من واقع خبرتي الشخصية أقول لك :
لا تعطها هدية في هذا اليوم ولا قبله ولا بعده بفترة قصيرة ..!
ستغضب في العام الأول ..
وستصمت في التالي ..
ثم تستسلم في الثالث ، ولن تراجعك أبدًا ..!
وحاول أن تعوض هذا بهدايا في أوقات مختلفة من العام ..
وبالمناسبة ، هذا المسلك لو اتبعته في كل أمورك ستجد أن الله ييسر لك تيسيرًا عظيمًا ..
ولا تقع أبدًا أخي في مهلكة التحرج من اتباع دين الله ..
والكثير من الناس يحسب أن الصراع مع الهوي هو صراح مع الهوي الشخصي فحسب ..
بل هو كذلك مع أهواء الآخرين ، والرغبة في الاستحواذ على رضاهم وتحبيبهم في الإسلام ..
ولا توجد فتنة أشد على القائم بالدعوة من فتنة استمالة المخالطين له والرضوخ لأهوائهم والانصياع لمألوفاتهم ..
فالضعف البشري في تأويل تعاليم الدين باتجاه رضا الناس حقيقةٌ لا يفلت منها أحدٌ ..
ولو لم تكن بهذه الخطورة لما وجدنا الله تعالى يحذر منها نبيه صلى الله عليه وسلم ..
انظر مثلاً كيف صور الله الجماهير المتلقية وهي تحاول استمالة النبي عن مقررات الوحي وتعده بأن تنساق خلفه وتنصره ..
فقال سبحانه في سورة الاسراء:
{وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} ..
إنهم على استعداد تام للاتباع والانخراط في جملة المسلمين ولكن بشرط واحد ..
شرط واحد فقط ..
إنه "تبديل" بعض هذا الوحي الذي لاتروق لهم مضامينه ..!
وقد كشف القرآن في الآية التي تليها مباشرة أن هذا الاستسلام لنفوذ المخاطبين كان خطراً فعلياً على النبي صلى الله عليه وسلم ..
لولا العصمة الإلهية ..!
ولذلك قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا} ..
فإذا كان نفوذ المخاطبين كاد أن يبلغ تأثيره سيد المرسلين لولا العصمة الربانية ، فكيف يأمن من بعده ذلك ..؟!
وكرر الله ذات التنبيه إلى خطورة أهواء المخاطبين بالإسلام فقال في سورة المائدة :
{وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} ..
وهكذا تمضي آيات القرآن تثنّي مرة بعد مرة هذا التنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن خطورة ضغوط أهواء المخاطبين ..
كما قال سبحانه في سورة المائدة:
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} ..
وفي لغة تحذير مدوِّية يضطرب لها قلب القارئ يقول سبحانه:
{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ} ..
هذا التأكيد الإلهي البليغ المتكرر حول الصراع الشرس بين هذين القطبين "هوى المخاطبين" و"كتاب الله" وأثر ذلك على الداعية المبلغ عن الله سبحانه ليس مجرد ملحوظة فكرية تُحتسى في مقهى مسائي ..
بل هي قاعدة عميقة نابعة من عظمة العلم الإلهي بسنن الدعوة وتبليغ الدين ..
وليس المطلوب فقط هو الامتناع عن التنازل عن بعض مضامين الوحي ..
بل نحن مطالبون بقدر زائد على ذلك ..
وهو الفخر بهذه المضامين , والشموخ بها , وعدم التحرج منها ..
كما قال سبحانه في مطلع الأعراف:
{كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} ..
وجعل الرضا بالحكم الإلهي وتصورات الوحي والخلوص من التحرج منها معيار الإيمان كما قال سبحانه:
{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} ..
وأحياناً كثيرة لا يقع العامل للإسلام تحت ضغط الرغبة في هداية الناس ..
بل يقع ضحية تحاشي السخرية والاستهزاء ..
والواقع أن السخرية والاستهزاء من أمضى أدوات النفوذ والتأثير على الآخرين ..
ذلك أنها من أشد الأمور إيلامًا لأصحاب المروءة ..
فتحجزهم عن كثير من المواقف تحاشيًا أن يقعوا في مثار سخرية أو موضع استخفاف ..
ولذلك نبه الله الرسل والمصلحين على استغلال خصوم الدعوات الإلهية لهذا التأثير ..
فقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ}
وقال تعالى:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ, وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ..
والله أعلم وأحكم .
Bookmarks