النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المنطلقات الفكرية والعقدية لدى الحداثيين للطعن في الصحيحين

  1. #1

    افتراضي المنطلقات الفكرية والعقدية لدى الحداثيين للطعن في الصحيحين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المنطلقات الفكرية والعقدية عند الحداثيين للطعن في الصحيحين
    إعداد: الدكتور أنس سليمان المصري النابلسي
    1431هـ - 2010م


    مقدمة:

    الحمد لله الواحد القهار، مثبت القلوب والعقول والأفكار، وعلى نبي الرحمة الصادق المختار، أفضل صلوات ربي العزيز الغفار، وعلى الصحابة الأفاضل الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القرار، أما بعد:
    فقد كانت القراءة منذ اللحظة الأولى من عصر الرسالة لهي المورد الرئيس للطاقات الفكرية للأمة الإسلامية، وطالما ظل العلماء يقرؤون ويحفظون ويجتهدون، وينتقدون، ويحللون ويراجعون، حتى أتى عصر التدوين للسنة النبوية، وبزغ نجم الصحيحين، فكانا لبنة راسخة في حصن الإسلام الحصين، والسور المتين لحفظ أحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومذ ذاك تأسست أجواء الفهم والتحليل لنصوصهما، والدراسة والنقد لأسانيدهما؛ فاستُنطقت النصوص، وحُللت الإشارات، وحُرست المدلولات، فهماً وتأويلاً، بضبط علاقات الألفاظ بالمعاني، وتقنين دلائل المنطوق على المضمون، تفادياً لكل تأويل مجازف، أو استنباط مخالف، وصيانة لنصوص الصحيحين من الإسفاف، والبعد عن قوانين التأويل المجانبة لقواعد اللغة والشرع، فكان ذلك ضمن منظومة راسخة تحوي أسساً ثابتة، ومنهجاً مشدوداً بقواعد مرتبطة باللسان ومقتضيات اللغة في فهم الخطاب النبوي، ومحتكمة للشرع وحدوده.
    وبقي الأمر على ذلك، حتى برز رويبضات من ناطقي اللغة، مدّعي فقهها؛ تناولوا صحيحي البخاري ومسلم بقراءة تُسمى بـ"الحداثية"؛ وهي قراءة تأويلية خارجة عن نطاق المعهود المنطقي، مستمدة آلياتها من تجارب الغرب في فهم نصوصهم المقدسة، غير مكترثين لنتاجات نصوصهم العقدية والفقهية بقدر ما تتوق إليه أنفسهم من النقد، باستخدام "نظريات لغوية" مبتدعة (كالبنيوية([1])، والتفكيكية([2])، والسيميائية([3]))، والتي كانت وليدة الصراع الحداثي الغربي مع الدين، فأدى ذلك إلى الاشتغال بالإنسان بعيداً عن الله (الأنسنة)، والاهتمام بالعقل خارجاً عن الوحي (العقلنة)، ومراعاة للدنيا من غير النظر إلى الآخرة (الأرخنة)، مما أدى بهم إلى معالجة أحاديث الصحيحين ضمن تقاليد يهودية نصرانية، تُخضع السنة –إسناداً ومتناً- لمناهج النقد التي خضعت لها نصوص التوراة والإنجيل في إطار الفكر الغربي والذي صار عند الحداثيين العرب مرجعية مسلمة غير قابلة للنقاش والتعديل([4]).
    فأنتج ذلك تأثراً واضحاً عند كثير من "المثقفين" العرب على درجات متفاوتة، ساعدت عليه عوامل متعددة سيأتي ذكرها في مواضعها، مدّعين –عن قناعة وإصرار- أنهم يقفون موقف الدفاع عن الإسلام –زعموا-، وإخراجه من الزاوية الضيقة التي وضع نفسه فيها!، واتخذوه مولجاً لنقض –لا أقول أحاديث الصحيحين فقط- بل قواعد الدين وآيات الكتاب الحكيم، فكانوا مصداق قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "دعاة على أبوب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" إذ "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"([5])، فهذا محمد أركون يزعم قائلاً: "إن الجمهور الأوروبي يجهل كل شيء عن حقائق الإسلام ومجتمعات الإسلامية، كما أنه مليء بالإحكام السلبية المسبَّقة تجاهها، وأنا أهدف إلى إيضاح الأمور على حقيقتها، وبالتالي إزالة هذه الأحكام المسبقة أو زحزحتها بعض الشيء إن أمكن"([6]).
    وهكذا نرى أن القوم يُعِدون أنفسهم منقذي الفكر الإسلامي من بين طرفي كماشة المجتمع الأوروبي، ومجددي الحضارة والفكر الموروث، إذ يعالجون جميع القضايا الشرعية المشكِلة على حد سواء متأثرين –بعمق- بمعطيات الحضارات والثقافات الغربية، فضلاً عن الضغوط الواقعية.
    فلم يقفوا –ولو لمرة- لإثبات صحة وجهة النظر من جهة الإسلام عند التعارض، بل نجدهم دوماً يعالجون قضاياهم على حساب الإسلام وفقاً لما يفكر فيه الغرب.
    وكنتيجة منطقية؛ فإنهم لم يقيموا للصحيحين وزناً، سواء في قبول كثير من نصوصهما، أو تفسيرها ضمن منظومة الفكر الإسلامي الذي يشكل وحدة متضافرة في بناء العقل المسلم، كيف لا يكون؟ وقد عدَوا على كثير من الآيات القرآنية، وحرّفوا مقصودها، وجعلوها ضمن الخطاب التاريخي القابل للنقد، فكان الصحيحان محط أنظارهم للنقد الفائح من بين سطوره رائحة العقلية الغربية المنحلة.
    وقد عُنى هذا البحث بتوضيح مفهوم الحداثة ونشأتها، والكشف عن هويات عقول أصحابها، وتحليل أصولها ومصادرها، وطريقة انتقال عدواها إلى بعض المستغربين العرب.
    معرجين على أساليب نقدهم، وقواعد تعاملهم، ودوافع نبذهم لأحاديث الصحيحين، وآثار ذلك المنهج، متتبعين في ذلك سقطاتهم، ومسلطين الضوء على عثراتهم وهناتهم، وموضحين الآليات القويمة في التعامل معها، والله الموفق والمستعان، وعلى نبيه السلام والعرفان.
    المبحث الأول: مفهوم الحداثة (Modernity) وما بعدها:

    الحداثةَ – لغةً- مشتقَّة من مادة "ح د ث"، وفي اللغة يُقال: "حدث حدوثًا وحَداثَةً فهو حديث"، ويُقال: (حَدَثَ) نقيض (قَدُمَ)([7])؛ فكلمة حداثة كلمة نسبية؛ إذ كل ما هو قديم كان حديثاً نسبة لما قبله، وكل ما سيكون حديثاً في المستقبل سيؤول إلى قِدَم قياساً لما سيكون بعده، فالحداثة مصطلح لا يرتبط بنص معين، أو حدث معين.
    وفي ضوء هذا المضمون تصبح الحداثة في مأزق لغوي عَصِيٍّ على الاستيعاب والفهم، ولا يمكن تطبيقه إلا على زمن المتكلم دون غيره([8]).
    كما يتسم هذا المصطلح بالغموض باتفاق الباحثين، ولهذا قال بعض الحداثيين ساخراً: "إذا وضعت - في حجرة واحدة - المناقشين الأساسيين للمفهوم، -وأنا معهم- ثم أغلَقْت الحجرة وألقيتَ بالمفتاح بعيدًا، فلن يحدث إجماع بين المشتركين في الجدل بعد أسبوع، وأن خطًا رفيعًا من الدماء سوف يظهر من تحت الباب"([9]).
    وسبّب ذلك اختلافاً واسعاً غير منضبط في تعريف مصطلح الحداثة (Modernity) أو العصرنة أو التحديث، فجعلوها وصفاً لأي عملية تتضمن تحديث وتجديد ما هو قديم؛ لذلك فقد تستخدم في مجالات عدة، لكن هذا المصطلح برز واضحاً في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة([10]).
    ولهذا اندفع الحداثيون العرب -في تصورهم لتحقيق الحداثة- إلى تحقيق قطيعة معرفيَّة مع الماضي واحتقار التراث، ثم الوصول بالتبعية الثقافية للغرب إلى أبعد نقطة([11])، فوصفوا التاريخ بالسِّجن؛ وجعلوا نصب أعينهم قول الحداثي الأمريكي: "مشكلتكم أنكم تنظرون إلى الوراء، وبهذا أصبحتم سُجناءَ الماضي".([12])
    ولذلك فقد تعامل الحداثيون مع النصوص الشرعية عامة، والصحيحين بشكل خاص وفقاً للمعايير الغربية، الملخصة فيما يلي:
    1– "أنسَنَة الدِّين"، أي: إرجاء الدين إلى الإنسَان، وإحلال الأساطير محلَّ الدِّين([13]).
    2– تطبِيق المبادئ النَّقدية الوَافِدة على النصوص المقدَّسة([14]).
    3– وضع العمليَّة "أو العقلانيَّة" والدين على طرفَي نقِيض، على أساس أن: الدِّين فِكر غيبِيٌّ، يتعارض مع التفكير العلمِي والعقلاني([15]).
    وهذا يبرر طلب محمد أركون بقراءةِ الفكر الإسلامي من جديد -حسَب زعمه- قراءةً علمية، وإخضاعِ القرآن الكريم لمحكِّ النقدِ التاريخيِّ المقارن([16]).
    والناظر في مفهوم الحداثة يعلم أنها منهج يؤمن بما ينطق به الإنسان في اللحظة الآنية، تاركة وراءها كل قدم، وهادمة لكل ما هو موروث، وهذه اللحظة الآنية سرعان ما نتقضي ويحل محلها مرحلة أخرى تهدمها، وهكذا دواليك...، فإن الحداثة لا تؤمن بنتائجها، ولا تعتمد أي قواعد وثوابت تقوم عليها؛ لذلك –وعلى مدى السنين- بقية الحداثة هلامية التعريف متغيرة المناهج، سريعة التحول والتأثر بتغير الفكر الإنساني وتأخذ لون الواقع التي تعاينه كما يأخذ الكأس لون الشراب الذي يملؤه؛ فكلما تغير الواقع من مكان لآخر ومن زمان لآخر فإنها تغير مناهجها تبعاً لذلك، فضلاً عن تفسير هذه المنهجية عند كل ناقد بحسب منطقه، ومدى تأثر ثقافته وفكره بالشرق أو الغرب.
    وعلى ذلك يمكننا أن نوصّف الحداثة بأنها "منهج فكري أدبي علماني، مبني على عدة عقائد غربية ومذاهب فلسفية، يقوم على الثورة على الموروث ونقده وتفسيره بحسب وجهة نظر القارئ".
    وتهدف الحداثة إلى إلغاء مصادر الدين، وما صدر عنها من عقيدة وشريعة، وتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بحجة أنها قديمة وموروثة لتبني الحياة على الإباحية والفوضى والغموض، وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية، والنفاذ إلى أعماق الحياة([17]).
    ولتوضيح شمولية هذا الفكر الحداثي، وأنه لا يقتصر على الشعر واللغة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى آي القرآن والحديث النبوي، نتأمل قول الكاتبة الحداثية خالدة سعيد في مقال لها بعنوان (الملامح الفكرية للحداثة)، تقول: "إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينات، تُقدم خطوطاً عريضة تسمح بالقول: إن البداية الحقيقية للحداثة من حيث هي حركة فكرية شاملة، قد انطلقت يومذاك، فقد مثَّل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين، العقل والواقع التاريخي، وكلاهما إنساني، ومن ثمّ تطوري"([18]).
    فالحداثة –على ذلك- خلاصة لمذاهب خطيرة ملحدة، ظهرت في أوروبا كالمستقبلية([19]) والوجودية([20]) والسريالية([21]) وهي من هذه الناحية شر؛ لأنها إملاءات اللاوعي في غيبة الوعي والعقل، وهي صبيانية المضمون، عبثية في شكلها الفني، تمثل نزعة الشر والفساد في عداء مستمر للماضي والقديم، وهي إفراز طبيعي لعزل الدين عن الدولة في المجتمع الأوروبي، ولظهور الشك والقلق في حياة الناس مما جعل للمخدرات والجنس تأثيرهما الكبير([22]).
    المبحث الثاني: نشأة الحداثة ومراحل تطورها:

    أولاً: نشأة الحداثة عند الغرب:

    يُعد مصطلحا (الحداثة) و(ما بعد الحداثة) (Postmodcrnismأو Postmodernity) بفرعيه من أهم المصطلحات التي شاعت وسادت منذ الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي عند الغرب، ولم يهتد أحد بعد إلى تحديد مصدره بدقة([23]).
    إلا أن أول المذاهب الأدبية الفكرية ظهوراً في الغرب: "الكلاسيكية" التي تتحدث عن النمطية والجمود، ثم جاءت "الرومانسية" فكانت ثورة وتمرداً على الكلاسيكية، وادعت أن الشرائع والتقاليد والعادات هي التي أفسدت المجتمع، ويجب أن يجاهد في تحطيمها، ثم المدرسة "الواقعية" التي تطورت إلى "الرمزية" التي كانت الخطوة الأخيرة قبل الحداثة التي وصلت في الغرب شكلها النهائي على يدي الأمريكي اليهودي عزرا باوند، والإنجليزي توماس إليوت([24]).
    وهكذا انتهت الحداثة إلى الجمع بين عدة مناهج غربية، فمن شيوعية مادية إلى دارونية تقول: "بأن أصل الإنسان قرد"، وميثولوجية تنكر أن يكون الأصل في الأديان التوحيد، وأن الإنسان الأول ما لجأ إلى التدين إلا لجهله بالطبيعة وخوفه منها، حين لم يستطع أن يواجهها بالتفسير العلمي الصحيح -زعموا-.
    ويقول علي الغامدي في مقالة تحت عنوان (الشعر الحديث كمصطلح) متأثراً بالنظريات الغربية: "ومهما يقال إن تلك المصطلحات منقولة من الغرب، حيث كانت صدى لما كان عليه القرن التاسع عشر، إلا أن لها شمولها الإنساني وصياغتها العالمية التي تناسب كل لغة، ومن هذه المصطلحات على سبيل المثال : الدارونية، والتي تعتبر كشفاً لتطور بعض جوانب الكائن الإنساني، وكذلك العلوم الميثولوجية تعد كشفاً لأصول العقائد!، وهذه المصطلحات في جملتها تفصح عن منهج جديد واضح ومحدد، يستلهم العقل والتجربة في ربط المقدمات بالنتائج، والعلة بالمعلول"([25]).
    ثانياً: نشأة الحداثة العربية ومدى تأثرها بالغرب:

    إن الحداثة -في أصلها ونشأتها- مذهب فكري غربي، ولد ونشأ في الغرب، ثم انتقل منه إلى بلاد المسلمين، نتيجة للملابسات التاريخية التي عانى منها المسلمون في القرن العشرين، من سقوط لسيادتهم، واستعمار بلدانهم، وتوالي الهزائم الفكرية والنكسات العسكرية عليهم أمام الغرب، وفشل التيارات العلمانية، والرأسمالية، والاشتراكية الشيوعية وغيرها في تحقيق ما وعدت به من شعارات التنمية والتحرر، الأمر الذي أجبر العلمانيين على إعادة النظر في أساليب العمل والنضال السابق.
    ولا شك أن الحداثيين العرب حاولوا بشتى الطرق والوسائل أن يجدوا لحداثتهم جذوراً في التاريخ الإسلامي، محاكاة لما فعله الغرب في إرجاع حداثتهم إلى الثورة اللوثرية، فما أسعفهم إلا أن استشهدوا إما بملحد أو فاسق أو ماجن؛ كالحلاج، وابن عربي الصوفيين، وبشار، وأبي نواس، وابن الراوندي، والمعري، والقرامطة، وثورة الزنج([26])، لكن الواقع أن كل ما يقوله الحداثيون هنا، ليس إلا اجتراراً لما قاله حداثيو أوروبا وأمريكا، ورغم صياحهم ومناداتهم بالإبداع والتجاوز للسائد والنمطي -كما يسمونه عندهم- إلا أنه لا يطبق إلا على الإسلام وتراثه، أمّا وثنية اليونان وأساطير الرومان وأفكار ملاحدة الغرب، حتى قبل مئات السنين، فهي قمة الحداثة، وبذلك فهُم ليسوا إلا مجرد نقلة لفكر أعمدة الحداثة في الغرب مثل: إليوت، وباوند، وريلكة ولوركا، ونيرودا، وبارت، وماركيز([27]).
    وهكذا نمت الحداثة –بداية- في البيئة الغربية، وكانت إحدى مراحل تطور الفكر الغربي، ثم نقلت إلى بلاد العرب صورة طبق الأصل لما حصل في الغرب، ولم يبق منها عربي إلا الحروف المكتوبة.
    وقد توالت الاعترافات من منظري الحداثة بذلك، فهذا محمد برادة يكتب مقالاً بعنوان "اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة" يؤكد فيه بأن الحداثة مفهوم مرتبط أساساً بالحضارة الغربية وبسياقاتها التاريخية وما أفرزته تجاربها في مجالات مختلفة، ويصل في النهاية إلى أن الحديث عن حداثة عربية مشروط تاريخياً بوجود سابق للحداثة الغربية وبامتداد قنوات للتواصل بين الثقافتين([28]).
    وهكذا وصفه غالي شكري بقوله: "وعندما أقول الشعراء الجدد، وأذكر مفهوم الحداثة عندهم …. أتمثل كبار شعراء الحركة الحديثة من أمثال : أدونيس، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وخليل حاوي …. عند هؤلاء سوف نعثر على إليوت، وإزرا باوند، وربما على رواسب من رامبو، وفاليري، وربما على ملامح من أحدث شعراء العصر في أوروبا وأمريكا، ولكنا لن نعثر على التراث العربي"([29]).
    المبحث الثالث: القواعد الحداثية في التعامل مع نصوص الصحيحين:

    يتعلق مفهوم السُّنَّة –بشكل عام- والصحيحين -خصوصاً- عند الحداثيين بالأسس الفكرية والخلفيات الوضعية التي ينطلقون منها؛ فممارسة العقل الحداثي لسلطاته المطلقة على الساحة الفكرية والدينية جعلت المسلّمات رهن الجدال والنقد، وحوّلت كثير من النصوص المجمع على ثبوتها أو دلالتها موضع الشك والزيف، مما أدى إلى إفرازات نكراء لنتاجات شاذة، وقواعد منبوذة اعتبرها الحداثيون فتحاً في علم الحديث والنقد وعلل المتون، وتجديداً لأسس التصحيح والتضعيف، والقبول والرد.
    وتفرّعت تلك القواعد على أنواع شتى منها ما هو مختص بعلم الإسناد، ومنها ما اختص بعلم المتن، نجملها بما يأتي:
    أولاًَ: قواعد تختص بأسانيد الصحيحين:

    وقد قامت على أربعة قواعد أساسية؛ أولها: انعدام أي دليل نقلي خالص الصحة، وثانيها: التحريف في شروط الصحة عند البخاري ومسلم، والثالثة: مساواة درجة أحاديث الصحيحين بغيرها وعدم الالتفات إلى علو شروطهما، والرابعة: الطعن في طريقة تدوين أحاديث الصحيحين. وفيما يأتي تفصيل ذلك:
    القاعدة الأولى: انعدام الدليل النقلي الخالص:

    فلا يؤمن التيار الحداثي بوجود دليل نقلي مصدّق، وأنه -على حد تعبير حسن حنفي-: "لا يعتمد على صدق الخبر سنداً أو متناً، وكلاهما لا يثبتان إلاَّ بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر، فالخبر وحده ليس حجةً ولا يثبت شيئاً على عكس ما هو سائد في الحركة السلفية المعاصرة على اعتمادها المطلق على: "قال الله"، و"قال الرَّسُول" واستشهادها بالحجج النقلية وحدها دون إعمال الحس والعقل، وكأن الخبر حجة، وكأن النقل برهان، وأسقطت العقل والواقع من الحساب في حين أنَّ العقل أساس النقل"([30])، فأسقط حنفي بذلك –وبكل بساطة- علوم الإسناد والجرح والتعديل والعلل.
    ثم تقول خالدة سعيد: "...فالحقيقة عند رائد؛ كجبران أو طه حسين لا تلتمس بالنقل، بل تلتمس بالتأمل والاستبصار عند جبران، وبالبحث المنهجي العقلاني عند طه حسين، وكذلك تلتمس بوضوح لدى عدد كبير من كتاب تلك المرحلة، على اختلاف اختصاصاتهم واتجاهاتهم فهماً للإنسان بوصفه المخول بالتحكم في مصيره وفي صنع التاريخ"([31]).
    وقد توسع بهم الأمر إلى نقد علوم الحديث الكاشفة عن صحة الأحاديث وضعفها، واضعين أنفسهم أوصياء عليها، مشككين في قدرات تلك العلوم على العمل بمقتضاها، مقترحين إعادة النظر فيها والعمل على أساس تعديلها، هكذا دون أسس علمية محضة بل قياساً على ما يعايشه العالم الإسلامي من صراع الحضارات([32]).
    وهكذا أسقطوا أي دليل نقلي، وحمّلوا العقل والتجربة مهمة البحث عن الحقيقة، ونزعوا عن هذه الأمة أهم ما ميزها الله به عن الأمم؛ كعلم الإسناد، ومرجعية الأصول، ومنهج الاتباع، والذي يُعد –حتى حسب منطقهم- على درجة غير مسبوقة من العلم والبحث والتدقيق، وحقلاً زاخراً بالعلوم العقلية والمنطقية، وهذا وحده يُثبت أن العقل وحده لا يستطيع أن يحكم على الأشياء والأفكار؛ لأن المستندات العقلية التي يتبعها الحداثيون هي في الأصل منقولة لديهم، فهم في دوامة النقل شاؤوا أم أبوا.
    القاعدة الثانية: تحريف شروط الصحة في البخاري ومسلم:

    لقد أبعد كثير من الحداثيين النجعة في التعامل مع أحاديث الصحيحين، حتى بلغ فيهم الأمر إلى أن يساووا نصوصهما بأي خطاب بشري كما فعل علي حرب، وأركون، وحنفي، وشحرور، ومنهم من ذهب مذهباً منكراً في تأسيس مشروع للتوفيق بين التُّراث والحداثة، كما فعل الجابري؛ ففي معرض حديثه عن الحديث الصحيح ذكر أنَّ "كتب الحديث الصحيحة، كصحيحي البخاري ومسلم إنما هي صحيحة بالنسبة للشروط التي وضعها أصحابها لقبول الحديث، الحديث الصحيح ليس صحيحاً في نفسه بالضرورة... وإنما هو صحيح بمعنى أنه يستوفي الشروط التي اشترطها جامع الحديث كالبخاري ومسلم"([33]). ولا يُدرى أيُّ عاقل يُسلّم بذلك، إذ لم يعبأ الجابري بتلقي الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً للصحيحين بالقبول ما يغني عن بيان قيمة هذين الكتابين باعتبارهما أصح كتابين تضمنا سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    والأعجب من ذلك ما اعتبره محمَّد شحرور من أن هذه المقولة من أكبر المغالطات، حيث جاء في أصوله الجديدة: "يقولون: صحيح مسلم وصحيح البخاري!، ويقولون: إنهما أصح الكتب بعد كتاب الله!، ونقول نحن: هذه إحدى أكبر المغالطات التي ما زالت المؤسسات الدِّينيَّة تُكره الناس على التسليم بها تحت طائلة التكفير والنفي"([34])، وهذا أمر متوقع خروجه منه، فمن تحدّث بغير فنه أتى بالعجائب، فلو أن الجابري وشحرور وغيرهما، تكلموا في قواعد الجرح والتعديل، ومنطقية الحكم على الأحاديث بالصحة أو الضعف، لكان خطاباً علمياً خاضعاً للأخذ والرد، إلا أن مصادر تفكيرهم، ومنابع عقائدهم تناقض ذلك.
    ولا يناقض استنكارنا لهذا ما يقول به كثير من أهل العلم من الاستدراك على البخاري ومسلم، وما تم انتقاده وفق شروط علم الحديث والعلل المعروفة، إلا أن هناك فرقاً بين ما يكون استدراكاً، وما يُحمل على محمل التشكيك في منهج صاحبي الصحيح من التثبت في نقل الحديث.
    القاعدة الثالثة: مساواة درجة أحاديث الصحيحين مع غيرها:

    من أخطر ما وقع فيه الحداثيون إدراج أحاديث الصحيحين ضمن الحكم العام للسنة؛ إذ إنه من المتفق عليه بين المحدِّثين أنَّ السُّنَّة المنقولة إلينا ليست كلها صحيحة، وهو ما استدعى تأسيس جملة من العلوم الباحثة في الحديث سنداً ومتناً. إلاَّ أنَّ الحداثيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وسحبوا هذه القاعدة على أحاديث الصحيح، وتجريدها من أهم خاصية تحملها([35])، متجاهلين أو متناسين ما أسسه علماء الحديث من مختلف علوم الإسناد والمتن؛ كعلم مختلف الحديث، وعلم نقد الرجال، والجرح والتعديل، وتاريخ الرواة، وعلم تأويل مشكل الحديث، والناسخ والمنسوخ، ومعرفة غريب الحديث وعلله، ومعرفة الموضوعات، وكشف حال الوضاعين، وعلم أصول الرواية، وغيرها من الفنون التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه لم يلق خطاب أو نص تاريخي من الرعاية والتثبت مثل ما لقيت نصوص الصحيحين خصوصاً باعتراف الغرب أنفسهم([36]).
    وأن هذه الرعاية التي حظيت بها نصوص الدين الإسلامي لم يحظ بها أي نص آخر سواء في نصوصهم المقدسة أو الأدبية الثقافية، لكن بالرغم من هذه الرعاية الفائقة إلا أن هذه العلوم –في نظرهم- ما تجاوزت حدّاً أكثر من أن تكون "مماحكات جدالية تقليدية، ولا تشكل دراسة علمية حول الموضوع"، بل تحتاج إلى "إقامة مقارنة كلية بين إسنادات السنة والشيعة والخوارج" والنظر في صحتها "بوساطة الوسائل الحديثة للتفحص والبحث العلمي (الحاسوب)، ثم بواسطة النقد التاريخي"([37]).
    وقد حمّل الحداثيون الحس والعقل مسؤولية الحكم على قبول أحاديث الصحيحين وغيرهما بدلاً من تلك العلوم، واشترطوا تواترها، يقول حسن حنفي: "والحقيقة أنَّ الدليل النقلي الخالص لا يمكن تصوره لأنه لا يعتمد إلاَّ على صدق الخبر سنداً أو متناً، وكلاهما لا يثبتان إلاَّ بالحس والعقل طبقاً لشروط التواتر"([38]).
    ثم ما فتئ إلا أن تناقض فقال: "وبالتالي فإنَّ الحجج النقلية كلها ظنية حتى لو تضافرت واجمعت على شيء أنه حق لم يثبت أنه كذلك إلاَّ بالعقل"([39]).
    إذ إنه في هذه الفقرة يحدد المنهج الذي تثبت به حجية الدليل النقلي ألا وهو التواتر المبني على الاستقراء التام المفيد للقطع حسب ما اتفقت عليه كلمة المناطقة والفلاسفة قديماً وحديثاً، وبالتالي يصبح التضافر أو الاستقراء هو الدليل العقلي في حد ذاته فلا يحتاج إلى العقل مرة ثانية لإثبات معقوليته وإلاَّ لزم الدور.
    وراح حنفي يبشر ويحتفي بسلطة العقل على النقل دونما تأصيل عقلاني لمبررات هذه السُّلطة، وعليه فقد افترض سلفاً أنَّ قوة العقل تفوق قوة النَّصّ لأن النَّصّ في رأيه "لا يثبت شيئاً بل هو في حاجة إلى إثبات، في حين لا يقف شيء غامض أمام العقل، فالعقل قادر على إثبات كُلّ شيء أمامه أو نفيه". وبفضل هذا الاجتهاد الغريب " أصبح النَّصّ مجرد صورة عامَّة تحتاج إلى مضمون يملؤها"([40]).
    وتكمن خطورة هذا التحليل في ثلاثة قضايا: أولها: أن أحاديث الصحيحين كلها ظنية سنداً ومتناً. الثانية: العقل أساس فهم نصوص الصحيحين. الثالثة: جعْل الواقع أساس الجميع.
    وتخالف هذه القضايا الثَّلاثة ما اتفق عليه جمهور المسلمين قديماً وحديثاً؛ فقد اتفقوا على وجود قطعي الدلالة في الصحيحين؛ كالنُّصّوص التي تبيّن أعداد الركعات في الصلوات، وعدد الصلوات، ومقادير الزكاة وغيرها، واتفقوا على جعل النقل أساس العقل([41]). واتفقوا على أنَّ الواقع معتبر في الشَّريعة بشرط عدم معارضته للنقل، فضلاً عن أن العقل باتفاق العقلاء ليس كاشفاً مطلقاً عن الحقائق كما زعم حنفي، وإلا فكيف يُفسر الغيبيات، والمشكلات العقلية التي طالما بقيت دون تفسير على مدى الزمان؟، وكيف يعترف بالتطور الثقافي والفكري الإنساني؟، دون أن يسبق هذا التطور قصور وعجز فكري عند السابقين، وكيف سيفسر ما سيكتشفه العقل لاحقاً من الخطأ والزلل العقلي والمنطقي الذي هو واقع في عصرنا الحاضر؟!.
    وما يُستغرب حقاً أن حسن حنفي تجاهل التاريخ الإسلامي برمته وما أنجزه اتباع النص من الحضارة والتقدم، وجعل النص مصدر التخلف مطلقاً، وأساس الرجعية دائماً فادعى أن "أولوية النَّصّ على الواقع تعطي الأولوية للنص على التجديد، وللماضي على الحاضر، وللتاريخ على العصر...، يرجع التَّاريخ إلى الوراء لأنه ما زال يعتمد على سلطة الوحي، وأمر الكلمة، وما زال يتطلب الطاعة المطلقة لمجرد الأمر"([42])، وبناء عليه رتب مصادر الشريعة بطريقة منكوسة، فقال: "ترتيب الأدلة الأربعة: القياس، ثُمَّ الإجماع، ثُمَّ السُّنَّة، ثُمَّ الكتاب، فعلى الإنسان أن يجتهد رأيه فإن لم يجد ففي إجماع الأمة، حاضراً أو ماضياً، فإنْ لم يجد فعليه بالسُّنَّة ثُمَّ الكتاب". وفي رأيه "فالأدلة الأربعة كلها ترتكز على الدليل الرابع، دليل العقل، وبالتالي كانت الأولوية للدليل العقلي على دليل النقل". ولاحظ حنفي أنَّ "الترتيب التقليدي للأدلة ابتداء بالقرآن فالحديث فالإجماع فالقياس يجعل الهرم قائماً على قمته، والمخروط مرتكزاً على رأسه"([43]).
    القاعدة الرابعة: الطعن في طريقة تدوين الصحيحين:

    إن مقدمات ما قاله الحداثيون عن القرآن، دفعتهم -ومن باب أولى- أن يتجرأوا على الصحيحين، والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث جديدة تحاكي متغيراتها وتعالج أحكامها يقول محمد أركون: "إن السنة كُتبت متأخرة بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- بزمن طويل وهذا ولَّد خلافات لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم بين الطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة... وهكذا راح السنة يعترفون بمجموعتي البخاري ومسلم المدعوتين بالصحيحين"([44]).
    وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة كما يسميها([45])، ثم يقول: "وبالطبع فإن مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام - قد خلقت حالات وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة والقياس"([46]).
    وهكذا شككوا في تدوين السنة، إذ هي في الخطاب الحداثي، وقراءته التفكيكية لأصوله "مجموعات نصية مغلقة" ذات بنية "تيولوجية([47])- أسطورية" حسب تعبير أركون قد خضعت "لعملية الانتقاء والاختيار والحذف التعسفية التي فُرضت في ظل الأمويين، وأوائل العباسيين، أثناء تشكيل المجموعات النصية" كما أن هذه"المجموعات النصية" قد تعرضت لعملية النقل "الشفاهي" بكل مشاكلها، ولم تدون إلا متأخرًا، وهذا الوجه "الشفاهي" قام به جيل من الصحابة، لا يرتفعون عن مستوى الشبهات، بل تاريخهم تختلط فيه "الحكايات الصحيحة" بـ"الحكايات المزورة"([48]).
    والغريب في الأمر أن أسياد أركون من عقلاء الغرب لا يعترفون بهذا، بل أركون نفسه يناقض نفسه في موضع آخر فيذكر فيه أن السنة لقيت من الرعاية والتثبت ما لم يلقاه أي خطاب أو نص تاريخي وباعتراف الغرب أنفسهم([49])، وجهله بعلم الحديث –أو تجاهله- دفعه إلى الخلط بين وجود "الحكايات المزورة" في تراجم الصحابة، وبين وقوعهم في مستوى الشبهات؛ فالأول واقع: لا يَتَحَمَّلُه الصحابة، وقد كشفت عنه علوم الحديث، على عكس الثاني الذي يحمل في طياته طعناً في عدالة الصحابة، وهو أمر مستهجن.


    ثانياً: قواعد تختص بمتون الصحيحين:

    وتحوي ثلاث قواعد حداثية تعامل من خلالها الحداثيون مع متون الصحيحين؛ أولها: إسقاطهم لحجية أحاديثهما ونبذ قدسيتها، ونزع صفة الوحي عنها، والثانية: إخضاعها –كسائر النصوص التراثية- للنقد، وعزلها عن مرجعيتها وقائلها، والثالثة: جعل نصوصها تحوي معاني محجوبة، وأسرار باطنة لا يكشف عنها إلا قواعدهم الحداثية، وما كان مفهوماً منها لا يوافق ما وُضعت له.
    وتفصيل ذلك ما يلي:
    القاعدة الأولى: الأحاديث النبوية تراث لا وحي (إسقاط حجيتها ونبذ قدسيتها):

    يرى الحداثيُّون -بدرجات مختلفة- أنَّ أحاديث الصحيح تراث أكثر من أن تكون وحياً، وعند حديثنا عن رؤى الحداثيين في أحاديث الصحيحين فإنها لا تنفك عن منظومة الفكر العام، والرؤية الشاملة للحداثيين عن السنة، وإن كان الصحيحان هما المحط الأول والأولى لأنظارهم؛ كونهما مما تلقته الأمة بالقبول، وليس لطائفة أن تدعي تملصها من الاعتراف بأيّ من أحاديثهما، ورد دعاوى الحداثيين بتضعيف الحديث أو رده.
    وقد ذكر الفيلسوف -الجزائري الأصل- محمد أركون -مسؤول الدِّراسات الإسلامية في جامعة السوربون بفرنسا- في معرض ردّه على من يصفهم بالمتشددين أنهم "يعتقدون أنَّ التُّراث (السُّنَّة) ينبغي أن تتغلب على كُلّ بدعة". واعتبار السُّنَّة تراثاً يتطلب تجريدها من سماتها الخاصة التي جعلت منها مصدراً ثانياً للشريعة الإسلامية. ويستلزم من ذلك اعتبار السُّنَّة مجرد خطاب أو نص ظهر في التَّاريخ لمهمة خاصة ليس لها طابع الديمومة([50]).
    واعتبر أن تدوين السُّنَّة إرهاصاً من إرهاصات تشكل "أرثوذكسية" على حد تعبير أركون، حيث يقول: "ثُمَّ راحت الأرثوذكسيات الكبرى تتشكل تاريخياً عن طريق تأليف كتب الحديث أو الصحاح، أقصد الأرثوذكسية السنية والأرثوذكسية الشيعية والأرثوذكسية الخارجية"([51]).
    ومن الواضح تأثر أركون واستخدامه ألفاظاً خارجة عن قاموس العربية أو علوم الحديث، وإقحام مصطلح "الأرثوذكسية" بطريقة يمجها البحث العلمي، وسعيه إلى وضع السنة في موضع حجب الحقائق، وإقصائها عن مصدرية تبليغ أسس العقيدة الصافية، واتهامها بأنها: "خطاب أحادي قائم على الحصر والاستبعاد والإدانة والإقصاء..."([52]).
    ولذلك لم يتوان الحداثيون عن اعتبار مصدرية الحديث النبوي إحدى شطحات الشافعي الذي -حسب زعمهم- وضعها مصدراً ثانياً من مصادر التشريع الإسلامي، كما وصفه أركون بأنه ذو عقل "ينمو ويترعرع داخل إطار مجموعة نصية (Corpus) ناجزة ومغلقة على ذاتها، نقصد بذلك القرآن والحديث"([53]).
    لذلك فقد وُضع الصحيحان –كما القرآن والسنة- على محك النظر والنقد والتفكيك ليؤول هذا النَّصّ في النهاية إلى مجرد خطاب يمكن نقده ونقضه، "ففي نقد النَّصّ تستوي النُّصّوص على اختلافها...(و) هنا يمكن الجمع بين النَصّ الفلسفي والنَّصّ النبوي"([54])، وأن ما أقره النبي –صلى الله عليه وسلم- من العادات والتقاليد ليست وحياً؛ لأنها ليست تبليغاً من عند الله وإنما هي "مواضعات النظام الاجتماعي السائد" –على حد تعبير حرب- وبالتالي ينبغي أن يُترك ما أقره الرسول –صلى الله عليه وسلم- من هذا القبيل؛ ونترك نحن أنفسنا لمواضعات النظام السائد في هذا الزمان، حتى لو تعارضت مع ما كانت عليه في عصر النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه([55]).
    ويقول شحرور: "إنَّ المشكلة تأتي مرة أخرى من زعم الفقهاء أنَّ حلال محمَّد حلالٌ إلى يوم القيامة، وحرام محمَّد حرام إلى يوم القيامة، وتأتي من اعتبارهم أنَّ القرارات النَّبويَّة التنظيمية لها قوة التنزيل الحكيم الشامل المطلق الباقي، ناسين أنَّ التحليل والتحريم محصور بالله وحده، وأنَّ التقييد الأبدي للحلال المطلق يدخل حتماً في باب تحريم الحلال، وهذه صلاحية لم يمنحها تعالى لأحد بما فيهم الرُّسُل"([56]).
    وتقول خالدة سعيد: "عندما كان طه حسين وعلي عبد الرزاق يخوضان معركة زعزعة النموذج (الإسلام)، بإسقاط صفة الأصلية فيه، ورده إلى حدود الموروث التاريخي، فيؤكدان أن الإنسان يملك موروثه ولا يملكه الموروث، ويملك أن يحيله إلى موضوع البحث العلمي والنظر، كما يملك حق إعادة النظر في ما اكتسب صفة القداسة، وحق نزع الأسطورة عن المقدس، وحق طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة"([57])، ثم تقول: "يتضمن هذا كله إسقاط العصمة عن الماضي واشكاله أو نماذجه، واعتبار هذه الأشكال تاريخية قابلة للتغيير"([58])، ثم تضيف: "إذا كانت منجزات الإنسان أو إبداعاته امتداداً له،...والمعتقدات والطقوس امتداداً للهوية أو للوعي بالتميز...؛ فإن نقضها أو تجاوزها يغدو نقضاً أو تجاوزاً للذات في بعض أبعادها. هذا النقض يتطلب مواجهة الذات ونقدها، أي مواضعتها، أو تحويلها إلى موضوع للنقد والبحث"([59]).
    وتتطاول هذه الحداثية أكثر من ذلك فتزعم أن التعاليم الدينية ما كانت إلا صورة قديمة تعمل الحداثة على تكسيرها، وتفكيك الذاكرة وزعزعتها وإعادة تنظيم عناصرها من منظور الواقع، من خلال القطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية، وإسقاط النماذج، وعصمة المطلقات، واستبدال ذلك بالتجربة والكشف، ويكون ذلك بأنسنة الدور النبوي واضطلاع الإنسان بعبء مصيره؛ لذلك فإن الإنسان لم يعد متلقياً للأوامر والنواهي أو القوانين الخارجة عنه، بل قطباً آخر يقابل هذه القوى([60]).
    وهذا كله يفسر ما تواصى به القوم من إسقاط لحجية السنة، واستبعادها عن تنظيم حياة البشر، فضلاً عن اعتبارها مصدراً للأحكام والقوانين التي يؤمن بها المسلم.
    ثم يضعنا مصطلح "التُّراث" –كما يسمونه- في مغالطة وجودية وفكرية حينما يفترض أنَّ السُّنَّة مجرد نص يمكن إخضاعه للنقد وبالتالي يمكن قبوله أو رفضه، وهذا ما جعل محمَّد شحرور يؤكد بكل جرأة أنَّ "السُّنَّة النَّبويَّة، أي ما فعله وقاله وأقره النَّبيّ الكريم ليست وحيا"ً، وراح يستدل على ذلك بقضايا لغوية وعقلية أبعدته عن جادة الصواب. وإنَّ أخطر ما توصلت إليه دراسة شحرور حول السُّنَّة هي وصفها بالتاريخية، وأنها كلها اجتهاد من طرف النَّبيّ-صلى الله عليه وسلم-، وأنَّ عدالة الصحابة وإجماعهم أمر يخص الصحابة وحدهم، وأنَّ ما قيدته السُّنَّة يمكن إطلاقه مرة أخرى مع تغير الظروف الموضوعية، وأنها -أي السُّنَّة- اجتهاد في حقل الحلال يخضع للخطأ والصواب، وبالتالي فإنَّ ما تأتي به السُّنَّة ليس شرعاً وإنما هي قانون مدني يخضع للظروف الاجتماعية([61]).
    ويستغل شحرور المواضيع المثارة في الدِّراسات الإسلامية حول السُّنَّة والمتعلقة بقضايا شبيهة بما ذكره ولكنها ليست ضمن الإطار الذي يريد هذا الكاتب وضع السُّنَّة فيه؛ فقد فرقت الدِّراسات الإسلامية العلمية حول السُّنَّة بين السُّنَّة التشريعية وغير التشريعية، وبين تصرف النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كرسول وقاضٍ وإمام، ونبهت إلى بشريته -صلى الله عليه وسلم- التي لا يوافقها الوحي أحياناً حينما تجتهد تحت شعار "أنتم أعلم بأمور دنياكم"([62])، وأكدت أنَّ النسخ في السُّنَّة حاصل للتدرج في التشريع والتيسير على المكلفين([63]).
    إلا إن خطأ شحرور يكمن في منهجه التعميمي الذي جعل من القضايا السالفة الذكر السمة الغالبة للسُّنَّة النَّبويَّة، وهو بالتالي يستدل بالجزء على الكل، ويستنبط دون وجود أدلة كافية تشكل قاعدة للاستنباط، وغريب منهج الحداثيين أنهم يفرقون بين محمَّد -صلى الله عليه وسلم- كنبي ومحمَّد كرسول، إذ نقرأ هذا في نص جريء، يقول فيه شحرور: "ومن هنا فنحن لا نجد في التنزيل الحكيم أمراً بطاعة محمَّد البشر الإنسان، ولا أمراً بطاعة محمَّد النَّبيّ، بل نجد أكثر من أمر بطاعة محمَّد الرَّسُول، لماذا؟ لأن الطاعة لا تجب إلاَّ لمعصوم، ومحمَّد الإنسان ليس معصوماً، ومحمَّد النَّبيّ ليس معصوماً، ومحمَّد الرَّسُول هو المعصوم في حدود رسالته حصراً الموجودة في التنزيل". ويخلص إلى أنَّ "النبوة تحتمل التَّصديق والتكذيب"، ويحصر شحرور عصمة الرَّسُول في تبليغ الذكر الحكيم، وعدم الوقوع في الحرام وتجاوز حدود الله([64]).
    وبناء عليه فإن طرح شحرور هذا يقتضي أمرين أساسين: أولهما: قصر السُّنَّة على مجرد نقل الوحي إلى البشر دون تمتعها بصلاحية تبيينه وتفسيره. وثانيها: مساواة النبي محمَّد -صلى الله عليه وسلم- في اجتهاده بباقي البشر.
    أمَّا الأمر الأوَّل فهو انتقاص لدور الرَّسُول الذي يرى شحرور أنه يتمتع بالعصمة بوصفه رسولاً لا نبياً، فما قيمة رسول معصوم إذا كان يلعب دور آلة اتصالية مبرمجة سلفاً لنقل خطاب من المخاطِب إلى المخاطَب دون أن تُعطى لها صلاحية البيان؟!.
    وهنا يتصادم شحرور مع منطوق قول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}، ومفهومه على حد سواء، كما يخرج عن دلالات كثير من الآيات المماثلة، بل وما تواتر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- من ذلك كذلك، ولم يجد شحرور أو غيره ما يعاضد قولهم الشاذ هذا.
    والأمر الجدير بالذكر، أن النبوة بمفهومها اللغوي الصريح تدل على نقل الخبر الغيبي –من النبوأة- وهو ما ينطبق على صفات الرسول، وإن كانت تفارقها من جهة أخرى إلا أنهما تتفقان على تلقي الغيب والإخبار به([65])، لا على ما ادعاه شحرور وأمثاله من الاجتهاد، وإلا فأين الفرق بين النبي والمجتهد على ما وصفوا؟!.
    ثم إنَّ نظرية الاتصال المعاصرة تؤكد أنه إذا كانت وسيلة الاتصال شخصاً فلا بُدَّ أنَّ يتمتع هذا الشخص بقدر من الحرية الفكرية والاستقلالية الذاتية والمرونة الخطابية التي تقتضيها طبيعة صاحب الخطاب الأصلي والمخاطَب؛ ذلك لأنَّ الخطاب لفظ ومعنى، وتبليغه يقتضي أساليبه من تصريح وكناية وحقيقة ومجاز وإشارة وإيماء وغيرها من الأساليب التي لم يُلزم الوحيُ محمَّداً –صلى الله عليه وسلم- بأي واحدة منها لتبليغ الرسالة، بل أباح له استخدام جميعها، وهيأه للإفادة منها([66])؛ كما صحّ عنه –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بُعثت بجوامع الكلم"([67]).
    أمَّا الأمر الثَّاني، فإنَّ طرح شحرور يتجاهل جواز وقوع خطأ في اجتهاد النَّبيّ مع عدم إقرار الوحي له، فلقد ذكر الآمدي وابن الحاجب وابن الهمام والشاطبي وأهل الحديث وغيرهم من علماء الأصول أنَّ القائلين بجواز وقوع الخطأ في اجتهاد الرَّسُول –صلى الله عليه وسلم- متفقون على أنه لا يُقر على خطأ، بل لا بُدَّ من تنبيهه، فضلاً عمن نفوا وقوع الخطأ أصلاً في اجتهاده، وإنما اعتبروه من باب خلاف الأولى([68])، كما أن هذا محال عقلاً، ولا يجوز منطقاً على رسالة اتُصفت بالإلهية، كما قال الدكتور عبد الغني عبد الخالق: "إنه لا يُعقل أن يذهب ذاهب إلى جواز الخطأ مع التقرير عليه"([69]).
    وتتأكد مزاعم تراثية نصوص الصحيحين على لسان نصر حامد أبو زيد، الذي ربط بين دراسة النَّصّ القرآني وبين النَّصّ النبوي في بيان منزلة السُّنَّة، حيث ذكر أنَّ "النَّصّ منذ لحظة نزوله الأولى مع قراءة النَّبيّ له لحظة الوحي تحول من كونه نصاً إلهياً وصار فهماً إنسانياً، لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل... ولا التفات لمزاعم الخطاب الديني بمطابقة فهم الرَّسُول للدلالة الذاتية للنص". ولا يكترث نصر بالقول عندما يؤكد أنَّ مصطلح التأويل "بدأ يتراجع بالتدريج، ويفقد دلالته المحايدة، ويكتسب دلالة سلبية، وذلك في سياق عملية التطور والنمو الاجتماعيين..."([70]).
    وهذا التصريح يحتوي على مغالطة واضحة، وبدعة فاضحة، لم يكلف نصر نفسه عناء البرهنة عليها وهي أنَّ السُّنَّة تأويل للقرآن الكريم، سواء كان هذا التأويل تخصيصاً لعامه، أو تقييداً لمطلقه، أو تفصيلاً لمجمله، فكيف يتراجع ذلك التأويل تدريجياً عنده!، وكيف يستقيم في ذلك ما أضافته السنة من أحكام شرعية تبيّن ما لم يذكره القرآن من تشريعات أجمع علماء الأمة –فضلاً عن عوامها- أنها من الدين؟! ([71]).
    وقد يكون التأويل مدخلاً إلى النقد على حد ما مورس في تأويل الكتب الدِّينيَّة في اليهوديَّة والمسيحيَّة تحت اسم الهرمنيوطيقا([72]) (Hermeneutics) والذي انتهى المآل بالمؤولين إلى تأكيد تاريخية النَّصّ المُقدَّس([73])، وهو ما سنبحثه في النقطة التالية.
    القاعدة الثانية: الخطاب النبوي خطاب لغوي قابل للنقد (نظرية موت المؤلف):

    وهو ما يسمى بنظرية "موت المؤلف" أو "عزل النص" إذ يقتضي هذا المنهج إخضاع نصوص الصحيحين –وغيرها من النصوص الشرعية- لآليات التفكيك والنظريات الألسنية الحديثة. ولقد رأى بعض الحداثيين ضرورة ذلك، كما أكد محمَّد أركون أنه "من الملحّ والعاجل -من وجهة نظر التَّاريخ العام للفكر- أن نطبق على دراسة الإسلام المنهجيات والإشكاليات الجديدة، نقصد بذلك تطبيق المنهجيات والآفاق الواسعة للبحث من تاريخية([74]) وألسنية([75]) وسيميائية دلالية([76]) وأنثربولوجية([77]) وفلسفية"([78]).
    ويقول علي حرب: "وكينونة النص تقضي بالنظر إليه من دون إحالته لا إلى مؤلفه ولا إلى الوقع الخارجي"([79])، ولهذا أكّد الحداثيون على ما يُسمى بـ "تراثية" السُّنَّة النَّبويَّة -كما قدمنا-، وفرض التساوي بين أنواع الخطاب؛ فأصبح النَّصّ النبوي عرضة لمناهج الألسنيات الحديثة وتحليل الخطاب التاريخي ونقده، ففي منطق النقد "يستقل النَّصّ عن المؤلف"، وبالتالي تم تفكيك أهم علاقة تربط النَّصّ النبوي بالوحي لتُجرَّد السُّنَّة بعد ذلك من شرعيتها التي منحها إياها الوحي. ثُمَّ ينتقل هذا المنهج إلى تفكيك النَّصّ النبوي عن الحقيقة. فقد أصبحت هذه الأخيرة هي الأخرى محل نقد لارتباطها بالنَّصّ النبوي. يقول علي حرب: "فالنَّصّ النبوي، مثلاً، لا تكمن أهميته في كونه يروي الحقيقة أو يتطابق معها، بل تكمن بالدرجة الأولى في حقيقته هو..."([80]).
    وهكذا يصبح النَّصّ النبوي نفسه موضع المساءلة ما إذا كان حجة أم لا، فضلاً عن تضمنه رسالةً للبشرية، أو كونه هدى وبشرى للعالمين.
    إنَّ هذا المنهج يُذري بالقيم الحضارية والإنسانية التي تضمنتها رسالة خاتم النَّبيّين أدراج الرياح، ويجعل العقل النسبي حاكماً على العقل المطلق الذي باركه الوحي وخوّله مهمة هداية البشرية.
    والأخطر من ذلك، أنه يعتقد أن "النص يعكس واقعه المعاصر له فقط، وينتهي بانتهاء زمانه، وأن محاولة إحالته أو ربطه بواقع معين ليست سوى تفسير للنص بنص آخر، أي هي حجب للحجب"([81])، ومعنى ذلك أن محاولة إسقاط النص النبوي على أي حادثة واقعية وتطبيق حكمه عليها والعمل به في خارج نطاق عصره وزمانه إنما هو تعتيم مبطن، وظلام مضاعف لا يستقيم والمنطلقات المنطقية التي تقتضي حصر النص بما يخصه من الزمان دون غيره، وهو تشكيك صريح بالنصوص النبوية –بعامة- والصحيحين بشكل خاص.
    ومعلوم أن التشكيك بالصحيحين تشكيك بالسنة جمعاء، وهو تشكيك في القرآن أيضاً، كما أنه تشكيك في حقيقة الوجود الإنساني، ودعوة إلى العبثية بقوانين الفكر، وتماهٍ للعقلنة التي لا يضبطها ضابط شرعي أو عقلي أو منطقي، فضلاً عن الدخول في التأويلات اللامتناهية، وأشكالية العلاقة بين النص المعطى ولغته، فليس لـ"قصد" المؤلف، أو النص، مكان في "النظرية التأويلية" الجديدة، باعتبار أن النصوص لا تحمل أي معنى إلا ذلك الذي يصنعه القارئ ويشكله، مما يؤدي إلى "فوضى التفسير" و"لا نهائية المعنى" و"نسف محتوى النص" و"إبطال مقصوده"؛في ظل الغيبات الثلاثة التي تقوم عليها"التأويلية الحديثة"غيبة المؤلف، وغيبة المرجعية، وغيبة القصدية) وبذلك، وحده، يسأثر الحداثيون بتأويل النص الديني، قرآنًا وسنة، ويتلاعبون بفهمه وتفسيره ومدلوله، في "باطنية" مسرفة لا ترى في "ظواهر" النصوص أكثر من رموز ومؤشرات ومدلولات كوامن بواطن، هي مركز الثقل في النص، وبدل أن يكون الهوى تبعًا لمعطيات النص، يكون هو تبعًا لأهوائنا!([82]).
    ولا بد هنا من التساؤل ما إذا كانت آليات تفكيك الخطاب الديني والبشري تتصف بالعلمية، وهل هي مجمع عليها؟ وهل نجحت في نقد الخطاب الديني وقراءته قراءة إيجابية؟ وهل الخطاب الديني بالضرورة معادٍ للحداثة بحيث يحتاج إلى تفكيك وتركيب؟ وهل بالضرورة وضع التراث والحداثة في إطار عدائي لا يتصور الجمع بينهما؟ إن الذي يراجع تطور علم الألسنيات في الغرب ويتأمل في الهرمنيوطيقا التي استخدمت في نقد النصوص الدينية يخلص إلى القول إن النظريات "السيمانتية"([83]) و"البراغماتية"([84]) لم تصل بعد إلى مستوى تحليل أي خطاب ديني فضلاً عن نقده أو تفكيكه. فالبعد البراغماتي في اللغة يحرص على بيان علاقة اللفظ باستعماله في زمان ومكان محدد، أي سلطة الزمان والمكان على النص الديني([85]).
    بينما في المفهوم الإسلامي، الخطاب الديني المتمثل في القرآن والسنة غير خاضع لهذه السلطة إلا ما تقتضيه متطلبات تنزيل النص على الواقع. ذلك لأن الزمان والمكان مخلوقان بينما خطاب الوحي صفة من أوصاف المخاطِب وهو الله سبحانه وتعالى، وهو متعال عن سلطة الزمان والمكان.
    القاعدة الثالثة: الخطاب النبوي حجاب (بواطنه مباينة لمنطوقه):

    بما أنَّ النَّصّ النبوي "لا يقول الحقيقة بل يخلق حقيقته" في نظر الحداثيين، فإنه ينظر إليه من طرف هؤلاء على أنه حجاب، ولا ينبغي الوثوق به ثقة مفرطة؛ لأنه يحجب الحقائق المطلقة التي يجب أن نفكر فيها، وعليه فـ "استراتيجية النَّصّ تقوم على جملة من الألاعيب والإجراءات يمارس الخطاب من خلالها آلياته في الحجب والتبديل والنسخ. والنَّصّوص سواء في ذلك"، وعليه يقتضي المنهج التفكيكي أن يقوم "التعامل مع النَّصّ على كشف المحجوب"([86]). أي مساءلة حقيقة النَّصّ ومصدره حتى لا يحجب ما يجب أن يكون محل مساءلة ونقد، وهذا اتهام بأن الخطاب النبوي خطاب "ديماغوجي" أو "دوغمائي"([87]) يسعى لحجب الحقائق وصرف الناس عن قضايا تتعلق بحجية السُّنَّة.
    وهذه عبثية في التحليل ينزّه البشر أنفسهم عنها، فضلاً عن نتزيه الشريعة عنها؛ لأنها تناقض أهم أسباب ورودها، وهي الهداية والرشاد، وهذا عند العقلانيين والمناطقة أمر محال، فلا يجوز لأي خطاب ديني أو غيره أن يناقض وجوده ويهدم نفسه لا من بعيد أو قريب، فكيف تكون السنة خطاباً غير مفهوم، أو أن ظواهره مخالفة لبواطنه؟!، هذا منافٍ للعقل.
    ولو سلمنا بذلك لاعتبرنا –أيضاً- أن كلام الحداثيين أنفسهم هو كلام "دوغمائي"، ما المانع؟، وعند ذلك يكون بواطن نقدهم لأحاديث الصحيح تخالف ظواهره، وهو أمر يهدم ما يسعون إليه من غرائب نتاجات فكرهم.
    المبحث الرابع: أسباب تقصّد أحاديث الصحيحين أكثر من غيرهما:

    لم يكن موقف الحداثيين من الصحيحين في معزل عن النصوص الشرعية، والتراث اللغوي، وإنما كان ذلك ضمن منظومة واحدة تعاملت مع النصوص الموروثة على حد سواء، وكان ذلك نتيجة التطور الحضاري الهائل الذي حدث في الغرب، وكان من شبه الطبيعي أن يتوق أصحاب القرار إلى اللحاق بركب الغرب ومواكبة منجزاته، إلاَّ أن الذي لم يكن طبيعياً أن يحصل هذا التحديث على حساب المقومات الأساسية والعقائدية للأمة الإسلامية؛ فبدأت مشاريع التحديث على مستوى جميع الصُّعُد، وبات راسخاً في أذهان بعض المفكرين والمنظرين أنَّ نقطة البداية في مشروع الحداثة المنشود هو النظر من جديد في النُّصّوص المُقدَّسة التي تمارس سلطتها منذ العصر النبوي إلى الآن.
    إلا أن هنا ما يثير التساؤل: لماذا أحاديث الصحيحين دائماً؟!.
    بالرغم من أنالأحاديث التي يطنطنون بها لم ينفرد بها البخاري أو مسلم، وإنما هي موجودة في موطأ مالك ومسند أحمد قبلالبخاري، وهي في كتب التفسير والمعاجم والسنن التي ظهرت بعد البخاري كابن كثير وغيره.
    يقول الدكتور العجمي الدمنهوري -الرئيس السابق لقسم الحديثبكلية أصول الدين جامعة الأزهر وأستاذ فلسفة الحديث-: "إن هدم صحيح البخاري على اعتبار أنه أصح كتب السنة هوهدم للسنة المطهرة كلها، وهو ما يقصده تماماً من يدعون هذه الافتراءات"، موضحاً أن كلامالحداثيين عن عدم تدقيق الإمام البخاري يعد خيالاً في خيال، وذلك للوصول إلى انعدام وجود علوم تبحث في صحة الحديث آنذاك، أو عجزها عن تمييز الحديث الصحيحوالحديث الحسن والضعيف والموضوع -إن وجدت-([88])، وأن هذا العجز واقع به أصح كتب الحديث عند أهل السنة على الإطلاق –البخاري ومسلم- فإن كان هذان عاجزين، فمن باب أولى أن يكون غيرهما أعجز وأضعف.
    من جهة أخرى، فإن هذين الكتابين مجمع على صحتهما عند المعتبرين من أهل العلم، وليس لأحد منهم أو من غيرهم أن يعترض بعدم الصحة على أي حديث يُنتقد، فتجاوز الحداثيون بذلك عقبة إسقاط كلامهم بضعف الحديث عند بعض أهل العلم، كما قد يحدث لو انتقدوا حديثاً في السنن أو المسانيد؛ فإن بعض أحاديثها ضُعّف، ولجهلهم بعلوم الحديث والجرح والتعديل، فهم قاصرون عن فهم أسباب صحة الحديث أو ضعفه، وبسبب هذا العجز في الفهم فإنهم خرجوا من هذا المأزق بالوقوع في حياض الصحيحين اللذين –وإن كانوا لا يفهمون أسس التصحيح والتضعيف عندهما- إلا أنهم لن يُضطروا إلى الولوج في ذلك الباب أصلاً.
    المبحث الخامس: تطبيقات على رد الحداثيين لأحاديث الصحيح، وطرق تصنيفها عندهم:

    لا يمكن الادعاء أنَّ كُلّ الحداثيين اتفقوا على تصنيف واحد للحديث، بل فيهم الشاك في أصل السُّنَّة، وفيهم الذي يقبل المتواتر دون الآحاد، وفيهم من يقبل ما وافق العقل أو الواقع، وفيهم من أخذ المبادرة وفق هذا المبدأ أو ذاك في استحداث تصنيف جديد للسُّنَّة النَّبويَّة.
    إلا أن ألطف الحداثيين رداً –على سوئه- وأكثرهم تفصيلاً لأحاديث الصحيحين وطريقة قبولها أو ردها، وعرضها على العقل والواقع هو شحرور، وقد صنف الأحاديث على ما يلي:
    أ. أحاديث الشعائر والطاعة: واجبة متصلة للرسول حياً أو ميتاً، ثم يناقض نفسه –في موضع آخر- فيردّ الآحاد منها، وما يعارض العقل والواقع.
    ب. أحاديث الإخبار بالغيب: وهي مرفوضة كلها انطلاقاً من أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم -لا يعلم الغيب، -على حد قوله-([89])، وهذا يبرر قوله: "الأحاديث التي تتحدث عن الفتن، والمهدي والدجال، ثُمَّ الموت وعذاب القبر فالحشر والنشر والجنة والنار؛ تجاوزت المئات إلى الألوف، ونحن نطويها دون حساسية أو أسى"([90]).
    ج. أحاديث الأحكام: فهي تحمل الطابع التاريخي التنظيمي المرحلي، وهي للاستئناس فقط سواء أكانت متواترة أم غير ذلك، وبناء عليه فهو يؤكد أنَّ القياس فيها وعليها غير ملزم.
    د. الأحاديث القدسية: فهي عنده مرفوضة لعدم الحاجة إليها، إذ إنَّ التنزيل قادر على تفصيل الأحكام؛ ولعدم علم النبي –صلى الله عليه وسلم- بالغيب.
    هـ. أحاديث حياة النَّبيّ الخاصة ليست محل أسوة لأهل الأرض في كُلّ زمان ومكان([91]).
    وما يميّز شحرور هو جرأته على طي أحاديث الصحاح واتهام مدونيها بتحريف التنزيل الحكيم، فعند تطرقه لحديث أركان الإسلام، والذي أجمعت الأمة قاطبة على صحته إلاَّ شحرور وجماعته ذكر ما يلي: "كما نجد أنفسنا مع أركان الإسلام المزعومة التي تضم الشعائر فقط، أمام تحريف خطير لما ورد في التنزيل الحكيم"([92]).
    بل ذهب إلى أكثر من ذلك، وذلك عندما زعم أنَّ هذا الحديث من ابتداع كتب الأصول والأدبيات الإسلامية، حيث قال: "لقد أقامت كتب الأصول والأدبيات الإسلامية أركاناً للإسلام من عندها، حصرتها في خمس هي التَّوحيد والتَّصديق برسالة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- والشعائر، مستبعدة العمل الصالح والإحسان والأخلاق من هذه الأركان. فالتقت دون أن تقصد بالعلمانيين والماركسيين من أصحاب مشاريع الحداثة والتجديد، كما أسلفنا. ووقعت دون أن تقصد أيضاً فيما وقع فيه اليهود والنَّصارى"([93]).
    والأمثلة على أشباه ذلك كثيرة؛ فمنهم من يُسقط أحاديث الصحيحين لشيء ارتئاه، أو خجلاً من انتقادات الغرب، أو لتخصيصه عام القرآن فيظن أنه تناقضاً فيُسقطه، أو لحجة عقلية واهية تماهت له، أو قاعدة علمية شاذة تراءت له، والأسباب وراء ذلك كثيرة، ومردها –في الواقع- إلى ما وقع في قلوب هؤلاء من الهوى والضلال، والشعور بالنقص وانتفاء الثقة بالنفس أمام الحضارات الغربية المتقدمة، فيبحثون جاهدين عن أدنى شبهة أو سبب للتخلص من هذه الشوكة التي علقت في حلوقهم.
    ولذلك انتقد علي حرب([94]) حديث: "من باع عبداً وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع"([95]) زاعماً أن هذا الحديث يناقض آية الميراث {يوصيكم الله في أولادكم...}([96])، ووصف النص النبوي بأنه "نص ثانوي" ثم شكك في استقلالية تشريعه واعتماد المتقدمين عليه([97])، وادعاؤه أنه تم وضعها "تحت ضغط الحاجة إلى تغطية المسائل المستجدة واقعياً"، ووقوع "الصراع بين قوى التغيير والتقدم، وبين قوى التثبيت والهيمنة"([98]).
    وانتقد شحرور الإمام مسلم في نقله لحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء..." ([99]) الحديث. وردّه لسبب عجيب، بناء على حسابات رقمية جعل ظنها يقيناً يُدفع فيه الغيب الذي ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-([100])؛ فيقين شحرور مقدم على الظن الغيبي الذي يتحدث عنه النبي –صلى الله عليه وسلم-!.
    كما أسقط حديث "يا آدم أخرج بعث النار"([101]) بحجة أنه حديث قدسي، والأحاديث القدسية عنده مرفوضة لعدم الحاجة إليها، إذ إنَّ التنزيل قادر على تفصيل الأحكام دونها، كما أوردنا في النقطة (د) السابقة، كما أن آدم بشر وليس له أن يُخرج بعثاً للنار أو الجنة، وخلط شحرور بين طاعة آدم لله في إخراج من حُكم عليهم بالنار، وبين جعله حَكماً يفصل بين العباد يوم القيامة([102]).
    وضعّف حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- : "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار؛ يهودياً أو نصرانياً"([103])، بحجة أن أعداد اليهود والنصارى في زمانه أكثر من أعداد المسلمين، وهذا الحديث يقتضي أن تتساوى أعدادهم، فردّ الحديث لهذه الشبهة الدنيئة([104]).
    وعلى هذا فقِس، حتى صار القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأحاديث الصحيحين تبعاً لأهواء هؤلاء، وعلى ذلك فلماذا يُرجع إلى التشريع الإسلامي لتنظيم حياة البشر؟!، ولماذا لا يضع هؤلاء لنا الدين والشرائع لتحكم حياتنا بدلاً من ردّ هذا وقبول ذاك؟!، فالنتيجة عندهم واحدة، نسأل الله الثبات على توحيده، والعمل بكتابه، والإيمان بسنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، وتعظيم شرائعه إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.


    فهرس المصادر والمراجع:

    · أولاً: المصادر العربية:
    1. ابن الأمير الحاج، التقرير والتحبير في علم الأصول، دار الفكر، بيروت، 1996م.
    2. ابن النجار، محمد بن أحمد الفتوحي (ت972هـ)، الكوكب المنير شرح مختصر التحرير، مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية، 1997م، تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد.
    3. إحسان عباس، فن الشعر، الطبعة الثانية، دار الثقافة، القاهرة، 1959م.
    4. أدونيس، علي أحمد سعيد، الثابت والمتحول، دار العودة، بيروت، 1982م.
    5. البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (ت256هـ)، الجامع الصحيح المختصر، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1987م، تحقيق محمد البغا.
    6. حسن حنفي، التُّراث والتجديد من العقيدة إلى الثورة، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، ط1، 1988م.
    7. السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، الطبعة الأولى، عالم الكتب، بيروت، 1999م، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود.
    8. الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي (ت790هـ)، الموافقات، دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1997م، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
    9. الشافعي، محمد إدريس، الرسالة، شرح وتعليق عبد الفتاح بن ظافر عبادة، بيروت، دار النفائس، ط1، 1999م.
    10. عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1998م.
    11. ــــــ ، المرايا المقعرة نحو نظرية نقدية عربية، طبعة عالم المعرفة، الكويت، 2001م.
    12. عبد الغني عبد الخالق، حجية السُّنَّة، دار القرآن، بيروت، ط1، 1981م.
    13. عطيات أبو السعود، الحصار الفلسفي للقرن العشرين، منشأة المعارف، الإسكندرية، أغسطس سنة 2002م.
    14. علي حرب، نقد النَّصّ، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 1993م.
    15. الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار الفكر، بيروت، 1995م.
    16. مجموعة من الباحثين، قراءات في ما بعد الحداثة، ترجمة حارث محمد حسن ود. باسم علي خريسان.
    17. مجموعة من العلماء، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، دار الندوة العربية، الرياض، 1997م.
    18. محمد أركون، الإسلام أوروبا الغرب رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، ترجمة هاشم صالح، الطبعة الثانية، دار الساقي، بيروت، 2001م.
    19. ـــــ، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1987م.
    20. ـــــ، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ترجمة هاشم صالح، الطبعة الثانية، دار الساقي، بيروت، 1992م.
    21. ـــــ، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح، مركز الإنماء العربي، بيروت، ط2، 1996م.
    22. ـــــ، نافذة على الإسلام، دار عطية، بيروت، 1996م.
    23. محمد بن عبد العزيز العلي، الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية، رسالة ماجستير، غير منشورة.
    24. محمَّد شحرور، الإسلام والإيمان، دمشق، دار الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1996م.
    25. ـــــ، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، دمشق، الأهالي للطباعة والنشر، ط1، 2000م.
    26. مسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ)، الجامع الصحيح، دار المعرفة، بيروت، 1980م.
    27. نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية، دار سينا، القاهرة، 1992م.
    28. ـــــــ، الخطاب والتأويل، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000م.

    · ثانياً: المجلات والدوريات:
    29. خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، مجلة فصول، القاهرة، المجلد الرابع، العدد الثالث، 1984م.
    30. علي أحمد الغامدي، الشعر الحديث كمصطلح، مجلة اليمامة، السعودية، العدد 906، 1986م.
    31. محمد برادة، اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، مجلة فصول، القاهرة، المجلد الرابع، العدد الثالث، 1984م.
    32. محمَّد عابد الجابري، في قضايا الدِّين والفكر، مجلة فكر ونقد، المغرب، السنة الأولى، العدد 9، مايو 1998م.
    33. محمد عبد الفتاح الخطيب، القراءة الحداثية للسنة النبوية "عرض ونقد"، شبكة القلم الفكرية، www.dorar.net.
    34. محمد مصطفى هدارة، الحداثة في الأدب العربي المعاصر هل انفض سامرها، مجلة الحرس الوطني عدد ربيع الآخرة 1410هـ.
    35. وائل عبد الغني، سقطة الحداثة والخصوصية الغربية، مجلة البيان، جامعة آل البيت- الأردن، العدد 110، سنة 2003م.
    36. يونس صوالحي، محاولات تفكيك السنة النبوية، www.islamonline.net.

    · ثالثاً: المصادر الأجنبية:
    37. Asa Kosher, Pragmatics and Chomsky’s Research Program, Vol. 2 Philosophy, ed. Carlors P. Otoro ,London and New York, T. J. Press, 1994.

    · رابعاً: المصادر الإلكترونية:
    38. http://www.islamway.com
    39. www.wikibeadia.net.


    فهرس المحتويات

    الموضــــــــــــــــــوع رقم الصفحة
    مقدمة:1
    المبحث الأول: مفهوم الحداثة (Modernity) وما بعدها:3
    المبحث الثاني: نشأة الحداثة ومراحل تطورها:6
    أولاً: نشأة الحداثة عند الغرب:6
    ثانياً: نشأة الحداثة العربية ومدى تأثرها بالغرب:7
    المبحث الثالث: القواعد الحداثية في التعامل مع نصوص الصحيحين:8
    أولاًَ: قواعد تختص بأسانيد الصحيحين:9
    القاعدة الأولى: انعدام الدليل النقلي الخالص:9
    القاعدة الثانية: تحريف شروط الصحة في البخاري ومسلم:10
    القاعدة الثالثة: مساواة درجة أحاديث الصحيحين مع غيرها:11
    القاعدة الرابعة: الطعن في طريقة تدوين الصحيحين:13
    ثانياً: قواعد تختص بمتون الصحيحين:15
    القاعدة الأولى: الأحاديث النبوية تراث لا وحي (إسقاط حجيتها ونبذ قدسيتها):15
    القاعدة الثانية: الخطاب النبوي خطاب لغوي قابل للنقد (نظرية موت المؤلف):21
    القاعدة الثالثة: الخطاب النبوي حجاب (بواطنه مباينة لمنطوقه):23
    المبحث الرابع: أسباب تقصّد أحاديث الصحيحين أكثر من غيرهما: 24
    المبحث الخامس: تطبيقات على رد الحداثيين لأحاديث الصحيح، وطرق تصنيفها عندهم:25
    فهرس المصادر والمراجع:29
    فهرس المحتويات.. 32


    ([1]) البنيوية: منهج يستكشف العلاقات الداخلية المتبادلة للعناصر الأساسية في النص، بعيداً على المعاني المباشرة لها.
    ([2]) التفكيكية: مذهب أدبي يقول باستحالة الوصول إلى فهم متماسك أو متجانس للنص أياً كان.
    ([3]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها.
    ([4]) محمد عبد الفتاح الخطيب، القراءة الحداثية للسنة النبوية، بتصرف.
    ([5]) متفق عليه، صحيح البخاري حديث رقم (6557)، وصحيح مسلم حديث رقم (3434).
    ([6]) محمد أركون، الإسلام أوروبا الغرب، ص197.
    ([7]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة "حدث".
    ([8])وائل عبد الغني، سقطة الحداثة والخصوصية الغربية، ص47، بتصرف.
    ([9]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة نحو نظرية نقدية عربية، والنص عن بحث ألقاه إيهاب حسن بمؤتمر بجامعة عين شمس سنة 2000م، كما وصف الحداثة بأنها تتحدى التعريف، وكأنها الشبح.
    ([10]) www.wikibeadia.net.
    ([11]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، ص37.
    ([12]) المرجع السابق، ص 48.
    ([13]) عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص 35.
    ([14]) المرجع السابق، ص 64.
    ([15]) عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، ص 90-91.
    ([16]) عطيات أبو السعود، الحصار الفلسفي للقرن العشرين، ص50.
    ([17]) محمد مصطفى هدارة، الحداثة في الأدب العربي المعاصر.
    ([18]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص27.
    ([19]) المستقبلية: حركة توجه نحو المستقبل، وبدء ثقافة جديدة، والانفصال عن الماضي، ورفض أي اعتقاد سابق باعتباره فاشلاً ومزيفاً.
    ([20]) الوجودية: إبراز قيمة الوجود الإنساني، وتأكيد تفرده، وقدرته على حل مشاكله وقضاء حوائجه وتنظيم حياته بإرادته وحريته ودون أي موجه (كالتعاليم السماوية والشرع).
    ([21]) السريالية: حركة تجريدية تبحث في أعماق الذات للوصول إلى السر العميق، واللاشعور وما هو مدفون في النفس.
    ([22]) يُنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
    ([23]) مجموعة من الباحثين، قراءات في ما بعد الحداثة، ص61.
    ([24]) إحسان عباس، فن الشعر، ص72.
    ([25]) علي الغامدي، الشعر الحديث كمصطلح، ص62.
    ([26]) انظر أدونيس، علي أحمد سعيد، الثابت والمتحول، ص61.
    ([27]) محمد برادة، اعتبارات نظرية لتحديد مفهوم الحداثة، ص11.
    ([28]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
    ([29]) محمد بن عبد العزيز العلي، الحداثة في العالم العربي دراسة عقدية، 2/690.
    ([30]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد من العقيدة إلى الثورة، ص318.
    ([31]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص27.
    ([32]) انظر محمد أركون، نافذة على الإسلام ص75.
    ([33]) محمَّد عابد الجابري، في قضايا الدِّين والفكر، ص8.
    ([34]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص160.
    ([35]) يُنظر حسن حنفي، التُّراث والتجديد من العقيدة إلى الثورة، ص373.
    ([36]) انظر محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102.
    ([37]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
    ([38]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة، ص373.
    ([39]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص374.
    ([40]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص374، و376.
    ([41]) يونس صوالحي، محاولات تفكيك السنة، www.islamonline.net.
    ([42]) حسن حنفي، التُّراث والتجديد، من العقيدة إلى الثورة ،ص250.
    ([43]) حسن حنفي، المرجع السابق، ص و249، 376.
    ([44]) أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص101.
    ([45]) المرجع السابق، ص102.
    ([46]) المرجع السابق، ص104.
    ([47]) التيولوجية: علم الإلهيات، الذي يقوم على منطقية منهجية تقوم على الإيمان بالدين والروحانية والإله.
    ([48]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
    ([49]) انظر محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102.
    ([50]) الكلمة بين قوسين لمحمد أركون، انظر محمَّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص102.
    ([51]) المرجع السابق، ص 246.
    ([52]) علي حرب، نقد النَّصّ، ص 17.
    ([53]) محمَّد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص65 و69، و نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص41.
    ([54]) علي حرب، نقد النص، ص11.
    ([55]) المرجع السابق، ص38.
    ([56]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص153.
    ([57]) خالدة سعيد، الملامح الفكرية للحداثة، ص26.
    ([58]) المرجع السابق، ص27.
    ([59]) المرجع السابق، ص28.
    ([60]) المرجع السابق، ص29-31، بتصرف.
    ([61]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص62، و13-14.
    ([62]) صحيح، رواه مسلم برقم (4358).
    ([63]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص151.
    ([64]) المرجع السابق، ص59و154.
    ([65]) انظر الفيروز آبادي، القاموس المحيط، 1/ 67، مادة "نبأ"
    ([66]) عبد الغني عبد الخالق، حجية السنة، ص219.
    ([67]) متفق عليه، البخاري حديث رقم (6731)، مسلم حديث رقم (631).
    ([68]) يُنظر ابن الأمير الحاج، التقرير والتحبير، 4/ 205، والكوكب المنير شرح مختصر التحرير، 3/ 28، الشاطبي، الموافقات، 4/ 470، ورفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، 4/ 573.
    ([69]) عبد الغني عبد الخالق، حجية السُّنَّة، ص219.
    ([70]) نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، ص174.
    ([71]) انظر الشافعي، محمد إدريس، الرسالة، ص44، بتصرف.
    ([72]) الهرمنيوطيقيا: مجموعة من القواعد المتبعة لدراسة اللاهوت، وفهم النصوص الدينية، والعمل على تأويلها بطريقة خيالية ورمزية بعيدة عن المعنى الحرفي المباشر، وتحاول اكتشاف ما وراء النص باعتباره حجاباً يخفي من المعاني غير ما يُفهم من ظاهره.
    ([73]) يونس صوالحي، محاولات تفكيك السنة، www.islamonline.net.
    ([74]) التاريخية أو الأرخنة: نقد النصوص الموروثة وإسقاط قدسيتها واخضاعها للواقع دون النظر إلى الآخرة والإيمان.
    ([75]) الألسنية: علم تطور اللغات البشرية، وعمليات الاتصال، على خلاف ما كان معهوداً في السابق.
    ([76]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها.
    ([77]) انثروبولوجيا: علم يبحث في مراحل تطور الإنسان، وأصله الخلقي، كما يبحث في تطوره الاجتماعي والثقافي.
    ([78]) محمَّد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص61.
    ([79]) علي حرب، نقد النص، ص12.
    ([80]) المرجع السابق، ص14.
    ([81]) المرجع السابق، ص13.
    ([82]) محمد عبد الفتاح الخطيب، القراءة الحداثية للسنة النبوية، بتصرف.
    ([83]) السيميائية أوالسيمانتية: علم الدلالة، وهو علم حديث يبحث في الدلالات اللغوية، يدرس المعاني اللغوية على صعيد المفردات والتراكيب، وما يتبعه من تطور لهذه المفردات بعيداً عن الاشتقاقات التاريخية لها.
    ([84]) البراغماتية: هي التركيز على المنفعة المادية والعملية كمكون أساسي للحقيقة، وإهمال المبادئ والفكر الإنساني كدافع للبحث عن الحقيقة.
    ([85]) Asa Kosher, Pragmatics and Chomsky’s Research Program, p.678..
    ([86]) انظر علي حرب، نقد النَّصّ، ص11 و14 و18.
    ([87]) الدوغمائية أو الدوغماتية: هو التعصب لفكرة أو اعتقاد معين دون أي قبول لمناقشتها أو الشك فيها، وتُستخدم أحياناً للإشارة إلى الجمود الفكري، أو التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي.
    ([88]) انظرhttp://www.islamway.com
    ([89]) محمَّد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص 163-164.
    ([90]) المرجع السابق، ص 195.
    ([91]) المرجع السابق، ص 163-164.
    ([92]) محمَّد شحرور، الإسلام والإيمان، ص35.
    ([93]) المرجع السابق، ص33.
    ([94]) نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص41.
    ([95]) متفق عليه. البخاري حديث رقم (3279)، ومسلم حديث رقم (80).
    ([96]) النساء: 11.
    ([97]) نصر حامد أبو زيد، الإمام الشافعي، ص56.
    ([98]) المرجع السابق، ص57.
    ([99]) صحيح مسلم حديث رقم (3002 و4799 و4920 و5968 و6064).
    ([100]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص158.
    ([101]) متفق عليه. صحيح البخاري حديث رقم (3099 و6049)، وصحيح مسلم حديث رقم (327).
    ([102]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص157.
    ([103]) صحيح مسلم حديث رقم (4970).
    ([104]) محمد شحرور، نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص160.
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  2. افتراضي

    جزاكم الله الفردوس وجعلها في ميزانكم كالجبال واظلكم في ظله يوم لا ظل الا ظله وسقاكم من نهر الكوثر

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مثال لاستماتة الملحدين للطعن في جناب الدين
    بواسطة مسلم أسود في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 09-21-2015, 01:38 PM
  2. التوحيد والعقيدة
    بواسطة الباحثة عن الايمان في المنتدى المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-31-2013, 07:18 AM
  3. حيل وذرائع ( المفسدين ) .. للطعن في ثوابت ( الدين )
    بواسطة الراجى حسن الخاتمة في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-22-2011, 05:41 PM
  4. عـقـيدة بـني الـعـباس وحمايتهم للدين والعقيدة والسنة
    بواسطة العباسي السلفي في المنتدى قسم العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 04-24-2010, 10:10 AM
  5. إمّعه !!
    بواسطة أبو مريم في المنتدى قسم الحوار عن المذاهب الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-01-2005, 07:54 AM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء