صفحة 8 من 8 الأولىالأولى ... 678
النتائج 106 إلى 109 من 109

الموضوع: مبادئ التوحيد من القرآن العظيم - سلسلة متجددة

  1. #106

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الجزء الثلاثون من القرآن العظيم ومبدأ التوحيد
    ( 19 )
    سورة العلق

    مطلع هذه السورة هو أول ما نزل من القرآن باتفاق.
    وهي دعوة للعلم بعقيدة التوحيد المبنية على اليقين.
    فنحن نتوجه لربنا الذي خلق ولا نتوجه لصنم لا يضر ولا ينفع ولا نتوجه إلى بشر ولا إلى نجوم وكواكب مسخرة ,
    إن توجهنا إلى الله الخالق الذي أكرمنا على سائر المخلوقات ,
    وطلب منا إعمال العقل الذي أمده بكل هذه الطاقات للتعلم والإختيار, ولولا فضل الله تعالى على الإنسان بنعمة العقل والعلم لكنا كالأنعام تولد وتأكل وتشرب وتموت وتؤدي دورها على الأرض دون أختيار ,
    ولكنه كرم الله الكريم على الإنسان.
    فلا يصح للإنسان أن يطغى ويغتر بهذا العقل وهذه العلوم , فهي هبة الله له , فيجب أن يتقرب إلى الله بشكر نعمته عليه .
    إن ربي قريب مجيب .

    ****

    ونعيش لحظات مباركة مع سورة العلق

    ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ -1 خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ -2 ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ -3 ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ -4 عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ -5 كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ -6 أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ -7 إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ -8 أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ -9 عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ -10 أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ -11 أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ -12 أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ -13 أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ -14 كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ -15 نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ -16 فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ -17 سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ -18 كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب -19



    " أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود إلى ذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها.

    حتى جاءه الوحي وهو في غار حراء. فجاءه الملك، فقال: " اقرأ. قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد. ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة، ثم قال: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم ) " .

    فرجع بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال " زملوني زملوني " فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة مالي؟ وأخبرها الخبر. وقال: " قد خشيت على نفسي " فقالت له: كلا. أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

    ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها. وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية. كان يكتب الكتاب العربي، وكتب العبرانية من الإنجيل ـ ما شاء الله أن يكتب ـ وكان شيخاً كبيراً قد عمي. فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما رأى. فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً حين يخرجك قومك. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أو مخرجي هم؟ " فقال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودِيَ، وإن أدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.. الخ ". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري..

    *****

    إنه حادث ضخم. هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل.


    وما دلالة هذا الحادث؟

    دلالته ـ في جانب الله سبحانه ـ أنه ذو الفضل الواسع، والرحمة السابغة، الكريم الودود المنان. يفيض من عطائه ورحمته بلا سبب ولا علة، سوى أن الفيض والعطاء بعض صفاته الذاتية الكريمة.

    ودلالته ـ في جانب الإنسان ـ أن الله ـ سبحانه ـ قد أكرمه كرامة لا يكاد يتصورها، ولا يملك أن يشكرها. وأن هذه وحدها لا ينهض لها شكره ولو قضى عمره راكعاً ساجداً.. هذه.. أن يذكره الله، ويلتفت إليه، ويصله به، ويختار من جنسه رسولاً يوحي إليه بكلماته. وأن تصبح الأرض.. مسكنه.. مهبطاً لهذه الكلمات التي تتجاوب بها جنبات الوجود في خشوع وابتهال.

    فأما آثار هذا الحادث الهائل في حياة البشرية كلها فقد بدأت منذ اللحظة الأولى. بدأت في تحويل خط التاريخ، منذ أن بدأت في تحويل خط الضمير الإنساني.. منذ أن تحددت الجهة التي يتطلع إليها الإنسان ويتلقى عنها تصوراته وقيمه وموازينه.. إنها ليست الأرض وليس الهوى.. إنما هي السماء والوحي الإلهي.

    ومنذ هذه اللحظة عاش أهل الأرض الذين استقرت في أرواحهم هذه الحقيقة.. في كنف الله ورعايته المباشرة الظاهرة. وفي كل ليلة كانوا يبيتون في ارتقاب أن يتنزل عليهم من الله وحي يحدثهم بما في نفوسهم، ويفصل في مشكلاتهم، ويقول لهم: خذوا هذا ودعوا ذاك !

    ولقد ظلت آثار هذه الفترة تعمل في حياة البشر منذ تلك اللحظة إلى هذه اللحظة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    لقد ولد الإنسان من جديد باستمداد قيمه من السماء لا من الأرض، واستمداد شريعته من الوحي لا من الهوى.

    واليوم القرآن العظيم بين أيدينا نعيش بين أنواره نأخذ منه الأحكام ونتخلق بمكارم الأخلاق التي وردت به .

    *****

    اقرأ باسم ربك الذي خلق

    وتبدأ من صفات الرب بالصفة التي بها الخلق والبدء : الذي خلق.

    ثم تخصص: خلق الإنسان ومبدأه: خلق الإنسان من علق.. من تلك النقطة الدموية الجامدة العالقة بالرحم. من ذلك المنشأ الصغير التكوين. فتدل على كرم الخالق فوق ما تدل على قدرته. فمن كرمه رفع هذا العلق إلى درجة الإنسان الذي يُعلم فيتعلم: اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم..

    وإنها لنقلة بعيدة جداً بين المنشأ والمصير. ولكن الله قادر. ولكن الله كريم. ومن ثم كانت هذه النقلة التي تدير الرؤوس ...!

    وإلى جانب هذه الحقيقة تبرز حقيقة التعليم.. تعليم الرب للإنسان - بالقلم -.. لأن القلم كان وما يزال أوسع وأعمق أدوات التعليم أثراً في حياة الإنسان.. ولم تكن هذه الحقيقة إذ ذاك بهذا الوضوح الذي نلمسه الآن ونعرفه في حياة البشرية. ولكن الله ـ سبحانه ـ كان يعلم قيمة القلم، فيشير إليه هذه الإشارة في أول لحظة من لحظات الرسالة الأخيرة للبشرية. في أول سورة من سور القرآن الكريم.. هذا مع أن الرسول الذي جاء بها لم يكن كاتباً بالقلم، وما كان ليبرز هذه الحقيقة منذ اللحظة الأولى لو كان هو الذي يقول هذا القرآن. لولا أنه الوحي، ولولا أنها الرسالة !

    ثم تبرز مصدر التعليم.. إن مصدره هو الله. منه يستمد الإنسان كل ما علم، وكل ما يعلم. وكل ما يفتح له من أسرار هذا الوجود، ومن أسرار هذه الحياة، ومن أسرار نفسه .
    كل أمر. كل حركة. كل خطوة. كل عمل. باسم الله. وعلى اسم الله. باسم الله تبدأ. وباسم الله تسير. وإلى الله تتجه، وإليه تصير.

    والله هو الذي خلق. وهو الذي علم. فمنه البدء والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة.. والإنسان يتعلم ما يتعلم، ويعلم ما يعلم.. فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق والذي علم.. ( علم الإنسان ما لم يعلم )..

    *****
    كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ -6 أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ -7 إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ -8

    ولكن للأسف الشديد وجد من الناس من يطغى بهذه النعم ويظنها من عند نفسه ,
    بل لا يكتفي بضلال نفسه بل يصد عن دين الله و عن الصلاة , سواء بالفعل المباشر مثل كفار قريش مع المؤمنين في أول الدعوة , أو كما يحدث الأن في بعض الدول الغربية من التضيق على المسلمين .
    فأين يذهب هؤلاء الطغاة ؟ . ( إن إلى ربك الرجعى ) .

    كلا. لا تطعه، واسجد، واقترب.

    كلا ! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة. واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة.

    ****

    وقبل أن نختم تعالوا نتعرض لأنوار الصفات والأسماء الحسنى
    لله سبحانه وتعالى

    العلي

    العلي المطلق سبحانه وتعالى علوا كبيرا هو الله
    قال تعالى : ( .... وهو العلى العظيم ) -255البقرة

    عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ -92 المؤمنون

    فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ – 116 المؤمنون

    ******

    الكبير

    الكبير عن إدراك الحواس و إدراك العقول ,
    وهو الكبير المتعال" فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته لا إله إلا هو, ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه , العلي الذي لا أعلى منه , الكبير الذي لا أكبر منه , تعالى وتقدس وتنزه وجل , هو الله سبحانه وتعالى .

    قال تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ - 9 الرعد

    قال تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ
    وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ – 30 لقمان

    ********

    الحفيظ

    الحفيظ هو العالم بجميع المعلومات علما لا يتغير ولا يزول , المحيط بما في السموات والأرض , يحفظ وجودهما ولا يؤده حفظهما , وهو الذي يحفظ جميع المخلوقات , حفظ وجودا وحفظ حماية وصيانة .

    ( إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) - 57 هود

    ******

    المقيت

    المقيت خالق الأقوات, بدنية وروحية , وموصلها للأبدان والقلوب , وهي الأطعمة والأشربة والمعارف والعلوم .
    ويكون أيضا بمعنى القدرة والعلم
    قال تعالى : (... وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ) - 85 النساء

    ******
    الحسيب

    الحسيب هو المعطي لعباده كفايتهم .. وهذا الوصف لا يتحقق إلا لله سبحانه وتعالى ... , فما من موجود إلا ويحتاج إليه , فهو وحده الكافي لكل شئ ,
    فهو الذي أمد الأرض بكل النعم التي لا تعد ولا تحصى
    والأمن والأمان لعباده الصالحين .

    الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ -173 ال عمران

    ويأتي بمعنى المحاسبة

    قال تعالى : وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا – 86 النساء
    أي محاسبا فيجازي عليه

    ويأتي بمعنى الحساب والدقة في الخلق

    قال تعالى : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ – 5 الرحمن
    وقوله تعالى " الشمس والقمر بحسبان " أي يجريان كل في مداره بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب

    فسبحانه هو الحسيب

    ********

    الجليل

    فهو الموصوف بصفات الجلال كالقدرة والعلم والتقديس , والجامع لكل ذلك هو الجليل صاحب العظمة الكاملة والجلال المطلق , سبحانه وتعالى ذو الجلال و الإكرام .

    تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ - 78 الرحمن

    ******
    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

  2. #107

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الجزء الثلاثون من القرآن العظيم ومبدأ التوحيد
    ( 20 )
    سورة القدر

    واستكمالا للحديث عن الوحي والرسالة تحدثنا سورة القدر عن زمن نزول القرآن العظيم إلى السماء الدنيا, ثم نزوله منجما فترة البعثة الشريفة ,ليكون قرآنا مطبقا مع كل حدث ويعيش المؤمن متطلعا إلى خبر السماء طيلة حياة نبينا صلوات ربي وسلامه عليه .
    وبقدر تدبرنا للقرآن بقدر تعرضنا لرحمات ربنا جل وعلا . وكأنه ينزل إلينا هذه الأيام , وكثير ممن يتلون القرآن يشعرون بذلك , يشعرون بالسكينة والرحمة , والهدوء , والشفاء من مرض القلوب . ويشعرون بمخاطبة الله تعالى لهم , فالقرآن العظيم كلام الله .
    جاء في الحديث: عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ستكون فتنة . قلت : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم, و خبر ما بعدكم, و حكم ما بينكم,
    هو بالفصل ليس بالهزل,
    من تركه من جبار قصمه الله, و من ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم,
    وهو الصراط المستقيم,
    وهو الذي لا تزيغ به الأهواء, و لا تلتبس به الألسن, و لا يخلق على كثرة الرد, و لا تنقضي عجائبه,
    من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم
    الراوي: علي بن أبي طالب المحدث: ابن تيمية - المصدر: حقوق آل البيت - الصفحة أو الرقم: 22
    خلاصة الدرجة: مشهور



    ‏‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏ -204 الأعراف‏‏
    فإذا قرئ القرآن يلقي المؤمن سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب اللّه، فإنه ينال خيرا كثيرًا وعلما غزيرا، وإيمانا مستمرا متجددا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب اللّه حصول الرحمة عليهما،

    ومع سورة القدر نعيش تلك اللحظات المباركة.

    إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ-1 وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ -2 لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ -3 تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ -4 سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ - 5

    وهي ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب نبينا محمد ـ صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليلة ذات الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً .
    والعظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.

    والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان.
    إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم .

    والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة:
    شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان

    أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول ـ صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليبلغه إلى الناس.
    وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحنث في غار حراء.

    ****

    إنا أنزلناه في ليلة القدر.

    و في الصحيحين: " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " وفي الصحيحين كذلك: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "
    وقد تواترت الأحاديث في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، خصوصًا في أوتاره، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة.
    ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف، ويكثر من التعبد في العشر الأواخر من رمضان، رجاء ليلة القدر .
    وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيماناً واحتساباً، هو تطبيق للمنهج العملي في الإسلام .

    لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ

    أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [ خالية منها ] ، وهذا من فضل الله تعالى على هذه الأمة ،حيث عوض قصر أعمارهم بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلًا، نيفًا وثمانين سنة.

    تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ.
    سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ.

    ****

    وقبل أن نختم تعالوا نتعرض لأنوار الصفات والأسماء الحسنى
    لله سبحانه وتعالى

    الكريم
    الكريم هو الذى إذا قدرعفا ..وإذا وعد وفى , وإذا سئل أعطى وكفى..لايضيع من أقبل عليه, ولايترك من التجأ إليه ,ولاتتخطاه الأمال..وهو المعطى بغير سؤال .. لايبالى كم أعطي , ولالمن أعطى .. وإن سئل غيره لايرضى .. و"الأكرم" اسم تفضيل,قال تعالى: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ - 3 العلق
    وهو صاحب الإنعام والجود والاحسان , الذى يكرم خلقه بفيض نعمه ,ويكرم أولياءه بفيض فضله , قال تعالى عن أحد عباده : قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يعلمون - 26 بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ - 27 يس
    ومن حرم من كرم الله فلا مكرم له على الإطلاق , قال تعالى: ..وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ...- 18الحج
    والله تعالى هو الكريم أزلا وأبدا, قال تعالى : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ – 26 وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ – 27الرحمن

    ******
    الرقيب
    الرقيب الذي يراقب الأشياء ولا يغيب عنه مثقال ذرة مهما كانت .
    وقد ورد اسم الرقيب في قوله تعالى في سورة المائدة
    مبينا شهادة نبي الله ( عيسي ) يوم القيامة:
    مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ -117 المائدة
    وهو سبحانه في هذه الرقابة لا تأخذه سنة ولا نوم , بل الملاحظة لازمة ودائمة .
    فسبحانه هو الرقيب.
    ********
    المجيب
    المجيب هو يجيب الداعي إذا دعاه .. فهو سبحانه القائل : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ - 60غافر
    فيعطي السائل ما طلب وزيادة أو يصرف عنه من الشر بمقدار ما طلب أو يدخره له في الأخرة حسنات , فخير الله كثير والإنسان لايعرف على الحقيقة أي خير أصلح له .
    وهو سبحانه يجيب دعوة المضطرين ...
    قال تعالى : أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ - 62 النمل
    سبحانه يعلم حاجة المحتاجين قبل سؤالهم فهو المنعم وهو المتفضل بإجابة دعوات عباده .
    *****
    الواسع
    الواسع هو المحيط بكل شئ علما وهو الجواد الذي عمت رحمته كل المخلوقات ووسعت رحمته كل شئ .
    وهو الغني الكامل الذي لا نهاية لغناه , ليس كمثله شئ .
    هو الأول والأخر والظاهر والباطن .
    والسعة تضاف إلى العلم وتضاف إلى الإحسان والعطاء فيقال واسع عليم
    ويقال واسع الإحسان .
    قال تعالى : إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ – 32 النجم
    قال تعالى : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ – 156 الأعراف
    فهو واسع الرحمة والغنى والسلطان والعلم والقدرة والإحسان .
    سبحانه وتعالى

    *****
    الحكيم
    الحكمة حسن التدبير , وإتقان العمل , ووضع كل شئ في موضعه
    فهو الحكيم المطلق .
    قال تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ – 7السجدة
    قال تعالى : صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ -88 النمل
    قال تعالى : وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - البقرة260
    سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ .
    *****
    الودود
    الودود كثير الود أي الحب .
    قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا -مريم96
    وقال تعالى : وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ - 14 البروج
    وقال تعالى : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ – 54المائدة
    وقال تعالى : وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ -90هود
    سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ .
    ******
    المجيد
    المجيد هو الذي انفرد بالشرف الكامل , والملك الواسع من الأزل إلى الأبد
    قال تعالى : إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ -73 هود
    ثبت في الصحيحين أنهم قالوا : قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
    تبارك " المجيد " المطلق سبحانه وتعالى .
    *****
    الباعث
    والباعث هو الذي بعث الوجود من العدم , فهو سبحانه بعثنا , ويبعثنا يوميا من بعد نومنا ويبعثنا من القبور يوم القيامة .
    قالى تعالى : وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ - 36 الأنعام
    وقال تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ – 60 الأنعام
    ويأتي البعث بمعنى الإرسال , قال تعالى :
    وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ - 36 النحل
    ******
    الشهيد
    الشهيد هو الحاضر الذي لا يغيب أبدا سبحانه وتعالى .
    قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 53فصلت
    وهو القائل جل وعلى : يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 6المجادلة
    سبحانه وتعالى.

    ************

    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى
    التعديل الأخير تم 04-01-2011 الساعة 02:22 AM

  3. #108

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الجزء الثلاثون من القرآن العظيم ومبدأ التوحيد
    ( 21 )
    سورة البينة

    إن عقيدة التوحيد واضحة المعالم ميسرة لكل البشر ولكل العقول.
    وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ .


    هل في ذلك تعقيد أو غموض ؟

    ومع سورة البينة نعيش تلك اللحظات مع عقيدة التوحيد

    لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ -1 رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً -2 فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ -3 وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ -4 وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ -5 إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ -6 إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ -7 جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ -8

    *****

    والسورة تعرض عدة حقائق تاريخية وإيمانية في أسلوب تقريري هو الذي يرجح أنها مدنية إلى جانب الروايات القائلة بهذا.

    والحقيقة الأولى هي أن بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت ضرورية لتحويل الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين عما كانوا قد انتهوا إليه من الضلال والاختلاف، وما كانوا ليتحولوا عنه بغير هذه البعثة:

    لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة: رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة، فيها كتب قيمة .
    فأما وقد جاءتهم البينة من قبل في دياناتهم على أيدي رسلهم؛ ثم جاءتهم البينة، حية في صورة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة؛ ويقدم لهم عقيدة، واضحة بسيطة ميسرة، فقد تبين الطريق. ووضح مصير الذين يكفرون والذين يؤمنون

    والحقيقة الثانية: أن أهل الكتاب لم يختلفوا في دينهم عن جهالة ولا عن غموض فيه، إنما اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم وجاءتهم البينة:
    وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة .

    والحقيقة الثالثة: أن الدين في أصله واحد، وقواعده بسيطة واضحة، لا تدعو إلى التفرق والاختلاف في ذاتها وطبيعتها البسيطة اليسيرة:
    وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة .
    عبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، والميل عن الشرك وأهله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة: وذلك دين القيمة .. عقيدة خالصة في الضمير، وعبادة لله، تترجم عن هذه العقيدة، وإنفاق للمال في سبيل الله، وهو الزكاة.. فمن حقق هذه القواعد، فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب، وكما هو في دين الله على الإطلاق. دين واحد. وعقيدة واحدة، تتوالى بها الرسالات.

    والحقيقة الرابعة: أن الذين كفروا بعد ما جاءتهم البينة هم شر البرية، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية. ومن ثم يختلف جزاء هؤلاء عن هؤلاء اختلافاً بيناً:

    إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيهآ. أولـئك هم شر البرية.
    إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولـئك هم خير البرية، جزآؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه .

    إن نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الرسول الأخير؛ وإن الإسلام الذي جاء به هو الرسالة الأخيرة.
    وقد كانت الرسل تتوالى كلما فسدت الأرض لترد الناس إلى الصلاح.
    وكانت هناك فرصة بعد فرصة ومهلة بعد مهلة، لمن ينحرفون عن الطريق فأما وقد شاء الله أن يختم الرسالات إلى الأرض بهذه الرسالة الأخيرة الجامعة الشاملة الكاملة، فقد تحددت الفرصة الأخيرة، فإما إيمان فنجاة، وإما كفر فهلاك.
    ذلك أن الكفر حينئذ دلالة على الشر الذي لا حد له، وأن الإيمان دلالة على الخير البالغ أمده.

    فهو أغنى الشركاء عن الشرك. فإما عمل خالص له، وإلا لم يقبله.

    ********

    وقبل أن نختم تعالوا نتعرض لأنوار الصفات والأسماء الحسنى
    لله سبحانه وتعالى
    " الحق "
    الحق هو الواجب بذاته , فالله هو الحق وأن ما يعبدون من دونه هو الباطل , والباطل ممتنع بذاته.
    قال تعالى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ – 62 الحج
    ذلك بأن الله هو الحق" الثابت "وأن ما يدعون" يعبدون "من دونه" وهو الأصنام "هو الباطل" الزائل "وأن الله هو العلي" أي العالي على كل شيء بقدرته "الكبير" الذي يصغر كل شيء سواه .

    وقد يطلق الحق على الأقوال فيقال قول حق, أو قول باطل .
    والقول الحق ماهو مطابق للواقع , أما القول الباطل هو الذي لا واقع له .
    وعلى ذلك فأحق الأقوال قول " لا إله إلا الله " لأنه قول صادق أبدا وأزلا لذاته .
    والشهادة له حقا أزلا وأبدا ... هو الحق المطلق
    سبحانه وتعالى

    ****
    " الوكيل "
    الوكيل هو المتولي بإحسانه أمور عباده المتقين , الموكل إليه كل أمر.
    الكفيل بالخلق ... فمن توكل عليه تولاه , ومن استغنى به أغناه , ومن فوض إليه أمره كفاه.
    قال تعالى : الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ – 173
    فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ – 174 ال عمران
    والتوكل الحقيقي هو تسليم الأمر لمن له الأمر .. والرضا بالنتائج ,
    فالوكيل الحق .. والوكيل بحق هو الله تعالى .

    *****
    " القوي "
    القوي هو الذي لا يلاحقه ضعف في ذاته , ولا في صفاته , ولا أفعاله .
    فالله سبحانه وتعالى خالق جميع القوى في الوجود .
    فمنها قوة الجاذبية , والقوى الكهربية والتفاعلات الكيماوية وقوة الغازات
    وقوة الأشعاعات كالليزر وغيرها ملا يعد ولا يحصى
    وخلق القوة في الإنسان , القوة العقلية والقوة البدنية .

    قال تعالى : فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – 15 فصلت
    قال تعالى : إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ – 66 هود
    سبحانه وتعالى هو القوي المطلق .. هو الله

    *****
    " المتين "
    والمتين هو القادر قدرة تامة .. الشديد القوة المطلقة ليس كمثله شئ .
    قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
    إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" الشديد ..
    سبحانه وتعالى

    ****
    " الولي "
    الولي هو المحب الناصر المتولي أمر خلقه , المختصين بإحسانه ,
    يقول تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ – 257 البقرة
    ويقول تعالى : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – 9 الشورى
    فالله تعالى هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده
    فإنه هو القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير
    سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم الوكيل .

    *******
    " الحميد "
    الحميد هو المحمود على كل حال .. المستحق الحمد ..
    الحميد بحمده نفسه أزلا , وبحمد عباده له أبدا , فهو الحميد المطلق
    فالحمد لله في الأولى والأخرة.
    قال تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – 2 الفاتحة
    أي الثناء على الله بمضمونها على أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه .
    قال تعالى : قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى – 59 النمل
    سبحانه فهو الحميد أزلا وأبدا وهو الحميد المطلق .
    قال تعالى : قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
    إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ -73 هود
    فالحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه .
    ****
    " المحصي "
    المحصي هو المحيط بكل موجود جملة وتفصيلا ..لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء
    قال تعالى : لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا – 94 مريم
    " لقد أحصاهم وعدهم عدا " أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة
    ذكرهم وأنثاهم وصغيرهم وكبيرهم .
    قال تعالى : وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
    وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا
    وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا – 49 اكهف
    سبحان من أحاط بكل شئ علما
    ****
    المبدئ المعيد
    المبدئ هو الذي أظهر الأشياء من العدم إلى الوجود ,
    والمعيد هو الذي يعيدها بعد فنائها .
    يقول تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ – 27 الروم
    ويقول تعالى : يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ – 104 الأنبياء
    ويقول تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – 19 العنكبوت
    سبحان المبدئ المعيد

    *******
    المحيي المميت
    المحيي هو الذي خلق الحياة في كل حي ,
    والمميت هو الذي خلق الموت في كل من أماته ..
    فهو الذي خلق الموت والحياة وهي أفعال تتعلق بمشيئته وحده لا شريك له
    قال تعالى : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – 28 البقرة
    وهو الذي يحيى الأرض بعد موتها ,
    قال تعالى : فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – 50 الروم
    وهو الذي يحي القلوب بالإيمان ,
    قال تعالى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ - 122 الأنعام
    واتصال الروح بالجسد ومفارقتها له من الأمور التي تخرج عن طاقة العقل البشري وعن حدود علمه ,
    فلا يعلم "المحيي" إلا "المحيي" .. ولا يعلم " المميت " إلا "المميت"
    سبحانه وتعالى هو الله
    ****
    الحي القيوم
    الحي هو الموصوف بالحياة الدائمة , التي لا يعتريها فناء ولا موت ولا عدم ولا نقص ,
    فله البقاء المطلق أزلا وأبدا.
    قال تعالى : هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ – 65 غافر
    والقيوم هو القائم بذاته , المقيم لغيره المستغني بذاته , ولا غنى لغيره عنه ,
    قال تعالى : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ – 255 البقرة
    وقال تعالى : وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ – 111 طه

    ******
    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

  4. #109

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الخاتمة
    الجزء الثلاثون
    مشاهد الأخرة من القرآن العظيم

    سورة الغاشية

    هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ - 1 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ -2 عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ -3 تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً -4 تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ -5 لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ - 6 لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ -7

    وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب, مجهدة بالعمل متعبة, تصيبها نار شديدة التوهج, تُسقى من عين شديدة الحرارة. ليس لأصحاب النار طعام إلا من نبت ذي شوك لاصق بالأرض, وهو مِن شر الطعام وأخبثه, لا يُسْمن بدن صاحبه من الهُزال, ولا يسدُّ جوعه ورمقه.

    ******
    مشهد لنعيم المؤمنين

    وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ -8 لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ -9 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ -10 لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً -11 فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ -12 فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ -13 وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ - 14 وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ -15 وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ -16

    وجوه المؤمنين يوم القيامة ذات نعمة؛ لسعيها في الدنيا بالطاعات راضية في الآخرة, في جنة رفيعة المكان والمكانة, لا تسمع فيها كلمة لغو واحدة, فيها عين تتدفق مياهها, فيها سرر عالية وأكواب معدة للشاربين, ووسائد مصفوفة, الواحدة جنب الأخرى, وبُسُط كثيرة مفروشة.

    والمتأمل في آيات الله الكونية يدرك
    عظيم قدرة الله تعالى في الكون المنظور
    حيث لايوجد عذر للكافر والملحد والمشرك في عدم معرفتهم بالخالق الأعظم

    وننظر الى تلك الصور على أرض الواقع

    أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ -17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -18
    وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ –19 وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ -20

    ومع التأمل في مخلوقات الله والكون من حولنا يعيش المؤمن ,
    فلننظر إلى الإبل كيف سخرها ربنا لنا , بهذا الحجم الهائل يسوقها غلام صغير ,
    ولولا تسخير الله لها , ما كنا نستطيع أن نستفيد بها
    والمتأمل في السماء يدرك عظمة الخالق, لهذا الكون العظيم , من مجرات ونجوم وكواكب وأقمار ,
    وكلها تسير في مدارات وضعت لها ,
    ولو إنحرفت عن هذه المسارت ,... لم أستطع أن أعبر عن مدى الدمار الذي يحدث ؟؟
    وعلى الأرض نرى هذه الجبال الشامخة , وكيف نصبت على هذه الهيئة التي تحفظ توازن الأرض بإذن الله .
    والمتأمل والدارس لكوكب الأرض يراى عجائب صنع الله ,
    فباطن الأرض مرتفع الحرارة , تعبر عنه البراكين والحمم ,
    فكلنا رأينا ما يخرج من البراكين من نيران ومنصهرات تذيب ما تقع عليه في لحظات , ومع هذا الجحيم في باطن الأرض
    نرى سطح الأرض أمنا معبد للإنسان.. , به الأودية والأنهار والبحار والزروع وجميع الأحياء , رغم أن باطن الأرض منصهر ....
    . فكيف سطحت هذه الأرض بهذه الكيفية الأمنة ؟ , والجواب .. قدرة الله العظيم .

    فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ - 20 لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ -21
    إِلا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ –22 فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأكْبَرَ -23
    إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ -24 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ -25

    *******
    سورة الفجر

    مشاهد تبين حالة الندم لدى الإنسان يوم لا ينفع الندم
    يقول ياليتني قدمت لحياتي
    وهنا فقط يدرك الإنسان أن هذه هي الحياة حيث الخلود.

    كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
    يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
    يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)

    *****
    سورة البلد

    ونرى في هذه السورة
    عقبات يجب أن يجتازها الإنسان لكي ينجو بنفسه في الأخرة
    متذكرا نعم الله عليه.
    فالحضارة الإنسانية لا تقوم إلا على الحرية , وحد الغنى للإنسان .
    حيث تحرير العبيد وكيف قضى الإسلام على الرق من جذوره.
    إذ أن مصدر الرق كان الأسر في الحروب
    قال تعالى في سورة محمد : (حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)
    وبذلك أغلق باب الإسترقاق.
    وجعل من التقرب إلى الله عتق العبيد المستبقين من النظم السابقة.
    ومن العقبات التي نراها الأن مشكلة الفقر وأن على المجتمعات الغنية حل مثل هذه المشكلات
    وقد حدث في عصر الخليف عمر بن عبد العزيز أن قضى على الفقر تماما حتى لم يجد من يأخذ الزكاة.

    فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
    وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)

    ******
    سورة الليل

    تبين لنا وسائل التيسير للتقرب إلى الله تعالى .

    وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)

    فأمَّا من بذل من ماله واتقى الله في ذلك, وصدَّق بـ"لا إله إلا الله" وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء, فسنرشده ونوفقه إلى أسباب الخير والصلاح ونيسِّر له أموره.

    وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)

    وأما مَن بخل بماله واستغنى عن جزاء ربه, وكذَّب بـ"لا إله إلا الله" وما دلت عليه، وما ترتب عليها من الجزاء, فسنُيَسِّر له أسباب الشقاء, ولا ينفعه ماله الذي بخل به إذا وقع في النار.

    إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى (13)
    فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14) لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
    وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)

    ***********
    سورة البينة

    ومع سورة البينة ندرك أنه لا نهاية لهذه المشاهد الحية للأخرة
    حيث الخلود الأبدي فلا موت.

    إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
    جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)

    ******
    ومع سورة الزلزلة
    ندرك دقة الموازين يوم الحساب

    إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3)
    يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
    يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
    فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)

    ******
    ومع سورة القارعة
    تتبين نتائج تلك الموازين

    فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)

    فأما من رجحت موازين حسناته, فهو في حياة مرضية في الجنة.

    وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)

    وأما من خفت موازين حسناته, ورجحت موازين سيئاته, فمأواه جهنم.

    وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

    *******
    سورة الهمزة
    تبين صورة النمامين والجامعين للمال كهدف..ولا يخرجون زكاته .
    وحقيقة الأمر أن المال وسيلة لحل الأزمات وليس للتخزين

    وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
    كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

    ******

    وفي الختام
    نصر من الله
    ودخول الناس في دين الله أفواجا

    وبعد مارأينا عظمة الإسلام وما جاء به من نور أضاء وجه الأرض المظلم
    إلى نور الإسلام الذى حرر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله الحق الذي كرم الإنسان على كثير من المخلوقات.
    وبعد ما ظهر نور الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا ,
    نعود بالذاكرة يوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
    يدعو قومه إلى ترك الشرك و أن يشهدوا أن لا اله إلا الله و أن محمد رسول الله ,
    فنرى رد فعل متسرع من ابي لهب , ومشركي مكة ,
    في التصدي لدعوة الحق .. ولذلك جاءت سورة المسد بعد سورة النصر لتبين للناس مثلا حيا لمن تسرعوا في رفض نور الله ودعوة الحق .
    وأن على الإنسان العاقل إذا بعثت إليه رسالة يجب أن يقرأها أولا ثم يقرر بعد ذلك ما يريد ..
    فالمبدأ .. لاإكراه في الدين

    سورة النصر

    إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - 1
    وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا -2
    فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا -3

    مشهد من تسرعوا في رفض دعوة الإسلام
    سورة المسد

    تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ , مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
    سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ , وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ
    فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ

    مع ملآحظة أن ابو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ولكن لا تنفع الأنساب يوم القيامة.
    فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبنته فاطمة أعملي
    فلن أغني عنك شيئا.
    هل أدركنا قيمة الإيمان والعمل الصالح ؟
    وأن الكفر والشرك يؤدي إلى الخلود في الجحيم

    ويختم الجزء ببيان سبيل النجاة

    سورة الإخلاص
    والمعوذتين

    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ , اللَّهُ الصَّمَدُ
    لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.

    ومعها الخلاص من الجحيم ودخول جنات النعيم برحمة الله الرحمن الرحيم.

    ********
    إن إستحضار مشاهد الأخره في الذهن يعطي الحصانة للإنسان من التردي في المعاصي
    كما يعطي الأمل في مستقبل خالد لا ينفد ونعيم دائم متجدد
    كما يعطي النفس السكينة لإستشعاره بالعدل الإلهي يوم الدين
    كما يحمي النفس من الجزع والخوف من الموت حيث ينحصر الخوف من الوقوع في المعاصي والظلم
    والحرص على عمل الخيرات لزيادة الحسنات لبلوغ أعلى مراتب الجنة.
    والتقرب إلى الله تعالى في أداء ما افترضه علينا
    من صلاة وزكاة وصيام وحج لمن إستطاع إليه سبيلا.

    ******

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟
    فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا مالم تعط أحداً من خلقك!
    فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟
    فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً" ((متفق عليه))

    ******
    أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
    أعاننا الله على تدبر أياته وجعلنا من المخلصين.
    وإلى موضوع أخر إن شاء الله تعالى.
    أخوكم في الله/ صابر عباس

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صفحة 8 من 8 الأولىالأولى ... 678

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الإسلام وشباب الأمة - سلسلة متجددة
    بواسطة Saber Abbas في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 06-01-2012, 06:07 PM
  2. سلسلة متجددة من الكتب القيّمة
    بواسطة سـامي بركاتـي في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-20-2011, 12:54 AM
  3. قلب المؤمن السليم ......سلسلة متجددة !!!!!
    بواسطة حاتم موسى في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 12-19-2010, 06:18 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء