموضوعي ) في كثير من الجامعات وإلى جانبه الإعجاز العلمي في السنة، وهذه مبشرات ممتازة تفند كثيراً من شبهات الخصوم.
3- وقد انتهت إثارة الشبهات حول التدوين للقرآن والسنة، ولله الحمد.
4- إن محاولة التشكيك في ما ورد من نصوص حديثية يعارض بعضها بعضاً أو تعارض ما جاء في القرآن، إنما هي نتيجة لسوء فهم الباحث تلك النصوص، وقد تكفل الإمام أبو محمد عبد الله بن مسـلم بن قتيبة الدنيـوري ( 213 – 276هـ ) في كتابه ( تأويل مشكل القرآن ) ببيان هذا، كما وفى القاضي عبد الجبار بن أحمد ( -415هـ ) في كتابه ( متشابه القرآن ) جوانب أخرى، ووفق ابن قتيبة في كتابه ( تأويل مختلف الحديث ) في الرد على كثير مما أثاره الخصوم من الشبهات، كما وفق الإمام المحدث أبو بكر محمد بن الحسن ( ابن فورك ) الأنصـاري الأصبهـاني ( - 406هـ ) في كتابـه ( مشكل الحديث وبيانه ) في إزالة إشكال ما قد يفهم من ظاهر الحديث أو التعارض بين الأحاديث، بما يلقي إضاءات جيدة أمام الباحثين.
5- يمكن أن تطلق على هذه المرحلة ما اخترته من ( تغير جذري في مناهج الخصوم ) وإن كنت أرى أن هذا التغير ليس في المنهج بل في الأسلوب نتيجة لردود الباحثين المسلمين على الشبهات السابقة.
أسأل الله عز وجل التوفيق والسداد لكم ولنا ولسائر العاملين على خدمة الإسلام والمسلمين في الميادين العلمية والعملية المتنوعة.
- سؤال: السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ... جزاكم الله خيراً ... الحمد لله أنا مؤمن بكتاب الله وسنة نبيه تماماً إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت تؤرقني بعض الأفكار المرهقة عن السنة وصحيحها ... أردتُ أن أعلمَ إذا كان البخاري ومسلم صحيحين لا يشوبهما خطأ ... إذاً لماذا نجد الأحاديث تتعدد رواياتها وألفاظها؟ أي لو وجدت حديثاً واحداً بروايات مختلفة ... فبالتأكيد أحدهما صحيح والباقي لم يذكر حقاً ... وهذا يعني وجود بعض المغالطات في كتب السنة ..؟ بالله عليكم أنيروني فقد أرهقني الأمر كثيراً ...
الجواب:
إن اختلاف الروايات في الموضوع يعود لعدة أسباب:
1- تعدد مجالس الرسول  فقد يذكر حديثاً طويلاً في مجلس، ثم يذكر بعضه لمناسبة السؤال أو نحوه.
2- يجيب السائلين على حسب أحوالهم وأسئلتهم، مثلاً: أخرج البخاري في باب ( أي الإسلام أفضل ) عن أبي موسى الأشعري  قال: قالوا: ( يا رسول الله أيُّ الإسلامِ أفضل؟ ) قال: « من سلم المسلمون من لسانه ويده »( ).
وفي باب ( إطعام الطعام من الإسلام ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً سألَ النبي  أي الإسلام خيرٌ؟ قال: « تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت وما لم تعرف »( ).
وأخرج البخاري في باب ( فضل الصلاة لوقتها ) عن عبد الله بن مسعود  قال: سألت النبي : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: « الصلاة على وقتها » قال: ثم أيُّ؟ قال: « بِرُّ الوالدين » قال: ثمَّ أي؟ قال: « الجهاد في سبيل الله » قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني.( )
3- وقد يختصر الراوي الحديث في موطن ويذكره بطوله في موطن آخر، كحديث ضمام بن ثعلبة وإسلامه بعد سؤال الرسول  أسئلة عدة وإجابته عنها، وروايات مالك بن الحويرث، وغيرهما( ).
4- مخاطبة الرسول  الناس بلغتهم ولهجاتهم، من هذا ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عاصم الأشعري قال: سمعتُ رسول الله  يقول: « ليس من امبرِ امصيامُ في امسَفر » أراد « ليس من البر الصيام في السفر »( ) وهذه لغة الأشعريين يقلبون اللام ميماً( ).
فهل ننكر أحد الحديثين وهما صحيحان، ولمجرد معرفة سبب الرواية الأولى ندرك روعة الرسول  في تربية أصحابه بل الأمة جميعها.
وهناك أسباب أخرى لتعدد الروايات، واختلاف ألفاظها، ولكن المعنى واحد.
لكل هذا تلقِّي القرآن الكريم عن الحفاظ هو السبيل الوحيد لحسن حفظه وإتقانه، وتلقِّي الحديث عن العلماء المخلصين يجنبنا الوقوع في الشك كما يجنبنا الزلل في الفهم والتطبيق.
وقد اشتهر قول السلف: ( لا تقرأ القرآن عن المُصحفيين، ولا تأخذ العلم عن الصُحفيين ) أي لا تتعلم القرآن الكريم على من أخذه من المصحف من غير أن يسمع القراء الحفاظ، وكذلك لا تأخذ العلم وتتلقاه ممن حصله من الكتب، من غير أن يتلقاه عن العلماء، مخافة سوء الفهم والتصحيف وغيره، وإذا اضطر أحدنا إلى حديث ولم يدرك معناه فعليه أن يسأل العلماء أهل التخصص، وإن لم يتح له هذا فليراجع بدقة شروح الحديث التي أسلفت كثيراً منها في الصفحات الأولى من هذا اللقاء.
فيا عزيزي دع عنك وساوس الشيطان الذي يريد أن يُلَبِّسَ عليك أمر دينك، ويسعد لتشكيك فيما ظاهره التعارض من الروايات، وسدد الله تعالى خطاك وخطا جميع المسلمين، وثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة.
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً: جزى الله إدارة المنتدى والدكتور الفاضل عنا كل خير إن شاء الله تعالى.
الدكتور الفاضل: ما لدي من معلومات هو أن تدوين السنة النبوية الشريفة لم يكن في عهد الرسول  ولا حتى بعده، بل بدأ بعد فترةٍ طويلة من وفاته، لا أدري هي مائة سنةٍ تزيدُ أو تنقص، هذا الفراغ يثير كثيراً من الشكوك حول مصداقية كثير من الأحاديث التي وصلتنا، كذلك العلوم القائمة عليه مثل علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل بدأت في عهد التدوين أيضاً، هي خاضعة لأحكام الفراغ الزمني هذا، فما هي الأدلة التي لدينا عن مدى صدق كثير من الأحاديث؟
ثانياً: يقال فيما يقال: أن بعض الخلفاء في الدولة الإسلامية كانوا يدفعون لأناس معينين حتى يقوموا بتأليف أحاديث تخدم أهدافاً معينة ومآرب خاصة بهم، فما نسبية الصحة في هذه الأخبار؟
ثالثاً: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة مع عدم إنكاره لها؟ لا أدري كيف أصوغ السؤال بأسلوب صحيح، لكن أرجو أن تفهموا قصدي، جزاكم الله خيراً.
الجواب:
أولاً- ما جاء في السؤال الأول، أقول: ما لديكم من معلومات تسرب إلى المسلمين عن طريق كتابات بعض المستشرقين مثل جولدتسيهر وغيره، ودوائر المعارف الإسلامية الأجنبية، وما كتبه بعض الباحثين الغربيين في تاريخ الدين الإسلامي، وقد فندت هذه الدعوى في الفصل الثالث من كتابي ( السنة قبل التدوين ) أسوق إليكم بعض ما جاء فيه بعد الإجابة عن قولكم ( كذلك العلوم القائمة عليه مثل علم مصطلح الحديث ... )
علم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وغريب الحديث وغيرها نشأت مع نشأة الرواية في الإسلام أي منذ عهد الرسول ، وتنامت في عصر الرواية – القرون الثلاثة الأولى – واكتملت أصولها وثوابتها، وقد بسطت القول في هذا في نصف رسالة الدكتوراه ( نشأة علوم الحديث ومصطلحه مع تحقيق كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الرامهرمزي ) في المجلد الأول في نحو ( 550 ) صفحة محفوظة نسخة منها في مكتبة جامعة دمشق منذ عام ( 1966م ) ونسخة أخرى في المكتبة الظاهرية منذ ذلك التاريخ، ونقلت إلى مكتبة الأسد، ومع هذا إليكم موجز في هذا الموضوع من كتابي ( أصول الحديث ) في آخر الإجابة عن سؤالك المتضمن ثلاثة أسئلة طويلة هامة ( انظر ص من هذا اللقاء ).
