النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الأدلة الواضحة على وجود الله تعالى

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي الأدلة الواضحة على وجود الله تعالى

    اعلم أن البراهين في هذا المقام تفوق الحصر ، وتفوق السبر كما قيل أن لله طرائق ( أي للإستدلال عليه ) بعدد أنفاس الخلائق .

    وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

    وللمتقدمين في تسديدها وتأييدها مسالك مأثورة ، ومناهج مشهورة ، وقد اقتطفت من نفائسها التليدة ، واستنبطت من عيونها الجديدة ما بلغ خمسا وعشرون دليلا ، وذالك من فضل الله علينا إذ هدانا لما هو أوضح سبيلا ، وأقوم قيلا ، وكلما ترقى العلم فتح لمعرفة الحق بدليله أبواب ، وتنوعت لرواد الحقيقة السبل وتسهلت الأسباب .( *)


    الدليل الأول

    برهان الفطرة :


    إنما جعلنا الفطرة برهانا مع أنها ضرورية ، والضروري قسيم النظري الإستدلالي ، لأننا نعني بالبرهان هنا كل قاطع يحتج به ، والضروري وإن لم يبرهن عليه فإنه يبرهن به ويشار اليه ، دليل الفطرة يؤثره كثير على غيره من الادلة ، ويجعله أولاها و أولاها لا لأن الجبلة لها السبق طبعا فتقدم وضعا ، لأن ذالك من لطائف نكت المؤلفين في ترصيف التصنيف ، وهذا المقام مقام حقائق لا خيالات الظرائف والرقائق ، بل لأن الشعور بوجود الله تعالى والإذعان بخالق قادر فوق المادة محيط من وراء الطبيعة أمر غرزي في الإنسان مفطور عليه لا تغيره ريب المرتابين ، ولا تزلزله شكوك المشككين لأنه عقد في المرء طبع عليه جنابه ، وتأثره لسانه وبيانه ، ومن أثره ما يرى من انطلاق الألسنة في الكوارث ، وما تندفع اليه في الحوادث من اللجوء اليه والتضرع في دفع ما يمسها عليه انطلاقا وتضرعا لا يرده راد ، ولا يصده صاد ، ولو قيد لسان المضطر لنطق جنابه ، وأفصحت أشائره وأركانه ، ووجد حرارة تدفعه الى بارئه ، وتضطره الى الإستكانة لمنشئه . حالة لا تزعزع رواسيها عواصف الشبهات ، ولا تميل رواسخها رياح التمويهات ، لا جرم أن هذا الشعور لا صنع فيه للبشر ، ولا كسب فيه بتقليد ولا نظر ، فهو لازم من لوازم الإنسانية ، وصفة من صفاتها الذاتية . اشتبك بها اشتباك اللحم بالعظم ، وسرى في قواها سريان الدم في الجسم : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الروم : 30
    قال الامام القزويني في سراج العقول : الدليل على ان معرفة الله واجبة كونها من الاامور التي تصل العقول اليها ، فإن الانسان اذا دهاه أمر وضاقت به المسالك ، فلا بد أن يستند الى اله يتأله له ، ويتضرع نحوه ، ويلجأ اليه في كشف بلواه ، ويسمو قلبه صعودا الى السماء ، ويشخص ناظره اليها من حيث كونها قبلة لدعاء الخلائق أجمعين ، فيستغيث بخالقه وبارئه طبعا وجبلة ، لا تكلفا وحيلة ، ومثل ذالك قد يوجد في الاطفال و الوحوش البهائم أيضا ، فإنها ظاهرة الخوف والرجاء .رافعة رؤوسها الى السماء عند فقدان الكلأ والماء ، وإحساسها بالهلاك والفناء ، هذا كله مركوز في جبلة الحيوانات فضلا عن الانسان العاقل وهي الفطرة المذكورة في القرآن والحديث ، ولكن أكثر الناس قد ذهلوا عن ذالك في حالة السراء ، وانما يردون اليه في الضراء . قال تعالى : ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ) سورة الاسراء : 67
    وأيضا فإن عامة الناس في جميع أقطار الأرض دعت أنفسهم الى الاعتراف بأن لهم خالقا من غير معلم ، ولا إثبات حجة عندهم ، ولا اصطلاح وقع بين كافتهم من أهل البوادي ، وأقاصي الهند والصين ، وأهل الجزائر الذين لم يبلغهم داع الى الإسلام ولا الى الشرك ، فإنهم استغنوا بشهادة أنفسهم على الأعم الأغلب بالخالق جل جلاله ، وذالك قوله تعالى : (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) سورة ابراهيم : 10
    وهذا كله قريب من الضروريات . ولذالك قال بعضهم : المعرفة ضرورية ، فالناس كلهم يشيرون الى الصانع جل وعلا ، وإن اختلفت طرائقهم ومللهم ، ولا يجهلون سوى كنه الذات .
    ولذالك لم يأت الأنبياء والرسل ليعلموا بوجود الصانع ، وإنما أتو ليدعوا الى التوحيد. قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) سورة محمد : 19
    وقال سبحانه : (وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ) سورة إبراهيم : 52
    والخلق إنما أشركوا بعد الاعتراف بالموجود تعالى لما أعتقدوه من الشركاء لله تعالى ، أو لنفي واجب من صفاته ، أو لإثبات مستحيل منها ، أو لإنكارهم النبوات.
    ثم قال القزويني : فإن قيل فلأي شيء سلك أهل الأصول الإستدلال على هذا ؟ فالجواب إنما سلكوا ذالك قطعا للأطماع التي تشرئب الى ذالك ، وإلا فهم يعلمون أن ما شهدت به الفطرة أقرب الى الخلق
    وأسرع تعقلا ، لأن الممكن الخارج والحادث الدال على محدث موقوفان على النظر الصحيح ، وتلك داعية ضرورية من الناظر . قال تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) سورة النمل : 62 ، (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) سورة النمل : 64 ، ( أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ) سورة النمل :61
    الى غيرها من الآيات التي كلها إستفهام تقرير ، كأنه تعالى يقرر عباده على شيء فطرهم عليه . ومثل قوله تعالى : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) الاعراف : 172 وقوله : ( أَفِي اللّهِ شَكٌّ ) إبراهيم : 10
    ولهذا ورد في الحديث مرفوعا : إن الله تعالى خلق العباد على معرفته ، فاجتالتهم ( حولهم ) الشيطان عنها . فما بعثت الرسل الا للتذكير بتوحيد الفطرة وتطهيره عن تسويلات الشيطان بالاستدلالات النظرية والدلائل العقلية أهـــــــ.
    وقال الامام الراغب الأصفهاني في الذريعة : من أشرف ثمرة العقل معرفة الله تعالى ، وحسن طاعته والكف عن معصيته ، فمعرفة الله العامية مركوزة في النفس ، وهي معرفة كل أحد أنه مفعول ، وأن له فاعلا فعله وناقلا نقله من الاحوال المختلفة ، وهي المشار اليها بقوله تعالى : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) الروم :30 وبقوله : ( صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ) البقرة : 138 وبقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الاعراف : 172 الآية ، فهذا القدر من المعرفة في نفس كل واحد ، ويتنبه الغافل اذا نبه عليهفيعرفه كما يعرف أن من هو مساو لغيره فذالك الغير مساو له ، ومن هذا الوجه قال تعالى : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) لقمان :25 وقال في مخاطبة المؤمنين والكافرين : ( ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) النحل : 53. وقال بعده : ( ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) النحل :54
    وأما معرفة الله المكتسبة ، فمعرفة توحيده وصفاته ، وما يجب وما يجب أن يثبت له من الصفات ، وما يجب ان ينفى عنه . وهذه المعرفة هي التي دعا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام اليها وحثوا عليها ، ولهذا قال لهم ، قولوا لا إله إلا الله ، ولم يدع أحد الى معرفة الله تعالى ، بل دعا الى توحيده ، وهذه المعرفة – أعني المكتسبة – على ثلاثة أضرب :
    ضرب لا يكاد يدركه إلا نبي وصديق وشهيد ومن داناهم وذالك معرفته بالنور الالهي من حيث لا يعتريه شك بوجه ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) الحجرات :15 .وضرب يدرك بغلبة الظن – أعني الظن الذي يفسره أهل اللغة باليقين – كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة :46
    وضرب يدرك بخيالات ومثل وتقليدات وإياه عنى بقوله : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) سورة يوسف: 106
    فالأول يجري مجرى إدراك الشيء من قريب ولهذا قال تعالى في وصفهم : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) ق :37
    والثاني يجري مجرى إدراك الشيء من بعيد ، وقد تعتريه شبهة ولكن تزول بأدنى تأمل ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) الاعراف :201
    والثالث يجري مجرى من يرى الشيء من وراء ستر فلا ينفك من شبهات كما أخبر تعالى عمن هذه حالته بقوله : ( إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) الجاثية : 32
    ولأجل صعوبة معرفة الله تعالى على الحقيقة حتى يتخلص الانسان من آفات الشرك قال تعالى : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) سورة يوسف: 106 وقال تعالى : (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي)14( فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ) الزمر : 14-15 وقال عليه الصلاة والسلام : ( من قال لا إله الا الله مخلصا دخل الجنة ).
    وغاية معرفة الانسان ربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها و أعراضها المحسوسة والمعقولة ، ويعرف أثر الصنعة فيها ، وأنها محدثة ، وأن محدثها ليس إياها ، ولا مثلا لها ، بل هو الذي يصح ارتفاع كلها مع بقائه تعالى ، ولا يصح بقاؤها وارتفاعه ، وبهذا النظر قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته . بل لهذا قال عليه الصلاة والسلام : ( تفكروا في الآء الله ولا تتفكروا في ذات الله ).
    ولما كانت معرفة العالم كله تصعب على الانسان الواحد لقصور أفهام بعضهم عنها واشتغال بعضهم بالضرورات التي يعرفها منهم جعل تعالى لكل إنسان من نفسه وبدنه عالما صغيرا أوجد فيه مثال ما هو موجود في العالم الكبير ، ليجري ذالك من العالم مجرى مختصر من كتاب بسيط يكون مع كل أحد نسخة يتأملها في الحضر والسفر والليل والنهار ، فإن نشط وتفرغ للتوسط في العلم نظر في الكتاب الكبير الذي هو العالم ، فيطلع منه على الملكوت ليعزز علمه ، ويتسع فهمه وإلا فله مقنع بالمختصر الذي معه ، ولهذا قال تعالى : ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) الذاريات : 21
    ولشرف متأملي ذالك قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) آل عمران:190 الآية . فنبه بمدحهم حيث قالوا : ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ ) آل عمران :191 . إنهم عرفوا المقصود بخلقه ، وذالك آخر الابحاث لأن الأبحاث أربعة . بحث عن وجود الشيء بهل هو ، وبحث عن جنسه بما هو ، وبحث عما يباين به غيره بأي شيء هو ، وبحث عن الغرض بلم هو ، وهذه الأبحاث يبتنى بعضها على بعض ، فلا يصح معرفة الثاني إلا بمعرفة الأول ولا معرفة الثالث إلا بمعرفة الثاني ، ولا معرفة الرابع إلا بمعرفة الثالث ، وقولهم : (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً) يقتضي أنهم عرفوا الأبحاث الأربعة. فدلت هذه الآية على أن البحث الذي يؤدي إلى معرفة حقائق الموجودات التي تتضمن معرفة البارئ تعالى هو من العلوم الشريفة ، بخلاف قول الصم البكم العمي الذين لم يجعل الله لهم نورا حيث بدعوا من اشتغل بمعرفة ذالك. أهـــ. كلامه في الباب الثامن.
    وقرر أيضا شأن الفطرة على التوحيد في الباب السابع عشر في بحث كون العلوم مركوزة في نفوس الناس وعبارته ، نفس الإنسان معدن الحكمة والعلوم وهي مركوزة فيها بالفطرة ، مجعولة لها بالقوة كالنار في الحجر ، والنخل في النواة ، والذهب في الحجارة ، وكالماء تحت الأرض ، لكن كما أن من الماء ما يجري من غير فعل بشري ، ومنه ما يعاين تحت الأرض لكن لا يتوصل إليه إلا بدلو ورشاء ، ومنه ماهو كامن يحتاج في استنباطه الى حفر وتعب شديدين ، فإن عني به أدرك وإلا بقي غير منتفع به . كذا العلم في نفوس البشر منه ما يوجد من غير تعلم بشري ، وذالك كحال الأنبياء عليهم السلام ، فإنهم تفيض عليهم المعارف من جهة الملأ الأعلى ، ومنه ما يوجد بأدنى تعلم. ومنه ما يصعب وجوده كحال أكثر عوام الناس ، ولكون العلوم مركوزة في النفوس قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) الأعراف :172 ، فأقروا أن الله هو الذي يربهم ويغذيهم ويرزقهم ويكملهم من الطفولية فهذا إقرار نفوسهم كلهم بما ركز في عقولهم ، فأما الاقرار باللسان فلم يحصل من كلهم ، وكذا المعنى بقوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزخرف : 87 . أي لئن اعتبرت أحوالهم لرأيت نفوسهم وجوارحهم تنطق بذالك وعلى ذالك قوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) الروم:30 الآية. فبين أن الدين الحنيف وهو المستقيم قد فطر الناس عليه أي خلقهم عالمين به ، فإن المعاندين وإن قصدوا تبديله وإزالة الناس عنه لم يقدروا عليه ، وعلى ذالك قوله تعالى : ( صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً ) البقرة : 138.وقال تعالى فيمن قويت في قلوبهم الصبغة والفطرة : ( أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) المجادلة :22 . فسمى ذالك كتابا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ) .
    وأما هذه الشهادة المأخوذة عليهم فالناس فيها ضربان : ضرب أجالوا خواطرهم حتى أدركوا حقائقها ، فصاروا كمن حملوا شهادة فنسوها ثم تذكروها ، ولذالك قال في غير موضع : ( لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الاعراف : 130 (وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) ص :29. وضرب أهملوا أنفسهم ولم يشتغلوا بما حملوا من الشهادة ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ ) الصافات :13 فهم في الجهالة يتسكعون ، وعلى هذا حثنا الله تعالى على التذكر بقوله : (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ ) المائدة :7 . وقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) سورة القمر 32-40
    أي يسرنا القرآن ليكون سببا تتوصلون به إلى تذكر ما سبق من عهدكم ؛ والتذكر على أضرب :
    الأول : أن يكون باللسان عن صورة ما حصل في القلب .
    الثاني : أن يكون بالقلب لصورة حصلت عن شيء معهود ، إما من البصر أو البصيرة أو غيره من المشاعر .
    الثالث : أن يكون عن صورة مضمنة بالفطرة في الإنسان . وهو المشار إليه بهذه الآيات ، ومن هذا قال الحكماء : التعليم ليس يجلب الى الإنسان شيئا من خارج في الحقيقة ، وإنما يكشف الغطاء عما حصل في النفس فيبرزه بجلائه ، فمثله كمثل الحافر المستنبط الماء من تحت الأرض وكالصقيل الذي يبرز الجلاء في المرآة ، وهذا ظاهر لمن نظر بعين عقله أهــــ.

    __________________

    (*) دلائل التوحيد للشيخ / محمد جمال الدين القاسمي

    يتبع ...
    التعديل الأخير تم 08-19-2010 الساعة 12:51 PM
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الدليل الثاني

    طريق العناية :


    قال الحكيم ابن رشد في مناهج الأدلة الذي قصده الشرع من معرفة العالم أنه مصنوع لله تبارك وتعالى ومخترع له ، وإنه لم يوجد عن الإتفاق ومن نفسه ، فالطريق التي سلك الشرع بالناس في تقرير هذا الاصل هي من الطرق البسيطة المعترف بها عند الجميع ، وذالك أنه إذا تؤملت الآيات التي تضمنت هذا المعنى وجدت تلك الطرق هي طريق العناية ، وهي إحدى الطرق الدالة على وجود الخالق تعالى ، وذالك أنه كما أن الإنسان إذا نظر الى شيء محسوس ، فرآه قد وضع بشكل ما وقدر ما ، ووضع ما موافق في جميع ذالك للمنفعة الموجودة في ذالك الشيء المحسوس والغاية المطلوبة ، حتى يعترف بأنه لو وجد بغير ذالك الشكل ، أو بغير ذالك الوضع ، أو بغير ذالك القدر ، لم توجد فيه تلك المنفعة علم على القطع ، إن لذالك الشيء صانعا صنعه ، ولذالك وافق شكله ووضعه وقدره تلك المنفعة ، وأنه ليس يمكن أن تكون موافقة اجتماع تلك الاشياء لوجود المنفعة بالإتفاق . مثال ذالك أنه اذا رأى إنسان حجرا موجودا على الأرض ، فوجده بصفة يتأتى منها الجلوس ، ووجد أيضا وضعه كذالك وقدره ، علم أن ذالك الحجر إنما صنعه صانع ، وهو الذي وضعه كذالك وقدره في ذالك المكان ، وأما متى لم يشاهد شيئا من هذه الموافقة للجلوس ، فإنه يقطع أن وقوعه في ذالك المكان ووجوده بصفة ماهو بالإتفاق ومن غير أن يجعله هنالك فاعل ، كذالك الأمر في العالم كله، فإنه اذا نظر الإنسان الى ما فيه من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي هي سبب الأزمنة الأربعة ، وسبب الليل والنهار ، وسبب الأمطار والمياه والرياح ، وسبب عمارة أجزاء الأرض ووجود الناس وسائر الكائنات من الحيوانات والنباتات ، وكون الأرض موافقة لسكنى الناس فيها وسائر الحيوانات البرية ، وكذالك الماء موافقا للحيوانات المائية ، والهواء للحيوانات الطائرة ، وأنه لو اختل شيء من هذه الخلقة والبنية لاختل وجود المخلوقات التي هاهنا علم على القطع أنه ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة التي في جميع أجزاء العلم للإنسان والحيوان والنبات بالإتفاق بل ذالك من قاصد قصده ومريد أراده وهو الله عز وجل ، وعلم على القطع أن العالم مصنوع ، وذالك أنه يعلم ضرورة أنه لم يمكن أن توجد فيه هذه الموافقة لو كان وجوده من غير صانع ، فأما أن هذا النوع من الدليل قطعي وأنه بسيط فظاهر من هذا الذي كتبناه ، وذالك أن مبناه على أصلين معترف بهما عند الجميع ، أحدهما : أن العالم بجميع أجزاءه وجد موافقا لوجود الإنسان ولوجود جميع الموجودات التي هنا ، والأصل الثاني : أن كل ما يوجد موافقا في جميع أجزائه لفعل واحد ومسددا نحو غاية واحدة فهو مصنوع ضرورة ، فينتج عن هذين الأصلين بالطبع أن العالم مصنوع وأن له صانعا. وذالك أن دلالة العناية تدل على الأمرين معا ولذاك كانت أشرف الدلائل الدالة على وجود الصانع.

