قالوا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى(لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قالوا إن الكاتب أخطأ إنما هو ( حتى تستأذنوا ) فهذا يدل على أن القرآن دخله بعض التحريف والتبديل بسبب الكتابة.
أولا: أن هذا القول غير صحيح في نسبته إلى حبر القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما بل هو مدسوس عليه ،دسه عليه الملاحدة والزنادقة، كما ذكر ذلك أبوحيان إذ قال: إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين فابن عباس بريء من ذلك القول
وقال الزمخشري في تفسيره: وعن ابن عباس وسعيد بن جبير إنما هو (حتى تستأذنوا) فأخطأ الكاتب ،قال: ولا يعول على هذه الرواية
وقال القرطبي في تفسيره بعد ذكر هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير قال القرطبي: وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها( حتى تستأنسوا) وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان فهي التي لا يجوز خلافها
قال القرطبي: وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظٍ أجمع الصحابة عليه قول لايصح عن ابن عباس وقد قال الله تعالى( لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وقال تعالى( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
وقد روى هذا الخبر عن ابن عباس ابن جرير رحمه الله ،وهذ الإستناد لا يخلو من وجود مدلس أو ضعيف كما ذكر ابن كثير في تفسيره ،ورواه أيضا الحاكم وصححه وتصحيح الحاكم كما هو معلوم عند علماء الحديث غير معتد به ،وقد تعقبه الحافظ الذهبي رحمه الله في استدراكه عليه في نحو مائة حديث موضوع ذكرها فضلا عن جملة من الأحاديث الضعيفة والواهية التي سعى فيها الحاكم رحمه الله تعالى
ثانيا: يؤيد رد هذه الرواية عن ابن عباس أنه ورد عنه في تفسير( تستأنسوا) بقوله تستأذنوا من يملك الإذن من أصحابها، فثبوت هذا التفسير عنه يرد ما ألصق به، وقد روى هذا التفسير عنه ابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن جرير وابن مردويه ولعل الرواي عن ابن عباس وهم كما يقول الألوسي :إذ فهم من تفسير الاستئناس الاستئذان أنه الصواب فروى الخبر على ماظن وهو واهم
ويردها أيضا إجماع القراء السبعة على لفظ (تستأنسوا) ومن المستبعد أن يقرأ ابن عباس بقراءة يكون الإجماع على خلافها ولا سيما وهو "ابن عباس" من أخذ القراءة عن زيد بن ثابت وهو عمدة الذين جمعوا القرآن في المصاحف بأمر عثمان
وما نقل عن ابن عباس وأبيّ أنهما كانا يقرءان (تستأذنوا) فمحمول على أنها قراءة تفسير وتوضيح وليس قراءة تلاوة وتعبد
ثم إن القراءة المتواترة( حتى تستأنسوا) متمكنة في باب الإعجاز من القراءة المزعومة(حتى تستأذنوا) فالاستئذان ينصرف إلى الاستئذان بالقول، أما الاستئناس فيشمل القول وغيره من الأفعال التي تؤذن بالقدوم كالتسبيح والتحميد والتنحنح وما يفعله القادم للاستئذان وما شابه ذلك ،هذا إلى ما تشير إليه القراءة المتواترة من أن يكون الاستئذان بقصد الأنس وإزالة الوحشة وعدم إيلام المستأذن عليه وهذه المعاني لا تفيدها لفظة(تستأذنوا) أو القراءة المنسوبة لابن عباس بأنه قرأ بـ( حتى تستأذنوا) فقد يكون الاستئذان مصحوبا بالخشونة أو الايحاش أو إيلام المستأذن عليه إلى غير ذلك من المعاني والحكم والدقائق واللطائف التفسيرية التي تظهر لمن يجيل النظر ويمعنه ويتدبر كتاب الله
ثالثا: إن صحت الرواية عن ابن عباس فيمكن أن تحمل على الخطأ في الاختيار من الكاتب ويكون ذلك على حسب ظن ابن عباس لا بحسب الواقع ونسف الأمر، قال ابن الأشتت في كتاب المصاحف له: مراد ابن عباس الخطأ في الاختيار وترك ماهو أولى القراءتين بحسن ظنه انتهى،وتكون قراءة ابن عباس مما ترك بسبب جمع الناس على حرف واحد وهو حرف قريش كما يقول الطبري وغيره فهم التزموا جمع ما ثبت بالتواتر دون ما روي آحادا ودون ما ثبت نسخه وتركت قراءته
رابعا: إن هذه الرواية المنسوبة لابن عباس على فرض صحتها هي رواية آحادية والآحاد لا يعارض القطعية الثابتة والمتواتر يرده وهذه الرواية لا يثبت بها قرآن ولاسيما وقد خالفت رسم المصحف فما بالك وهي ضعيفة ومعارضة لروايات أخرى عن ابن عباس.
Bookmarks