هي عبارة قالها الصحابي الجليل علي بن أبي طالب في نقاشه للخوارج: لو كان الدين بالعقل لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه. و لكن علي رضي الله عنه في زماه لم يكن يعلم أن كل موضع وضوء يمنع صرطان معين، و أن الأمر ليس دائما نظافة أو تألق أو حتى إزالة للميكروبات!
و بالطبع فلا لوم على سيدنا علي، فهو ليس نبي و لا معصوم، و ليس من العدل أن نقيس أهالي القرن الخامس على القرن الواحد و العشرين، و لكن الأمر لا يقتصر على الوضوء و الغسل و الصلاة، و إنما كلام علي يمثل قاعدة عامة في أمور الدين عند السلف، و بالرغم من أنه في الوقت المعاصر قد تم الكشف عن الكثير من العلل العلمية في أمور الشريعة، بل و قد تم كشف الستار عن جوهر الدين (القران) في سلسلة من الإعجازات العلمية التي جعلت من القران كتاب معاصر يتحدى المنطق العلمي، و بالرغم من أن العقل قد تجلى حتى في الأدلة "النقلية" (التي كنا نظنها غيبا مطلسما لا يعلم تأويله إلا الله)، بالرغم من كل هذا، فإن كلام سيدنا علي لا يزال يشكل قاعدة مطلقة عند علماء الشرع، فما السبب يا ترى؟
الحقيقة هي أننا نجد هذا المفهوم ليس في المفاهيم الإسلامية فحسب، بل حتى عند النصرانية، فعندما تم الكشف عن خرافة دوران الشمس حول الأرض و ثبات الأرض و محوريتها بالنسبة للكون، عندما جاء العلم الحديث و قلب تلك المعتقدات النصرانية رأسا على عقب ظهر لنا مفهوم جديد عند النصارى و هو: الدين لا يخض للمنطق، و هو قريب جدا مما ذهب إليه سيدنا علي، بل و المضمون هو نفسه دون أي جدل، مع فارق بسيط و هو أن هذا المفهوم عند النصارى ظهر في عصر العلم و البحوثات و الإكتشافت في حين أنه عند المسلمين كان قبل الثورة العلمية بحوالي أربعة عشر قرنا.
و على سيرة الأرض و الشمس فإنه يجدر بالذكر أن إبن عباس رضي الله عنه قد ثبت عنه نفس الكلام، فكان رضي الله عنه يعتقد أن الأرض خلق قبل السماء، هكذا كان يتصورها إبن عباس، و عندما ظهر علم الفلك ليمحق تلك المفاهيم قال بعض الدعاة أن الخلق المقصود هو الخلق التقديري، و عو تلاعب صريح بالألفاظ لأن إبن عباس (كما نقل عنه إبن كثير) قال: إن الأصل أن يبدأ الله بخلق الأرض لأنها هي "الأساس" على حد تعبيره، و قد حُمل كلامه ما لا يحتمل، و لو أن هذا التلاعب بالألفاظ جاء من غيرهم لسموه "لي لعنق النص"، و كل هذا فقط لكي لا يخرج أحدهم عن اقوال القدماء و الأباء و الأجداد.
و الحقيقة هي أن الأمر قد حسم، فبعد ظهور مادة الإعجاز العلمي ثبت أن فهم إبن عباس غير صحبح (و ذلك إستنادا على القران الكريم ذاته)، و أن ما قررهه القران بهذه الشؤون هو عين الصواب، و نفس القول ينطبق على كلام سيدنا علي، حيث أن عملية الغسل الإسلامي بأكملها تخضع للمنطق العلمي و العقلي، و هذا كله طبعا على سبيل المثال و ليس الحصر.
و الحقيقية هي أني لا أرى أي داعي لهذا التمسك الشديد بجميع أقوال القدماء و الأسلاف بعد أن تغيرت الأمور و إنقلبت الموازين و ظهر لنا ثورة علمية بأكملها و بعد أن صعد بنو أدم إلى القمر و فلقوا الذرة، و حتى إذا كان إبن عباس ترجمان القران فهذا لا يعني أنه معصوم، و عدم صحة بعض أقواله هي أمر مفروغ منه (مثل خلق الأرض قبل السماء و هو كلام فظيع علميا)، و ما يقال عن الخلق (السماوات و الأرض) يقال عن الشرع (حدود الحلال و الحرام و السياسة و الإقتصاد)، و دعوة مشايخنا اليوم ليست سوى دعوة إلى الرجوع بالمفاهيم إلى الوراء عدة قرون في حين أن أمامنا فرصة لإبراز القران ككتاب يتحدى يمنط علمي أو فلسفي.
Bookmarks