أهل السنة والجماعة

إشكالية الشعار

وجدلية المضمون


(1)


بقلم د حاكم المطيري


الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد..

فقد جاء في الحديث (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) وجاء أيضا (إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من صدور العلماء وإنما يرفع العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)!

ومن أراد معرفة حال العلم وأهله فلينظر إلى حال الأمة وواقعها وتسلط عدوها عليها وتعدادها ألف وخمسمائة مليون نسمة فهي أكثر الأمم عددا وثروة وأوسعها دارا ومع ذلك صارت أضعف الأمم شكيمة وبأسا وأوهنها إرادة وعزما يحتلها العدو ويسيطر على حكوماتها ويتصرف في شئونها كما يتصرف المالك في أرضه ولعل ما يجري من حصار على غزة وشعبها وهي التي يحيط بها العالم العربي بثلاثمائة مليون نسمة دون أن يستطيع أحد فك الحصار عنهم لهو أوضح دليل على حال الأمة وعلمائها الذين لم يبق لهم من العلم إلا اسمه ومن العمل إلا رسمه إلا من رحم الله منهم وقليل ما هم!

وإذا نظرت في أحوال من يتسمون بالعلم فغاية ما عند أكثرهم حفظ متون فقهية لا يحسنون فهم ما وراءها فعجزوا عن مواكبة تطور الأمم من حولهم وحاجة الأمة إلى معالجة مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تعطلت أحكام الكتاب والسنة في واقع حياة الأمة وحتى تطلعت الأجيال إلى البحث عن تغيير هذا الواقع المتخلف الذي يحكمه الاستبداد الداخلي بالوكالة عن الاستعمار الخارجي وحتى صارت الأمة وأجيالها تتطلع إلى الليبرالية والديمقراطية للخروج من الاستبداد والطغيان السياسي المتحالف مع الطغيان الديني الذي يتحكم في شئونها كما يتحكم الإقطاعي بإقطاعه وعبيده بعد أن يئست من الحل الإسلامي!

وصارت الأجيال تتطلع إلى القومية العربية من جديد لتحقيق وحدتها والتحرر من الاستعمار بعد أن فشل العلماء المسلمون بالقيام بمسئولياتهم حين صار كثير منهم يمنعون بفتاواهم المشبوهة الأمة من الجهاد لا لشيء إلا لأن الاستعمار وصمه بالإرهاب!

هذا بعد أن كانت الفتاوى تعج وتضج من أقصى العالم الإسلامي إلى أقصاه بوجوب الجهاد في أفغانستان تحت الاحتلال الروسي وكان الشباب يذهبون أفواجا حجاجا لطلب الشهادة فما هو إلا أن تحقق النصر وخرج الروس فإذا جيوش الاستعمار الغربي وقوات حلف النيتو الصليبية تأت بخيلها وخيلائها لتقطف ثمرة النصر وتحتل أفغانستان من جديد للسيطرة على نفط بحر قزوين ولتسقط حكومة طالبان وإمارتها الإسلامية التي دعت الأمة للجهاد ونصرتها في حربها فكانت المفاجأة أن توارت الفتاوى خلف دهاليز السياسة تنتظر الإذن والإشارة فجاءت الإشارة بالمنع بحجة أن ذلك إرهاب وليس جهادا فما عدنا نسمع فتوى بجهاد ولا دعوة لنصرة المسلمين في أفغانستان والعراق إلا ممن لا يسمع صوته خلف القضبان!

لقد كان ما جرى تحولا ثقافيا خطيرا لمن أدرك فترة الجهادين في أفغانستان ضد الروس 1979 ـ 1992 وضد الأمريكان 2002 ـ 2010م وإلى اليوم إذ تجلى المشهد بكل وضوح أمام الجميع فقد كان الدين والفتاوى جزءا من حرب كبرى قادتها أمريكا والحكومات العربية والإسلامية التابعة لها الدائرة في فلكها ضد المعسكر الإشتراكي والاتحاد السوفيتي آنذاك حتى إذا انتهت المهمة وجب تغيير الفتوى بما يحقق غرض أمريكا أيضا ولم يقتصر الأمر على ذلك حسب بل تجاوزه إلى سيل من الفتاوى الجديدة لم نسمع بها ولا آباؤنا من قبل لتتشكل ثقافة دينية جديدة لتعيش الأجيال حالة من الشك والحيرة من مواقف العلماء وفتاواهم وأسباب تبدلها وتحولها في مدة عقد واحد من الزمن؟!

وقد أخذت على عاتقي مهمة دراسة هذه الظاهرة ورجعت إلى عشرات المصادر فإذا المشهد يتكرر وإذا المنطقة قد تعرضت منذ سقوط الخلافة العثمانية واحتلال بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للعالم العربي والإسلامي إلى الأحداث نفسها والأساليب ذاتها وإذا الدين والفتاوى أحد أهم أسلحتهم في توجيه الرأي العام الإسلامي أو تحييده من خلال تفاهم الاحتلال مع بعض رجال الدين أو من خلال التفاهم مع السياسيين الذين يقومون بدورهم بتوجيه رجال الدين بما تمليه سياسة الاحتلال الأجنبي وقد ذكرت من الأدلة في كتاب (الحرية وأزمة الهوية) ما يؤكد مدى تحكم العدو الخارجي وضبطه لموضوع الفتوى داخل العالم الإسلامي بما يخدم مصالحه الاستعمارية!!

وإذا أردت معرفة أبعاد الأزمة وخطورتها فانظر كيف ترك نصف الشعب العراقي مقاومة الاحتلال تقليدا لفتوى رجل واحد ليحتل العدو أرضهم وثرواتهم ويقتل رجالهم ويسجن أحرارهم لا لشيء إلا لغياب نور العقل والعلم والفطرة السليمة التي تدفع البوذي الفيتنامي لمقاومة الاحتلال مهما كان الثمن فلا يحتاج إلى فتوى فقهيه ليعرف ما يجب عليه القيام تجاه أرضه ووطنه مما تقتضيه العقول السليمة والفطر الصحيحة ليعبث الاحتلال الأجنبي بأوطان المسلمين بمثل هذه الفتاوى المشبوهة ولا يحتاج العدو إلا التفاهم من وراء الكواليس مع هذا المرجع أو ذاك فإذا الملايين تتعطل قدراتها وتتخلى عن واجباتها!

وإذا الملايين نفسها تخرج ـ تحت حراسة الجيش الأمريكي ـ لتنوح على الحسين وآل البيت ولا ينوحون على العراق وشعبه وهو يئن تحت وطأة جيوش الاحتلال في مشهد يكشف عن مدى تخلف الأمة وغيبة الوعي الجمعي الذي صار أسير كهنوت ديني زائف حتى صار الدين الممسوخ أحد أسباب سقوط الإنسان وسقوط الأوطان في عالمنا العربي مما يجعل بعث العلمانية من جديد خيارا مطروحا معقولا إذا ما قورن بهذا الهوس والجنون الذي تجلى بأبشع صوره في أرض الرشيد مهد الخلافة والحضارة الإسلامية!

وإذا نظرت على الطرف الآخر رأيت طائفة أخرى تعطلت ملكة عقول أتباعها بتقليد هذا الشيخ أو ذاك لا في دقائق الفقه بل في أصول الدين وقطعياته البدهية ولا يحتاج العدو لتوظيفهم في خدمة مشروعه أو تحييدهم إلا التفاهم مع ولاة أمرهم فإذا هم أدواة في يده فلا يصدر عنهم قول إلا بإذنه ولا فتوى إلا بأمره!

ولعله لم تؤت الأمة من عدوها كما أتيت من أدعياء العلم فيها فالفتوى اليوم تفتك في الأمة أشد من فتك جيوش الاحتلال بها ولهذا حرص العدو على توظيف الفتوى في خدمة مشروعه أو على الأقل تحييدها في هذه الحرب التي يشنها الصليبيون على العالم الإسلامي بجيوشهم الجرارة منذ سبع سنوات لتحتل العراق وأفغانستان ولتحاصر فلسطين وإذا قواعدهم التي تنطلق جيوشهم منها هي جزيرة العرب وإذا الفتاوى المشبوهة تتوالى في تخذيل الأمة عن القيام بواجبها الشرعي ليس باسم الرأي والمصلحة والاجتهاد بل باسم السنة ومنهج سلف الأمة!

فالقول بأنه (لا جهاد إلا بإمام) صار أصلا من أصول السنة وسلف الأمة الذي اكتشفه الخلوف اليوم فصارت تعقد له المؤتمرات المشبوهة هنا وهناك لإثبات أنه لا جهاد إلا بإمام!

فإذا نظرت فإذا هذا الأصل الجديد لا يخدم إلا العدو المحتل! بعد أن كان عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول (من قال أنه لا جهاد إلا بإمام؟ هذا من الفرية في الدين والعدول عن سبيل المؤمنين)!

وصار (تحريم الخروج على الإمام وإن كفر) من أصول السنة وسلف الأمة بعد أن كان الخروج واجبا بإجماع الأمة؟!

بل صارت قاعدة (أول الخروج الكلمة) أصلا من أصول السنة وسلف الأمة! بعد أن كان تغيير المنكر والأمر بالمعروف والصدع بالحق من أوجب الواجبات بإجماع الأمة لحديث (وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)!

وصار الدخول تحت حماية العدو الكافر جائزا مشروعا ومن اختصاص ولي الأمر بعد أن كان ردة وخروجا من الملة!

وصار من نصبه العدو الكافر في أرض الإسلام ولي أمر تجب طاعته باسم السنة ومنهج سلف الأمة ؟! بعد أن كان مرتدا يجب جهاده ومقاومته؟!

وكل هذه الأقوال الباطلة تروج اليوم بوسائل الإعلام وتعقد لها المؤتمرات وتؤلف فيه المطبوعات لتبرير هذا الواقع السياسي الذي تورط فيه سدنة السلطة من الأحبار والرهبان الذين يبيعون الأمة ودينها بعرض من الدنيا قليل؟!

فلم يبتذل شعار قط كما ابتذل شعار (مذهب أهل السنة وسلف الأمة) حتى فرغ هذا الشعار من مضمونه وتعطلت دلالاته واستغله العدو الأجنبي والعدو الداخلي حتى انصرفت الأجيال مرة أخرى عن الإسلام بعد أن رأت أنه لم يحقق لها الحرية والكرامة الإنسانية ولا الاستقلال والسيادة الوطنية ولا التطور والنهضة فصارت تتطلع لحلول مشكلاتها إلى بديل يخرجها مما هي فيه وإن كان في الليبرالية والديمقراطية الغربية نفسها؟!

وما ذلك إلا بسبب الإعراض عن هدايات الكتاب والسنة بآراء الرجال وأهوائهم وكان الحال كما قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان 7/378 (اعلم أن هذا الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واعتقاد الاستغناء عنهما بالمذاهب المدونة الذي عم جل من في المعمورة من المسلمين من أعظم الماسي والمصائب والدواهي التي دهت المسلمين من مدة قرون عديدة!

ولا شك أن النتائج الوخيمة الناشئة عن الإعراض عن الكتاب والسنة من جملتها ما عليه المسلمون في واقعهم الآن من تحكيم القوانين الوضعية المنافي لأصل الإسلام, لأن الكفار إنما اجتاحوهم بفصلهم عن دينهم بالغزو الفكري عن طرق الثقافة وإدخال الشبه والشكوك في دين الإسلام.

ولو كان المسلمون يتعلمون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويعملون بما فيهما لكان ذلك حصنا منيعا لهم من تأثير الغزو الفكري في عقائدهم ودينهم.

ولكن لما تركوا الوحي ونبذوه وراء ظهورهم واستبدلوا به أقوال الرجال لم تقم لهم أقوال الرجال ومذاهب الأئمة رحمهم الله مقام كلام الله والاعتصام بالقرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم والتحصن بسنته ولذلك وجد الغزو الفكري طريقا إلى قلوب الناشئة من المسلمين, ولو كان سلاحهم المضاد القرآن والسنة لم يجد إليهم سبيلا.

ولا شك أن كل منصف يعلم أن كلام الناس، ولو بلغوا ما بلغوا من العلم والفضل، لا يمكن أن يقوم مقام كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

وبالجملة فمما لا شك فيه أن هذا الغزو الفكري الذي قضى على كيان المسلمين، ووحدتهم وفصلهم عن دينهم، لو صادفهم وهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله لرجع مدحورا في غاية الفشل لوضوح أدلة الكتاب والسنة، وكون الغزو الفكري المذكور لم يستند إلا على الباطل والتمويه كما هو معلوم). انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى في تشخيص أحد أهم أسباب عجز الأمة وهو الإعراض عن هدايات الكتاب والسنة بتقليد الرجال وتقليد الشيوخ ومذاهبهم الفقهية التي ليست سوى اجتهادات علماء الأمة في عصور تختلف عن هذه العصور وهي قاصرة عن الإحاطة بهدايات الكتاب والسنة التي جاءت لكل زمان ومكان!

ومن هنا يعرف القراء ومن سيأتي بعدهم من الأجيال أن هذا السجال الفكري والعلمي الذي نحن فيه هو أحد تجليات الأزمة السياسية التي تعيشها الأمة تحت الاحتلال والنفوذ الاستعماري الجديد ولا يمكن فهم أبعاد هذا الموضوع عن هذا السياق وقد شاهدنا في بلد صغير كيف يتم العبث بالفتوى وبالدين لصالح الاستعمار ومشروعه في المنطقة حتى صدرت الفتاوى بأن القتال مع الأمريكان من الجهاد في سبيل الله؟!

وحتى عقدت عشرات المؤتمرات حول الجهاد وشروطه وحول طاعة ولي الأمر ثم لا يشارك فيها إلا سدنة الباطل وسماسرة الدين وتجاره فيأتون بالطائرات على الدرجة الأولى وفي الفنادق الخمسة نجوم ببشوتهم المزركشة المذهبة وبعضهم لم يخرج قط من مدينته ولم يعرفه أحد إلا في هذه الفتنة!

وحتى صدرت التعليمات في آن واحد من كل وزارات الأوقاف في المنطقة بالمنع حتى من الدعاء في المساجد على غير المسلمين المعتدين المحتلين!

فلا يحتاج الأمر سوى زيارة قصيرة من مسئول أمريكي حتى تخرج الفتاوى بما تريد الإدارة الأمريكية؟!

ولعل أشد ما في هذه الفتنة أنها تروج باسم السنة وسلف الأمة حتى بلغ الحال أن صارت طاعة الطاغوت ومولاته من أصول أهل السنة ونهج سلف الأمة حتى ابتذل هذا الشعار الشريف أسوء ابتذال في أسوء جريمة وهي خيانة الله ورسوله والمؤمنين!

وكل ما ذكرته هو غيض من فيض عسى الله أن يقيض له من يقوم على كشفه وتجليته للأمة لتعرف كيف يمكر بها عدوها!

هذا وبعد أن صدر كتابي (الفرقان) في الرد على شبه حمد إبراهيم عثمان ودعوته إلى تولي الطاغوت والتحاكم إليه وحبه والقتال في سبيله بدعوى (طاعة ولي الأمر) دون أن يحقق القول في معنى قوله تعالى في أصل دعوة التوحيد {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقوله تعالى في بيان أن من الطاغوت طاغوت الحكم وهو كل من يتحاكم إليه الناس ويحكم بينهم بغير حكم الله كما قال تعالى {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} وقوله تعالى في بيان حال الذين كفروا {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}؟!

فعطل حمد إبراهيم عثمان دلالة كل هذه الآيات ولم يعد لها مدلول يمكن تنزيلها عليه في أرض الواقع إذ صار كل ذي سلطان في كل بلد إسلامي عند حمد عثمان ولي أمر تجب طاعته والرضا بحكمه ومحبته والدفاع عنه وكل من ناوأه فهو خارجي حروري!

وهو يعلم أن أكثر هذه البلدان يحكمها الطغاة اللادينيون والدهريون والماديون وأحسنهم حالا المنافقون والإباحيون الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ممن يحاربون الله ورسوله وأولياءه وممن يصدق فيهم قوله تعالى {اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا}؟!

ثم لم يجعل حمد عثمان هذه القاديانية الجديدة رأيا واجتهادا حتى روجها باسم السنة وسلف الأمة ثم لما وجد أن باطله لا يروج إلا على من لم يعرف حقيقة الإسلام والإيمان ووجد أن (الفرقان) أتى على شبهه من القواعد وكشف زيفه ودجله لجأ بعد صدور الفرقان بأسبوعين إلى حيلة العاجز فذهب يعرض كتابه على من يقرظه له ويسعفه بتسويقه ظنا منه والظنون كواذب أن تقريظ هذا الشيخ أو ذاك يرفع خسيسا أو يضع نفيسا ونسي أنه لا يعرف الحق بالرجال بل يعرف الرجال بالحق ولو كان حمد عثمان على ثقة من دينه ومما كتب لما اضطر في الطبعة الثالثة من كتابه المشبوه وبعد صدور (الفرقان) إلى اللجوء لبعض الشيوخ لتقريظ كتابه فكان من شؤمه وشؤم كتابه على ذلك الشيخ أن استصدر منه والرجل في آخر عمره قولا لم يقله قبله أحد من أئمة الإسلام قط لا من أهل السنة ولا طوائف أهل القبلة!

فكان أشأم عليه من البسوس على بكر بن وائل!

وقد أراد حمد عثمان بهذه الحيلة أن يجعل المواجهة بيني وبين ذلك الشيخ وطائفته بعد أن كانت بينه وبيني!

ولم أتفاجأ أنا بما جاء في ذلك التقريظ ولا بما يصدر عن بعض مشايخ هذه الطائفة في مثل هذه النوازل فهذا كله أحد تجليات التحولات العقائدية التي طرأت على أتباع هذه المدرسة ولا يحتاج الباحث إلى كبير جهد لمعرفة مدى اتساع الهوة بين أطروحات هذه المدرسة قبل قرن وأطروحاتها اليوم وما عليه إلا أن يقرأ الدرر السنية والرسائل النجدية ورسائل أئمة الدعوة ليكتشف أن هذه المدرسة المعاصرة تخلت عن كثير من أصولها العقائدية تحت ضغط الواقع السياسي حتى اقتحم بعض دعاتها وشيوخها باب ردة جامحة لم يجرؤ عليها أحد من أهل القبلة!

كما لم أتفاجأ حينما خرج أحدهم قبل سبع سنوات وجيوش الاحتلال الصليبي تدك مدن العراق وتحتل أرضه ليقول في الفضائيات بأن بريمر حاكم العراق العسكري الأمريكي ولي أمر تجب طاعته دون أن يصدر عن شيوخ هذه المدرسة أي رد على هذه الفتوى فكان ذلك الشيخ أشجعهم وأصدقهم وأجرأهم في التعبير عن رأيه ورأيهم الذي يستبطنه كثير منهم اليوم في تقرير هذه العقيدة الجديدة!

فلم يكن الشيعة ومراجعهم وحدهم هم من يضفون الشرعية على الاحتلال الأجنبي للعراق باسم مذهب (أهل البيت) بل خرج من شيوخ هذه المدرسة من يضفي الشرعية عليه باسم مذهب (أهل السنة وسلف الأمة)!

وإذا هاتان الطائفتان تتباريان وتتجاريان في الأهواء السياسية كما يتجارى الكلب في صاحبه وتكشفان عن أزمة عقائدية وفكرية عميقة يعيشها العالم الإسلامي تفسر لنا سبب تخلفه وسقوطه تحت أبشع صور الطغيان السياسي من جهة والاحتلال الأجنبي من جهة أخرى ولتعيد هذه الحوادث المضحكات والفواجع المبكيات لنا قصة نابليون كما ذكرها مؤرخ مصر الجبرتي حين دخل الجيش الفرنسي مصر فقيل لنابليون بأنك لا تحتاج ليخضع لطاعتك الشعب المصري إلا الإعلان عن كونك مسلما ففعل ما أشاروا عليه وصار نابليون ولي أمر المسلمين! ليصدق قول أبي الطيب:

أغاية الدين أن تحفوا شواربكم

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!

