بطاقة تعريف:
ولد محمد إقبال في مدينة (سيالكوت) الهندية عام 1873, وهو ينتمي إلى أسرة من سلالة وثنية, من البراهمة, ولقد اهتدى جده, الملقب بنديت إلى إلى الإسلام على يد أحد رجال الصوفية( 1) في كشمير.
درس إقبال المراحل الأولى في (سيالكوت) ثم في كلية الحكومة في لاهور, وقد برع إقبال, وظهرت عليه مظاهر النبوغ وفاق أقرانه, وتقدم عليهم, ونال الأوسمة و"الميداليات الذهبية" والدراسة بالمجان.
وعلى منصة جمعية "حماية الإسلام" أخذ يردد قصائده فجوّبت شهرته الآفاق, وسمع عنه القاصي والداني, وتبدأ قصة إقبال مع الفلسفة, وفي كلية لاهور حين التقى أستاذه الفيلسوف المستشرق "توماس أرنولد" وقد أشرف هذا المستشرق على تربيته على منهاج الفلسفة, وكان له خير مرشد ومعين, وسرعان ما توثقت بينهما أواصر الصداقة, واستحكمت روابط الألفة(2 ).
وقد تخرج إقبال من كلية لاهور ونال شهادة الفلسفة ثم عين أستاذاً للفلسفة واللغة الانكليزية فيها, ثم قصد "إنكلترا" والتحق بجامعة "كمبردج" ونال منها شهادة في الفلسفة والأخلاق, ثم قصد ألمانيا, ودرس في جامعة "ميونخ" ونال منها درجة الدكتوراه في الفلسفة.

أفكار إقبال
من المهم جداً – قبل البدء في نقد إقبال- فهم الدوافع التي دعتني إلى إدخال شخصيته في هذه الدراسة, وتسليط الضوء على أفكاره, بعد أن ضمه الثرى, ومضى عليه الزمن. وكانت رغبتي في أول الأمر أن تبقى تلك الصورة –لإقبال في قلوب المسلمين, ولقد هممت أن أتخلى عن وضعه في هذه الدراسة, لولا أن بعض المغرضين – من أصحاب الفكر المادي- أرادوا الاستفادة من شخصية إقبال –المقبولة في العالم الإسلامي- وقد حاولوا إظهار أفكاره, وبعثها من جديد, وإبرازها حتى عاد, وكأنه يعيش بيننا, بل كأن إنتاجه الفكري لم يصدر إلا اليوم.
ولقد تعرف العالم الإسلامي –في المنطقة العربية- على إقبال من خلال شعره قبل فكره, وكانت الصياغة المترجمة لأشعاره( 3) متأثرة بالأسلوب الأدبي, وتحمل من المشاعر الإسلامية الرائعة أكثر مما تهتم في تحديد الأفكار, وإبراز المبادئ.
ولقد تعرضت لأفكار إقبال –في هذه الدراسة- من خلال المقاطع التي استشهد بها (جودت سعيد ) ومن أجل توضيح الصورة كاملة, سأتعرض لمقاطع أخرى من كتبه أو من خلال الدراسات التي وضعت حول أفكاره.
ولابد من التنويه, أن هذه لا تشمل جميع كتب إقبال, ولا كل إنتاجه الفكري, وإنما كان التركيز على بيان مواضع الانحراف في منهج تفكيره, وهو الجانب الذي يمثل نزعته المادية, ذلك أن إقبالاً يؤمن بالمنهج الفلسفي, ويعتبره الحقل المناسب لتقديم الإسلام للناس, وقد تقلب إقبال, خلال مراحل حياته, بين مذاهب فلسفية شتى, فهو يعتمد منهج الفلسفة المادية, إلا أنه لا يتخلى عن منهج الفلسفة المثالية, فهو مضطرب بينهما, وهو بهذه المزية يشارك معظم الفلاسفة الأوربيين آراءهم, إلا أنه لم يخرج عن مذهب القدرية النفاة ومذهب الاختيار.
كان يعدّ شخصية جلال الدين الرومي مثله الأعلى, ورائده في الحياة, كما كان يوقر شخصية الحلاج وابن العربي وغيرهم من أصحاب مذهب الاتحاد والحلول, ويأخذ من أفكارهم.
مفهوم الذات.
تعرض إقبال لمفهوم الوجود من خلال المنهج المادي والمذهب القدري, وقد تجلى فكره حول الذات متأثراً بمبدأ الحلول والاتحاد, كما أن هذه الفكرة تنطلق من الفلسفة الأفلاطونية, وقد وصف الذات بأنها واحدة في الوجود, فقال:
"إن أصل العالم هو الذات, وإن تسلسل الحياة في الوجود إنما يقوم على استحكام الذات ودعمها وحسب, إن الذات واحدة, وإن ظهرت في الكون بمظاهر متعددة, ولكأن بعضها يصارع البعض الآخر, بل إن هذا الصراع في حقيقته ليس إلا مظهراً من مظاهر الكون, ولتحقيق أهداف العمل, تصبح الذات هي العامل والمعمول والأسباب والعلل, فتقوم وتثير, وتطير, وتشع وتنفر أو تحرق وتشعل وتقتل وتميت..."( 4).
وتقوم فلسفة الذات عند إقبال على نقطتين وهما:
"1- أن الشخصية هي الحقيقة المركزية للكون, وتتمثل في "الذات العليا" وأشار إليها العهد القديم, عندما وصف الحقيقة المطلقة بأنها "الأنا الكبرى" إلا أن القرآن الكريم يشير إليها بمزيد من التوقير حسب ما جاء في صفات الذات العليا ( لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.. ) {البقرة: 163}.