ثانياً: ما ذكرته ( يقال أن بعض الخلفاء ... ) من سؤالك تدرك أن المقولة ضعيفة جداً جداً بل مكذوبة، وحسبنا هنا ما انتهينا إليه بأنه لم ينقل أحد يعتد به أن أحداً من رجال الحديث أو غيرهم تقرب من خلفاء بني أمية بوضع ما يرضي ميولهم من الحديث( )، وطبيعي أن يتقرب بعض المرائين إلى الطبقة الحاكمة في بعض العصور بوضع ما يرضيهم من الحديث، وقد حدث هذا في عهد العباسيين فقد أسند أبو عبد الله الحاكم عن هارون بن أبي عبيد عن أبيه قال: ( قال لي المهدي: ألا ترى ما يقول لي مقاتل؟ قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس، قلت: لا حاجة لي فيها )( ).
وقد كذب غياث بن إبراهيم للمهدي في حديث: « لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر » فزاد فيه ( أو جناح ) حين رآه يلعب بالحمام فتركها المهدي بعد ذلك وأمر بذبحها بعد أن أعطاه عشرة آلاف درهم، وقال فيه بعد أن ولى: ( أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله  )( ). وفي رأينا أن إنكار المهدي عليه لا يكفي، بل كان عليه ألا يعطيه عشرة آلاف درهم من أموال المسلمين، لكذبه على الرسول الكريم، وأن يمنعه من هذا ويزجره ويحبسه إذا لم يشأ أن يضرب عنقه لكذبه وافترائه.
ثالثاً: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة، مع عدم إنكاره لها؟ يجب أن نفرق بين أمرين:
الأول: ما ثبت متواتراَ عن الرسول  وما هو بحكم التواتر كخبر الآحاد الذي يرافقه الإجماع، ومثال هذا: حديث الرسول  المتواتر « من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » فمن استحل الكذب على رسول الله  ووضع حديثاً، أو تقول عليه ما لم يقل فهو كافر ما لم يعلن توبته ويعود إلى رشده.
ومثال آخر: قول الرسول : « لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتهـا » ( أخرجه الشيخان )، وقد أجمعت الأمة على هذا، وكذلك أجمعت الأمة على وجوب إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها، لما جاء في الحديث عن أم عطية نُسَيبة رضي الله عنها أن رسول الله  قال: « لا تُحِدُّ امرأةٌ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرا ... » ( أخرجه الشيخان )، فمن ينكر الإحداد مع العدة لا شك أنه على هاوية ومهلكة، وإن كان لا ينكر السنة، لأنه يرد حكماً له حكم التواتر.
الثاني: أما ما ثبت بخبر الآحاد الصحيح الذي يوجب العلم والعمل فلا شك في أنه يفسق وقد سبق بيان هذا.
ولا بد من كلمة حق إذا كنا نحب الرسول  أليس من الواجب أن نتبعه ونتأسى به في سننه، في الأذكار والعبادات والآداب ... إن التفريط في ترك السنن يفضي إلى التفريط والتراخي في أداء الفروض والواجبات، وأداء السنن حباً بالرسول  يفيدنا يوم القيامة فيجبر ما قد وقع من تقصير في أداء الواجبات.
وأضيف إلى كل هذا أن من عادة المحبين الصادقين أن يحرصوا على تنفيذ ما يحبه محبوبوهم – مما لا معصية فيه لله – وهم بشر سواءً أكان المحبوب من الوالدين أو الأولاد أو الأصدقاء ... ( وإن الحبيب للحبيب مطيع ) إن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان أشد الناس تحرياً لسنن الرسول  في الطاعات ( العبادات ) وفي العادات، حتى إنه كان ذات مرة في سفر فمر بمكان فحاد عنه، فسئل: لم فعلت؟ فقال: رأيت رسول الله  فعل هذا ففعلت( ). وكان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها، ويخبر أن النبي  كان يفعل ذلك( ).
فما رأيكم أيها الأعزاء ونحن المحبون للحبيب محمد  ونأمل شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون، هل من المعقول أن يفكر أحدنا في أن يدع سنن المصطفى  في العبادات والسلوك والآداب والأخلاق .. وخطاب المولى الكريم  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً  -ملء مسامعنا وقلوبنا ونصب أعيننا!! والله ما يخطر مثل هذا في خاطر المحبين ...
- سؤال: هل يكفر من لا يتقيد بالسنة مع عدم إنكاره لها؟
الجواب عن السؤال السابق جواب لهذا السؤال.
- ماذا لو كان منكراً لها أو بعضها، هل لا زال مسلماً وقتئذٍ؟
نرجو من سيادتكم بيان وجه ارتباط إنكار منكري السنة أو بعضها بالعقيدة.
الجواب: منكر السنة جملة معتقداً لا شك أنه ينكر المصدر التشريعي الثاني الثابت في القرآن والسنة والإجماع، فإنه يكفر بهذا الإنكار، أما عدم إنكارها جملة وعدم العمل بخبر الآحاد الصحيح الذي يوجب العلم والعمل فإنه يفسق به.
سبق أن بينت أن ما من أمر عقيدي إلا ثابت بالقرآن الكريم، أو بالسنة المتواترة.
وأما بيان بعض فروع لها صلة بالعقيدة وليست أصولاً فيها، فحكمه حكم ما بينته في المتواتر من السنة، وما هو في حكم المتواتر، وما جاء في خبر الآحاد.









- سؤال: ما رأيكم في تصحيح المعاصرين؟ وهل في البخاري أحاديث ضعيفة من الأصول؟
الجواب:
1- أجمع العلماء الأئمة من أهل الحديث على أن كل ما في صحيح البخاري من المسند المتصل المرفوع صحيح، وقد تلقته الأمة بالقبول، وإذا عرض بعضهم لذكر بعض الأحاديث التي لم تتوفر فيها شروط الإمام البخاري في صحيحه فقد رد عليها شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في كتابه ( هدي الساري ) الذي جعله مقدمة لشرح صحيح البخاري ( فتح الباري ).
2- إن بعض الباحثين يتعالم ويقول في بعض الأحاديث التي أخرجها البخاري والحديث صحيح في هذا ما يشعر بأن في صحيح البخاري أحاديث غير صحيحة وهذا مغاير للصواب.
3- تصحيح المعاصرين متفاوت بين متساهل ومتشدد ، والحكم على التصحيح أو التضعيف بشكل عام أمر لا يتفق مع المنهج العلمي ، والأصل دراسة ما يصحح أو يضعف دراسة موضوعية علمية، وأحيل المشاركين إلى موضوع ( مسألة التصحيح والتحسين في الأعصار المتأخرة ) للدكتور عبد الرزاق بن خليفة الشايجي نشر في مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت السنة الثالثة عشرة العدد الخامس والثلاثون.
وخلاصة القول في هذا أن تصحيح الأحاديث وتحسينها والحكم عليها بالضعف أو بالوضع في العصور المتأخرة أمر ممكن للعلماء المتخصصين ممن تحققت فيهم شروط العلم، وجمع أدوات المجتهد هذا إلى جانب العدالة، ومعرفة قواعد الجرح والتعديل، ومناهج العلماء السابقين فيه، معرفة دقيقة، وليس الأمر سهلاً في أن يرجع الباحث إلى كتب الرجال ويقف على أقوال العلماء جرحاً وتعديلاً، لا بد للباحث من معرفة شيوخ الرواة ومن روى عنهم وسماعاتهم، فلكل علم رجال يعرفون به وعلماء الحديث من أجل العلماء وأصدقهم وأتقاهم، والخوض في أمر الرجال ليس أمراً سهلاً يقوم على النقل الصحيح عن الأئمة الجهابذة في الجرح والتعديل، وما لم يرد فيه تصحيح أو تحسين لا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده وأحوال رواته، ويقف على شواهده ومتابعاته وإلا فيكفيه أن ينص على صحة الإسناد فقط إذا لم يقف على جميع طرقه وشواهده مخافة أن يكون شاذاً أو معلاً، وإذا صحح الحديث إمام سابق أو حسنه فيكتفي بذلك، والله ولي التوفيق، فالموضوع دين لا بد من مزيد الاحتياط في البحث والحكم.
- سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... فسؤالي لكم يتعلق بإعادة ترتيب السنة النبوية على يد شيخنا الجليل محدث العصر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ورضي الله عنه فهناك من أنكر عليه هذا العمل الجبار حتى قال أحدهم على صحيح البخاري في السلسلة الصحيحة لو كان البخاري حياً لما عرف كتابه، وكذلك يقول بعضهم إن إعادة ترتيب البخاري وتصحيحه دليل على أن السنة ليست وحياً من عند الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أفيدونا بارك الله فيكم ...
الجواب: هذا السؤال يتضمن أمرين هامين:
الأول: إعادة ترتيب البخاري وتصحيحه، والثاني: أن هذا يدل على أن السنة ليس وحياً.
1- عزيزي لو كتبت حضرتك مقالاً علمياً أو بحثاً، وجاء غيرك وقدم فيه وأخر لأنكرت عليه لأن البحث أو المقال وحدة متكاملة يترابط بمباحثه وفقراته. إن صحيح البخاري كتاب فذ لا مثيل له بين مصنفات الحديث على الإطلاق، وفقه البخاري في تراجمه، وفيها من الأسرار واللطائف الحديثية ما لا يحصى. إن ترتيب كتبه، في مجموع المصنف، وترتيب الأبواب في كل كتاب، فيه من العلم والإبداع والصناعة الحديثية والفقهية ما لا يوجد في غيره، فالإقدام على تغيير ترتيبه نقض لذلك البناء العلمي، ومن يطالع فتح الباري وغيره من شروح البخاري يدرك أضعاف أضعاف ما ذكرته، هل يجوز لي اليوم أن أعمد إلى كتاب مؤلفه حي أن أعيد ترتيبه تحت أي مسوغ علمي أو منهجي من غير أن أستأذنه!!؟ نعم يمكن أن أحلل بعض موضوعاته أو أنتقد بعض ما فيه علمياً أما أن أفرق وحداته جملة وتفصيلاً فإن في هذا من التجاوز ما لا يخفى وبخاصة أن أئمة العلماء اتفقوا على صحة ما فيه من المسند المرفوع، وتلقته الأمة بالقبول، ما أقوله قد لا يرضي بعض من يطلع عليه، وآمل من بعض المشاركين الإطلاع على نماذج من البخاري وشرحها في فتح الباري أو غيره ليدرك أني لم أتجنَّ على الشيخ الذي أعاد ترتيب البخاري وتصحيحه، وإن المطلع على مناهج المحدثين في كتبهم يدرك أهمية ما قدمت.
ثانياً: وأما أن إعادة ترتيب البخاري فيه دليل على أن السنة ليست وحياً من عند الله عز وجل فهذا كلام مردود لا يقوم على دليل، وقد سبق لي أن بينت أن السنة وحي غير متلو من الله تعالى إلى رسوله  أو اجتهاد، وأن الله عز وجل لا يقر رسوله على خطأ، ونهاية الأمر أن كل ما ثبت عن الرسول  هو وحي من الله تعالى إلى رسوله  في جوابي عن السؤال السادس.
والحمد لله رب العالمين