قرأت لأحدهم مقالا بعنوان (أمية محمد في ميزان العقل والنقل ) قد صب فيه جام غضبه على أمتنا المحمدية لأنها تتباهى – حسب زعمه – بأمية رسولها ويقول في ذلك:
(لم أرى طيلة حياتي أمة تتباهى وتتفاخر بأمية زعيمها(نبيها) مثل الأمة الإسلامية . التي أخذت من أمية محمد مصدراً للتفاخر والاعتزاز .وكأن الجهل وقلت المعرفة شيئاً يعتز به ويبني أصحاب نظرية الأمية ، نظريتهم هذه على بعض الآيات القرآنية التي أساءوا تفسيرها وتأويلها مفسري القرآن ) أ.هـ
هكذا آثرت أن أنقل من كلامه بنصه وبطريقة القص واللصق على ما فيه من أخطاء نحوية بدهية أتركها لفطنة القارئ وليفرح المسلمون بمستوى ناقديهم.
وفي بقية المقال أمضى الكاتب رحلة وسيطة هدف من ورائها إلى إثبات أن لفظ أمي إنما يعني من ليس إسرائيليا - فاللفظ بحسب رأيه - مصطلح توراتي أي ليس له في العربية مدلول.
وودت لو أنه تمتع بالإنصاف فذكر أن اللفظ عربي له معان مستخدمة منها كذا وكذا وليرجح الرأي الذي يراه ولو كان توراتيا ، ونحن بدورنا نناقشه فيما وصل إليه فإن كان حقا قبلناه ، وإن كان باطلا رددناه عليه ، أما أن يقف عند حد أن اللفظ توراتي بدون الإشارة إلى تضمن اللغة العربية له تقريرها أن الأمي هو من لا يقرأ ولا يكتب فهذا ما لا يقبله منصف.

لكن ما سر العداء بين الكاتب ولفظ الأمي بمعناه المعروف من جهة ثم بينه وبين المتفاخرين بأمية رسولهم – حسب تعبيره – من جهة أخرى ؟
هذا ما أفصح عنه من خلال مقالته التي اعتمد في استخلاص أصولها من روايات واردة في كتب الصحاح المعتمدة لديه ومنها:
طبقات اللغويين والنحاة ، وصبح الأعشى ، وكتاب الأستاذ الحداد ( في سبيل الحوار الإسلامي المسيحي )
أين مراجعه اللغوية ؟ أين مراجعه الحديثية ؟ أين ، أين ........؟
كل هذا لا قيمة له لأنه لن يحقق المطلوب.

الحاصل أن الكاتب أراد أن يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مجيدا للقراءة والكتابة وأهم دلائله على ذلك أن لفظ الأمي لا يطلق في رأيه على من لا يجيد القراءة والكتاب بل على غير الإسرائيلي
والكاتب بالطبع لا يريد إثبات فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بادعاء أنه كان يعرف القراءة والكتابة بل يريد أن ينفذ إلى ما وراء عرضه بادعاء أن القرآن من تأليفه حيث لا غرابة في ذلك إذا كان مجيدا للقراءة والكتابة وكأن القراءة والكتابة هما المحك والفيصل وهما علة تأليف القرآن – حسب زعمهم – وكأن كل قارئ كاتب قد صار عالما نحريرا ، ولأن الكاتب قد ذكر – وهو في ذلك محق - أن في مكة من يقرأ ويكتب فنحن نحاججه فلماذا لم يأت كتبة مكة وقراؤها بمثل القرآن بل لماذا آمنوا به وأذعنوا له وهم في القراءة والكتابة والبلاغة المكتسبة من وحدة القبيلة مثل مؤلف القرآن ؟
يقولون هنا: بالتأكيد قد جاءوا بذلك لكن التاريخ لم يثبت إلا فوضى مسيلمة وحتى هذه فيها شك.
ونقول لهم: دعونا نصدقكم في دعواكم أن العرب قد جاءوا بمثل القرآن لكن التاريخ ظلمهم لكنكم لم تجيبونا: لماذا آمن به من آمن من أهل مكة بمجرد صدوعه بالدعوة وقراءته القرآن إذا كان ما جاء به في عرفهم أمرا مستطاعا فإن من آمنوا به هم – بلا شك - كمن يتوهم أنهم قد جاءوا بمثل القرآن في البلاغة سواء ؟
أي لماذا آمن أبو بكر وعلي وعثمان وعمر وطلحة والزبير وسائر إخوانهم من أهل البلاغة واللسن لماذا صدقوا بالقرآن إن لم يكن خارقا ؟
قد كان صلى الله عليه وسلم بمكة من أفقرهم ليس له والد يدفع عنه ولا ولد يسانده أي لم تكن له سطوة على من آمنوا به بل كانت السطوة لمن كفروا فالعدد عددهم والعدة عدتهم ورغم ذلك سارعوا إلى الإيمان به وصبر صلى الله عليه وسلم وصابر حتى هدى الله إليه من الخلق من لا يحصون عددا

وهكذا يدور المعارضون في حلقة مفرغة حول مركز واحد هو دعوى بشرية القرآن الكريم
وحين نحاججهم قائلين لماذا لم يأت أحد بمثله إذا كان بشريا ؟
يقولون هي العبقرية أي أنهم يعترفون بأنه غير عادي لكن الشيطان يمسك ألسنتهم عن تجاوز العبقرية إلى الإقرار بالنبوة.
ولماذا لم يتعبقر غيره ليأتي بمثل ما جاء به ؟
وما قولكم في إخباره بماض قد اندرس ومستقبل قد وقع كما ذكر ؟
هل للعبقرية في ذلك مجال؟
ولماذا لم ينسبه إلى نفسه ونسبه إلى ربه فالناس يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وهو يتبرأ مما فعل ؟
شيء غير معهود في طباع بني البشر التي جبلت على الفخار والغرور والعجب.
يقولون إنه قد تعلمه من ورقة أو غلام نصراني أعجمي – يا للعجب - كان يختلف إليه بمكة.
ومن ثم كان رد القرآن قاطعا:
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }
ولماذا لم يأت المعلم إذن بمثل ما جاء به إن لم يكن أفضل منه ؟
والجواب جاهز طبعا:
إنه التلميذ الذي فاق أستاذه.
لكن ألم يكن لهذا الأستاذ مقدرة على أن يأتي بأي شيء ؟ فماذا علمه إذن ؟
وأخيرا وددت من كاتب المقال أن يذكر لنا لماذا لم يكتب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بنفسه إذن ، بل كان في أحلك الأوقات يرسل إلى الكتبة ليدونوا ما نزل حتى إنه استدعى زيد بن ثابت ليدون فقط هذه العبارة { غير أولي الضرر } فلماذا لم يكتبها بنفسه؟
وإن أجاب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب القرآن فهل سيقبل ورفاقه فكرة أن القرآن لم يُحرَّف من قبل الكتبة حيث كاتبه عين مؤلفه؟
هل ، هل ............أسئلة كثيرة تكشف عن زيف المكتوب فهل ندع ما ثبت لدينا يقينا لكتابات من هذا النوع ليست وثيقة الصلة بالمصداقية العلمية.؟
كل هذا ليس مهما للتبوأ ناصية الكتابة بمواقع حساسة ودوريات واسعة الانتشار ويوميات تباع بالملايين فقط امتلك الجرأة على الله ورسوله وستفتح أمامك كل المغاليق.
حسبنا الله ونعم الوكيل
وصدق الله:
{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ 47 وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ 48 بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ 49 وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 52 }

وهؤلاء الذين يظنون أنهم قد وقفوا على سر خطير فراحوا يكشفون عنه وهو أن الكتابيين كانوا يطلقون على العرب: وصف أميين لم يفقهوا أن بين الأمي الذي هو العربي أو غير الكتابي مطلقا، وبين الأمي الذي هو غير عالم بالقراءة والكتابة قرابة ورحما من جهة المعنى ، فلنتصفح إذن أمهات المعاجم وكتب التفسير والمفردات لندرك بعد هذا التصفح أن لفظ الأمي يطلق إطلاقا أصيلا على الذي لا يقرأ ولا يكتب نسبة إلى الحالة التي خرج عليها من بطن أمه حيث لم يخرج أحد عالما أو قارئا كاتبا وفي هذا المعنى جاء قوله سبحانه: { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وكانت اليهود تطلق على العرب " أميين " لأنه لم ينزل إليهم كتاب وهذا سر عدم اتجاههم إلى القراءة والكتابة لأن الأمة التي يكون منهاجها الديني مسطورا في كتاب مقدس تتجه عادة إلى التعلم والتعليم لإجادة قراءة وكتابة كتابهم المقدس ، وهذا سر انتشار القراءة والكتابة لدى الكتابيين في هذا العهد أكثر من انتشاره وعلى هذا فلفظ الأمي متجه في معناه الأصل ومعانيه المتفرعة عنه إلى عدم إجادة القراءة والكتابة والمعنى اتبعوا هذا النبي الأمي المنتسب إلى الأمة الأمية التي لم ينزل عليها كتابا لتقرأه ضرورة أنه لم يبعث إليها رسول.
يقول القرطبي:
(الأمي) منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها؛ قال ابن عزيز. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب؛ قال الله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) العنكبوت: 48].

ما الحكمة في كون الرسول أميا ولماذا التباهي والتفاخر بهذا الوصف على حد وصف المدعي ؟

لا أعتقد أن أحدا من عدم عدم الوعي بحيث يحتاج إلى أن نبين له أن الأمية هنا دليل مصداقية لأن هذا النبي الذي يعرفونه جيدا ويدركون أنه مثل غالبيتهم لا يقرأ ولا يكتب ورغم هذا فقد جاءهم بهذا الكتاب المبين المتضمن من المعارف السابقة واللاحقة ما لا يعرف في سابقه إلا بتعلم وبلوغ رتبة فوق طاقة البشر ، وفي لاحقه بما يحتاج إلى وقوف على الغيب .
ولأنه لم يكن هذا أو ذاك فقد ثبت أنه ما جاء بذلك إلا من خلال وصله بقوة فوق قوة البشر ، ولأنه قد أعلن أن هذه القوة فوة إلهية وجاءهم على صدق دعواه بالمعجزات الحسية والمعنوية وفوق ذلك كله معجزته الكبرى القرآن ، فقد لزم تصديقه ضرورة أنه جاء بذلك وهو الأمي الذي لم يختلف يوما إلى معلم ولم يبارح مكة هائما في رحلة علمية أو سائحا لحاجة معرفية ولم يتبع دينا كتابيا كاليهودية أو المسيحية.
ولنتخيل لو كان محمد صلى الله عليه وسلما متعلما قارئا كاتبا هل كانوا سيقبلون على القرآن وما جاء به إقبال الواثقين بأنه من عند الله أم كانوا سيقنعون بأن ما جاء به هو نتيجة تعلمه ؟
بالطبع هذا ما كان سيحدث ، بدليل أن مدعي عدم الأمية الآن يريدون أن يصلوا إلى تلك الغاية .

أدلة القائلين بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ودمغها:

يحتج القائلون بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كان متعلما بعدة أدلة أهمها:

أن لفظ الأمي يطلق على غير الكتابي في مصطلح الكتابيين ، وهذا ما نقشناه فيما مضى حيث أبرزنا الصلة الحميمة بين المعنيين المطروحين على بساط البحث.
يقولون: إن أول آية نزلت في القرآن هي قوله تعالى: { اقرأ } فكيف يأمره بالقراءة ما لم يكن قارئا ؟ والجواب أنه أمره بذلك ليوقفه على أن المسببات وإن كانت مرهونة بأسبابها ، لكنها أمام سلطان الله ليست كذلك ، فها أنت يا محمد أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولكن الله سيعينك على حفظ ما سنزله عليك أفضل من حفظ من يجيدون القراءة والكتابة والمذاكرة ، ولذا قال له { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } أي مستعينا به فمنه العون وقد أعانه وضمن له الحفظ وقال له: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ..} وهؤلاء الذين استدلوا بالآية على دعوى إجادته القراءة نسوا الملابسة التي أحاطت بنزول الآية
ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصحيحين عنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك؛ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها؛ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: (اقرأ) فقال: (ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني) قال: "أقرأ " فقلت: "ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم "
إنه يصرح بأميته ويقول: " ما أنا بقارئ " ويكررها ، فهل يصلح هذا دليلا على صدق الدعوى ؟

1- يقولون: إن علي بن أبي طالب كان يجيد القراءة والكتابة وفيه دليل على أن محمدا – صلى اله عليه وسلم – كان يجيد ها أيضا لأنه تربى مع علي في بيت عمه أبي طالب ، فلا يعقل أن يكون علي قد انفرد بذلك دونه.
وللجواب جوابا مختصرا قاطعا عن ذلك لابد من كبت دافع التهكم والسخرية ، فما أوهى الأدلة إن كان هذا دليلا ، وكأن كل بيت فيه متعلم واحد قد صار دليلا على تعلم البيت كله.
لا أعتقد أنني بحاجة إلى رد هذه الترهة بأكثر من الاحتجاج بالواقع الذي نعيشه فمع يسر وسائل التعلم وإجباريته أيضا تبلغ نسبة الأمية في بلادنا معدلات عالية وبعضها أعلى من بعض – عذرا لأنني لا أمتلك أحدث الإحصائيات حول هذا الموضوع – نرى رأي العين بيوتات يزيد تعدادها على عشرة أبناء ولم يتعلم منهم إلا فرد واحد أو اثنان أو ...

من الشواهد الدالة على أمية الرسول صلى اله عليه وسلم:

1- ورود آيات كثيرة في القرآن الكريم شاهدة بذلك ومنها قوله تعالى:
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ } ( الأعراف: 157 )
ومن ذلك اعتراف الكفار بأميته وعدم معرفته القراءة والكتابة قال تعالى: { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } ( الفرقان: 5 ) فقولهم: اكتتبها أي كتبت له لتتلى بعد ذلك على مسامعه صباح مساء.
ومنه قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } ( العنكبوت: 48)

2- عندما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء أول مرة بمستهل سورة العلق { اقرأ } كان رده المؤكد بالتكرار: ما أنا بقارئ ومثل هذه الصياغة تفيد العموم حيث النكرة " قارئ " وقعت في سياق النفي والمعنى: لا أجيد أي لون من ألوان القراءة.
3- اتخاذه صلى الله عليه وسلم كتبة للوحي دليل بارز على أميته إذ لو لم يكن كذلك لكتب القرآن بنفسه فإن قيل: ذلك عسير عليه أن يكتبه بمفرده قلنا: لا عسر في ذلك فالقرآن نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة ، وكثير من الصحابة كتبوا مصاحف لخاصة أنفسهم ، وإذا لم يتفرد بهذا فلا أقل من أن يقوم معاونا للكتبة مشاركا لهم ، فإذا لم يفعل صلى الله عليه وسلم هذا مع توفر الدواعي إلى مثله فقد دل على أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب. وقد مضى أنه أرسل إلى زيد بن ثابت ليكتب له { غير أولي الضرر }
4- كان صلى الله عليه وسلم يعاجل جبريل بالقراءة عند نزوله عليه بالقرآن خشية أن يتفلت منه فضمن الله له الحفظ وأنزل عليه قوله : { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ 17 فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ } ( القيامة: 16- 18 ) والشاهد أنه لو كان كاتبا قارئا لما خشي ذلك لأن عليه فقط أن يدون ما نزل ليرجع إليه عند الحاجة ، ولأن ذلك لم يحدث فقد دل على أنه أمي.
5- في فداء أسرى بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم فداء الواحد منهم أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين ، وهذا تنبه منه صلى الله عليه وسلم إلى أهمية العلم فنحن مطالبون به ديانة ، وعليه فلو كان مجيدا للقراءة والكتابة لقام بتعليم الصحابة وأبناءهم ضرورة أنه معلم الأمة ، فإن قيل: كان من الممكن أن يعهد بذلك لأحد المسلمين القارئين الكاتبين قلنا: لم يكن واحد منهم ليؤثر في المتلقين تأثير النبي صلى الله عليه وسلم فيهم وهذا معروف ، فلما لم يحدث هذا فقد دل على أميته.
6- النبي صلى الله عليه وسلم صرح بهذا عندما قال – كما ورد في الصحيح -:
" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " فهذا تصريح واضح مصدر بإن التوكيدية ومذيل بجملة توضيحية تفسيرية " لا نكتب ولا نحسب "
فهل لمدعي عدم الأمية بعد هذا قول؟