يقول الله " وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" الانعام 13

يقول السعدي رحمه الله "فهذه الآيات، ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن { له } تعالى { ما سكن في الليل والنهار } وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها،وجنها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم، القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد من هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق، المدبر المالك، الضار النافع؟! أم العقول السليمة، والفطر المستقيمة، تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب، والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟!.

{ السميع } لجميع الأصوات، على اختلاف اللغات، بتفنن الحاجات. { العليم } بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟!."

وقال القاسمي " { وله } أي : ولله عز وجل { ما سكن في الليل والنهار } أي : ما استقر وحل ، من السكنى بمعنى الحلول . كقوله تعالى : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } [ إبراهيم : 45 ] .

والمعنى : له تعالى كل ما حصل في الليل والنهار ، مما طلعت عليه الشمس أو غربت . شبه الاستقرار بالزمان ، بالاستقرار في المكان ، فاستعمل استعماله فيه . أو سكن من السكون ، مقابل الحركة . أي : ما سكن فيهما وما تحرك ، فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر ، كما في قوله : { سرابيل تقيكم الحر } [ النحل : 81 ] . لأن ذلك يعرف بالقرينة . وعليه ، فإنما اكتفى بالسكون عن ضده دون العكس . لأن السكون أكثر وجودا ، والنعمة فيه أكثر .

قال بعضهم : لا حاجة لدعوى الاكتفاء ، فإنما سكن يعم جميع المخلوقات ، إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون ، حتى المتحرك ، حال حركته ، على ما حقق في الكلام : من أن تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة وكثرتها .

لطيفة :

قال أبو مسلم الأصفهاني :
ذكر تعالى في الآية الأولى السماوات والأرض ، إذ لا مكان سواهما . وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار ، إذ لا زمان سواهما ، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات ، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات ، ومالك للزمان والزمانيات . وهذا بيان في غاية الجلالة .

وقال الرازي : هاهنا دقيقة أخرى . وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات ، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات ، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات ، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة . والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى ، وهذا من سر نظم الآية مع ما قبلها ."