الرداء الخامس: حيل أهل الضلال عند المناظرة والجدال.
قال تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
لقد أخزى الباطلُ أهلَه، فتخلّفَ عن الزحف، واختفى وقتَ الحاجة، وزهق عند اللقاء، وما صمد في القتالِ ساعة، وأخزى الحقُّ أهلَ الباطل، فاشترطَ على طالبيه الصبر، وحفّت صراطَه صنوفُ المكاره، وكشف لسالكيه عن رؤوسِ الفتن، فساروا غرباء يحملون الجمر ... واحتار المبطِلون بين باطلٍ يخذلهم إذ يطلبونه، وحقّ يقهرهم إذ لا يصبرون عليه! ماذا يفعلون؟!
ليس ثَمَّ فرصةٌ للتراضي، والتقارب دعوةُ المخذول، والباطلُ يسري في خلسةِ اللصوص، يجذبُ الذبابَ إلى مجاريه، فإذا بالأثر قد دلَّ على المسير، ويقوم ركنُ الحق شديدًا، وبصرُه حديدًا، وقولُه ظاهرًا، وصارمُه قاطعًا، يضطر الباطل إلى أضيق الطريق، ولا يظهر للباطل فُسحة مناص، يرى حتفَه دون أنفِه، فيدفع دفعَ مستدبر جرفٍ هار، وما يلبث إلا قليلًا، حتى يخذله قِصر نفسه، فلا يبقى من ذكرِه إلا أنه قد كان ... واحتار المبطِل ماذا يفعل؟!
لما ثقُلت عليه أصولُ الحقائق، تمسّح بصورةِ المنطق، ووجدَ زينةَ العلم عزيزة، فرضيَ بزخرفِ القول، ورأى لباس التقوى غاليًا، فاشترى ثوبي زور، وأبدع في أحلام اليقظة، وأقامَ من الأوهام قصرًا، ومن الدعاوى حصنًا، وشرِب من عينِ السراب، حتى إذا عاين هولَ المطلع، وارتاع لصوت النداء، سلّم للحقيقة، بعد أن كُشف الغطاء!
إنّ التدافع بين الحقّ والباطل سنةٌ كونية، يسعى الناصحون في الإعداد لها حثيثًا، ينشرون العلم النافع، ويرفعون راياتِ الحقائق، ويجمعون جيوش الأدلة، فإن سُئلوا عن الباطل، أبانوا إبانةَ العارف، وزادوا جوابَ الحكيم، إذ الباطلُ لا تنتهي صورُه عند عد، ولا يردع القائل به عن الشطط حد، فقاموا يشيرون إلى خطوات الشيطان، وأسباب الزيغ وذرائع الانحراف، يحذرون الناس من دخول الطرق على جنبي الصراط، ومن السماع لأئمةٍ على أبواب جهنم!
وقد أردتُ – مستعينًا بالله - أن أبين مغالطات الإلحاد بأنواعه، وحيل معتنقيه في المناظرة وحال الجدال، وخبايا الخديعة في ثنايا المقال، مبطلًا صورة المنطق الزائف، ومشيرًا إلى مواطن اللحن، ودعاوى الزور، فيقف القارئ على هوان شبهاتهم، وسفول مذاهبهم، وسفاهة دوافعهم، وتهافت مقالاتهم، وخواء جعبتهم، وانهيار بنيانهم، وقلة حيلتهم!
فليصبر القارئ الكريم نفسه معي، حتى نقف على خدع القوم كيف هي، ونرى تمويههم كيف يكون، فلا تنطلي عليه الأباطيل، وقد قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني).
للبقية حديث بإذن الله تعالى..
Bookmarks