بسم الله الرحمن الرحيم
يتعامل القران العظيم مع قضية وجود الله باعتبارها بدهية لا تحتاج الى برهان
بل ان القران الذى اعتنى باثبات التوحيد اعتبر التوحيد ايضا مسالة بدهية
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ)
فانكار وجود الله او وحدانيته الغاء للعقل و استخفاف به
و الايمان هو نداء الفطرة و موقف العقل السوى
و كما فى الحديث " إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين"
و ياتيك الملحد الشاذ المنكر لله و الشيطان ليجادل
فيلجئنا عقله غير السوى الى البرهنة , ليس على وجود الله فحسب , بل و البرهنة على ان عقل الملحد مريض يحتاج الى علاج, هذا على فرض سلامة سريرته و حرصه بالفعل على ادراك الحقيقة , و الا فقد اشار الكتاب المعجز الى ان من اسباب الكفر الحب المرضىللدنيا
" إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ"
و لا انسى اعتراف احد مشاهير اللادينية فى دنيا النت انه يشعر بلذة لا توصف لاحساسه انه لا اله فى هذا الكون و لا قيود و لا حساب !
و نعود الى البرهان المذكور
عندما تتامل موقف الملحد و اللادينى من الدين تجد مبرره فى النقد ان فى الدين نقص , فالقران و الدين و السيرة فى زعمه فيها نقائص
فهو كما ترى ينشد الكمال
و ليس كمالا محدودا بل كما ل مطلق
و عندما تتامل موقفه من الله المستجمع فى عقيدة المسلمين لصفات الكمال تجده ينكر هذا الخالق العظيم
و عندما تتامل ما سبق تكتشف انه سفه نفسه
فلا شك ان الانسان يشعر فى اعماقه بانه يحب الكمال اللامحدود
و المحبة وصف وجودى لا تكون دون موصوف و محبوب
تماما كما ان العطش دليل وجود الماء
فالحب قرين الواقعية و الوجود
و الانسان عاشق للحقيقة اللامحدودة و اذا رايته مندفعا وراء تحقيق كمالات مؤقتة او محدودة فانما يتحرك فى هذا السبيل بدافع ن طلب الكمال المطلق و ان اشتبه فى المصداق
فالتناقض بين طلب الكمال التام فى الدين و النبى , و بين انكار وجود الكمال المطلق اى الله تعالى لا يصدر الا ممن سفه نفسه
و هى ملة ابراهيم عليه السلام -الذى لا يحب الافلين -و التى لا يفارقهاالا سفيه
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ 76 فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ 78 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 79
و لا يختلف موقف الللادينى المقر بوجود خالق عن موقف الملحد
فكلاهما يطلب الكمال المطلق و هو دليل وجود هذا الكمال , و مع ذلك ينكر الملحد وجود الخالق المستجمع لصفات الكمال
و يثبت اللادينى خالقا ناقصا لا يتواصل مع خلقه و لا يعنى بامرهم و مع انه لا شك بين العقلاء فى حاجتهم الى التكليف فى طريق تكاملهم , و عدم تكليف الخالق اما لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف ، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى ، وإما لان الله أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، وإما لانه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ،
وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، فلا بد من تكليف البشر ، ومن الضروري أن التكليف يحتاج إلى مبلغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه
و الخالق الذى يخلق خلقا كالانسان و يهمله و لا يحاسب و لا يعتنى مطلقا بكل المظالم و الافساد البشرى فى الارض و لا يعوض من انهكته الالام هو خالق عابث و ناقص
و بهذا تثبت للعاقل النبوة و يثبت المعاد و الاخرة
و يثبت معها ان منكر النبوة ايضا قد سفه نفسه
نبوة محمد
سفاهة الرافض لملة ابراهيم هى سفاهة المنكر لنبوة محمد - دعوة ابراهيم - عليهما صلوات الله
فمن ابسط ادلة نبوة ابى القاسم انه قدم للبشرية الهدى الذى تحتاجه من الخالق
و قد كان كفار مكة يعرفون فى قرارة انفسهم انه جاء بهذا الهدى (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا)
فسيرته صلوات الله عليه قصة كفاح فى سبيل ان يعرف الناس ان لهم الها واحد فى محيط جاهلى يعتقد ان لله بنات و ابن و شركاء ,فجاهد من اجل الله و و كان يقدم فى المعارك احب الناس اليه بل كانوا يحتمون به اذا حمى الوطيس , وصحح انحرافات الاديان الكتابية و واجه اهل الكتاب الذين يزعم البعض انه تعلم منهم بكل ثقة , و لم يسال على ذلك اجرا الا المودة فى القربى
فلماذا الشك فى صدق هذا الانسان الشريف ؟
(اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ)
فالاسلام قام و يستمر فى الواقع على حب الناس لمحمد(و اجعل افئدة من الناس تهوى اليهم )و ادراكهم انه اكمل من ان يفترى على الله
فصلاته – حتى تتورم قدماه – و نسكه و حياته وموته كان لله رب العالمين
و هم يرونه ينسب : القران لغيره و هو حسب افتراض خصومه انفس اثار عقله و اغلى ما جادت به قريحته؟ .
فلماذا لا ينسبه لنفسه ؟
ان قيل انه راى فى نسبته الى الوحى الالهى ما يعينه على هدفه المفترض باستيجاب طاعة الناس له و نفاذ امره فيهم لان تلك النسبة تجعل لقوله من الحرمة و التعظيم ما لا يكون له لو نسبه لنفسه
فهذا فى الواقع قياس فاسد فى ذاته لان صاحب هذا القران قد صدر عنه الكلام المنسوب الى نفسه و الكلام المنسوب الى الله فلم تكن نسبته ما نسبه الى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئا , و لا نسبة ما نسبه الى ربه بزائدة فيها شيئا , بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء ,فكانت حرمتهما فى النفوس على سواء , و كانت طاعته من طاعة الله و معصيته من معصية الله , فهلا جعل كل اقواله من كلام الله تعالى لو كان الامر كما يهجس به ذلك الوهم؟
و هو انسان كامل يقول عنه احد القسس المعادين له :
كانت شخصية محمد بن عبد الله الهاشمى القرشى ، النبى العربى ، مجموعة عبقريات مكنته من تأسيس أمة و دين و دولة من لا شىء .
و هذا لم يجتمع لأحد من عظماء البشرية . كان محمد عبقرية دينية ... و كان محمد عبقرية سياسية ... و كان عبقرية دبلوماسية ... و كان محمد عبقرية عسكرية ... و كان محمد عبقرية إدارية ... و كان محمد عبقرية تشريعية ... و أخيرا كان محمد عبقرية أدبية"
و قد ادرك المسلمون الذين عايشوا هذ الانسان الطاهر ان الامر ليس عبقرية او سحر كما تقول قريش بل نبوة , و كما نقول العبقرية تكون فى ميدان او اثنين لا فى كل الميادين
و كنت اناقش بعض اللادييين حول تهمة شهوانية النبى- الذى لم يتزوج الا بعد الخامسة و العشرين من سيدة غير شابة ظل مخلصا لها حتى بعد زيجات لاسباب اجتماعية واضحة لا تثبت شهوانية غير منطقية بعد تجاوز الخمسين- , و فى خضم وقاحتهم ذكرت لهم اسماءا لاشخاص يعظمهم هؤلاء و يجعلونهم من القمم المحترمة مع انهم معروفون بالشذوذ الجنسى !
فبما تفسر هذا الطعن فى محمد وهذا التعظيم و الاحترام لهؤلاء الحثالى ؟
هل هو سفه ام حقد يغلى فى نفوس غير سوية ؟
و مرة اخرى يلجئنا السفه الى البرهنة ,فيقولون اين المعجزة ؟
و اول جواب ان العقل السوى يثبت وجود النبوة و الانبياء كما سبق , و اذا لم يكن محمد
نبيا فلا انبياء
و قد كان اهل الكتابين يعرفون نبوته لانها تثبت عندهم بدليل بسيط هو عند اليهود حلول اللعنة على بنى اسرائيل حتى بعد المسيح ابن مريم كما شرح ذلك صاحب الرسالة السبعينية فكان لا بد من نبى يضع الاصر عن بنى اسرائيل و كانوا ينتظرونه –لذا تجد فى اشارة القران العظيم لبشارة التوراة بمحمد انه يضع عنهم اصرهم و الاغلال –
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به
اما المعجزة فمن تامل شخصية محمد سيجد فيها المعجزة
و قد كان قرانا يمشى و القران ايضا معجز
و لن نتحدث عن الاعجاز البيانى و العلمى و نحوه بل نلخص الامر فى جملة وصف بها القران فى الاثار :
(لا تنقضى غرائبه )
القران معجزة لمن تدبره لا لمن يفتشون فى اياته عن نقاط ضعف متوهمة ليهاجموا الدين
هذا الكتاب العزيز لا مثيل له و لا يقدر بشر على الاتيان بمثله , فهو كلام الخالق المطلق الذى لا تنفذ زخيرته و لا تنقضى عجائبه المبهرة
لكن كيف يتوصل الباحث الى هذاالادراك ؟
الوصول لذلك يكون بتدبر القران مع الوقوف على كتب علماء الاسلام التى تحتج بالقران و تستنبط منه المعانى و الادلة , و ستبهرك الغرائب و العجائب مع توفيق الله لطالب الحق المخلص الذى يطلب الهداية من الخالق العظيم و كما فى الحديث " استهدونى اهدكم "
و لنضرب مثالا
قد يتسائل المرءعن الغرض من العقوبة الالهية ؟
فهل هو التّشفي كما في قوله سبحانه: (وَ مَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)؟
ولكن هذه الغاية منتفية في جانب الحق سبحانه لأنه أجلّ من أنْ يكون له هذا الداعي
. ام هو لياخذ الاخرون العبرة ؟
لكن هذا إنَّما يصح في دار التكليف لا في دار الجزاء. يقول سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة وَ لاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآَخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَـائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)
فقوله: (وَ لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَـائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) قرينة على أنَّ الغاية من جلد الزانية و الزاني هو اعتبار الآخرين، أو أنه أَحد الغايات.
نقرر بدءا حقيقة عقلية هى ان السؤال عن غاية العقوبة، و إنها هل هي للتشفي أو لإِيجاد الإِعتبار في غير المعاقَب إنما يتوجه على العقوبات التي تترتب على العمل عن طريق التقنين و التشريع، فللتعذيب في ذلك المجال إحدى الغايتين: التَشَفّي أو الإِعتبار
أما إذا كانت العقوبة أثراً وضعياً للعمل -كما سياتى -، فالسؤال ساقط، لأَن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح أن يُسأل عن أن التعذيب لماذا، و إِنما يتجه السؤال مع إمكان التفكيك، و الوضع والرفع، كالعقوبات الإِتفاقية
نفتش فى القران فنجد قوله تعالى
: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَـامَى ظُـلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا)
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
(يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)
هذه الآيات تدل على حضور نفس العمل يوم القيامة، لكن باللباس الأخروي، و هذا يعرب عن أَنَّ لفعل الإِنسان واقعية تتجلى في ظرف بصورة و في آخر بأُخرى
و هذه الإعمال تلازم وجوده و لا تنفك عنه، فإِذا كان عمل كل إِنسان يعد من ملازمات وجوده، و ملابسات ذاته، فالسؤال عن أنَّ التعذيب لماذا، يكون ساقطاً، إِذ السؤال إِنما يتوجه إذا كان التفكيك أمراً ممكناً
فالانسان لا يحشر وحده بل يحشر مع ما يلازم وجوده و يقارنه و يلابسه و لا ينفك عنه
و فى ذلك يقول تعالى
"وَ كُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَـاهُ طَـائرَهُ فِي عُنُقِهِ"
و تتوالى الايات و العجائب
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُّحْضَر"
"وَ وَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)
(يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِى صَخْرَة أَوْ فِي السَّمَـاوَ اتِ أَوْ فِي الاَْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)
و تواصل التدبر فتجد قوله تعالى قال سبحانه: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا "
ِفذات العمل طاعة كان أو عصيانا، حَبٌّ يزرعه الإِنسان في حياته الدنيوية، و هذا الحَبّ ينمو و يتكامل و يصير حرثاً له في الاخرة
هذه قطرة من بحر لا ينزف
Bookmarks