يقول المشتبهون: هل من الأمانة أن يزّور الإنسان في عقيدته وينكر إلهه الحي في سبيل إرضاء الناس؟ قال المسيح "وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ اللّهِ" (لوقا 12: 9).
حتى قال قائلهم: كل يوم يزداد اقتناعى بان الاسلام ليس من عند الله .. وهاهى اية النحل 106 واحدة من اساسيات هذا . يقصد قوله تعالى: { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }النحل106
الرد عليها:
أقول: إن هذه الآية تحديدا تدل على أن الإسلام من عند الله لأنه لا يرحم الناس ولا يقدر ظروفهم إلا خالقهم يا عزيزي طاقة أي إنسان محدودة وكل إنسان له من هذا المحدود حدود فقد تتحمل أنت ما لا أتحمله أنا والعكس ممكن وفي حالة عمار بن ياسر قد عذب الرجل إلى درجة لم يستطع بعدها أن يتحمل عذابا آخر فقال كلمة بلسانه لم يقنع بها قلبه لأجل أن يخلص نفسه من عذاب جسدي فاق طاقته وقدرته على التحمل
يا أخي أنت ربما وأنت تكتب هذا الكلام تجلس في غرفة مكيفة وأمامك كوب من الشاي أو القهوة ترتشفه أما عمار فقد تحمل ما لم تتحمله الجبال الرواسي عذب أليم العذاب قتل أبوه وأمه فماذا نطلب منه فوق هذا فوالله لو طلب الشرع مني أن أتحمل في هذه الحالة ما لا أطيقه لشككت في أنه من عند الله نعم إن عادوا فعد إنها السماحة إنه الدين الإلهي الذي يعذر أتباعه حيث يكون لهم عذر ولا يكلفهم مالا يطيقون
يا عزيزي لو قدر لك أن تتشرف بالمثول أمام شرطة ظالمة لتدلي ببعض الأخبار أعتقد أنك ستخر عند أول تهديد أو تلميح بأن يروقك العسكري فلان ....وستقول ما يريدون هم لا ما تريد أنت وسوف يتفهم المحيطون بك موقفك وتعذر من غيرك فماذا عساك أن تفعل مع من هو أقوى منك
فلماذا نطلب من الناس أن يتحملوا فوق طاقة البشر
أما كان الأجدر بك وأنت تنقل موقف عمار وتستشهد به على أنه مدعاة لإباحة النفاق أن تراعي ذلك الضغط النفسي الذي لا يطاق بعد أن رأى ما فعل بأبويه وأذكرك بما نقلته من تفسير القرطبي يقول القرطبي :
قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم, وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة, وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال; فقتلت وقتل زوجها ياسر, وهما أول قتيلين في الإسلام.
فهلا عذرت عمارا وعذرت كل من كان حاله كحال عمار ؟!!
يقول المشتبه:
( ياترى لو قارنا بين قول الانجيل وقول القران .. بين قول المسيح (و لكن من ينكرني قدام الناس انكره انا ايضا قدام ابي الذي في السماوات (متى 10 : 33) وقول محمد لعمار (فإن عادوا فعد). .......... ترى ما هو كلام الله الحقيقى وما هو الكلام المحرف المزيف؟؟ )
قلت:
يا عزيزي لو كان ما يقصده الإنجيل أنه في حالة كحالة عمار يكون الجزاء أن ينكر أمام الرب لأنه لم يتحمل ما يفوق طاقته فأنا أول كافر بالإنجيل وأنا لأشد تثبيتا على أن القرآن كلام رب العالمين وان الرسول صلى الله عليه وسلم هو النبي الحق المبلغ عن الله
وأنا أعيد عليك السؤال بطريقة أخرى تدعوك إلى الموازنة بين ما يخبر به الإنجيل - بالمعنى المذكور - وبين ما يقرره القرآن الكريم والنبي الكريم فأقول لك:
أيهما أكثر رحمة في ذلك الإنجيل أم القرآن ؟
ولا تشك معي في أن الرحمة أخص صفات الله تعالى فمن مال جانبه إلى الرحمة وتقدير الظروف فهو الإلهي لا غيره
يا عزيزي ببساطة شديدة رب لا يرحم عباده ولا يقدر ظروفهم ليس برب وهذا ما زادنا إيمانا بربنا الرحيم بنا الذي لم يكلفنا أبدا ما لا نطيق { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
وأنا أعتقد أن كلام الإنجيل في مقام آخر غير مقام الإكراه فهو في مقام الطواعية يعني من ينكرني طواعية أمام الناس يكون جزاؤه من جنس عمله بأن أنكره أنا أمام الله هكذا يستقيم المعنى وتظهر خصائص الألوهية
فإذا كان القانون الطبعي لدى البشر يعذر المكرهين أفلا يعذرهم ربهم وخالقهم ؟ !!!

وفي الرد على مداخلة لمشتبه آخر رمز لنفسه بـ " نيومان "
قلت:
السيد نيومان
كما يعجبني جدك ونشاطك يستهويني خلطك للأوراق بغية إماتة القضية الأساس تماما كما فعلت معي في مقال " أدلة بسيطة على أن القرآن من صنع البشر للسيد بيام " لكنك حتى في حالة الخلط تفتح لنا موضوعات شيقة وجديدة فشكرا لك
عزيزي في تشريع رباني متكامل لمجتمع تتعدد فيه الشرائح وتتفاوت فيه الطاقات لابد من ملاحظة هذا التفاوت فشريعة لا تتفاعل مع جميع شرائح أفرادها هي شريعة ناقصة.
ببساطة شديدة لو أن دولة ما قبضت على جاسوس من دولة أخرى يقوم بالتجسس عليها لحساب بلده ثم بدأت تنكل به وتذيقه العذاب ألوانا فلم يكن أمامه طريق للنجاة إلا أن يعلن عدم مواطنته لبلده - التي هي في الأصل بالنسبة له محل القلب - وأنه ما جاء إلى هنا إلا لسبب آخر غير التجسس فهل يقلل ذلك من قدر مواطنته أم أنه يعذر بسبب ما وقع فيه .
عندنا في الإسلام قاعدة عظيمة تقول: الضرورات تبيح المحظورات وهي في الأصل قاعدة إنسانية وشريعة أو نظام لا يُراعَى فيه ذلك هو نظام أجوف جامد لا يتفاعل مع أفراده في عالم متغير الأحوال والظروف لا تمضي الحياة فيه كما تمضي المسائل الرياضية
ولأن الناس تتفاوت طاقاتهم في التحمل فقد راعت الشريعة ذلك وتجاوزت عما يصدر بإكراه قال صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولأن الإسلام دين الفطرة فقد سلكت القوانين الإنسانية هذا المسلك في كثير من قوانينها وأهم ذلك ما نعلمه من أن النيابة لا تلتزم بتقارير الشرطة واستجواباتها لشبهة الإكراه هذه
وفي المقابل يبقى الأصل وهو الصبر والتحمل والجلد وإن فقد الإنسان حياته في مقابل ذلك فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن سيد الشهداء " رجل قال كلمة عند سلطان جائر فقتله " فهذه هي العزيمة ويبقى الحكم الاستثنائي كما في حالة عمار رخصة لمن أراد أن يترخص بها فالضرورات تبيح المحظورات
ولقد نقلت لنا المصادر أن كثيرين من المسلمين قد أبوا أن يظهروا الكفر بلسانهم مؤثرين الموت على لفظة باللسان كذلك صنعت سمية أم ياسر وهي تطعن بالحرية في موضع العفة حتى تموت وكذلك صنع أبوه ياسر وقد كان بلال رضوان الله عليه يفعل المشركون به الأفاعيل حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم وهو يقول أحد أحد ويقول والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم فيقول أتشهد أني رسول الله فيقول لا أسمع فلم يزل يقطعه إربا إربا وهو ثابت على ذلك. وفي تاريخنا من ذلك الكثير والكثير ولعلك أن تبحث عن موقف عبد الله بن حذافة السهمي مع ملك الروم لتقرأها وتقف على أبعادها الإيمانية.ولولا أن يطول الكلام كثيرا لذكرتها لك ولقد ذكرها الحافظ ابن عساكر في تاريخه
وعلى ذلك فالأمر واضح فلا تعارض بين قوله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به .........} وبين آية النحل لأن الآية الأولى هي فيمن اختار الشرك قلبا وقالبا والأخرى هي إعذار في حالات الاضطرار ويشترط فيها ألا يعتقد القلب ما يلفظه اللسان