    وأما أن هذا النوع من الاستدلال هو النوع الموجود في الكتاب العزيز فذالك يظهر من غير ما آية من الآيات التي يذكر فيها بدء الخلق ، وتدل على الصانع والمصنوع . هذا ما قرره الحكيم ابن رشد وبعد أن جود الكلام فيه قال : لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الاحكام ، ثم قال : فقد تبين من هذا ان الطرق الشرعية التي نصبها الله لعباده ليعرفوا منها أن العالم مخلوق ومصنوع هي ما يظهر فيه من الحكمة والعناية بجميع الموجودات التي فيه ، وبخاصة الانسان وهي طريقة نسبتها في الظهور الى العقل نسبة الشمس في الظهور الى الحس أهــ.

    ولقد صدق عليه الرحمة فإن العقل السليم لا يخامره أدنى ريب في ظهور ذالك كما لا يخالجه ارتياب إذا رأينا مسكنا مهيأ للسكنى فيه على القوانين الموافقة لتوالي الفصول والأمطار علمنا أن حكيما هيأه وأعده للسكنى وكما إذا رأينا مركبا سائرا بالبخار نحو نقطة مقصودة علمنا أن قائدا يقوده ، فهكذا كل من نظر الى هذه الدنيا وشاهد ما هي عليه من النظام والترتيب المحكم ورتباط العلل بمعلولاتها ، وخدمة بعضها بعضا علم أن العالم مجموع مبدعات فائقة المدارك والمشاعر أبدعها قادر حكيم وحي قيوم ، وإلا فلو جاز أن يكون مثل هذا بغير صانع ولا موجد لجاز أن يصح دور معمورة وأسفار مكتوبة وثياب منسوجة وحلي مصنوعة بغير بان ولا كاتب ولا ناسج ولا صائغ ، وهو محال ببديهة العقل ، فما الذي خص أحسن الخالقين بأن يكفر ولايدل عليه اثر صنعته العجيبة وخلقته البديعة : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً) سورة الإسراء : 42 . وقال تعالى : ( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) سورة عبس : 17.

    يتبع ...
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الدليل الثالث

    دليل الاختراع

    قال الحكيم ابن رشد : الطريق التي نبه الكتاب العزيز عليها ودعا الكل من بابها إذا استقرئ الكتاب العزيز وجدت تنحصر في جنسين :
    أحدهما طريق الوقوف على العناية بالانسان وخلق جميع الموجودات من أجلها ولنسم هذه ( دليل العناية ) .
    والطريقة الثانية : ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات مثل اختراع الحياة في الجماد والادراكات الحسية والعقل ، ولنسم هذه ( دليل الاختراع ) .
    فأما الطريقة الأولى فتبنى على أصلين : أحدهما أن جميع الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان ، والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورية من قبل فاعل قاصد لذالك مريد إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالإتفاق ، فأما كونها موافقة لوجود الانسان ، فيحصل اليقين بذالك بإعتبار موافقة الليل والنهار ، والشمس والقمر لوجود الإنسان ، وكذالك موافقة الأزمنة الأربعة له ، والمكان الذي هو فيه أيضا وهو الأرض ، وكذالك تظهر أيضا موافقة كثير من الحيوان له والنبات والجماد وجزئيات كثيرة مثل الأمطار والأنهار والبحار ، وبالجملة ؛ الأرض والماء والنار والهواء وكذالك أيضا تظهر العناية في أعضاء البدن وأعضاء الحيوان . أعني كونها موافقة لحياته ووجوده ، وبالجملة فمعرفة ذالك أعني منافع الموجودات داخلة في هذا الجنس ، ولذالك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع الموجودات .
    وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ، ووجود السماوات . وهذه الطريقة تبنى على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس .
    أحدهما : أن هذه الموجودات مخترعة وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الحج : 73 الآية . فإنا نرى أجساما جمادية ، ثم تحدث فيها الحياة ، فنعلم قطعا أن هاهنا موجدا للحياة ومنعما بها ، وهو الله تبارك وتعالى . وأما السماوات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفتر أنها مأمورة بالعناية بما ها هنا ومسخرة لنا ، والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة.
    وأما الأصل الثاني : فهو أن كل مُخْتَرَع فله مُختَرِع ، فيصح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلا مخترعا له . وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على المخترعات ، ولذالك كان واجبا على من أراد معرفة الله حق معرفته أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقي في جميع الموجودات ، لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع ، والى هذا الاشارة بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ) الاعراف : 185 . وكذالك أيضا من تتبع معنى الحكمة في موجود موجود . أعني معرفة السبب الذي من أجله خلق ، والغاية المقصودة به كان وقوفه على دليل العناية أتم . فهذان الدليلان هما دليلا الشرع.
    وأما الآيات المنبهة على الأدلة المفضية الى وجود الصانع سبحانه في الكتاب العزيز هي منحصرة في هذين الجنسين من الأدلة فذالك بين لمن تأمل الآيات الواردة في الكتاب العزيز في هذا المعنى ، وذالك أن الآيات التي في الكتاب العزيز في هذا المعنى إذا تصفحت وجدت على ثلاثة أنواع ، إما آيات تتضمن التنبيه على دلالة العناية . وإما آيات تتضمن التنبيع على الإختراع . وإما آيات تجمع الأمرين معا .
    فأما الآيات التي تتضمن دلالة العناية فقط ، فمثل قوله تعالى : 5( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً)6( وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً)7( وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً)8( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً)9( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً)10( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً)11( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً)12( وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً)13( وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً)14( لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً)15( وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً)16 النبأ . ومثل قوله (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً) الفرقان : 61. ومثل قوله تعالى : (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ) عبس : 24 . الآية ومثل هذا كثير في القرآن.
    وأما الآيات التي تتضمن دلالة الاختراع فقط ، فمثل قوله تعالى : (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) الطارق : 5. ومثل قوله تعالى : (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الغاشية : 17. ومثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ) الحج : 73 . ومثل هذا قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) الأنعام : 79. الى غير ذالك من الآيات التي لا تحصى .
    وأما الايات التي تجمع الدلالتين فيهي كثيرة أيضا ، بل هي الأكثر مثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة : 21 ، 22 . فإن قوله : (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) تنبيه على دلالة الاختراع ، وقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء) تنبيه على دلالة العناية ، ومثل هذا قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) يس : 33 . وقوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران : 191.
    وأكثر الآيات الواردة في هذا المعنى يوجد فيها النوعان من الدلالة . فهذه الطريق هي الصراط المستقيم التي دعا الله الناس منها الى معرفة وجوده ، ونبههم على ذالك بما جعل في فطرهم من إدراك هذا المعنى ، والى هذه الفطرة الأولى المغروزة في طبع البشر الاشارة بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) الاعراف : 172 ، ولهذا قد يجب على من كان وكده طاعة الله في الإيمان به ، وامتثال ما جاءت به رسله أن يسلك هذه الطريقة ، حتى يكون من العلماء الذين يشهدون لله بالربوبية مع شهادته لنفسه وشهادة ملائكته له ، كما قال تبارك وتعالى : (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آل عمران : 18 . ومن الدلالات الموجودات من هاتين الجهتين عليه هو التسبيح المشار اليه في قوله تبارك وتعالى : (إِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) الإسراء : 44 . فقد بان من هذه الأدلة أن الدلالة على وجود الصانع منحصرة في هذين الجنسين . دلالة العناية ودلالة الاختراع ، وتبين أن هاتين الطريقتين هما باعيانهما طريقة الخواص – وأعني بالخواص العلماء – وطريقة الجمهور ، وإنما الإختلاف بين المعرفتين في التفصيل أعني أن الجمهور يقتصرون من معرفة العناية والاختراع على ما هو مدرك بالمعرفة الاولى المبنية على علم الحس ، وأما العلماء فيزيدون على ما يدرك من هذه الأشياء بالحس ما يدرك بالبرهان ( أعني من العناية والاختراع) ، حتى قال بعض العلماء أن الذي أدركه العلماء من معرفة أعضاء الانسان والحيوان قريب من كذا وكذا آلاف منفعة ، وإذا كان هذا هاكذا ، فهذه الطريقة الشرعية والطبيعية ، وهي التي جاءت بها الرسل ونزلت بها الكتب . والعلماء ليس يفضلون الجمهور في هذين الاستدلالين من قبل الكثرة فقط ، بل ومن قبل التعمق في معرفة الشيء الواحد نفسه ، فإن مثال الجمهور في النظر الى الموجودات مثالهم في النظر الى المصنوعات التي ليس عندهم علم بصنعتها ، فإنهم إنما يعرفون من أمرها أنها مصنوعات فقط ، وأن لها صانعا موجودا . ومثل العلماء في ذالك مثال من نظر إلى المصنوعات التي عنده علم ببعض صنعتها وبوجه الحكمة فيها ، ولاشك أن من حاله من العلم بالمصنوعات هذه الحال هو أعلم بالصانع من جهة ما هو صانع من الذي لا يعرف من تلك المصنوعات الا أنها مصنوعة فقط . وأما مثال الدهرية في هذا الذين جحدوا الصانع سبحانه وتعالى ، فمثال من أحسن مصنوعات فلم يعترف أنها مصنوعات بل ينسب ما رأى فيها من الصنعة إلى الاتفاق والأمر الذي يحدث من ذاته أهـــ .
    يتبع
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  4. #4

    افتراضي

    أولاً : أشكرك لهذا المجهود الكبير.
    ثانياً : أنا آسف جداً لأني لم أجد في كل ما كتبت دليلاً واحداً على وجود الله ، لماذا؟

    المستدل عليه هو : الله هو خالق هذا الكون ومدبره


    - لم نرى أي شيء حسي متعلق به ولا نتصوره.
    - الكون وما فيه من إبهار لعقولنا وإعجاز مليء بالأمور التي ما كانت لتحدث لو أن هناك إله مدبر : العذاب والآلام وحشية حياة البراري زلازل دمار مرض موت . وإله قدير مدبر ليس مخير بين ضررين ليرتكب أخفهما فيصير حكيماً وإنما قدرته طليقه لا يعجزها شيء. فلو كان موجوداً لاستحال أن يخلق الشر كما يستحيل أن يظلم .
    - تقدم البشر في العلوم يزيد اقتناعهم كل يوم بجهلهم بحقائق الكون ، ومسبب وجودنا ـ المجهول الآن ـ لا نستبعد أن يكشفه العلم في أي زمن مستقبل ، وأعتقد أن نظرية داروين ألقت الضوء على ما يمكن أن يكتشفه الإنسان عن حياته وحياة الكون من حوله.
    ما الذي يدفع الإنسان إلى إقحام نفسه في نار تلظى أبدية ولا ينفع فيها الندم .. وخسارة جنة عرضها السموات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ؟

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    أرجوا من الإدارة الكريمة حذف مشاركة "الحقيقة المصدومة" وذالك لما تحتويه من هراء ولوثة ليس هذا مكانه .
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    الدولة
    أرض الله
    المشاركات
    646
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الدليل الرابع

    الافتقار الى مسبب الأسباب
    (*) :

    الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات ، أومن الأفعال البشرية ، أو الحيوانية ، فلابد لها من علل وأسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونها ، وإليها تفتقر إفتقار الهواء الى الشمس في إضاءته والماء إلى مسخن في حرارته . وكل واحد من هذه العلل والأسباب حادث أيضا ، فلابد من علل وأسباب أخر . ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي الى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها.

    قال ابن رشد : الموجودات الممكنة لا بد لها من علل تتقدم عليها ، فإن كانت العلل ممكنة لزم أن يكون لها علل ، ومر الأمر الى غير نهاية ، وإن لم يكن لها علة لزم وجود الممكن بلا علة وذالك مستحيل ، فلا بد أن ينتهي الأمر الى علة ضرورية . فإذا انتهى الأمر الى علة ضرورية لم تخل هذه العلة الضرورية أن تكون ضرورية بسبب أو بغير سبب ، فإن كانت بسبب سئل أيضا في ذالك السبب ، فأما أن تمر الأسباب الى غير نهاية ، فليزم بأن يوجد بغير سبب ما وضع أنه موجود بسبب وذالك محال ، فلابد أن ينتهي الأمر إلى سبب ضروري بلا سبب أي بنفسه ، وهذا هو واجب الوجوب ضرورة اهــــ.

    وقرر بعضهم هذا الدليل بأسلوب آخر فقال : من المشاهد أنا نرى في المحسوسات ترتبا بين العلل المؤثرة ، وليس يصح بل لا يمكن أن يكون سببا مؤثرا لنفسه للزوم وجوده قبل نفسه ، وهذا محال . والتسلسل ممتنع في العلل المؤثرة لأن الأول من أفراد العلل المترتبة هو علة الوسط والوسط هو علة الأخير سواء كان ثمة وسط واحد أو أوساط كثيرة ، لكنه إذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول ، فإنه لو لم يكن في العلل المؤثرة أول لم يكن فيها أخير ولا وسط ولو تسلسلت العلل المؤثرة لم تكن علة مؤثرة ، فلم يكن معلول أخير ولا علل مؤثرة متوسطة ، وهذا بين البطلان ، فلابد إذا من إثبات علة مؤثرة ، وهي الخالق تبارك وتعالى .

    وقال ابن رشد أيضا : أما الفلاسفة فإنهم اعتبروا الاسباب المحسوسة حتى انتهت الى الجرم السماوي ، ثم اعتبروا الأسباب المعقولة ، فأفضى بهم الأمر الى موجود ليس بمحسوس هو علة ، ومبدأ للموجود المحسوس ، وهو معنى قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الأنعام : 75

    تنبيه : كثيرا ما يقع في كتب الكلام وعلى ألسنة المحتجين كلمة العلة مرادا بها معطي الوجود ، وهو الخالق تعالى مشاكلة أو مجارة للخصوم ، وأصلها من استعمال الحكماء لها وغلبتها في كلامهم فسرت للمتكلمين الباحثين في العلم الالهي ومع صحة معناها المذكور ، فإنا لا نستجيز اطلاقها عليه تعالى لا مشاكلة أو مجاراة ، كما قلنا لأن له الأسماء الحسنى.

    _______________
    (*) من رأي ابن خلدون أن هذا الدليل أقرب الطرق والمآخذ العقلية لمعرفة الخالق سبحانه وتعالى.

    يتبع...
    " أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2004
    الدولة
    egypt
    المشاركات
    2,149
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا على موضوعك الجميل.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحقيقة الصادمة مشاهدة المشاركة
    - لم نرى أي شيء حسي متعلق به ولا نتصوره.
    .
    مسألة الدليل الحسى ولعلك تقصد به "الدليل المادى" من رؤية وسماع ولمس إلى آخره ليس بمنهج العقلاء على الإستدلال على وجود شىء أيًا كان ، فلو اعتمدت على الدليل الحسى حسب تعبيرك لنفيت الكثير مما هو موجود فى حياتك اليومية كالهواء والكهرباء ، فهذه الاشياء أنت لاتراها وانما تدركها بتأثيرها .

    - الكون وما فيه من إبهار لعقولنا وإعجاز مليء بالأمور التي ما كانت لتحدث لو أن هناك إله مدبر : العذاب والآلام وحشية حياة البراري زلازل دمار مرض موت .
    أنت امامك حقيقتين :
    *ابهار لعقولنا واعجاز .
    *عذاب وآلام .
    وأنت لم تستطع الجمع بين الإثنين ، فأخذت بواحدة وأهملت الأخرى ، هل هذا منطق؟
    طيب بنفس منطقك ساخذ انا الابهار والاعجاز واقول هو دليل على وجود الله واترك العذاب والالم كما تركت انت الابهار والاعجاز.
    وإله قدير مدبر ليس مخير بين ضررين ليرتكب أخفهما فيصير حكيماً وإنما قدرته طليقه لا يعجزها شيء. فلو كان موجوداً لاستحال أن يخلق الشر كما يستحيل أن يظلم .
    المجبر هو إله النصارى! ، فأصل عقيدتهم أن الله مجبر على فعل أشياء كالفداء مثلًا . أما فى الإسلام فالله ليس مجبر على فعل شىء ، فهو سبحانه خالق الخير والشر ، وبضدها تعرف الأشياء ، وبالشر تستطيع معرفة الحياة الدنيا وللشر فوائد كثيرة وبها مطولات فى المنتدى.
    - تقدم البشر في العلوم يزيد اقتناعهم كل يوم بجهلهم بحقائق الكون ، ومسبب وجودنا ـ المجهول الآن ـ لا نستبعد أن يكشفه العلم في أي زمن مستقبل ، وأعتقد أن نظرية داروين ألقت الضوء على ما يمكن أن يكتشفه الإنسان عن حياته وحياة الكون من حوله
    من قال لك ان تقدم البشر يزيد الجهل بحقائق الكون؟ بل تقدم العلوم يعطينا انطباعات عن الكون واصله ، ومعظم الابحاث والنظريات تشير الى ان الكون حادث وله بداية كنظرية الانفجار الكبير ، فهى تتحدث عن تجمع شديد للمادة فى نقطة صغيرة انفجر وكون كوننا ، وحسب دليل التسلسل فلهذه الكتلة سبب وموجد ، ولم تكن الكتلة على صورة هذا الكون الذى نراه الان ، اذا لو اخذنا بالانفجار سنقول ان خلفه سبب ونية لانشاء هذا الكون . اما نظرية دارون لاتزيد عن كونها فلسفة اكثر منها علم ، فالعلم هو ما يجرب والفلسفة هى التى لاسبيل الى التجربة فيها مالم يخالف ذلك بديهية عقلية ، فمثلًا قانون السببية لانقول ان هذه فلسفة لان من طبيعة الكون ان لكل شىء سبب ، ولكن جزئيات الاسباب كنظرية التطور هى ما نخالف فيها لانها تتحدث عن حدوث اسباب غير منطقية ولاسبيل لتجربتها ، وفكرة التشابه بين الانسان والحيوانات التى هى اساس الاشكال الحادث لاترقى للاستدلال اصلا ، لانك ان قلت ان الكون وراءه سبب وهذا السبب هو الله تعالى ، فعليك التسليم بان الخالق تعالى له طريقة فى الصنع وله قدرة فى الخلق ، فالتشابه بين الحيوانات والانسان يدل على ان الخالق واحد وانه يخلق بهذه الطريقة المعجزة ، وإلا لو كان الانسان على شاكلة اخرى لقالوا ايضا ان هذا خلقه إله وذاك خلقه إله آخر ، ولكن التشابه يدل على وحدة الصانع سبحانه وتعالى ، كمثال السيارات والباخرات والطيارات ، هى دلالة على ان طريقة الصنع واحدة وشبيهة وتدل على وحدة المصدر.
    تحياتى .

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اكتب كتابا فيه الأدلة العقلية على وجود الله تعالى
    بواسطة كمال عزالدين في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-13-2010, 05:23 PM
  2. الأدلة الشرعية الواضحة والصريحة على نقض نظرية التطور
    بواسطة اخت مسلمة في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 10-24-2009, 03:52 AM
  3. سؤال: ترتيب الأدلة على وجود الله??
    بواسطة يحيى في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 09-24-2009, 03:45 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء