* يصورون لنا ديننا على أنه ما جاء إلا لأجل القتل والسفك وإهدار كرامة المرأة
* يصورون لنا ديننا على أنه مجرد عادات بدوية قد نقلت لنا على أنها تشريعات ربانية
* يصورون لنا ديننا على أنه دين يهاجم العقل ويصادمه وأنه لا يمكن أن يجتمع في المرء العقل والإسلام وكأن كل المسلمين عبر القرون المتطاولة هم مجانين من نسل مجانين وينسلون مجانين
* يصورون لنا ديننا وكأنه لم يأت إلا لإقرار النقائص وأنه لم يدع أبدا إلى فضيلة وكأن الذين رضوا به دينا هم أهل لكل عيب بعيدون عن كل فضل فالمكارم لا تعرف إليهم طريقا ، وأن من عداهم هم مثال الشرف والعدالة والأمانة وهم عنصر الخير في الكون أو محوره على حد تعبير " بوش "
* يحاولون أن يهدموا ثوابتنا بمعاول ضعيفة هزيلة كل ما تتركه فينا من أثر هو مجرد حزن عليهم لأنهم يتعبون أنفسهم في غير فائدة ويستنزفون أوقاتنا وأقاتهم في لهو من الحديث وعبث من القول ، وليتهم بدل أن تضيع الأوقات في ذلك أن يبينوا لنا محاسن ما يعتقدون ليكشفوا لنا عما لا نبصر وهم يبصرون.

دعوة إلى الإنصاف:

إخوتي وأحبتي:
ليس من العدل والإنصاف عندما ننقد مذهبا فكريا أو دينا يدين به بعض الناس أو أي أيديولوجية ما أن ننظر بعين واحدة هي عين السخط فنحن عندما نحدد العين التي سنبصر بها ونلغي العين الأخرى فلن نرى إلا ما نريد نحن رؤيته ، ولو أننا حجبنا عين السخط وكشفنا عن عين الرضى فإذا نفس الأشياء التي انتقدناها تظهر في ثوب قشيب بعد أن كانت عما قريب تلبس مرقَّع الثياب وكل شيء فيها معاب والمنصف من الناس هو الذي ينظر بكلتا عينيه نظرا متساويا متزنا لا يُغلِّب فيه عينا على أخرى.

* وليس من الحق في شيء بل من الغباء بمكان لو اعتقدنا أن المليار ونصف مسلم وفيهم المفكرون والنابغون يؤمنون بالإسلام لأجل هذه الأشياء التي يصورها من ينظر بعين السخط.
* ومن الظلم بمكان أن نتصور أن بلالا وعمارا وخبابا وسلمان الفارسي وغيرهم قد تحملوا العذاب الذي تنوء بحمله الجبال لا لشيء إلا لأنه دين يدعو إلى السفك والقتل والتعصب للذكر على حساب الأنثى كما يدعون ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قد رفض كل المغريات التي عرضها عليه قومه من ملك ومال وزعامة لأجل ما يصورون ، وأن مصعب بن عمير ذاك الفتى المدلل يترك كل الرفاهية التي كان يعيش فيها ويتحمل الحبس والضرب والحرمان والذل والهوان لأجل ذلك كله ، وكل مثل مما ذكرناه هو الفرد المتكرر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* ومن الظلم بمكان أن نتصور أن قريشا وغيرها قد حاربوا الإسلام وآذوا المسلمين ونكلوا بهم وفعلوا بهم الأفاعيل في حين أن محمدا – صلى الله عليه وسلم - لم يأتهم إلا بعاداتهم ، وأنه فقط صبغها بصبغة إلهية بعد أن كانت توسم بأنها بدوية فلو كان هذا حقا فلعمري إنه ليعطي لعاداتهم قوة نابعة من قوة الإله بعد أن كانت عادات بشرية محضة فلماذا هاجموه وحاربوه وهو الذي يدعو إلى ما كانوا يمضون عليه نهجا لحياتهم بل لماذا كانوا دائما يقولون عن كل متحول عن الوثنية إلى الإسلام: هو صابئ أي متحول عن دين قومه وما دأبوا عليه بكل ما يحمله هذا اللفظ من معان ؟

* ومن الظلم بمكان أن ننظر إلى المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلى الحبشة مرتين ثم إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم ورضوا بحياة الغربة مع شظف العيش وتركوا عز الأهل والوطن وألّبوا بذلك عليهم قومهم . نعم من الظلم الادعاء أنهم ما فعلوا كل ذلك إلا لأجل ما يصورون .

* كما أنه من الظلم بمكان أن نحكم على أي أيديولوجية حكما منطلقا من أفعال أفرادها وتصرفاتهم بدون النظر إلى القانون الذي تتحاكم إليه هذه الأيديولوجية فلو أننا تحاكمنا إلى هذا المنطق لما أصبح في الكون حقيقة ثابتة فأكثر الناس عما يعتقدون بعيدون ، وكثير منهم يقولون ما لا يفعلون ، ومن هذا المنطلق فكل من يحكم على الإسلام بتصرفات المسلمين فهو من الإنصاف براء تماما كمن يحكم على المسيحية بأنها تصرفات " بوش " أو على اليهودية بأنها تصرفات " شارون "

النجاشي والتصرف الحضاري:
كل إنسان يمضي مع الحق بأسلوب لائق فهو حضاري جدير بأن نتعلم منه مهما تباعد به الزمن وفارسنا الذي نشيد بدوره الحضاري في مناقشة الآخر والحوار معه هو النجاشي ملك الحبشة الذي كان يدين بالمسيحية حيث لم تمنعه مخالفته للمسلمين الذين هاجروا إلى بلاده طمعا في عدله لم تمنعه تلك المخالفة من أن يضرب لنا مثلا يحتذى في الحوار جديرا بأن نتعلم منه نحن أبناء القرن الحادي والعشرين وذاكم هو الموقف كما جاء في كتب التاريخ والسير:
" عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جلدين لبيبين، وهما‏:‏ عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة ـ قبل أن يسلما ـ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي، وقدما له الهدايا ثم كلماه فقالا له‏:‏
أيها الملك، إنه قد ضَوَى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه‏.‏
وقالت البطارقة‏:‏ صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم‏.‏
ولكن رأي النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية، وسماع أطرافها جميعًا‏.‏ فأرسل إلى المسلمين، ودعاهم، فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان‏.‏ فقال لهم النجاشي‏:‏ ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا به في دينى ولا دين أحد من هذه الملل ‏؟‏

جعفر يعقد موازنة للنجاشي بين حالهم قبل الإسلام وبعد الإسلام:

قال جعفر بن أبي طالب ـ وكان هو المتكلم عن المسلمين‏:‏ أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات،وأمرنا أن نعبد الله وحده،لا نشرك به شيئًا،وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ـ فعدد عليه أمور الإسلام ـ فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك‏.‏فقال له النجاشي‏:‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء‏؟‏ فقال له جعفر‏:‏ نعم‏.‏ فقال له النجاشي‏:‏ فاقرأه عليّ ، فقرأ عليه بعض سورة " مريم " فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخْضَلُوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي‏:‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون ـ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ـ فخرجا، فلما خرجا قال عمرو بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ والله لآتينه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم‏.‏ فقال له عبد الله بن أبي ربيعة‏:‏ لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا، ولكن أصر عمرو على رأيه‏.‏
فلما كان الغد قال للنجاشي‏:‏ أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ففزعوا، ولكن أجمعوا على الصدق، كائنًا ما كان، فلما دخلوا عليه وسألهم، قال له جعفر‏:‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول‏.‏فأخذ النجاشي عودًا من الأرض ثم قال‏:‏ والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته، فقال‏:‏ وإن نَخَرْتُم والله ‏.
ثم قال للمسلمين‏:‏ اذهبوا فأنتم شُيُومٌ بأرضي ـ والشيوم‏:‏ الآمنون بلسان الحبشة ـ من سَبَّكم غَرِم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، ما أحب أن لى دَبْرًا من ذهب وإني آذيت رجلًا منكم ـ والدبر‏:‏ الجبل بلسان الحبشة‏.‏
ثم قال لحاشيته‏:‏ ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها، فوالله ما أخذ الله منـي الرشـوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشـوة فيــه، وما أطاع الناس في فأطيعـهم فيه‏.‏قالت أم سلمة التي تروى هذه القصة‏:‏ فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار‏.‏
هذا مثال للعدل والإنصاف الذي لا نطلب من الجميع سواه فالنجاشي لم تمنعه مخالفة المسلمين لدينه من أن يحترمهم ويكرمهم والأهم من ذلك أن يعدل معهم فالعدل أساس كل فضل والظلم سبب كل تخلف يكفي هذا النجاشي فخرا أن نذكر أفعاله بعد خمسة عشر قرنا فنشكرها بل ما أزهاه يوم أن أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الذهاب إليه تاركين أوطانهم لأنه ملك عادل لا يظلم عنده أحد ، نعم فالعدل وطن من لا وطن له وملجأ من لا ملجأ له.
فالعدل العدل بني قومي !!!!!!!!!!!!!