وقد ذكرت في كتابي (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية .. عبيد بلا أغلال) من الحوادث التاريخية المتواترة ما يؤكد مدى قدرة الاحتلال على توظيف كلا الطائفتين في مشاريعه الاستعمارية من خلال وكلائه وموظفيه الذين يستغلون رجال الدين في استصدار الفتاوى لما يحقق غرض العدو المحتل لبلدان المسلمين!!

وقد صارت هذه الشعارات الشريفة كشعار (مذهب آل البيت) و(مذهب أهل السنة وسلف الأمة) تستغل اليوم أسوأ استغلال وأبشعه وأشنعه وأفظعه وأخنعه لترسيخ هذا الواقع الاستعماري الذي تورطت فيه كثير من الحكومات فتورط معها سدنتها ودهاقنتها وأحبارها ورهبانها فاضطروا إلى تسويق الكفر البواح والفجور والزور وما يبرأ منه آل البيت وسلف الأمة وأئمة السنة!

أقول ومع أن تقريظ ذلك الدكتور لكتاب حمد عثمان لم يتجاوز بضعة أسطر فقد تضمن من الشبه المصادمة لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما لا يخفى على من له أدنى اطلاع على أقوال ومذاهب الأئمة وسلف الأمة!

فقد جاء في التقريظ المذكور( فقد قرأت كتاب الشيخ حمد العثمان ردا على الدكتور حاكم العبيسان في أفكاره المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة في حثه على الثورة على الحكام بحجة ما عندهم من المخالفات التي لا تصل إلى حد الكفر وأيضا حتى لو وصلت حد الكفر وليس عند المسلمين قوة يستطيعون بها إزالتهم دون مفاسد وسفك دماء وحدوث فساد أكبر كما رسم لنا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المنهج الذي سار عليه علماء المسلمين في علاج هذه القضية عملا بسنة نبيهم وتجنبا لمنهج الخوارج والمعتزلة وجدت هذا الرد حسنا متمشيا على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها..)!!!

فقد تضمن هذا التقريظ ما يلي :

أولا : تحريم الدعوة إلى الخروج على الحكومات الظالمة بدعوى أن ذلك مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة وأنه مذهب المعتزلة والخوارج!

ثانيا : أنه حتى لو كفرت هذه الحكومات وخرجت من الملة فإن الدعوة إلى الخروج والثورة عليها لا تجوز في حال عجز المسلمين وحدوث المفاسد وأن ذلك هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة وأهل السنة خلافا لمنهج المعتزلة والخوارج!

ثالثا : أن ما كتبه حمد عثمان في كتابه من دعوة إلى الشرك والوثنية وتحكيم الطاغوت والرضا بحكمه وموالاته ونصرته كل ذلك وجده الشيخ متمشيا مع الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة! كما في قول حمد عثمان في ص 237 (العبيسان جاء بما يضاد الدين ودعوة المرسلين فكتابه كله يدعو إلى نزع يد الطاعة..)!

فصارت طاعة الطواغيت الملحدين الذين يحكمون بغير شرع الله هي (الدين ودعوة المرسلين) عند حمد عثمان وشيخه الذي قرظ كتابه!

ومع أن هذه القضية كلها ـ أي الخروج على السلطة الجائرة ـ هي قضية فرعية جزئية في كتابي الحرية وكتابي التحرير حيث أن القضية الرئيسة التي يتجنب المخالفون تحديد الموقف منها بوضوح هي قضية (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) ووجوب معرفة سننهم في باب الخلافة وسياسة الأمة ووجوب دعوة الشعوب والحكومات إلى إحيائها وبعثها من جديد وإقامة حكومات راشدة في كل بلد للتمهيد لعودتها خلافة راشدة كما بشر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (ثم تعود خلافة على منهاج النبوة) والمخاطب بذلك هي الأمة وهي التي يجب عليها القيام بما تستطيعه في إصلاح في هذا الباب كما في الصحيح (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) فلا تتعطل أحكام هذا الباب بدعوى تفرق الأمة وسقوط خلافتها وتشرذمها ولا بدعوى تسلط الطغاة عليها ولا بدعوى انتظار المهدي ـ الذي انتظره الشيعة ألف عام فلما طال عليهم الأمد تركوه وغيروا واقعهم بأيديهم وبقي بعض أهل السنة ينتظرونه ـ بل الواجب النصيحة وبذل الوسع والجهاد في ذلك حسب الوسع والطاقة ولو بالكلمة والبيان كما في الصحيح (الدين النصيحة .. ولأئمة المسلمين وعامتهم) وتحذير الأمة من اتباع سنن الجبابرة والأكاسرة والقياصرة والمحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لتتبعن سنن من كان قبلكم .. فارس والروم)!

وقد بينت في كتبي ما استطعت أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي وبينت المحدثات التي تخالف تلك الأصول والهدايات فأعرض المخالفون عن ذلك كله وجعلوا العقدة بالمنشار فأصموا وعموا واستغشوا ثيابهم وأصروا على ما هم عليه من تعظيم شأن الطواغيت وتمجيدهم وتبرير ظلمهم وعسفهم وخيانتهم لله ورسوله وللأمة بالوقوف مع عدوها المحتل وجعلوا قضية (ولي الأمر) أم القضايا وشعار أهل السنة ـ زعموا ـ ثم تمادوا في طغيانهم وغوايتهم حتى زعموا أن كل هذه الطاغوتية التي تمارسها كثير من الدول والحكومات التي لا تمت أصلا إلى الإسلام بصلة هي من السنة النبوية وما كان عليه الخلفاء الراشدون بما في ذلك الاستبداد والظلم والعسف والموالاة للعدو الأجنبي والدخول تحت حمايته وحتى خرج بعضهم فوصف طاغوته بأنه كالخلفاء الراشدين!

فكما صارت قضية النص (والإمام الغائب) فتنة الشيعة منذ كانوا إلى اليوم فقد صارت قضية (ولي الأمر والإمام القائم) فتنة كثير من أدعياء السنة إلى اليوم!

هذا مع أنني أدعو إلى الإصلاح السلمي وأرى بأن بإمكان الأمة إصلاح الواقع ولو قامت بالواجب الشرعي لما كان هذا حالها ولتغير واقعها كما قال تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وكما قال صلى الله عليه وسلممن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه)([1]).

وجاء عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه).([2])

وجاء في الحديث أيضا أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).([3])

وقال أيضا سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه؛ فقتله).([4])

وقالإذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم:يا ظالم! فقد تودع منها).([5])

وقاللتأخذن على يد الظالم، ولتأطِرنّه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم).([6])

وإنما عرضت لقضية الخروج على أئمة الجور لتعلقها بموضوع الإمامة وحق الأمة في اختيار السلطة بالشورى وما جرى من خلاف بين سلف الأمة في هذه القضية ولست بصدد الدعوة إلى الثورة كما يتصور الواهمون وإن كنت أرى مشروعية ذلك إذا اضطرت الأمة إليه فهذا حقها الذي جعله الشارع لها!

وهذا جوابي مختصرا على ما جاء في تقريظ ذلك الشيخ وفي كتبي بيان كاف وجواب شاف لمن أراد الحق بعيدا عن تقليد الرجال:

فأولا : دعوى أن الخروج على أئمة الجور هو مذهب الخوارج والمعتزلة دعوى باطلة وبطلانها أشهر من أن تذكر له الأدلة فالخلاف بين سلف الأمة والأئمة المشهورين من أهل السنة مشهور معلوم لا يخفى على العامة فضلا عن أهل العلم!

قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في (جواب أهل السنة ص 70) مقررا أن الخروج على أئمة الجور قضية خلافية بين سلف الأمة وأهل السنة أنفسهم حيث يقول (اختلف أهل السنة والجماعة في هذه المسألة وكذلك أهل البيت فذهبت طائفة من أهل السنة من الصحابة فمن بعدهم وهو قول أحمد وجماعة من أهل الحديث إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان إن قدر على ذلك وإلا فبالقلب ولا يكون باليد وسل السيوف على الأئمة وإن كانوا أئمة جور.

وذهبت طائفة من الصحابة ومن بعدهم من التابعين ثم الأئمة بعدهم ـ أي أبو حنيفة ومالك والشافعي ـ إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إذا لم يقدر على إزالة المنكر إلا بذلك وهو قول علي رضي الله عنه وكل من معه من الصحابة وهو قول أم المؤمنين ومن معها من الصحابة ـ كطلحة والزبير ـ وهو قول عبد الله بن الزبير والحسين بن علي وهو قول كل من قام على الفاسق الحجاج كابن أبي ليلى وسعيد بن جبير والحسن البصري والشعبي ومن بعدهم...الخ) انتهى كلام الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.

ولا يخفى في هذا النص ميل الشيخ عبد الله إلى ترجيح هذا القول الثاني لدفع التهمة عن دعوة الشيخ محمد بأنها تسلك مسلك الخوارج فبين أن الخروج بالسيف لتغيير المنكر بما في ذلك الخروج على السلطان الجائر هو مذهب طائفة من سلف الأمة وأئمة أهل السنة ولا يوصف من أخذ به بأنه خارجي!

بل لقد كانت مقاومة الإمام الجائر من أشهر القضايا في تلك العصور، حتى ادعى ابن حزم أنه مذهب أئمة المذاهب المشهورة في القرن الثاني حيث قالاتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد وذهبت طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية إلى أن سل السيوف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، إذا لم يكن دفع المنكر إلا بذلك).

وبعد أن نسب القول بوجوب استخدام القوة لإزالة المنكر، إذا لم يزل إلا بذلك، إلى من خالفوا علي بن أبي طالب من الصحابة، ومن خرج على يزيد بن معاوية كالحسين وابن الزبير وأبناء المهاجرين والأنصار في المدينة، ومن خرج على الحجاج كأنس بن مالك، قال ابن حزم (ثم من بعد هؤلاء من تابعي التابعين كعبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عمر بن عبد الله، ومحمد بن عجلان، ومن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن، وهاشم بن بشر، ومطر الوراق، ومن خرج مع إبراهيم بن عبد الله، وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة، والحسن بن حي، وشريك بن عبد الله، ومالك، والشافعي، وداود وأصحابهم، فإن كل من ذكرنا من قديم وحديث، إما ناطق بذلك في فتواه، وإما فاعل لذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكرا).([7])

فتأمل قول ابن حزم وهو من أعلم الناس بالخلاف والإجماع كيف ذكر بأن الخروج على الإمام الجائر هو مذهب عامة الأئمة وسلف الأمة ـ مع ملاحظة أن هذا كله في الخروج على الإمام المسلم الجائر في ظل الخلافة والنظام السياسي الإسلامي حيث ظهور شوكة أهل الإسلام وإقامة شرائع الأحكام ـ فهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وداود الظاهري!

وهؤلاء هم من أئمة أهل السنة في عصرهم وليسوا من المعتزلة ولا الخوارج!

أي أن أربعة من أئمة المذاهب الفقهية السنية الخمسة المشهورة يقولون بهذا القول!

وقد قال ابن حجر مفرقا بين خروج الخوارج، وخروج البغاة، وخروج أهل الحق:

(وقسم خرجوا غضبا للدين من أجل جور الولاة، وترك عملهم بالسنة النبوية فهؤلاء أهل حق، ومنهم الحسين بن على، وأهل المدينة في الحرة، والقراء الذين خرجوا على الحجاج، وقسم خرجوا لطلب الملك فقط وهم البغاة)!

ونص أيضًا أن الخروج على الظلمة كان مذهبا للسلف فقال في ترجمة الحسن بن حي وأنه كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور هذا مذهب للسلف قديم).([8])

وهذا الخلاف في هذه القضية مذكور حتى في كتب المذاهب الفقهية:

فعند الأحناف قال أبو بكر الجصاصوكان مذهبه [يعني أبا حنيفة] رحمه الله مشهورًا في قتال الظلمة وأئمة الجور وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة، وفي حمله المال إليه، وفتياه الناس سرًّا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمره مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن)([9]).

وهذا هو مذهب شيخه حماد بن أبي سليمان([10])، إمام أهل الكوفة في عصره.

وهو مذهب مالك، قال ابن العربي: (قال علماؤنا:وفي رواية سحنون، إنما يقاتل مع الإمام العدل، سواء كان الأول أو الخارج عليه، فإن لم يكن عدلين فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك أو مالك أو ظلم المسلمين، فادفع ذلك، هؤلاء لا بيعة لهم إذا كان بويع لهم على الخوف).([11])

وفي مذهب الشافعي قال الزبيدي: إن الخروج على الإمام الجائر هو مذهب الشافعي القديم.([12])

وفي مذهب أحمد رواية مرجوحة بجواز الخروج على الإمام الجائر، بناءً على ما روي عنه من عدم انعقاد الإمامة بالاستيلاء وإليه ذهب ابن رزين وقدمه في الرعاية من كتب الحنابلة، وقد قال بجواز الخروج من أئمة المذهب ابن عقيل وابن الجوزي.([13])

فهذا القول وهو جواز الخروج على أئمة الجور ـ أي في ظل الخلافة والنظام السياسي الإسلامي وهو ما لا وجود له اليوم في عامة أقطار المسلمين ـ رواية أيضا في مذهب أحمد وهو أشهر من قال بالمنع من الخروج وإنما رجح ابن عقيل وابن الجوزي وابن رزين وكلهم من أئمة المذهب الحنبلي هذه الرواية بالجواز لأنهم حملوا قوله بالمنع من الخروج على خلفاء بني العباس من المعتزلة بعد فتنة المأمون لعدم تحقق المناط عنده لا لأنه يرى المنع مطلقا إذ ثبت عنه كما في العلل 3/168 عن أبي بكر بن عياش (كان العلماء يقولون إنه لم تخرج خارجة خير من أصحاب الجماجم والحرة)!

وهم القراء الذين خرجوا على الحجاج وأهل المدينة الذين خرجوا على يزيد! وثبت عنه أنه كان يذم يزيد ويقول (هو الذي فعل في المدينة ما فعل)!

ففهم ابن عقيل وابن الجوزي وابن رزين أن هذا هو مذهب أحمد وإنما منع من الخروج على المأمون حين جاءه فقهاء بغداد في الفتنة لأنه خشي الاصطلام وعودة الفتن في بغداد من جديد خاصة والعهد قريب بفتنة القتال بين الأمين والمأمون وما جرى بينهما في بغداد من سفك للدماء وحروب وحصار فكان رفضه للخروج في هذه الحادثة بعينها لا لأنه يمنع منه مطلقا!

والمقصود بأن دعوى تحريم الخروج مطلقا على الإمام الجائر ودعوى أن مذهب الخروج هو مذهب المعتزلة والخوارج وأنه مخالف لمنهج أئمة أهل السنة وسلف الأمة كل ذلك دعاوى عريضة باطلة وظنون عارية عن الصحة عاطلة فهذه أقوال أئمة النقل وهذه كتب الفقهاء تنص على مذاهب أئمة أهل السنة والجماعة في هذه القضية فهو مذهب أبي حنيفة ومالك وداود الظاهري وهو قول للشافعي ورواية عن أحمد!

فليس أمام حمد عثمان وشيخه الذي قرظ كتابه سوى أمرين إما إثبات بطلان هذه النقول عن هؤلاء الأئمة أو نفي أن يكونوا من أئمة أهل السنة أو الرجوع إلى قولنا والاعتراف بأن القضية على الأقل خلافية اجتهادية بين أئمة أهل السنة والجماعة أنفسهم!

والتحقيق هو ما قاله الشيخ المحدث الأثري عبد الرحمن المعلمي في التنكيل ص 288 (كان أبو حنيفة يستحب أو يوجب الخروج وكان أبو إسحاق الفزاري ينكر ذلك وكان أهل العلم مختلفين في ذلك والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا وهذا مما يختلف فيه نظر المجتهدان).

ثانيا : أما دعوى الشيخ المذكور بأنه لا يجوز الخروج حتى لو كفر الحاكم إذا عجزت الأمة عن تغييره فهذه دعوى لم يسبق إليها هذا الشيخ وإنما اضطر إليها تحت ضغط الواقع السياسي إذ يدرك أن أمر هذه الحكومات تجاوز حدود الظلم والجور إلى كفر بواح صراح معلوم من دين الإسلام بالضرورة القطعية ابتداء من تعطيل الشريعة كلية والتحاكم إلى الياسق الصليبي (القوانين الوضعية) واستباحة كل الموبقات من الربا والزنا والخمر وانتهاء بالدخول تحت حماية العدو الكافر والقتال معه ضد المسلمين ودعمه بالأموال وقد أفتى عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ من علماء الدعوة النجدية كما في الدرر السنية 8/11 عن مثل هذه الأحوال وقد سئل عن دخول أهل الخليج في القرن الماضي تحت حماية بريطانيا فقال: (وانتقل الحال حتى دخلوا في طاعتهم واطمأنوا إليهم وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم وهذا لا شك من أعظم أنواع الردة)!

وقال أيضا هو والشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف وسليمان بن سحمان كما في الدرر السنية 10/435 في بيان حكم الدخول تحت الحماية الأجنبية:

(أما الدخول تحت حماية الكفار فهي ردة عن الإسلام)!

وقال الشيخ المحدث السلفي القاضي أحمد شاكر في رسالته (كلمة حق ص 126) عن حكم التعاون مع بريطانيا وفرنسا في حربها على المسلمين (أما التعاون بأي نوع من أنواع التعاون قل أو كثر فهو الردة الجامحة والكفر الصراح لا يقبل فيه اعتذار ولا ينفع معه تأول سواء كان من أفراد أو جماعات أو حكومات أو زعماء كلهم في الكفر والردة سواء إلا من جهل وأخطأ ثم استدرك فتاب)!

وقال أيضا في شأن القوانين الوضعية في عمدة التفاسير 2/174 (إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس فهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداراة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها)!

وقال في حاشيته على تفسير ابن جرير 2/348 (القضاء في الأعراض والأموال والدماء بقانون مخالف لشريعة الإسلام وإصدار قانون ملزم لأهل الإسلام بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه)!

وهذا ما ذكره الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالته في حكم القوانين الوضعية وهو ما ذكره الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان فقد قال في بيان أن التحاكم لغير شرع الله من الإشراك به 7/48 (فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته فقال في حكمه {ولا يشرك في حكمه أحد} وقال في عبادته {ولا يشرك بعبادة ربه أحد}..).

وقال في سورة الكهف 3/259 عند قوله {ولا يشرك في حكمه أحدا} (ويفهم من هذه الآيات أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه هو المراد بعبادة الشيطان..)!

ثم قال بعد أن استدل بقوله تعالى {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} (وبهذه النصوص السماوية يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم)!

وتأمل هذا القول وقارنه بقول حمد عثمان ـ الذي استحسنه الشيخ المقرظ ـ حيث يرى بأن كل الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله في العالم العربي والإسلامي حكومات شرعية يجب السمع والطاعة لها والرضا بها والدعاء لها والدفاع عنها وتثبيت أمرها وأن الدعوة إلى تغييرها مما يضاد الدين ودعوة المرسلين!

وقال الشنقيطي في سورة الشورى 7/50 (وكل تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاغوت فالكفر بالطاغوت شرط في الإيمان كما بينه تعالى في قوله {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} فيفهم منه أن من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى.. ولا شك أن كل من أطاع غير الله في تشريع مخالف لما شرعه الله فقد أشرك به مع الله)!

وتأمل كلام إمام المفسرين في هذا العصر ـ شيخ مشايخنا ـ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وقارنه بدعوة حمد عثمان ومن قرظ كتابه إلى طاعة الطغاة واعتقاد ولايتهم الشرعية على المسلمين ووجوب نصرتهم ومحبتهم والقتال معهم لتعرف أي فتنة تعيشها الأمة اليوم باسم السنة وسلف الأمة!

وأقول لما رأى الشيخ المذكور أن الخلاف في هذا العصر لم يعد في الخروج على الإمام الجائر الذي اختلف فيه سلف الأمة بل هو في الخروج على أنظمة حكم أكثرها لا يؤمن أصلا بالإسلام وحاكميته وصلاحيته ووقع منها من صور الردة القطعية ما لا يحتاج معه إلى بحث ومناظرة اضطر إلى التأكيد على أن المنع من الخروج يشمل حتى هذه الأنظمة الخارجة عن دائرة الإسلام في دار الإسلام!

ثم قيده على استحياء بعجز الأمة عن الخروج!

وهو قول باطل بإجماع الأمة على اختلاف طوائفها من أهل السنة والمعتزلة والخوارج والشيعة!

قال القاضي عياض: (أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها.. فلو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة ـ أي مكفرة ـ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها).([14])

وقال ابن حجر: (ينعزل بالكفر إجماعا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك).([15])

وقال ابن بطال(إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها).([16])

وقال الرملي في غاية البيان على ابن رسلان ص 15 (لو طرأ عليه كفر فإنه يخرج عن حكم الولاية وتسقط طاعته ويجب على المسلمين القيام عليه وقتاله ونصب غيره إن أمكنهم ذلك)!

فهذا إجماع قطعي في وجوب الخروج على الكافر ومن طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع لا يستطيع أحد إثبات خلافه عن أحد من سلف الأمة ولا عن الأئمة وأهل السنة ولا عن أحد من أهل القبلة قاطبة في وجوب الخروج على الكافر في دار الإسلام وبطلان ولايته ووجوب جهاده لمن قدر على ذلك سواء قدرت الأمة كلها أو بعضها وشهرة خلافهم في الجائر أوضح دليل على أن أهل الإسلام بجميع طوائفهم لا يختلفون فيما وراء ذلك وهو الكافر فهم مجمعون على شرط الإسلام في الإمامة ابتداء وانتهاء ومجمعون على العدالة ابتداء ثم اختلفوا فيمن طرأ عليه فسق وجور أو أخذها بالقوة والغلبة أما الكافر فلا ولاية له على ابنته المسلمة فكيف تكون له ولاية على الأمة كلها وقد قال تعالى {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} وجاء في الحديث الصحيح (إلا أن تروا كفرا بواحا) وقال لمن سألوا أفننابذهم السيف فقال صلى الله عليه وسلم (لا ما صلوا) ؟!

وهناك فرق شاسع وبون واسع بين القول بأنه يحرم الخروج على الجائر حتى لو كفر إذا عجزت الأمة أو خشي وقوع سفك دماء ومفاسد..الخ كما يقول الشيخ المذكور والقول بأنه يجب الخروج عليه إن كفر لمن قدر عليه كما هو إجماع الأمة!

فالقول الأول يجعل الحكم الشرعي ابتداء هو تحريم الخروج على الكافر ولا يجوز إلا في حال واحدة هو تحقق القدرة وعدم وقوع سفك دماء أو مفسدة!

فصار التحريم هو العزيمة عند هذا الشيخ!

بينما الإجماع هو وجوب الخروج على من كفر لمن قدر وهذه هي العزيمة ابتداء والرخصة إنما هي لمن لم يقدر وهذا يقتضي بأن من لم يقدر له الأخذ بالعزيمة والتصدي للكافر فيموت شهيدا كما في الحديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) فإذا كان هذا في حق الجائر والتصدي له ولو من رجل واحد وإن أدى إلى شهادته فكيف بالكافر؟!

ففرق بين القول بإيجاب الخروج على الإمام الكافر في دار الإسلام وجهاده ابتداء إلا إذا عجزت الأمة فلها الأخذ بالرخصة ويجب عليها العمل على إعداد العدة للقيام بالواجب إذ ما لا يتم الواجب به فهو واجب ولا يسقط عنها بحال من الأحوال ذلك الخطاب فهذا قول الأئمة وسلف الأمة.

بخلاف القول بتحريم الخروج على الكافر ابتداء إلا إذا قدرت الأمة ولم يقع سفك دماء ولا مفاسد..الخ كما يدعيه الشيخ المذكور!

وانظر في قول القاضي عياض السابق ففيه ما يلي :

1 ـ أن من طرأ عليه كفر تسقط ولايته على المسلمين ولا تجب طاعته دون قيد أو شرط بل يجب اعتقاد عدم شرعية ولايته على المسلمين بمجرد كفره وتعطيله للشرع.

2 ـ يجب على الأمة القيام عليه وخلعه ونصب إمام مسلم إن أمكنهم.

3 ـ فإن لم تستطع الأمة كلها القيام عليه فعلى من استطاع الخروج عليه ولو من طائفة من المسلمين أن تقوم بالواجب.

4 ـ وأن حكم المبتدع ـ أي بدعة كفرية ـ يختلف عن حكم الكافر فلا يجب الخروج عليه إلا إذا ظن المسلمون القدرة على القيام بذلك فإن تحقق العجز لم يجب عليهم!

ففرق القاضي بين الكافر فيجب الخروج عليه بلا شرط ولا قيد ـ أما شرط القدرة فهو شرط في كل الأحكام التكليفية فلا واجب مع العجز ـ والمبتدع بدعة كفرية فيجب إن ظنوا القدرة عليه.

والقول بوجوب الخروج يقتضي أربعة أمور :

1 ـ أنه تأثم الأمة إذا تركت القيام على الكافر وتركت جهاده حال القدرة ولو اقتضى ذلك قتال وسفك دماء إذ الجهاد مع العدو خارج دار الإسلام مشروع مع وقوع سفك الدماء وذهاب الأنفس والأموال لما تتحقق فيه من المصالح الكلية للأمة فجهاد الإمام الكافر أوجب على الأمة.

2 ـ أنه في حال عدم القدرة على القيام عليه من الأمة فعلى من استطاع الخروج عليه المبادرة إذ هو فرض كفاية فمن قدر عليه وجب عليه.

3 ـ وأنه إذا لم يقدر أحد عليه وجب على الأمة إعداد العدة إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

4 ـ وأنه إذا قام أحد بجهاده مع عجزه وأخذ بالعزيمة فهو مأجور مشكور مع عدم الوجوب في حقه.

وهذا كله يختلف إذا قيل بأنه يحرم الخروج عليه إذا لم تستطع الأمة القيام عليه دون مفاسد وسفك دماء وحدوث فساد أكبر وأن من خرج والحال هذه فهو مخالف للسنة وهدي سلف الأمة ومتبع سبيل المعتزلة والخوارج كما يقول الشيخ المذكور!!

هذا مع العلم بأن القضية التي أثارها حمد عثمان ليست هذه القضية وهي الخروج وعدمه وإنما القضية التي أثارها ولم يجب عنها حمد عثمان وشيخه الذي أخذ العلم عليه وقرظ كتابه المشبوه هي :

1 ـ ما حكم ولاية من يحكم بغير حكم الله ورسوله ويلزم الأمة بالتحاكم إلى غير حكم الله ورسوله بعيدا عن قضية الخروج من عدمها؟

2 ـ وهل الحكومة التي ظهر كفرها كفرا بواحا كالحكومات الشيوعية واللادينية التي لا تؤمن بالله ولا ترى وجوب الحكم بالإسلام والتحاكم إليه لها ولاية شرعية على المؤمنين وتدخل في عموم قوله تعالى {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}؟!

3 ـ وهل الطاغوت الذي يحكم في الأمة بالياسق والقوانين الوضعية طائعا مختارا يصدق عليه أنه ولي أمر تجب مولاته ومحبته ونصرته والدعاء له؟!

4 ـ وهل يصدق على من دعا إلى عداوته والبراءة منه وجهاده ولو بالكلمة والتحذير من الطاغوت وتحريم الرضا بحكمه بأنه خارجي حروري؟!

5 ـ وهل من يدعو إلى طاعته ومولاته ومحبته موحد على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة وأهل السنة؟!

6 ـ وهل يصدق على من يحكم بغير حكم الله ورسوله ويضع للأمة القوانين الوضعية الفرنسية والإنجليزية ويلزم الأمة بالتحاكم إليها بأنه طاغوت كما هو نص القرآن أم لا كما يقول حمد عثمان؟!

7 ـ وإذا ثبت بنص القرآن أنه داخل في عموم قوله تعالى {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} وقوله{ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} فكيف يكون الكفر به وما حقيقته؟

وهل الدعوة إلى طاعته ومولاته من الدعوة إلى الشرك والوثنية أم من التوحيد والسلفية؟!

8 ـ وهل هذه الدعوة إلى طاعة الطاغوت من عبادة الشيطان واتباع خطواته كما قال الشيخ الشنقيطي في سورة الكهف 3/259 عند قوله {ولا يشرك في حكمه أحدا} (ويفهم من هذه الآيات أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله وهذا الإشراك في الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه هو المراد بعبادة الشيطان..)ثم قال بعد أن استدل بقوله تعالى {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} (وبهذه النصوص السماوية يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم)!

أم هي من التوحيد والإيمان كما يقول حمد عثمان الذي قرظ الشيخ كتابه بقوله (وجدت هذا الرد ردا حسنا متمشيا على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها)؟!

فهذه هي الأسئلة المراد الإجابة عنها وكل حيدة عنها هروب من تحرير محل النزاع إلى مشاغبات ومهاترات لا نتيجة لها أما الخروج على الطاغوت وجهاده فلا حاجة للجدل فيه قبل حسم أصل المسألة إذ هو نتيجة لمقدمات منطقية بدهية فإن ثبت أنه لا ولاية شرعية لأي حكومة لا تحكم بالإسلام في دار الإسلام فموضوع إصلاحها وتغييرها بالوسائل السلمية أو الثورية أو الصبر عليها إلى حال القدرة كل ذلك تحصيل حاصل للموقف الشرعي منها ابتداء!

وتقدير القدرة من عدمها راجع إلى من خاطبهم الشارع بالتكليف ومعرفة القدرة وتحققها من عدمه هو من اختصاص المكلف نفسه المأمور بالحكم الشرعي إن قدر عليه فقادة الجيوش مثلا وزعماء الأحزاب السياسية والوزراء المتنفذون في الدول لهم من القدرة ما ليس لغيرهم كأفراد فتوجه الخطاب إليهم أولى من غيرهم وهم أقدر على معرفة قدرتهم من عدمها وليس هذا من اختصاص الفقيه الذي يقتصر دوره على بيان الحكم الشرعي دون أن يتجاوزه إلى تقدير قدرة الأمة من عدمها إذ يخرج حينئذ من فقيه يبين الحكم الشرعي إلى وصي وولي على الأمة يقرر لها هل في قدرتها فعل التكليف أم لا!

فهذه هي الأسئلة التي يجب على حمد عثمان وشيخه الإجابة عنها ليعرف المسلمون حكم دينهم والتوحيد الذي جاءت به الرسل كما قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقوله تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}!

وأما مصادرة ذلك كله ودندنة هذه الطائفة حول الخروج والخوارج ومذهب السلف وأهل السنة (وطاعة ولي الأمر)..الخ فكل ذلك شعارات ودعاوى فارغة عن مضمونها وحقائقها فإذا ما عرضت على نصوص الكتاب والسنة تبين أنها ليست سوى دعوة لطاعة الطاغوت وتوليه ومحبته وترسيخ حكمه وحكم العدو المحتل لدار الإسلام من ورائه!

وهي كشعارات (مذهب أهل البيت) (وشيعة آل البيت) حتى إذا كشفتها فإذا هي دعوة إلى عبادة الطاغوت والدعوة إلى الشرك والوثنية وتغييب العقل وتزييف إرادة الأمة لتخضع للعدو المحتل باسم آل البيت!

وما لأقولهم إذا كشفت ... حقائق بل جميعها شبه!

وللحديث بقية ....

http://dr-hakem.com/





--------------------------------------------------------------------------------

([1]) رواه مسلم ، ح رقم (49) .

([2]) رواه أحمد 1/2و5 و7 ، وأبو داود ح رقم (4338) ، والترمذي (2168) وقال : (حسن صحيح) و (3057) ، وابن ماجه ح رقم (4005) ، وصححه ابن حبان رقم (304) .

([3]) رواه أحمد 5/251 و 256 ، و3/19 و61 ، و4/315 ، وأبو داود ، ح رقم (4344) ، والترمذي ، ح رقم (2175) ، وابن ماجه ، ح رقم (4011) ، والنسائي (2/187) من طرق عن جماعة من الصحابة . وصححه الألباني في الصحيحة رقم (491).

([4]) رواه الحاكم 3/195 وقال : (صحيح الإسناد) . وصححه الألباني في الصحيحة رقم (374).

([5]) رواه أحمد 2/163 و190،وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/270)(رجاله رجال الصحيح).

([6]) رواه أبو داود ، ح رقم (4336) و (4337) ، والترمذي ، ح رقم (3050) ، وابن ماجه ، ح رقم (4006) ، وأحمد 1/391 ،من حديث ابن مسعود وحسنه الترمذي ، وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري ،قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/269) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح) .

([7]) الفصل 4/171 – 172 .

([8]) فتح الباري 12/286 ، وتهذيب التهذيب 2/288 .

([9]) أحكام القرآن 1/70 .

([10]) تاريخ بغداد 13/398 .

([11]) أحكام القرآن لابن العربي 4/1721.

([12]) إتحاف السادة 2/233 .

([13]) الإنصاف للمرداوي 10/310 - 311 .

([14]) شرح مسلم للنووي 12/229 .

([15]) فتح الباري 3/123 .

([16]) المصدر السابق