النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: من قمة الناتو الأخيرة

  1. #1

    افتراضي من قمة الناتو الأخيرة

    من قمة الناتو الأخيرة
    كتبه الأخ مهاجر

    http://aljame3.net/ib/index.php?showtopic=9662
    في اجتماع حلف شمال الأطلنطي طرحت المسألة الأفغانية على نحو يتجمل أصحابه لمحو آثار هزيمة وشيكة إن شاء الله ، عز وجل ، فطرحت خطة الانسحاب أو الفرار ، إن شئت الدقة ابتداء من العام القادم إلى 2014 ، مع المسارعة بتدريب الجيش الأفغاني الهزيل ليتولى المهام القتالية بالنيابة عنهم ، وهو جيش لا يستطيع الصمود أمام ضربات المقاومة ، فقوات الناتو ، وهي أكفأ منه وأحدث تسليحا ، تتوجع من ضربات المقاومة التي تتميز بالدقة والغموض في نفس الوقت ، فلا تعلم أعيان المقاومين ، وذلك رسم حرب العصابات التي تتطلب نفسا طويلا ، والمصابرة بين الفريقين امتدت تسع سنوات أو يزيد ، والرب ، جل وعلا ، هو العليم متى تنتهي هذه المصابرة ، ولا يشك مؤمن في صيرورة العاقبة للمتقين ، بشرط أن يكونوا على رسم التقوى ، فبقدر التقوى يكون الظهور على العدو ، ومن أخطاء الحركات الإسلامية المعاصرة أيا كانت توجهاتها : جهادية أو سياسية أو علمية أو دعوية ، من أخطائها : العجلة ، وعدم تحرير النية والغاية ابتداء فيقع من الكدر ما يضيع فرحة الانتصار بل قد يذهب النصر بأكمله فينقلب نقمة لحظوظ نفس خفية تنصرف الهمم إلى تحصيلها دون أن يشعر أصحابها ، فإذا هي معقد الولاء والبراء فله الرضا والسخط في الحقيقة ، وللدين في الظاهر دون أن يدري صاحبه حقيقة الفخ الذي نصب له ، وقد تكرر هذا الأمر في مواضع كثيرة ، فكانت التجربة الأفغانية الفريدة في جهاد السوفييت ، نصرا عظيما فرط أصحابه في معظم مكاسبه لتعدد الأهواء والمشارب ، فنصر كثير من أهل الأهواء بل وظهرت لهم كرامات ، نصروا على السوفييت فهم على أقل تقدير أقرب إلى الطريقة الشرعية المثلى من الكفار الأصليين ، فينصرون عليهم بما معهم من إيمان ، كما ذكر ذلك بعض المحققين من أهل العلم ، مع وجود فئة مؤمنة خلصت نواياها ، من الأفغان ومن غيرهم ، بغض النظر عن التنظيمات الحركية التي ظهرت أسماؤها إلى الوجود بعد انتهاء الحرب ، وكانت كأي تنظيمات بشرية ، لا ترجوا عصمة فأصابت في أمور وأخطأت في أخرى ، وكذلك الشأن في التجربة العراقية فقد ضيع حظ النفس قدرا عظيما من مكاسب جهاد الدفع المبارك في تلك الأرض ، وقد كان على وشك تحقيق انتصار كبير ، عطلته الصراعات البينية ولا تكون إلا عن حظ نفس ، ومثل ذلك قد ظهرت آثاره أيضا ، في حركات إسلامية دعوية وعلمية وحركية ، فمحاولة احتكار الحق الخالص دون إبقاء أي قدر للمخالف أو حتى الموافق الذي يختلف معك في قدر يزيد أو ينقص ، تلك المحاولة لا تكون إلا فرعا على حظ نفس غالب ، وفد وصل الأمر أخيرا إلى حد الوشاية والوقيعة ! ، والغريب أن بعضا يتعبد الرب جل وعلا بذلك فيراه من تمام النصح لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم ؟! ، مع التحفظ على إطلاق القول بأن الحق لا يوجد عند جماعة بعينها من الجماعات المعاصرة ، فذلك صحيح بمقتضى انتفاء العصمة بعد قبض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالحق بعده مبثوث في أصحابه ، رضي الله عنهم ، فلا يخرج عن مجموعهم ، وإن لم تثبت العصمة لجميعهم بل ولا لأحدهم ، فليس ثم عصمة إلا بنبوة ، وليس ثم نبوة بعد النبوة الخاتمة ، وهذا الأمر مستمر حتى زماننا فالحق مبثوث بين مجتهدي الأمة وعلمائها فليس حكرا على أحدهم مهما عظم شأنه : علما وعملا ، فذلك وجه صحيح ، وأما محاولة استعمال هذا الإطلاق في تسويغ أي خلاف ، والتهوين من شأنه ، ولو كان في الأصول ، والدعوة إلى غض الطرف عن أخطاء الآخرين استبقاء لمودتهم ! ، فذلك وجه باطل ، ولو حسنت نية صاحبه فذلك الظن بكل من يعمل نصرة للديانة إلا من ظهر من قوله أو فعله ما يقطع بأنه صاحب هوى أو طالب لرياسة .

    فلا بد من النظر في هذا الأمر بعين الشرع الحاكمة الناصحة لكل من خالف الطريقة الأولى فهي الميزان الذي توزن به الأقوال والأفعال ، فلا يصح شرعا الاحتجاج بضغط الواقع على مخالفة أحكام الشريعة تشددا في غير موضعه وذلك ما غلب على الحركات الإسلامية التي تعرضت لصنوف من الأذى والاضطهاد شهرتها تغني عن الإشارة إليها ! ، أو لينا في غير موضع اللين وهو ما غلب على فئام من هذه الجماعات كرد فعل عكسي لما تعرضت له من أذى أو ظهر لها من خطأ في المنهج ، فمالت الكفة إلى الطرف الآخر فلم تستو برسم الاعتدال والاقتصاد فمن تشدد معيب إلى لين مثله معيب ، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم ، فمراجعة النفس ونقد الذات يجب أن يكون على منهاج الشرع فلا يعلو صوت العاطفة على صوت العقل فالمراجعات لا ينبغي أن تتحول إلى تنازلات ! ، ولا بد مع ذلك من النظر بعين القدر ، فهي العين التي يرحم بها المخالف وتلتمس له بها الأعذار وإن لم تتغير الأحكام ، وهي عين تصلح مع كل مخالف في الطريقة العلمية أو العملية فله منها حظ بقدر قرب مقالته من مقالة الوحي ، بل قد يكون للكافر الأصلي منها حظ ، فالدعوة تتراوح بين الشدة تارة برسم : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، واللين أخرى برسم : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، ولكل حال ما يلائمها من الأحكام ، فــ : (لَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فذلك لمن أحسن منهم وكان مسترشدا طالبا للهداية فيحسن استعمال أخلاق الجمال معه ، وجاء الاستثناء : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ، فلا تحسن مجادلته بالتي هي أحسن ، فالأليق به أخلاق الجلال زجرا له ، فاستعمال أخلاق الجمال معه تخاذل وإعطاء للدنية في الدين باسم التسامح الذي علت أسهمه في سنوات الضعف الأخيرة .

    ومما وقع في تلك القمة أيضا :
    توقيع الرئيس الصوري كرزاي ! وراسموسن الأمين العام لحلف الناتو : اتفاقية أمنية من جنس الاتفاقية الأمنية التي وقعتها الحكومة العراقية الصورية أيضا ! ، وأمريكا ، لضمان الدعم الأمريكي لتلك الحكومة بعد جلاء القوات الأمريكية أو فرارها ، أيضا ، بحلول منتصف يوليو القادم ، إن شاء الرب جل وعلا ، وإن كان ذلك قد صار موضع شك بعد عودة الجمهوريين المتعطشين لسفك دماء المسلمين إلى واجهة الحياة السياسية في أمريكا بعد الانتخابات الأخيرة ، والمعسكران الديمقراطي والجمهوري ، كلاهما يكن مشاعر العداء للإسلام وأهله ، ولا يخفي ذلك في أحيان كثيرة ، ولكن الديمقراطيين يتحلون بنوع لباقة في مقابل ما يتحلى به الجمهوريين من الصراحة ، فالحكومتان العميلتان : الأفغانية والعراقية تدركان أنه لا بقاء لهما إلا بدعم من أمريكا أو الناتو ، فلو حصل الجلاء التام وانقطعت كل صور الدعم المادي والعسكري لسقطت تلك الحكومات بل لحزمت حقائبها مع المحتل كحال كل حكومة عميلة تجد نفسها وحيدة أمام ضغط المقاومة وضغظ الجماهير التي تكن لها مشاعر العداء وإنما يمنعها من بث تلك المشاعر : القبضة الأمنية الغاشمة المدعومة من الأمم المتحضرة العادلة ! ، والحال لا تختلف كثيرا في بقية دول العالم الإسلامي شبه المحتلة التي تترأسها زعامات لا تعرف إلا لغة العنف لتوطيد أركان ملكها ولو برسم الجور والإرهاب ، فهي تحظى ، أيضا ، بدعم الأمم الغربية التي لا يهمها إلا تحقيق مصالحها ولو دفعت أمم الأرض ثمن ذلك ! ، فتسكت عن صور من الفساد لا تسكت عنها في مجتمعاتها ، فالمعيار مزدوج والمكيال متعدد مع أن الحق واحد لا يتعدد ! .

    ومما طرخ أيضا :
    مسألة الدرع الصاروخية التي يريد الناتو نشرها حماية لأوروبا من أي خطر محتمل كخطر السلاح النووي الإيراني أو خطر أي جماعات إسلامية .... إلخ ، وقد وقع الاختيار على تركيا لنشر الدرع على أراضيها ، وهو ما أثار حفيظة دول ترتبط بتركيا بجوار قريب كإيران أو بعيد كروسيا فضلا عما يجمعها من مصالح مشتركة ، واستدعى ذلك تأكيد تركيا ، وهي عضو في الناتو ، وذلك من الأمر الواقع المفروض على القيادة السياسية التركية فذلك مما ورثته من تركة العلمانية السياسية ومما يقوي شوكة المؤسسة العسكرية العلمانية المتطرفة التي تناطحها وتسعى في السر والعلن لإسقاطها لتوجهها الإسلامي الظاهر ، وإن لم يكن التوجه الإسلامي الخالص الذي ينشده المسلمون ، فاستدعى ذلك تأكيد تركيا من باب التعامل مع الأمر الواقع على أحقيتها في التحكم في الدرع لأنه سينشر على أراضيها فمقتضى السيادة أن يكون الأمر والنهي بيد صاحب الدار .
    واستدعى ذلك ، أيضا ، حضور الرئيس الروسي لبحث هذا الأمر الذي يقلق روسيا التي اخترق الناتو خطوطها الدفاعية فضم دولا لصيقة لها ، فذلك تهديد للأمن القومي الروسي ، وبعض الفضلاء يشير إلى تخوف روسي من الوجود الأمريكي والأطلسي في وسط آسيا التي تعد منطقة نفوذ روسية ، وهو ما يجعل روسيا ، وإن اختلفت مع حركة طالبان قلبا وقالبا ، تمد الحركة بالسلاح من طرف خفي ولو بيعا وشراء ، فذلك من قبيل رد الصفعة لأمريكا التي ساندت الجهاد الأفغاني الذي قوض أركان الإمبراطورية السوفييتية ، فضلا عن تعاون الحركة مع جهات أخرى تخشى من النفوذ الأمريكي المتزايد في هذه المنطقة الحيوية من العالم ، فلإيران ، مع الخلاف العقدي والمنهجي الكامل ، مع الطالبان ، لإيران مصلحة في بقاء طالبان قوية وإن لم يكن لها مصلحة في تمكينها من الحكم فهي التي سعت باعتراف رءوسها إلى إسقاطها بالتآمر مع الشيطان الأعظم ! ، وللصين التي لا دين لها أصلا ، مصلحة عظمى في دحر أمريكا فهي القطب الصاعد الآن ، وبقاء أمريكا على مقربة من حدودها يثير انزعاجها ، ولباكستان المسلمة ، مع تخاذل قيادتها من لدن مشرف إلى زرداري ، لباكستان لا سيما الجيش ، مصلحة عظمى في بقاء طالبان ، لا سيما بعد تحيز أمريكا الكامل لعدوتها اللدود الهند في زيارة أوباما الأخيرة ، بعد كل ما قدمته القيادة الباكستانية من تنازلات ! ، وتلك سنة أمريكا مع حلفائها التكتيكيين ، كما تسميهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية ، وهو اسم مهذب ، فوصفهم الصحيح وصف : الأذناب ! ، فقد يكون هذا أيضا مما يجعل باكستان تمد الطالبان بالسلاح من طرف خفي ، فيكون ذلك ، أيضا ، من باب رد الصفعة لأمريكا ، ومن باب إحداث توازن في القوى بين الباكستان والهند ، فطالبان من أعداء الهند ، وبقاؤها مصدر قلق وإزعاج يفيد الباكستان في صراعها التاريخي مع الهند .

    وعلى كل من يجاهد هناك بإرادة خالصة ناصحة أن ينظر في مثل هذه التحالفات البينية المؤقتة ، فهي شبكة معقدة تتداخل فيها مصالح كثير من القوى ويلزم للنظر فيها بعين السداد ، سؤال الرب ، جل وعلا ، التوفيق والرشاد ، ثم النظر بعين المصلحة الشرعية الحقيقية لا المتوهمة فقد نظرت دول المنطقة في مصالح متوهمة فألبستها لباس الشرعية وتوسعت في العمل بها حتى سوغ ذلك صورا من العدوان الصارخ على المسلمين كما قد وقع لأهل العراق وغزة ، فحسابات السياسة عند قيادات كثيرة غير حسابات الدين ، فلا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ، والسياسة لا تكون ناجحة إلا إذا كانت برجماتية لا تقيم وزنا إلا للمصلحة المادية ولو أهدرت أو أولت من أجلها الأحكام الشرعية ! .

    ولا شك أن كثيرا منا لا يدري شيئا ، عن حقيقة الأوضاع في تلك البؤر المشتعلة فربما أصدر حكما انفعاليا بالتاييد المطلق أو نقيضه من المعارضة المطلقة ، وتلك مئنة من التعجل في إصدار الأحكام برسم العاطفة دون ترو يعمل فيه العقل نظرا في وجوه المصالح والمفاسد الشرعية ، ولا يقدر على ذلك إلا من أحاط بهذا الشأن ، فعين القدر عنده مبصرة بالظروف والملابسات التي تحيط بهذه التجارب وما يكتنفها من صعوبات وما تتعرض له من مضايقات تصل إلى حد الاستئصال العام في بعض الأمصار فيصبح الاجتماع لتدارس آي الكتاب العزيز جريمة تمس أمن البلاد ، كما في بعض الأمصار الآن ، فلا يحسن الحكم على أولئك المفتونين في دينهم بحكم يماثل الحكم على من عنده سعة ، ولو نسبية ، فيغتفر في حق الأول من التقصير ما لا يغتفر في حق الثاني ، وإن كانت عين الشرع واحدة ، فالأحكام الشرعية لا تتبدل وإنما يلتمس العذر في إجرائها بالنظر في القرائن والملابسات فلكل مصر ظروفه ، ولكل نازلة حكم يلائمها ، والأمر بالنسبة لنا في تقييم الحركات الإسلامية بشتى أطيافها لا يعدو أن يكون من قبيل التفكه في المجالس ! ، فلم نر في مجالسنا الدافئة الآمنة ! ، ما رأوه ، وليس الخبر ولو صحيحا كالمعاينة ، فمع المعاين من قرائن الحال ما ليس مع السامع عن بعد ، ولعل الله ، عز وجل ، أن يبصرنا بأحكام ديننا فتكون عين الشرع حاضرة ، وحال إخواننا فتكون عين القدر حاضرة ، فلا تكون أحكامنا ارتجالية ، بل مؤيدة بالشرع والقدر معا ، ولعله ، جل وعلا ، أن يكف بأسنا عن إخواننا فتسلم أعراضهم من ألسنتنا وإن لم يصير ذلك ما أخطئوا فيه صوابا ، فالأحكام الشرعية ، كما تقدم ، لا تتبدل ، وإنما ينظر بعين القدر في تأخير حكم أو تعجيله كما قد وقع من علي ، رضي الله عنه ، في فتنة مقتل عثمان ، رضي الله عنه ، فكان الصواب ما رآه من تأخير القصاص من قتلة الخليفة الشهيد حتى تسكن الفتنة وتهدأ النفوس فالقتلة أصحاب عصبيات تغضب لهم فقتلهم على الفور ذريعة إلى وقوع فتنة عامة .

    وقراءة السيرة في هذا الموضع مما يفيد الناظر أو الدارس فقها عظيما وحقيقا لا وهميا بالواقع فلا يتشدد حيث تحسن المرونة ، ولا يقدم تنازلا عن ثابت لا يسوغ التنازل عنه ، بالتوسع في استعمال مصطلح فقه الواقع الذي يقبل كأي مصطلح في زماننا : المط ، فتقحم في دائرته تنازلات عظيمة تنال من الأصول ، بحجة تحقق المصلحة الشرعية في ذلك ، والمصلحة الشرعية لا تكون أبدا بمخالفة الأصول الشرعية ، وإنما تكون بإبداء قدر معين من المرونة في الفروع التي يسوغ الخلاف فيها ، فتتعدد وجهات النظر فيها اعتبارا أو إلغاء ، فقد يرى أهل بلد فيها من المصالح ما لا يراه غيرهم فتكون في حقهم مصلحة ، وفي حق غيرهم مفسدة ، فذلك التفاوت لا يتصور بداهة في الأصول بل وفي كل نازلة ورد فيها نص صحيح صريح ولو كانت فرعا .

    والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرى عجبا من حال ذلك الرجل العظيم المؤيد بالوحي فيرى كيف أحسن توظيف كل الطاقات الإنسانية والمادية لبلوغ الغاية السامية بظهور الملة الخاتمة على أعدائها وكيف امتلك القلوب وعرف مفاتيح النفوس سواء أكانت من أوليائه أم من أعدائه ، فأحبه الولي وعظمه ، وهابه العدو وقدره فلم يخف إعجابا عظيما بحنكته وحسن سياسته ، فهي سياسة شرعية خالصة لا تعرف الرياء ولا تتشح بأثواب الزور من القول أو الفعل .

    فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبير بمعادن الرجال ، خبير بتأليف القلوب وسياسة الشعوب ، وانظر إلى طريقته العجيبة في تأليف واستمالة قلب قائد عظيم كخالد ، رضي الله عنه ، فيسأل عنه أخاه الوليد بن الوليد ، رضي الله عنه ، سؤالا خاصا ، ويثني على عقله ، فيقول : ومثل خالد يجهل الإسلام ؟! ، فلا يتصور أن تفوت حقيقةُ الإسلام عقليةً فذة كعقلية خالد ، رضي الله عنه ، ثم يعده بتولي أعلى المناصب القيادية في دولة الإسلام إن أسلم لا مداهنة وإعطاء للدنية وإنما استعمالا لتلك الكفاءة القتالية النادرة في نصرة الديانة والذب عنها ، فتلك الغاية الاستراتيجية العظمى للسياسة النبوية الحكيمة ، ثم هو يستقبله بوجه طلق وكلمات ثناء صادقة لا تصنع فيها ولا تزلف ، فــ : الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير ، ثم يوليه بعد ذلك أرفع المناصب العسكرية مع تأخر إسلامه ، فلم يعدل به أحدا في أمر حزبه ، كما أثر عن خالد ، رضي الله عنه ، ويوليه المسلمون في مؤتة بلا عهد سابق فيظهر من الكفاءة ما قد علم ، فيترك ثابت بن أرقم ، رضي الله عنه ، الراية له وهو بدري أحق منه بالقيادة باعتبار السبق والمكانة ولكنه يعرف لمثل خالد ، رضي الله عنه ، قدره ، ويوليه الصديق ثم يعزله عمر خوفا من افتتان الناس به ، فيسمع ويطيع ، ثم تأبى همته الملوكية إلا أن ينزل بالرومان هزائم في قنسرين أجرت على لسان عمر ، رضي الله عنه ، كلمته المعروفة : أمر خالد نفسه يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني ، وكل ذلك من بركة السياسة النبوية في استمالة هذا القائد العظيم الذي صارت معاركه مضرب الأمثال فهي السبب الرئيس في تقويض أكبر إمبراطوريتين في العالم القديم في زمن قياسي يشهد لهذه الملة بالصحة ، فلن يمكن الرب ، جل وعلا ، لأمة تفتح الدنيا برسم الوحي برجال أمثال خالد إلا إن كانت مقالتها صحيحة في نفس الأمر فذلك من بدائه العقول التي لا يماري فيها إلا جاحد أو مسفسط .

    فهكذا السياسة وإلا فلا ، وديننا عند التدبر والنظر ، هو دين السياسة ! ، في مقابل ما يزعمه الأفاكون من أنه لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين ، فيريدون بذلك إقصاء الإسلام والانتصار للعلمانية التي لا تقيم للدين وزنا في شئون الحياة العامة ، فسياسة الإسلام حاضرة حتى في الشأن الخاص بضبط الاعتقادات تصديقا لخبر الوحي ، وضبط الأقوال والأعمال امتثالا لحكمه وضبط الأخلاق فذلك من سياسة النفوس ، وسياسة الإسلام حاضرة ، أيضا ، في الحياة العامة في سائر وجوه المعاملات ، وفي الشأن الدولي مع بقية الأمم في السلم والحرب ، فكيف يكون دين بلا سياسة ؟! .

    وعموما فإن جيلنا إجمالا ليس بجيل حرب ، فهو الجيل الذي شرب من قدح السلام : الخيار الاستراتيجي الأول والوحيد تقريبا ! في مقابل صلف أذل أمم الأرض ، وذلك ، مما يزيد العجب ، وهو تأويل الذلة في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ؛ سلط الله عليكم ذلًا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" ، فوقع تأويل الحديث في زماننا ، فشربت أجيال من قدح السلام المحرم ! من لدن كامب ديفيد فأوسلو فالمبادرة العربية الأخيرة التي لا زالت على الطاولة رغم ما تلقاه من ردود أفعال حاسمة من يهود ، وأولها عقيب المبادرة مباشرة في جنين في إبريل 2002 في المذبحة الشارونية المعروفة ، ولا زالت ضربات يهود على طاولة المفاوضات تتوالى ، كما لا زالت صفعاتهم على قفا العرب والمسلمين جميعا تتوالى وكان الله ، في عون تلك الطاولة التي لم يفقد العرب الأمل في صمودها فلم تتهشم حتى الآن ، على الأقل من وجهة نظرهم ! .

    وإلى الله المشتكى .
    إن عرفتَ أنك مُخلط ، مُخبط ، مهملٌ لحدود الله ، فأرحنا منك ؛ فبعد قليل ينكشف البهرج ، وَيَنْكَبُّ الزغلُ ، ولا يحيقُ المكرُ السيء إلا بأهلِهِ .
    [ الذهبي ، تذكرة الحفاظ 1 / 4 ].
    قال من قد سلف : ( لا ترد على أحد جواباً حتى تفهم كلامه ، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ، و يؤكد الجهل عليك ، و لكن افهم عنه ، فإذا فهمته فأجبه ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم فإن الجواب قبل الفهم حُمُق ) . [ جامع بيان العلم و فضله 1/148 ].

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,721
    المذهب أو العقيدة
    مسلم
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي نصر من الله

    حيكت ثياب الذل للنيتو ....... والعز كل العز للافغانِ

    تحليل دقيق وملاحظات قيمة .. بارك الله فى الكاتب والناقل ...

    محاولة احتكار الحق الخالص دون إبقاء أي قدر للمخالف أو حتى الموافق الذي يختلف معك في قدر يزيد أو ينقص
    فالمعيار مزدوج والمكيال متعدد مع أن الحق واحد لا يتعدد ! .
    والأمر بالنسبة لنا في تقييم الحركات الإسلامية بشتى أطيافها لا يعدو أن يكون من قبيل التفكه في المجالس ! ، فلم نر في مجالسنا الدافئة الآمنة ! ، ما رأوه ، وليس الخبر ولو صحيحا كالمعاينة ، فمع المعاين من قرائن الحال ما ليس مع السامع عن بعد ، ولعل الله ، عز وجل ، أن يبصرنا بأحكام ديننا فتكون عين الشرع حاضرة ، وحال إخواننا فتكون عين القدر حاضرة ، فلا تكون أحكامنا ارتجالية ، بل مؤيدة بالشرع والقدر معا ، ولعله ، جل وعلا ، أن يكف بأسنا عن إخواننا فتسلم أعراضهم من ألسنتنا وإن لم يصير ذلك ما أخطئوا فيه صوابا
    وعموما فإن جيلنا إجمالا ليس بجيل حرب ، فهو الجيل الذي شرب من قدح السلام : الخيار الاستراتيجي الأول والوحيد تقريبا ! في مقابل صلف أذل أمم الأرض ،
    الله المستعان ..

  3. افتراضي

    كانت هزيمة الإتحاد السوفيتي على يد المجاهدين الأفغان في آواخر الثمانينات كانت إنجازا كبيرا للمجاهدين وللمسلمين عامة , إلا أنه كان نذير شؤم للعلمانيين الشيوعيين , والماركسيين .
    وهزيمة أمريكا وحلف النيتو بجلالة قدرهما إنجاز كبير لطالبان وفي نفس الوقت خيبة أمل كبرى للعلمانيين الليبراليين .
    إذا استفاد قادة طالبان من أخطاء الحركات الإسلامية في العراق وغيره وعرفوا كيف يستثمروا هذا النصر الكبير فستكون دولة اسلامية قوية يحسب لها ألف حساب كيف لا وأضخم قوة عسكرية في العالم إنهزمت على أيديهم وستكون طالبان هي الحامي الأول من الوحش الفارسي_ايران_ لأهل السنة في العالم .
    وجزى الله خير الجزاء الأخ هشام عن نقله الموفق
    لا أكون متجاوزا إن قلت إن الجدال حول وجود الخالق بدعة لم تظهر فى الإنسانية إلا فى أحط عصورها أخلاقيا ، ولا يسفسط حولها إلا أراذل الناس وسفهاؤهم.
    (د. أبو مريم)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    5,604
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    الإسلاميون إلى عهد قريب كانوا معروفين بتضييع النصر و ذلك بإعطاءه لمن لا يستحق بل لمن ليس إسلاميا بالمرة و هذا في ترجمة إيحائية لهزيمة نفسية كانوا يشعرون بها تجاه الأخر العلماني أو الكافر و لا يزال إلى يومنا هنا جزء كبير من الحركة الإسلامية إن لم نقل الأغلبية الساحقة يعاني من هذا الإنهزام الداخلي و الرغبة العارمة في إرضاء الكافر و المبتدع
    بل و الإستقواء به أيضا ضد أمثاله من أهل الضلال و الكفر ..
    و الذي حدث في العراق هو هذا بالضبط فالمتابع للجهاد في العراق يرى التمييع الكبير الذي سقطت فيه من تسمي نفسها بحركات المقاومة إلى درجة غير معقولة لا يستطيع من له أدنى فقه أن يفهم طريقة تفكيرهم ..
    فالنصر لا يكون إلا بمسك العصا من الاسفل لا من وسطها فلا يجب ان تعطى لأمريكا أية شروط و إنما عليهم الخروج بسرعة كما دخلوا بسرعة ووجود الملا محمد عمرحفظه الله يعطي أملا كبيرا في تحقيق هذا الأمر.
    التعديل الأخير تم 11-24-2010 الساعة 12:40 AM
    إذا كنتَ إمامي فكن أمامي

  5. #5

    افتراضي

    من هذا نستفيد أن المجاهدين يجب أن يلتفوا تحت قيادة واحدة توحد صفهم كلمتهم وقوتهم .

    وليس أن تصبح الفصائل الجهادية قيادات مسلحة لجهات أو أحزاب سياسية.
    الدين فطرة ثم عقل => مجموعهما يسمى الإيمان

    فإذا فسد أحد الجمعين فسد مجموعهما.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    دار الإسلام
    المشاركات
    6
    المذهب أو العقيدة
    مسلم

    افتراضي

    بارك الله بك دكتورنا الفاضل
    أعتقد أن التفاف العلماء الشرعيين والدنيويين حول المجاهدين يمنع تكرار أي خطأ من أخطاء الماضي , مثل هذه المقالات وكثير من الكتب والبحوث في هذا الموضوع يجب أن تصل للمجاهدين! هل قمنا بدور في ذلك؟

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. "لولا الناتو لذبحت ليبيا عن بكرة أبيها"
    بواسطة Digital في المنتدى قسم الحوار العام
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 10-04-2011, 10:17 PM
  2. بعض الأسئلة المحيرة
    بواسطة blue world في المنتدى قسم الحوار عن الإسلام
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 03-29-2011, 05:09 AM
  3. الفرصة الأخيرة
    بواسطة الفرصة الأخيرة في المنتدى قسم الاستراحة والمقترحات والإعلانات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-06-2005, 07:33 PM

Bookmarks

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
شبكة اصداء