اللغة:
قال الأَزهري: اللُّغة من الأَسماء الناقصة، وأَصلها لُغْوة – على وزن فُعلة- من لَغا إذا تكلم.
وقال إمامُ الحرمين في البرهان: اللغةُ من لَغِي يَلْغَى من باب رَضِي إذا لهِج بالكلام، وقيل من لَغَى يَلْغَى.
واصطلاحا: قال أبو الفتح ابن جني في الخصائص: حدُّ اللغةِ أصواتٌ يعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم.
وقال ابن الحاجب في مختصره: حدُّ اللغةِ كلُّ لفظٍ وُضِعَ لمعنى.
وقال الإسنوي في شرح منهاج الأصول: اللغاتُ عبارةٌ عن الألفاظ الموضوعةِ للمعانِي
*والعلم باللغة من شروط المفسر فقد ذكروها ضمن العلوم التي يجب على المفسر معرفتها بل هي أهمها لأن القرآن عربي نزل بلغة العرب، فاللغة تعين على شرح مفردات ألفاظ القرآن الكريم يقول الإمام مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا ا. هـ ولا يكفي اليسير منها بل ينبغي التعمق فيها وقد أشرنا إلى أهمية اللغة سابقا.
اللغة وأصلها بين المواضعة والتوقيف:
لعلماء فقه اللغة قديما وحديثا في هذه المسألة أربعة آراء يحلو للبعض أن يطلق عليها نظريات كما فعل حسن عباس في كتابه " خصائص الحروف العربية ومعانيها " وهي:
1-النظرية التوقيفية: وتقول إن أصل اللغة (توقيف) أي وحي إلهي. ومن أبرزومن أبرز القائلين بها:
(هيروقليطس وديلاند) الغربيان و(ابن فارس) من علماء اللغة العرب .
ونص كلام ابن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة:
اعلم أنَّ لغة العرب توقيفٌ؛ ودليل ذلك قولُه تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا " ، فكان ابنُ عباس يقول: عَلَّمَه الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارفُها الناسُ؛ من دابَّة وأرضٍ، وسهل وجبل، وجمل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وروى خَصِيف عن مجاهد قال: علَّمه اسمَ كلِّ شيء، وقال غيرهما: إنما علَّمه أسماءَ الملائكة، وقال آخرون: علَّمه أسماءَ ذُرِّيَّتِه أجمعين.
قال ابنُ فارس: والذي نَذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن ابنِ عبّاس، فإن قال قائل: لو كان ذلك كما تذهب إليه لقال: ثم عرضَهُنَّ أو عرضَها، فلما قال: عَرَضَهم عُلِم أن ذلك لأعيانِ بني آدم أو الملائكة؛ لأن موضوع الكناية في كلام العرب أن يُقَالُ لِمَا يَعْقِل: عرضهم، ولما لا يعقل: عرضَها، أو عرضهنّ.
قيل له: إنما قال ذلك - واللّه أعلم - لأنه جمع ما يَعْقِل وما لا يعقل؛ فغلَّب ما يعقل، وهي سُنَّةٌ من سُنن العرب؛ أعني باب التغليب، وذلك كقوله تعالى: " واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَاءٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبع " ، فقال: منهم تغليباً لمن يَمْشي على رِجْلين، وهم بنو آدم.
فإن قال: أفتقولون في قولنا سيف، وحُسام، إلى غير ذلك من أوصافه، إنه توقيف حتى لا يكون شيء منه مُصْطَلَحاً عليه؟ قيل له: كذلك نقولُ، والدليلُ على صحته إجماعُ العلماءِ على الاحتجاج بلغةِ القوم فيما يختلفون فيه، أو يتفقون عليه، ثم احتجاجهُم بأشعارهم؛ ولو كانت اللغة مُوَاضَعةً واصطلاحاً لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأوْلَى منَّا فِي الاحتجاج بنا لو اصطلحنا على لغةِ اليوم؛ ولا فَرْق.
هل القول بالتوقيف يستلزم أن تكون اللغة قد جاءت جملة واحدة؟
يقول ابن فارس: لعل ظاناً يظنُّ أن اللغةَ التي دللنا على أنها توقيفٌ إنما جاءت جملةً واحدة، وفي زمان واحد؛ وليس الأمر كذلك؛ بل وقّف اللّه عزّ وجلَّ آدم عليه السلام على ما شاء أن يُعَلِّمه إياه؛ مما احتاج إلى علمه في زمانه، وانتشر من ذلك ما شاء الله؛ ثم عَلّم بعد آدم من الأنبياءِ - صلوات اللّه عليهم - نبيّاً نبيّاً ما شاء اللّه أن يُعَلِّمه، حتى انتهى الأمر إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فآتاه اللّه من ذلك ما لم يُؤتِه أحداً قبلَه، تماماً على ما أحسنه من اللغة المتقدمة؛ ثم قرّ الأمر قَراره، فلا نعلمُ لغةً من بعده حدثَتْ.
فإن تعمَّل اليوم لذلك متعمِّل وجدَ من نُقَّاد العلم من يَنْفيه ويَرُدّه، ولقد بلَغنا عن أبي الأسود الدؤلي أن امرءاً كلَّمه ببعضِ ما أنكَره أبو الأسود؛ فسأله أبو الأسود عنه، فقال: هذه لغةٌ لم تَبْلُغْك، فقال له: يا بن أخي؛ إنه لا خيرَ لك فيما لم يَبْلُغْني، فعرَّفَه بلُطْف أن الذي تكلَّم به مُخْتَلَق.
وخَلَّة أخرى: إنه لم يبلغنا أن قوماً من العرب في زمانٍ يقاربُ زماننا أجمعوا على تسميةِ شيء من الأشياءِ مُصْطَلِحِين عليه؛ فكنا نستدلّ بذلك على اصطلاحٍ قد كان قبلَهم.
وقد كان في الصحابة رضي اللّه عنهم - وهم البُلَغاءُ والفصحاءُ - من النظر في العلوم الشريفة ما لا خفاءَ به؛ وما عَلِمناهم اصطلَحوا على اختراعِ لغة، أو إحْدَاث لفظةٍ لم تتقدمهم وفي كل ذلك دليلٌ على صحَّة ما ذهَبْنا إليه من هذا الباب أ.هـ
2-النظرية التوفيقية: وتقول بالتوفيق بين التوقيف والاصطلاح بمعنى أن الإله قد أقدر الإنسان على أن يصطلح الكلمات تعبيراً عن معانيه. ومن أصحابها من علماء العرب (أبو علي الفارسي)
3-النظرية الاصطلاحية: وتقول: إن أصل اللغة هو الاصطلاح والتواضع. أي أن الأسماء هي مصطلحات قد تواضع الناس على معانيها. فنظم الحروف كما قال (الجرجاني) هو "تواليها في النطق فقط فليس نظمها لمقتضى من معنى". (دلائل الإعجاز ص32). والكلمة كما قال (سوسور): (ليست إلا إشارة، وأن معناها اعتباطي صرف) (تاريخ علم اللغات ص138) لجورج مونين.
وممن قال بها من العرب: (الغزالي- ابن خلدون- الجرجاني- أبو هلال العسكري) وكثير من أساتذة علم اللغة المعاصرين وممن قال بها من الغرب: ديموقريطس - هوموجيس. أرسطو- القديس توماس -باكون - روسو - كوندياك- ديكارت- هوبيز- سبينوزا-لوك -ليبنتز- سوسور، وأصحاب الفلسفة المظهرية.
4- النظرية الفطرية -تقول: إن أصل اللغة فطري، ومما جاء على ألسنة أصحابها أن اللفظة قد اقتبست من الطبيعة بالمحاكاة، وأن الألفاظ بدأت بتقليد الأصوات في الطبيعة، وأن ثمة علاقة ذاتية بين الفكر والكلمة. وهكذا إلى المزيد من التعاريف التي يمكن ضمها تحت لواء المدرسة الواقعية القائلة "اللغة جزء من الواقع الطبيعي" (المرجع السابق ص15).
وقد قال بها من العرب: ابن جني -الفراهيدي -وتلميذه سيبويه- ابن سينا- عبّاد بن سليمان الضيمري الكرملي. محمد فارس الشدياق في كتابه (سهر الليال في القلب والابدال). وممن قال بها من الغرب: أفلاطون. القديس أوغسطنوس- القديس غريغوريوس- ديولاند- همبولدت دونيس سكوت- فيكو وكذلك الشعراء الرمزيون.
وبعيدا عن علماء فقه اللغة نجد علماء الأصول أيضا يعرضون لهذه المسألة بتفصيل كبير وممن عرض لها الفخر الرازي في المحصول حيث ذكر أن الألفاظ:
1- إما أن تدل على المعاني بذواتها
2- أو بوَضْع اللّه إياها.
3- أو بوَضْع الناس.
4- أو يكَون البعْض بوَضْع اللّه والباقي بوضع الناس.
ثم علق الرازي قائلا: الأول مذهب عباد بن سليمان، والثاني مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فُورَك، والثالث مذهب أبي هاشم، وأما الرابع فإما أن يكونَ الابتداءُ من الناس والتَّتِمَّة من اللّه، وهو مذهب قوم، أو الابتداءُ من اللّه والتتمة من الناس، وهو مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني. ثم قال:والمحققون متوقفون في الكل.