يقول أحد المشتبهين:
ألم يكن الله يعلم أين هي القبلة التي يريد من المسلمين أن يصلوا تجاهها فلماذا لم يأمر منذ البداية بالتوجه إلى البيت الحرام بدلا من التوجه إلى بيت المقدس ثم ادعاء نسخ هذا الحكم خاصة أن القول بالنسخ مما لا يليق بالإله الذي يعلم حقائق الأمور؟

الرد على هذه الشبهة:
الرد على هذه الشبهة ذو شقين :
الأول – محاولة فلسفة تأخير الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام مرورا بالإذن بالتوجه إلى بيت المقدس
والثاني – بيان حكمة النسخ وأنه لا ينافي الحكمة
أما عن الشق الأول فإنه يجدر بنا قبل الإجابة عن الاعتراض المذكور أن نشير في إيجاز لقضية تحويل القبلة لمن لا يحضره الموضوع:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجه في صلاته في فترة مكة كلها إلى بيت المقدس فكان هو قبلته وظل الحال كذلك وفي العام الثاني من الهجرة أمره الله تعالى بأن يحول قبلته من التوجه إلى بيت المقدس إلى البيت الحرام بمكة وقد وردت قصة التحويل هذه بسورة البقرة في قوله تعالى:
{ سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 142 وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ 143 قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ 144 }
ثم نأتي إلى السؤال فلماذا لم يأمره ربه بالاتجاه إلى البيت الحرام بمكة مباشرة ؟
والجواب أن المشركين وهم أهل السطوة في الفترة المكية كانوا قد نصبوا أصنامهم حول الكعبة وإليها كانوا يتجهون ، وتلك الأصنام لم تزل من الكعبة إلا يوم فتح مكة أي في العام الثامن من الهجرة فلو جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصلى إلى الكعبة المحاطة بالأصنام فإن المشركين سوف يقولون: إن محمدا يصلي للأصنام وعليه يكون ربه الذي أرسله هو هبل أو مناة أو اللات ............ولن يصدقه أحد حينئذ إذ لا فرق بينه وبينهم فهم يصلون للأصنام وهو أيضا يصلي للأصنام مثلهم.
وقد يقال فلماذا لم تحول القبلة بعد الهجرة مباشرة ولماذا تأخرت حتى منتصف العام الثاني تقريبا ؟ والجواب أننا إذا نظرنا إلى المجتمع المدني وقت الهجرة سوف نجده مؤلفا من فريقين :
1- العرب ( قبيلتا الأوس والخزرج )
2- اليهود
وكان العرب بالمدينة يجلون اليهود لما عندهم من علم الكتاب فكان من الحكمة أن يظل بيت المقدس قبلة للمسلمين وهو في ذات الوقت قبلة اليهود فترة حتى تستقر الأمور وبالفعل فلما استقر الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم في كسب ثقة أهل المدينة وصار الإسلام هو المهيمن على قلوب الناس فيها جاء التحويل فلم يكن ثمت داع لأن يُعمل حساب لليهود الذين لم يتمالكوا أنفسهم بعد التحويل وظلوا يلقون الشبهات حول قضية التحويل وفيهم وفي غيرهم نزل قوله تعالى { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }