:::: ما هو العقل ؟ و ما هو الذهن ؟ ::::
.................................................. .

لقد إستوردنا الحضارة الغربية بمصطلحاتها المادية البحتة المرتكزة على التجربة الحسية فالقاموس الغربي الذي استوردناه لم يكن لغويا بل كان تجريبيا فالعقل في القاموس اللغوي الغربي ليس هو العقل الذي أخذنا مفهومه منهم وبتنا نعتقده اليوم و هو أن العقل هو الكتلة الهلامية البيضاء التي تحشو جماجمنا ... وكلنا اليوم يفهم أن هذا هو العقل !
أقول حتى القاموس اللغوي الغربي لا يقول بذلك التعريف فما بالك بنا نحن أمة الكتاب والوحي التي خاطبها الله سبحانه وتعالى في كتابه بمصطلحاتها هي الخاصة بها وليس بمصطلحات الأمم الأخرى .... ! .
أي أن كلمة ( عقل ) أو ( يعقلون ) في القرآن لا يفسر معناها تبعا لما نعتقد اليوم في تعريف العقل بل يفسر تبعا لما كانت العرب تعرف به العقل في ذلك الزمان وهو – حسب القاموس المحيط –
العقل : العلم بصفات الأشياء , من حسنها وقبحها و كمالها ونقصانها , أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين , أو مطلق الأمور , أو لقوة بها يكون التمييز بها بين القبح والحسن و لمعان مجتمعة في الذهن .. إلى أن يقول والحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية .
و هذا التعريف يدل على أن المقصود بالعقل لا ينحصر بتلك المادة البيضاء في جماجمنا " الدماغ " ولا الذهن الذي هو الخيال الناتج عنها ! بل أن العقل يشمل الشعور الفطري بالصحيح والخطأ و أن العقل شئ مركب يشمل الإدراك والشعور و النفس و الغريزة ...لأن الاستحسان والاستقباح أصلا أشياء يحددها الشرع وليس الأفهام ! لهذا لا أحد يستطيع القول بأن كل ما هو صحيح ذهنيا يجب أن يكون صحيح عقليا لأن الصحيح عقليا يجب أن يلائم النفس والغريزة و الفطرة السوية والا فإنه غير صحيح عقليا وهذا هو مقتضى خطاب القرآن الكريم ولهذا لا حجة لدعاة العقلانية والمنطق البحت من المفكرين و الفلاسفة فيما يدعون من أن القرآن أثنى على العقل و جعله وسيلة للإسترشاد به إلى الله .. نعم هو كذلك حسب مفهومنا نحن للعقل كـ (مجموع من إدراك و شعور و نفس و فطرة فطرها الله على التوحيد ولكن مع تشوه الفطرة فلا سبيل لمعرفة الله الا بالوحي ) و ليس حسب مفهومهم هم كـ( ذهن ) مجرد من ملائمة الغريزة والفطرة .... فذاك ليس العقل بل هو ( الذهن أو العقل اليوناني ) و هو إن إنفصل عن توجيه الفطرة السوية فهو مذموم ( وإجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) و قوله صلى الله عليه وسلم ( الظن أكذب الحديث ) والذهن هو منبع الظن لأن قوامه الشك و الإستقصاء!.
مثــال :
يعني 1 + 1 = 2 .. هذا صحيح ذهنيا لكنه ليس صحيح عقليا لأن لا علاقة للأعداد بالفطرة والغريزة و النفس فلا نستطيع أن نقول أنه صحيح عقليا َ ... هنا فقط وبهذا المثال تعرف الفرق بين معنى العقل كما نعرفه اليوم وبين معناه الحقيقي الكلي أو الجمعي .... تريدون الأدلة على ما قلت ؟! ... هو كذلك !
قال شيخ الإسلام ابن تيميه : " وسبب غلطهم –يعني أهل الفلسفة وعلم الكلام - أن لفظ العقل في لغة المسلمين ليس هو لفظ العقل لدى لغة هؤلاء اليونان فإن العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا كما في القران ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) و قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ] أي أن فعل التعقل وتمييز الخير والشر يحدث من قبل القلب وليس الدماغ كما نفهم اليوم وهذا بإشارة صريحة من القرآن الكريم ولهذا قيل بأن الشيخ ابن عثيمين أفتى بعدم جواز زرع قلب الكافر في جسد المؤمن لأنه يؤمن بأن فكر العقيدة و مسلماتها و ثوابتها موجود في القلب وليس الدماغ ... وهذا هو الصحيح [ - ثم يقول ابن تيميه - ويراد بالعقل : الغريزة التي جعلها الله تعالى في الإنسان يعقل بها !. ثم يقول أما أولئك فـ(العقل) عندهم جوهر –أي كيان – قائم بنفسه كالعاقل . انتهى كلام الشيخ " –فقه التصوف ص 135-.
و إن قال البعض بأن القلب في الآيات السابقة كان مجازا عن النفس وكناية لها وليس هو القلب حقيقتا فيرد عليهم ربهم بقوله تعالى " إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " فالله تبارك وتعالى هنا يتحدث عن البصيرة وقال إنها لا تعمى بعمى البصر و لكن بعمى القلوب ثم أردف ( التي في الصدور ) كي لا أحد يقول المقصود بالقلوب هي النفس مثلا لأن النفس في كل الجسد وليست في الصدر وحسب !.
و قال تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) و لم يثبت أن قال الرسول صلى الله عله وسلم أن النفس في الرأس كي يقال أن مركز التمييز بين الفجور والتقوى والخير والشر هو الدماغ ! و لكن النفس هنا هي الروح التي فيها الفطرة والغريزة و قد ورد في القاموس المحيط – النفس : هي الروح .

::: لماذا فشل الذهن في تصور الكون ؟ :::
.................................................. ....

فشل الذهن في تصور الكون لأن الإنسان لديه شعور فطري بأنه مرتبط بعالم آخر لا يراه ولا يستطيع إدراكه ارتباطا وثيقا يشعر به بسبب فطرة الإيمان بخالقه التي جبل على الشعور بها و الإحتياج اليها و بسبب جهله عن مصدره هو ككائن حي .. من اين جاء ؟ و أين سيذهب ؟ .
تتحدث الفلسفة عن كل شئ وتحاول ايجاد الأوهام المريحة للناس كي يؤمنوا بها عوضا عن الدين و لكن بمجرد ما يأتون لمنشأ الكون الأول والمصير و مسالة الفناء والخلود تجدهم يتحولون إلى حمير فيكتورية من الطبقة المتوسطة !!.

::: ما هو العقل المثالي ؟ :::
...................................

العقل كما قلنا هو الفطرة السوية المدركة التي فطر الله الناس عليها التي نميز بها الأفكار و التصورات الحسنة من القبيحة و نقنن بها الغرائز و بما ان الفطرة تتشوه فإن الله أرسل الرسل ليعيدوا بناء الفطرة السليمة في النفس البشرية على الأرض فمسلمات الفطرة من خوف ورجاء وخشية من الله وايمان بوجوده وجنته وعذابه كلها أشياء لا يستطيع الذهن تصورها والوصول اليها بمعزل عن الوحي لأنها ترتبط بالله تبارك وتعالى وهو خارج نطاق الإدراك والحس لهذا فالدين إتباع وليس اقتناع لأنه لا أحد يستطيع تصور المصلحة والمفسدة الأخروية بشكل واضح قبل أن يؤمن بها فبلا إيمان واستسلام لا يخالطه شك في صحة ما جاءنا من الله تبارك وتعالى لا نستطيع التمييز بين ما هو خير وشر .... !.
قال تعالى : " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيـّـم "
- من القاموس المحيط – الدٍّينة ( بتشديد الدال وكسرها) : القهر والغلبة والاستعلاء والسلطان و الملك والحكم والسيرة و التدبير . و دان : ذل و أطاع و اعتاد خيرا أو شرا . كل تلك التعريفات تفسر معنى الدين بأنه الخضوع و التذلل لله و الاستسلام لقهره وغلبته وسلطانه على عباده ... وهذا يقتضي الاتباع بعيدا عن منازعات المراء والجدل في دين الله وحكمته و تشريعاته لأن ذلك ينافي طبيعة الدين أصلا وليس مفاهيمه فإن كان الدين من عند الله فعلى أي شئ أجادل و أجادل من ؟ الله تبارك وتعالى ؟ هذا هو الحمق بعينه !!.
لهذا تجد كل الدعاة إلى الله في كتابه من رسل وصالحين كانت دعوتهم دعوة ( إتـّـباع ) أي ايمان وعمل وتسليم و ليست دعوة حوار فلسفي أو دعوة طرح وجهات النظر حول مبادئ الدين وتفاصيله و أحكامه فهذا مراء في دين الله حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( إنما أهلك من كان قبلكم قيل و قال وكثرة السؤال ) !.
قال ابراهيم عليه السلام لأبيه ( يا أبتي إني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا ) قال اتبعني ولم يقل افهمني أو إقتنع بأفكاري لأنه يعلم أن الكافر بوجود الله او المشرك في عبادته لن يستسيغ أحكام الله ولن يتركها حتى يجادل فيها يشكك بها قال تعالى (ما يجادل في آيات الله الا الذين كفروا )-غافر-. فالهداية في الايمان بالله وسلطته على عباده و أن له علينا حق الإتباع في الدين وليس في فهم الدين على نحو كامل فكثير من الناس فهموا الاسلام و كفروا به فمسألة أنك لست عالم بالدين ليست حجة لك كي لا تكون مؤمن لأنها ليست هي قوام الإيمان بل قوامه التسليم لله وقد تمنى " الجويني" – من جهابذة علم الكلام – عند مماته لو أنه مات على عقيدة عجائز نيسابور !.
وقيل عن حكيم قوم فرعون ( و قال الذي آمن يا قوم اتبعوني اهدكم سبيل الرشاد) ... اتبعوني ! .
وقال يوسف عليه السلام (و اتبعت ملة آبائي ابراهيم و اسحاق ويعقوب ) ... اتبعت !
وقال تعالى في سورة الاعراف ( اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) .. اتبعوا ... ولا تتبعوا !
وقال في سورة الزمر ( واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم ) ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) .
ومازال أعداء الدين يقولون (سلطة رجال الدين ) كما كان الغرب يستخدم عبارة ( سلطة رجال الكنيسة ) و يعتبرون إتباعهم تسويد لهم وسيطرة ليست من الدين في شئ بل هي رغبة سلطوية لدى أهل العلم منهم ..!!.
و يرددون مقولة عمر رضي الله عنه : ** متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرارا .. **
فهل نحن أحرارا حتى على الله ؟ وهل يستعبدك علماء الدين بغير الله ؟ ويستعبدونك لمن ؟ لأنفسهم مثلا ؟!!.
لسان حال العالم يقول : يا بني إن جئتك بغير ما قال الله ورسوله فحق لك أن تحثوا في وجهي التراب ...!!
أنا أستعبدك لربك إن رأيتك له عبدا آبق ولك أن تستعبدني له كلما رأيتني قد أبقت فنحن في الرق سواء !! .
وإن كنت لا تريد رد المشورة لأحد فتعلم دينك بنفسك و كن عالما فيه فالجهل في الدين مذموم قال صلى الله عليه وسلم " إن الله يبغض كل جعظري ( جلف ) جواظ (متكبر ) سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة " رواه ابن حبان والبيهقي وصححه الألباني.

منقول