2- وأن الشخصية هي الحقيقة المركزية في تكوين الإنسان, وتتمثل في الذات الإنسانية وهي تتعلق "بالأنا" الصغرى أو المعتمدة على غيرها, وقد وصفت بأوصاف مختلفة منها أن الإنسان ضعيف قتور كفور, ومع ذلك وصفت بأنه في أحسن تقويم.
وهذه الأنا الضعيفة القابلة للفناء, يمكن أن يكتب لها الدوام كعنصر في تكوين الكون, إن هي تبنت لوناً معيناً من الحياة التي لها أن تختار طريقها فيها.
وهذه الذات قادرة على الانتشار بامتصاصها ليس فحسب عناصر الكون, بل بقدرتها على امتصاص الصفات الإلهية, والتخلق بأخلاق الله, ومن ثم تكتسب القدرة على خلافة الله في الأرض"(5 ) ونحتاج أن نشير إلى حقيقة أساسية, وهي أن الخلافة المذكورة هنا ليست خلافة عن الله, فالله لا يحتاج إلى خليفة, والآية واضحة, ولا تؤدي هذا المعنى, يقول تعالى: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) {البقرة: 30}
جاء تفسير هذه الآية في سورة أخرى خلال قوله تعالى: ( هو الذي جعلكم خلائف الأرض ) وغير ذلك من الآيات التي تشير إلى هذا الموضوع.
وأما رأي إقبال, فهو يقصد أن الخلافة هنا تمثل النيابة الإلهية, وهذه تتفق مع مفهومه عن الذات بأنها واحدة, ولها مظاهر شتى كما وصفها بالأنا الكبرى والأنا الصغرى, ولا يغيب عنا أن أصل هذه الفكرة قائمة عند اليهود والنصارى, قال تعالى: ( وقالت اليهودُ عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيحُ ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئِون قول الذين كفروا من قبل){التوبة: 30}.
وأصل هذه النظرية عند الفلاسفة أيضاً, أن الوجود واحد, ومنه كانت المخلوقات عن طريق الفيض(6 ).
ولقد انتقلت هذه الأفكار عن طريق الفلسفة إلى القدرية, وظهرت بأوضح صورة عند غلاة الصوفية من جماعة الاتحاد والحلول. مثل الحلاج والرومي وابن عربي.
ولقد أعطى إقبال الإنسان منزلة إلهية, كنائب للحق في الأرض باعتباره ينتمي مع الله إلى ذات واحدة.
وها هو يصف الإنسان: " بل إنه في الحقيقة سيد مصيره, وهو محور الحياة, وهدفها المطلق, ويمكنه أن يكيف حياته بحيث يرتفع إلى تلك الذرى التي يتساءل فيها الله –سبحانه وتعالى- عما يريده الإنسان قبل أن يتم التقدير" ( 7).
1-يلتقي إقبال في هذه الفكرة مع المعطلة من القدرية الذين يعتبرون الإنسان سيد مصيره ومالكاً لحريته المطلقة, بل يتجاوز إلى وحدة الوجود.
2-في تصوير إقبال لله تعالى, كأنه يجهل أهداف الإنسان, وفي هذا تشويه لمفهوم علم الله الشامل لما كان ولما سيكون.
3-وهو يلتقي بهذه الفكرة مع محمد شحرور الذي يعتقد أن علم الله على قسمين: أحدهما حقيقي والآخر احتمالي(8 ).
وقد تعرضت لهذه الموضوعات بإسهاب عند الحوار مع جودت سعيد ولا نحتاج لإعادتها ويعتبر إقبال الإنسان نائب الحق في الأرض, فيقول:"فإن نائب الحق مثله كمثل الروح للعالم, ووجود ظل للاسم الأعظم, فهو مطلع على رموز الجزء والكل وهو في الدنيا قائم بأمر الله"( 9).
ويبالغ إقبال في وضع مواصفات الإنسان الكامل على الطريقة القدرية الصوفية الحلولية:
"ويكون للنوع الإنساني بشيراً ونذيراً, فهو جندي وقائد وأمير, إنه مقصود علم الأسماء, وهو سر: سبحانه الذي أسرى... فمن عصا يده البيضاء هو ملم, والقدرة الكاملة توأم لعلمه, وعندما يمسك ذلك الفارس العنان باليد يزداد فرس الزمان بالإسراع, وتجعل هيبته النيل جفافاً, ويحمل إسرائيل من مصر, ومن "قوله" قم تنبعث الأجساد من القبور, وتصبح موات الدنيا مثل الصنوبر في الخميلة, وإن ذاته جبير لذات العالم, ويعطي لهذه الرؤيا تعبيراً جديداً "( 10).
وقد ظهر هذا الانحراف في تصوير الله بأنه يماثل الإنسان, في عقائد اليهود والنصارى, وانتشر بين الفلاسفة, وقد أخذ بهذا القول ابن عربي وأتباعه من الحيلولة, حيث يقول ابن عربي في فص (حكمة إلهية, في كلمة آدمية): "لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء, أن يرى أعيانها وإن شئت قلت: أن يرى عينه في كون جامع, يحصر الأمر كله, لكونه متصفاً بالوجود ,وسره إليه.
فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي إلا قبل رؤية نفسه من أمر آخر يكون له كالمرآة "( 11).
ثم قال: "فكان آدم عين جلاء تلك المرآة, وروح تلك الصورة, وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم, المعبر عنه, في اصطلاح القوم, بالإنسان الكبير"( 12).
ثم عبر ابن عربي عن صورة الإنسان كما فعل إقبال:
"فسمى هذا المذكور: إنساناً وخليفة, فأما إنسانيته, فلعموم نشأته, وحصره الحقائق كلها, وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين.. فهو الإنسان الحادث الأزلي, والنشء الدائم الأبدي"(13 ).
ثم قال: "فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل, فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى" (14 ).
ويقول ابن عربي في موضوع الصفات, ويستخدم أسلوب التورية:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً
وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً
وكنت إماماً في المعارف سيداً
فمن قال بالإشفاع( 15) كان مشركاً
ومن قال بالإفراد كان موحداً
فما أنت هو( ) بل أنت هو( 16) وتراه في
عين الأمور مسرحاً ومقيداً(17 )
ولا يختلف إقبال في إبراز هذه المعاني عن ابن عربي أو الحلاج أو جلال الدين الرومي.
ولقد اهتم إقبال بإبراز شخصيته, ونسب إليها مظاهر التقديس الإلهي, كما فعل أقطاب الصوفية المشهورين, حيث ادّعوا أعمالاً خارقة, وحالات غريبة, كالطيران في الهواء أو السير على سطح الماء, أو الاتصال بالملأ الأعلى, ولم يخرج إقبال عن هذه القاعدة !.
وقد وصف نفسه بهذا الشعر:
"إنني أحلّق عالياً, بحيث أنه على ذرى الفلك الأعلى, تحوم حومي مخلوقات الضياء آلاف المرات"(18 ).
وقد شرح المترجم هذه الأبيات:
"ذلك التحليق الرفيع بحيث وصل إلى ذروة مرتفعات الجوهر الروحي, فيما وراء السماوات, وكان على الملائكة أنفسهم, وهي مخلوقات الضياء, أن تطوف به الآف المرات لتتجسس عليه, وتتعرف على طريقته ومقصده.. وإن صعود الإنسان إلى مثل تلك المقامات, التي تخشى الملائكة ذاتها أن تطأها"(19).
إن هذا التصور عند إقبال مستمد, من خلال مبادئ تطور الإنسان وتفوقه, ومفهوم الإنسان الكامل, ومفهوم وحدة الذات, وفكرة العشق ومبادئ الحب, وتنتشر مثل هذه الشطحات عند غلاة الصوفية, حيث يقوم المريدون بتعظيم الأقطاب وتقديسهم.
ومن شطحات إقبال المشهورة, معراجه إلى السماء, حيث تمثل منظومة "جاويد نامة" الشعرية مبادئ إقبال, في التصوف والفلسفة والتاريخ, وقد ذكر فيها معراجه إلى السماوات, وكان دليله ومرشده في ذلك, الصوفي المشهور جلال الدين الرومي, صاحب مذهب وحدة الوجود, حيث يقوده في هذه المرحلة إلى "النهر الحي", ويعرج به في عدة سموات, ثم يشرف بالقرب الإلهي, ويصبح على صلة بالأنوار الإلهية, وقد أقام معراجه هذا على غرار معراج أبي يزيد البسطامي, ومعراج ابن عربي بالفتوحات المكية, بالإضافة إلى رسالة الغفران التي كتبها أبو العلاء المعري.
وتقوم فكرة المعراج إلى السماء عند الصوفية, على تصورات منحرفة, عن طبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق, أو عن خلل في فهم العقيدة الصحيحة, في التفريق بين الألوهية والعبودية, ومن خلال انحراف في الاعتقاد, حيث يتوهم هؤلاء, أن باستطاعة الإنسان, أن يتصل بالله عن طريق فكرة "العشق" القائمة عند الفلاسفة القدماء, حيث يجري اللقاء بين الإنسان "العاشق" والإله "المعشوق" في السماوات العلى!!
ولا تخلو مثل هذه الرحلات الوهمية إلى السماء العليا, من خرافات وترهات, وخروج عن المألوف, في الأدب مع الله تعالى شأنه, وقد سمعنا من حوار إقبال وأساتذته مع الله تعالى, مما يستحي الإنسان, أن يتوجه به لإنسان أعلى منه مرتبة !!
وقد تأثر إقبال بالمبادئ الصوفية, وعمل من خلال شطحاتهم, ومصدر إلهامهم. وكان يصرح دائماً, بل يقسم أنه مأمور بتبليغ الناس هذه الأفكار, وأن الأمر خارج عن إرادته !!
وقد ينفعل إقبال مع الموقف, خلال استعراض مؤهلات الإنسان الكامل نائب الله في الأرض, فيقول:
"من ترابك ابن آدمياً وعمر للآدمي عالماً, فمضمون الحياة مكنون في العمل, ولذة التخليق هي قانون الحياة. انهض وكن خلاّقاً لعالم جديد, واحمل الشعلة( 19م) في الصدر وأقدم كالخليل"( 20).
وتزداد حدة الانفعال عند إقبال, ليصل إلى مرحلة الصراع بين السماء والأرض, ويظهر تفوق الإنسان القادر على إعادة صياغة الحياة من جديد, فيقول:
"وإذا لم تسر الدنيا على مرامه, فليدخل في حرب مع السماء, ويهدم صرح الموجودات, ويمنح الذرات تركيباً جديداً "(21 ).
ويظهر إقبال إيماناً كبيراً بمفهوم التطور, وقد أخذ بنظرية الانتخاب الطبيعي أو الصفات المكتسبة حيث قال عن تطور مفهوم الوحي:
"الوحي صفة عامة من صفات الوجود, وإن كانت حقيقته وطبيعته تختلفان باختلاف مراحل التدرج والتطور, في الوجود, فالنبات الذي يزكو طليقاً في الفضاء, والحيوان, الذي ينشئ له تطوره عضواً جديداً, ليمكنه من التكيف مع بيئة جديدة "( 22).
ويصف لحظات التطور, من خلال الشوق, فيقول:
"في كل لحظة يكون طور جديد, ووميض التجلي جديد, فيا إلهي ليت مرحلة الشوق لا يكون لها نهاية قط"(23 ).
ويشارك إقبال الرومي أفكاره, وقد قال الرومي, يصف التطور:
"إن حياتي هي في ترق مستمر, بدأت من تراب متحلل, تمر بمراحل المعادن والنبات والحيوان, ثم وصلت إلى محطة الإنسان"(24).
وقد قال إقبال, فيما ينقله عن الرومي, في قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن العالم كله سوف يتوه فيه" فيتجاوز إقبال كلام الرومي هذا, ليقول عن رضاء الإنسان: "في رضائه تتوه مرضاة الحق, فكيف يتقبل الناس هذا القول؟!!"( 25).
صيغة التعجب من وضع إقبال, لأن إقبالاً يؤمن بأن الذات واحدة, ولا يتعجب من هذا القول, فالإنسان مشارك بصنع وتطوير هذا الكون, يقول حول ذلك:
"من ثم فليس الكون فصلاً مستكملاً, وإنما هو في سبيل تكوينه, ولا يمكن أن تكون ثمة حقيقة كاملة عن الكون, لأن الكون لما يصبح "كلاً متكاملاً" ومازالت عملية الخلق مستمرة, يسهم الإنسان بنصيبه فيها, بقدر ما يساعد في إيجاد التنظيم في قسم من هذا الهيولي"( 26) وقد تبنى جودت هذه الفكرة أيضاً.
ولقد استغرق إقبال في مفهوم العشق المشهور عند الصوفية الحلولية, وهو في معنى الفناء في الوجود, والاتصال والاتحاد, فيقول:
"من لحاظ العاشق ينشق الحجر, وآخر العشق الحق بلوغ الحق بتمامه"( 27).
ويمثل إقبال لهذه الحالة باستخدام تعابير ومصطلحات الصوفية, فيقول: "يصبح التراب بعشقه قرين الثريا"( 28).
ويقول عن وصول الذات:
"عندما تصير الذات محكمة بالمحبة, تصير قوتها حاكمة للعالم, وتصير قبضتها من قبضة الحق, وينشق القمر بإصبعها"( 29).
====================
مفهوم الرمزية عند إقبال
يقول عن قصة آدم:
"وهكذا نرى أن قصة هبوط آدم, كما جاءت في القرآن, لا صلة لها بظهور الإنسان الأول على هذا الكوكب, وإنما أريد بها بالأحرى بيان ارتقاء الإنسان في الشهوة الغريزية إلى الشعور بأن له نفساً حرة قادرة على الشك والعصيان"( 30).
كما ينطلق في موضوع تعريف الجنة والنار, من مفهوم رمزي, لوصف حالة أهل الشقاء وحالة أهل السعادة.
حيث يقول: "الجنة والنار حالتان, لا مكانان, وجاء وصفهما بالقرآن, تصوير حسي لأمر نفساني"(31 ).
أو رأيه في الموت فهو: "الموت عبارة عن عبور الأنا من حال, يرتبط بوجود جسد, إلى وعي جديد, ينتفي فيه عالم المحسوس والأبعاد والزمان والمكان".
وقد اهتم إقبال بموضوع الزمن, حيث وضع له فكرة فلسفية خاصة, فقال:
"إن الزمان الحقيقي هو الديمومة المحضة, أي التغيير من غير تعاقب, قام الفكر بتجزئتها.
إن الزمان هو مركب, ليس الماضي فيه متخلفاً, ولكنه متحرك مع الحاضر, ويؤثر فيه, والمستقبل يتصل بهذا الكل المركب, لا بوصفه موجوداً أمامه ليجتاز بعد, وإنما يتصل لهذا الشكل المركب, بمعنى أنه مائل في طبيعته, في صورة إمكان قابل للتحقيق.. هو ماهية الأشياء ذاتها, فهو القوة الكامنة التي تتحقق في الخارج"(32 ):
وعندما زار فرنسا, والتقى الفيلسوف برجسون(33 ), كان حديثه حول الفلسفة, وعندما ذكر إقبال الحديث النبوي الشريف "لا تسبوا الدهر, فإن الله هو الدهر"( 34) وثب برجسون عن كرسيه من شدة تعجبه من ذلك الحديث الذي يبني إقبال نظرته إلى الزمن من خلاله. ولقد وقع إقبال أسير منهجه المادي في تفسيره لهذا الحديث, حيث أوله هنا بمعنى الزمن المادي, ولا يخفى خطر التفسير المادي لمفهوم القدر عند أصحاب الفكر المادي.
وهذا التصور الذي أدهش برجسون, لا يستقيم مع الشرع, ولا مع اللغة, وظن بعض من ليس عنده علم, أن الدهر من أسماء الله.
جاء في مقاييس اللغة( 35) : "دهر. هو الغلبة والقهر, وسمى الدهر دهراً, لأنه يأتي على كل شيء, ويغلبه, وقال أبو عبيد في هذا الحديث: معناه أن العرب كانوا إذا أصابتهم المصائب قالوا: أبادنا الدهر, وأتى علينا الدهر.
وقال شاعرهم:
رمتني بناتُ الدهر من حيث لا أرى
فكيف بمن يرمي وليس برام
فلو أنني أرمى بنبلٍ تقيتها
ولكنني أرمى بغيــر سهام
فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلمأن الذي يفعل ذلك بهم هو الله جل ثناؤه, وأن الدهر الذي هو الزمان, لا فعل له, بل هو مخلوق من خلق الله تعالى, ومن سبَّ فاعل النوازل والمصائب فكأنه سبَّ ربه, تبارك وتعالى".
ويعَدُّ إقبال "مركز الحياة في الإنسان هو الذات أو الشخص, والشخصية حال من التوتر, يمكن أن تستمر فحسب, إذا استمر التوتر, بل ينبغي ألا يعمد الإنسان إلى الإخلاد والاسترخاء, وأن يبقى على حال التوتر, التي هي أهم إنجاز للإنسان, والتي تؤدي بنا إلى الخلود"(36 ).
وتقوم فلسفة إقبال حول الذات بأنها تستمر, بعد الموت, بالنشاط والسعي الدائم.
وقد تعرض محمد إقبال لنقد شديد, لتمسكه بالأفكار الخاصة بالإنسان الكامل, والتي تلتقي مع أفكار نيتشه ودارون وماركس وغيرهم من الفلاسفة ولم ينكر أنه يلتقي بالأفكار, وإنما أنكر أن يكون قد أخذ ذلك عنهم فيقول:
"لقد كتبت عن المبدأ الصوفي, للإنسان الكامل, قبل أن أقرأ أو أسمع شيئاً عن نيتشه"(37 ).
ونحن لا نهتم بمصدر أفكار إقبال, ولا نبحث من أين استلهمها, ولكن المهم هو مدى ارتباط هذه الأفكار بالإسلام, أو انحرافها عنه.
ونحن نتعامل مع إقبال باعتباره فيلسوفاً, وقد اعتمد على المنهج الفلسفي في تحديد أفكاره, وهو يعلن ذلك بل يؤكد سيطرة الفلسفة على الدين, حيث يقول:"ومما لا شك فيه أن للفلسفة الحق بالحكم على الدين"( 38).
كما أننا نتعامل مع إقبال باعتباره صوفياً, وقد جعل مشرده ورائده في ذلك جلال الدين الرومي المتصوف, وهو من أتباع القدرية الذين يؤمنون بوحدة الوجود.
وقد تعرض إقبال لنقد شديد من قبل العلماء المسلمين, وسأذكر هنا فصلاً موجهاً لإقبال خاصة, وللمدرسة الفلسفية عامة.
يقول سيد قطب:
"ثم إننا لا نحاول استعارة "القالب الفلسفي" في عرض "حقائق التصور الإسلامي" اقتناعاً منّا بأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين طبيعة الموضوع, وطبيعة القالب, وأن الموضوع يتأثر بالقالب, وقد تتغير طبيعته, ويلحقها التشويه إذا عرض في قالب في طبيعته عداء وجفوة عن طبيعته.
نحن نخالف "إقبال" في محاولته صياغة التصور الإسلامي في قالب فلسفي مستعار من القوالب المعروفة عند هيجل من "العقليين المثاليين" وعند أوجست كونت من "الوضعيين الحسيين".
لابد أن تعرض العقيدة بأسلوب العقيدة, إذ أن محاولة عرضها بأسلوب الفلسفة, يقتلها ويطفئ إشعاعها وإيحاءها.. ولسنا حريصين على أن تكون هناك "فلسفة إسلامية" ولا أن يوجد هذا القالب, فهذا لا ينقص الإسلام شيئاً, بل يدل دلالة قوية على أصالته ونقائه وتميزه..
وإننا لا نستحضر أمامنا انحرافاً معيناً من انحرافات الفكر الإسلامي, أو الواقع الإسلامي, ثم ندعه يستغرق اهتمامنا كله, بحيث يصبح الرد عليه وتصحيحه هو المحرك الكلي لنا.
أما البحوث التي كتبت للرد على انحراف معين, فأنشأت هي بدورها انحرافاً آخر, فأقرب ما نتمثل به في هذا الخصوص, توجيهات الأستاذ الإمام محمد عبده, ومحاضرات إقبال في تجديد الفكر الديني في الإسلام"( 39).
وقد تحدث سيد عن محاولات المدرسة العقلية الفلسفية تعظيم دور العقل في مقابل الوحي, ونقل عن محمد عبده قوله:
"فالوحي بالرسالة الإلهية أثر من آثار الله, والعقل الإنساني أثر أيضاً من آثار الله. وآثار الله يجب أن ينسجم بعضها مع بعض, ولا يعارض بعضها بعضاً"( 40).
ثم استدرك سيد على محمد عبده ومدرسته, لتأثرهم بوجوب تأويل النص, ليوافق مفهوم العقل(41 ).
وسأقتصر هنا على نقد سيد لمحاولات إقبال الذي ينتمي إلى المنهج المادي الحسي.
يقول سيد: "لقد واجه "إقبال" في العالم الشرقي بيئة "تائهة" في غيبوبة "إشراقات" التصوف "العجمي" كما يسميه!.. فراعه هذا "الفناء" الذي لا وجود فيه للذات الإنسانية. كما راعته "السلبية" التي لا عمل معها للإنسان ولا أثر في هذه الأرض –وليس هذا هو الإسلام بطبيعة الحال- كما واجه من ناحية أخرى التفكير الحسي في المذهب الوضعي, ومذهب التجريبيين في العالم الغربي. كذلك واجه ما أعلنه نيتشه في "هكذا قال زرادشت" عن مولد الإنسان الأعلى (السوبرمان) وموت الإله! وذلك في تخبطات الصرع التي كتبها نيتشه وسماها بعضهم "فلسفة" !.
وأراد أن ينفض عن "الفكر الإسلامي" وعن "الحياة الإسلامية" ذلك الضياع والفناء والسلبية. كما أراد أن يثبت للفكر الإسلامي واقعية "التجربة" التي يعتمد عليها المذهب التجريبي ثم المذهب الوضعي!
ولكن النتيجة كانت جموحاً في إبراز الذاتية الإنسانية, اضطر معه إلى تأويل بعض النصوص القرآنية تأويلاً تأباه طبيعتها, كما تأباه طبيعة التصور الإسلامي. لإثبات أن الموت ليس نهاية للتجربة. ولا حتى القيامة. فالتجربة والنمو في الذات الإنسانية مستمران أيضاً –عند إقبال- بعد الجنة والنار. مع أن التصور الإسلامي حاسم في أن الدنيا دار ابتلاء وعمل, وأن الآخرة دار حساب وجزاء. وليست هناك فرصة للنفس البشرية للعمل إلا في هذه الدار. كما أنه لا مجال لعمل جديد في الدار الآخرة بعد الحساب والجزاء.. ولكن هذا الغلو إنما جاء من الرغبة الجارفة في إثبات "وجود" الذاتية, واستمرارها, أو الـ"أنا" كما استعار إقبال من اصطلاحات هيجل الفلسفية.
ومن ناحية أخرى اضطر إلى إعطاء اصطلاح "التجربة" مدلولاً أوسع مما هو في "الفكر الغربي" وفي تاريخ هذا الفكر. لكي يمد مجاله إلى "التجربة الروحية" التي يزاولها المسلم ويتذوق بها الحقيقة الكبرى. "فالتجربة" بمعناها الاصطلاحي الفلسفي الغربي, لا يمكن أن تشمل الجانب الروحي أصلاً, لأنها نشأت ابتداء لنبذ كل وسائل المعرفة التي لا تعتمد على التجربة الحسية.
ومحاولة استعارة الاصطلاح الغربي, هي التي قادت إلى هذه المحاولة. التي يتضح فيها الشد والجذب والجفاف أيضاً. حتى مع شاعرية إقبال الحية المتحركة الرفافة !
ولست أبتغي أن أنقص من قدر تلك الجهود العظيمة المثمرة في إحياء الفكر الإسلامي وإنهاضه التي بذلها الأستاذ الإمام وتلاميذه, والتي بذلها الشاعر إقبال.. رحمهم الله رحمة واسعة.. إنما أريد فقط التنبيه إلى أن دفعة الحماسة لمقاومة انحراف معين, قد تنشئ هي انحرافاً آخر. وأن الأولى في منهج البحث الإسلامي, هو عرض حقائق التصور الإسلامي في تكاملها الشامل, وفي تناسقها الهادئ. ووفق طبيعتها الخاصة وأسلوبها الخاص.."(42 ).
ونحن –وإن كنا نشارك سيداً في نقده لأفكار إقبال ومحمد عبده وفلسفتهما, إلا أننا لسنا معه في نظرته إلى جهودهم, فإننا اليوم نعاني من آثار جهودهم هذه, وإن ما يبذل لتصحيح الانحراف الذي أحدثته أفكارهم في العالم الإسلامي, ليس بالأمر القليل, ونحن نستطيع أن نجعل هذا الانحراف الذي وصل إليه إقبال ومحمد عبده انحراف بسيط, وننظر إليه كما نظر إليه سيد بأنه يمثل محاولة لتصحيح انحراف معين, والله أعلم أن الأمر أكبر من ذلك وأبعد مدى, ذلك أننا نرى ثمرة تلك الجهود التي تبذل من قبل دوائر الاستشراق وأتباعهم, والمحاولات المستمرة لإقرار هذه الأفكار في العالم الإسلامي.
وقد قام فريق من العلماء بتقديم أفكار إقبال إلى العالم الإسلامي وتصدير أفكاره خارج القارة الهندية.
ومن هؤلاء من فعل ذلك بحسن نية, ومنهم من ساهم في تقرير هذه الأفكار باعتبارهم تدعم جهود "المدرسة العقلية" التي قادها, الأفغاني ومحمد عبده.
وقد أثنى أبو الأعلى المودودي على إقبال وجهوده, باعتقاده أن إقبالاً "أعلن حرباً لا هوادة فيها ضد الغرب وحضارته المادية" وأن إقبالاً كان "الرجل الوحيد في عصره الذي لا يداينه أحد في تعمقه في فلسفة الغرب, ومعرفته بحضارته وحياته, فلما نهض يفند فلسفته وأفكاره المادية بدأ يذوب سحر الحضارة الغربية"(43 ).
كما أن تقريظ أبي الحسن الندوي لشخصية إقبال وأفكاره وتأليف الكتب حول آثاره وروائعه, ساهم في غض الطرف عن انحرافات إقبال وتجاهلها, كما قامت جهود كبيرة في عرض فكر إقبال والثناء عليه, وترجمة إنتاجه الفكري والتركيز عليه كما فعل العقاد وعبد الوهاب عزام وهذه شهادات لها قيمتها بين شباب( 44) الأمة الإسلامية. وبهذه الطريقة كان دخول إقبال إلى قلب العالم الإسلامي, رغم الانحراف الظاهر في فكره, وربما يطلع المودودي على أفكاره إقبال كاملة, وربما اغتر هؤلاء بما حصل له من مديح وثناء واهتمام, فغطت تلك السحابة من الدعاية على حقيقة أفكاره, أو نظر هؤلاء إلى الجهود التي قام بها إقبال في مجال العمل السياسي, في حلبة الصراع بين المسلمين والهندوس, حيث برز إقبال كمدافع عن حقوق المسلمين.
كما أن هناك شخصيات إسلامية لم تنخدع بهذه الدعاية الإعلامية المفتعلة, ولم يتأثروا بثناء المودودي أو مديح الندوي, وقد ظهر ذلك من خلال النقد الشديد الموجه من قبل سيد قطب, إلى فكر إقبال ومدرسته الفلسفية المتعلقة بأفكار هيجل من "المثاليين العقليين" وبأفكار أوجست كونت من "الوضعين الحسيين", فإذا كانت هذه أفكار إقبال, فكيف يغتر به أهل العلم من المسلمين؟!(45 )
ومما لاشك فيه كان لاهتمام الإعلام الغربي دور فعال في إبراز شخصية إقبال, وتسليط الضوء على أفكاره, فتناقلت أفكاره المراكز الثقافية الإعلامية الغربية –الخبيرة في صنع الإبطال- فتهيأت له الزيارات للمراكز العلمية, واستقبل فيها بوصفه فيلسوفاً عظيماً, فالتقى مع كبار الشخصيات الأوربية, سواء على المستوى الثقافي أو في مجال السياسية والإعلام, وقد اجتمع مع بعض رؤوساء الدول وقام بمدح بعضهم, مثل موسوليني.
ويثير إقبال سؤالاً ملحاً مثل غيره من دعاة تطوير الشريعة الإسلامية "هل شريعة الإسلام قابلة للتطور؟".
لذلك دعا إقبال إلى التجديد, من خلال مفهوم التغيير, فالتجديد عنده تغيير بالأصول, لا كما يفهمه المسلمون بأنه إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة.
وقد برزت دعوته هذه من خلال كتابه: "تجديد الفكر الديني في الإسلام".
وتقوم فلسفة إقبال في التجديد, من خلال النموذج التركي الذي نبذ الأصول القديمة, وتبني المناهج المعاصرة.
يقول حول ذلك:
"إن نهضة الإسلام لابد أن تحذوا حذو المثال التركي, وأن تفعل ما فعله الترك, فتعيد النظر في تراث الإسلام"(46 ).
ويسخر إقبال من الأمم الإسلامية التي تدعو إلى التمسك بمذهب السلف فيقول:
"بعض الأمم الإسلامية اليوم يكررون القول بالقيم التي قال بها السلف, بطريقة آلية"( 47).
ويصف الانطلاقة التركية كأساس للتغيير, فيقول عنها:
"استيقظت من الرقاد الفكري, وهي وحدها التي نادت بحقها في الحرية العقلية" كما يقول: "لابد أن تستحدث تركيا مواقف توحي بآراء جديدة, وتقتضي تأويلات مستحدثة للأصول والمبادئ"( 48).
لقد كان يدعو صراحة إلى تبني أفكار الاشتراكية, ففي رسائله إلى جناه يقول:
" إلا أنه من الواضح لذهني أنه ما إذا تقبلت الهندوسية فكرة الديمقراطية الاشتراكية, فلابد لها أن تتوقف عن أن تكون هندوسية, أما بالنسبة للإسلام, فإن تقبل الاشتراكية الديمقراطية بشكل مناسب, يتفق مع أسس الشريعة الإسلامية, لا يعد ثورة, وإنما عودة إلى صفاء الإسلام الأصيل"(49 ).
وبعد أن يستنكر الاشتراكية الإلحادية يقول:
"وفيما يتعلق بالاشتراكية, فإن الإسلام ذاته شكل من الاشتراكية"( 50).
وإن ما يقرأ حواراته مع تولستوي وكارل ماركس وهيجل ومزدك, وحديثه عن واينشتاين ونيتشه والرومي, سيجد أنه يعتبر الفلاسفة هم حكماء العالم, فيجري حواراً بين الحكيم الفرنسي كونت ورجل أجير, وبين القيصر ولينين, ويظهر فيها أفكاره الفلسفية.
وقد وجه إقبال نقداً للاشتراكية, بسبب فقدانها الجانب الروحي, واستنكافها عن الإيمان بالله تعالى.
ولا يعنينا أن يوجه إقبال نقداً للاشتراكية الماركسية, وإنما الذي يهمنا هو تبنيه لأسسها ومبادئها. وقد كان معجباً بمؤسس الاشتراكية كارل ماركس حيث يمدحه, ويعتبره نبياً رغم ضلالته.
"إن مؤلف رأس المال أتي من نسل إبراهيم
أعنى النبي الذي لم يعرف جبريل
لأنه يحمل في طياته الحقيقة من خلال ضلالته
قلبه مؤمن رغم أن عقله مرتاب
ديانة ذلك النبي الذي لم يعرف الحق
مؤسسة على المساواة بين البشر"( 51).
وقد خاطب في أحد كتبه ماركس, وتوسل إلى روحه, بأن تعلن استنكارها للاستغلال الذي ساد أوربا الغربية.
كما ينال لينين جانباً من تفكير إقبال, ويذكره في قصيدة له, فيتصوره في السماء, يلقي الخطب التي يدين بها الرأسمالية, ويطلب من الرب تدمير بيوت الأغنياء وحقولهم, وإصلاح حال العبيد في كافة أنحاء العالم.
====================
الهوامش :
(1)ظلت النزعة الصوفية متغلبة على أفراد الأسرة حتى تأثر بها محمد إقبال فيما بعد.
(2)كل من كتب عن حياة إقبال, يذكر بافتخار علاقة إقبال, مع كبار المستشرقين, والفلاسفة الغربيين, واهتمام الإعلام الغربي به!!
(3)ديوان إقبال ترجمة عبد الوهاب عزام.
( 4 ) أسرار خودي محمد إقبال ص 13 نقلت هذه العبارات من كتاب العلامة محمد إقبال حياته وآثاره د. أحمد معوض ص342.
(5)إملاء محمد إقبال على نذير نيازي راجع بتوسع كتاب د. أحمد معوض العلامة إقبال ص 334.
(6) يُعَدُّ أفلوطين ومدرسته من القائلين بنظرية الإفاضة.
(7)هذا ما أملاه إقبال على السيد نذير نيازي صيف عام 1937 راجع بتوسع إقبال حياته وآثاره د. أحمد معوض ص337
(8)انظر فصل العلم عند محمد شحرور, من هذه الدراسة ص 323.
(9)أسرار خودي ص 44 المصدر السابق.
(10) أسرار خودي 44-45 المصدر السابق.
(11)الفصوص لابن عربي ص 48.
(12)الفصوص لابن عربي ص49 انظر بتوسع "مصرع التصوف" برهان الدين البقاعي المتوفي عام 885هجري.
(13)المصدر السابق.
(14)الفصوص ص 55.
(15)أي من آمن بوجود الحق وبوجود الخلق على أنهما وجودان متغايران, ومعنى الإفراد هنا التوحيد, بأن يؤمن بأن الحق عين الخلق وجوداً وماهية.
(16)باعتبار الإطلاق.
(17)العلامة إقبال د. أحمد معوض ص88. وزبور عجم ص 127.
(18)باعتبار اليقين.
(19)مصرع التصوف ص44.
(20)يفخر إقبال بأنه من سلالة برهمية, فقد اعتنق أحد أجداده الإسلام, وهو يذكر هذا الأصل في شعره: "انظر إلى, فلن ترى في الهند آخر, برهمي الأصل, عارفاً برموز الروم وتبريز" زبور عجم ص13 وكليات إقبال ص405 ويشير بالروم إلى جلال الدين الرومي, وإلى تبريز إشارة إلى شمس الدين التبريزي مرشد جلال الدين ورائده.
(21)أسرار خودي ص49 وص357 محمد إقبال د. أحمد معوض يقصد هنا نبي الله إبراهيم.
(22)المصدر السابق.
(23)كتاب العمل ص149 وفصل التطور في هذه الدراسة ص185.
(24)يظهر أن فكرة دارون عن التطور, من مرحلة الحيوان إلى مرحلة الإنسان, لم تكن جديدة, وإنما لها جذور في الفلسفة القديمة محمد إقبال د. أحمد معوض ص396.
(25) أسرار خودي ص62.
(26) الإسلام والصوفية ص 250 راجع العلامة إقبال ص378 د. أحمد معوض.
(27)أسرار خودي ص18.
(28)المصدر السابق ص19.
(29)المصدر السابق ص25.
(30)تجديد الفكر الديني ص99 يشارك جودت سعيد ومحمد شحرور إقبالاً في هذا الرأي.
(31)المصدر السابق ص141 وانظر فلسفة إقبال د. على حسون ص125 وربما يكون قد استمد هذه الفكرة عن ابن سينا فمذهبه في البعث والنشور أنه بعث روحي, ولا يقول بالمعاد الجسماني, وهو وإن حاول إحالته إلى أدلة من منهج الشريعة, فإن ذلك للتضليل.
(32)فلسفة إقبال د.على حسون ص88.
(33)العلامة محمد إقبال د. أحمد معوض ص66.
(34)أخرجه مسلم 4/1762 حديث رقم 2246 وقد جاء الحديث بألفاظ أخرى عند مسلم: "يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر, فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر, فإني أنا الدهر, أقلب ليله ونهاره, فإذا شئت قبضتهما" رواه مسلم.
(35)معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/306.
(36)أسرار خودي ص28 وما بعدها.
(37)محمد إقبال د. أحمد معوض ص392.
(38)تجديد الفكر الديني ص7.
(39)خصائص التصور الإسلامي ص15-18.
(40)رسالة التوحيد لمحمد عبده وخصائص التصور الإسلامي ص19.
(41)تعرضت في المقدمة لمفهوم المنهج الفلسفي العقلي باختصار, باعتبار أن دراستنا هذه معدة لنقد المنهج المادي.
(42)خصائص التصور الإسلامي سيد قطب ص 20.
(43)انظر كتاب "مفهوم تجديد الدين" بسطامي سعيد ص 135.
(44)أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي لهما شأنهما بين الدعاة المسلمين, كما أن العقاد وعزاماً لهما شأنهما في عالم الفكر والأدب.
(45)يتمثل أحد العوامل في غياب المنهج النقدي الإسلامي الشامل.
(46)تجديد الفكر الديني ص175-185.
(47)تجديد الفكر الديني ص175-185.
(48)المصدر السابق.
(49)المصدر السابق.
(50)رسائل إقبال إلى جناه ص17-18 وهو محمد على جناح أول رئيس لدولة باكستان المستقلة عن الهند.
(51)إقبال نامه ج1 ص319.
(52)كتاب رأس المال من تأليف ماركس وهو من أهم كتبه في استعراض المبادئ المادية, كما يشير إلى أصل ماركس اليهودي.
(53)عن نداء إقبال 168 د. على حسون.