يثير البعض بين الفينة والفينة أن الشريعة الإسلامية هي امتداد لعادات الجاهلية ونهر من ثقافتهم البدوية التي ربما مزجت بثقافات أخرى كاليهودية والنصرانية التي كان بعض العرب قد اعتنقوهما وهذا موضوع جد خطير من حيث كونه اتهاما لا يعتمد على دليل بل على فكرة شوهاء وهي أن مجرد التشابه بين بعض ما كان عليه عرب الجاهلية وبين بعض ما قرره الإسلام قاض بأن الجاهلية هي مصدر الاسلام ولم يسألوا أنفسهم لماذا كان هذا التشابه وما منبعه وكيف نكيفه أو نصوره؟
وللإجابة عن ذلك لا بد من الوقوف على مصادر سلوكيات العرب ومرجعياتهم على اختلاف قبائلهم وتعدد أماكنهم وتنوع مشاربهم

· الجذور التاريخية لعادات وعبادات العرب في الجاهلية:

1. الحنيفية الموروثة عن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وهذه قد بقيت غير مشوبة لدى أناس كزيد بن عمرو بن نفيل الذي حافظ عليها بعد أن لم يقنع باليهودية ولا بالنصرانية ومن قبلهما رفض عبادة الأصنام والحنيف عند العرب كما يقول الزجاجي فيما نقله صاحب لسان العرب: الحنيف في الجاهلية من كان يحج البيت ويغتسل من الجنابة ويختتن فلما جاء الإسلام كان الحنيف المسلم 4 / 58 ولذلك فإن العرب لم يعترضوا أبدا على الوحدانية بإقرار القرآن { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ 61 اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 62 وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ 63} ( سورة العنكبوت ) وإنما كان اعتراضهم على المنهج الذي جاء يغاير منهجهم في الحياة والتشريعات التي قاومت الكثير مما كانوا قد ألفوه حيث حرم عليهم الإسلام كثيرا مما كانوا يمارسونه في حياتهم عليه وأقر عليهم ما لم يألفوه
2. الفطرة السليمة التي قادتهم إلى كثير من الأخلاق الحميدة ضرورة أن الأخلاق فطرية كالكرم والشجاعة ونصرة المظلوم ويشهد لهذا حلف الفضول الذي دعا إليه ابن جدعان
3. دخول بعضهم في ديانات إلهية كورقة بن نوفل الذي اعتنق النصرانية ويعجب القارئ حين يطالع أقوال سقيمي الفهم بأن ورقة هذا هو مصدر القرآن بل مصدر الرسالة برمتها ولم يطلعنا هؤلاء العباقرة على السر الذي جعل ورقة يؤثر محمدا صلى الله عليه وسلم على نفسه حيث أهداه القرآن والرسالة وقد أحسنت الأخت مسلمة جزاها الله خير في الرد على هذا
http://www.##########.net/viewthread.php?tid=16990#pid
4. إقحاماتهم المنحرفة كعبادة الأصنام التي أدخلها عمرو بن لحي
5. النعرة القبلية التي ألجأتهم إلى عادات مستقبحة كالقتل والثأر ووأد البنات وحرمان المرأة والذكر الصغير من الميراث


هذه هي الأطر التي يمكن أن تكون مرجع سلوك العرب في الجاهلية سواء على مستوى العبادات أو العادات فماذا كان موقف الإسلام منها ؟

· أما بالنسبة للحنيفية الإبراهيمية فالقرآن يقرر انه قد جاء ليحافظ عليها لأنها ربانية المصدر قال تعالى في سورة آل عمران: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ 65 هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 66 مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67 إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 68 } وقال في السورة ذاتها: { قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 95 } وقال في سورة النساء: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً 125 } وفي سورة الأنعام : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 161 } وعلى ذلك فالقرآن يقرر أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به إبراهيم عليه السلام من قبل وإذا كان العرب هم أبناء إسماعيل بن إبراهيم فلا شك أنهم قد توارثوا عن آبائهم الكثير من هذا الآثار عادة وعبادة ولهذا لم يحتج الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد جاء بما شرعوه هم لأنفسهم لعلمهم بأن ما كانوا يقومون به هو من ميراث إبراهيم عليه السلام الذي جاء الإسلام مجددا لدعوته وخير مثال لذلك هو الحج فقد كان الناس قبل الإسلام يحجون البيت على ميراث إبراهيم عليه السلام لكن هذا الميراث قد دخله بعض التغيير والتعديل كما أدخلت قريش فكرة الحمس وكما اختلقوا لأنفسهم تلبية خاصة خالفهم فيها غيرهم فجاء الإسلام بتلبيته المنزهة لربا العباد من الشرك كما ألغى فكرة الحمس وهنا لا نستطيع القول بأن الحج هو من ميراث الجاهلية وعلى قس العديد من التشريعات التي أقرها الإسلام مما كان معروفا في الجاهلية

· وأما بالنسة لما يرجع إلى الأخلاق الفطرية التي كانوا متخلقين بها كالكرم والشجاعة ونصرة المظلوم وغير ذلك فهذا مما تتفق عليه كل الفطر السليمة وقد جاء القرآن مقررا بأن الدين الإلهي هو دين الفطرة قال سبحانه في سورة الروم: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30 } ومن ثم لا نقول: إن هذه الأخلاق ميراث الجاهلية لا بل هي فطرة بدليل أننا نجد الكثير من الصفات يتفق فيها ذوو الأيديولوجيات المختلفة فلكرم والشجاعة والحلم واحترام الآخرين قدر مشترك بين جميع من يتحلى بها لأنها مكتسبات فطرية وإنما دور الأديان والأيديولوجيات هو فقط في تهذيبها وتنميتها ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " أي هو لم يدع أنه أنشا مكارم الأخلاق بل هي موجودة بالفطرة السليمة وكان دوره فقط تنميتها وتتميمها ومن ثم أشار إلى حلف الفضول الذي دعا إليه في الجاهلية عبد الله بن جدعان وقال: لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.
· أما بالنسبة لموروثات الديانات الربانية – كاليهودية والنصرانية - فلا غرابة أن نجد تشابها ما في تشريعات هذه الديانات وبين بعض ما جاء به الإٍٍسلام ولِمَ لا والمصدر واحد ؟

بل إن هذا التشابه هو أحد أدلة المصداقية وبالطبع قد وقع هذا التشابه فيما هو إلهي المصدر بعيدا عن تحريفات أتباع هذه الديانات وأول ما اتفقت عليه هذا الشرائع هو التوحيد الذي اعتمدته كل الديانات الربانية ولم ينف القرآن ذلك التشابه في الأصول بين الشرائع الإلهية بل قرره في مواضع عديدة منها قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } ( الشورى: 13 ) وقوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ( البقرة: 183 ) وقوله سبحانه: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } ( المائدة: 46 } بل يقرر ما هو أبعد من هذا وهو ضرورة الإيمان بما أنزل على الأنبياء السابقين { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 3 والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 4 } ( سورة البقرة ) حيث إن القرآن جاء { مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } ( سورة المائدة : 48 )
· نأتي بعد ذلك إلى مخترعات الجاهليين وانحرافاتهم عن حنيفية إبراهيم عقديا وتشريعيا وكذا تصرفاتهم النعراء التي كانت تلجئهم إليها عصبيتهم وقبليتهم وهذا هو القسم الذي جاء الإسلام بهدمه من الأساس وهو القسم الأكبر ولأجله كفر من كفر بل حارب من أجل بقائه ونصرته من حارب بحجة أنه موروث آبائهم ولقد بلغ من حرصهم على بقاء ميراث الآباء من تلك العبادات والعادات المنحرفة أن عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم الملك والمال والجاه فقال قولته المشهورة: والله لو وضعوا الشمس على يميني والقمر على يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .
وأول ما حاربه الإسلام هو أس عقيدتهم آلهتهم التي عبدوها من دون الله فقد صعقوا حينما فاجأهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدين الحق هو دين التوحيد وان هذا الكون ليس له إلا إله واحد هو الذي خلق ورزق وهو الجدير بالعبادة { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ 30 حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } ( الحج: 30 ، 31 ) نعم ترك عبادة الأصنام هي حنيفية إبراهيم التي دعا ربه وسأله المداومة عليها{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ 35 رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 36 } ( سورة إبراهيم ) بل إن إبراهيم لم يكتف بمجرد الأماني حيث قاوم هذه الأصنام بالفعل لا بمجرد القول: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ 52 قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ 53 قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 54 قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ 55 قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ 56 وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ 57 فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ 58 } ( سورة الأنبياء ) وكما فعل الخليل عليه السلام في الدعوة إلى نبذ الأصنام بأمر ربه ووحيه إليه قام أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ربه ووحيه يعظ قومه ويذكرهم بخالقهم وينعي عليهم عبادة الأصنام { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 16 } ( سورة الرعد ) ويقينا لم يجار الإسلامُ عربَ الجاهلية في عبادتهم للأوثان وجعلها آلهة مع الله تقربهم إليه زلفى - كما كانوا يعتقدون –
ناهيك أخي القارئ عن كثير من التشريعات التي كانت حائط صد في وجه الكفار حيث حرم عليهم القرآن وفي الفترة المكية التي يصر البعض على أنها كانت فترة مهادنة ومداهنة حرم عليهم وأد البنات وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والزنا والظلم وقطع الرحم والكذب ....وغير ذلك مما لا تقتضي الحكمة تأخيره لأنه مما يتعلق بالكليات التي ضمن الدين حفظها وهي " النفس والعرض والدين والمال والعقل "

ثم جاء العهد المدني بثرائه الوافر في الجانب التشريعي إيجابا وتحريما ، ندبا وتكريها ، وإباحة حتى صار من الضوابط القياسية لتحديد المدني من القرآن أن تكون الآية مشتملة على تشريع
وختاما حتى لا يطول بنا الكلام يحضرني هنا موقف جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين عقد للنجاشي موازنة بين موقفهم في الجاهلية وما دعاهم إليه الإسلام فماذا قال ؟ قال:
" أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم،وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ......."
وفي صحيح البخاري عندما سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان عنه صلى الله عليه وسلم كان من بين ما سأله عنه أن قال: " ماذا يأمركم ؟ " فقال أبو سفيان: " يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة ...." ولم يكن أبو سفيان قد أسلم بعد حين قال ذلك
فهذا كله وغيره ناطق بأن ثورة الكفار على الإسلام سببها هو أنه قد جاءهم بخلاف ما يعرفون وبنقض ما يعتقدون ويسلكون ولا ينافي ذلك التوافق فيما هو فطري ككريم الأخلاق أو ما هو من ميراث الحنيفية أو الديانات الربانية التي تشارك الإسلام في وحدانية المصدر