قال المنجد " لا تخلو بعض البيوت من وجود أقارب للزوج من غير محارم زوجته ، يعيشون معه في بيته لبعض الظروف الاجتماعية ، كإخوانه مثلاً ، ممن هو طالب أو أعزب ، ويدخل هؤلاء البيت دون غرابة ، لأنهم معروفون بين أهل الحي بقرابتهم لصاحب البيت ، فهذا أخوه أو ابن أخيه ، أو عم أو خال ، وهذه السهولة في الدخول قد تولد مفاسد شرعية تُغضب الله إذا لم تضبط بالحدود الشرعية ، والأصل في هذا حديثه صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ! أفرأيت الحمو ، قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ، فتح الباري 9/330 .
قال النووي - رحمه الله - : المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه أو أبنائه ، لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ، ولا يوصفون بالموت ، قال : وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم ، وابن العم ، وابن الأخت وغيرهم ممن يحل لها التزوج بها لو لم تكن متزوجة ، وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت ، وهو أولى بالمنع من الأجنبي . فتح الباري 9/331 .
وقوله الحمو الموت له عدة معان منها :
أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية .
أو تؤدي إلى الموت إن وقعت الفاحشة ، ووجب حد الرجم .
أو إلى هلاك المرأة بفراق زوجها لها إذا حملته الغيرة على تطليقها .
أو المقصود احذروا الخلوة بالأجنبية كما تحذرون الموت .
أو أن الخلوة مكروهة كالموت .
وقيل أي فليمت الحمو ولا يخلو بالأجنبية .
وكل هذا من حرص الشريعة على حفظ البيوت ، ومنع معاول التخريب من الوصول إليها ، فماذا تقول الآن بعد بيانه صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الأزواج الذين يقولون لزوجاتهم : ( إذا جاء أخي ولست بموجود فأدخليه المجلس ) ، أو تقول هي للضيف : ( ادخل المجلس وليس معه ولا معها أحد في البيت ) .
ونقول للذين يتذرعون بمسألة الثقة ، ويقولون أنا أثق بزوجتي ، وأثق بأخي ، وابن عمي ، نقول : لا ترفعوا ثقتكم ولا ترتابوا فيمن لا ريبة فيه ، ولكن اعلموا أن حديثه صلى الله عليه وسلم : (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) رواه الترمذي 1171 . يشمل أتقى الناس ، وأفجر الناس ، والشريعة لا تستثني من مثل هذه النصوص أحداً .
إضافة :
الآن وفي أثناء كتابة هذه السطور وردت مشكلة ، مفادها أن رجلاً تزوج امرأة فأتى بها إلى بيت أهله ، وعاشت معه سعيدة ، ثم أصبح أخوه الأصغر يدخل عليها في غياب زوجها ويكلمها بأحاديث عاطفية وغرامية ، فنشأ عن ذلك أمران : الأول كرهها لزوجها كرهاً شديداً . والثاني : تعلقها بأخيه ، فلا هي تستطيع أن تطلق زوجها ، ولا هي تستطيع أن تفعل ما تشاء مع الآخر ، وهذا هو العذاب الأليم ، وهذه القصة تمثل درجة من الفساد ، وتحتها دركات تنتهي بعمل الفاحشة وأولاد الحرام .
نصيحة : فصل النساء عن الرجال في الزيارات العائلية :
الإنسان مدني بطبعه ،واجتماعي بفطرته ، والناس لا بد لهم من أصدقاء ،والأصدقاء لابد لهم من مزاورات .
فإذا كانت الزيارة بين العوائل فلابد من سد منافذ الشر بعدم الاختلاط ،ومن أدلة تحريم الاختلاط قوله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهم} الأحزاب /53 .
وإذا تتبعنا الآثار السيئة للجلسات المختلطة في الزيارات العائلية فسنجد مفاسد كثيرة منها :
1. غالب الناس في مجالس الاختلاط حجابهن معدوم أو مختل فتبدي المرأة الزينة التي نهاها الله عن إبدائها لغير من يحل لها أن تكشف عنده ، في قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) ويحدث أن تتزين المرأة للأجانب في مجلس الاختلاط مالا تتزين به لزوجها مطلقاً .
2. رؤية الرجل للنساء في المجلس الواحد سبب لفساد الدين والخلق ، والثوران المحرم للشهوات .
3. ما يحدث من التنازع والتقاطع الفظيع ، عندما ينظر هذا إلى زوجة ذاك ، أو يغمز هذا زوجة ذاك ، أو يمازحها ويضاحكها والعكس ، وبعد الرجوع إلى البيت تبدأ تصفية الحسابات .
4. الرجل : لماذا ضحكت من كلمة فلان ، وليس في كلامه ما يضحك ؟
5. المرأة : وأنت لماذا غمزت فلانة ؟
6. الرجل : عندما يتكلم هو تفهمين كلامه بسرعة ، وكلامي أنا لا تفهمينه على الإطلاق ؟
7. وتتبادل الاتهامات وتنتهي المسألة بعداوات أو حالات طلاق .
8. يندب بعضهم أو بعضهن حظوظهم في الزواج عندما يقارن الرجل زوجته بزوجة صاحبه ،أو تقارن المرأة زوجها بزوج صاحبتها ،ويقول الرجل في نفسه :فلانة تناقش وتجيب..ثقافتها واسعة، وامرأتي جاهلة ، ما عندها ثقافة .. وتقول المرأة في نفسها : يا حظ فلانة زوجها أنيق ولبق ، وزوجي ثقيل الظل يرمي الكلمة دون وزن ، وهذا يفسد العلاقة الزوجية أو يؤدي إلى سوء العشرة .
9. تزين بعضهم لبعض بما ليس فيهم إدعاء وكذباً ، فهذا يصدر الأوامر لزوجته بين الرجال ويتظاهر بقوة شخصيته ، وإذا خلا بها في البيت فهو قط وديع ، وتلك تستعير ذهباً تلبسه لتري الجلساء أنها تملك كذا وكذا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) رواه البخاري ، الفتح 9/317 .
10. ما ينتج عن هذه السهرات المختلطة من ضياع للأوقات ، وآفات اللسان ، وترك الأولاد الصغار في البيوت ( حتى لا تُفسد السهرة بالصياح! ) .
11. وقد تتطور الأمور إلى اشتمال هذه السهرات المختلطة على أنواع عظيمة من الكبائر ، مثل : الخمر والميسر،وخصوصاً في أوساط ما يسمى بالطبقة المخملية،ومن الكبائر التي تسري عبر هذه المجالس الاقتداء بالكفار ، والتشبه بهم في الزي والعادات المختلفة ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه الإمام أحمد في المسند 2/50 وهو في صحيح الجامع 2828 ، وكذلك 6025 . " أخطار تهدد البيوت
واحياناً قد يحتاج او يُطر للجلوس معهن , ولكن لا بد من شروط
قال العراقي في طرح التثريب " قال صلى الله عليه وسلم" لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " لفظ البخاري ولفظ مسلم .
" إلا ومعها ذو محرم " وما في صحيح مسلم أيضا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " ألا لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان " على أن هذا مشكل على المشهور عند أصحابنا أنه تحرم خلوة الرجل بامرأتين فما فوقهما ، قال النووي فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك ، وقد أشار القاضي عياض إلى هذا التأويل .
انتهى .
فلو دخل بحضور الزوج جاز ذلك وإليه أشار بقوله في الرواية الأخرى على المغيبات وهن اللاتي غاب عنهن أزواجهن ولو كانت غيبتهن في البلد أيضا من غير سفر ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الإفك "وذكروا رجلا صالحا ما كان يدخل على أهلي إلا معي " ولا يكفي إذنه من غير حضوره ولا حضور محرم وأما ما رواه الترمذي عن عمرو بن العاص" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو نهى أن يدخل على النساء بغير إذن أزواجهن " فإنه محمول على ما إذا انتفت الخلوة المحرمة والقصد منه توقف جواز الدخول على إذن الزوج وإن انتفت الخلوة ؛ لأن المنزل ملكه فلا يجوز دخوله إلا بإذنه والمعنى في تحريم الخلوة بالأجنبية أنه مظنة الوقوع في الفاحشة بتسويل الشيطان ، وروى الترمذي عن جابر مرفوعا " لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم " ..
قال النووي " قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) هذا استثناء منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة فتقدير الحديث لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم وقوله صلى الله عليه و سلم ( ومعها ذو محرم ) يحتمل أن يريد محرما لها ويحتمل أن يريد محرما لها أوله وهذا الاحتمال الثاني هو الجارى على قواعد الفقهاء فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها كأبنها وأخيها وأمها وأختها أو يكون محرما له كأخته وبنته وعمته وخالته فيجوز القعود معها في هذه الأحوال ثم إن الحديث مخصوص ايضا بالزوج فإنه لو كان معها زوجها كان كالمحرم وأولى بالجواز وأما اذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام بإتفاق العلماء وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب فإن الصحيح جوازه ...
ويضاف ايضاً , ان يكون الحجاب الشرعي الكامل
قال المنجد في ضبط هذه الشروط
ومما يوجبه الإسلام عليها:
1. أن تحافظ على حيائها ، وعفتها ، وتغض بصرها عما حرَّم الله عليها .
قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 396 ) .
2. المحافظة على حجابها الكامل أمام الرجال الأجانب ، ولتعلم أن إخوة زوجها منهم ، بل يجب أن تحتاط في لباسها وزينتها وكلامها أمامهم أكثر من غيرهم ، وفي الآية السابقة من سورة النور بيان من يجوز لهم إظهار زينتها أمامهم
3. أن تلتزم أحكام الشرع في كلامها مع الأجانب ، وفي مشيتها ، فلا يكون في كلامها ولا أفعالها ميوعة وتكسر ، قال تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/ من الآية 32 .
4. تجنب وضع الطيب الذي يجد ريحه الأجانب .
فعَنْ أَبي مُوسى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) .
رواه الترمذي ( 2786 ) وأبو داود ( 4173 ) والنسائي ( 5126 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود "
5. تمتنع عن الخلوة بأحدٍ من إخوة زوجها ، كما تمتنع عن الاختلاط بهم .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) ، رواه البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) ....
Bookmarks