سئل الإمام تقي الدين أحمد ابن تيمية رضي الله عنه ، عن رجل قال : ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر ، وقال آخر : بل ليلة القدر أفضل ، فأيهما المصيب ؟ .

فأجاب : أما القائل بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر إن أراد به أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ونظائرها من كل عام أفضل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من ليلة القدر ، بحيث يكون قيامها والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر فهذا باطل لم يقله أحد من المسلمين ، وهو معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام هذا إذا كانت ليلة الإسراء يعرف عينها فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا عشرها ولا على عينها ؟ بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به ، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة ، التي يظن أنها ليلة الإسراء ، بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي الصحيحين عنه " تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان " وقد أخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر فإنه نزل فيها القرآن .


وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وحصل له فيها ما لم يحصل له في غيرها ، من غير أن يشرع تخصيصها بقيام ولا عبادة ، فهذا صحيح .

وليس إذا أعطى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فضيلة في مكان أو زمان ، يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة هذا إذا قدَّر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر ، وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمر ومقادير النعم التي لا تعرف إلا بوحي ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم .

ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه نقل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها لا سيما على ليلة القدر ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها ولهذا لا يعرف أي : ليلة كانت .

وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا لم يشرع تخصيص ذلك الزمان ولا ذلك المكان بعبادة شرعية . بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي ، وكان يتحراه قبل النبوة ، لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة .

ولا خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها . ولا خص المكان الذي ابتدئ فيه الوحي ولا الزمان بشيء . ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله ، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مراسم وعبادات كيوم الميلاد ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله وقد رأى عُمَر بن الخطاب جماعة يتبادرون مكاناً يصلون فيه . فقال : ما هذا ؟ قالوا : مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا فمن أدركته فيه الصلاة فليصل ، وإلا فليمض

وقد قال بعض الناس : إن ليلة الإسراء في حق النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من ليلة القدر وليلة القدر بالنسبة إلى الأمة أفضل من ليلة الإسراء فهذه الليلة في حق الأمة أفضل لهم وليلة الإسراء في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل له انتهى . نقله الشمس ابن القيم " في زاد المعاد "


- محاسن التأويل -