(( .. وكلمة الله
هي العليا .. ))
بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى ـ حلب
16 ذي الحجة 1431 هـ
21 تشرين الثاني 2010 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة ومَعْبر :
يقول سبحانه , عَـزَّ مِن قائل : (( .. وجعل كلمة الذين كفروا السُّـفلى وكلمة ُ الله هي العُليا .. )) ..
ولك أن تتصور بؤسَ هذا العالـَم , وهو يَـرزح ويئن , تحت وطأة كلمة الكفر والذين كفروا , التي ينطق بها , ويعمل بموجبها , قادة البشر , وساسة الأمم , وحكام الدول , بكل ما فيها من ظلم وظلام , وأساطيرَ وأوهام , وكفر وحرب ضروس , على العرب والإسلام , وتحركٍ ضمن دائرة الاستكبار والحرام .. وشيوع الفواحش والآثام ..
وهذه الكلمة , قد جعلها الله هي السفلى , للسافلين والساقطين أخلاقياً والمفلسين حضارياً , والقانطين إيمانياً .. من عُبّاد الطاغوت والطغيان والشيطان !.. فوق هذه البسيطة المغلوبة على أمرها , من قِـبل الكافرين والمستعمرين , الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله , ولا يَدينون دين الحق , وليس في قلوبهم رحمة بالخلق !..
ونصل الآن إلى كلمة الله القـُدوُّس , التي هي رحمته ونعمته , وهدايته وعنايته , فـهي العـلـيا دائماً , وهـي الـتي تـتـدخـل للإنـقاذ والردع والجهـر بالحـق , والصـدع بأمر الله : إغـاثـة وإنـجاءً لـعـباد الله , وإنـجازاً ووفـاءً , لما حـق فيه الوعـد من الله ..
(( وكان وعداً مفعولاً )) ..
إن كلمة الله العليا , ليست مجعولة ولا مخلوقة , لأنها قديمة وأصيلة قِدمَ الذات الإلهية , وبهذه الكلمة , تم إيجاد هذا العالم , ما علا فيه وما سفـُل , مما نراه قائماً وماثلاً , حيث ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ونقص , وانحطاط في البيئات والمصنوعات , وفساد في التسويات !..
أما كلمة الذين كفروا , فقد أرادوا أن تكون العليا , وأن يكون إليها المردُّ والاحتكام .. ولكن الله جل في علاه , جعلها السفلى , وجعلها تحت أقدام المؤمنين , وآلت إلى النفاد والنضوب , وحَقت هزيمة صانعيها ومُدَّعيها .. ولو ناطحوا السحاب , وعذبوا البشر أشد العذاب , وكانوا رواد الخراب والتباب !.. إذا كان الغراب دليل قوم ... ... ...
هذا كله واضح للمتأمل وضوح الشمس , في رائعة النهار , ولا يجحده إلا العميان والأشرار .. من الذين سفِـهت نفوسهم , وضلت عقولهم وتعاظم غرورهم , وتفجر جنونهم !..
(( وتمت كلمة ربك الحسنى .. )) صدق الله العظيم .. عبد الرحمن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
العالم بين كلمة الله وسنة الله :
من المعلوم بداهة , أن الله جل جلاله , كلمته هي العليا , وقد تمت صدقاً وعدلاً , لا مُـبِّـدلَ لكلماته , ولا معقـِّب لحكمه وحكمته , ولا رادَّ لمشيئته , ولا ممسك لرحمته .. (( وما يمسكْ فلا مرسلَ له من بعده )) ..
أمره نافذ ومهيمن , وعلمه محيط ومتغلغل , وقدرته الخارقة والفائقة , آخذة بتلابيب الكائنات , في الأرض وفي السموات , وإليه ترجع حركة الأفلاك والكواكب , والمجرّات والذرات !..
وليس العالم الإنساني , إلا مظهراً لحكمة الله , ورحمة الله , وهداية الله .. وكما قال سبحانه : (( الذي أعطى كل شيء خـَلـْقـَه ثم هدى )) ..
هذا وإن لله سنناً في الكون , لا تتخلف ولا تتوقف , ولا تقبل التبديل ولا التحويل , بل هي التي تقوم بالتبديل والتحويل , في حركة التاريخ , وسلوكيات الحياة , ومستوياتها ومسؤولياتها .. ومنعطفاتها الحاسمة ..
ويقف التاريخ اليوم , أمام تشعُّـب مذهل , في السُّـبل والمسالك , ومتاهات الهول السحيق , ومفترق الطرق , والمساعي الشتىَّ , والزلزال الرهيب , والطموحاتِ الأدهى والأمرِّ ..
وتبقى كلمة الله هي العليا , وإليها المرجع , ولها الحكم , وبها يكون الفصل والحسم , وصياغة الحياة من جديد ..
(( وتمت كلمة ربك صِدقاً وعدلاً لا مُبدلَّ لكلماته .. )) ..
ولكن هل يخفى ما انتهى إليه أمر الحياة والعيش , فوق هذه الأرض المنكوبة والمصلوبة , حيث عموم البشر, في قارات العالم : ألاعيبُ وسِـلع , وموادُّ خامٍ , وعجماوات , وطعوم للحديد والنار , ورعايا لأجهزة التجسس والاستخبار , وهدف مستضعف لحق النقض , في مجلس المطـفـِّفـين والظالمين (( مجـلس الأمـن )) .. أستغفر الله العظيم ..
وبعد :
فإن كلمة الله هي العليا , ولو لم يكن في الأرض مؤمن , ولا شريعة ولا دين , ولكن قد لا يظهر ذلك , لدى الغافلين والجاهلين , إلا حينما يتدخل الله لنصرة الحق وأهله , بعد لأي ومُـكـْث , فتبدو كلمة الأعداء الكافرين والظالمين , وكأنها ليس فوقها كلمة , ولن تجتاحَها عاصفة , ولن تطالها قوة , فحينئذ يدفع الله بأحداث لم تكن محسوبة من قبل , ويجعل الله من خلالها وبسببها , كلمة الذين كفروا وجحدوا , في أسفلَ سافلين , ويتهاوى أربابها صرعى بَـغيهم وعدوانهم , وتـُطوى إلى الأبد صفحتهم وسيرتهم .. ويلاحقهم عارهم ولعنتهم ..
تماماً كما كان قد حصل , من خلال حادث الهجرة النبوية , التي كانت البوابة للنصر المؤزَّر , الذي امتد إلى يوم الدين , يوم يقوم الناس لرب العالمين ..((إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا..)) ..
إن كلمة الله العليا , رمز لما أمر به , ونهى عنه , وشـرَعه لعباده , كي يهتدوا للتي هي أحسن وأقوم , وينجوا من مهالك الدنيا والآخرة , وينتصروا في معركة الحياة الصاخبة واللاغبة , ويبنوا هذه الحياة , بتقوى الله , وبنور الله .. وينقذوا من ينقذونه من خلق الله ..
إذن هما كلمتان تصطرعان وكل منهما شِـرعة وأمر , ومنهج عيش وفكر , وإسلوب حل ومعالجة , حسبما تقتضيه الكلمة العليا والسفلى !..
ومنذ فجر الإنسانية , التجاذب قائم على قدم وساق .. فالشيطان وقابيل , يمثلان الحسد والحقد , وسفك الدم .. والرحمن وعبده هابيل , مصدر الطيبة والفطرة , والنزوع إلى الخير والسلم , والتذمم من الظلم والإثم .. ولم تزل ملحمة قابيلَ وهابيلَ , تدور رحاها حتى الآن !..
والآن , فإن الذين كفروا , قد علوْا في الأرض علـُوّاً كبيراً , أعني بهم صهاينة العالم , وأمريكان التوحش والإباحية , وغِربان الاستعمار واللصوصية , الذين أتخمونا فتكاً وذبحاً , واستباحونا أرضاً وعِرضاً , ودمرونا حضارة وخـُلـُقاً , وصادرونا حرية ووجداناً وأمناً .. وكانوا علينا عاراً وناراً .. وجردونا من حضارتنا وعقيدتنا ..
وسلبونا أحسن ما عندنا , وأعطونا أسوأ ما عندهم , ولم يتركونا حتى ونحن حطام وهشيم , تذروه رياح القهر والفقر والكفر , وتلقي بنا في مكان سحيق , نرقص على الدماء , ونمر فوق الأشلاء !..
لقد حصدنا ما زرعنا من تضييع كلمة الله , واتباع كلمة أعدائنا الألدّاء , أعداء محمد والقرآن , والكعبة والقدس والإيمان , وأعداء كل ما هو عُـروبيٌّ وإسلام وسلام .. وإحسان ..
لقد برح الخفاء , وانكشف الغطاء , حتى لأهل الغباء , فهل من مُدَّكر , وهل من مُعْـتـبـِر , وهل من باحث عن الحقيقة الضائعة والمضيَّعة وهل آن الأوان , كي نعتصم بحبل الله ولا نتفرق , ونستمسكَ بالعروة الوُثقى , لا انفصام لها , ونتخذ َ من كلمة الله العليا , مرجعية ومنطلقاً ؟..
فعسى الله أن يأتيَ بالفتح , أو أمر من عنده , فيصبحَ الذين كفروا وظلموا , على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين ومَخـْزيين ..
ملحمة الوجود :
إن كلمة الله العليا , هي فوق كل الكلمات , السابحاتِ في الأرض , وهي العاقبة والنتيجة , في ملحمة هذا الوجود , وأمشاجه المتداخلة والمتشابكة , وهي الإطار والناظمة , لأطوار الخلق , وتطور الأمر , وتقلب الوجوه والوجهات , والضابطةُ لسلوكيات الأحياء والحياة , والمعيدةُ إلى التوازن الحق , كلَّ اختلال قد يصنعه المختلون عقلياً , والرجعيون حضارياً , والمنحطون سيرة وأسلوباً , والممعِـنون إجراماً وإرهاباً .. وتدميراً فظيعاً للشجر والحجر والـبشر , وكل الموروثات والـقِـيم , وكل ما هو محظور ومُحـرَّم ..
حينما يحكم الله منتصراً لذاته وصفاته , فإنه حينئذ تظهر كلمة الله العليا , وتزول عنها سُحُـبُ التعتيم والظلم , والممارساتِ الشاذة , والمداخلات الشقية : الخفية والعلنية , ويصحوا العباد من تحت ركام الغفلة والغرور , والثقة بالدنيا وأسبابها , وتـَصدعهم الحقيقة التي طالما حادوا عنها , وفروا منها , وجحدوا بها , وظنوا أن حصونهم وأسلحتهم وجنودهم , مانعتهم من الله , أن يُدركهم , ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر , ويضع حداً ونهاية لطغيانهم وفجورهم وشرورهم !..
إن مهمة كلمة الله العليا , أن تعيد الحق إلى نصابه , وأن تـُمكن للذين استـُضعفوا في الأرض , وتجعلهم أئمة , وتجعلهم الوارثين .. وتـُريَ الفراعنة والمجرمين , منهم ما كانوا يحذرون ويخافون ..
إن وصف الله جل جلاله , لكلمته بأنها العليا : أساساً واستمراراً , قد زاد المؤمنين إيماناً , وشدَّ من أزرهم , وقوى من عزيمتهم , ودفع بهم في طريق الصمود والتصدي , والرد على التحدي , وأوصلهم إلى حق اليقين , بأن النصر لهم , وأن الحق معهم , وأنهم الأعلوْن , وأنهم الوارثون ..(( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلـوْن إن كنتم مؤمنين )) ..
تنفيذاً لقول الله تبارك وتعالى : (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون )) .. صدق الله العظيم ..
الكلمة الإلهية العليا والتحولات :
إن التحولات والتحويلات الإلهية الربانية المرموقة , قبل أن تكون وقائع مادية مُعاشة , وأحداثاً محسوسة وملموسة , وأحكاماً مطبـَّقة ومنفـَّذة هي روح ونور , وأمر قـدُّوسي مقدس , وكلمة إلهية عليا , وريادة معنوية متقدمة , على طريق الله , بالحروف والكلمات , والتبصرة الواعية والواعدة , والبشرى والبشريات المبكـِّرة , المدعَّمةِ من الله , بالإصرار وبالإباء , وبالعناية العاصمة والمعصومة , والمنذرةِ بالحق الخالص , في دنيا الباطل والوهم , وكبائر الإثم والظلم , وفظائع الجـوْر والكفر , ومستنقع الإباحية والدمع والدم .. حسبما آلت إليه أوضاع العرب والعالم , على ظهر هذا الكوكب , أواخرَ هذا الزمن الأخير ..
والحقيقة أن الناس , يعسر عليهم التصديقُ , بالمعاني المجرَّدة , واستيعابُ مناهج الريادات النبوية , المرتكزة على ذكر الله وعلم الله , ومصداقية الوعد من الله .. (( واقترب الوعد الحق .. )) ..
يكون ذلك منهم قبل التأويل والتجسيد , ورسم الأحكام والحدود ..
وفي هذا السياق , يقول سبحانه : (( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله .. )) .. ينفي القرآن إمكانية الإدراك والإحاطة , بالريادات الإلهية الإبداعية , الغير المسبوقة ..
والله سبحانه وتعالى أجل وأعلم .. عبد الرحمن